افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 03:39 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-30-2010, 05:37 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية

    بقلم الدكتور عبد الله قسم السيد
    السويد

    الحلقة الاولى

    طالعتنا صحيفة الرأي العام السودانية في عددها 42331 الصادر بتاريخ 11 مايو 2010م بما دار في حلقة نقاش حول الإنتخابات في السودان نظما القسم السياسي للصحيفة. وعلى الرغم من إيماننا الكامل بحق كل فرد في أن يكون له ما يرى من أفكار إلا أن ما جاء من المتحدث حسن مكي مدير جامعة أفريقيا يخالف كل أعراف المنهج العلمي في البحث والتقصي لما أصبح تاريخيا في السودان. وعلى الرغم من أنه يتمتع بكلمة "الباحث" الذي تسبق إسمه ألقاب الدكتور والأستاذ إلا إنه كان بعيدا في تناول موضوع الحلقة والتي تتعلق بالديموقراطية والإنتخابات وقفز إلى تاريخ السودان لينهش فيه دون علم وبصورة أقرب إلى التشفي منه إلى العلمية. رجع "الحسن" في تناوله لموضوع الحلقة إلى الثورة المهدية وشن عليها وعلى قائدها هجوما لا مبرر له ولا علاقة له بالإنتخابات كما أنه أي موضوع الثورة المهدية لا يمثل أبدا قاعدة ينطلق منها الحديث عن الديموقراطيةوبالتالي فهو زج بها في الحديث لشئ في نفس يعقوب. هذا الشئ المخفي والكاتم على نفس "الحسن" ووجد الفرصة غير المناسبة لحشره فيها هو إبعاد السيد علي الميرغني من التهمة التي تقول بتعاونه مع جيوش الغزو الإنجليزي المصري ورجوعه إلى السودان هاديا ومستشارا لها حينما نعته "الحسن" بالمنطقي وهو يخرج هو ووالده ليتعهده ونجت في مصر ويرجع معه غازيا لبلده أوكما يقول "الحسن" ويدخل المدينة برفقة قائد الفرقة الانجليزية". وبالطبع لا يهم من أين دخل السودان ولكن المهم أنه منذ إندلاع الثورة المهدية وكما يقول الأمير عثمان دقنة في مذكراته أنهم أي المراغنة كانوا طابورا خامسا حتى هروبهم بعد إنتصار الثورة وعملوا على محاربتها والتجسس عليها طيلة وجودهم في السودان.

    صب "الحسن" جام غضبه المراغني على الثورة المهدية وقفز إلى نتائجها في جهل فاضح بتاريخ هذه الثورة وكيفية قيامها وما حققته للسودان حين قال إن "من نتائجها-أي المهدية- أنها فصلت دارفور عملياً ....وأكد بأن المهدية لم تعزل دارفور وحسب وإنما عزلت السودان بأجمعه عن الإقليم والعالم" ولا أدري من أين استقى " الحسن" معلوماته هذه خاصة أنه قد وضح من بعض الدراسات أن الثورة المهدية تناولها الكثير من الباحثين المعاصرين لها وكانت تمثل للكثير من الحركات المشابه لها النبراس الذي ينير لها الطريق للتخلص من المستعمر كان ذلك في غرب أفريقيا أو في شمال آسيا. وما يؤكد جهل "الحسن" بهذه الثورة قوله بأنها عزلت دارفور وهو الإقليم الذي كان وما يزال تتجسد فيه روح الثورة المهدية في الورع والتقوى والشجاعة ونكران الذات من أجل السودان وأهله

    يقول " الحسن" من جانب آخر يؤكد جهله بكيفية قيام الثورات والتفاني في الوصول لأهدافها " فالإمام قام بثورته لأجل نصرة الدين ولكنه وجد الأرض تميد من تحته (تفشي القبلية والموت وسفك الدماء). وفي هذا القول جهل واضح فاضح من شخص تتجمع لديه ألغاب الباحث والبروفسر والدكتور لتجعل منه مدير جامعة فأين القبلية التي وجدها الإمام المهدي حتى مادت الأرض من تحته؟؟؟ فكلنا نعلم من قراءتنا لكتب التاريخ وللكتابات المعاصرة أن الإمام المهدي أستطاع أن يجمع قبائل السودان المختلفة في أعراقها ودياناتها وثقافاتها كما جاء في كتابات كثيرة بهدف توحيد السودانيين من أجل تحرير البلاد والذي تحقق بفضل ذلك التوحد. أما الموت وسفك الدماء فعلى الرغم من حدوثه في حروب التحرير فإنه كان للأعداء النصيب الأكبر مما جعلهم يفرون وأذنابهم. أما ما حدث بعد موته فهو يمثل قمة التضحية في الدفاع عن الدين والوطن ولم يكن شعارا يرفع لينبطح من دونه القائد خوفا وهلعا وطمعا في نعيم الدنيا.

    وبحسب أعتقاد مكي أن المهدي وقع في فخ مشروعه ( !!!!؟؟؟؟؟ ) وبعض الناس يقولون ان المهدي أستسم (مات مسموماً)، ولا يحدثنا عن من يكون هؤلاء الناس هل هم من الباحثين الذين تناولوا تاريخ المهدية أم أنهم ينتمون الى خيالات يستمد منها معلوماته. ويصل به الإستهزاء والحقد على الإمام المهدي أن يستخدم كلمة فخ والتي لا تستخدم إلا في الشرك والخيانة وبهذا يصف الثورة المهدية بالعمل الشرير الذي وقع فيه صاحبه الخائن. ويستدرك حسن مكي مؤكدا " ولكن من سمم المهدي مشروعه نفسه،" ولا يقف عند ذلك بل يتقمص شخصية الإمام المهدي ويرى بعينيه ويقول بلسانه حين يقول " فالمهدي في لحظة نصره دخل في حالة عزلة وخلوة .......فالمهدي دخل في خلوة وطالب بعدم مخاطبته مطلقاً الى أن توفاه الله في يونيو 1985 بعد خمسة أشهر من فتح الخرطوم" هنا لابد لنا من أن نساءل هل ياترى كان الإمام المهدي يعلم بأنه تسمم؟ فإذا كان ذلك وهو ليس بذلك بالتأكيد فهذا يعني أنه لم يكن يرغب في العلاج وبالتالي فهو إنتحار بطئ يرتكبه الإمام في حق نفسه مخالفا كل سيرته التقية الورعة الخائفة من الله. ولا يتركنا هذا "الحسن" نتأمل ما ورد على لسانه من إفك في حق الإمام المهدي حتى يأتينا بأضل وأسوأ مما سبق قوله ولكي يقرب لنا نحن ذوي العقول البائسة صورة الإمام المهدي وما كان فيه فإنه يضرب مثالا من واقع خياله الفارغ ويقارن بين الإمام المهدي ورئيسه البشير حين يقول " ماذا يعني دخول البشير عقب البيان الأول في الثلاثين من يونيو بحالة خلوة ؟" ورد على نفسه وكأني به تهتز بعض أطراف جسده من الضحك " هذا يعني أن الأمور (جاطت)" فهل ياترى قصد من هذه المقارنة الدلالة على الهدف الواحد أم الميزة التي تتمتع بها الشخصيتان الإمام المهدي والبشير. والحق كما يقول التاريخ عن الشخصيتين لا يوجد وجه شبه لا في الهدف ولا في المزايا التي يتمتع بها كل منهما. فبينما كان واحد من أهداف الإمام المهدي التي إعترف بها "الحسن" هو الدين ونصرته فإن البشير لم يعمل على نصرة الدين ولا على نشر الفضيلة والأخلاق والمثل بين السودانيين ويكفي ما يجري في السودان اليوم من إنتشار للفساد بكل أنواعه الأخلاقي والمادي ودونكم إنتشار الربا بين الناس وتجارة الكسر التي ترعاها حكومة البشير. أما الإمام المهدي فإنه إستخدم الدين كواحد من العوامل التي عزز بها وحدة السودان حينما إلتفت حوله كل قبائل الشمال والجنوب والشرق والغرب حتى تم طرد المستعمر من كل بقاعه ليصبح السودان دولة واحدة مستقلة بينما استخدم البشير ذات الدين ليمزق به وحدة السودان وتمزق نسيجه الإجتماعي وأصبحت أرض السودان قبلة لجيوش أجنبية. أما ما ميز الإمام المهدي وهو على رأس السطة فهو التقوى والورع ومخافة الله حتى أنه لم يترك لأسرته من بعده شيئا وما يراه الناس حول أسرته حاليا فلم يكن منه ورثة لا مالا ولا سلطة بينما لا نجد من هذه الصفات من يتمتع بها من يتولى السلطة اليوم في السودان.

