د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 10:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-14-2007, 12:55 PM

محمد يسن علي بدر
<aمحمد يسن علي بدر
تاريخ التسجيل: 12-28-2005
مجموع المشاركات: 623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة (Re: محمد يسن علي بدر)

    الأثنين 29 يناير 2007
    د. منصور خالد
    عامان من السلام : حساب الربح والخسارة.. (7)
    الدستور، من الذي يحميه ويرعاه؟
    الدستور والبيئة الوخيمة

    يأتي، من بعد، موضوع التهوين من أمر، ولا نقول الاستهانة، بالاتفاقية. ذلك تجلى في بعض الممارسات والتصريحات والاشارات التي صدرت من مسئولين هنا وهناك، تنم عن خفة، أو قل هوادة، في التعامل مع الاستحقاقات التي قضت بها الاتفاقية. هذا أمر لا يجوز التصامم عنه، فلو فعلنا لقاد ذلك الى مزيد من الاستخفاف. من ذلك، ايحاء بعض المسئولين في حكومة الجنوب في ممارساتهم اليومية بأن الجنوب استقل بشأنه ولا دور له في الحكم القومي، بل لا شأن للحكومة القومية به. ومن واجب الحركة الشعبية، ليس فقط بحسبانها الحزب الغالب في حكومة الجنوب بل، قبل ذلك، الطرف الثاني في الاتفاقية، ردع هؤلاء عن أوهامهم، لا سيما والحركة ما فتئت تؤكد التزامها بما نصت عليه الاتفاقية في كل الاجتماعات الدورية لمكتبها السياسي، كما تؤكد التزامها بالعمل على جعل الوحدة خياراً جاذباً. وان كان في الشمال من لا يريدون لها(أي الوحدة) ان تصبح كذلك فان واجبنا هو ابانة خطل رأيهم. هذا جزء من المعركة السياسية التي ظلت الحركة تخوضها منذ منشئها.

    الموضوع الأشد خطورة هو الاشارات والتصريحات التي تمس الحريات العامة و دور الاجهزة العدلية والأمنية في صيانتها. ذلك الموضوع احتل موقعاً بارزاً في الخطاب السياسي العام والمبارزات الصحفية الملتهبة، كان للاخ ياسر عرمان ونائب رئيس المجلس الوطني اتيم قرنق دور كبير فيها. لم تقع تلك المبارزات لأن الدستور لم يَفِ الأمر حقه، فقد اوفاه ايفاءً تاماً في وثيقة الحقوق، وبصورة لم تعرفها دساتير السودان من قبل. لمَ احتدم النزاع إذن؟ نجيب، ان الدستور ولد في بيئة أمنية وخيمة غير موافقة له، بل ومتعارضة معه، كان ذلك في القوانين أو الاجراءات. وطبعي ان لا يستمرئ الناس هذه القوانين والاجراءات. وبدهي أن يتوقع الناس، المؤيد منهم للاتفاقية و الحرون عن تأييدها، أن تنصرف حكومة الوحدة الوطنية لالغاء أو تعديل هذه القوانين بما يزيل التعارض بين الدستور والقوانين. هذا أمر نعرف جيداً أن الاجهزة العدلية تعكف عليه حسب أولويات قد لا نتفق عليها جميعاً. فأولى بالمراجعة والتقويم، بين كل القوانين، تلك التي تمس الحريات الاساسية، وتلجم السلطات الامنية واجهزة انفاذ القانون من التعدي عليها أو الخروج عنها. وأجدر بالمجلس الوطني الذي يجتمع وينفض، وفق ما تقول به لوائحه، أن لا يذهب في عطلة قبل اجازة تعديلات القوانين التي تتعارض مع الدستور، والتي ما زالت سارية بعد قرابة العامين من اقرار الدستور حتى لا يدع مجالاً للاختراص بأن هناك من يماطل في ذلك الأمر. ومهما كانت الظروف التي أدت الى التعطيل فلا عذر للاجهزة المسئولة عن ذلك الأمر أن تتمادى في البطء بعد توجيه رئيس الجمهورية بشأن هذه القوانين والاجراءات في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الحادية والخمسين لاستقلال السودان، وخطاب النائب الأول للرئيس في الذكرى الثانية لتوقيع الاتفاقية بكل تداعياته.

