|
|
 حدث في مثل هذا اليوم
|
حدث في مثل هذا اليوم
في مثل هذا اليوم من صبيحة يوم عيد الفداء سنة 124هـ بمدينة الكوفة بالعراق تم ذبح - الجعد بن درهم - علي يد خالد بن عبدالله بن يزيد القسري البجلي وذلك فور فراغه من خطبته في الناس يوم العيد التي جاء في نهايتها: ( أيها الناس ارجعوا فضحوا تقبل الله منا ومنكم فاني مضح بالجعد بن درهم). ثم نزل من منبره وأخذ سيفه ونحر به ضحيته الذي كان مشدودا إلى المنبر كالشاة. و في صبيحة هذا اليوم العاشر من ذي الحجة عام 1427هـ تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً حتى الموت على الرئيس العراقي السابق صدام حسين،في عهد حكومة الدكتور نوري المالكي. وأنا لست هنا بصدد الدفاع عن فكر ومعتقد الجعد أو صدام.
لكن من المعلوم أن يوم عيد الأضحى هو يوم كرم الله سبحانه وتعالى فيه الإنسان و فداه بكبش عظيم من الجنة أبيض الصوف ذي قرنين كبيرين ( وفديناه بذبح عظيم) ولذا سمي عيد الفداء. المشهد الأول حدث في العراق وكان ذلك في ساحة عامة أو ربما ساحة مسجد تقام فيه صلاة العيد وموقف تهليل وتكبير وحمد وابتهال، والزمان بعد صلاة العيد والخطبة، لم تحل حرمتي المكان أو الزمان دون إراقة دم الإنسان المراد تكريمه وفداه في هذا اليوم تحديداً.
عودة للأشخاص:خالد بن عبدالله بن يزيد القسري هو أمير العراقين وأحد خطباء العرب وأجوادها, ولاه هشام بن عبد الملك العراقين (البصرة والكوفة) سنة 105هـ خلفا لعمر بن هبيرة,وطالت مدة إمارته نحواً من 15سنة، ومن أخباره أنه ذمه الشعراء لبنائه كنيسة لأمه, ومنهم الفرزدق فقد هجاه بقصيدة جاء فيها:
ألا قبــح الرحــمن ظهــر مطيـة أتتنــا تهــادى مـن دمشق بخـالد
فكــيف يــؤم المســلمين وأمــه تــدين بــأن اللــه ليس بواحــــد
بنــي بيعــة فيهـا الصليـب لأمـه ويهـدم مـن بغـض منـار المسـاجد
وكان خالد قد أمر بهدم منار المساجد, لأنه بلغه أن شاعرا قال:
ليتنــي فــي المــؤذنين حيــاتي إنهـم يبصـرون مـن فـي السـطوح
فيشـــيرون أو تشـــير إليهـــم بـــالهـــــوى كـــل ذات دل مليــح
الجعد بن درهم: فارسي الأصل من خراسان ومن موالي بني أمية أقام بدمشق حتى أظهر القول بخلق القرآن وكان أول من قال بذلك،ثم هرب إلى الكوفة فاحتضنه أهلها ووجدت أفكاره قبولا لدى عدد منهم. و سبب إعدامه بتلك الصورة قيامه بنفي الصفات عن الله تعالى حين قال إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليما)، وسمي مذهبه هذا بالجبري أو القدري بمعنى أن العبد ليس بقادر على خلق أفعاله، وأن الله بقدرته هو الذي يخلقها. وأطلق أيضا على مذهبه وأتباعه فيما بعد اسم (المعطلة) لتعطيل أتباعه الصفات عن الله تعالى. وقد استفحل أمره وشعرت دولة بني أمية بخطره وكان ذلك في زمن الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك الذي أمر واليه في العراق (خالد القسري) فقبض عليه واستتاب الجعد بعد حوارات بينه وبين بعض العلماء، غير أنه تراجع، فأمر الخليفة بقتله) حتى يمنع فتنة ظهرت بوادرها آنذاك).(