    هذا الحديث والذي لا يسنده أي دليل علمي فيما يتعلق بالثورة المهدية والإمام المهدي وخليفته، يشير إلى ضعف العقلية للباحث من جهة كما يشير إلى أي مدى وصل التدهور في التعليم العالي في بلادنا خاصة أن هذا الباحث مديرا لإحدى الجامعات والتي يفترض أن يكون المنتمي لها ليس فقط من أساتذتها وإنما طلابها، يتمتع بذهنية الباحث فيما يدلي به من آراء من جهة ثانية. لقد وضح جليا من حديث هذا الباحث أنه لا يعرف أقل القليل عن تاريخ بلاده الحديث والذي تمثل الثورة المهدية وقائدها وخليفته محوره ولولا هذه الثورة لم يكن هناك بلاد تسمى السودان ولكن تسمى محافظة من محافظات مصر.

    على علماء السودان في مجالات العلوم الآنسانية تكوين لجنة متخصصة تناقش هذا الباحث فيما ذهب إليه فإذا ثبت ماقاله بالدليل والبرهان فلنشطب أمجاد الثورة المهدية من تاريخنا المعاصر وإلا فليذهب هذا "الحسن" إلى منزله غير مأسوف عليه فليس من المعقول أن يقوم جاهل بتاريخ بلده بإدارة جامعة وتتقدم إسمه ألقاب لا ندري كيف تحصل عليها. خاصة وقد وضح من بعض الكتابات التي تم نشرها قبل شهر تقريبا أن رسالة هذا الباحث والتي أشرف عليها بروفسر علي فضل أنها كانت مليئة بالأخطاء العلمية

                  

05-30-2010, 05:40 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    عبد الله محمد قس السيد- السويد

    الحلقة الثانية

    نظم القسم السياسي بـ (الرأي العام) حلقة نقاشية حول نتائج الانتخابات ومستقبل القوى التقليدية تحدث فيها الباحثون حسن مكي مدير جامعة افريقيا، حسن الساعوري استاذ العلوم السياسية، ومختار الأصم من المفوضية القومية للإنتخابات وبابكر فيصل. ونسبة لما أدلى به الباحث حسن مكي من معلومات فجة وعقيمة عند تناوله للثورة المهدية وزعيمها الإمام محمد أحمد المهدي، رأينا أن ندحض ما قاله من واقع المصادر العلمية المتوفرة حاليا والتي كان من المفترض أن يطلع عليها حسن مكي قبل أن يبدي ما يرى عن هذه الثورة. وحتى لا يفوت القارئ ما قاله حسن فإني أعيده هنا بإختصار شديد. يقول حسن مكي أن الثورة المهدية عزلت دارفور والسودان عن محيطها الإقليمي وعن العالم كما أشار إلى أن الإمام المهدي وجد نفسه في وضع غريب بعد إنتصار ثورته ووجد الأرض تميد من تحته نتيجة تفشي القبلية والموت والدماء. كما أشار حسن مكي إلى أن الإمام المهدي مات مسموما من قبل مشروعه والذي وقع فيه فيما يعني أنه وقع في شر أعماله والتي قادته إلى الموت بالتسمم. وقارن حسن الإمام المهدي بالرئيس البشير دون أن يوضح لنا وجه الشبه أو الإختلاف الذي يتميز بها كل منهما. كذلك وصف حسن مكي الخليفة عبد الله يمتلك قدرات وفي نفس الوقت وصفه بالجهل وعزا ذلك إلى أنه لم يسافر إلى خارج السودان ولا حتى إلى الأراضي المقدسة. وقال بأن الخليفة عبد الله كان يعيش بثقافة ما يسمى بالإسلام الأسود لذلك وقع فريسة سهلة للإنجليز وجزروهم بمدافع المكسيم. هذه بإختصار شديد ما قاله حسن مكي في هذه الندوة التي أقامها القسم السياسي لصحيفة الرأي العام والتي قامت بنشرها بتاريخ الحادي عشر من مايو 2010م.



    في الحلق الأولى في ردنا على الباحث حسن مكي فيما "حكاه" عن الثورة المهدية تناولنا إجمالا كيف أن هذا الباحث لم يتبع المنهجية العلمية في البحث فيما يتعلق بالموضوع الذي تناوله بل كان حديثه أقرب إلى ما تتناوله مجالس الونسة التقليدية التي يمارسها البعض في أوقات تناول الجبنة والشاي. كما أنه وهويتحدث عن أعظم ثورات القرن التاسع عشر في العالم لم يتحر الصدق وهو الذي يقول عنه الإعلام المسموع والمرئي والمكتوب بأنه المفكر الإسلامي، فيما ذهب إليه من قول في حق قائد تلك الثورة. وفي هذه الحلقة والحلقات القادمة سنقوم بتفنيد ما ورد على لسانه بالأدلة الدامغة التي تؤكد على أن هذه الثورة وقائدها الإمام المهدي حققت وحدة السودان بعد أن جمعت كل قبائله في صف واحد. كما سنوضح أيضا نجاح الدولة المهدية في تحرير السودان من المستعمر التركي المصري والذي يرجع فى المقام الأول الى المجتمعات التي أصبحنا نسميها في حاضرنا المعاصر بسكان المناطق المهمشة والذين كانوا وما زالوا يمثلون الروح من الجسد لأى حركة ثورية فى البلاد. كما سنوضح أن سقوطها أي دولة المهدية، شكل البعد الذى تنطلق منه عقلية المستعربين وما يسمى بالعلماء والذين يسعون للحفاظ على مكتسباتهم الاقتصادية والسياسية حتى لو كان الثمن التحالف مع أطراف خارجية كما حدث من قبل بعضهم والذين رأوا فى انتصار الثورة المهدية وهيمنة عناصر من غير المستعربة على القرار السياسى والاقتصادى تعد على حقوقهم "التاريخية" خاصة فى فترة الخليفة عبد الله. لذلك كان تحالفهم مع "مخلفات" الحكم التركى المصرى عند الغزو الانجليزى المصرى للسودان يمثل قمة دفاعهم عن مصالحهم باسم الاسلام والعروبة على الرغم من أن الغازين الحقيقيين ليسوا بمسلمين. قبل الحديث عن كيفية توحيد القبائل السودانية المختلفة من قبل الثورة المهدية فإننا سنتحدث عن الوعي والإدراك للإمام المهدي وخيفته الخليفة عبد الله بما يدور في العالم العربي والإسلامي لندحض حديث حسن مكي والذي يصف فيه الخليفة عبد الله بالجهل. ولما كان الخليفة عبد الله يمثل اليد اليمنى للإمام المهدي يكون بالتالي الإمام المهدي في نظر حسن مكي أكثر جهلا من خليفته. ولنصل إلى نفي إتهام حسن الباطل في حق هذين القائدين فإننا نبدأ بالأسباب التي ينشدها الإمام المهدي وهو يعد لقيام الثورة وما ماذا تحقق له منها.



