د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 01:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-14-2007, 11:50 AM

محمد يسن علي بدر
<aمحمد يسن علي بدر
تاريخ التسجيل: 12-28-2005
مجموع المشاركات: 623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة (Re: محمد يسن علي بدر)



    عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة (4)

    الثلاثاء 23 يناير 2007
    د. منصور خالد

    شمولية الحل ومقومات الحكم وموجهاته


    ألحقت بديباجة ماشاكوس أيضاً مبادئ هادية حول قضايا التنمية والتوزيع المنصف للثروة ثم التحول الديمقراطي. غاية الأمر من ذلك التحول هو رد الحق الى أهله، أهل السودان حيث يقررون بِحُر ارادتهم من يحكمهم. ولقد أحسن الرئيس البشير صنعاً حينما أعلن خلال اسبوع واحد ان الانتخابات قائمة في مواعيدها لا محالة (خطاب الرئيس في ندوة سونا (27/11/2006)، وخطابه في القمة الافريقية الباسيفكية الكاريبية (7/12/2006)، ثم أضاف الى التوكيدين توكيداً آخر في خطابه قبل أيام في الاحتفاء بالعيد السنوي لذكرى استقلال السودان. لذلك، يلزمنا ان ننبه الى جوانب ثلاثة من البروتوكول. الجانب الأول هو شمولية الحل بمعنى السعي به لمعالجة المشاكل التي أقعدت السودان منذ الاستقلال، وعلى رأسها نظام الحكم والتنمية. لهذا تحدث البروتوكول في الفقرة (2-5-1) بالنص عن «ايجاد حل شامل يعالج التدهور الإقتصادي والإجتماعي في السودان (وليس فقط في جنوب السودان، والاضافة من عندنا) ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام بل أيضاً بالعدالة الاجتماعية والإقتصادية التي تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني ». ولعل هذا هوالسبب في ان أصبحت اتفاقية السلام الشامل هى نقطة الاستدلال بالنسبة لكل اتفاقيات السلام التي تلتها مع تفريع في النغم دون تبديل في اللحن.
    التهميش، وما أدراك ما التهميش؟
    الجانب الثاني هوالبعد الاقتصادي وقد ظلت الحركة الشعبية منذ بداهة عهدها تتحدث عن التهميش الاقتصادي حتى ساد التعبير على الخطاب السياسي. والتهميش ليس وصفاً ابتدعته الحركة الشعبية بل هو نعت أطلقه الاجتماعيون في الستينات من القرن الماضي، قبل أن يأخذ به الاقتصاديون والسياسيون، كمرادف للاقصاء (exclusion) أوالحرمان (deprivation) اللذين تعاني منهما شريحة مجتمعية في بلد معين. لذلك ندهش عندما يستنكر الناس وصفاً علمياً لظاهرة محددة شاع في أدبيات علم الاجتماع منذ أربعين عاماً. ولربما يجد المرء عذراً لهؤلاء عند استشراء استخدام التعبير على كل من لحق به حيف طارئ. على كل، في حال السودان، نعني بالمهمشين أهل بعض اقاليم السودان، وشرائح من المجتمع في بعض مناطقه، بمن فيهم من هم في داخل المدن، تدنت كثيراً مستويات معيشتهم ومعدل نموهم عن معدل التنمية الاقتصادية في المناطق الأكثر تطوراً، لا بسبب الكوارث الطبيعية وانما بسبب السياسات. هذا الوضع لا يقتصر على الجنوب الذي لعبت الحروب دوراً هاماً في تعميق أزماته، بل يشمل مناطق عديدة في الغرب والشرق والشمال وأطراف المدن الكبرى.
