في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه حسين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-18-2024, 06:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2010, 07:44 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه حسين

    لونهض طه حسين تاج البصيرة المعرفية الوعرة
    ووجدنا في زمن رقائق السلكون والخريطة الجينية
    والبصمة والوراثية لقال عودو لكتابى (في الشعر الجاهلى)
                  

05-07-2010, 08:15 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    يقول الاستاذ: عبدالمنعم تليمة في مدخلة لقراءة
    في الشعر الجاهلى:
    نشر النص الأصلى لكتاب (في الشعر الجاهلي) الذى
    أصدره طه حسين (1889 ـ1973م)سنة 1926 وصادرته
    السلطات وقتئذ.
    والكتاب في منهج التأريخ وللغة والأدب وطرائق نقد
    النصوص وتصحيح نسبتها إلى منشئيها . وقد فتح الكتاب
    وهو يعالج ما دته الادبية ـ بابا واسعا في النظر إلى
    التراث ودعا إلى مناهج جديدة لدرس هذا التراث وتقويمه
    وأثار جملة هامة من المسائل الدقيقة التي تتصل بأنظار
    ومفهومات ثقافية وتاريخية وفكرية وعلمية . ويجد مدون
    التاريخ العربى الحديث في الكتاب مادة صالحة لبيان النهوض
    وتحرير العقل والإصلاح الثقافي باعمة . وندع كل ذلك لرجالاته
    ومجالاته أما نحن فوجهتنا ـ ها هنا ـ ان نرصد نتائج العلم
    في حقل التأريخ للغة والأدب العربيين في العقود السبعة الاخيرة
    منذ صدور الكتاب إلى اليوم وغايتنا تحديد ماتوصل إليه طه حسين
    من نتائج وما انتهى إليه الدارسون والعلماء ـ بعده ـ في ذات الحقل
    ليبين اطراد تقدم العلم وآفاق تطوره. ونبدأ بالوقوف وقفتين لازمتين.
                  

05-07-2010, 08:32 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    الوقفة الاولى:
    جاء في كتاب طه حسين (أن الكثرة المطلقة مما نسميه
    شعرا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء وإنما هي منتحلة
    ومختلقة بعد ظهور الاسلام فهي إسلامية تمثل حياة المسلمين
    وميولهم وأهواهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين ومابق من
    الشعر الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على
    شىء ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصور الادبية الصحيحة
    لهذا العصر الجاهلى . إن ما نطالعه على انه شعر امرىء القيس
    أوطرفة أو عمرو بن كلثوم أوعنترة ليس من هولاء في شىء وانما
    هو انتحال الرواة واختلاق الاعراب او صنعة النحاة او تكلف لقصاص
    واختراع المتكلمين والمحدثين والمفسرين)ومجمل مايصل اليه طه حسين
    في هذا الشان ان الكثرة من الشعر الجاهلى بين مرفوض ومشكوك فيه وان
    قلة منه ـ هي شعر مضر ـ في حاجة الى تحر وتدقيق وتحقيق اوما النثر
    الجاهلي فلا قيمة له ولاغناء فيه.
                  

05-07-2010, 08:54 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    يمضى المحقق بقوله:
    يحاول طه حسين ان يضع براهين تثبت حكمه السابق فيرى
    أن الشعر الجاهلى _ والادب الجاهلى عامة ـ لايصور حياة
    الجاهلين من كل اطرافها وجوانبها وأما الذى يصورها
    تصويرا دقيقا فانما هو القران الكريم.إن القران الكريم
    يصور حيوات الجاهلين الدينية والعقلية والسياسية والاقتصادية
    ولا شىء من هذا التصور في الشعر الجاهلى لذا فان حياة العرب قبل
    الاسلام انما تلتمس في القران وليس في هذا الشعر الجاهلى الذى صنعت
    كثرته ووضعت بعد الاسلام وبخاصة في القرا الهجرى الثانى قرن الجمع
    والتدوين . ويحول طه حسين كذلك إلى جانب ما رآه براهين تثبيت صنع
    الشعر كثرة الشعر الجاهلى بعد الاسلام أن يورد أسبابا تفسر هذا الصنع
    وهذه الاسباب لديه خمسة مدارها السياسة والدين والشعوبية والقصص والرواة
    ويقصد بالسياسة العصبية القبلية فقد أرادت القبائل في صراعها بعد الاسلام
    ان تجعل لنفسها مجدا قديما فلجأت الى وضع أشعار بعد الاسلام أن تجعل لنفسها
    مجد قددديما فلجأت الى وضع أشعار نسبتها الى الجاهليين من شعرائها ومن
    شواعد السبب الدينى اليهو والنصارى قد وضعو ـ بعد الاسلام شعرا كثيرا نسبوه
    الى اسلافهم الجاهلين.
                  

05-07-2010, 09:27 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    أما الشعوبية فدليل اتصالها بوضع الشعر ونسبته
    الى الجاهليين . ان بعض علماء اللغة والرواة في
    العصر العباسي قد صنعو شعرا يمجد الماضى الفارسى
    وجعلوا هذا الشعر على السنة شعراء جاهليين تقريبا
    من الوزراء الفرس ـ كالبرامكة ـ الذين استزورهم
    الخلفاء العباسيون . وأما القصاص فقد وضعوا شعرا
    نسبوه الى الجاهلية الأولى والجاهلية الثانية ذكروا
    فيه أمجادا قديمة للقبائل واحداث الامم وشعوب وقبائل
    بائدة الى جانب ما وضعه بعض هولاء القصاص من شعر زعمو
    قدمه وجعلوه على السنة كائنات غير بشيرية منها الجن
    وغير الجن . واخيرا وقف طه حسين ـ فيبحثه عن اسباب
    الوضع والانتحال ـ عند فساد الرواه . وخص حمادا من
    الكوفة ومعه خلف الاحمر من البصرة بكثير من الشك والارتياب
    والاتهام بالتوسع في الوضع والانتحال سبيلا الى الكسب وغيره
    من الاغراض كما وقف عند غيرهما من الرواة طالبا الاحتياط
    في قبول رواياتهم من الشعر الجاهلى.
    يريد طه حسين ان يسند حكمه بوضع اكثر الشعر الجاهلى بسند
    من تاريخ اللغة العربية. ينص هنا على ان لغة عرب الجنوب
    الحميرية كانت تختلف عن لغة عرب الشمال الفصحى في الفاظها
    وقواعد صرفها ونحوها، وهو لهذا يشك فيما نسب الى شعراء لجنوب
    الجاهليين من شعر بلغة الشمال. بل إنه ينص هنا على ان فصحى الشمال
    ذاتها لم تكن سائدة بين القبائل الشمالية قبل الاسلام وعلى انها في
    ذاك العصر الجاهلى لم تتجاوز الحجاز. وهذه المسالة ـ لعظيم خطرها
    في العربية والادب العربى نقف عندها بتفصيل تال.
                  

05-07-2010, 09:44 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    استهل المحقق الاستاذ عبد المنعم تليمة كتاب في الشعر الجاهلى
    بقوله: من الكتب ما يضعه التاريخ الى الامهات الخوالد لان هذا
    المضاف يفتح السبل امام النظر واعمال العقل وامام البحث ومناهج
    العلم . من هذه الكتب (في الشعر الجاهلى ) الذى صدر بهذا العنوان
    منذ ثمانين عاما(1926) فثارت حوله نقاشات واسعة جعلت طه حسين يحذف
    منه سطورا ويعيد نشهره في السنة التالية(1927) بعنوان في الادب الجاهلى
    ونحن هنا ننشر النص الاصلى الذى صودر عند نشره اول مرة .

    (عدل بواسطة بدر الدين الأمير on 05-07-2010, 09:54 AM)

                  

05-07-2010, 08:01 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    صدر كتاب في الشعر الجاهلي ( الكتاب والقضية)
    عن دار رؤية للنشر والتوزيع في عام 2007م يقع
    الكتاب وهو من الحجم المتوسط في 292 صفحة متضمنة
    قرار النيابة في قضية كتاب في الشعر الجاهلى




    نواصل ..
                  

05-07-2010, 08:10 PM

عماد الشبلي
<aعماد الشبلي
تاريخ التسجيل: 06-08-2008
مجموع المشاركات: 8645

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    بدر .. سلام

    خلي بالك من زوزو ..

    في ناس عاوزين ينتزعو ( عمتك !! )
                  

05-07-2010, 09:54 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: عماد الشبلي)

    Quote: في ناس عاوزين ينتزعو ( عمتك !! )

    عماد ياشبلى
    يقول طه حسين في مستهل كتابه في الشعر الجاهلى:
    ولست أزعم أنى من العماء . ولست أتمدح بانى أحب
    أن أتعرض للاذى . وربما كان الحق انى أحب احياة
    اهادئة المطمئنة ، واريد ان أتذوق لذات العيش
    في دعة ورضا. ولكنى مع ذلك أحب أن أفكر واحب أن
    ابحث واحب أن أعلن إلى الناس ما انتهى إليه بعد
    البحث والتفكير ولا اكره أن آخذ نصيبى من رضا الناس
    عني اوسخطهم على حين أعلن إليهم ما يحبون او ما يكرهون
    واذن فلأعتمد على الله ولأحدثك بما أحب أن أحدثك به فى صراحة
    وأمانة وصدق ولأجتنب في هذا الحديث هذه الطرق التى يسلكها
    المهرة من الكتاب ليدخلوا على الناس مالم يألفوا وأناة
    وشىء من الاحتياط كثر.
    واول شىء أفجؤك به في هذا الحديث أنى شككت في قيمة الشعر
    الجاهلى وألححت في الشك، أو قل ألح على الشك فأخذت أبحث
    وأفكر وأقرأ وأتدبر حتى انتهى بي هذا كله إلى شىء إن لم
    يكن يقينا فهو قريب من اليقين. وذلك أن الكثرة المطلقة
    مما نسميه شعرا جاهليا من الجاهلية في شىء وإنما هي منتحلة
    ومختلقة بعد ظهور الاسلام فهى إسلامية تمثل حياة المسلمين وميلولهم
    وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين.
                  

05-08-2010, 04:13 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    منهج البحث
    يقول طه حسين
    :
    احب أن اكون واضحا جليا وان اقول للناس ما اريد ان اقول دون ان اضطرهم الى ان يتأولوا
    ويتمحّلوا ويذهبو مذاهب مختلفة في النقد والتفسير والكشف عن الاغراض التى أرمى اليها . اريد
    أن أريح الناس هذا اللون من الوان التعب وأن اريح نفسي من الرد والدفع والمناقشة فيما لا يحتاج
    إلى مناقشة أريد أن أقول انى سأسلك في هذا النحو من البحث مسلك المحدثين من أصحاب العلم
    والفلسفة فيما يتنالون من العلم والفلسفة أريد أن أصطنع في الادب هذا المنهج الفلسفي الذى استحدثه
    (ديكارت) للبحث عن حقائق الاشياءفي اول هذا العصر الحديث. والناس جميعا يعلمون أن القاعدة
    الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرد الباحث من كل شىء كان يعلمه من قبل وأن يستقبل موضوع بحثه
    خالى الذهن مما قيل فيه خلوا تاما . والناس جميعا يعلمون أن هذا المنهج الذى سخط عليه أنصار القديم
    في الدين والفلسفة يوم ظهر قد كان من اخصب المناهج وأقومها وأحسنها أثرا وانه قد جدد العلم والفلسفة تجديدا
    وانه قد غير مذاهب الأدباء في ادبهم والفنانين في فنونهم وانه هو الطابع الذى يمتاز به هذا العصر الحديث . فلنصطنع
    هذا النهج حين نريد ان نتناول أدبنا العربى القديم وتاريخه بالبحث والاستقصاء ولنستقبل هذا الادب وتاريخه وقد برأنا أنفسنا من كل ما قيل
    فيهما من قبل خلصنا من كل هذه الأغلال الكثيرة الثقيلة التى تاخذ أيدينا وأرجلنا ورؤسنا
    فتحول بيننا وبين الحركة الجسمية الحرة وتحول بيننا وبين الحركة العقلية الحرة أيضا
                  

05-08-2010, 05:56 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    مرآة الحياة الجاهلية يجب أن
    تلتمس في القرآن لا في الشعر الجاهلى

    يمضى طه حسن بقوله:
    قلت أن القرآن أصدق مرآة للحياة الجاهلية . وهذه القضية غربية حين تسمعها
    ولكنها بديهية حين تفكر فيها قليلا فليس من اليسير ان نفهم ان الناس قد اعجبوا
    بالقرآن حين تليت عليهم آياته إلا أن تكون بينهم وبينه صلة هي هذه الصلة التى
    توحد بين الأثر الفني البديع وبين الذين يعجبون به حين يسمعونه أو ينظرون إليه
    وليس من اليسير ان نفهم ان العرب قد قاوموا القرآن وناهضوه وجادلوا النبى فيه
    إلا أن كان يكونوا قد فهموه ووقفوا على أسراره ودقائقه . وليس من اليسير بل ليس
    من الممكن أن نصدق أن القرآن كان جديدا كله على العرب . فلو كان كذلك لمافهموه
    ولا وعوه ولا آمن به بعضهم ولا نالهضه وجادل فيها بعضهم الآخر. إنما كان القرآن جديدا
    في اسلوبه جديدا فيما يدعو إليه جديدا فيما شرع للناس من دين وقانون ولكنه كان
    كتابا عربيا لغته هي اللغة العربية الأدبية التي كان يصطنعها الناس في عصره أي في
    العصر الجاهلي . وفي القرآن رد على الوثنيين فيما كانو يعتقدون من الوثنية وفيه
    رد على اليهود وفيه رد على النصارى وفيه رد على الصابئة والمجوس وهو لايرد على يهود
    فلسطين ولا على نصارى الروم ومجوس الفرس وصابئة الجزيرة وحدهم إنما يرد على فرق من
    العرب كانت تمثلهم في البلاد العربية نفسها. ولولا ذلك لما كانت له قيمة ولا خطر ولما
    حفل به احد من اولئك الذين عارضوه وايدوه وضحوا في سبيل تاييده ومعارضته بالاموال والحياة.
                  