    أياً كانت اسباب البطء في القيام بهذه التعديلات فان هناك واجبات اولية لا بد من الالتفات اليها خاصة في الممارسات. ففي خلال العام الماضي وقعت احداث استوحشتها الحركة الشعبية مثل فرض الرقابة القبلية على الصحف، فنأت بنفسها عنها في بيان اصدره مكتبها السياسي (جوبا سبتمبر 2006)، في حين أن الوضع الطبيعي هو ان يساعف الشركاء، لا ان يناقروا، بعضهم بعضاً. ولن يكون الوضع طبيعياً عندما يرى احد شركاء الحكم في ممارسات بعض أجهزة الدولة استهانة بما جَدَ ولزم، واحترام وثيقة الحقوق على رأس ما يلزم. بمزيد من الايضاح نقول ان في فرض الرقابة القبلية على الصحف افتئات على الدستور بمخالفته لما نصت عليه المادة 39(2)، كفالة الدولة لحرية الصحافة ووسائل الاعلام الاخرى ''وفقاً لما ينظمه القانون في مجتمع ديموقراطي''. الكلمتان المفتاحيتان في هذا النص هما «ينظم» و«مجتمع ديموقراطي» : الأولى تؤكد ان دور الدولة هو تنظيم استخدام الحق، لا منحه أو حجره بقوانين تصدرها كما تهوى، والثانية تعني ان هذه القوانين نفسها لا يمكن ان تُبنى على رؤى فرد أو مجموعة أو هيئة تجتهد الرأي ولا تألو، وانما على ضوء ما هو متعارف في المجتمعات الديموقراطية. وحسناً فعل نائب الرئيس علي عثمان عندما أوقف هذا التجاوز معلناً ذلك في مؤتمر صحفي في الثامن عشر من سبتمبر في العام الماضي.

    بداء النار شرارة
    من الممارسات التي تستلزم التوقف عندها استمراء اجهزة انفاذ القانون والاجهزة العدلية عند تطبيق القوانين والاجراءات التي تتعارض مع الدستور لما درجت عليه في الماضي، وكأنها لم تستبطن روح الاتفاقية، بل نصوص الدستور في بعض الحالات. صحيح، ان تلك الحالات التي نشير اليها فردية. وصحيح أيضاً التصوير الرائع الذي جاء به ياسر عرمان حول الوضع الذي نحن عليه، عندما قال إن تعسر التنفيذ في بعض الأحيان شبيه بالصعوبة التي يتلقاها من يحاول اصلاح إطار عربة وهي تسير. أياً كان الأمر، نكرر القول إن الصمت عن أي ترخص في انفاذ الاتفاقية والدستور، يغري بالمزيد منه، فبداء النار شرارة.

    بوجه عام نتحدث في هذا المجال عن انتهاك الخصوصية (المادة 37 من الدستور)، وبوجه خاص عن حقوق غير المسلمين في العاصمة القومية (المادة 156 ج ود). وحول الاولى لا نتحدث عن حالات التربص والتقحم على الناس في حفلاتهم الخاصة دون ان يكون في تجمعهم ما يهدد القانون، ولكنا نتوقف كثيراً، كمثال باهر، عند رسالة بعث بها عالم سوداني مرموق لاحدى الصحف يشكو فيها من التعدي على خصوصيته. كتب الاستاذ البروفيسور احمد محمد الحسن، بلغة يكتنفها حزن واسى، يقول: ''اكتب هذا الموضوع وانا في طريقي الى البرازيل للمشاركة في مؤتمر اكاديمية العلوم لدول العالم الثالث، حيث طُلب مني أن اتحدث عن تجربتي وتجربة زملائي بمعهد الامراض المستوطنة في مجال البحث العلمي وما تحقق بالمعهد الذي صنفته الأكاديمية مركزاً متميزاً (Center of Excellence ) كنت في السابق، وكغيري، اصطحب معي كمبيوتري الشخصي الذي يحوي المحاضرات التي القيتها وأدون فيه ما يدور في المؤتمر الذي أشارك فيه. وقد آثرت عدم أخذ الكمبيوتر معي هذه المرة وذلك تفادياً لما سوف يحدث عند عودتي، حين يطلب مني تسليمه لسلطات مطار الخرطوم للكشف عن محتوياته وهذا ما ارفضه تماماً للاسباب الآتية : أولاً هذا الأمر فيه انتهاك صريح للحرية الشخصية واهدار لكرامة الانسان وتشكيك في مسلكه ومثله واخلاقه خاصة لشخص في خريف العمر قضى اكثر من خمسين حجة منها في تعليم النشء وممارسة مهنة الطب التي اؤتمن فيها على اسرار الناس وأعراضهم وبما أنني ادون في الكمبيوتر اسماء وعناوين، بل وصوربعض المرضى فكيف يجوز لي أن اخون الامانة و انكص بالعهد واسلم طائعاً مختاراً أو مرغماً كل ذلك الى شخص آخر كائناً من كان... الخ، «ومضى البروفيسور في رسالته» يقول لكل ما سبق قررت عدم اصطحاب الكمبيوتر وأرجو مخلصاً ان يُعاد النظر في هذا الأمر ولا يخالجني ادنى شك ان من اصدر هذا القرار لا يدرك ما تطرقت اليه و تطرق اليه آخرون وان صاحب القرار لا يرى في الكمبيوتر غير آلة للهو والتسلية ولا يدري ان الكمبيوتر الشخصي قد أصبح قلم و قرطاس هذا الزمان''.