    وبعيداً عن العموميات ولَبْس الحق بالباطل نسأل : أهناك تهميش؟ ومن همش من؟ وهل للشمال دور في تهميش الجنوب؟ وما هو هذا الشمال الذي نعنيه؟ بعيداً عن التعابير الشفرية، والاطروحات الميتافيزيقية، هناك الارقام والحساب. ما الذي تقوله الارقام؟ نستند الى واحد منها هوالمسح الذي اشرفت عليه اليونسيف وتقدمت به الى مؤتمر القمة للاطفال الذي عقدته الامم المتحدة في بداية القرن. ولكيلا ينبري لنا وطني غيور ليصم هذه الاحصائيات بأنها واحدة من مؤامرات الدول الخارجية التي تحسدنا على ما نحن فيه من خير ونعيم ولا تريد بنا الا الضر، نضيف ان التقرير اليونيسفي اشرف على اعداده ثلاثة عشر كوكباً من ابناء وبنات السودان الذين لا يقلون غيرة على وطنهم عن اولئك الوطنجية. من هؤلاء وكيل وزارة الصحة القومية، مدير المكتب المركزي للاحصاء، مندوب عن جامعة الخرطوم، مندوب عن وزارة التعاون الدولي، مندوب عن الهيئة القومية للمياه، الى جانب خمسة وثلاثين باحثاً حقلياً سودانياً، وتسعة عشر مراقباً ومثلهم من المنسقين في الولايات الشمالية والجنوبية. تقول الارقام ان 53% من الاطفال البالغين سن التعليم في بلادنا لا يتلقون تعليماً. وحين تبلغ نسبة الذين لا يتلقون التعليم في المراكز الحضرية 37 % ترتفع تلك النسبة في الريف الى 63 % ولا تزيد في دارفور عن 22% مقارنة بـ 72% من اطفال الخرطوم. وفي الريف ايضاً لا يُكمل ثُلث التلاميذ المحظوظين الذين يحصلون على فرص التعليم الفصل الخامس. اما السكان الذين هم فوق سن الخامسة عشر فنصفهم اميون وعلى وجه التحديد 53 % منهم. ومن هؤلاء 33 % في المدن و61% في الريف. وعند تفصيل هذه الارقام نجد انه في حين تبلغ نسبة الامية في الشمالية 28% ترتفع الى 725% في دارفور. وان تناولنا قضية الحصول على المياه الصالحة للشرب نجد ان 40 % من أهل السودان لا تتوافر لهم هذه المياه، منهم 33% في المدن و61% في الريف. وحين يحظى بالمياه الصحية 89% من اهل الخرطوم تبلغ النسبة 67% في الجزيرة، 64% في الشمالية، 33% في النيل الابيض، 26% في غرب كردفان. وحول استخدامات الطاقة يبلغ عدد الذين يستخدمون مصادر الطاقة الحديثة للوقود (الكهرباء والغاز) 12% من السكان وهم اهل المراكز الحضرية، في حين يظل الفحم والاخشاب هما المصدر الرئيس للوقود بالنسبة لـ 88% من اهل السودان، بكل ما يترتب على ذلك من قضاء على الغطاء الشجري الغابي والنباتي.
    sقد نتجادل الى قيام الساعة حول من هوالمسئول ولكن هذا الجدل البيزنطي لن يفيد فقراء الريف والمدينة، ولن يحقق الرفاه للسودان، ولن يطور أو ينقذ من الضياع والبيود اهم ثروة لأي بلد، الا وهى الانسان، اكبر رأسمال. هذه الاوضاع نتاج طبيعي لسياساتنا منذ الاستقلال، أو بالحري لانعدام الرؤية الصائبة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. خاصة وقد كان متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي بالجنيهات السودانية غداة رحيل الاستعمار موزعاً على الأقاليم على الوجه التالي : (119) الخرطوم العاصمة، (71) الجزيرة، (28) المناطق الأخرى في الشمال الجغرافي، (12) جنوب السودان (المديريات الثلاث). لا نحسبن أن حكام السودان من أهل الشمال قد ائتمروا فيما بينهم للابقاء على هذا التوزيع غير العادل لنتاج التنمية ايذاءً لأهل الريف، وهم أهلهم، بل إن القصور عن إستبصار ما سيقود اليه المنهاج التنموي الذي ورثوه عن الاستعمار من نتائج مدمرة، كان أسُ الداء. فالاستعمار كان منطقياً مع نفسه عندما سعى للحصول من التنمية على أكبر عائد بأقل تكلفة. بنى وشيد حيثما كان ذلك محققاً لذلك الهدف : فالعمالة الأكثر قدرة وتأهيلاً منذ العهد التركي، والأرض السهلية المنبسطة، والماء الوفير، والاحتكاك بالعالم الخارجي، ومؤاني التصدير، كانت كلها في الشمال. والسودان ليس فريداً في هذا، فالى جانبه دول عديدة ذهبت بعد استقلالها لمعالجة البؤس الموروث، عن الاستعمار أو عن غيره، بسياسات ذات أولويات واضحة أهم ما فيها هو التمييز القصدي أو الايجابي لايجاد توازن كلي. وعلى كل، فان واجب الوارثين لتلك الأنظمة هو علاج الأخطاء في سياساتها لا التدافع لنقدها أوايجاد المعاذير لها. وما الذي صنعته نايفاشا الا خطوة أولى في طريق طويل وشاق.معالجة هذا الوضع لا تتحقق بالحديث عن التنمية المتوازنة، التعبير /الشعار الذي طغى على الخطاب السياسي/ الاقتصادي في كل عهود الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية، وانما بالرؤية الصائبة، فالبرامج التي تترجم الرؤية الى واقع، ثم التحديد العملي للموارد المطلوبة لتحقيق الأهداف المبتغاة. ولهذا ذهب بروتوكول نايفاشا الى ترجمة المبادئ العامة الواردة في بروتوكول ماشاكوس حول معالجة التدهور الاقتصادي الى مبادئ موجهة لاقتسام الثروة القومية، أو على الأصح التوزيع العادل لها. من هذه المبادئ :
    تقسيم ثروة البلاد على نحومتكافئ حتى يتمكن كل مستوى حكومي من الاضطلاع بمسؤولياته وواجباته القانونية.
    * كفالة تقسيم وتوزيع الثروة الناتجة عن موارد السودان لتعزيز الحياة والكرامة والظروف المعيشية لكل المواطنين دون تفرقة على أساس النوع أو العنصر أو الدين أو الانتماء السياسي أوالعرق أو اللغة أو الاقليم. ويقوم تخصيص هذه الثروة على مبدأ أن لكل أجزاء السودان الحق في التنمية (التأكيد من عندنا).
    * يتفق الطرفان أن جنوب السودان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق تواجه احتياجات ملحة لكي :
    (1) تتمكن من الاضطلاع باعباء الحكومة الأساسية.
    (2) تتمكن من بناء الإدارة المدنية.
    (3) تعيد تأهيل واعمار البنية الأساسية العمرانية والاجتماعية في سودان ما بعد الصراع.
    * الالتزام بتفويض السلطة ولا مركزية القرار فيما يتعلق بالتنمية والخدمات.
    * بناء البنية التحتية والموارد البشرية والتنمية الاقتصادية المستدامة والقدرة على تلبية الاحتياجات الانسانية في اطار الشفافية والحكم الخاضع للمساءلة واتباع أفضل السبل المعروفة في الاستغلال المستدام للموارد الطبيعية (التأكيد من عند الكاتب).
    * لا يجوز للحكومة القومية حجب أي مخصصات مستحقة للولايات أو لحكومة الجنوب ويجوز لأي مستوى آخر للحكم احتجزت أموال مستحقة له أن يقيم دعوى في المحكمة الدستورية ضد أي جهاز أومستوى آخر يحتجز اموالاً مستحقة له.
    * الاستعانة بالعون الخارجي الى جانب الموارد المحلية لتنفيذ هذه الأهداف.