    قامت الثورة المهدية لتحقيق قيم ايجابية اربعة:



    القيمة الايجابية الاولی تتمثل في فكرة المساواة بين السودانيين انطلاقا من روح الاسلام الداعية الی المساواة ومن روح الوطنية التی اثبت التاريخ تجذرها فی وجدانه. هذه القيمة والتي ذكرها الشاعر والمادح ود سعد في مدحته "خليت الحر يقول للعبد سيدي." كانت السبب المباشر في معارضة الكبابيش للمهدية کما يقول الباحث عبد الله علي إبراهيم في دراسته حول المهدية والكبابيش بأن أصل معارضة الكبابيش للمهدية يرجع الى أنها ساوتهم بالقبائل (التبّع). من جانب آخر فان الامام المهدي أضاف بعدا جديدا لمفهوم المساواة وهو المواطنة بجانب الكفاءة والشعبية لمن هم أجدر بقيادة الأمة بإعتبارها لب روح الإنصاف والعدل والحق الذي ينظم التعاملات بين البشر.[1] لذلك نجد أن خلفاء الإمام المهدي والأمراء واصحابا الرايات يمثلون بقاع السودان المختلفة.



    القيمة الايجابية الثانية والتي ترتبط بمفهوم المساواة تتمركز حول فكرة العدالة الاجتماعية كما تشير اليها سياسة الأرض وسياسة بيت المال كما حکاها الباحث محمد سعيد القدال. ولکی يصل الی هذا الهدف عمل الامام المهدي علی قيام الحكم على أسس موضوعية تتعلق بالكفاءة والشعبية (من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين) كما قال الإمام المهدي، وليس بالوراثة أو أي اعتبارات شبيهة.



    القيمة الايجابية الثالثة والتي تعتبر مركز الصراع في السودان بعد أكثر من مائة عام على سقوط الدولة المهدية فهي الاعتزاز بالهوية السودانية في مقابل الهوية العربية الاسلامية أو التركية-الخديوية الاستعمارية. وبسبب هذا الاعتزاز كانت الحرب على القيم الثقافية لكلما هو أجنبي خاصة الذي يرتبط بالاتراك والمصريين ولباسهم وعاداتهم والدعوة للتفرد السوداني فيما يتعلق بالزي والعادات. من هنا جاء زي الأنصار المميز.



    القيمة الايجابية الرابعة هي قيام دولة عصرية في السودان والتي تمثلت في التوثيق الدقيق لكل أوجه نشاط الدولة المهدية حتى وهي تقود حربها التحررية فكان التوثيق شاملا النشاط الحربي والإداري والمالي بجانب الخطاب الإعلامي والفكري والوعظي. هذه القيمة الرابعة تدحض تماما ماذهب إليه حسن مكي في وصفه بالجهل للخليفة عبد الله حيث أن هذا التنظيم الذي يتحدث عنه المؤرخين أمثال أبو سليم والقدال يؤكد القدرة والإرادة التي يتمتع بها الإمام المهدي وخليفته. فمثلا يقول القدال "كان بيت المال دقيقا في ضبط حساباته وحفظ دفاتره، ويشهد على ذلك الوثائق الخاصة به ودقتها. فالدولة المهدية لم تكن نظاما فوضويا متخلفا كما يذهب بعض كتاب التاريخ ( وعلى العكس تماما ) فالنظام الإداري والمالي كانت فيهما روح العصر، كما شمل التوثيق أيضا استخدام الوصولات في التعاملات المالية كالزكاة ".[2] وما يدعو للتدبر في روح التظيم والموضوعية في التفكير لدى الامام المهدي وخليفته عبد الله أن الخطابين الحربي والفكري كانا يسيران جنبا الى جنب في اطار المهمة الكبرى وهي تحرير السودان من المستعمر التركي المصري. فالوثائق التي خلفتها الثورة المهدية خلال الأعوام التسعة عشر وهي المدة الممتدة من اندلاع الثورة في عام 1881م وحتى سقوطها على يد الغازي الانجليزي المصري في عام 1898م، تعادل أضعاف ما تركته كل الحقب السابقة بما فيها الحكم التركي المصري الذي يعتبر قد قاد عملية التحديث في العالم العربي الاسلامي. هذا التوثيق يعتبر من أهم سمات التحديث في عمل الدولة الحديثة كما هو متبع في المجتمعات الغربية والذي قاد الى التطور الهائل في المعرفة الانسانية نتيجة لتراكم الخبرات وللتمكن من المحاسبة وضبط الأداء الإداري.

    مفهوم الدولة لدی الامام المهدي وهو يتقدم من نصر إلى نصر قام على التجديد في الفهم الديني من أجل مواكبة العصر الذي يعيش فيه المجتمع السوداني في نهايات القرن التاسع عشر. فمثلا رفض الإمام المهدي فقه السلف باعتباره اجتهادا توصلوا اليه حسب طبيعة ظروفهم الاجتماعية والزمانية واعتبره غير ملزم له ولا لمن يأتي من بعدهم لاختلاف هذه الظروف زماناً ومكاناً. كان على رأس القضايا التى رفض الإمام المهدي قبولها وبالطبع قد شاور فيها يده اليمنى الخليفة عبد الله، تتعلق بالاذعان الى الحاكم وعدم الخروج عليه. يقول المهدي للعلماء الذين حاوروه حول اعلانه الثورة ضد الحكم الأجنبي باعتباره فى نظرهم حكم يقوم علي الاسلام " ولا تعرضوا لي بنصوصكم وعلومكم عن المتقدمين فلكل وقت ومقام حال ولكل زمان واوان رجال "[3] فالسودان عند اندلاع الثورة المهدية كان تجمعات قبلية في اطار اداري مركزي تسيطر عليها قوي أجنبية تدعي بأنها اسلامية. لذلك كان توحيدهذه القبائل لمواجهة المستعمر يتطلب شعارا يرفض ويلغي ما تعارف عليه الناس وقتئذ من تمايز يستند علي العرق وفي نفس الوقت يستفيد من الدور الذي يلعبه الدين في توحيد المجتمع خاصة أن الدين في ذلك الوقت لم يكن مصدر خلاف بين السودانيين. ومن جانب آخر يؤسس هذا الشعار لفكر يرفض قبول الذل والخنوع للحاكم الجائر وان تدثر بالاسلام.[4]



    نقد الدولة العثمانية وربيبتها المصرية لدي الامام المهدي يقوم على أن المهدية كما يقول أبو سليم لا تعترف بولاية اسلامية شرعية لأنها ترى " أن الخلافة ارتفعت بانتفاء شروطها من أزمنة متطاولة"[5]. وبالتالي فإن الإمام المهدي لم يعترف بالخلافة ويعتبرها بالتالي مفهوما لا يتماشى مع العصر الذي يعيشه. مفهوم الخلافة جعل بعض الفقهاء منذ قيام الدولة الأموية مرورا بالدولة العباسية والدولة العثمانية وحتى دولة الجبهة الاسلامية في السودان، وضع الشرع الاسلامي تحت عباءة الحاكم يوظفه لتحقيق مآرب سياسية متى أراد وبالكيفية التي يريد دون مراعاة لمصالح العباد ودون التزام بقيم الاسلام فيما يتعلق بالعدل والمساواة والرحمة. ودوننا في السودان ما كان يحدث في فترة نميري وما يحدث الآن من قبل البشير تحت إشراف مفكري الحركة الإسلامية وحسن مكي واحد منهم. وبذلك أصبح الحاكم يحكم بجبرية مستمدة من قضاء الله وقدره التي لا تقف بجانبها قدرة مخلوق أو ارادته. لهذا انتشر في تاريخ الدولة الاسلامية كما تميزت الدولة السودانية بعد إنقلاب الجبهة الإسلامية بالاستبداد السياسي والقهر بكل اشكاله وتبع ذلك الخنوع والخضوع والمسكنة والذلة بين المواطنين. رفض الإمام المهدي هذا االحق الالهي في الحكم والذي تستند عليها فكرة الخلافة كما رفض توريث السلطة داخل الأسرة وهو ما قام بتطبيقه فعليا منذ اندلاع الثورة.[6] ولما كان الخليفة عبد الله هو الملازم له في كل أمور الدولة فإن هذا الرفض يشير إلى الإطلاع الواسع في أمور السياسة لكليهما مما ينفي عنهما الجهل الذي وصمهم به حسن.