د. نوري كامل المالكي : هو الرجل الثاني في حزب الدعوة بزعامة ابراهيم الجعفري الذي تخلى عن ترشيحه لمنصب رئيس الوزراء بعد معارضة شديدة من الكتل السنية والكردية. وعاش المالكي في سوريا وايران لسنوات عدة بعدما غادر العراق في مطلع الثمانينات بسبب نشاطه في صفوف حزب الدعوة. ولد رئيس الحكومة العراقية في الحلة بوسط العراق عام 1950 ودرس في كلية اصول الدين وحصل على شهادة ماجستير في اللغة العربية. عاد المالكي أخيرا إلى اسمه الحقيقي وهو نوري كامل المالكي، بعد أن ظل يعرف باسم جواد المالكي، وهو يُكنّى بلقب "ابو اسراء" وقد حمل هذه الاسماء البديلة خلال فترة عمله كمعارض ضد النظام العراقي السابق. وقد غادر المالكي العراق في العام 1980 بعدما صدر بحقه حكم بالاعدام، وتوجه مع عدد كبير من قيادة حزب الدعوة الى ايران. ولكن في منتصف الثمانينات غادر المالكي الى سوريا مع الجعفري بعد الانشقاق الذي اصاب حزب الدعوة وقسمه الى جناحين احدهما مؤيد لايران والثاني رفض الانضمام الى صفوف الجيش الايراني لمقاتلة الجيش العراقي خلال الحرب بين البلدين في الثمانينات، وخلال وجوده في سوريا ترأس المالكي تحرير جريدة "الموقف". كما تولى رئاسة "مكتب الجهاد" الذي كان مسؤولا عن تنسيق الانشطة داخل العراق. وبعد الحرب على العراق في العام 2003، عاد المالكي الى البلاد وانخرط في العملية السياسية وتولى منصب نائب رئيس المجلس الوطني المؤقت عام 2004. كما تولى رئاسة لجنة الامن والدفاع في الجمعية الوطنية العراقية السابقة قبل الانتخابات الاخيرة. وكان المالكي عضوا في لجنة صياغة الدستور العراقي الدائم.
صدام حسين :ولد في قرية صغيرة بالقرب من تكريت عام 1937 والتحق بحزب البعث في سن صغيرة شارك في محاولة اغتيال رئيس الوزراء الزعيم عبدالكريم قاسم في شارع الرشيد عام 1959م هرب الى سوريا ثم الى مصر وعاد الى بغداد بعد الانقلاب الذي جاء بحزب البعث الى السلطة. شارك في الانقلاب الذي جاء بحزب البعث الى السلطة للمرة الثانية عام 1968اصبح في السبعينات نائبا لرئيس الجمهورية.أصبح صدام حسين رئيساً عام 1979 بحلوله محل الرئيس السابق أحمد حسن البكر، ودخل في حرب 1980 - 1988 مع إيران وحرب الخليج التي أعقبت غزو الكويت عام 1990م. وفي العشرين من شهر مارس/آذار 2003، قامت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بغزو العراق تحت ذريعة تجريد البلاد من اسلحة الدمار الشامل وتحرير الشعب العراقي من نظام صدام حسين. وقد تمكنت قوات التحالف من احتلال بغداد وازاحة النظام العراقي عن سدة الحكم في التاسع من شهر ابريل/نيسان 2003م. وقد اختفى صدام حسين وأفراد عائلته وكبار أعوانه قبيل سقوط بغداد في التاسع من ابريل/نيسان 2003، وقامت القوات الأمريكية باعتقال الرئيس العراقي المخلوع في ديسمبر/ كانون الأول 2003 وذلك بعد نحو خمسة أشهر من قتل ابنيه عدي وقصي.