05-08-2010, 06:00 PM

عبداللطيف خليل محمد على
<aعبداللطيف خليل محمد على
تاريخ التسجيل: 09-01-2004
مجموع المشاركات: 3552

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    قوم لف ..
                  

05-08-2010, 06:42 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: عبداللطيف خليل محمد على)

    ويمضى طه حسن بقوله:
    أفتظن أن قريشا كانت تكيد لأبنائها وتضطهدهم وتذيقهم ألوان العذاب
    ثم تخرجهم من ديارهم ثم تنصب لهم الحرب وتضحى في سبيلها بثرواتها
    وقوتها وحياتها لو لم يكن لها من الدين إلا ما يمثله هذا الشعر الذى
    يضاف إلى الجاهليين ؟ كلا! كانت قريش متدينة قوية الإيمان بدينها ولهذا
    الدين وللايمان بهذا الدين جاهدت ما جاهدت وضحت ما ضحت وقل مثل ذلك في
    اليهود وقل مثله في غير أولئك وهؤلاء من العرب الذين جاهدو النبى عن دينهم
    فالقران إذا أصدق تمثيلا للحياة الدينية عند العرب من هذا الشعر الذى يسمونه
    الجاهلي. ولكن القرآن لا يمثل الحياة الدينية وحدها وإنما يمثل حياة شيئا اخر
    غيرها لا نجده في الشعر الجاهلي يمثل حياة عقلية قوية يمثل قدرة على الجدال
    والخصام أنفق القرآن في جهادها حظا عظيما أليس القرآن قد وصف أولئك الذين
    الذين كانوا يجادلون النبي بقوة الجدال ويخاصمون ويحاورون؟ في الدين وفيما
    يتصل بالدين من هذه المسائل المعضلة التى ينفق الفلاسفة فيها حياتهم دون ان
    يوفقوا إلى حلها: في البعث في الخلق في إمكان الاتصال بين الله والناس في المعجزة
    وما إلى ذلك.
                  

05-08-2010, 07:23 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    أفتظن قوما يجادلون من هذه الأشياء جدالا يصفه القرآن
    بالقوة ويشهد لأصحابه بالمهارة أفتظن هؤلاء القوم من
    الجهل والغباوة والغلظة والخشونة بحيث يمثلهم لنا هذا
    الشعر الذى يضاف الى الجاهليين! كلا ! لم يكونو جهالا
    ولا اغبياء غلاظا ولا أصحاب حياة خشنة جافية وإنما كانوا
    أصحاب علم وذكاء وأصحاب عواطف رقيقة وعيش فيه لين ونعمة
    وهنا يجب أن نحتطتاط فلم يكن العرب كلهم كذلك ولا يمثلهم
    القرآن كلهم كذلك وإنما كانوا كغيرهم من الامم القديمة
    وككثر من الامم الحديثة منقسمين إلى طبقتين : طبقة المستنيرين
    الذين يمتازون بالثروة والجاهوالذكاء والعلم وطبقة العامة الذين
    لا يكاد يكون لهم من هذا كله حظ.
    القرآن شاهد بهذا . أليس يحدثنا عن أولئك المستضعفين الذين كفروا
    طاعة لسادتهم وزعمائهم لا جهادا في الراي ولا اقتناعل بالحق والذين
    سيقولون يوم يسألون: ( ربنا إ،ا أطعنا سادتنا وكبراءنا فاضلونا السبيلا)
    بلى! والقران يحدثنا عن جفوة الأعراب وغلظتهم وإمعانهم في الكفر والنفاق
    وقلة حظهم من العاطفة الرقيقة التى تحمل على الايمان والتدين أليس هو الذى
    يقول: ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله)
    ليس قد شرع للنبى أن يتألف قلوب الأعراب بالمال! بلى. فالقران إذا يمثل الأمة
    العربيةعلى أنها كانت كغيرها من الأمم القديمة فيها الممتازون والمستنيرون
    والذين كان النبى يجادلهم ويجاهدهم وفيها العامة الذين لم يكن لهم حظ من
    استنارة اوامتياز والذين كانو موضع النزاع بين النبى وخصومه والذين كانوا
    يتألفهم النبى بالمال أحيانا.
                  

05-08-2010, 08:21 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    يواصل طه حسين:
    القرآن لا يمثل الأمة العربية متدينة مستنيرة فحسب بل هو
    يعطينا منها صورة اخرى يدهش لها الذين تعودوا ان يعتمدوا على
    هذا الشعر الجاهلي في درس الحياة العربية قبل الاسلام فهم يعتقدون
    ان العرب كانوا قبل الاسلام امة معتزلة تعيش في صحرائها لاتعرف العالم
    الخارجي ولايعرفها العالم الخارجي . وهم يبنون على هذا قضايا ونظريات
    فهم يقولون ان الشعر الجاهلى لم يتاثر بهذه المؤثرات الخارجية التى في
    الشعر الإسلامي : لم يتاثر بحضارة الفرس والروم . وانى له ذلك ! لقد كان
    يقال في صحراء لا صلة بينها وبين الأمم المتحضرة .كلا! القرآن يحدثنا بشىء
    غير هذا القرآن يحدثنا بأن العرب كانوا على اتصال بمن حولهم من الامم بل
    كانوا على اتصال قوي قسمهم احزاب وفرقهم شيعا. أليس القرآن يحدثنا عن الروم
    وما كان بينهم وبين الفرس من حرب انقسمت فيها العرب الى حزبين مختلفين: حزب
    يشايع اولئك وحزب يناصر هؤلاء ! أليس في في القرآن سورة تسمى الروم وتبتدى بهذه
    الآيات: (الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله
    الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ينصر الله من يشاء)
    لم يكن العرب اذا كما يظن اصحاب هذا الشعر الجاهلي معتزلين فانت ترى ان القران
    يصف عنايتهم بسياسة الفرس والروم. وهو يصف اتصالهم الاقتصادي بغيرهم من الأمم في
    سورة المعرفة( لإيلاف قريش إيلاف رحلة الشتاء والصيف) وكانت احد هاتين الرحلتين الى
    الشام حيث الروم والاخرى الى اليمن حيث الحبشة او الفرس.
                  

05-08-2010, 08:52 PM

عمار عبدالله عبدالرحمن
<aعمار عبدالله عبدالرحمن
تاريخ التسجيل: 02-26-2005
مجموع المشاركات: 9162

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    الاستاذ بدر الامير

    الملاحظ لبناء القصيدة الجاهلية وتماسكها اللغوي وقيمتها الادبية يواجه بهذا السؤال
    شخص يمتلك هذه الموهبة والمقدرة يبدع هذا الارث الخالد وينسبه لشخوص تاريخي ما هي مصلحته ؟؟
    اذا سلمنا بانها انتحلت في عصور ما بعد الاسلام ,, مسالة الشعوبية والتكسب والقصاصين ,لا اظن
    اننا نختلف في انها مصلحة تقارن بمصلحة ان تنسب الي مخترع هذه القصائد...
    طبعا هذا لا ينفى ان تكون هنالك اضافات لبعض الابيات او الكلمات لقصائد الشعر الجاهلي وهذا شئ مبرر
    لانه متعلق بادوات نقل هذا الارث سواء (في ذلك المشافهة او النساخ),,
                  

05-08-2010, 09:53 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: عمار عبدالله عبدالرحمن)

    Quote: الملاحظ لبناء القصيدة الجاهلية وتماسكها اللغوي وقيمتها الادبية يواجه بهذا السؤال
    شخص يمتلك هذه الموهبة والمقدرة يبدع هذا الارث الخالد وينسبه لشخوص تاريخي ما هي مصلحته ؟؟

    عمار
    لك التقدير
    في هذا المنحنى يقول طه حسين في باب
    الشعر الجاهلى واللغة:
    على ان هناك شيئا آخر يحظر علينا التسليم بصحة الكثرة
    المطلقة من هذا الشعر الجاهلى ولعله ابلغ في اثبات ما
    نذهب إليه فهذا الشعر الذى رأينا انه لايمثل الحياة
    الدينيةوالعقلية للعرب الجاهليين بعيد كل البعد عن أن
    يمثل اللغة العربية في العصر الذى يزعم الرواة أنه قيل
    فيه. ولأمر هنا يحتاج إلى شىء من الروية والأناة . فنحن
    إذا ذكرنا اللغة العربية نريد بها معناها الدقيق المحدد
    الذى نجده في المعاجم حين نبحث فيها عن لفظ اللغة ما معناه
    نريد بها الألفاظ من حيث هي ألفاظ تدل على معانيها تستعمل
    حقيقة مرةّ ومجازا مرةّ أخرى وتتطور تطورا ملائما لمقتضيات الحياة
    التى يحياها أصحاب هذه الغة .
    نقول إن هذا الشعر الجاهلى لا يمثل اللغة الجاهلية . ولنجتهد في
    تعرف اللغة الجاهلية هذه ما هى أو ماذا كانت في العصر الذى يزعم
    الرواة أن شعرهم الجاهلي هذا قد قيل فيه. أما الرأي الذى إتفق عليه
    الرواة أو كادوا يتفقون عليه فهو أن العرب ينقسمون إلى قسمين قحطانية
    منازلهم الاولى في اليمن وعدنانية منازلهم الأولى في الجاز . وهم متفقون على
    أن القحطانية عرب منذ ان خلقهم الله فطروا على العربية فهم العاربة وعلى ان
    العدنانية قد اكتسبو العربية اكتسابا كانو يتكلمون لغة اخرى هى العبرانية
    او الكلدانية ثم تعلموا لغة العرب العاربة فمحت لغتهم الاولى من صدورهم وثبتت
    فيهم هذه هذه اللغة الثانية المستعارة وهم متفقون على ان هذه العدنانية المستعربة
    انما يتصل نسبها باسماعيل بن ابراهيم يروون حديثا يتخذونه اساسا لكل هذه النظرية
    خلاصته ان اول من تكلم بالعربية ونسى لغة ابه اسماعيل بن ابراهيم.
    على هذا كله يتفق الرواة ولكنهم يتفقون على شى اخر ايضا اثبته البحث الحديث وهو ان
    هناك خلافا قويا بين لغة حمير (وهى العرب العاربة) ولغة عدنان (وهى العرب المستعربة)
    وقد روى عن ابى عمرو بن علاء انه كان يقول : ما لسان بلساننا ولا لغتهم بلغتنا.
    وفي الحق ان البحث الحديث قد اثبت خلافا جوهريا بين اللغة التي كانوا يصطنعونها في شمال
    هذه البلاد . ولدينا الآن نقوش ونصوص تمكننا من اثبات هذا الخلاف في اللفظ وفي قواعد النحو
    والتصريف ايضا واذن فلابد من حل هذه المسألة . اذا كان ابناء اسماعيل قد تعلمو العربية
    من اولئك العرب الذين نسميهم العاربة فكيف كان بعد ما بين اللغة التى كان يصطنعهاالعرب
    العاربة واللغة التى كان يصطنعها العرب المستعربة حتى استطاع ابو عمرو بن العلاء ان يقول
    انها لغتان متمايزتان واستطاع العلماء المحدثون ان يثبتوا هذا التمايز بالادلة التى لاتقبل
    شكا ولا جدالا! والامر يقف عند الحد فواضح جدا لكل من لم إلمام بالبحث التاريخى عامة ويدرس
    الاساطير والاقاصيص خاصة ان هذه النظرة متكلفة مصطنعة في عصور متاخرة دعت إليها حاجة دينية
    أو اقتصادية أو سياسية.




    عمار حتى لايمل القارى ء حا اوصل لك اجابة طه حسين على ملاحظتك
    فى مداخلة تالية
                  

05-08-2010, 10:47 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    ويمضى طه حسين في نهاية باب الشعر الجاهلى واللغة وقوله:
    والنتيجة لهذا البحث كله تردنا إلى الموضوع الذى ابتدأنا به
    منذ حين وهو أن هذا الشعر الذى يسمونه الجاهلي لا يمثل اللغة
    الجاهلية ولا يمكن أن يكون صحيحا ذلك لأننا نجد بين هؤلاء الشعراء
    الذين يضيفون إليهم شيئا كثيرا من الشعر الجاهلي قوما ينتسبون
    إلى عرب اليمن إلى هذه القحطانية العاربة التي كانت تتكلم لغة
    غير لغة القرآن والتى كان يقول عنها ابو عمرو بن العلاء : ان لغتها
    مخالفة للغة العرب والتى اثبت البحث الحديث ان لها لغة اخرى غير اللغة
    العربية . ولكننا حين نقرأ الشعر الذى يضاف الى شعراء هذه القحطانية
    في الجاهلية لا نجد فرقا قليلا ولا كثيرا بينه وبين شعر العدنانية . نستغفر
    الله ! بل نحن لا نجد فرقا بين لغة هذا الشعر ولغة القرآن . فكيف يمكن ذلك
    او تأويله ؟ أمر ذلك يسير وهو أن هذا الشعر الذى يضاف إلى القحطانية قبل
    الاسلام ليس من القحطانية في شىء لم يقله شعراؤها وإنما حمل عليهم بعد الاسلام
    لأسباب مختلفة سنبينها حين نعرض لهذه الاسباب التى دعت إلى انتحال الشعر الجاهلي
    في الاسلام.




    نواصل
                  

05-09-2010, 03:16 AM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    واصل يا بدر
    (فى الشعر الجاهلى ) فتح طاقة ضوء قوية على العتمة التى كان يعيش فيها التاريخ العربى الاسلامى
    ويتوارى بداخله اشباح القمع والاقصاء والاكاذيب التى تتسلل يوميا لتلويث واقعنا المعاصر
    متابعين
                  

05-09-2010, 05:43 AM

haroon diyab
<aharoon diyab
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 23215

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: طلعت الطيب)

    شكرا للاستاذ

    عبدالمنعم تليمة

    وشكرا لعودة.......
                  

