شاعر من الزمن الجميل(الأستاذ جعفر محمد عثمان)-أيهاالمنسي- تذكرتك شجرة(التبلدية)ولم تنساك القلوب

Quote: لك التحية الأخ مازن وللأخ العزيز عمر عبد السلام الذي أتاح لنا مساحة رائعة للبوح عبر البوست الخاص بالوجود السوداني في المغرب وخاصة في مدينة فاس، وقد تناولنا عرضا سيرة الأستاذ جعفر محمد عثمان، وكنت أنتظر أن يجود الزمان لي بلقاء معه بعد هذه الغيبة الطويلة، الأستاذ جعفر محمد عثمان خريج كلية دار العلوم بمصر، عمل في حقل التعليم الثانوي بالسودان قبل أن ينتقل مستشارا ثقافيا بالمغرب، بعدها انتقل إلى تونس، فالصومال ثم عاد ليستقر في السودان، شاهدته مرة في الفضائية السودانية في برنامج للشاعرة الرائعة روضة الحاج، وكان الزمن قد فعل فعلته بعد أن وخطه الشيب، وعهدنا به كان أنيقا في مظهره، وسيما قسيما، دائم الحيوية، مع جدية تكتسي وجهه دائما، وكان بهذه الصفات يدخل إلى عالم الشعر، فيحرص على أناقة الكلمة، الأناقة التي تظهر كل جمالياتها واشراقاتهاوجديتها، وأن تكون عباراته ذات أجواء منفتحة، ورؤى شفافة، ورغم نجاحه في إقامة علاقات وطيدة مع أهل الثقافة والفن والأدب في البلاد التي مثل السودان فيها، إلا أنه لم ينس دوره كمعلم، إيمانا منه بأن التعليم أشرف مهنة يمتهنهاالإنسان، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقد بعثت معلما، كنا حين نزور مكتبه ممثلين للطلبةيعاملنا كأستاذ، فكان يجب أن نتأدب في حضرته، وأن نقدم مطالبنا بكل هدوء وأدب، وكنا ونحن في فورة ثورتنا وانفعالنا نشعر بالرهبة أمامه، فقد كان مربيا من الطراز الأول وأبا حانيا وصديقا ومعلما لم يكن الأستاذ جعفر محمد عثمان محبا للأضواء، فما كان يتعجل نشر قصائده في وسائط الإعلام المختلفة، وكان دائما ما يشك في أن طريقة إيصال القصائد إلى المتلقين لن تتم بالطريقة السليمة، وكان يخشي من التشويه الذي قد يلحق بشعره، وهو الرجل الحريص على أن تصل الكلمة بالطريقة الصحيحة التي تراعي كافة قواعد الكتابة الرصينة، ولأنه أكمل أدوات الكتابة وضبط آلياتها فكان يتعجب كيف يجرؤ بعض المتشاعرين على نشر قصائدهم وهم لا يفرقون بين القافية والروي. لم يكن ضنينا بشعره فقد كان يقوم بتسجيله على كاسيتات بإلقاء فخم، ويبدو أنه كان يدمن الجلوس على شاطئ نهر أبي رقراق، النهر الفاصل بين العاصمة الرباط ومدينة سلا، في تلك المنطقة التي يلتقي فيها مرج البحرين، أبو رقراق مع المحيط الأطلسي، والمارة الهائمون على وجوههم يتغلغلون عبر ذلك الجسر إلى أحشاء المدينة، وصومعة حسان تظلل أفق المدينة ، ولعله كان يستحضر وقتها صورة النيل في حلفا وهو يلتهم المدينة، وبقايا مآذن تلوح على سطح المياه وتبقى لعهد طويل، تلك الصورة التي جسدها في قصائده الرائعة عن حلفا، أو منظر النيل في المقرن ، وهو على مقرن المحيط، كلها كانت صورا تتداعى وتنداح في لوحة شعرية جميلة، يقول هاتها من نميـــــــرك الرقراق ملهم الشعــر يا أبا رقراق جيرة النيل نحن جئناك ظمأى فأشف منا الغليل بالترياق وهي من عيون