    لم يكتف بروتوكول نايفاشا بالنص على أهمية التوزيع العادل للثروة والمخصصات المالية، بل ابتدع الأجهزة الدائمة التي تتولى مراقبة منح الحصص المخصصة لحكومة الجنوب والولايات في الايرادات العامة وكفالة الشفافية والعدالة عند تخصيصها، وتلك المكلفة بتعبئة الموارد الاضافية لاعادة البناء والتنمية على المستوى القومي، ومستوى جنوب السودان. كما أقر الاتفاق، ونص الدستور على، انشاء صندوق قومي للايرادات يخضع لمراقبة الجهاز التشريعي وتقيد فيه كل الايرادات التي يتم تحصيلها من جانب الحكومة القومية بما في ذلك ايرادات البترول المستحقة''. وفي النص الأخير ما يدرء ما كان يتردد في صفوف المعارضة من شبهات بأن ايرادات البترول لا تُضمن في الميزانية العامة ولا تخضع للمراقبة العامة. وبهذه الاجراءات انتقل الاتفاق بشعار التنمية المتوازية من التمنيات أوالشعارات الى اطار البرامج والعمليات.
    ***********
    التحول الديموقراطي
    الجانب الثالث هوالتحول الديموقراطي. ولوكان بُغية الحركة الشعبية من التفاوض هو تحقيق مطالب الجنوب التاريخية والرضى بالأدنى على المستوى القومي الى حين الانفصال، لما واظبت على مدى عامين في الحوار حول أمور تعني الشمال بالمقام الأول، وعلى رأسها التحول الديموقراطي. التحول الديموقراطي يعني الانتقال بالسودان الى حكم يفسح المجال لكل القوى السياسية، وينهي كل مظاهر الشمولية خلال فترة انتقالية يحكمها دستور يوفر كما قالت الاتفاقية '' الحقوق الانسانية والسياسية لجميع شعب السودان (الفقرة 2-15 ماشاكوس). عموميات بروتوكولي ماشاكوس ونيفاشا فصلت في نصوص دستورية تضمنها باب كامل من الدستور توافرت فيه لأهل السودان حريات افتقدوها في زمان كانت فيه الديموقراطية تتألق بغيابها (Conspicuous by its absence) الديموقراطية التي اقررناها في ماشاكوس ونايفاشا ليست نظاماً اخترعه حزب أو مفكر سياسي على عينه، بل هى الديموقراطية المعرفة بالالف واللام والتي تقوم على مبادئ التداول السلمي للسلطة، احترام الحقوق الاساسية للانسان، ابتناء الحقوق والواجبات الدستورية والقانونية على اساس المواطنة، وسيادة حكم القانون. وان كان بينها وبين الديموقراطية اللبرالية من فروق فهى فروق في القسمات لا في الاساسيات، وان كان بينهما تمايز فهو في الفروع لا في الاصول.والآن، وقد استكشفنا جميعاً فضيلة الديموقراطية بعد عهود طوال جربنا فيها مبادئ لا حرية لأعداء الحرية، ولا صوت يعلوعلى صوت المعركة، ولا مكان للقدامى، وبالدم بالروح نفديك يا ثورتنا، ثم اخيراً تجربة المشروع الحضاري الذي يقاد له الناس لخيرهم خطم انوفهم، يستحب لنا، بل يجب علينا، ان ننظر للديموقراطية بمعناها الذي أوصفناه لا كمطمح، بل كغاية لا معدي عنها. ان لم نفعل، سيصبح السودان، وطناً يأكل الاجيال، اللهم الا ان كان قد حق عليه دعاء سعد بن ابي وقاص على أهل الكوفة : ''اللهم لا تُرضى عنهم امير، ولا تُرضهم بأمير''.
