ناس الزقازيق ... أجدع ناس ..

Quote: مهم جدآ...الناس ممكن تسأل من اى حاجة فى الكلام الجاى ده عكس الحكايات السابقة مدخل : أواه يا نور الضحى ملأت قلبى فزعآ وترحآ لاننى رأيت فوق ما اردت ان أرى صلاح عبد الصبور تجلس انت على كرسيك الخيزران خلف مكتيتك الانيقة..وبين يديك كتاب ضخم عن تأريخ الفلسفة....كل ما حولك كان يتدثر يصمت عظيم...تتخلله بعض الاصوات البعيدة والتى تصافح اذنيك بين الفينة والاخرى...زقزقات كسلى لعصافير تجاهد النوم...صفير لريح خفيفة تعبث بنافذة غرفتك نصف المغلغة...نباح مكتوم لكلب يأتى متزامنآ مع صفير الريح الصوت الوحيد الذى اكتسب ثباتآ وشكًل خلفية بديعة لهذا الصمت هو صوت مروحة السقف العتيقة والتى تدور فوق رأسك بأقصى سرعة تجعل ملاءات الاسرًة تتحرك فى ايقاع منتظم...الجو داخل الغرقة النظيفة يميل الى البرودة ورغم ذلك تتجمع حبات عرق خفيفة على جبهتك وذلك الجزء من رأسك والذى يخلو من الشعر..زتنفصل عن هذه الاصوات من الخارج لتدخل فى كتابك الذى بين يديك...تدهمك خصائص الموقف الفلسفى...موقف القلق والحيرة والدهشة...موقف الشك....موقف التأمل والتفكير...موقف التسامح وسعة الصدر...موقف الاستعداد لاستبدال الآراء...موقف الارتياب الخ الخ الخ الخ........ يتسلل النلل اليك...يركب رأسك ذلك التشويش ...ربما تدخل هذه فى مواقف فلسفية اخرى....تتوقف عند هذا الحد...تعود مرة اخرى الى الاصوات الخارجية ....تندمج فى زقزقات العصافير وصفير الريح ونباح الكلب وصوت جديد لشخص ينادى على آخر....يتأرجح الكتاب بين يديك...تقلب الصفحات دونما تركيز...تعود الى صفحتك السابقة..تبذأ القراءة من بداية الصفحة...مضت قرابة الساعة وانت نقيم بهذه الصفحة...وانت على هذا الحال يأتيك بغتة ..ملامح قاسية وجسد ضخم ...ينتصب امامك كما صخرة من الزمن السحيق...ينتزعك من كرسيك الخيزران بعد ان يغرز اصابعه الطويلة والقوية فى لحم رقيتك المهزولة ...يرفعك عاليآ...عاليآ...رأسك يلامس سقف الغرفة...ازيز مروحة السقف يخرق اذنيك..لسانك يخرج عن آخره...يتدلى الى الاسفل...يهزك هذا الشىء بقوة...تتأرجح يمنة ويسرى...تتسع عيتاك وتتحركان فى كل الاتجاهات...تحس بأن الحياة فى طريقها الى مفارقة جسدك بدءآ بالجزء الاسفل صعودآ الى الاعلى تفتح فمك الى آخره وتغلغه على اللسان المتدلى...ثم تفتحه لاخراج صرخة مدوية غير انها تأتى من دون صوت...وانت على هذا الحال يحرر رقبتك من يده فتهوى من السقف...ارتطامك بارضية الغرفة كان عنيفآ ومؤلمآ...تجد صرختك القوية الفرصة للخروج...مؤكد ان الجيران جميعآ سمعوا هذه الصرخة...تبدأ فى تحسس اعضائك...آلام عديدة تحسها الآن فى اماكن مختلفة من جسدك ...تتكوم على الارض وركبتاك ملتصقتان الى صدرك...يتصببمنك غزيرآ عرق بارد يبلل ملابسك جميعها ...تبدأ اعضاؤك فى الارتجاف...ورغم ابتلال ملابسك بالكامل بالعرق الا انك تشعر ان حرارة جسدك آخذة فى الارتفاع...تتجول عيناك داخل الغرفة الصغيرة بحثآ عن ذلك الشىء فلا تجده...متى وكيف اختفى وهو بكل تلك الضخامة؟؟؟؟تنخفض حرارة جسدك يشكل مفاجىء...تحس الآن بردآ شديدآ....ترقد على ارضية الغرفة ضامآ يديك وركبتيك الى صدرك...لم تعد تر شيئآ...الغرفة اظلمت بالكامل ...همهمات عديدة بدأت تحسها من حولك...تمتد اياد عديدة الى جسدك المرتعش تحملك اليها وتضعك برفق على السرير...كأنما الاصوات حولك تأتى من مكان بعيد او من داخل بئر عميقة...بدأ الاطمئنان يعود اليك رويدآ رويدآ....ورغم ذلك فأنك لاتجد القدرة على فتح عينيك تبدأ فى التركيز على الاصوات التى حولك : --قطع شك الجنا ده جاتو الملاريا...انتو قايلين شنو؟؟؟اياها ام برد ذاتا..كمان اقوللكم: طلعتلو فوق راسو ومن يكون هذا غير حمد ود الدايخة صاحب الدكان...تستطيع ان تميز صوته وسط آلاف الاصوات --ملارية شنو يا راجل؟؟؟الشغل ده مو الملاريا ..ومو مرض دكاترة...الجنا ده يزاويلو شيتآ من كراساتو الكتيرة المصاقرا الصبح والمسا دى ...اخيرلكم تسمعوا كلامى تشوفولكم فقيرآ يعزملو آآآآى هذه خالتك نفيسة بت النور...تعلم تعلقها بالشيوخ وارتياد قبابهم وحضور حوليات الفقرا.. تستطيع ايضآ ان تميز نحيبآ مكتومآ يصدر من الجهة اليسرى لسريرك واياد تربت على رأسك فى حنان بالغ ...ليس هنالك ادنى شك فى ان هذه والدتك.. --يا ناس الموضوع ده بقى متكرر...حصل اكتر من مرة فى الفترات الفاتت دى وانا شايف انو القصة ما ملاريا ولا مرض فقرا...حقو نحن نعرضو على طبيب نفسى ...وحتشوفوا بعدين انو الموضوع بسيط جدآ لا تجد كبير مشقة فى تمييز صوت عبد القادر ابن خالتك ..استاذ العلوم اصوات كثيرة غير هذى كان يمكنك تمييز اصحابها ...جميعهم كانوا يشخصون الحالة ويحددون الاعراض بل ويصفون الدواء.... يبدو ان حجة خالتك نفيسة بت النور كانت هى الاقوى فسرعان ما قرر القوم حملك الى الشيخ... يدخلون بك الى المسيد...يتجاوزون بك المريدين والدراويش والذين كانوا يتمايلون على ايقاع النوبة والطار...يدلفون بك الى غرفة الشيخ والتى تقوم فى ركن منعزل عن المسيد..للغرفة رائحة مميزة ورهبة تسكن الدواخل ...يتقرفصون جميعآالى الارض وانت واقف...يشدك حمد ود الدايخة من جلبابك ويجلسك ارضآ ...سردوا سريعآ وبصوت واحد الحالة وعدد مرات حدوثها...اطرق الشيخ الى الارض ...وضع يده على رأسك ...تحديدآ على ذلك المكان الخالى من الشعر ..تمتم بآيات من القرآن وبعض الادعية ...ثم رفع رأسه ونطق: --عين ..العين تصيب المؤمن ...سيشفى بأذن الله خرجت من عنده وانت تحمل الدواءالذى صنعه لك مشددآ على الانتظام فى استعماله وقد تكفلت بذلك خالتك نفيسة بت النور ...اسبوع بأكمله ولم يزرك ذلك الشىء الضخم ...وعدت ثانية الى مواصلة قراءاتك ...ولكن مساء هذا اليوم عاودك مرة اخرى ...اتى بنفس الافعال ...وعندما افلتك خرجت صرختك العظيمة وسرعان ما تجمع اؤلئك الذين يشخصون الحالة ويحددون الدواء.. هذه المرة كان صوت استاذ عبد القادر ابن خالتك هو الاقوى ...لم يكن امام الآخرين سوى الانصياع الى صوته...وفى دقائق معدودة كنت تجلس امام الطبيب النفسى...تتقافز امام عينيك الآن قراءاتك فى علم النفس...تفسيرات الاحلام ...فرويد وابن سيرين...الرغبات المكبوتة ...المخاوف المرضية. اشكال العصاب المختلفة...يشرح استاذ عبد القادر الحالة للطبيب...يتحدث اليك الطبيب عن امور عامة ..يسألك عن آرائك فى بعض الاشياء...يطلب منك العودة الى الماضى والحديث عن طفولتك... كنت تعلم علم اليقين انك ستخرج من هذه الغرفة وانت تحمل كمآ مقدرآ من الاقراص المهدئة ليس غير يكتب الطبيب الوصفة ويسلمها الى استاذ عبد القادر مع تحديد موعد لمقابلة اخرى... يحرص استاذ عبد القادر على اعطائك الدواء بشكل منتظم ...ويقيم معك بغرفتك النظيفة..اصبحت اثر ميلآ الى النوم ...معظم الوقت تقضيه نائمآ ...ما تبقى من اليوم فهو مخصص للاكل ...بدأت تكتسب رغبة مخيفة فى الاكل ...يشعر بذلك الآخرون من حولك ..لم تعد رقبتك مهزولة ...توقفت زيارات ذلك الشىء الضخم ...انقطع حبل القراءة ....لم يترك لك النوم وقتآ للقراءة ... بتناولك لآخر قرص من ادويتك يطلب منك استاذ عبد القادر معاودة الطبيب غير انك ترفض...اصبحت حياتك هادئة بوحه عام ...فأنت لا تفعل شىء سوى النوم والاكل ... فى هذا النعار وانت تغط فى نوم عميق ...يأتيك ذلك الشىء الضخم ...ينتزعك من سريرك...يرفعك عاليآ ..عاليآ ..يفلتك من ذلك العلو لترتطم بأرضية الغرفة ...تخرج صرختك اعظم من سابقاتها يندفع الى غرفتك اؤلئك الذين يشخصون الحالة ويصفون الدواء...يضعونك برفق على السرير ...غير انك لم تميزهم ولم تسمع صوتآ لاحدهم.