واليوم وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً تطل علينا صورة شبيهه من حيث حرمة الزمان على أقل تقدير وهذه المرة يلفها إطار من الحقد والتشفي والاستفزاز الطائفي الصارخ.رجل يتقدم إلى حبل المشنقة ويتم إعدامه في إطار من الهتاف والصياح (مرتضى..مرتضى..مرتضى)، (اللهم صلي على محمد وآل محمد) أين يقف هؤلاء الذين يهتفون من قوله تعالىوما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
كان صدام ديكتاتورا دمويا ما في ذلك شك ولم يفلت من دمويته حتى أقرب الناس إليه كصهريه حسين كامل المجيد وصدام كامل المجيد وفي رواية تدبيره لمقتل خاله عدنان خير الله لا بل قد كاد أن يفتك بابنه عدي لولا تدخل وشفاعة الملك حسين وقتها،وقد أذاق شعبه على اختلاف طوائفهم صنوف من العذاب، قتل علماء من الطائفة الشيعية وكثير من الشباب والشيوخ، وأباد الآلاف من الأكراد بالغازات السامة الممنوعة والمحرمة دولياً.نعم يستحق صدام ربما أكثر من الإعدام ولكن بموجب قرار قضائي و محاكمة عادلة في ظروف طبيعية تكشف عن كل المجازر التي اقترفها في حق شعبه لا بل والشعوب المجاورة وعن من دعمه وموله وأعطاه الضوء الأخضر ليفعل كل ذلك.
ولكن هل كان لابد أن يتم إعدامه في هذا الإطار الزماني المشبوه والمستفز والمنغص؟ الأضحية هذا العام كانت إنسانا وقع التقرب به ابتغاء رضوان الله ثم الشعب العراقي، إن كام وراء ما حدث رسالة فهي حتماً لم تؤدي غرضها المطلوب. فانتهاك حرمة الزمان حولت ظالم الأمس ومستبد الماضي في أعين الناس لضحية ومظلوم ، وأنه أصبح ينظر إليه كثير ممن شاهد هذه الصورة أنه أصبح رمزاً للشجاعة في نظر العرب الذين يحنون لهذه القيمة التي طالما تباهوا بها. إن ما يحدث في العراق من عصابات الموت والقتل والتهجير والتشريد التي تقوم بها جماعات طائفية مختلفة سيزيد الطين بله بعد إعدام صدام بهذه الصورة البشعة وفي هذا اليوم المقدس، ويكرّس صورة التشفي والعصبية والكراهية والحقد الأعمى ، فهذه الحادثة عمقت الخلاف وشيدت للطائفية والكراهية سياجا من حديد وبناء صلبا من نحاس، وصحبتها هزيمة إعلامية داويه وذلك بعد تصريح رئيس الوزراء الدكتور المالكي الذي قال فيه إن صدام بدأ خائفاً ومضطرباً و لكن الصورة التي صورتها إحدى عضوات المجلس النيابي العراقي الحالي وباعتها لأحدى المحطات الفضائية بمبلغ 20 ألف دولار قد هزمتهم، وظهر صدام على أقل تقدير رابط الجأش وباسلاً وشجاعا ومتحدياً إذا قال للذين يهتفون هيه...هاذي هي المرجله) نعم ما حدث من هتافات بعض الحاضرين لم يكن يمت للرجولة بصلة. وقد كان آخر ما نطق به (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله)، شهادة أشهد عليها العالمين وهي صورة التي لن تمحى بسهولة من أذهان الناس ولا من صفحات التاريخ، والتاريخ كثيرا ما يعيد نفسه بوضوح، ولا معتبر ولا قارئ له عن روية ورشد.فمشهد ذبح الجعد بن درهم شاهده مئات وربما آلاف و لكن الصورة قد أصبحت اليوم مركبة يراها مئات الملايين عبر مختلف وسائط الاتصالات الحديثة التي تخطت حواجز المكان وكادت تنتصر على حواجز الزمان.
هذا ولم يكن صدام أول رئيس عراقي يتم إعدامه ولا أول إنسان يضحى به في يوم عيد الأضحية ولن يكون الأخير.وسيحدث في هذا العراق العجب العجاب والأيام بيننا.
الطيب الشيخ
[email protected]
|
|
 
|
|
|
|
الطيب الشيخ
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست