د. منصور خالد...العنف المنفلت .. أم انفلات وسائط الاعلام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 08:21 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الأول للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-08-2007, 03:55 PM

Abdelfatah Saeed Arman
<aAbdelfatah Saeed Arman
تاريخ التسجيل: 07-13-2005
مجموع المشاركات: 595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. منصور خالد...العنف المنفلت .. أم انفلات وسائط الاعلام


    د. منصور خالد

    عامان من السلام : حساب الربح والخسارة (11)

    العنف المنفلت .. أم انفلات وسائط الاعلام

    السودان والاندلس

    أحداث الخرطوم وُجِد لها صديق آخر من أهل الصحافة وَجداً و موجِدة ، والوجَد حزن والموجِدة غضب . كتب الاستاذ حسين خوجلي غداة احداث جبل الاولياء ينوح : '' الوطن الذي يبكونه بدموع النساء ، وطن لم يحافظوا عليه بشرف الرجال ، اضاعوه مثلما فعلها بالأمس عبدالله الصغير وهو يغادر آخر قلاع قرطبة باكياً و يسلم الأندلس بقرآنه و ينابيعه و قصوره و مساجده وثروته الفكرية بلا توقيع مشهود للصليبيين '' ( ألوان 18/11/2006 ) . إن قرأنا ذلك المقال بعين الاديب فهو مقال بليغ ، بل علنا استذكرنا معه ، دون نواح ، قول المقري التلمساني في مقدمته لكتابه البديع حول الاندلس ( نفح الطيب ) : '' محاسن الأندلس لا تستوفي بعبارة ، ومجاري فضلها لا يشق غباره . وأنى تُبارى وهى الحائزة قصب السبق ، في أقطار الغرب والشرق'' . ولكن ان قرأنا مقال حسين بعين السياسي وجدنا فيه خروقاً و فتوقاً وخروجاً عن الموضوع ، ثم رمياً بالبهائت . المقال بعيد كل البعد عن مواضيع مقالاتنا ، بُعد الاندلس عن السودان في الجغرافيا والتاريخ . مع ذلك فالاندلس نفسها ، رغم ثروتها الفكرية و ينابيعها و قرآنها ، لم تكن جنة وارفة الظلال من جهة الحكم والسياسة ، و هذا هو موضوعنا .



