أزمة هوية: مسألة بناء أمة ..............(2)
هذا الفصل سبب عدة مشاكل في ما يتعلق بالمفهوم الرئيسي لبناء أمة السودان. لأن التعالي الذاتي تحول إلى مفهوم جماعي وهكذا أدى إلى سيطرة سياسية وأقتصادية تستند على التعالي. من ناحية، هذا التعالي أثر في
مقدرة فهم أن تكون مواطنا سودانيا. المجموعة المهيمنة في السودان أعتبرت أن الهوية القومية للسودانيين عربية مرتبطة بالإسلام ، هذا التعريف للأمة أستبعد أولئك الذين هم أصلاَ من الأمة ويرزحون تحت حكم أجنبي قد أصبحوا محرومون أقتصاديًا وإجتماعياًَ وسياسياً ،َ الإقصاء من الأمة بعد نيل الإستقلال قوّى وأدام التدهور الإقتصادي والإ قصاء السياسي.
هذه ا لنزوة لها نتيجة تدميرية في بناء الأمة السودانية. ثقافات محيطة أخري ستكون هي أيضاً مهضومة تماماً أو تتلاشى أو تظل خارج العملية السياسية. من الممكن أن يحدث إندماج الأمة فقط من خلال الذوبان في الثقافة القديمة. عدة مجموعات تلاشت والبقية قاومت بنجاح. أفضل وصف لهذا النوع من الحالات هو مصطلح (( دولة الأمة الأحادية الثقافة)).
في الوقت الحاضر أنه لصحيح أن اللغة ،الدين، الأقتصاد وما إلي ذلك تمثل أدوات مؤثرة في الإستيعاب الثقافي. لكن، إستيعاباً كهذا قد ينتهي بسهولة بالمواجهة إذا كانت الثقافة المستوعبة مدركة أن السياسيين يريدون أن يفرضوا عليهم ثقافة معينة لذلك رؤيا الإستيعاب قد تصبح ممكنة حقيقيا إذا لم يكن الإستيعاب أولاً قسرياً ولم يكن ثانياً مؤيداً لجهة سياسية أو ثقافية. نحن مع ذلك نريد العودة إلى نفس المعاني التى تستوعب طواعية فطرة السودانيين ليصبحوا أفارقة عرب ومسلمين من خلال تفاعلات إجتماعية وإقتصادية، هذا لأنه في إعنقادى إنَّ أى استيعاب لثقافة أى جماعة معينة سوف يكون متناقضا مع مفهوم القطر المتعدد الثقافات ولذلك يرفض مبدأ الاعتراف المتبادل والذي هو مطلوب لأى تعايش سلمى داخل القطر الواحد كما سنرى لاحقاً.
ليس بعيداً عن هذه الحجة إن يعمل الدكتور جون قرنق قائد العصيان/التمرد تمييزاً بين الثقافة العربية والإستعلاء العرقي العربي عندما يذكر أن (( الثقافة العربية هى ثقافتنا واللغة العربية هى لغتنا وسيظل هكذا.))
إنها لسيطرة عرقية متميزة يجب أن تزول. بالنسبة لحركة تحرير الشعب السوداني ترى أن الإسلام هو دين الأغلبية لكنه يجب أن لا يكون حجر عثرة في طريق غير المسلمين في أن ينالوا حقوق سياسية كاملة. الحركة لا ترفض العربية كهوية ثقافية لكنها ترفضها عندما يستخدم المفهوم لبوغ غاية الإستعلاء السياسي الميتند على موروث عرقي.
هذا التقارب مهم جداً إذا كان خاليا ً من مناورات سياسية، خاصة وأن كثير من الناس أظهروا شكوك لمشروع الحركة "السودان الجديد" والذي يعني ضمناً وفقاًَ لريبة الشك هذه إزاحة الآخر.، بالفعل، الحاجة لبناء الأمة يجب ان لا تحدث هوية جديدة على حساب الآخرين، من ناحية أخرى يجب إعادة إحياء التاريخ مجدداً بالدفاع عن غياب التناقض بين الثقافتين فإن قصدي لم يشكل لتسوية الإختلافات بينهما أو بين ثقافات أخرى ولذلك قبول التصنيف المختلف لحال الأمة السودانية، في بعض الأمثلة كأمة إسلامية عربية ، أمة عربية أفريقية، أمة أفريقية، أمة إسلامية أفريقية ، والتي رفضت مراراً بواسطة كثير من المثقفين والسياسيين كمؤسسة لكل الشعب السوداني. في إعتقادي هذه المرحلة هي النقطة الحاسمة في النزاع، هذا لأن مفهوم الأمة الوحدة (( تأسس على العرق، الثقافة والمعيارالديني)) أزال المجموعات الدينية والثقافية الصغيرة من المجتمع والذي بدوره أستخدم الإقصاء لتبرير المواجهات أو المطالبة بالإنفصال مفهومي هو أن نقر صراحة بأن السودان يشمل ثقافات مختلفة ثقافات مختلفة وأي منها لديها هوية ثقافية خاصة وبناء على هذا
لنقبل فكرة التعدد بوفاء.
أقتبست بعد ذلك برهانيين يؤكدان نفس المعنى. أولاً تعبير إليابا ج.سرور حينما علق على مناقشة أزمة الهوية وأن على السودان أن يأخذ بواحدة من ثقافات معينة، لقد عرض ذلك بإقتناع
"...هل السودان هو القطر الوحيد في العالم الذي لديه هذا التماثل المزدوج أو القومية المزدوجة؟ لا، أعتقد أن هنالك عدة أقطار لديها قوميات مختلفة وربما أكثر مما لدينا في السودان الآن. نحن فقط نصف أنفسنا كعرب وأفارقة في السودان وربما أردنا أن نجعل السودان عربي أو أفريقي عربي أو شئ من ذلك القبيل. لكن في إعتقادي أننا فشلنا أن نفهم أولاً أننا سودانيين، مهما كان الحال ، ومن أي مكان أتينا، سواء اتينا من شبه الجزيرة العربية أو القارة الأفريقية. ".
ثانياً مع أهمية ذلك، أقتبس حجة البروفيسور ثوماس فلينر عندما يدافع عن أهمية مفهوم جديد للدولة لتوحيد الأمة:
" ... الأمة هي الظل لكل الرجال أو النساء. نحن لا نستطيع أن نحطّم هذا الظل. لكن الظل يجب أن لا يتحكم في المجتمعات ويحل محل التفكير العقلاني وإختيار النساء الرجال أو النساء بواسطة عواطفهم. لذلك يجب علينا أن نقبل واقعية الأمة. السؤال الوحيد هو: ماذا نستطيع أن نفعل مع الدولة طالما مرتبطة بقوة مع الأمة؟
للإجابة على هذا السؤال، كما هو هدف هذا البحث سوف يرد في الإجزاء القادمة، وسوف أفترض أن مشكلة بناء أمة السودان الحقيقية هي مسألة بناء دولة. إذن ، لذلك شأن بالدولة من خلال الأحزاب السياسية والمجتمع المدني عامة أن يعاد تعريفه بطريقة تستطيع أن تجد أرضية مشتركة بين مكونات أمتها. المهمة الأولى لتحقيق ذلك الهدف هو إزالة مفهوم تأسيس السودان على ثقافة واحدة ودين واحد وبالأحرى على " دولة متعددة الثقافات" . فمفهوم الدولة المتعددة الثقافات مهم جداً لعملية بناء أمة حيث أن الأرضية المشتركة بين المكونات الإجتماعية المختلفة ليس على أساس عرق واحد، لغة، دين او ثقافة واحدة، لكن بالأحرى مبني على الفكرة التي كانت ذائعة الصيت بواسطة جين روسو، " ميثاق إجتماعي وسياسي" ، أو لهدفنا ، قيم عالمية.
بعبارة أخرى، إعادة تعريف الدولة كدولة متعددة الثقافات هو حقيقياً إعادة تعريف الأمة بطريقة تسلم بالولاء والإنتماء إلى مجموعات مختلفة في هذه الحالة إحساس بأن تكون سودانياً أو المصالح المشتركة لخلق الإحساس العام للهوية سوف يعتمد على"ماهو صالح للجميع" أو على مطابقة هذه القيم العالمية.
جميع الذين لديهم الأرضية المشتركة اساساً كأولئك الذين يدورون حول العربية والإسلام- يجب أيضاً أن يشاركوا في المصلحة العامة للأمة " قيم سياسية وإجتماعية" . هذا بسبب ان هذه القيم: إلى أبعد حد تعزز التضامن بينهم وتساويهم مع مجموعات سودانية أخرى، ومن الأسوأ فإن الدولة المتعددة الثقافات لا تتضمن أى خطر عليهم إلا إذا أريد للهوية القومية أن تكون محتكرة بالمطابقة مع ثقافتهم بصرف النظر عن السودانيين الذين هم ثقافياً مختلفين. تلك المجموعات الثقافية الأخرى الذين أبعدوا سابقاًً من الأمة بمفهوم الصالح العام سوف يحولونهم من الإقصاء إلى الإحتواء. الصالح العام بهذا المعنى سوف يزيل كلاً من الإستعلاء الطبقي والسياسي اللذان هما خلف الإحتجاج أو مواجهات العنف.
لجعل حجتي واضحة، أن فكرة ما هو صالح للكل ليس ضرورياً ان يؤثر على التطابق الثقافي للمجموعات المختلفة. القومية في هذه الحالة ما زال يمكن تعريفها بأنها هي القبول للتطابق الثقافي وفكرة الصالح المشترك. إنه قبول الولاءات- المتعددة المبنية على تطابقهم الثقافي و هوية قومية واحدة كسودانيين ليست مبنية على ثقافة عرقية ودين لكن مبنية على ما هو صالح للجميع. لذلك، مفهوم قبول أمة لديها ولاءات- متعددة ولذلك تقبل الحكومة كحكومة متعددة الثقافات سوف يساعد الحكومة في صنع الهوية القومية في حين تتحمل معينات الهوية الذاتية للمجموعات الثقافية التي تعيش في منطقتها.
حتى لوضع النظام الفيدرالي كحل، كما هو هدف هذا البحث، فإن مفهوم الولاءات المتعددة مهم جداً. هذا بسبب أن المواطنيين ليس لديهم الخضوع السياسي تجاه سلطتين أو ثلاث ، لكنهم أيضا موالين لتلك السلطات المختلفة. الولاء المتعدد ينشأ من المجموعات العرقية أو الثقافية، المنطقة، إلى القطر، كما أكد البروفيسور الهادي عبد الصمد، معززاً الشعور بالإنتماء الوطني ومعززاً التضامن بينما في غياب هذه الروابط التدريجية فإن الوضع سيبدو مختلفاً.
لإستنتاج فكرة إعادة تعريف الأمة والدولة لتقبل التنوع والذي يؤدي إلى تماسك المجموعات الثقافية المختلفة، يبدو منطقياً وحتمياً لأي دولة تحاول أن تصون التعايش السلمي بالرغم من أنه ليس عملاً سهلاً. على كل حال، فالتحول من الإقصاء إلى الإحتواء، ليس مدخلاً تنظيريا. فهو أولا واجب دولة يتطلب توضيح قاعدة الإحتواء ومكوناتها الإجتماعية حتى تكون متطابقة مع دستور الدولة،سياساتها والأكثر أهمية في المفهوم القومي للقطر.مع ذلك ، قبل أن نوضح هذا الشأن بواسطة الدولة ، فالمجتمع يمتلك العامل الحاسم في الإعتراف بالتنوع وذلك بإبداء سمه كافيةللإعتراف المتبادل، الإحترام والتسامح. لهذا السبب فإن قسماً واحداً من أقسام هذا البحث يعّرف فكرة الإعتراف بالتنوع تزامن للمجتمع والدولة ، كما سنرى ذلك لاحقاً بالتفاصيل.