    أحمد محمد الحسن، وزير البحث العلمي السابق والاستاذ بمعهد الامراض المستوطنة، ليس رجلاً عادياً. هو عالم من اعلامنا الأفذاذ وهب كل حياته للبحث والعلم. لم يفعل هذا زهادة في وطنه، وانما لأنه أوزن نفسه على أن أمثاله يخدمون اوطانهم بالانقطاع للعلم النافع. ولا شك لدي في أن ذهن السلطة التي اتخذت هذا القرار الذي اخرج هذا الرجل المنقطع للعلم عن صمته، وبوجه خاص مدير الجمارك الذي هو من بين اكثر من عرفت احتراماً لكل من هو قمين بالاحترام، لم يذهب الى احتمالات مثل تلك التي تعرض لها الأستاذ النابه. ان اللوائح والاجراءات التي لا يصحبها تنوير بما تقتضيه الاعراف ويفرضه الدستور من استحقاقات حتى يعين منفذيها على التمييز بين الناس والحالات عند تطبيق القانون، يوقع صناع القرار في حرج هم ونحن في غنى عنه.

    أما حول غير المسلمين، الذي كان يدور في خلدنا عند الاحتشاد لكتابة هذه المقالات هو ما تناصر من أنباء عن فرض الحدود على غير المسلمين وكأن الأجهزة التي قامت بذلك لم تقرأ المادة 156 من الدستور، خاصة الفقرة الفرعية(د) التي تقول ''تراعي المحاكم عند ممارسة سلطتها التقديرية في توقيع العقوبات على غير المسلمين المبدأ الراسخ في الشريعة الاسلامية أن غير المسلمين من السكان لا يخضعون للعقوبات الحدية المفروضة، وتطبق عليهم عقوبات تعزيرية وفقاً للقانون''. ذلك أمر لم تكن الاجهزة المعنية في حاجة الى نص دستوري بشأنه، بل أن النص، في حقيقته، تزيد لأنه لم يفعل أكثر من التأكيد على مبدأ راسخ في الشريعة الاسلامية، وفي تجارب الحكم الاسلامي الرشيد. بيد أن ضرورات التقارب دفعت الطرفين الى الرضى بهذه الصيغة. فنعرف مثلاً، أن خالد بن الوليد قضى لبلاد عانات «ان لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة وعلى أن يخرجوا صلبانهم في أيام عيدهم»، وان حذيفة بن اليمان أعطى أهل ماء دينار ''الامان على أنفسهم وأموالهم وأرواحهم ولا يغيرون عن ملة ولا يحال بينهم وبين شرائعهم وعوائدهم ولهم المنعة، وأن عمر بن عبد العزير أزاح اسامة بن زيد صاحب خراج مصر عن موقعه لقسوته على القبط''. أقرب الينا ما أقره عبد الله بن أبي سرح على عهد عمرو بن العاص في صلحه مع النوبه المسيحيين(دنقلا) بامدادهم، مقابل ثلثمائة وستين رأساً من الرقيق، بالقمح والشعير والكساء وألف اقنين من الخمر للمتملك (ملك النوبة) وثلاثمائة أخرى لكنائسهم (المقريزي في الخطط والبلاذري في الفتوح). هذا تاريخ نذكره ولا نُذَكر به الا الفريسيين، والفريسيون طائفة من متزمتي اليهود قال عنهم عيسى عليه السلام إنهم لا يقرأون الكتاب الا بعيون الموتى. أما الحاضر فيحكمه نَصٌ دستوري يلزم الكل. هذا مقام نشير فيه الى أن الذي وقع في ليلة عيد رأس السنة الميلادية الأخير في كنيسة كل القديسين بحي العمارات ليس بالأمر العابر. فمهما كانت الدواعي الأمنية، التي ندرك أهميتها، لا يمكن لأحد أن يبرر اقتحام الشرطة لدار عبادة وفي يوم مقدس عند أهله ويحصبه بالقنابل المسيلة للدموع. وطبعي أن يقع مثل هذا الفعل اذا كان أهم تنبيهات الشرطة قبيل أعياد الميلاد هى تحذير كل من تسول له نفسه اشاعة الفوضى في أعياد الميلاد من الاقدام على ما يخل بالأمن. كان الأوفق أن يبدأ البيان بتهنئة المواطنين المسيحيين بذلك العيد مع أطيب التمنيات لهم في احتفالاتهم، ثم يضيف أن الشرطة على أهبة الاستعداد للحيلولة دون أي انتهاك للقانون أو الاخلال به في تلك المناسبة. كلمات بسيطة لا تكلف كثيراً، ولكنها تعبر عن احساس بالآخر. هذا ما نعني بسايكولوجية السلام والتي يُعتبر احترام خصوصيات كل المواطنين واشاعة التسامح فيما بينهم من أولى مقوماتها.