    بهذه الفهم فان الثورة المهدية لم تقدم نفسها فقط في صورة الداعي لاحياء الدين الاسلامي وانما بجانب ذلك قدمت نفسها كحركة اصلاح سياسي واجتماعي يقوم على اجتهاد وفهم جديدين يرفضان الفكر السلفي اذا تعارض مع مصالح الشعب الآنية والمكانية. فمثلا عندما سأله أصحابه عن المذاهب الأربعة التي أوقف العمل بها أجاب المهدي بانهم "رجال ونحن رجال" وأن مذهبه "الكتاب والسنة" ويقول "ما جاء من عند الله على رؤوسنا وما جاء من النبي صلى الله عليه وسلم على رقابنا وما جاءنا من الصحابة ان شئنا عملنا به وان لم نشأ تركناه".[7] والسبب الذي أوقف به العمل بالمذاهب الأربعة "أن المذاهب جاءت باجتهاد أئمتها وأنها بالتالي عرضة الى الخطأ بحكم أنها اجتهاد بشري ولأن ما جاء بالاجتهاد قد لا يستقيم اذا تغير الظرف"[8] لقد انتقد المهدي الدولة العثمانية ومؤسساتها وامتدادها في مصر باعتبارها دولة استبداد لا ترعى حرمة المسلمين ولا تسعى لبسط العدل بينهم كما أنها اتخذت الكفار أولياء ومكنتهم من بلاد المسلمين.[9] هذا النقد للدولة العثمانية وامتدادها في مصر صحبه تطبيق عملي لدولة اسلامية سودانية تقوم على حرية العقيدة وهي بما تعارفنا عليه اليوم دولة المواطنة وان لم يقل المهدي بذلك حرفيا ولكنه من خلال ممارسته لعمل الدولة خلال فترتها الأولى والتي لم تتخلص فيها بعد من تبعات الحرب، تتأكد ملامح تلك الدولة باشراكه لغير المسلمين في الدفاع عنها والاشتراك في ادارتها. كذلك وعلى الرغم من أن المهدي فرض على اليهود والمسيحيين الاسلام والبيعة له باعتباره أنه سيسعد كل البشرية اما بدخولهم الاسلام أو أنهم سيحكمون بكتبهم المقدسة الأصلية الا أنه لم يذكر الجزية ولم يفرضها عليهم.[10]



    الاصلاح الذي أراده الامام المهدي ومن بعده الخليفة عبد الله هو اعادة أحكام الاسلام وتطبيق شريعته ليس بالمفهوم الذي كان سائدا في الماضي لأن القلوب قد أفتتنت " بحب الدنيا والجاه والثناء والصيت (......) وقد تغير الزمن" لذلك فان الاصلاح لا يتم من خلال دولة الخلافة وإنما يتم من خلال والي مهمته اقامة الدين والعدل على أن يأتي هذا الوالي الى السلطة " ببيعة المسلمين عن قناعة ورضى " وألا تكون هذه البيعة " قاعدتها أسرية أو عائلية " بل تتم في حرية كاملة. لقد كان الامام المهدي جريئا في عرض ما يؤمن به من أفكار وحاسما ومصادما لكل من يعترض طريقه وهو يعمل على تطبيقها. تتمثل هذه الجرأة في رفضه العلاقة بين رجال الدين والدولة التركية حين رفض المساعدات التي تقدمها لرجال الدين مثل الطعام باعتبار أنه طعام غير شرعي يأتي من دولة غير شرعية. كما يتمثل الحزم في مخالفته وانتقاده لشيخه محمد شريف في حادثة ختان أبنائه متهما اياه بانه من اهل الدنيا ولا يعمل من أجل الدين. وهو بهذا الرفض لمساعدات الدولة ولنقده لشيخه وايمانه العميق بوطنه بجانب توحيده لقبايل السودان ضد الحكم الأجنبي يعتبر" قائدا ثوريا يملك مؤهلات (عصره) واستطاع أن يجسد الوعي الاجتماعي والسياسي وكيفهما في اطار الايديولوجية المهدوية التي استطاعت ان تحث انقلابا نوعيا في آلية الحكم ومنهج التشريع"[11].

    كان السودان عند اندلاع الثورة المهدية تجمعات قبلية تختلف في ثقافاتها وأعراقها وتسيطر عليها قوي أجنبية تعمل علي التفريق بينها كلما دعت الضرورة. لذلك كان توحيدها لمواجهة المستعمر يتطلب شعارا يرفض التمايز بين الناس على أساس العرق وفي نفس الوقت يؤسس لفكر يرفض قبول الذل والخنوع للحاكم الجائر وان تدثر بالاسلام. كيف استطاع الإمام المهدي توحيد القبائل السودانية هو موضوع الحلقة القادمة لنوضح من خلاله للباحث والمفكر والمؤرخ الإسلامي جهله بتاريخ السودان وقبائله وما قامت به الثورة المهدية في سبيل توحيدها والذي عمل حسن ومن معه بعد 112 عاما على تفتيتها.



    --------------------------------------------------------------------------------

    [1] أنظر (Erakovich, Rodney; Karvan, Dragoljub & Mwyman Sherman Ethics or Coruuption: Building a Landscape for Ethics Training in Southeastern Europe prepared for the working Group on Politico-Adminstrative Relations of the Network of Institutes ans Schools of Public Administration in Central and Eastern Europe, May 2001.)



    [2] محمد سعيد القدال السياسة الاقتصادية للدولة المهدية ص 192- 193 بين قوسين من الكاتب. ويضيف القدال محقا في الهامش بأن خطورة كلمات مندور المهدي تكمن في أنها وردت في الكتاب المقرر على طلبة المرحلة المتوسطة، مؤكدا على انتهاج مندور لروح المستعمر التي ترى في انسان السودان كغيره من الأفارقة الفوضى والاهمال، حين يقول القدال: "يبدو أن مصدر هذه الملاحظة الخاطئة أن المؤلف اعتمد على كتابات متحيزة ضد الدولة المهدية باعتبارها دولة لم تعرف النظام. ولا شك أن إعادة طبع الكتاب للمرة الخامسة دون تغيير فيه تجاهل لبعض الدراسات التي صدرت عن الدولة المهدية في العقدين الماضيين. نفسه الهامش ص 193 وص 145).

    [3] منشورات الإمام المهدي .

    [4] للمزيد عن الفكر المهدوي انظر محمد ابراهيم ابو سليم الحركة الفكرية في المهدية مطبعة جامعة الخرطوم ط1، 1970و عبدالله علي ابراهيم الصراع بين المهدي والعلماء دار نوبار للطباعة، القاهرة 1994 م

    [5] المرجع السابق ص 247

    [6] في ذلك أنظر الكيفية التي اتبعها المهدي في ادارة الدولة فيما يتعلق بالخلفاء والوزراء الذين اعتمد عليهم، المرجع السابق ص 209 الى 217

    [7] المرجع السابق ص 222/223

    [8] المرجع السابق ص 204

    [9] محمد ابراهيم أبو سليم: الآثار الكاملة، رسائل المهدي الى والي وعلماء وأهل مصر مجلد رقم 5 ص 243 وحتى ص 253

    [10] أبو سليم 2004 مرجع سابق ص 188

    [11] أحمد ابراهيم ابو شوك منهجية التشريع المهدوي في السودان (1881-1885) كتابات سودانية. مركز الدراسات السودانيةالعدد 7 مارس 1999 القاهرة ص.ص 16-19



    Abdalla gasmelseed
                  

05-30-2010, 05:43 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    حسن مكي والثورة المهدية الحلقة الثالثة

    عبد الله محمد قس السيد- السويد

    نظم القسم السياسي بـ (الرأي العام) حلقة نقاشية حول نتائج الانتخابات ومستقبل القوى التقليدية تحدث فيها الباحثون حسن مكي مدير جامعة افريقيا، حسن الساعوري استاذ العلوم السياسية، ومختار الأصم من المفوضية القومية للإنتخابات وبابكر فيصل. ونسبة لما أدلى به الباحث حسن مكي من معلومات فجة وعقيمة عند تناوله للثورة المهدية وزعيمها الإمام محمد أحمد المهدي، رأينا أن ندحض ما قاله من واقع المصادر العلمية المتوفرة حاليا والتي كان من المفترض أن يطلع عليها حسن مكي قبل أن يبدي ما يرى عن هذه الثورة. وحتى لا يفوت القارئ ما قاله حسن فإني أعيده هنا بإختصار شديد. يقول حسن مكي أن الثورة المهدية عزلت دارفور والسودان عن محيطها الإقليمي وعن العالم كما أشار إلى أن الإمام المهدي وجد نفسه في وضع غريب بعد إنتصار ثورته ووجد الأرض تميد من تحته نتيجة تفشي القبلية والموت والدماء. كما أشار حسن مكي إلى أن الإمام المهدي مات مسموما من قبل مشروعه والذي وقع فيه فيما يعني أنه وقع في شر أعماله والتي قادته إلى الموت بالتسمم. وقارن حسن الإمام المهدي بالرئيس البشير دون أن يوضح لنا وجه الشبه أو الإختلاف الذي يتميز بها كل منهما. كذلك وصف حسن مكي الخليفة عبد الله يمتلك قدرات وفي نفس الوقت وصفه بالجهل وعزا ذلك إلى أنه لم يسافر إلى خارج السودان ولا حتى إلى الأراضي المقدسة. وقال بأن الخليفة عبد الله كان يعيش بثقافة ما يسمى بالإسلام الأسود لذلك وقع فريسة سهلة للإنجليز وجزروهم بمدافع المكسيم. هذه بإختصار شديد ما قاله حسن مكي في هذه الندوة التي أقامها القسم السياسي لصحيفة الرأي العام والتي قامت بنشرها بتاريخ الحادي عشر من مايو 2010م.

    في هذه الحلقة نحاول توضيح كيف أن الإمام المهدي توحيد القبائل السودانية في أقاليمه المختلفة لندحض قول حسن الذي إعتبر أن المهدية زادت النعرة القبلية. كان مدخل الإمام المهدي في توحيد قبائل السودان في بداية دعوته اللجوء إلى قبائل غرب السودان والتزاوج منهم باعتبار أن للزواج وقتئذ قيمة اجتماعية تتخطي الرجل والمرأة لتمتد عبر أسرتيهما إلى كل القبيلة وتلزم الجانبين بالمساندة والتضامن. لقد تزوج المهدى من كثير من قبائل السودان بهدف التقارب من جهة واضعاف روح العداوة والبغضاء بين القبائل من جهة ثانية. فمثلا تزوج الامام المهدي أولى زوجاته بنت عمه فاطمة من الدناقلة وأنجبت له نورالشام وأم كلثوم وعائشة ونفيسة وتزوج من الجزيرة فاطمة بنت أحمد شرفى وأنجب منها محمد الفاضل والبشرى وذينب وبعد وفاتها تزوج أختها عائشة وأنجبت له الكامل وتزوج النعمة بنت الشيخ القرشى وأنجب منها على وتزوج من فاطمة بنت حسين من تشاد وأنجبت منه الصديق الذى توفى مع الخليفة عبدالله فى أمدبيكرات وتزوج من الفلاته عائشة بنت ادريس وأصلها من الفولانى أتباع الشيخ عثمان دان فوديو ومن النوبة تزوج قبيل الله وأنجب منها نصرالدين ومن الفور (الدينكا) مقبولة وأنجب منها السيد عبد الرحمن ومن الدينكا أيضا تزوج نحل الجود وأنجب منها الطيب والطاهر.[1] بذلك يكون الامام المهدي قد تزوج من الدناقلة في الشمال ومن الجزيرة بوتقة انصهار قبائل السودان في الوسط ومن الفلاتة الفولاني والبرنو والفور في غرب السودان ومن الدينكا في جنوب السودان. هذه الزيجات المتعددة أفقيا والعميقة الأثر فى النفوس كان لها دور عظيم فى تكاتف "أولاد كل البلد" ما عدا قلة قليلة تمثلت في قيادة طائفة الختمية والتابعين لها. هذا التكاتف مع الامام المهدى كان يهدف الى تحرير السودان وارجاع السيادة فيه الى السودانيين بمختلف أعراقهم وثقافاتهم أولا ثم الدفاع عن الدين كرمز للأخلاق والفضيلة ثانيا وهو ما لم يكن ممكنا ان لم يتم تحرير السودان.

    جاء النظام المهدوي ليمزق العصبية القبلية والجهوية ويظهر ذلك جليا في تبوأ البقارة وأهل الجبال والجانقي "الدينكا" مناصب الامارات وقيادات الجيش مما اعتبره البعض غير مقبول وأعلن عن استيائه منه كما جاء على لسان الحردلو.[2] وکما قلنا لم تقف المصاهرة لقيادة الثورة المهدية على غرب السودان، بل تعدتها لتشمل شرق وشمال وجنوب السودان. وكان الامام المهدي يعرف أسرته بأنها تشمل بيته وأسرة أخويه واسر الخلفاء الثلاثة والأمير يعقوب وجميعهم ينتمون الى قبائل مختلفة ومتباينة في عاداتها وثقافاتها. هذا يعني أن الهدف من مثل هذا التصور فيما يتعلق بالانتماءات الأسرية يمتد الى خارج نطاق العصبية القبلية ليعانق الانتماء الى الوطن من منظور وطني تلعب فيه المواطنة بمفهومنا الحالي المحرك الأساسي. بهذا صارت القرابة في الكيان الأنصاري "روحية" لا تحدها حدود القبيلة لدرجة ان الكثير من الامراء الذين ذكرهم نعوم شقير وسلاطين باشا مثلا على أنهم أقرباء لخليفة الامام المهدي ويتحدث عنهم أبناؤه أو أحفاده على أنهم "من العائلة" لم يكونوا ينتمون له بالدم ولا بالنسب[3]

    لقد وجدت الثورة المهدية الدعم المادى والمعنوى من كل قبائل السودان بما فيها قبائل جنوب السودان وبالتالي تكون الثورة المهدية قد لعبت دورا بارزا فی ربط تلك القبائل بالنسيج الاجتماعي السوداني العام رغم إختلافها الثقافي والعرقي والديني. فقد دعمت قبائل الجنوب ثورة الامام المهدي بالمال ورفع الروح المعنوية باعتبار أنها ثورة وطنية يقودها وطني بهدف ازالة الظلم عن كاهل كل السودانيين. كان على رأس تلك القبائل قبيلة الدينكا والتي اعتبرت الامام المهدي رجل دين وتقى ومن ثم اقترنت شخصيته مع رجل الدين "دينقيت" وهو الرجل الأقرب الى الاله لديهم. فقد اعتقد الدينكا بعد سماعهم بخبر الامام المهدى وانتصاراته المتعددة بأنه جاء ليخلص البلاد من الأجانب والذين فى نظرهم هم "غزاة الرقيق العرب" كما رأوا فيه الخلاص لكل "السودانيين ضحايا الظلم والأفعال المنافية للدين، التى يرتكبها تجار الرقيق وبأنه المنقذ الذى لن يفرق بين الدينكا والعرب، أو بين الوثنيين والمسلمين، وأن روحه من الاله، سامية وحانية مثل روح "دينقيت".[4] فقد وصلت أخبار الامام المهدى الى الدينكا من خلال انتصاراته على الحكومة التركية المصرية وأنه "كان يحرر الناس"[5]. لهذا شكل الامام المهدي تصور قبائل الجنوب قبل أن يروه ومن ثم كان تجاوبهم معه ومع ثورته عفويا وسريعا بمجرد أن تلقوا دعوة منه. بعد تلبية الدعوة التي قدمها الامام المهدى لزعيم الدينكا والتي صادفت وتزامنت مع انتصار الثورة على جيش الحكومة في الأبيض، أعلن زعيمهم أروب تأييد الدينكا ومن خلفه قبائل الجنوب الذي ممثلا لها للثورة المهدية[6]. واعترافا بهذا الفضل وتلك الروح الوطنية أطلق المهدى كل الرقيق السود قائلا للزعيم أروب " تعود الآن لقومك ولن يقدم العرب مستقبلا بالحاق أى ضرر بقومك، لن يحضروا أحدا من أتباعك لهذا المكان مرة أخرى"[7]. ثم أعطاه قبضة من التراب وحربة وسيفا وقال " الآن أنت ذاهب لقومك عليك مساعدة الرجل الذى لا يملك أبقارا، دع الأبقار تقسم. دع الرجل الذى يملك خمس بقرات أن يعطى بقرتين لمن يحتاج لهما."[8] بعد رجوع الزعيم أروب بعث الى كل القبائل بالحضور اليه طالبا الحضور اليه (هكذا فى الأصل) للتعرف على أهاليهم من الأسرى الذين تم عتقهم من قبل الامام المهدى " وحقيقة، حضر الناس وتعرفوا على ذويهم وأخذوهم الى ديارهم".[9]



    يلاحظ فرانسيس دينق أنه وبعد سقوط الدولة المهدية وفى فترة كول ابن الزعيم أروب الذى خلفه بعد موته عام 1905 بدأت هجمات الرق مرة أخرى على قبائل الجنوب الأمر الذى دفع كول الى القول متسائلا " هل يتكبد قومنا مرة أخرى تلك المعاناة؟ ... هل يعيد العرب عداوات سبق وأفلح والدى فى انهائها؟"[10] هذا التساؤل كفيل بحل لغز كثيرا ما تحاشى الباحثون الاجابة عليه وحتى عند تصديهم للاجابة عليه كثيرا ما ظلموا فيه قادة الدولة المهدية ومجدوا فيه الحاكم البريطانى المستعمر باعتباره أوقف تجارة الرق فى السودان. لقد نجح حقا الزعيم أروب فى محادثاته مع المهدى فى تحرير الأسرى وعتقهم ووعده المهدى بعدم تكرار ذلك من أجل التراب الوطنى الذى يجمع بينهما أى الزعيمين المهدى وأروب كما تدل قبضة التراب التى أعطاها الأول للأخير وكما تدل اشارة السيف والحربة على أنهما يتعاونان معا من أجل طرد المستعمر الجاسم على صدرهما معا. ان ما شد انتباه أهل الجنوب الى الثورة المهدية ليس بعدها الديني وانما واقعها الوطني خاصة بعد انتصاراتها المتلاحقة على المستعمر التركي المصري الذي لم يكن يرعى حرمة الانسان والاسلام. هذا البعد الوطني للثورة المهدية هو الذي جذب قبائل الدينكا والنوير والشلك لتنضم الى المهدي في قدير والأبيض فرفع الدينكا أعلام المهدية الخضراء وهاجموا قوات الحكومة في بحر الغزال عام 1883 حتى استولى عليها كرم الله الكركساوي ليسقط فيها الحكم التركي المصري. وامتدت ثورتهم بعد ذلك الى الاستوائية حين تحالفوا مع عبد الله السوميت قائد الثورة المهدية وحرروا مدينة أمادي الاستوائية.[11]



    من جانب آخر فقد تمثل التعاون بين زعماء الجنوب والمهدى فى الدعم المادى الذى كان يقدمه هولاء الزعماء ليس فقط من أجل تحرير الناس ولكن أيضا من أجل تحرير البلاد من الحكم الأجنبى. من أجل تحقيق هذا الهدف يقول فرانسيس دينق " لهذا أرسلت تبرعات من البقر والضأن، كانت تجمع التبرعات من كل الزعماء فى الجنوب وترسل الى المهدى عن طريق أروب ( زعيم الدينكا ) لأنهم كانوا يدركون أهمية تحريرهم وتحرير بلادهم وهو أمر كانوا يتابعونه ويتفاعلون معه مما يعني التفاعل الوجداني المتبادل بين أهل الشمال وأهل الجنوب. وكما يقول فرانسيس دينق " كانت الأحداث الكبيرة فى البلاد وكيفية ادارتها تدفعهم ليجتمعوا ويتفاكروا بشأنها. قضايا مثل وضعية العلاقات بين الناس عند مناطق التماس".[12]وحتى نؤكد للقائد باقان ولغيره من الباحثين عن حقيقة الثورة المهدية في تعاملها مع السودان الواحد بتعدده الديني والثقافي والعرقي فاني أتناول الكيفية التي أدار بها الامام المهدي ثورته ممثلا ذلك في قياداتها.















    --------------------------------------------------------------------------------

    رباح الصادق نساء أمدرمان 1995 مرجع سابق ص ص 33-34 الجدير بالذكر أن رباح حفيدة المهدى وبنت الصادق المهدى[1]

    [2] عبر الحاردلو عن سخطه من هذا الوضع بقوله:

    ناسا قباح من الغرب يوم جونـــــــــا

    جابوا التصفية ومن البيوت مرقونــــا

    أولاد ناس عزاز متل الكلاب سوونا

    يا يابا النقس يا الانجليز ألفونـا!! عبدالهادي الصديق ص 131

    [3] نفسه 238

    فرانسيس دينق صراع الرؤى: نزاعات الهويات فى السودان، ترجمة عوض حسن مركز الدراسات السودانية 1999 ص224 [4]

    المرجع السابق ص 254[5]

    المرجع السابق ص 246 [6]

    المرجع السابق[7]

    [8] Francis M. Deng 1978 Africans of Two Worlds: The Dinka in Afro-Arab Sudan. Yale University Press pp. 63 ذكرها فى المرجع السابق ص 246

    المرجع السابق ص 247 بين قوسين مضاف من الكاتب[9]

    المرجع السابق ص 251 فرانسيس [10]

    [11] Robert Collins The Southern Sudan 1883-1898 Yale University 1962 pp. 46-48

    المرجع السابق ص 254[12]




    Abdalla gasmelseed
                  

05-30-2010, 05:45 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    حسن مكي والثورة المهدية الحلقة الأخيرة

    عبد الله محمد قس السيد- السويد

    نظم القسم السياسي بـ (الرأي العام) حلقة نقاشية حول نتائج الانتخابات ومستقبل القوى التقليدية تحدث فيها الباحثون حسن مكي مدير جامعة افريقيا، حسن الساعوري استاذ العلوم السياسية، ومختار الأصم من المفوضية القومية للإنتخابات وبابكر فيصل. ونسبة لما أدلى به الباحث حسن مكي من معلومات فجة وعقيمة عند تناوله للثورة المهدية وزعيمها الإمام محمد أحمد المهدي، رأينا أن ندحض ما قاله من واقع المصادر العلمية المتوفرة حاليا والتي كان من المفترض أن يطلع عليها حسن مكي قبل أن يبدي ما يرى عن هذه الثورة. وحتى لا يفوت القارئ ما قاله حسن فإني أعيده هنا بإختصار شديد. يقول حسن مكي أن الثورة المهدية عزلت دارفور والسودان عن محيطها الإقليمي وعن العالم كما أشار إلى أن الإمام المهدي وجد نفسه في وضع غريب بعد إنتصار ثورته ووجد الأرض تميد من تحته نتيجة تفشي القبلية والموت والدماء. كما أشار حسن مكي إلى أن الإمام المهدي مات مسموما من قبل مشروعه والذي وقع فيه فيما يعني أنه وقع في شر أعماله والتي قادته إلى الموت بالتسمم. وقارن حسن الإمام المهدي بالرئيس البشير دون أن يوضح لنا وجه الشبه أو الإختلاف الذي يتميز بها كل منهما. كذلك وصف حسن مكي الخليفة عبد الله يمتلك قدرات وفي نفس الوقت وصفه بالجهل وعزا ذلك إلى أنه لم يسافر إلى خارج السودان ولا حتى إلى الأراضي المقدسة. وقال بأن الخليفة عبد الله كان يعيش بثقافة ما يسمى بالإسلام الأسود لذلك وقع فريسة سهلة للإنجليز وجزروهم بمدافع المكسيم. هذه بإختصار شديد ما قاله حسن مكي في هذه الندوة التي أقامها القسم السياسي لصحيفة الرأي العام والتي قامت بنشرها بتاريخ الحادي عشر من مايو 2010م.



    وضح مما أوردناه في الحلقات الثلاثة الماضية كيف أن ما أدلى به الباحث حسن مكي يتناقض ويتعارض كلية عما عرضناه نحن فيما يتعلق بالثورة المهدية ودورها في وحدة السودان من جانب وإستقلال السودان كأول دولة أفريقية تقود ثورة نجحت في طرد المستعمر من بلادها من جانب آخر. لقد إعتمدنا في رؤيتنا على مراجع متوفرة للقارئ العادي ناهيك عن إنسان متخصص يتميز عن أقرانه ويوصف بالمؤرخ والمفكر الإسلامي وهي مزايا جعلت منه مديرا لأحدى جامعات السودان التي "تفرخها" حكومة الإنقاذ كلما دعت الحاجة إلى تلميع المنتمين إليها أو إلى زيادة أعداد الشباب للإنتماء لصفوفها دون تخطيط لما ستكون عليه حياتهم وحال أسرهم بعد تخرجهم وهم يواجهون الحياة العملية التي لم ولن تتوفر لهم في ضوء السياسات العقيمة التي تتبعها حكومة نظام الإنقاذ تحت إستشارة المتملقين والمنتفعين.

    لقد حاول الباحث حسن مكي التقليل من قائد الثورة المهدية وخليفته بوصمهم بالجهل من جانب والخيانة والغدر بصورة مغلفة على القارئ العادي من جانب آخر. فقد إستخدم حسن مكي لفظ الفخ الذي وقع فيه الإمام المهدي عندما انتصر على المستعمر بعد فتح الخرطوم وفي تلك الفترة بالذات إتضح له حسب حديث حسن مكي، أي للإمام المهدي أن الأرض تميد من تحته. الأمر الذي أجبره في الدخول إلى خلوة يتعبد فيها وكأني ب حسن يريد القول أن المهدي بدخوله للعبادة كان من أجل أن يستغفر ربه مما فعله في السودان وشعبه عندما قادهم من نصر إلى نصر ضد المستعمر الإنجليزي المصري. وفي هذه اللحظة بالذات يقارن الباحث والمؤرخ بين الإمام المهدي وعمر البشير ولقد بحثت كثيرا في أمر هذه المقارنة حتى أجد لها من دواعي الشبة أو الصفات التي تميز الطرفان وقد إستعنت ببعض المعارف والزملاء حتى يدلوني على وجه شبه واحد يربط البشير بالإام المهدي ولم أجد من جانبي أو من المعارف والزملاء من يدلني على وجه شبه واحد. لم يكتف حسن مكي بما اتهم به قيادة الثورة المهدية وقفز مستهترا ومستهزئا بالأنصار وهم يواجهون الموت حفاظا على دينهم من جانب وإعلاء لفريضة تقرها كل الشعائر السماوية وهو الدفاع عن بلادهم وكرامتها من جانب آخر. وصف حسن مكي في إستهزاء تسبقه شماتة وضحكة خافتة، الأنصار بالبهائم وهم يقدمون الآلاف من الضحايا في موقعة كرري حين قال بأن المكسيم وهو مدفع يستخدم لأول مرة في العالم في الحروب، جذرهم ومعروف في اللغة جزر يجزر وهي أفعال يقوم بها الجزار في المسلخ أو الجزارة. فهل يمكن أن ينطبق هذا الوصف على الأنصار وهو يقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل عزة بلادهم؟؟؟!!! فهل يا ترى إضطلع حسن مكي على ما قاله المحارب عندئذ تشرشل وهو يصف شجاعة الأنصار وحبهم للموت فداءا لبلادهم؟؟؟ فقد وصفهم تشرشل والذي أصبح رئيس وزراء بريطانيا وهو ألد أعداء الثورة المهدية وأنصارها والقادم مع جيش الإنتقام الإنجليزي المصري من الأنصار وإمامهم في قتل غردون باشا، بأنهم أشجع من رأى وسمع وقرأ عنهم في حياته.

    وأنا أبحث في أوجه الشبه التي قد تكون دافعا لحسن مكي تجعله يقارن بين الإمام المهدي والبشير وجدت بعض المفارقات في الشخصيتين فيما يتعلق بالوطنية والدفاع عن الوطن التي تجعل الباحث يفكر فيما آلت إليه المعايير التي تقاس عليها قيم الوطنية. فالإمام المهدي وأنصاره بإسم الدين والوطن عملوا على إستقلال بلادهم ووحدتها وبالعزيمة وقوة الإرادة والتجرد والبعد عن مصالح الذات تحققت لهم ما ارادوا في أقل من أربعة أعوام وهم يواجهون المملكة البريطانية بإسم الدولة العثمانية والخديوية المصرية التي لا تغيب عنها الشمس. أما البشير وتابعيه من المنتفعين والمتسلقين بإسم الدين فقد عملوا لمصلحتهم وتحققت لهم فأصبحت البلاد في عهدهم تمزقها القبلية والجهوية والإثنية. وما يحدث الآن في كل أقاليم السودان من حروب وإنقسامات كفيل بتوضيح الحقيقة أن البشير ومن معه ولمصلحتهم الشخصية يضحون بكل السودان كبلد واحد بل. ومن ناحية أخرى يزداد طمع القوى الخارجية في النيل من بلادنا كل يوم ليس فقط في التنازل عن حقها في أراضيها كما في حلايب وغيرها أو تقسيمها كما يعمل البعض لفصل الجنوب إستعدادا لتصعيد الحرب في دارفور، وإنما التحدث بإسمها في المحافل الدولية دون أن يتجرأ البشير ولو للحظة واحدة أو مستشاره المتطلع لمنصب الجامعة العربية أن يقول عكس ما يخطط له النظام المصري فيما يتعلق بمياه النيل. فعلى الرغم من أن السودان لا ناقة له ولا جمل فيما يجري بل هو مظلوم في نصيبه من المياه كغيره من دول المنبع التي يرزح جل مواطنيها في فقر مدقع ومجاعات تتكرر عاما بعد آخر، إلا أن البشير ومستشاروه صمتوا كصمت القبور وتركوا مصر الرسمية تتحدث بالنيابة عنهم لتجعل السودان طرفا مناصرا لها في ظلم دول المنبع دون وعي بما قد يجره ذلك في المستقبل القريب على السودان وشعبه. من جانب آخر وحتى يستمر البشير جالسا على كرسي السلطة فقد تنازل عن كرامة شعبه بعد أن قتل وشرد من قتل وشرد بإسم الدين، لأعدائه من الكفرة والذين كنا نسمع صباحا ومساءا بأن عذابهم قد دنا. واليوم كما هو في الخرطوم وأطراف السودان المختلفة تزداد أعداد القوات الأجنبية لتجعل منه مستعمرة جديدة. ولم يكن موقف زمرته أفضل منه حين تجمع مستشاروه حوله حفاظا على أرواحهم وإمتيازاتهم التي يظنوا بأنها ستتنزل من بعدهم على أبنائهم. أما الخليفة عبد الله الذي يصفه حسن مكي بالجاهل فقد فضل الموت بدلا أن يعيش ليرى السودان في أيدي أعدائه حين قتل مع أصحابه يصلي لله عز وجل وهو أكثر فرحا وإطمئنانا لوداعه الدنيا الفانية غير متنازل عن كرامته وكرامة بلاده. وحتى أنصاره الذين تم أسرهم لم يستسلموا ليصبحوا جواسيس على بلادهم لينعموا برغد العيش في مصر بل رفضوا كل إغرءآت المستعمر وفضلوا الموت الإنفرادي في سجون مصر الرطبة داخل الأرض ليواجهوا الموت البطئ جراء الأمراض مثل التيبي وغيرها. فأي مقارنة يريد حسن مكي بين قيادة الثورة المهدية وأنصارها وبين البشير وزمرته؟؟؟!!!!