الشعر العربي المعاصر، ولو كان جعفر محمد عثمان طالب شهرة أو أضواء لنشرها في وقتها، فالقصيدة قيلت بمناسبة ذكرى مرور أربعمائة عام على معركة وادي المخازن وقد أقيم بالمغرب أحتفال كبير بهذه المناسبة في العام 1978م، فمعركة وادي المخازن أو معركة الملوك الثلاثة، كانت موقعة فاصلة في التاريخ المغربي والاسلامي، فبعد سقوط الأندلس في العام 1492م، تطلع الأسبان والبرتغال إلى الثغور الإسلامية في المغرب العربي، وبدأت حملاتهم الصليبية تلتهم مدينة تلو أخرى، ثم فكر الملك البرتغالي دون سباستيان في التهام المغرب بالكامل وأرسل جيشا جرارا تصدى له السعديون ملوك المغرب في ذلك الزمان وألحقوا به هزيمة نكراء في منطقة القصر الكبير، وقتل في هذه المعركة الملك دون سباستيان، والملك المغربي عبد الملك، وملك مغربي آخر كان قد احتمى بالبرتغاليين هو الملك المتوكل، أما دون سباستيان فقد قتل وهو يقاتل، وعبد المالك كان مريضا وتوفي أثناء المعركة بعد أن ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والصبر على القتال، أما المتوكل فقد مات غرقا وأحضرت جثته إلى الملك السعدي الجديد أحمد المنصور السعدي فأمر أن يحشو جلده تبنا ويطاف به ثم يحرق، وقعت هذه المعركة في اليوم الرابع من أغسطس في العام 1578م، وقد أدى انتصار المغرب قيها إلى تأخير التفكير في احتلال المغرب حتى القرن التاسع عشر، كما اعتبر ذلك الانتصار بداية الانطلاقة لفتوحات مغربية لبلاد السودان (مالي – موريتانيا- النيجر- السنغال) لتأمين طرق التجارة الخارجية بين أفريقيا والمغرب ثم أوربا/ في ذكري تلك الواقعة المفصلية في تاريخ المغرب، صدرت العديد من الإصدارات الأدبية والتاريخية ونظمت قصائد، وأقيمت الندوات والأمسيات الشعرية، ولو تقدم شاعرنا بتلك القصيدة الرائعة التي نظمها بهذه المناسبة لكان حديث الصحافة والإعلام، لكنه لم يكن يسعى إلى الأضواء، وهذا هو سبب عدم ظهور شعره الراقي إلى الناس، يقول قي مقطع من تلك القصيدة مغرب المجد والأصالة والفن وكم كم ذي النفائس الاعلاق إن تكن في مغرب الشمس لي دارا فمن الشرق أنت في الأعماق ولأنت السواد من ناظريه وســـــــــــويداء قلبه الخفاق وفي هذه القصيدة إشارة ذكية إلى الملك السعدي عبد الملك الذي قاتل وهو مريض في شجاعة نادرة، وعبره نلمح إشارات ذكية إلى ملوك مغاربة اشتهروا بأن عروشهم كانت صهوات الجياد مثل المولى إدريس، ويوسف بن تاشفين، وعبد المؤمن بن علي، وأبو الحسن المريني، والحسن الأول، ومحمد الخامس الذي يعتبر رمزا لتلاحم العرش مع الشعب، يقول جعفر محمد عثمان سيد القصر ما استكن بقصر ذي علالي وذي اعتلاق والمعذرة فقد ضعفت الذاكرة وضاع منها باقي أبيات هذه القصيدة الرائعة التي كنت أحفظها، وأرجو من الأخ مازن أن يقوم بنشرها مع بقية قصائد الشاعر جعفر محمد عثمان، الأ رعى الله شاعرنا المجيد ومتعه بالصحة والعافية، ونواصل سيف الدين عيسى

(عدل بواسطة AbuAla on 01-30-2007, 08:19 AM)
(عدل بواسطة AbuAla on 01-30-2007, 04:43 PM)