    ما يريب وما لا يريب
    في الاشهر الماضية أيضاً صدرت تصريحات من مسئولين عن خطوط حمراء وبرتقالية قرأ بعض الناس فيها اكثر مما ينبغي ان يقرأوا، ورأوا في مطاويها معان لا أظنها خطرت بقلب المتحدث. وإن كانت لنا وقفة عند تلك التعليقات فانما هي فقط للقول إن الخط الأحمر الوحيد الذي ينبغي أن لا يتجاوزه الطرفان هو الاتفاقية والدستور، ما عدا ذلك فمن حق أي سياسي أن يلون خطوطه كما يريد ولا يلزمن بها الا نفسه. الا أنا نتوقف قليلاً عند حديث طويل دار بين وزير العدل، الأستاذ محمد علي المرضي، ومحقق صحفي فتاش وبارع في نصب الفخاخ (ضياء الدين بلال، الرأي العام 20/9/2006). ذلك الحديث اثار اهتمام عدد من صحابي القانونيين مما حملني على قراءته اكثر من مرة ليستوقفني فيه أمر هام هو التهوين من أمر أهم ما جاء به الدستور، ألا وهو وثيقة الحقوق. سأل ضياء الوزير عما حسبه تراجعاً عن الدستور في القرارات التي اشرنا اليها حول الرقابة على الصحف وواصفاً الوضع الذي ترتب عليها، أو أحاط بها، بأنه اقرب الى فرض حالة الطوارئ. قال الوزير: ''هذا غير صحيح و اظنك تقصد وثيقة الحقوق. فالحكومة هى التي ارتضت بها وكان يمكن باغلبيتها الميكانيكية ان تعدلها بالاضافة والحذف، ولم تفعل. «رد ضياء الدين»: انها لم تفعل لأن الامر مقيد بموافقة الحركة الشعبية التي تتهمكم بتجاوز الدستور''. قال الوزير: «كان يمكن الاتفاق على اعلان حالة الطوارئ في الشمال». قال الصحفي الملحاح: ''هذا ايضاً رهين بموافقة النائب الأول''. اجاب الوزير: ''كان ممكن ان يقنع النائب الأول بذلك مع استثناء الجنوب''. ثم مضى الصحفي الذي لا يقتنع برد للحديث عن الرقابة على الصحف، و استنكار الحركة لها، و الاستدعاءات التي تقوم بها اجهزة الامن فكان الرد: ''لا تسألني عن أجهزة الأمن ''لماذا تنظرون الى الفيل وتطعنون في ضله. لماذا تتحاشون الذهاب اليهم؟''.

    السيد وزير العدل قانوني عريق، كما هو عضو بارز في المفوضية القومية التي صاغت الدستور. وبحكم موضعه اليوم هو الرجل الذي يأمل المواطنون ان تتم اعادة النظر في القوانين على يديه. ولو كان الذي رواه ضياء قد دار في جلسة مغلقة لما تناولناه بالتعليق على صفحات الصحف. ولو جاء التصريح من وزير غير وزير العدل، لما انشغلنا به. ولو كان الذي أفضى به وزير العدل رأياً قانونياً حول قرار أو قانون لاعتصمنا عنه بالصمت. أما وقد أعلن الرأي على الملأ، واثار ثائرة صحبه و صحبنا من أهل القانون، أصبح التعليق عليه واجب، خاصة أن كان في الرأي لَبسة. فالقول ان وثيقة الحقوق ارتضتها الحكومة وكان يمكن ان تعدلها بالاضافة أو الحذف قول غير صحيح من أصله، و مع ذلك يجعل من الدستور والاتفاقية أمراً شكوكاً لدى كل من يترجى حماية تلك الحقوق من مؤسساتنا العدلية. القول غير صحيح من اصله لأن وثيقة الحقوق أقرتها المفوضية القومية للدستور، لا الحكومة التي مضت اذ لم يكن لها شأن بها. فاقرار الاتفاقية التي تضمنت، فيما تضمنت، مبادئ وثيقة الحقوق كان بيد المجلس الوطني السابق ومجلس التحرير الوطني للحركة الشعبية. هذان المجلسان الزمتهما الاتفاقية بقبولها كما جاءت دون تعديل، وهذا ما فعلاه. اما الحكومة الراهنة فهى وليدة الدستور ومن اولى واجباتها في ذلك الدستور انفاذ اتفاقية السلام الشامل(المادة 72 (ب) . فهى لا و لن تستطيع الحذف أو الاضافة لوثيقة الحقوق باغلبية ميكانيكية أو غير ميكانيكية. اما الظن بأن اعلان حالة الطوارئ يمكن ان يتم بالبساطة التي يوحي بها حديث الوزير فأمر يزيد من ريبة المستريب، و يخالف مقتضيات الأخذ بمحاسن الأمور. ففي زمان الريب يحسن بالمرء ان يأخذ بالحديث الشريف : «دع ما يريبك الى ما لا يريبك ». فسلفاكير ليس رئيساً للجنوب فحسب، بل هو النائب الأول لرئيس الجمهورية ؛ وبهذا الوضع تتجاوز مسئوليته الجنوب الجغرافي. ومن الظلم للرجل الزعم بأنه غير مهموم بشئون البلاد كلها. أما حديث الفيلة، و هو بلا شك حديث رجل غاضب من صحفي ملحف كثير السؤال، كان افضل منه الصمت. فلم نكن نعرف من قبل ان في السودان أفيالاً تمرح في دور الأمن وترعب الناس. و لم نر تلك الفيلة عند ارتيادنا لتلك الدور. ولكن ان كانت هناك بحق افيال فمن واجبنا جميعاً ان نروضها حتى تُستألف و تؤلف. هذا هو دورنا ودور وزير العدل من قبلنا، حتى لا يصبح الالتزام بالدستور فضيلة مهجورة.

    في ظروف الاسترابة هذه، خاصة من جانب من قال رئيس لجنة التقدير والتقويم انهم يعيشون في حالة قنوط وخيبة أمل، يلزم على القانونيين الرسميين الابتعاد عما يثير الريب، دونما مبرر لاسترابة. مثال ذلك ما قاله مسجل الأحزاب، الاستاذ محمد أحمد سالم غداة منع التظاهرة التي انتوى المعارضون للنظام القيام بها ضد الاجراءات المالية في العام الماضي. قال مولانا المسجل، في رأي قانوني يمثل اجتهاداً منه، : '' القانون ينص على المصادقة على هذه الأعمال من قبل السلطة المحلية. وعلى الشرطة إذا رأت ان ليس هناك ما يمنع من التصديق للتظاهرات والمسيرات أن تصادق ''(الوطن 8/9/2006). فحوى هذا القول، بل تكملته، هو وأن رأت ان لا تصادق يكون منع. صحيح أن الدستور يكفل للسلطة الحق في تنظيم استخدام الحقوق الواردة في الدستور شريطة أن لا يكون ذلك التنظيم ذريعة لالغائها أو تضييقها. هذا، في تقديرنا، هو معنى ما نص عليه الدستور حين قال : «تنظم التشريعات الحقوق والحريات المضمنة في هذه الوثيقة ولا تصادرها أو تنتقص منها(المادة 27 (4). فمن حق الشرطة استخدام مواقع معينة تسير فيها التظاهرات أو تتم التجمعات لاسباب تتعلق بالصحة العامة، أو الأمن مثل احتمال اثارة جماعات أخرى مما يعتبر مدعاة للفتنة، ولكن يجب ان لا يرتقي '' تنظيم استخدام الحقوق '' الى حد المنع البات.

    الدستور والقوانين : أيهما الأعلى؟
    وعُدلت القوانين أو لم تعدل، على القضاء واجب هام في صيانة الدستور، رغم بقاء القوانين التي تتعارض معه. حقيقة ليس من واجب القضاء العادي تعديل القوانين التي تناقض الدستور، فذلك أمر متروك للسلطة التنفيذية التي تبادر بطرح القوانين، والسلطة التشريعية التي تجيزها على الوجه الذي تراه، ولا نحسبنها سترى رأياً يتعارض مع الدستور. السلطة الوحيدة المنوط بها الفصل في دستورية القوانين هى المحكمة الدستورية، ويحق لكل من يضار من أي قانون يتعارض مع الدستور اللجوء لتلك المحكمة للقضاء في أمر دستوريته. بيد أن الدستور نفسه قانون، بل هو أب القوانين، وهذا مبدأ متعارف، ولهذا نصت الاتفاقية على ان «الدستور القومي للسودان هو القانون الأعلى للبلاد ويجب ان تتوافق جميع القوانين مع الدستور »(الفقرة 3-1-1 من بروتوكول نايفاشا). اضافة الى ذلك، نص الدستور نفسه على ما يلي: ''تعتبر اتفاقية السلام الشامل قد ضُمنت كلها في الدستور، ومع ذلك فأن أي احكام وردت في اتفاقية السلام الشامل لم تضمن صراحة في هذا الدستور تعتبر جزءاً منه ''(المادة 225 من الدستور)، والاتفاقية حافلة بالنصوص التي تحث على سيادة حكم القانون.

    حول هذا الموضوع قرأنا مقالاً جيداً في صحيفة السوداني (28/3/2006) للاستاذ المحامي نبيل اديب، وهو واحد من بين مقالاته الجياد. كتب نبيل ''القاضي العادي، فى اي مستوى، لا يستطيع الغاء القانون المخالف للدستور وذلك لأنه غير مختص بذلك. ولكنه يستطيع دون شك الامتناع عن تطبيقه وهو اذ يفعل ذلك؛ يفعله باعتبار ان الدستور هو قانون ضمن القوانين التي يتوجب عليه تطبيقها ولكنه اعلى منها جميعاً. ولا يجوز للقاضي العادي ترك الأعلى ليطبق الاقل درجة والا كان في ذلك قلب للامور. لذلك نصت المادة 6 (2) من قانون تفسير القوانين والنصوص على انه ''اذا تعارض اي نص في قانون مع اي حكم من احكام الدستور تسود احكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض''. ولهذا نرى في تهيب القضاة من تطبيق الدستور، في كل الحالات التي تتعارض فيها القوانين معه، أمراً لا يتسق مع المنطق

    (عدل بواسطة محمد يسن علي بدر on 02-19-2007, 12:52 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:20 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:24 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة علي محمد علي02-14-07, 11:36 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:44 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 11:50 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Yasir Elsharif02-14-07, 12:03 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:08 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:30 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 12:55 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:10 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:24 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:43 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 01:53 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-14-07, 02:24 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة ahmed haneen02-15-07, 08:45 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:04 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-15-07, 10:16 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-18-07, 08:51 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-19-07, 10:16 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Adil Al Badawi02-20-07, 07:56 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-20-07, 11:49 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 08:46 AM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة adil amin02-25-07, 12:13 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر02-25-07, 12:43 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Nazar Yousif02-26-07, 10:53 AM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:10 PM
        Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-08-07, 03:14 PM
          Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-09-07, 09:44 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:07 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:15 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:19 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-10-07, 06:33 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-12-07, 11:01 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Moneim Elhoweris03-13-07, 01:53 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-18-07, 12:32 PM
    Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة Asma Abdel Halim03-19-07, 08:05 PM
      Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة AnwarKing03-20-07, 03:35 PM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر03-27-07, 10:14 AM
  Re: د. منصور خالد .. عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة محمد يسن علي بدر04-02-07, 12:58 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de