05-09-2010, 08:53 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: haroon diyab)

    Quote: (فى الشعر الجاهلى ) فتح طاقة ضوء قوية على العتمة التى كان يعيش فيها التاريخ العربى الاسلامى
    ويتوارى بداخله اشباح القمع والاقصاء والاكاذيب التى تتسلل يوميا لتلويث واقعنا المعاصر

    طلعت
    في باب الشعر الجاهلي واللهجات
    يمضى طه حسين بقوله:
    وهنا نمس أمرا من هذه الامور التى سيغضب لها انصار الادب القديم
    ولكننا سنمضى في طريقنا كما بدانا لا مواربين ولا مخادعين : أليس
    من الممكن أن تكون قصة ابن عباس ونافع بن الأزرق قد وضعت في تكلف
    وتصنع لغرض من هذه الاغراض المختلفة التى كانت تدعو إلى وضع الكلام
    وانتحاله لاثبات أن الفاظ القرآن كلها مطابقة للفصيح من لغة
    العرب أو لاثبات أن عبدالله بن عباس كان من اقدر الناس على تأويل القرآن
    وتفسيره ومن احفظهم لكلام العرب الجاهليين ؟ وأنت تعلم أن ذاكرة بن عباس
    كانت مضرب المثل في القرن الثانى والثالث للهجرة وانت تذكر قصته مع نافع
    بن الأزرق هذا وعمرو بن أبى ربيعة حين أنشده ( أمن آل نعم أنت غاد فمبكر)
    وانت تعلم أن عبدالله بن عباس كان له مولى أخذ عنه العلم ونقله الى الناس
    ودس على مولاه شيئا كثيرا وهو عكرمة وانت تعلم ان اثبات هذا الحفظ الكثير
    لعبدالله بن عباس لم يكن يخلو من فائدة سياسية لان ابن عباس روى اشياء تنفع
    الشيعة ولان ابن عباس اجاب نافع بن الازرق حين قال له ( ما رايت احفظ منك
    يا بن عباس ) بقوله ( ما رايت أحفظ من على) وانت تعلم ان هناك حديثا ترويه
    الشيعة يجعل النبى مدينة العلم ويجعل عليا بابها.
    ليس يمكن ان تكون قصة ابن عباس هذه قد وضعت في سذاجة وسهولة ويسر لا لشىء
    إلا هذا الغرض التعليمى اليسير وهو ان يسمع الطالب لفظا من الفاظ القرآن
    ويجد الشاهد عليه من غير مشقة ولا عناء أراد احد العلماء ان يفسر طائفة من
    الفاظ القران فوضع هذه القصة واتخذها سبيلا الى ما اراد ؟ ولعل لهذه القصة
    اصلا يسيرا جدا لعل نافعا سأل ابن عباس عن مسائل قليلة فزاد فيها هذا العالم
    ومدها حتى اصبحت رسالة مستقلة يتداولها الناس.
    وهذا النحو من التكلف والانتحال للاغراض التعليمية الصرفة كان شائعا معروفا
    في العصر العباسى ولا سيما في القرن الثالث والرابع. ولست اريد ان اطيل ولا
    ان اتعمق في اثبات هذا انما احيلك الى كتاب (الأمالى لابى على القالى)وإلى
    مايشبهه من الكتب فسترى طائفة من الاحاجى والاوصاف تنسب الى الاعراب رجالا ونساء
    شبابا وشيبا ستجد مثلا بنات سبعا اجتمعن وتواصفن افراس آبائهن فتقول كل واحدة
    منهن في فرس ابيهاكلاما غريبا ومسجوعا يأخذ اهل اهل السذاجة على انه قد قيل
    حقا في حين انه لم يقل وانما كتبه معلم يريد ان يحفظ تلاميذه اوصاف الخيل
    وماقيل فيها او عالم يريد ان يتفيهق ويظهر كثرة ماوعى من العلم
                  

05-09-2010, 09:03 AM

الفاتح ميرغني
<aالفاتح ميرغني
تاريخ التسجيل: 03-01-2007
مجموع المشاركات: 7488

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    صديقي البدر وبعض ضياء
    بعض خصوم طه حسين رأوا في الكتاب محاولة لإسقاط الشك الديكارتي"I doubt therefor Iam"على واقع مختلف عن عصر التنوير، ولكن في تقديري قيمة الكتاب تكمن في محاولته لإرساء بعض اسس النهوض ولو بالشك.

    محبتي
                  

05-09-2010, 02:39 PM

د.محمد بابكر
<aد.محمد بابكر
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 6614

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: الفاتح ميرغني)
                  

05-09-2010, 02:50 PM

Mohamed E. Seliaman
<aMohamed E. Seliaman
تاريخ التسجيل: 08-15-2005
مجموع المشاركات: 17863

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: د.محمد بابكر)

    انتحال شنو يا بدر الدين ؟
    دعنا من جليلة بنت مرة ودعس الكلابية أو ريطة الفشارية
    طيب لو كاتبة لبنانية معانا في المنبر دا كتبت (الجزور ) وهي تقصد (الجذور )
    نقول عليها شنو ؟
                  

05-09-2010, 05:36 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: Mohamed E. Seliaman)

    Quote: لعبدالله بن عباس لم يكن يخلو من فائدة سياسية لان ابن عباس روى اشياء تنفع

    يابدر عبدالله بن عباس كان عمره عشرة سنوات حينما توفى المصطفى صلى الله عليه وسلم !
    فكيف له رواية هذا الكم الهائل من الاحاديث؟
    انها حكاية الطفل المعجزة مثل حكاية صاحبنا طبيب الاسنان الذى اصبح وزير خارجية على عهد الانقاذ!
    مسألة بن عباس والاسقاط الذى تم فيما بعد من اجل تصخيم حجمه ودوره ومكانته الدينية كان لها علاقة
    بصعود العباسيين خاصة بعد خلافهم مع العلويين او ربما اذدادت بعد ذلك ..
    ابن عباس يمكن اعتباره صحابى جليل لانه عاصر الرسول الكريم ولو انه كان طفلا الا ان سيرته الحقيقية
    متواضعة حدا فهو مثلا من اختلف مع الامام على وخزله فى حربه مع معاوية بل هو من اعتدى على بيت مال المسلمين
    واشترى جاريتين يتمتع بهما ، الامر الذى اعضب الامام على كرم الله وجه، فوجه له خطابا قاسيا مطالبا اياه برد اموال
    بيت المال لانه اموال اليتامى والفقراء ولذلك جاءت فيه عبارات قاسية مثل :
    (اشهد الله انك تاكل حراما وتلبس حراما وتنكح حراما )

    (عدل بواسطة طلعت الطيب on 05-09-2010, 05:40 PM)

                  

05-10-2010, 06:35 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: طلعت الطيب)

    Quote: مختلف عن عصر التنوير، ولكن في تقديري قيمة الكتاب تكمن في محاولته لإرساء بعض اسس النهوض ولو بالشك.


    صديقى المنفتح على المعرفة
    بل طه حسين ارانا كيف نُحي
    العقول ولا نموت في القديم
    البالى
                  

05-10-2010, 07:06 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    دكتور محمد بابكر
    شكرا لرابط الكتاب وقد كفيتنى عناء الطباعة
    وياريت تقول قولك فيما ذهب له طه حسين ....
                  

05-10-2010, 07:24 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    الكلام لطه حسين
    Quote: فأنت تستطيع أن تقرأ هذه المطولات أو المعلقات التي يتخذها أنصار القديم نموذجا للشعر الجاهلي الصحيح ، فستري أن فيها مطولة لامريء القيس وهو من كنده أي من قحطان ، وأخري لزهير ، وأخري لعنترة ، وثالثة للبيد ، كلهم من قيس ، ثم قصيدة لطرفة ، وقصيدة لعمرو أبن كلثوم ، وقصيدة أخري لحارث أبن حلزة وكلهم من ربيعه .
    تستطيع أن تقرأ هذه القصائد السبع دون أن تشعر فيها بشيء يشبه أن يكون اختلافا في اللهجة أو تباعدا في اللغة أو تباينا في مذهب الكلام .
    البحر العروضي هو هو وقواعد القافية هي هي ، والألفاظ مستعملة في معانيها كما نجدها عند شعراء المسلمين ، والمذهب الشعري هو هو .
    كل شيء في هذه المقولات يدل علي أن اختلاف القبائل لم يؤثر في شعر الشعراء تأثيرا ما .
    فنحن بين اثنتين : إما أن نؤمن بأنه لم يكن هناك اختلاف بين القبائل العربية من عدنان وقحطان في اللغة ولا في اللهجة ولا في المذهب الكلامي ، وأما أن نعترف بأن هذا الشعر لم يصدر عن هذه القبائل وانما حمل عليها حملا بعد الإسلام ، ونحن إلي الثانية أميل منا إلي الأولي .

    (عدل بواسطة بدر الدين الأمير on 05-10-2010, 07:30 PM)

                  

05-10-2010, 07:58 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    يواصل طه حسين قوله:
    Quote: فنحن بين اثنتين : إما أن نؤمن بأنه لم يكن هناك اختلاف بين القبائل العربية من عدنان وقحطان في اللغة ولا في اللهجة ولا في المذهب الكلامي ، وأما أن نعترف بأن هذا الشعر لم يصدر عن هذه القبائل وانما حمل عليها حملا بعد الإسلام ، ونحن إلي الثانية أميل منا إلي الأولي .
    فالبرهان القاطع قائم علي أن اختلاف اللغة واللهجة كان حقيقة واقعة بالقياس إلي عدنان وقحطان يعترف القدماء أنفسهم بذلك كما رأيت أبا عمرو أبن العلاء ، ويثبته البحث الحديث .
    وهناك شيء بعيد الأثر لو أن لدينا أو لدى غيرنا من الوقت ما يمكننا من استقصائه وتفصيل القول فيه ،وهو أن القرآن الذي تلي بلغة واحدة ولهجة واحدة هي لغة قريش ولهجتها ما لم يكد يتناوله القراء من القبائل المختلفة حتي كثرت قراءاته وتعددت اللهجات فيه وتباينت تباينا كثيرا ،جد القراء العلماء المتأخرين في ضبطه وتحقيقه وأقاموا له علما أو علوما خاصة .
    ولسنا نشير هنا إلي هذه القراءات التي تختلف فيما بينها اختلافا كثيرا في ضبط الحركات سواء أكانت حركات بنية أو حركات إعراب .
    لسنا نشير إلي اختلاف القراء في نصب " الطير " في الآية ( يا جبال أوبي معه والطير ) أو رفعها ولا اختلافهم في ضم الفاء أو فتحها في الآية (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) ولا إ لي اختلافهم في ضم الحاء أو كسرها في الآية ( وقالوا حجرا محجورا ) ولا إلي اختلافهم في بناء الفعل للمجهول أو للمعلوم في الآية ( غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ) لا نشير إلي هذا النحو من اختلاف الروايات في القرآن فتلك مسألة معضلة نعرض لها ولم ينشأ عنها من النتائج إذا أتيح أن ندرس تاريخ القرآن .
    إنما نشير علي اختلاف في القراءات يقبله العقل ويسيغه النقل .
    وتقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما كان يتلوه النبي وعشيرته من قريش ، فقرأته كما كانت تتكلم ، فأمالت حيث لم تكن تميل قريش ومدت حيث لم تكن تمد ، وقصرت حيث لم تكن تقصر ، وسكنت حيث لم تكن تسكن ، وأدغمت أو اخفت أو نقلت حيث لم تكن تدغم ولا تخفي ولاتنقل .
    فهذا النوع من اختلاف اللهجات له أثره الطبيعي اللازم في الشعر في أوزانه وتقاطيعه وبحوره وقوافيه بوجه عام .
    ولسنا نستطيع أن نفهم كيف استقامت أوزان الشعر وبحوره وقوافيه كما دونها الخليل لقبائل العرب كلها علي ماكان بينها من تباين اللغات واختلاف اللهجات .
    وإذا لم يكن نظم القرآن ، هو ليس شعرا ولا مقيدا بما يتقيد به الشعر ، قد استطاع أن يستقيم في الأداء لهذه القبائل ، فكيف استطاع الشعر ، وهو مقيد بما تعلم من القيود ، أن يستقيم لها !
    وكيف لم تحدث هذه اللهجات المتباينة آثارها في وزن الشعر وتقطيعه الموسيقي ، أى كيف لم توجد صلة واضحة بين هذا الاختلاف في اللهجة وبين الأوزان الشعرية التي كانت تصطنعها القبائل ؟
    ستقول ولكن اختلاف اللهجات كان قائما بعد القرآن ، وليس من شك في ان قبائل العرب علي اختلافها قد تعاطت الشعر بعد الإسلام ولم يظهر فيه اختلاف اللهجات ، فكما استقامت بحوره وأوزانه علي هذا الاختلاف بعد الإسلام فليس ما يمنع أن تكون قد استقامت عليه في العصر الجاهلي .
    ولست أنكر أن اختلاف اللهجات كان حقيقة واقعة بعد الإسلام .
    ولست أنكر أن الشعر قد استقام للقبائل كلها رغم هذا الاختلاف .
    ولكنني أظن أنك تنسي شيئا يحسن ألا تنساه ، وهو أن القبائل بعد الإسلام قد اتخذت للأدب لغة غير لغتها ،وتقيدت في الأدب بقيود لم تكن لتتقيد بها لو كتبت أو شعرت في لغتها الخاصة ، أي أن الإسلام قد فرض علي العرب جميعا لغة عامة واحدة هي لغة قريش .
    فليس غريبا أن تتقيد هذه القبائل بهذه اللغة الجديدة في شعرها ونثرها في أدبها بوجه عام .
    فلم يكن التميمي أو القيسي حين يقول الشعر في الإسلام يقوله بلغة تميم أو قيس ولهجتها ، وإنما كان يقوله بلغة قريش ولهجتها .
    مثل ذلك واضح في اللغة العربية من اللغات الحديثة .
    كان للدوريين من اليونان شعرهم الدوري وأوزانهم الدورية ، وكان لليوبيين شعرهم اليوني وأوزانهم اليونية ، ثم لما ظهرت أثينا علي البلاد اليونانية عامة ذاع الشعر اليوناني والأوزان اليونية والنثر الأتيكي وأصبح الدوريين إذا نظموا أو نثروا يصطنعون ما كان يصطنع في أثينا من مناهج النظم والنثر .
    ويصطنعون اللغة اليونية التي هذبها مذهب الأثنيين في الكلام ، فهم كانوا يعدلون عن لغتهم ولهجاتهم وأوزانهم وأساليبهم في لغة الأثنيين ولهجتهم وأوزانهم وأساليبهم وكذلك فعل العرب بعد الإسلام : عدلوا في لغتهم الأدبية عن كل ما كانت تمتاز به لغتهم ولهجتهم الخاصة إلي لغة القرآن ولهجتها .
    والأمر كذلك في الأمم الحديثة الكبرى ذات الأقاليم المتنائية الأطرف المتباعدة والتكوين الجنسي المعقد .
    ولست أضرب لذلك إلا مثلا واحدا حيا هو مثل فرنسا ففي فرنسا إلي جانب اللغة الفرنسية لغات إقليمية لها نحوها ولها قوامها الخاص ولها شعرها ، ومع ذلك فأهل الأقاليم إذا أرادوا أن يظهروا آثارا أدبية أو علمية قيمة يعدلون عن لغتهم الإقليمية إلي اللغة الفرنسية .
    وقليل جدا من بينهم من يذهب مذهب ( ميسترال ) فيكتب في لغته الإقليمية الخاصة .
    وأنا اشعر بالحاجة إلي أن أضرب مثلا آخر قد يدهش له الذين يدرسون الأدب العربي ،لأنهم لم يتعودوا مثله من الباحثين عن تاريخ الأدب .
    ذلك أن في لغتنا المصرية العصرية لهجات مختلفة وأنحاء متباينة من أنحاء القول ، فلأهل مصر العليا لهجاتهم ولأهل مصر الوسطي لهجاتهم ولأهل القاهرة لهجتهم ولهل مصر السفلي لهجاتهم .
    وهناك اتفاق مطرد بين هذه اللهجات وبين ما للمصريين من شعر في لغتهم العامية ، فأهل مصر العليا يصطنعون أوزانا لا يصطنعها أهل القاهرة ولا أهل الدلتا وهؤلاء يصطنعون اوزانا لا يصطنعها أهل مصر العليا .
    وهذا ملائم لطبيعة الأشياء .
    فما كان للشعر لطبيعة الأشياء .
    فما كان للشعر أن يخرج عما ألف له أصحابه من لغة ولهجة في الكلام .
    مع هذا كله فنحن حين ننظم الشعر الأدبي أو نكتب النثر الأدبي والعلمي نعدل عن لغتنا ولهجتنا الإقليمية إلي هذه اللغة واللهجة التي عدل إليها العرب بعد الإسلام وهي لغة قريش ولهجة قريش أي لغة القرآن ولهجته .
    فالمسألة أذن هي أن نعلم : أسادت لغة قريش ولهجتها في البلاد العربية ، وأخضعت العرب لسلطانها في الشعر والنثر قبل الإسلام أم بعده ؟
    أما نحن فنتوسط ونقول :إنها سادت قبيل الإسلام حين عظم شأن قريش وحين أخذت مكة تستحيل إلي وحدة سياسية مستقلة مقاومة للسياسة الأجنبية التي كانت تتسلط علي أطراف البلاد العربية .
    ولكن سيادة لغة قريش قبيل الإسلام لم تكن شيئا يذكر ولم تكد تتجاوز الحجاز .
    فلما جاء الإسلام عمت هذه السيادة وصار سلطان اللغة واللهجة مع السلطان الديني والسياسي جنب إلي جنب .
    وإذن فنحن إذا استطعنا أن نفسر اتفاق اللغة واللهجة في شعر أولئك الذين عاصروا النبي من أهل الحجاز ، فلن نستطيع أن نفسره في شعر الذين لم يعاصروه أو يجاوروه .
    ولندع هذه المسألة الفنية الدقيقة التي نعترف بأنها في حاجة إلي تفصيل وتحقيق أوسع واشمل مما يسمح لنا به المقام في هذا الفصل إلي مسألة أخري ليست أقل منها خطرا ، وإن كان أنصار القديم سيجدون في فهمها شيئا من العسر والمشقة ، لأنهم لم يتعودوا مثل هذه الريبة في البحث العلمي .
    وهي أنا نلاحظ أن العلماء قد اتخذوا هذا الشعر الجاهلي مادة للاستشهاد علي ألفاظ القرآن والحديث ونحوهما ومذاهبهما الكلامية .
    ومن الغريب أنهم لا يكادون يجدون في ذلك مشقة ولا عسرا ، حتى أنك لتحس كأن هذا الشعر الجاهلي قد علي قد القرآن والحديث كما يقد الثوب علي قد لابسه لا يزيد ولا ينقص عما أراد طولا وسعة .
    إذن فنحن نجهر بأن هذا ليس من طبيعة الأشياء ، وان هذه الدقة في الموازاة بين القرآن والحديث والشعر الجاهلي لا ينبغي أن تحمل علي الاطمئنان إلا الذين رزقوا حظا من السذاجة لم يتح لنا مثله .
    إنما يجب أن تحملنا هذه الدقة في الموازاة علي الشك والحيرة علي أن نسأل أنفسنا : أليس يمكن ألا تكون هذه الدقة في الموازاة نتيجة من نتائج المصادفة ، وإنما هي شيء تكلف وطلب وانفق فيه أصحابه بياض الأيام وسواد الليالي ؟
                  

05-11-2010, 08:02 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    يواصل طه حسين قوله:
    Quote: تحدث الرواة ان عبد الله بن الزبعري وضرار بن الخطاب قدما إلي المدينة ايام عمر فذهبا إلي أبي احمد بن جحش ، وكان رجلا ضريرا حسن الحديث يألفه الناس ويتحدثون عنده ، قالا جئناك لتدعو لنا حسان بن ثابت لينشدنا وننشده ، قال : هو ما تريدان ، وأرسل إلي حسان فجاء ، قال هناك اخواك قد اقبلا من مكة يريدان يسمعاك ويسمعا لك قال حسان ان شئتما فابدآ وان شئتما بدأت ، : بل نبدأ ، فأخذا ينشدانه مما قالت قريش في الأنصار حتى فار وأخذ يغلي كالمرجل ، فلما فرغا استوي كل منها علي راحلته ومضيا إلي مكة .
    وذهب حسان مغضبا إلي عمر وقص عليه الخبر فقال عمر : سأردهما عليك ان شاء الله .
    حتى إذا كانا بين يدي عمر ومعه نفر من أصحاب النبي ، قال لحسان : انشدهما ما شئت ، فأنشدهما حتى اشتفي .
    وقال عمر بعد ذلك - فيما يحدثنا صاحب ألاغاني : قد كنت نهيتكم عن رواية هذا الشعر لأنه يوقظ الضغائن ، فأما إذ أبوا فاكتبوه .
    وسواء قال عمر هذا ام لم يقله ، فقد كان الأنصار يكتبون هجاءهم لقريش ويحرصون علي إلا يضيع .
    قال ابن سلام : وقد نظرت قريش فإذا حظها من الشعر قليل في الجاهلية ، فاستكثرت منه في الإسلام .
    وليس من شك عندي في أنها استكثرت بنوع خاص من هذا الشعر الذي يهجي فيه الأنصار .
    ولما قتل عمر وانتهت الخلافة إلي عثمان بعد المشقة ، تقدمت الفكرة السياسية التي كانت تشغل أبا سفيان خطوة أخري فلم تصبح الخلافة في قريش فحسب ، بل أصبحت في بني أمية خاصة .
    واشتدت عصبية قريش واشتدت عصبية الأمويين ، واشتدت العصبيات الأخرى بين العرب ، وقد هدأت حركة الفتح ، وأخذ العرب يفزع بعضهم لبعض .
    وكان من نتائج ذلك ما تعلم من قتل عثمان وافتراق المسلمين وانتهاء الأمر كله إلي بني أمية بعد تلك الفتن والحروب .
    في ذلك الوقت تغيرت خطة الخليفة السياسية أو بعبارة أدق : فشلت هذه الخطة التي كان يختطها عمر ، وهي منع العرب ان يتذاكروا ما كان بينهم من الضغائن قبل الإسلام .
    وعاد العرب إلي شر مما كانوا فيه في جاهليتهم من التنافس والتفاخر في جميع الأمصار الإسلامية .
    ويكفي ان أقص عليك ما كان من تنافس الشعراء من الأنصار وغيرهم عند معاوية ويزيد بن معاوية ، لتعلم إلي اى حد عاد العرب في ذلك الوقت إلي عصبيتهم القديمة .
    ولعلك قرأت تلك القصة التي تخبرنا بان عبد الرحمن بن حسان شبب برملة بنت معاوية نكاية في بني أمية .
    فأما معاوية فاصطنع الحلم كعادته ، وقال لعبد الرحمن : فاين أنت من أختها هند ! وأما يزيد فقد كان صورة لجده ابي سفيان ، كان رجل عصبية وقوة وفتك وسخط علي الإسلام وما سنه للناس من سنن فاغري كعب بن جعيل بهجاء الأنصار ، فاستعفاه وقال : أتريد ان تردني كافرا بعد إسلام ؟
    فاغري الأخطل وكان نصرانيا فأجابه وهجا الأنصار هجاء مقذعا مشهورا .
    قلت ان يزيد كان صورة صادقة لجده ابي سفيان ، يؤثر العصبية علي كل شيء .
    وأنت لا تنكر ان يزيد هو صاحب وقعة الحرة التي انتهكت فيها حرمات الأنصار في المدينة ، والتي انتقمت فيها قريش من الذين انتصروا عليها في بدر , والتي لم تقم للأنصار بعدها قائمة .
    ولأمر ما يقول الرواة حين يقصون وقعة الحرة إنه قتل فيها ثمانون من اللذين شهدوا بدرا ، اى من اللذين أذلوا قريش .
    ولست في حاجة إلي أن أقص عليك هذه القصة الأخرى التي تمثل لنا عمرو بن العاص وقد ضاق ذرعا بالأنصار حتى كره اسمهم هذا ، وطلب إلي معاوية أن يمحوه ،
                  

05-12-2010, 08:01 AM

د.محمد بابكر
<aد.محمد بابكر
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 6614

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    الاخ بدر الدين
    ارى ان العميد هو من اعمدة الاستناره فى منطقتنا وارى انه لم يجلس على الرصيف كحال الكثيرين من مثقفينا بل نافح لاجل فكرته ودافع عنها وربط القول بالفعل فحينما وصل لموقع وزير التربيه كان له الفضل فى ان ينال الالاف تعليما مجانيا اخذا بيدهم الى افاق الاستناره واضعا مصر فى ريادة الامه العربيه.. وما يحسب للعميد ايضا ودون الدخول فى تفاصيل انه اول من احس بخطورة دعاوى الظلام فتعامل معها بحزم ولعل امتلاكه لاداة اللغه ودراسته فى فرنسا قد ساعدتاه كثيرا ..تظل كثيرا من اراء العميد مثارا للجدل خصوصا ما اورد فى سفره (فى الشعر الجاهلى) ويحق للكثيرين الاختلاف معه لكن ما يدعو الحيره هو ان تستمر دعاوى تكفيره من قبل اناس ازعم ان الكثيرين منهم لم يقرأوا ما كتب ان يحدث هذا فأنه دلاله على ان هذا الليل العربى قد يطول وان مشوار التنوير الذى بدأه العميد يجب ان يتابع والا فاننا موعودين بأجيال لاتحسن شيئا سوى تدخين الارجيله والحديث عن الجنس ليل نهار .
                  

05-12-2010, 09:46 AM

د.محمد بابكر
<aد.محمد بابكر
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 6614

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: د.محمد بابكر)
                  

05-22-2010, 07:10 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: د.محمد بابكر)

    Quote: - الدين وانتحال الشعر

    ولم تكن العواطف والمنافع الدينية أقل من العواطف والمنافع السياسية أثرا في تكلف الشعر وانتحاله وإضافته إلي الجاهليين ، لا نقول في العصور المتأخرة وحدها ، بل فيها وفي العصر الأموي أيضا .
    وربما ارتقى عصر الانتحال المتأثر بالدين إلي ايام الخلفاء الراشدين أيضا، ولو أن لدينا من سعة الوقت وفراغ البال ما يحتاج إليه هذا الموضوع للهونا وألهينا القاريء بنوع من البحث لا يخلو من فائدة علمية وأدبية قيمة ، وهو أن نضع تاريخا لهذا الانتحال المتأثر بالدين .
    فنحن نرى أنه تشكل إشكالا مختلفة دعت إليها الظروف المختلفة التي أحاطت بالحياة الدينية للعرب خاصة وللمسلمين عامة .
    فكل هذا الانتحال في بعض أطواره يقصد به إلي إثبات صحة النبوة وصدق النبي ، وكان هذا النوع موجها إلي عامة الناس .
    وأنت تستطيع أن تحمل علي كل هذا كل ما يروى من هذا الشعر الذي قيل في الجاهلية ممهدا لبعثة النبي وكل ما يتصل به من هذه الأخبار والأساطير التي تروى لتقنع العامة بأن علماء العرب وكهانهم وأحبار اليهود ورهبان النصارى كانوا ينتظرون بعثة نبي عربي يخرج من قريش أو من مكة .
    وفي سيرة ابن هشام وغيرها من كتب التاريخ والسير ضروب كثيرة من هذا النوع .
    وأنت تستطيع أن تحمل علي هذا لونا آخر من الشعر المنتحل لم يضف إلي الجاهليين من عرب الإنس وإنما أضيف إلي الجاهليين من عرب الجن .
    فقد يظهر أن الأمة العربية لم تكن أمة من الناس الذين ينتسبون إلي آدم ليس غير ، وإنما كان بإزاء هذه الأمة الإنسية أمة أخرى من الجن كانت تحيا حياة الأمة الإنسية وتخضع لما تخضع له من المؤثرات ، وتحس مثلما تحس ، وتتوقع مثل ما تتوقع .
    وكانت تقول الشعر وكان شعرها أجود من شعر الإنس ، بل كان شعراؤها هم الذين يلهمون شعراء الإنس فأنت تعرف قصة عبيد وهبيد .
    وأنت تعرف أن الأعراب والرواة قد لهو بعد الإسلام بتسمية الشياطين الذين كانوا يلهمون الشعراء قبل النبوة وبعدها .
    وفي القرآن سورة تسمي " سورة الجن " أنبأت بأن الجن استمعوا للنبي وهو يتلو القرآن فلانت قلوبهم وآمنوا بالله ورسوله ، وعادوا فأنذروا قومهم ودعوهم إلي الدين الجديد .
    وهذه السورة تنبيء أيضا بأن الجن كانوا يصعدون في السماء يسترقون السمع ، ثم يهبطون وقد ألموا إلماما يختلف قوة وضعفا بأسرار الغيب ، فلما قارب زمن النبوة حيل بينهم وبين استراق السمع فرجموا بهذه الشهب وانقطعت أخبار السماء عن أهل الأرض حينا .
    فلم يكد القصاص والرواة يقرءون هذه السورة وما يشبهها من الآيات التي فيها حديث عن الجن حتى ذهبوا في تأويلها كل مذهب واستغلوها استغلالا لا حد له ، وأنطقوا الجن بضروب من الشعر وفنون من السجع ، ووضعوا علي النبي نفسه أحاديث لم يكن بد منها لتأويل آيات القرآن علي النحو الذي يريدونه ويقصدون إليه .
    وأعجب من هذا أن السياسة نفسها قد اتخذت الجن أداة من أدواتها وأنطقتها بالشعر في العصر الإسلامي نفسه .
    فقد أشرنا في الفصل السابق إلي ما كان من قتل سعد بن عبادة ، ذلك الأنصاري الذي أبي أن يذعن بالخلافة لقريش ، وقلنا أنهم تحدثوا أن الجن قد قتلته .
    وهم لم يكتفوا بهذا الحديث ، وإنما رووا شعرا قالته الجن تفتخر فيه بقتل سعد بن عبادة هذا :

    قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده
    ورميناه بسهمين فلم نخطيء فؤاده
    وكذلك قالت الجن شعرا رثت فيه عمر بن الخطاب

    أبعد قتيل بالمدينة أظلمت
    له الأرض تهتز العضاه بأسوق
    جزى الله خيرا من إمام وباركت
    يد الله في ذاك الأديم الممزق
    فمن يسع أو يركب جناحي نعامة
    ليدرك ما حاولت بالأمس يسبق
    قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
    بوائق في أكمامها لم تفتق
    وما كنت أخشى أن تكون وفاته
    بكفي سبتني أزرق العين مطرق

    والعجب أن أصحاب الرواية مقتنعون بأن هذا الكلام من شعر الجن .
    وهم يتحدثون في شيء من الإنكار والسخرية بأن الناس قد أضافوا هذا الشعر إلي الشماخ بن ضرار .
    ولنعد إلي ما نحن فيه فقد أظهرناك علي نحو من الشعر علي الجن والإنس باسم الدين .
    والغرض من هذا الانتحال - فيما نرجح - إنما هو إرضاء حاجات العامة الذين يريدون المعجزة في كل شيء ، ولا يكرهون أن يقال لهم أن من دلائل صدق النبي في رسالته أنه كان منتظرا قبل أن يجيء بدهر طويل ، تحدثت بهذا الانتظار شياطين الجن وكهان الإنس وأحبار اليهود ورهبان النصارى .
    وكما أن القصاص والمنتحلين قد اعتمدوا علي الآيات التي ذكرت فيها الجن ليخترعوا ما اخترعوا من شعر الجن وأخبارهم المتصلة بالدين فهم قد اعتمدوا علي القرآن أيضا فيما رووا أو انتحلوا من الأخبار والأشعار والأحاديث التي تضاف إلي الأخبار والرهبان .
    فالقرآن يحدثنا بأن اليهود والنصارى يجدون النبي مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
    وإذن فيجب أن تخترع القصص والأساطير وما يتصل بها من الشعر ليثبت أن المخلصين من الأحبار والرهبان كانوا يتوقعون بعثة النبي ويدعون الناس إلي الإيمان به حتى قبل أن يظل الناس زمانه .
    ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلي الجاهليين ، وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش .
    فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم ، وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف ، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي ، وأن يكون قصي صفوة قريش .
    وقريش صفوة مضر ومضر صفوة عدنان ، وعدنان صفوة العرب ، والعرب صفوة الإنسانية كلها .
    وأخذ القصاص يجتهدون في تثبيت هذا النوع من التصفية والتنقية وما يتصل منه بأسرة النبي خاصة ، فيضيفون إلي عبد الله وعبد المطلب وهاشم وعبد مناف وقصي من الأخبار ما يرفع شأنهم ويعلي مكانتهم ويثبت تفوقهم علي قومهم خاصة وعلي العرب عامة .
    وأمن نعلم أن طبيعة القصص عند العرب تستتبع الشعر ، ولا سيما إذا كانت العامة هي التي تراد بهذا القصص .
    وهنا تتظاهر العواطف الدينية والعواطف السياسية علي انتحال الشعر .
    فقد أرادت الظروف أن تكون الخلافة والملك في قريش رهط النبي ، وأن تختلف قريش حول هذا الملك فيستقر حينا في بني أمية وينتقل منهم إلي بني هاشم رهط النبي الأدنين .
    ويشتد التنافس بين أولئك وهؤلاء ، ويتخذ أولئك وهؤلاء القصص وسيلة من وسائل الجهاد السياسي .
    فأما في أيام بني أمية فيجتهد القصاص في أثبات ما كان لأمية من مجد في الجاهلية .
    وأما في أيام العباسيين فيجتهد القصاص إثبات ما كان لبني هاشم من مجد في الجاهلية .
    وتشتد هذه الخصومة بين قصاص هذين الحزبين السياسيين ، وتكثر الروايات والأخبار والأشعار .
    ثم لا يقتصر الأمر علي هذين الصنوين من بني عبد مناف ، فالأرستقراطية القرشية كلها طموحة إلي المجد حريصة علي أن يكون لها حظ منه في قديمها كما أن لها حظا منه في حديثها.
    وإذن فالبطون القرشية علي اختلافها تنتحل الأخبار والأشعار وتغري القصاص وغير القصاص بانتحالها .
    ولا أصل لهذا كله إلا أن قريشا رهط النبي من ناحية ، وأن الملك قد استقر فيها من ناحية أخرى .
    فأنظر إلي تعاون العواطف الدينية والسياسية علي انتحال الشعر أيام بني أمية وبني العباس
                  

05-25-2010, 01:58 AM

GAAFER ALI

تاريخ التسجيل: 11-03-2009
مجموع المشاركات: 1697

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    الاخ بدر الدين
    ما تفضلت بعرضه اثراء للمنبر ومجهود نثمنه.
    نتابعك بدقة ونأمل ان نتمكن من المداخلة في وقت لاحق.
    شكرا لك
                  

05-25-2010, 02:15 AM

Baha Elhadi
<aBaha Elhadi
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 879

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: GAAFER ALI)

    Quote: أريد أن أصطنع في الادب هذا المنهج الفلسفي الذى استحدثه
    (ديكارت) للبحث عن حقائق الاشياءفي اول هذا العصر الحديث. والناس جميعا يعلمون أن القاعدة
    الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرد الباحث من كل شىء كان يعلمه من قبل وأن يستقبل موضوع بحثه
    خالى الذهن مما قيل فيه خلوا تاما



    ما يُحمد للعميد - رغم إختلافات معمقة فيما طرحه- أنه أعاد إنتاج ما تمثله في قراءاته
    لمرجليوث وتوماس كارليل وديكارت في شكهز
    إعادة الانتاج الواعية جعلته يسمو فوق ظلامات عصره ويخرج بما يحرك سواكن الركود والموات التي ضربت بأطنابها
    وتمطت في أفياء الثقافة ذاك العصر
    كثيرون يعتقدون في أنه سرق مجهودات هؤلاء ، ودليلهم أنه تراجع عن جملة أرائه في كتابات تالية
    كانوا يقودون الحوار معه بخبث ليقول بتزوير القراءن ففشلوا ، لأنه كان واعيا للصراع المحتدم
    بين القوى الواعية والأخرى التي تشد الزمن للوراء
    محاولة جيدة لبث نوع من الحياة في موات المنبر
    والانصرافية الضاربة
    لي عودات فهذا السفر فيه الكثير مما يمكن أن يثار حوله
    ويمكن أن نذهب أكثر ونسقط كثير من جداله الذي كان حوله
    حول واقع الثقافة اليوم وتعاطيها
    لي عودات
    بهاء
                  

05-25-2010, 05:32 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: Baha Elhadi)

    Quote: ما تفضلت بعرضه اثراء للمنبر ومجهود نثمنه.
    نتابعك بدقة ونأمل ان نتمكن من المداخلة في وقت لاحق.
    شكرا لك

    جعفر على
    لك تقديرى على الاطراء والتشجيع
    وفي رجاء مداخلتك
                  

05-25-2010, 06:40 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: 6 - الرواة وانتحال الشعر
    فإذا فرغنا من هذه الأسباب العامة التى كانت تحمل على الانتحال والتي كانت تتصل بظروف الحياة السياسية والدينية والفنية للمسلمين فلن نفرغ من كل شيء ، بل نحن مضطرون إلى أن نقف وقفات قصيرة عند طائفة أخرى من الأسباب ، ليست من العموم والاطراد بمنزلة الأسباب المتقدمة .
    ولكنها ليست أقل منها تأثيرا فى حياة الأدب العربي القديم ، وحثا على تحميل الجاهليين ما لم يقولوا من الشعر والنثر.
    أريد بها هذه الأسباب التى تتصل بأشخاص أولئك اللذين نقلوا إلينا أدب العرب ودونوه . وهؤلاء الأشخاص هم الرواة .
    وهم بين اثنتين : إما أن يكونوا من العرب ، فهم متأثرون بما كان يتأثر به العرب .
    وإما أن يكونوا من الموالى ، فهم متأثرون بما كان يتأثر به الموالى من تلك الأسباب العامة . وهم على تأثرهم بهذه الأسباب العامة متأثرون بأشياء أخرى هى التى أريد أن اقف عندها وقفات قصيرة كما قلت .
    ولعل أهم هذه المؤثرات التى عبثت بالأدب العربي وجعلت حظه من الهزل عظيما : مجون الرواة وإسرافهم فى اللهو والعبث وانصرافهم عن أصول الدين وقواعد الأخلاق الى ما يأباه الدين وتنكره الأخلاق .
    ولعلى لا أحتاج بعد الذى كتبته مفصلا فى الجزء الأول من " حديث الأربعاء " إلى ان أطيل فى وصف ما كان فيه هؤلاء الناس من اللهو والمجون . ولست اذكر هنا إلا اثنين إذا ذكرتهما فقد ذكرت الرواية كلها والرواة جميعا : فأما أحدهما فحماد الراوية .
    وأما الآخر فخلف الأحمر .
    كان حماد الراوية زعيم أهل الكوفة فى الرواية والحفظ .
    وكان خلف الأحمر زعيم أهل البصرة فى الرواية والحفظ أيضا .
    وكان كلا الرجلين مسرفا على نفسه ليس له حظ من دين ولا خلق ولا احتشام ولا وقار .
    كان كلا الرجلين سكيرا فاسقا مستهترا بالخمر والفسق . وكان كلا الرجلين صاحب شك ودعابة ومجون .
    فأما حماد فقد كان صديقا لحماد عجرد وحماد الزبرقان ومطيع بن إياس .
    وكلهم أسرف فيما لا يليق بالرجل الكريم الوقور. وأما خلف فكان صديقا لوالبه ابن الحباب وأستاذا لأبى نواس .
    وكان هؤلاء الناس جميعا فى أمصار العراق الثلاثة مظهر الدعابة والخلاعة ؟ ليس منهم إلا من اتهم فى دينه ورمى بالزندقة ، يتفق على ذلك الناس جميعا : لا يصفهم أحد بخير، ولا يزعم لهم أحد صلاح فى دين أو دنيا .
    وأهل الكوفة مجمعون على أن أستاذهم فى الرواية حماد ، عنه أخذوا ما أخذوا من شعر العرب .
    وأهل البصرة مجمعون على أن أستاذهم فى الرواية خلف ، عنه أخذوا ما أخذوا من شعر العرب أيضا .
    وأهل الكوفة والبصرة مجمعون على تجريح الرجلين فى دينهما وخلقهما ومروءتهما.
    وهم مجمعون على أنهما لم يكونا يحفظان الشعر ويحسنان روايته ليس غير؟ وانما كانا شاعرين مجيدين يصلان من التقليد والمهارة فيه إلى حيث لا يستطلع أحد أن يميز بين ما يرويان وما ينتحلان .
    فأما حماد فيحدثنا عنه راوية من خيرة رواة الكوفة هو المفضل الضبي أنه قد افسد الشعر إفسادا لا يصلح بعده أبدا ؟ فلما سئل عن سبب ذلك ألحن أم خطأ ؟ قال : ليته كان كذلك ، فإن أهل العلم يردون من أخطأا إلى الصواب ، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم ، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله فى شعره ويحمل ذلك عنه فى الآفاق ، فتختلط أشعار القدماء ، ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد ، وأين ذلك ؟ ويحدثنا محمد بن سلام أنه دخل على بلال بن أبى بردة بن أبى موسى الأشعري ، فقال له بلال : ما أطرفتني شيئا فغدا عليه حماد فأنشده قصيدة للخطيئة في مدح أبى موسى ة قال بلال : ويحك يمدح الحطيئة أبا موسى ولا أعرف ذلك ، وأنا أروى شعر الخطيئة !
    ولكن دعها تذهب فى الناس ؟
    وقد تركها حماد فذهبت فى الناس وهى فى ديوان الحطيئة .
    والرواة أنفسهم يختلفون ، فمنهم من يزعم أن الحطيئة قالها حقا.
    وكان يونس بن حبيب يقول : العجب لمن يروى عن حماد، كان يكسر ويلحن ويكذب .
    وثبت كذب حماد فى الرواية للمهدى فأمر حاجبه فأعلن فى الناس أنه يبطل رواية حماد .
    وفى الحق أن حمادا كان يسرف فى الرواية والتكثر منها .
    وأخباره فى ذلك لا يكاد يصدقها أحد، فم يكن يسأل عن شئ إلا عرفه .
    وقد زعم للوليد بن يزيد أنه يستطيع أن يروى على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة لمن لم يعرفهم من الشعراء .
    قالوا وامتحنه الوليد حتى ضجر فوكل به من أتم امتحانه ثم أجازه ، وأما خلف فكلام الناس فى كذبه كثير.
    وابن سلام ينبئنا بأنه كان أفرس الناس ببيت شعر. ويتحدثون أنه وضع لأهل الكوفة ما شاء الله أن يضع لهم ، ثم نسك فى آخر أيامه فأنبأ أهل الكوفة بما كان قد وضع لهم من الشعر، فأبوا تصديقه . واعترف هو للأصمعي بأنه وضع غير قصيدة .
    ويزعمون أنه وضع لامية العرب على الشنفرى، ولامية أخرى على تأبط شرا رويت فى الحماسة.
    وهناك راوية كوفي لم يكن أقل حظا من صاحبيه هذين فى الكذب والانتحال .
    كان يجمع شعر القبائل حتى إذا جمع شعر قبيلة كتب مصحفا بخطه ووضعه فى مسجد الكوفة.
    ويقول خصومه : إنه كان ثقة لولا إسرافه فى شرب الخمر، وهو أبو عمرو الشيبانى . ويقولون : إنه جمع شعر سبعين قبيلة .
    وأكبر الظن أنه كان يأجر نفسه للقبائل يجمع لكل واحدة منها شعرا يضيفه إلى شعرائها. وليس هذا غربتا فى تاريخ الأدب ، فقد كان مثله كثيرا فى تاريخ الأدب اليونانى والرمانى .
    وإذا فسدت مروءة الرواة كما فسدت مروءة حماد وخلف وابى عمرو الشيبانى ، وإذا أحاطت بهم ظروف مختلفة تحملهم على الكذب والانتحال ككسب المال والتقرب إلى الأشراف والأمراء والظهور على الخصوم والمنافسين ونكاية العرب - نقول : إذا فسدت مروءة هؤلاء الرواة وأحاطت بهم مثل هذه الظروف ، كان من الحق علينا ألا نقبل مطمئنين ما ينقلون إلينا من شعر القدماء .
    والعجب أن رواه لم تفسد مروءتهم ولم يعرفوا بفسق ولا مجون ولا شعوبية قد كذبوا أيضا وانتحلوا . فأبو عمرو بن العلاء يعترف بأنه وضع على الأعشى بيتا :
    وانكرتنى وما كان الذى نكرت
    من الحوادث إلا الشيب والصلعا

    ويعترف الأصمعى بشئ يشبه ذلك .
    وبقول اللاحقي إن سيبوبه سأله عن إعمال العرب " فعلا " ، فوضع له هذا البيت :
    حذر أمورا لا تضير وآمن
    ما ليس ينجيه من الأقدار

    ومثل هذا كثير.
    وهناك طائفة من الرواة غير هؤلاء ليس من شك فى أنهم كانوا يتخذون الانتحال فى الشعر واللغة وسيله من وسائل الكسب .
    وكانوا يفعلون ذلك فى شئ من السخرية والعبث ، نريد بهم هؤلاء الأعراب الذين كان يرتحل إليهم فى البادية رواة الأمصار يسألونهم عن الشعر والغريب .
    فليس من شك عند من يعرف أخلاق الأعراب فى أن هؤلاء الناس حين رأوا إلحاح أهل الأمصار عليهم فى طلب الشعر والغريب وعنايتهم بما كانوا يلقون إليهم منهما، قدروا بضاعتهم واستكثروا منها .
    ثم لم يلبثوا أن أحسوا ازدياد حرص الأمصار على هذه البضاعة ، فجدوا فى تجارتهم وأبوا أن يظلوا فى باديتهم ينتظرون رواه الأمصار.
    ولم لا يتولون هم إصدار بضاعتهم بأنفسهم ؟
    ولم لا يهبطون إلى الأمصار يحملون الشعر والغريب والنوادر إلى الرواة فيريحونهم من الرحلة ومشاق السفر ونفقاته ، ويحدثون التنافس بينهم ، ويفيدون من ذلك ما لم يكونوا يفيدون حين لم يكن يقتحم الصحارى إليهم إلا رجل كالأصمعي أو أبى عمرو ابن العلاء ؟ وكذلك فعلوا : انحدروا إلى الأمصار فى العراق خاصة ، وكثر ازدحام الرواة حولهم فنفقت بضاعتهم ، تعلم أن نفاق البضاعة أدعى إلى الإنتاج ، فأخذ هؤلاء الأعراب يكذبون وأسرفوا فى الكذب ، حنى أحس الرواة أنفسهم ذلك .
    فالأصمعى يحدثنا عن أحد هؤلاء الأعراب ، واسمه أبو ضمضم ، أنه أنشد لمائة شاعر أو ثمانين شاعرا كلهم يسمى عمرا ؛ قال الأصمعى :فعددت أنا وخلف الأحمر فلم نقدر على ثلاثين .
    ويحدثنا ابن سلام عن أبى عبيدة أن داود بن متمم بن نويرة ورد البصرة فيما يقدم له الأعراب ، فأخذ أبو عبيدة يسأله عن شعر أبيه وكفاه حاجته ؟ فلما فرغ داود من رواية شعر أبيه وكره أن تنقطع عناية أبى عبيدة به أخذ يضع على أبيه ما لم يقل ، وعرف ذلك أبو عبيدة .
    ونظن أننا قد بلغنا ما كنا نريد من إحصاء الأسباب المختلفة التى حملت على انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين ، والتي تضطرنا نحن فى هذا العصر إلى أن نقف موقف الشك والاحتياط أمام هذا الشعر.
    كل شئ فى حياة المسلمين فى القرون الثلاثة الأولى كان يدعو إلى انتحال الشعر وتلفيقه سواء فى ذلك الحياة الصالحة حياة الأتقياء والبررة ، والحياة السيئة حياة الفساق وأصحاب المجون .
    فإذا كان الأمر على هذا النحو فهل تظن أن من الحزم والفطنة أن نقبل ما يقول القدماء فى غير نقد ولا تحقيق ؟
    وقد قدمنا أن هذا الكذب والانتحال فى الأدب والتاريخ لم يكونا مقصورين على العرب ، وانما هما حظ شائع فى الآداب القديمة كلها .
    فخير لنا أن نجتهد فى تعرف ما يمكن أن تصح إضافته إلى الجاهليين من الشعر.
    وسبيل ذلك أن ندرس الشعر نفسه فى ألفاظه ومعانيه بعد أن درسنا ما يحيط به من الظروف .

                  

05-26-2010, 04:12 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: 1- قصص وتاريخ
    نظن ان أنصار القديم لا يطمعون مثلنا فى أن نغير لهم حقائق الأشياء أو أن نسمى هذه الحقائق بغير أسمائها، لنبلغ رضاهم ونتجنب سخطهم .
    ومهما نكن حراصا على أن يرضوا ومهما نكن شديدى الكره لسخطهم فنحن على رضا الحق أحرص ، وللعبث بالحق والعلم أشد كرها.
    ولن نستطيع أن نسمى حقا ما ليس بالحق ، وتاريخا ما ليس بالتاريخ .
    ولن نستطيع أن نعترف بأن ما يروى من سيرة هؤلاء الشعراء الجاهليين وما يضاف إليهم من الشعر تاريخ يمكن الاطمئنان إليه أو الثقة به ؟
    وانما كثرة هذا كله قصص وأساطير لا تفيد يقينا ولا ترجيحا، وانما تبعث فى النفوس ظنونا وأوهاما .
    وسبيل الباحث المحقق أن يستعرضها فى عناية وأناة وبراءة من الأهواء والأغراض ، فيدرسها محللا ناقدا مستقصيا في النقد والتحليل .
    فإن انتهى من درسه هذا إلى حق أو شئ أو شئ يشبه الحق أثبته محتفظا بكل ما ينبغى أن يحتفظ به من الشك الذى قد يحمله على ان يغير رأيه ويستأنف بحثه ونظره من جديد .
    ذلك أن أخبار الجاهليين واشعارهم لم تصل إلينا من طريق تاريخية صحيحة ، وانما وصلت إلينا من هذه الطريق التى تصل منها القصص والأساطير: طريق الرواية والأحاديث ، طريق الفكاهة واللعب ، طريق التكلف والانتحال .
    فنحن مضطرون أمام هذا كله إلى أن نحتفظ بحريتنا كاملة، والى ان نقاوم ميولنا وأهواءنا وفطرتنا التى هى مستعدة للتصديق والاطمئنان فى سهولة ويسر.
    ونحن لا نعرف نصا عربيا وصل إلينا من طريق تاريخية صحيحة يمكن ان نطمئن إليها قبل القرآن إلا طائفة من النقوش لا تثبت فى الأدب حقا ولا تنفى منه باطلا .
    وهى إن أفادت فى تاريخ الرسم فذلك كل ما يمكن أن يؤخذ منها إلى الآن .
    القرآن وحده هو النص العربي القديم الذي يستطيع المؤرخ أن يطمئن إلى صحته ويعتبره مشخصا للعصر الذي تلي فيه .
    فأما شعر هؤلاء الشعراء وخطب هؤلاء الخطباء وسجع هؤلاء الساجعين فلا سبيل إلى الثقة بها ولا إلى الاطمئنان إليها، ولاسيما بعد ما بسطنا لك فى الكتاب الأول من الأسباب التى تدعو إلى الشك فى صحتها ، وبعد ما بسطنا لك فى الكتاب الثاني من الأسباب التى كانت تحمل الناس على التكلف والانتحال .
    إذا فيجب أن يكون لمؤرخ الآداب العربية موقفان مختلفان : أحدهما أمام الأساطير والأقاصيص والأسمار التى تروى سكن العصر الجاهلى .
    والثاني أمام النصوص التاريخية الصحيحة التى تبتدئ بالقرآن .
    وقد بينا لك فى الكتاب الماضي أن هذا ليس شأن الآداب العربية وحدها، وانما هو شأن الآداب القديمة كلها ، وضربنا لك الأمثال بالأدب اليونانى والأدب اللاتيني .
    ولولا أنا نحرص على الإيجاز لضربنا لك أمثالا أخرى لطائفه من الآداب الحية الحديثة ؟ فلكل أدب قسمه الصحيح وقسمه المتكلف ، ولكل أمة تاريخها الصحيح وتاريخها المنتحل .
    ولسنا ندرى لم يريد أنصار القديم أن يميزوا الأمة العربية والأدب العريى من سائر الأمم والآداب ؟
    ومن الذى يستطيع أن يزعم أن الله قد وضع القوانين العامة لتخضع لها الإنسانية كلها إلا هذا الجيل الذى كان ينتسب إلى عدنان وقحطان ؟ كلا !
    الجيل العربي كغيره من الأجيال خاضع لهذه القوانين العامة التى تسيطر على حياة الأفراد والجماعات .
    للعرب خيالهم الشعبي .
    وهذا الخيال قد جد وعمل وأثمر، وكانت نتيجة جده وعمله وأثماره هذه الأقاصيص والأساطير التى تروى لا عن العصر الجاهلى وحده بل عن العصور الإسلامية التاريخية أيضا .
    وقد رأيت فى فصولنا التى سميناها " حديث الأربعاء " أنا نشك فى طائفة من هذه القصص الغرامية التى تروى عن العذريين وغيرهم من العشاق فى العصر الأموي . ويجب حقا أن نلغى عقولنا- كما يقول بعض الزعماء السياسيين - لنؤمن بأن كل ما يروى لنا عن الشعراء والكتاب والخلفاء والقواد والوزراء صحيح ، لأنه ورد فى كتاب الأغانى أو فى كتاب الطبري أو في كتاب المبرد أو في سفر من أسفار الجاحظ .
    نعم يجب أن نلغى عقولنا وأن نلغى وجودنا الشخصي وأن نستحيل إلى كتب متحركة: هذا يحفظ الكامل لا يعدوه فيصبح نسخه من كتاب الكامل تمشى على رجلين وتنطق بلسان ؟ وهذا يحفظ كتاب البيان والتبيين فيصبح نسخة منه ؟
    وهذا يحفظ أخلاطا من هذه الكتب فيصبح مزاجا غريبا يتكلم مرة بلسان الجاحظ وأخرى بلسان المبرد وثالثة بلسان ثعلب ورابعة بلسان ابن سلام .
    لأنصار القديم أن يرضوا لأنفسهم بهذا النحو من أنحاء الحياة العلمية .
    أما نحن فنأبى كل الإباء أن نكون أدوات حاكية أو كتبا متحركة، ولا نرضى إلا أن تكون لنا عقول نفهم بها ونستعين بها على النقد والتمحيص فى غير تحكم ولا طغيان . وهذه العقول تضطرنا، كما اضطرت غيرنا من قبل ، إلى أن ننظر إلى القدماء كما ننظر إلى المحدثين دون أن ننسى الظروف التى تحيط بأولئك وهؤلاء .
    فأنا لا أقدس أحدا من الذين يعاصرونني ولا أبرئه من الكذب والانتحال ولا أعصمه من الخطأ والاضطراب .
    فإذا تحدث إلى بشيء أو نقل لي عنه شئ، فأنا لا أقبل حتى أنقد وأتحرى، وأحلل وأدقق فى التحليل .
    وما أعرف أن أحدا من أنصار القديم أنفسهم يقدس المعاصرين ويطمئن إليهم من غير نقد ولا تبصر. وآية ذلك أنهم يحيون حياتهم اليومية كما يحياها أنصار الجديد، فهم يبيعون ويشترون ويدخرون كما يبيع غيرهم وكما يشترى وكما يذخر، وهم يدبرون أمورهم الخاصة كما يدبرها سائر الناس فى مقدار من الذكاء والفطنة والحذر.
    فما بالهم يصطنعون مماتهم الناقدة بالقياس إلى المعاصرين ولا يصطنعونها بالقياس الى القدماء؟ وما بالهم إذا كانوا يحبون التصديق والاطمئنان إلى هذا الحد لا يصدقون البائع حين يزعم لهم أن سلعته تساوى عشرين ، بل يعرضون عليه عشرة وألقل من عشره ويساومون حتى ينتهوا إلى ما يريدون ؟ ولو أنهم صدقوا المحدثين واطمأنوا إليهم كما يصدقون القدماء . ويطمئنون إليهم لكانوا مضرب الأمثال فى الغفلة والبله والحمق ، ولكانت حياتهم كدا وضنكا وعناء .
    ولكنا نحمد لهم الله ، فهم بالقياس إلى معاصريهم أصحاب بصر بالأمور وفطنة بدقائقها وحيلة واسعة للتخلص من المآزق ، وهم يشترون اللحم كما نشتريه ويبذلون فى الخبز والسمن مثل ما نبذل .
    وإذا فما مصدر هذه التفرقة التى يصطنعونها بين القدماء والمحدثين ؟
    ما لهم يؤمنون لأولئك ويشكون فى هؤلاء ؟ ليلى لهذه التفرقة مصدر إلا هذه الفكرة التى تسيطر على نفوس العامة فى جميع الأمم وفى جميع العصور، وهى أن القديم خير من الجديد ، وان الزمان صائر إلى الشر لا إلى الخير، وأن الدهر يسير بالناس القهقرى : يرجع بهم إلى وراء ولا يمضى بهم إلى أمام . . .
    زعموا أن القمحة كانت فى العصور الذهبية تعدل التفاحة العظيمة حجما، ثم غضب الله على الناس فأخذت القمحة تتضاءل حتى وصلت إلى حيث هى الآن .
    وزعموا أن الرجل من الأجيال القديمة كان من الطول والضخامة والقوة بحيث كان يغمس يده فى البحر فيأخذ منه السمك ثم يرفع يده فى الجو فيشويه فى جذوة الشمس ثم يهبط بيده إلى فمه فيزدرد شواءه ازدرادا .
    وزعموا أن أهل الأجيال القديمة كانوا من الضخامة والجسامة بحيث استطاع بعض الملوك ، أو بعض الأنبياء ، أن يتخذ فخذ أحدهم جسرا يعبر عليه الفرات . فالقديم خير من الجديد ، والقدماء خير من المحدثين .
    يؤمن العامة بهذا إيمانا لا سبيل إلى زعزعته .
    وهذا الإيمان يتطور ويتغير ؛ ولكن أصله ثابت .
    فأصحاب الحضارة والمدنية الذين أخذوا من العلم بحظ لا يؤمنون بمثل هذه الأحاديث التى قدمتها لك ؛ ولكنهم يرون أن الأخلاق مثلا كانت أشد استيقاظا فى العصور الأولى، وأن الأفئدة كانت أشد ذكاء ، وأن الأبدان كانت أعظم حظا من الصحة
    .
    وعلى هذا النحو يكون تفضيل القديم ، لأنه قديم لا نراه من جهة، ولأننا ساخطون بطبعنا على الحاضر من جهة أخرى .
    فهل تظن أن الذين يثقون بخلف وحماد والأصمعي وأبى عمرو بن العلاء يثقون بهم لشيء غير ما قدمت لك ؟ كلا !
    كان هؤلاء الناس أحسن من المعاصرين أخلاقا وأقل منهم ميلا إلى الكذب ، كانوا أذكى منهم أفئدة، كانوا أقوى منهم حافظه ، كانوا أثقب منهم بصائر.
    لماذا ؟ لأنهم قدماء ! لأنهم كانوا يعيشون فى هذا العصر الذهبي ! أليس العصر العباسي عصرا ذهبيا بالقياس إلى هذا العصر الذى نعيش فيه ؟
    أما نحن فلا نزعم أن القدماء كانوا شرا من المحدثين ، ولكنا لا نزعم أيضا أنهم كانوا خيرا منهم. وانما أولئك وهؤلاء سواء ، لا تفرق بينهم إلا ظروف الحياة التى تصور طبائعهم صورا ملائمة لها دون أن تغير هذه الطبائع .
    كان القدماء يكذبون كما يكذب المحدثون ، وكان القدماء، يخطئون كما يخطئ المحدثون ، وكان حظ القدماء من الخطأ أعظم من حظ المحدثين ، لأن العقل لم يبلغ من الرقى فى تلك العصور ما بلغ فى هذا العصر ولم يستكشف من مناهج البحث والنقد ما استكشف فى هذا العصر.
    فإذا أخذنا أنفسنا بأن نقف أمام القدماء موقف الشك والاحتياط فلسنا غلاة ولا مسرفين ، وانما نحن نؤدي لعقولنا حقها ونؤدي للعلم ماله علينا من دين .
    وإذا كنا نطلب إلى أنصار القديم شيئا فهو أن يكونوا منطقيين ، وأن يلائموا بين حياتهم حين يقرءون ويكتبون وحياتهم حين يبيعون ويشترون .
    وإذا فلنتناول مع الإيجاز الشديد شيئا من البحث عن الشعر والشعراء فى العصر الجاهلى لنرى إلى أي شيء نستطيع أن نطمئن من هذه الأشعار والأخبار التى امتلأا بها الكتب والأسفار.
                  

05-26-2010, 10:18 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: - امرؤ القيس - عبيد - علقمة
    لعل أقدم الشعراء الذين يروى لهم شعر كثير ويتحدث الرواة عنهم بأخبار كثيرة فيها تطويل وتفصيل هو امرؤ القيس .
    ونحن نعلم أن الرواة يتحدثون بأسماء طائفة من الشعراء زعموا أنهم عاشوا قبل امرئ القيس وقالوا شعرا ، ولكنهم لا يروون لهؤلاء الشعراء إلا البيت أو البيتين أو الأبيات .
    وهم لا يذكرون من أخبار هؤلاء الشعراء إلا الشىء القليل الذى لا يغنى .
    وهم يعللون قلة الأخبار والأشعار التى يمكن أن تضاف إلى هؤلاء الشعراء ببعد العهد وتقادم الزمن وقلة الحفاظ .
    وقد رأيت فى الكتاب الماضي أن لمكيلا من النقد لما يضاف إلى هؤلاء الشعراء ينتهى بك إلى جحود ما يضاف إليهم من خبر أو شعر.
    فلندع هؤلاء الشعراء ولنقف عند امرئ القيس وأصحابه الذين يظهر أن الرواة عرفوا عنهم ورووا لهم الشىء الكثير .
    من امرؤ القيس ؟
    أما الرواة فلا يختلفون فى أنه رجل من كنده .
    ولكن ، من كنده ؟
    لا يختلف الرواة فى أنها قبيلة من قحطان ؛ وهم يختلفون بعض الاختلاف فى نسبها وفى تفسير اسمها وفى أخبار سادتها .
    ولكنهم على كل حال يتفقون على أنها قبيلة يمانية، وعلى أن امرأ القيس منها .
    فأما اسم امرئ القيس واسم أبيه واسم أمه فأشياء ليس من اليسير الاتفاق عليها بين الرواة ؟
    فقد كان اسمه امرأ القيس ، وقد كان اسمه حندجا، وقد كأن اسمه قيسا.
    وقد كان اسم أبيه عمرا ، وقد كان اسم أبيه حجرا أيضا .
    وكان اسم أمه فاطمة بنت ربيعة أخت مهلهل وكليب ، وكأن اسم أمه تملك .
    وكان امرؤ القيس يعرف بأبى وهب ، وكان يعرف بأبى الحارث .
    ولم يكن له ولد ذكر.
    وكان يئد بناته جميعا. وكانت له ابنه يقال لها هند ؟
    ولم تكن هند هذه ابنته وانما كانت بنت أبيه .
    وكان يعرف بالملك الضليل ، وكان يعرف بذي القروح .
    وعليك أنت ان تستخلص من هذا الخليط المضطرب ما تستطيع ان تسميه حقا أو شيئا يشبه الحق .
    وأي شيء أيسر من أن تأخذ ما اتفقت عليه كثرة الرواة على أنه حق لاشك فيه ؟
    وكثرة الرواة قد اتفف على أن اسمه حندج بن حجر، ولقبه امرؤ القيس ، وكنيته أبو وهب ؟
    وأمه فاطمة بنت ربيعه .
    على هذا اتفقت كثرة الرواة .
    وإذا اتفقت الكثرة على شيء فيجب أن يكون صحيحا أو على اقل تقدير يجب أن يكون راجحا .
    أما أنا فقد أطمئن إلى آراء الكثرة، أو قد أرانى مكرها على الاطمئنان لأراء الكثرة، فى المجالس النيابية وما يشبهها .
    ولكن الكثرة فى العلم لا تغنى شيئا ؟
    فقد كانت كثرة العلماء تنكر كروية الأرض وحركتها ، وظهر بعد ذلك أن الكثرة كانت مخطئة .
    وكانت كثرة العلماء ترى كل ما أثبت العلم الحديث أنه غير صحيح . فالكثرة فى العلم لا تغنى شيئا .
    وإذا فليس من سبيل الى أن نقبل قول الكثرة في امرئ القيس ؟ وانما السبيل أن نوازن بينه وبين ما تزعم القلة .
    وليس إلى هذه الموازنة المنتجة من سبيل إذا لاحظت ما قدمناه فى الكتاب الماضي من هذه الأسباب التى كانت تحمل على الانتحال وتكلف القصص .
    وإذا فلسنا نستطيع أن نفصل بين الفريقين المختلفين ، وانما نحن مضطرون إلى أن نقبل ما يقول أولئك وهؤلاء على أن الناس كانوا يتحدثون به دون أن نرف وجه الحق فيه .
    ولعل ، هذا وأشباهه من الخلط فى حياة امرئ القيس أوضح دليل على ما نذهب إليه من أن امرأ القيس إن يكن كد وجد حقا- ونحن نرجح ذلك ونكاد نوقن به - فإن الناس لم يعرفوا عنه شيئا إلا اسمه هذا ، وإلا طائفة من الأساطير والأحاديث تتصل بهذا الاسم .
    وهنا يحسن أن نلاحظ أن الكثرة من هذه الأساطير والأحاديث لم تشع بين الناس إلا فى عصر متأخر: وفى عصر الرواة المدونين والقصاصين .
    فأكبر الظن إذا أنها نشأت فى هذا العصر ولم تورث عن العصر الجاهلى حقا .
    وأكبر الظن أن الذى أنشأ هذه القصة ونماها إنما هو هذا المكان الذى احتلته قبيلة كندة فى الحياة الإسلامية منذ تمت للنبي السيطرة على البلاد العربية إلى القرن الأول للهجرة .
    فنحن نعلم أن وفدا من كندة وفد على النبى وعلى رأسه الأشعث بن قيس .
    ونحن نعلم أن هذا الوفد طلب - فيما تقول السيرة - إلى النبى أن يرسل معهم مفقها يعلمهم الدين .
    نحن نعلم أن كندة ارتدت بعد موت النبى ، وأن عامل ابى بكر حاصرها فى النُجير وأنزلها على حكمه وقتل منها خلقا كثيرا وأوفد ملها طائفة إلى أبى بكر فيها الأشعث بن قيس الذى تاب وأناب وأصهر إلى أبى بكر فتروج أخته أم فروة ؟
    وخرج - فيما يزعم الرواة - إلى سوق الإبل فى المدينة فاستل سيفه ومضى فى إبل السوق عقرا ونحرا حتى ظن الناس به الجنون ، ولكنه دعا أهل المدينة إلى الطعام وأدى إلى أصحاب الإبل أموالهم ؟
    وكانت هذه المجزرة الفاحشة وليمة عرسه .
    ونحن نعلم أن الرجل قد اشترك فى فتح الشام وشهد مواقع المسلمين فى حرب الفرس ، وحسن بلاؤه فى هذا كله ، وتولى عملا لعثمان ، وظاهر عليا على معاوية ، وأكره عليا على قبول التحكيم في صفين .
    ونحن نعلم أن ابنه محمد بن الأشعث كان سيدا من سادات الكوفة ، عليه وحده اعتمد زياد حين أعياه أخذ حجر بن عدى الكندي .
    ونحن نعلم أن قصة حجر بن عدى هذا وقتل معاوية إياه فى نفر من أصحابه قد تركت فى نفوس المسلمين عامة واليمنيين خاصة أثرا قويا عميقا مثل هذا الرجل فى صوره الشهيد.
    ثم نحن نعلم أن حفيد الأشعث بن قيس وهو عبد الرحمن بن محمد بن الاشعث قد ثار بالحجاج ، وخلع عبد الملك ، وعرض دولة آل مروان للزوال ، وكان سببا فى إراقة دماء المسلمين من أهل العراق والشام ، وكان اللذين قتلوا فى حروبه يحصون فيبلغون عشرات الآلاف ، ثم انهزم فلجأ إلى ملك الترك ، ثم أعاد الكرة فتنقل فى مدن فارس ، ثم استيأس فعاد إلى ملك الترك ، ثم غدر به هذا الملك فأسلمه إلى عامل الحجاج ، ثم قتل نفسه فى طريقه إلى العراق ، ثم احتلت رأسه وطوف به فى العراق والشام ومصر.
    أفتظن أن أسرة كهذه الأسرة الكندية تنزل هذه المنزلة فى الحياة الإسلامية وتؤثر هذه الآثار فى تاريخ المسلمين لا تصطنع القصص ولا تأجر القصاص لينشروا لها الدعوة ويذيعوا عنها كل ما من شأنه أن يرفع ذكرها ويبعد صوتها ؟
    بلى! ويحدثنا الرواة أنفسهم أن عبدالرحمن بن الأشعث اتخذ القصاص وأجرهم كما اتخذ الشعراء وأجزل صلتهم : كان له قاص يقال له عمرو بن ذر ؟
    وكان شاعره أعشى همذان .
    فما يروى من أخبار كندة فى الجاهلية متأثر من غير شك بعمل هؤلاء القصاص الذين كانوا يعملون لآل الأشعث .
    وقصه امرئ القيس بنوع خاص تشبه من وجوه كثيرة حياة عبدالرحمن ابن الأشعث .
    فهي مثل لنا امرأ القيس مطالبا بثأر أبيه .
    وهل ثار عبد الرحمن عند الذين يفقهون التاريخ إلا منتقما لحجر بن عدى ؟
    وهى تمثل لنا امرأ القيس طامعا فى الملك .
    وقد كان عبدالرحمن بن الأشعث يرى أنه ليس أقل من بنى أميه استئهالا للملك ؛ وكان يطالب به .
    وهى تمثل لنا أمرا القيس متنقلا فى قبائل العرب .
    وقد كان عبد الرحمن بن الأشعث متنقلا فى مدن فارس والعراق .
    وهى تمثل امرأ القيس لاجئا إلى قيصر مستعينا به .
    وقد كان عبد الرحمن بن الأشعث لاجئا إلى ملك الترك مستعينا به .
    وهى تمثل لنا أخيرا امرأ القيس وقد غدر به قيصر بعد أن كاد له أسدى فى القصر.
    وقد غدر ملك الترك بعبد الرحمن بعد أن كاد له رسل الحجاج .
    وهى تمثل لنا بعد هذا وذاك امرأ القيس وقد مات فى طريقه عائدا من بلاد الروم .
    وقد مات عبد الرحمن فى طريقه عائدا من بلاد الترك .
    أليس من اليسير أن نفترض بل إن نرجح أن حياة امرئ القيس كما يتحدث بها الرواة ليست إلا لونا من التمثيل لحياه عبدالرحمن استحدثه القصاص إرضاء لهوى الشعوب اليمنية فى العراق واستعاروا له اسم الملك الضليل اتقاء لعمال بنى أمية من ناحية ، واستغلالا لطائفة يسيرة من الأخبار كانت تعرف عن هذا الملك الضليل من ناحية أخرى؟ ستقول : وشعر امرئ القيس ما شأنه ؟
    وما تأويله ؟
    شأنه يسير، وتأويله أيسر.
    فأقل نظر فى هذا الشعر يلزمك أن تقسمه إلى قسمين : أحدهما يتصل بهذه القصة التى قدمنا الإشارة إليها .
    وإذا فشأنه شأن هذه القصة انتحل لتفسيرها أو تسجيلها، وانتحل لتمثيل هذا التنافس القوى الذى كان قائما بين قبائل العرب وأحيائهم فى الكوفة والبصرة .
    واقل درس لهذا الشعر يقنعك ، إن كنت من الذين يألفون البحث الحديث ، بأن هذا الشعر الذى يضاف إلى امرئ القيس ويتصل بقصته إنما هو شعر إسلامي لا جاهلي، قيل وانتحل لهذه الأسباب التى أشرنا إليها ولأسباب أخرى فصلناها فى القسم الثاني من هذا الكتاب .
    فهذا أحد القسمين .
    وأما القسم الثاني فشعر لا يتصل بهذه القصة، وانما يتناول فنونا من القول مستقلة من الأهواء السياسية والحزبية .
    ولنا فى هذا القسم رأى نسطره بعد حين .
    وخلاصة هذا البحث القصير أن شخصية امرئ القيس - إذا فكرت - أشبه شئ بشخصية الشاعر اليوناني هوميروس .
    لا يشك مؤرخو الآداب اليونانية الآن فى أنها قد وجدت حقا، وأثرت فى الشعر القصصي حقا، وكان تأثيرها قويا باقيا ؟ ولكنهم لا يعرفون من أمرها شيئا يمكن الاطمئنان إليه ، وانما ينظرون إلى هذه الأحاديث التى تروى عنه كما ينظرون إلى القصص والأساطير لا أكثر ولا أقل .
    فامرؤ القيس هو الملك الضليل حقا : نريد أنه الملك الذى لا يعرف عنه شيء يمكن الاطمئنان إليه .
    هو ضل بن قل كما يقول أصحاب المعاجم اللغوية .
    ومن غريب الأمر أن طائفة من الشعر تنسب إلى امرئ القيس على انه قالها حينما كان متنقلا فى القبائل العربية يمدح بها هذه ويهجو تلك ، وتتصل بهذه الأشعار طائفة من الأخبار تبين نزول امرئ القيس فى هذه القبيلة، والتجاءه إلى تلك القبيلة، وجواره عند فلان ، واستعانته بفلان ، وأن شيئا مكل هذا يلاحظ فى حياة هوميروس ؟
    فهو- فيما يزعم رواة اليونان - قد تنقل فى المدن اليونانية فلقي من بعضها الكرامة والتجلة، رمن بعضها الإعراض والانصراف .
    ومؤرخو ا لآداب اليونانية يفسرون هذه الأحاديث على أنها مظهر من مظاهر التنافس بين المدن اليونانية : كلها يزعم لنفسه أنه ضيف هوميروس أو نشأه أو أجاره أو عطف عليه .
    ونحن نذهب هذا المذهب نفسه فى تفسير هذه الأخبار والأشعار التى تمس تنفل امرئ القيس فى قبائل العرب .
    فهي محدثه انتحلت حين تنافست القبائل العربية فى الإسلام وحين أرادت كل قبيلة وكل حي أن تزعم لنفسها من الشرف والفضل أعظم حظ ممكن . وقد أحس القدماء بعض هذا ؟
    فصاحب الأغانى يحدثنا أن القصيدة القافية التى تضاف إلى امرئ القيس على أنه قالها يمدح بها السموءل حين لجأ إليه منحولة نحلها دارم بن عقال وهو من ولد السموءل .
    واكبر ظننا أن دارم بن عقال لم ينحل القصيدة وحدها وانما نحل القصة كلها وانتحل ما يتصل بها أيضا ؛ نحل قصة ابن السموءل الذى قتل بمنظر من أبيه حين أبى تسليم أسلحه امرئ القيس ، نحل قصة الأعشى الذي استجار بشريح بن السموءل وقال فيه هذا الشعر المشهور :
    شريح لا تتركنى بعد ما علقت
    حبالك اليوم بعد القد أظفاري
    قد حلت ما بين بانقيا إلى عدن
    وطال فى العجم تردادي وتسيارى
    فكان أكرمهم عهدا وأوثقهم
    مجدا أبوك بعرف غير إنكار
    كالغيث ما استمطروه جاد وابله
    وفى الشدائد كالسمتأسد الضاري
    كن كالسموءل إذ طاف الهمام به
    فى جحفل كهزيع الليل جزار
    إذ سامه خطتي خسف فكال له
    قل ما تشاء فإني سامع حار
    فقال غدر وثكل أنت بسنهما
    فاختر وما فلهما حظ لمختار
    فشط غير طويل ثم قال له
    أقتل أسيرك إني مانع جارى
    أنا له خلف إن كنت قاتله
    وإن قتلت كريما غير غوار
    وسوف يعقبنيه إن ظفرت به
    رب كريم وبيض ذات أطهار
    لاسرهن لدينا ذاهب هدرا
    وحافظات إذا استودعن اسرارى
    فأختار أد راعه كي لا يسب بها
    ولم يكن وعده فيها بختار