    --------------------------------------------------------------------------------

    أولاً، الذين ذهبوا الى الاندلس لم يذهبوا اليها الا غزاة بعد ان حُمل الامويون بعد هزيمة بني العباس لهم على '' طلب بطن الارض من بعد ظهرها''، كما يقول المؤرخون . وصفهم بالغزاة ، لا ناشري الدعوة ، قال به من هو أقرب اليهم منا . قال الامام ابن حزم : '' مع ما لم نزل نسمعه سماع استفاضة مُوجب للعلم الضروري أن الاندلس لم تُخمس وتُقسم كما فعل رسول الله فيما فتح ، ولا استطيبت أنفس المستفتحين وأقرت لجميع المسلمين كما فعل عمر رضي الله عنه فيما فتح ، بل نفذ الحكم بأن لكل يد ما أخذت ووقعت فيها غلبة بعد غلبة البربر والافارقة والمصريين فغلبوا على كثير من القرى دون قسمة ، ثم دخل الشاميون في طالعة بلج بن بشر بن عياض فأخرجوا أكثر العرب والبربر المعروفين عندهم بالبلديين عما كان في أيديهم '' ( رسالة التلخيص لوجوه التخليص في رسائل ابن حزم ) . لا غرو إذن ، ان كان الصراع فيها صراعاً على التملك بين القبائل الغازية : مُضَر ويَمَن ، وكان من أول ما فعل هؤلاء هو إتخاذ زوجات لهم من أهل البلاد ممن يسمون عجم الاندلس ، ويطلق على من اسلم منهم '' المسالمة '' . من بين هؤلاء كان عبد الرحمن الداخل نفسه الذي دعا ملك الافرنج للصلح والمصاهرة ، فكان الصلح ولم تتم المصاهرة . ومع اشتداد الصراع على الأكوار ( المناطق كما كانوا يسمونها ) ذهب الداخل وابناؤه واحفاده ( هشام والحكم ) الى الاستكثار من المماليك وجعلوا منهم جل فرسانهم واطلقوا عليهم اسم '' الخُرس'' لانهم لا يتحدثون العربية . فعلوا ذلك لاستوحاشهم أهلهم العرب واسترابتهم منهم حتى وصفهم واحد منهم ، ولعله الحكم بن هشام ، بأنهم أهل دَغَل وحَسَد . ومع التسامح الغريب مع أهل الملل الأخرى ( النصارى واليهود) كان حكام الاندلس ، مع كل ما عرفته بلادهم من تفتح فكري ، زُمتاء في الدين بصورة لم يعرفها أهلهم الامويون الذين خلفوا من ورائهم ، ولم يعرفها ، بالطبع ، العصر العباسي الأول ، عصر التوهج الفكري منذ عهد المأمون ، الملك الشمس . فقد حرق الاندلسيون كتب شيخهم ابوعبدالله بن مسرة الذي أسس ونشر الفقه المالكي في البلاد ورموه بالزندقة فهرب الى المشرق ، ورموا بالزندقة مؤرخ الاندلس العظيم ذا الوزارتين لسان الدين بن الخطيب صاحب '' الاحاطة في اخبار غرناطة '' فقتلوه . واتهموا الامام ابن حزم بالزندقة لاباحته دراسة المنطق والفلسفة وحرقوا كتبه ، و تآمروا على شيخ فلاسفتهم ، ابي الوليد بن رشد وحرقوا كتبه هو الآخر . ولم يكن ضياع الاندلس الا بسبب تحالفات تفتقر الى نبل الغرض وكان آخرها تحالف ابي عبدالله بن مزدنيش ، ملك بلنسية ، مع الفرنجة ، و الذي انتهى بالقاء الموحدين القبض عليه و ابادته . هذا تفصيل لم تدفعنا اليه غير الرومانسية المفرطة في المقال البليغ ، وما المقال ، في حقيقته ، الا هروب الى الامام من مشاكلنا الراهنة.

    على أن أهم ما في المقال ليس هو ما عبر عنه من وَجد ومَوجِدة، و انما أمران آخران . الأول هو نظرية الحق التاريخي في الاندلس لورثة بني عبد شمس في السودان ، لا في دمشق . أوليس هذا هو نفسه ما يطالب به أحفاد يعقوب بن ابراهيم والاسباط بنوه : رأوبين وزبولون وشمعون ، وبنيامين ، في أرض فلسطين . الأمر الثاني هو الذهنية التي تولد عنها المقال لأنها ذات صلة وثيقة بالقضايا التي يحتدم حولها النقاش في السودان منذ زمان طويل : قضايا الوطن وهُويته . لهذا ، نقبل على تلك المناحة عقب حدث دواعيه واضحة ، وسبل علاجه اكثر وضوحاً ، من عدة وجوه . أولاً، المقاربة بين شمال السودان والاندلس مقاربة غير موفقة ، فأهل الشمال لا يبتغون فتح الجنوب كما فتح العرب الأندلس ليتقاسموا أرضه فيما بينهم . كما لا يريدون ان يفرضوا على أهله دولة دينية ، و لو كان هذا هو ما يريدون لما أشرع الحزب الذي تبني المشروع الاسلامي في السودان أبوابه للنصارى ليحتلوا أعلى مراقبه ويرددون في جلساته ترنيمة الشكر '' هلالويا '' ، الى جانب من يهيللون ( لا اله الا الله ). و لما وَقّع الاب الروحي للحزب مذكرات التفاهم مع '' الكافرين '' . ثانياً لو ألح كل واحد من أهل السودان الشمالي علي اختزال التاريخ على هذا الوجه ، بل على إستيلاد تاريخ لنفسه يعود به الى جذوره القصية خارج النطاق الجغرافي للبلاد ، لحق لأهل السودان الاصليين من النوبة وغيرهم من نسل حام ، أن يقولوا ما بال هؤلاء '' الأعراب '' ينكرون تاريخاً لنا انجب الاقيال مثل بعنخي و تهراقا و ملكات ورد ذكرهن في الانجيل . استرجاع التاريخ على هذا النحو هو ضرب من التدليك الروحي ولا شأن له بالسياسة الواقعية العملية في بلاد فيها المسلم والنصراني و أهل الديانات التقليدية ، كما فيها العرب ، و غير العرب ، وعرب آخرون ما فتئوا يتحدثون عن جذورهم في الجزيرة العربية ، و لا يرضون بغير قريش فيها ، و لا يختارون من قريش إلا بني هاشم ، إذ لم نسمع واحداً من هؤلاء نسب نفسه الى عبد شمس ، وكليهما لمناف.

    ما أغنانا عن كل ذلك . فالسودان الذي نعرف ، و نتمنى ان نُبقي عليه ، هو الارض التي تساكنتها عبر قرون أقوام اصلية و اخرى وافدة . تلك الاقوام تمازجت و انصهرت حتى أصبحت لها لغة واحدة للتواصل ، ان لم تكن قد رضعتها من اثداء الامهات ، فقد تبنتها لكيما تصبح لغة للتواصل الحياتي بينهم . هذه اللغة يتحدث بها حتى الناطقين بغيرها من لُغى في الجنوب الاستوائي لكيما يتواصلوا مع اخوتهم الجنوبيين في الأمور الحياتية ويسمونها عربي جوبا ، وهي عربية رغم هجنتها. بكل هذه الخصائص اعترفت الاتفاقية التي وصفها صاحب '' ألوان '' بأنها اتفاقية صماء لا تفرق بين الفرض والمندوب ، و أوجدت الأطر التي تصهرها و تنميها و تعترف بمقوماتها من أجل خلق وجدان وطني مشترك ، لا افتئات فيه على دين أو لغة أو ثقافة . ثالثاً الشاعر يتمنى وفي التمني خيال وافتعال ، والمفكر يتأمل ويأمل وفي الأمل اختيار . و لا اختيار الا بين ما هو واقع عملي محسوس و ممكن ، خاصة في دنيا السياسة . فليس من الممكن ، مثلاً ، استدعاء الماضي للانكفاء عليه ، أو تشييد الحاضر على اختزالات تاريخية استرجاعية . كما ليس من المستطاع استيلاد تاريخ ضارب في القدم والزام الناس بِمُحاياته في هذا الزمان . أقرب الى مسلمي السودان من '' الاندلس بقرآنه ومساجده '' قباب شيوخ السمانية والقادرية والادارسة والشاذلية والختمية ، فالاسلام في السودان راسخ برسوخ قباب الاوتاد والاقطاب بين هؤلاء .

    خشيتنا من أن يكون الكاتب الأديب رهيف الأحاسيس من أصحاب النظرية القائلة بجواز فناء الثلث ليبقى الثلثان . أوليس هذا ما يوحي به قوله إن هناك من لم يحاربوا بشرف الرجال ؟ هل هذه دعوة لهم ليديموا الحرب حتى يتحقق لهم النصر كما تحقق ليوسف بن تاشفين ؟ ربما ، لو كان العالم كما تركه ابن تاشفين . ولكن عالم اليوم ، لسوء حظ الأستاذ حسين ، فيه مجلس أمن ، و فيه ميثاق لحقوق الانسان ، و فيه منظمات سلم و أمن اقليمية و شبه اقليمية ، و فيه صواريخ تعبر القارات ، ولا نحسبن أخانا صاحب '' ألوان '' يجهل الموقع الذي قادنا اليه تجاهل هذه الحقائق الناصعة ، مهما كانت درجة كرهنا لها . الذين تجاهلوا هذا الواقع كانوا على درجة كبيرة من التصالح مع النفس ، قسموا العالم الى فسطاطين ، ونجوا بدينهم الى فسطاطهم في مغارات باكستان وافغانستان ، لا الى وطن تحكمه مواثيق دولية واقليمية .

    وبعد ، نقول إن الذين وقعوا الاتفاق لم يكونوا رجالاً تنقصهم العزيمة ، بل كانوا سياسيين راشدين جديرين بقول الحق فيهم . فالاتفاقية ، كما قلنا ، لم تكن ضربة حظ بل نتاج معركة ثقف فيها كل طرف معارفه عن الآخر ، ثم تعاملوا بوعي مع الواقع الذي يحيط بهم ، وقدروا الممكن و غير الممكن فيه . هؤلاء أيضاً ، تلمسوا نبض الخارج بما فيه الاقليم الذي يحتوينا مع غيرنا ، وتحسسوا طاقة أهلهم لاحتمال المزيد من الدم والعرق والدموع ، ثم بنوا موقفهم على ضوء ذلك التقدير . فأصغر ضابط في أدنى معركة لا يُقدم على معركته تلك الا بعد '' تقدير الموقف '' . غير ذلك لا يفعله الا المغامرون . ولو ذهبوا بمنطق '' لو فنى الثلث '' لما بقي الثلثان أو نصفهما ، بل لعفَت الديارُ محلها ومقامها . رابعاً، ربما يتمنى الكاتب ، وهذا ما نتلمس في مطاوي مقاله ، أن يذهب الجنوب بعد تلك الاتفاقية التي منحته أكثر مما يستحق . الظن أن هناك من يمنح و يمنع الحقوق في الوطن الواحد ظن باطل ، فالله وحده هو المانح و المانع ، وليس لأحد منا حق أكثر من الآخر في هذا الوطن الكبير الذي يتمالكه على الشيوع ما يربو على الثلاثين مليوناً من البشر . وعلى كل ، ففي مثل ذلك التظني يأس غير مستحب من رجل طالما دعا لوحدة القطر . حقا لقد طاش سهمك ايها الكاتب الاديب عن هدفه .

    المجموعات المسلحة الأخرى

    منظومة الترتيبات الامنية تناولت أمراً آخر ذا صلة مباشرة باحداث الخرطوم و ملكال هو ما اسمته '' المجموعات المسلحة الأخرى '' . يقول الاتفاق : '' لا يسمح لأية مجموعات مسلحة متحالفة مع أي من الطرفين بالعمل خارج نطاق القوتين . أما المجموعات المسلحة الاخرى الراغبة والمؤهلة فلها ان تنضم أو تندمج في القوات النظامية التابعة لأي من الطرفين ( الجيش ، الشرطة ، السجون ، قوات الحياة البرية ) ، بينما تندمج البقية في الحياة المدنية ومؤسسات المجتمع المدني ( الفقرة 11-3 ) . إنفاذ تلك الاجراءات أوكل للجنة من الطرفين ( ثلاثة من كل طرف ) و مراقب مستقل من الامم المتحدة لضمان حرية الاختيار لهذه العناصر ، و الاشراف على عملية الدمج ، و توفير منبر للنقاش ، و مراقبة نزع السلاح و التسريح و الاندماج ( الفقرة 11-5 ) . فوجود أي عناصر من القوات التابعة لفاولينو ماتيب في الخرطوم بعد اندماج قواته في الجيش الشعبي و رحيله الى جوبا أمر غير مقبول و هذا هو النصف السليم من تساؤل الأخ رئيس تحرير هذه الصحيفة في مقاله الذي أشرنا اليه . النصف المكبوت في سؤاله هو : '' لماذا تبقى في ملكال أو واو أو الخرطوم أية قوات أخرى مدججة بالسلاح ممن حدد الاتفاق شهوراً معدودات لتسريحهم و نزع سلاحهم ثم اعادة دمجهم في قوة نظامية معروفة لها قوانينها و ضوابطها ، أو اعادة تأهيلهم من جانب من كان يرعاهم ، لاداء عمل نافع '' .

    بعيداً عن تبادل الاتهامات الذي لا يليق بالشريكين ولا يجدي نفعاً فان المشكل الذي امامنا مشكل صغير كبير . هو صغير لأن الحلول له راقدة امامنا لا تخفى عن فطنة اللبيب و غير اللبيب . و أحسن الاستاذان غازي صلاح الدين غداة الأحداث ، و علي عثمان في حديثه للبرنامج العربي للاذاعة البريطانية ، عندما أعلنا أن الحل كامن في تنفيذ منظومة الترتيبات الامنية كما أبانتها الاتفاقية . لهذا نعجب ، مثل استعجابنا من النقد أو التحليل المتعجل لظاهرة انتشار المجموعات المسلحة '' غير النظامية '' في الخرطوم ، لما يقوله بعض المعارضين كلما وقع حدث من تلك الاحداث المؤسية . قول هؤلاء هو أن الازمة تكمن في ثنائية الاتفاق ، أو أن العلاج لها لن يتم إلا في المؤتمر الجامع ، و كأن الأذى الذي يصيب المواطنين مدعاة للشماتة أو للخلط بين الأمور .

    موضوع العنف له جانبان ، الأول هو العنف كظاهرة تتعدى الاحداث العابرة في الخرطوم او ملكال أو جوبا . لدرء ما ينجم عن تلك الظاهرة من أذى و ضيق ، للقوى السياسية دور ، و للمجتمع المدني دور ، و للصحافة دور . تلك الأدوار تتفاوت بين الوصول الى مواقع الازمات لازالة الاحتقان ، والتشريح العلمي لاسباب الظاهرة و ابانة الحلول لها ، و تحديد مسئولية الدولة عنها فيما يليها ، ثم توعية الرأي العام بالحقائق لا بالاغماض عنها أو غمطها ، و غمط الحقيقة هو انكارها و انت تعلمها . التهاء المؤسسات السياسية بالصراع على السلطة أنساها واحداً من أهم واجباتها الا و هو صيانة النسيج الاجتماعي للبلاد . و لعلنا في هذا المقام نشير الى واحدة من منظمات المجتمع المدني عالجت الأمر بما ينبغي ان تعالجه مثيلاتها . نشير هنا الى مخاطبة المركز السوداني لدراسات حقوق الانسان لرئاسة الجمهورية منبهاً الى ضرورة احكام تطبيق الترتيبات الامنية على الوجه الذي جاءت به الاتفاقية درءاً للفتن ، فما كل تفجر في المجتمع يقع عَرَضاً يصلح لأن يكون قداحة لاشعال الثورة ضد النظام .

    الجانب الثاني هو المشاكل الراهنة التي تفجرت بسبب التلكؤ في انفاذ الترتيبات الامنية . تلك مشكلة لن يحلها نعي الثنائية بمعنى التشهير بها ، بل أن علاجها ، في واقع الأمر ، لن يكون إلا ثنائياً لأنه بيد من يمسكان بمفاتيح التحكم في هذه القوات : القوات المسلحة و الجيش الشعبي . وحين أوضح النائب الأول لرئيس الجمهورية في خطابه بجوبا في 9 يناير المنصرم المآسي التي وقعت ، والمخاطر التي قد تنجم عن استمرار بقاء هذه المليشيات ، أكد الرئيس البشير في ذات المنبر مسئولية القوات المسلحة السودانية عن الحل الجذري للمشكل موضحاً ما يكتنفه من عقبات . قال إن حل المليشيات من المشاكل المحتاجة لحلول عملية ... '' نحن في الخرطوم ممكن نعلن أننا حلينا كل المليشيات ونوقف الدعم لها .. لكن سوف يظل الناس ديل موجودين على الأرض مع قبائلهم ويكونوا مشكلة لحكومة الجنوب . نحن عايزين حل يرضي الناس كلهم ما عايزين حل يخلق مشكلة لا لينا ولا لأخوانا في الجنوب '' . وهذا هو ما ينتظره أهل الشمال والجنوب معاً .

    الوكالة وسايكولوجية الحرب

    قلنا ان المشكل صغير و كبير . هو كبير ان كان هناك من يتمنى لهذا الوضع المشتعل ان يستمر ، و لا تعنيه عقباه . في مطلع هذه المقالات تحدثنا عن وكالة انباء تدس السُم في الدسم ، و هى وكالة لها تاريخ . انشئت تلك الوكالة(s.m.c) في سنوات حرب السودان الساخنة ، و ما زالت تحسب ان السودان يعيش اجواء حرب باردة . كنا نقرأ ما تنشره تلك الوكالة من اكاذيب مسمومة ، و لا نبالي لان تلك الاكاذيب كانت جزءاً من المجهود الحربي . وذات مرة التقانا صحافي منها في نايفاشا ينشد رأينا فيما يدور . قلنا له ان الحديث مع وكالة انباء لا تحترم المهنية ، و لا تدرك متطلبات الظرف السياسي ، و لا تملك الذكاء ، لا يفيد و لا يجدي . سأل الصحافي ( و لعلهما كانا اثنين ) ما مدعاة الهجوم ؟ قلنا له لقد أوردتم خبراً ، و المفاوضات تسير على قدم وساق في كينيا ، زعمتم فيه أن سلطات مطار لندن اعترضت السيدة ربيكا قرنق و بحوزتها بضع ملايين من الدولارات و نسبتم الخبر الى اسبوعية لندنية . و عند تقصينا الخبر مع الصحيفة اللندنية أنكرت صحة نشرها لذلك الخبر أو لأي خبر عن السودان و السودانيين ، و ماكان لنا ان نتقصى لأنا نعرف جيداً أن تلك الصحيفة هى من أقل الصحف أحتفاء بالانباء الخارجية ، خاصة عن بلاد العالم الثالث . قلنا للصحافي : عدم المهنية يكمن في نسبة الخبر لصحيفة من الواضح انكم لا تعرفون منهجها ، و ربما تجهلون ان للصحف في بلاد العالم المتقدم ارشيفات تعود اليها بالضغط على زر في جهاز حاسوب ، لا بالبحث عن الرواجع في المخازن بعد نفض الغبار عنها ، هذا ان لم تكن قد قرضتها الفئران . و عدم الاحساس الوطني بخطورة الموقف جلي في نشر خبر عن زوجة اكبر رأس في الحركة ، في الوقت الذي كانت المفاوضات تدور فيه لاقناع تلك الحركة ، أو استمالتها ( سمه ما شئت ) من أجل الوصول معها الى اتفاق . أما عدم الذكاء فيكمن في اتهام سيدة تعيش في مدينة مثل نيروبي و تعرف الطريق الى مصارفها الانجليزية الاصل : باركليز ، ستاندارد ، بحمل هذه المبالغ الطائلة في جُعبتها .

    تلك أمور حسبنا أننا خلفناها وراء ظهورنا ، ولكن تلك الوكالة لا تريد لنا الا العيش في اجواء الحرب . ففي خلال الأشهر الفائتة دأبت تلك الوكالة على شيئين : الأول هو الاعلام المضاد ضد الحركة الشعبية بتلفيق الاخبار عن نشاط ذراعها الشمالي وبثها في بعض الصحف ، و الثاني هو تلقيح الفتن خاصة عقب احداث ملكال . ففي الثالث من أكتوبر الماضي أشاعت الوكالة خبراً زعمت فيه ان نفراً من الجنوبيين في مكتب الحركة بالشمال ( سمت منهم اقوك ماكير ، ملونق مجوك ، دينق كوج ) غاضب على رئيس القطاع وعبروا عن غضبهم ذلك برفع مذكرة لرئيس الحركة سلفاكير . هذا خبر أنكره من نسب اليهم الغضب ، كما أنكره واستنكره رئيس الحركة . و عقب أحداث ملكال و مطالبة النائب الاول بالقبض على اللواء جبرائيل تينق استنطقت الوكالة اللواء المتهم ليس فقط لينفي التهمة عن نفسه ، فهذا حق مكفول لكل متهم ، وانما ليتحدى النائب الاول للرئيس بقوله : '' كنت في الجنوب لعشرين عاماً فلماذا لم يقبض سلفا على ؟ '' ( الوطن ، 12/12/2006 ) . فاللواء جبرائيل إما ان يكون حقاً ضابطاً بالقوات المسلحة ، كما يدعي وتشير المعادن التي تُحلي كتفيه ، و في هذه الحالة لا يجوز له الحديث في أي أمر عام ، أو يجوز لاحد استنطاقه الا بإذن من رؤسائه . أو ان يكون مواطناً عادياً لبس السلاح خَلساً ، فيكون بذلك قد ارتكب جرمين . هذه بدهيات ينبغي أن تلم بها وكالة أنباء نعرف جيداً ، بحكم ماضيها ، لمن كانت تنتمي ، ولا نعرف ـ على وجه التدقيق ـ لمن تنتمي اليوم . و لو فعلت هذا صحيفة عادية لكانت قضية من بعينهم الأمر مع اللواء المتهم و ليس مع الصحيفة .

    أشاعت نفس الوكالة حديثاً للعميد فيليب مشار من غرب النوير يعلن فيه تخليه عن الجيش الشعبي و انضمامه لقوة دفاع جنوب السودان ( الانتباهة 6/12/2006 ) . و بموجب الاتفاقية لم يعد في السودان ، شماله و جنوبه ، قوات عسكرية مشروعة غير القوات المسلحة و الجيش الشعبي و القوات المشتركة / المدمجة . وجود أية قوات أخرى ، مثل تلك المسماة قوات دفاع جنوب السودان ، خرق للاتفاقية ، و الترويج له تواطؤ على الخرق . و بعد بضع أيام نقلت نفس الوكالة عن جيمس اندريا رئيس حزب العمل القومي تصريحاً يقول فيه انه سيسعى لتكثيف العمل بولايات الجنوب العشر ، مؤكداً على ولايتي بحر الغزال و أعالي النيل ( ولايتي المليشيات ) ( الحياة 18/12/2006 ) . هذا ليس بخبر حتى يُوزع على الصحف ، و لهذا لم يجد مكاناً للنشر في صحف كثيرة تُميز بين الأخبار . ففي الجنوب أكثر من حزب ، بعضها في الحكومة ومنه حزب المؤتمر الوطني ، و بعضها في المعارضة البرلمانية و من بين تلكم الاحزاب ، أحزاب الجنوب التاريخية مثل سانو ويوساب ، لا تورد صحف الخرطوم خبراً عنها ، الا ان كان المراد بالخبر التلويح ، أو الاعداد ، لانشاء غطاء سياسي للعمل العسكري المنفلت . وفي زعم مسئول في الحركة الشعبية هناك من يريد بقاء هذه المليشيات لتصبح رصيداً استراتيجياً لتمرد جديد.

    ما كنا لنعنى بهذه الاستنطاقات لو جاءت عبر أي منبر اعلامي آخر ، و لكن صدورها من منبر يشي ماضيه ، بأن له صفة حزبية معينة ، يجعل الأمر مثار أكثر من تساؤل : من الذي يقف وراء هذه الوكالة ؟ و ما هو الهدف من بقائها في زمن السلم و ان عرفنا دواعي وجودها في زمن الحرب ؟ و ما هى مصلحتها و مصلحة من يقف وراءها في بث الفتن أو تخذيل الشريك الوحيد في الاتفاقية ؟ و ان كانت الجهة المسئولة عنها جهة رسمية فلمن تتبع تلك الجهة ، خاصة عندما تعمد تلك الوكالة الى الزراية بما يوجه به النائب الأول لرئيس الجمهورية ؟ لا يغضبنا مطلقاً ان توجه الصحافة النقد للمسئولين ، وعلى أعلى المستويات ، فهذا واجبها ، حتى وان جاوزت حد اللياقة مثل وصف احدى الصحف للنائب الأول و كبير مساعدي الرئيس بـ '' المتفلتين '' في القصر . فأى حد من التحريم لما تنشره الصحف فيه اهدار لاستقلالها . المجالس النظامية للصحافة وحدها هى التي تضع الحدود لما هو لائق للنشر و ما هو غير لائق . و هى وحدها التي يحق لها تقويم المنتسبين لها . كما ان الدستور والقانون هما الفيصل ان ذهبت الصحف الى القذف و التشهير و الكذب الضار بالآخرين ، أو لاثارة الفتن . و بصورة عامة ، فان ديدن الصحافي الامين هو التمييز بين الحق و الباطل فيما يرد له من نبأ ، و أمر سئ ان لا يفعل ذلك : '' يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين '' . لكن السوء المحض هو ان تلحق شبهة الفسوق بمصدر المعلومات نفسه
                  

02-14-2007, 01:27 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48691

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. منصور خالد...العنف المنفلت .. أم انفلات وسائط الاعلام (Re: Abdelfatah Saeed Arman)

    مقال متميز جدا...

    شكرا يا عبد الفتاح..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de