    وهنا أسمحوا لي بإفتباس من تعليق وصلني من الأستاذ بابكر عثمان يقول فيه " لقد طالعت مقالك عن إفك د. حسن مكي وما قاله عن الثورة المهدية , وفي تقديري أن ما قاله ليس من فراغ ..... فهو يعتبر من مفكري الحركة الإسلامية في السودان ومنظريها. (و) إتهامه للمهدية بتفتيت السودان وخاصةً دارفور , فإنه يريد أن يغبش الحقيقة الماثلة الآن وهي سعي حكومة المؤتمر الوطني لتفتيت السودان ومحاولة تهوين الأمر على السودانيين على أنه حدث من قبل على يد المهدية , ومعلوم أن تفتيت السودان هو هدف يهودي اسرائلي , وللأسف الشديد يتم تنفيذه بأيدي سودانية . لقد أشرت في مقالك إلى جهل حسن مكي بالثورة المهدية , وتجدني أرى غير ذلك , فهو يعلم جيداً حقيقة الثورة المهدية, ولكن الذي قاله يوضح بجلاء استهانة الإسلاميين بالصدق والأمانة في كل جوانب الحياة وخاصةً في مجال البحث العلمي , فهي مصيبة كبيرة , وتكون أكثر خطراً عندما تأتي من أستاذ جامعي وأمثالة كثر في جامعاتنا , فهم يفرخون الحقد وينشرون الجهل ويسعون إلى تجهيل المجتمع باسلوب مبرمج . يا أخي لقد اشتد الإمتحان وطال على الأمة السودانية وتعددت أوراقه ومجالاته , وبرغم إيماني بأن الذي يحدث وما حدث سابقاً فيه خير كثير للامة السودانية , وأن مصير الطقمة الحاكمة وأذيالهم إلى زوال , إلا أني اشفق على المواطن السوداني البسيط لأن ما تحمله أكبر من طاقته بكثير . حسبنا الله ونعم الوكيل." إنتهى تعليق الأخ الفاضل بابكر عثمان.

    تجدني أتفق معك تماما أخي بابكرفيما ذهب إليه من تجهيل للشعب السوداني خلال الواحد وعشرين عاما الماضية من عمر نظام الإنقاذ رغم إدعائهم بالثورة التعليمية التي يدعو بتحقيقها. لقد كتب الكثير من الباحثين عن التدهور المريع في مستويات التعليم العالي والذي أصبح حكرا مع ذلك التدهور على الفئة المنتمية إليهم. فهم الذين يملكون المال لمقابلة الرسوم الخرافية للإلتحاق بالجامعات الخاصة وغيرها من المسماة كذبا بالجامعات الحكومية. وكذلك عمل غيرهم ممن واصل أبناؤهم التعليم أنفقوا كل ما عندهم من مدخرات وغيرها خاصة أولئك الذين يعيشون في الغربة بصفة تكاد تكون دون أمل في رجعة حتى يوفروا لأبنائهم وبناتهم إمكانية التعليم. غير أن الأمر الأكثر ألما ومرارة هو أن يجد من تعلم من الشباب أو أعطيت له شهادة بأنهم أكملوا الدراسة الجامعية أنفسهم في الشارع دون عمل لتتقاذفه نوائب الدهر وسمومه.

    ما فتئ الإعلام يحدثنا عن المفكر والمؤرخ حسن المكي وما زال هذا المفكر يحتل إدارة إحدى الجامعات السودانية. فإذا كان ما أوردناه صحيحا حسب المصادر التي ألحقناها بالمقالات السابقة وهي مراجع متوفرة ويكون قد إضطلع عليها حسن مكي بحكم تخصصه وعرف من خلالها ما بذله الإمام المهدي وأنصاره فيما يتعلق بوحدة وإستقلال السودان كان لزاما عليه ألا يقول ما قال. ولما كان قد قال ما جاء في صحيفة الرأي العام ولم ينفه بعد يكون قد تعمد قوله وبالتالي يكون غير أمين فيما قال وهو يتحدث عن صفحة تاريخية من تاريخ السودان مما ينفي عنه صفة باحث ومؤرخ. أما إذا لم يكن قد إضطلع عليها وأدلى بما أدلى به دون علم فتكون تلك بمثابة الطامة الكبرى التي وقع فيها التعليم العالي في السودان. فكيف يا ترى يكون الإنسان مؤرخا لتاريخ بلاده وهو لم يقرأ ما حدث في ذلك التاريخ. وفي الحالتين يكون حسن مكي غير مؤهلا أخلاقيا ولا جديرا مهنيا بأن يحمل أية صفة من الصفتين وبالتالي ليس مؤهلا وجديرا بأن يكون مديرا لجامعة في السودان ليتخرج على يديه طلابا لا يعلمون شيئا عن العلم وأسس وأخلاق البحث العلمي.

    عبد الله محمد قسم السيد






    Abdalla gasmelseed
                  

05-31-2010, 07:14 AM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الشكر اجزله للحبيب الدكتور عبد الله قسم السيد لهذا الرد الفاحم
                  

06-01-2010, 02:16 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الله اكبر ولله الحمد
                  

06-05-2010, 03:24 PM

عمر عبد الله فضل المولى
<aعمر عبد الله فضل المولى
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 12113

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية (Re: عمر عبد الله فضل المولى)

    الله اكبر ولله الحمد
                  

06-06-2010, 02:39 AM

Adam Omer
<aAdam Omer
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 4478

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: افتـراءات حسـن مكي على الثـورة المهـدية (Re: عمر عبد الله فضل المولى)


     [Vert] الاخ عمر فضل المولى تحية وسلام.

    حسن مكى سافل منحط

     ولا يستحق أكثر من هازين الجملتين

    [Rouge] كتاب ونستون تشرشر حرب النهر. [/ Rouge] يتحض كل أفترءأت هذا المفترى [/ green] [/ B] [/ red]

    (عدل بواسطة Adam Omer on 06-06-2010, 02:43 AM)
    (عدل بواسطة Adam Omer on 06-06-2010, 02:43 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de