    ***********
    المُلاحاة حول الاتفاقية
    ومع صحة القول ان بلاغة الكلم لا تغني عن كفاءة العمل، بمعنى ان العبرة بتنفيذ الاتفاق، لا بحسن تهيئته وجودة ترتيبه، نتساءل ما هى اسباب الملاحاة حول الاتفاقية ان كان في مبادئها ومؤسساتها ما يحقق السلام في الجنوب، ويضع اساساً هادياً لمعالجة الصراعات الاخرى في السودان، ويؤسس لحكم يرضي طموحات اهل الاقاليم، ويهيئ لصاحب القول الفصل، شعب السودان، الوضع الذي يمكنه من ان يقضى بحريته واختياره في امر يحكمه، وتحت رقابة دولية حتى يعيد كل واحد منا الى مكانته واستحقاقه بين الناس. للملاحاة سببان في تقديرنا بعضها انطباعي، وبعضها موضوعي، ومنها ما هو ممعن في الذاتية. انطلاقاً مما قدمنا به هذه المقالات عن الدواعي التي تحفزنا للكتابة، سنتناول كل هذه الاسباب في معرض الاشارة اولاً الى الظروف التي تم فيها الاتفاق ومكنت من تحقيقه، وثانياً لما بدر في مواقف بعض المنسوبين الى طرفي الاتفاق من تشكك في صلاحية الاتفاق، أوعدم جدية في الالتزام بها، أوترخصاً في الحديث عنها بصورة توحي بعدم أخذها مأخذ الجد. وثانياً في مواقف المعارضين والصحافة تجاه الاتفاقية وما نلمسه فيها من استخلاص غير سليم لما احتوته، أو تفسير ضار لها، او استهانة بما يلزم فيه الجد. ولكيما يصبح تحليلنا لتلك الاسباب تحليلاً واقعياً دون نظر مثالي، لا بد ان يسبق التحليل تفصيلاً للظروف التي تم فيها الاتفاق، والعوامل التي احاطت باتمامه.لعلنا آخر من يصف اتفاقية السلام الشامل بالمثالية، رغم اطرائنا عليها كحل وسطى ينهي الحرب في الجنوب ويؤهله لحكم نفسه ولعب دوره في المحيط القومي برضاء اهله، ويضع الاسس لانهاء التململ في الاقاليم بأن يعهد لها، هى الأخرى، ادارة شئونها ويوفر لها الموارد التي تمكنها من ذلك، كما يضع حداً للجدل حول الهُوية بعد ان اضحى عقيماً لا ثمر منه. هذا الاتفاق تم بين طرفين لا يملك اي منهما ان يدعي انه يمثل كل اهل السودان، ولكن كليهما يمسك بمفاتيح التحكم في امر الحرب والسلام، كما يملكان القوة المادية والمعنوية لتأجيج الاولى وانفاذ الثانية. فالحركة الشعبية لا تستأثر بالجنوب كله، والمؤتمر الوطني لا يمثل السودان كله. الفريقان ظلا يحتربان لما يزيد على العقدين من الزمان حرباً اهدرت الموارد، وكادت تقضي على النسل. وكان لكل فريق نصراء، في هذا الجانب أو ذاك، منهم من جاء اليه حباً في علي، ومن جاء بغضاً في معاوية. وان كان دور انصار نظام الانقاذ من غير اهله في الشمال قد اضاف اليه بُعداً معنوياً، كما اضاف له من استنصروا به في الجنوب بُعداً مادياً يتمثل في زعزعة (destabilization) الحركة الشعبية، فقد كسبت الحركة الشعبية دعماً سياسياً ومعنوياً من قوى التجمع الوطني الديموقراطي في الشمال، كما كسب التجمع منها غطاء ردع لقوة الانقاذ التي انتزعت من بعض اطرافه السلطان، ومن البعض الآخر الحرية. رغم كل هذه الروايات داخل الرواية (plays within the play) ظلت الرواية الكبرى، أي الحرب هى الهاجس الأكبر عند الطرفين وعند دول الجوار والعالم.
    ***********
    كيف ننهي الحروب؟
    الحروب لا تنتهي الا بشيئين: حل وفاقي يتراضى عليه الطرفان، أو وضع فيه غالب ومغلوب. ولهنري كسنجر رأي في هذا عندما تسلم زمام المفاوضات لانهاء حرب فيتنام. قال لصقور الادارة الامريكية، وكان واحداً منهم : ''عندما يعجز الجيش عن محق العصابات (guerillas) يكون الجيش قد عجز عن تحقيق غرضه، وعندما تحافظ العصابات على وجودها وقدرتها على الايذاء تكون العصابات قد انتصرت''. في وضع كهذا يدرك السياسي الحصيف ان الهزيمة ليست هزيمة، وان الانتصار ليس انتصاراً، ويصبح الاستمرار في الحرب عبثاً، أوعلى الاقل عبئاً بلا طائل. فالحرب لا يمكن ان تكون هدفاً في حد ذاتها لمن اسماهم كسنجر ''العصابات'' ومن يسميهم اهل فيتنام الثوار ونسميهم في السودان جيش التحرير. فلهؤلاء غايات لا تتحقق الا بالسيطرة على الفضاء السياسي. من الجانب الآخر، فان الجيش لا يحارب من اجل الحرب وانما من اجل السيطرة على كامل التراب الوطني لأن هذا هو واجبه الاول، كما أن النظام الذي يحميه الجيش يريد استقراراً كاملاً ينصرف بعده الى تنفيذ اجندته السياسية، أياً كانت هذه الأجندة. هذا هوالسبب الأساس الذي مهد للاتفاق، وليس السبب في التفاوض، إذ تعود المفاوضات الى منتصف العام 1989 في اديس ابابا (أغسطس من ذاك العام) في بداية عهد الانقاذ تحت رعاية الرئيس السابق منقستو هايلي مريام، وفي نيروبي (ديسمبر 1989) تحت رعاية الرئيس الامريكي كارتر وباستضافة الرئيس الكيني اراب موي.
    أي اتفاق يتم تحت ظل ظروف كهذه لا يمكن ان يقود الى تحقيق السقف الأعلى لمطالب أي من الطرفين، فمطلب الانقاذ، بعد اخفاق محاولات السلام الاولى، كان هوالقضاء التام على الحركة الشعبية وصدها (أوبالحرى طرد قياداتها) الى خارج حدود السودان واقامة دولة اسلامية من نيمولي الى حلفا. ومطلب الحركة هو قيام دولة موحدة من حلفا الى نيمولي أيضاً يقوم الحكم فيها على أساس المواطنة ويُقصي فيها الدين عن أمور الحكم والسياسة. الهدفان لا يحققهما اتفاق سلام بل وثيقة استسلام بعد ان ينجوالمهزوم فيها بجلده، أويسقط ومن معه على أسنة رماحهم، أويخلع بزته العسكرية ويضع غدارته على طاولة المفاوضات ثم يوقع على الخطوط المرسومة مستسلماً. فمع التباين في الرؤى، والاختلاف في المنطلقات، كان لا بد للطرفين من التوافق على اتفاق حد أدنى لا غالب فيه ولا مغلوب (win.win agreement) وان كان ذلك الاتفاق لا يحقق السقف الأعلى لمطالب أي من الطرفين فمن بؤس التفكير ان يظن ظان من أنصار المؤتمر أوالحركة أنه قادر على تنفيذ اجندته القصوى عبر اتفاق طوعي مع الطرف النقيض، أو أن يستدرج طرف معارض ساسة الحركة لتقويض نظام الحكم خِلاساً، وكأنه يدعوهم لنقض غزلهم بيدهم
                  

العنوان الكاتب Date
د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:20 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:24 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة علي محمد علي02-14-07, 11:36 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:44 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:50 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:08 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:30 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:55 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:10 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:24 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:53 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:24 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة ahmed haneen02-15-07, 08:45 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:04 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:16 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-18-07, 08:51 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-19-07, 10:16 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Adil Al Badawi02-20-07, 07:56 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-20-07, 11:49 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 08:46 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة adil amin02-25-07, 12:13 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 12:43 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-26-07, 10:53 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:10 PM
        Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:14 PM
          Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-09-07, 09:44 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:07 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:15 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:33 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-12-07, 11:01 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-13-07, 01:53 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-18-07, 12:32 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Asma Abdel Halim03-19-07, 08:05 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-20-07, 03:35 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-27-07, 10:14 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر04-02-07, 12:58 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de