    ثم كانت هذه القصة المنتحلة سببا فى انتحال قصة أخوى هى قصة ذهاب امرئ القيس إلى القسطنطينية وما يتصل بها من الأشعار.
    منتحلة هذه القصيدة الرائية الطويلة التى مطلعها .
    سما لك شوق بعد ما كان أقصرا
    وحلت سليمي بطن ظبي فعرعرا

    منتحل هذا الشعر الذى قاله امرؤ القيس حين دخل الحمام مع قيصر والذي تنزه هذا الكتاب عن روايته .
    منتحل هذا الحب الذى يقال إن امرؤ القيس أضمره لابنة قيصر.
    منتحلة هذه الأشعار التى تضاف إلى امرئ القيس حين أحس السم وهو قافل من بلاد الروم .
    كل هذا منتحل لأنه يفسر هذه الأحاديث التى شاعت ، لتلك الأسباب التى قدمناها .
    وإذا لم يكن بدا من التماس الأدلة الفنية على انتحال هدا الشعر، فقد نحب أن نعرف كيف زار امرؤ القيس بلاد الروم وخالط قيصر حتى دخل معه الحمام وفتن ابنته ورأى مظاهر الحضارة اليونانية فى قسطنطينية ولم يظهر لذلك أثر ما فى شعره : لم يصف القصر ولم يذكره ، لم يصف كنيسة من كنائس قسطنطينية ، لم يصف هذه الفتاه الإمبراطورية التى فتنها، لم يصف الروميات ، لم يصف شيئا ما يمكن أن يكون روميا حقا .
    ثم يكفى أن تقرأ هذا الشعر لتحس فيه الضعف والاضطراب والجهل بالطريق إلى قسطنطينية .
    ومهما يكن من شيء فإن السذاجة وحدها هى التى تعيننا على أن نتصور أن شاعرا عربيا قديما قال هذا الشعر الذى يضاف إلى امرئ القيس فى رحلته إلى بلاد الروم وقفوله منها.
    وإذا رأيت معنا أن كل هذا الشعر الذى يتصل ! بسيرة امرئ القيس إنما هو من عمل القصاص فقد يصح أن نقف معك وقفة قصيرة عند هذا القسم الثاني من شعر امرئ القيس وهو الذى لا يفسر سيرته ولا يتصل بها .
    ولعل أحق هذا الشعر بالعناية قصيدتان اثنتان : الأولى : " قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل " والثانية " ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي " فأما ما عدا هاتين القصيدتين فالضعف فيه ظاهر والاضطراب فيه بين والتكلف والإسفاف فيه يكادان يلمسان باليد .
    وقد يكون لنا أن نلاحظ قبل كل شيء ملاحظة لا أدرى كيف تتخلص منها أنصار القديم ، وهى أن امرأ القيس - إن، صحت أحاديث الرواة - يمنى، وشعره قرشي اللغة ، لا فرق بينه وبين القرآن فى لفظه وإعرابه وما يتصل بذلك من قواعد الكلام .
    ونحن نعلم - كما قدمنا - أن لغة اليمن مخالفة كل المخالفة للغة الحجاز فكيف نظم الشاعر اليمنى شعره فى لغة أهل الحجاز ؟
    بل فى لغة قريش خاصة ؟
    سيقولون : نشأ امرؤ القيس فى قبائل عدنان وكان ، أبوه ملكا على بنى أسد وكانت أمة من بنى تغلب وكان مهلهل خاله ، فليس غريبا ان يصطنع لغة عدنان ويعدل عن لغة اليمن .
    ولكننا نجهل هذا كله ولا نستطيع أن نثبته إلا من طريق هذا الشعر الذى ينسب إلى امرئ القيس .
    ونحن بشك فى هذا الشعر ونصفه بأنه منتحل .
    وإذا فنحن ندور: نثبت لغة امرئ القيس الذى نشك فيه .
    على أننا أمام مسألة أخرى ليست أقل من هذه المسألة تعقيدا فنحن لا نعلم ولا نستطيع أن نعلم الآن أكانت لغة قريش هى، اللغة السائدة فى البلاد العربية أيام امرئ القيس ؟
    وأكبر الظن أنها لم تكن لغة العرب فى ذلك الوقت ، وأنها إنما أخذت تسود فى أواسط القرن السادس للمسيح وتمت لها السيادة بظهور الإسلام كما قدمنا .
    وإذا فكيف نظم امرئ القيس اليمنى شعره فى لغة القرآن مع أن هذه اللغة لم تكن سائدة فى العصر الذى عاش فيه امرؤ القيس ؟ وأعجب من هذا أنك لا تجد مطلقا فى شعر أمرؤ القيس لفظا أو أسلوبا أو نحوا من أنحاء القول يدل على أنه يمنى .
    فمهما يكن امرؤ القيس قد تأثر بلغه عدنان فكيف نستطيع أن نتصور أن لغته الأولى قد محيت من نفسه محوا تاما ولم يظهر لها أثر ما فى شعره ؟ نظن أن أنصار القديم سيجدون كثيرا من المشقة والعناء ليحلوا هذه المشكلة ونظن أن إضافة هذا الشعر إلى امرئ القيس مستحيلة فبل أن تحل هذه المشكلة .
    على أننا نحب أن نسأل عن شئ أخر ؛ فامرؤ القيس ابن أخت مهلهل وكليب ابنى ربيعه - فيما يقولون - ، وأنت تعلم أن قصة طويلة عريضة قد نسجت حول مهلهل وكليب هذين ، هى قصة البسوس وهذه الحرب التى اتصلت أربعين سنة - فيما يقولون القصاص - وأفسدت ما بين القبيلتين الأختين بكر وتغلب .
    فمن العجيب ألا يشير امرؤ القيس بحرف واحد إلى مقتل خاله كليب ، ولا إلا بلاء خاله مهلهل ، ولا إلى هذه المحن التى أصابت أخواله من بنى تغلب ، ولا إلى هذه المآثر التى كانت لأخواله على بنى بكر.
    وإذا فأينما وجت فلن تجد إلا شكا : شكا فى القصة، شكا فى اللغة، شكا فى النسب ، شكا فى الرحلة ، شكأ فى الشعر .
    وهم يريدون بعد هذا أن نؤمن ونطمئن إلى كل ما يتحدث به القدماء عن امرئ القيس ! نعم نستطيع أن نؤمن وأن نطمئن لو أن الله قد رزقنا هذا الكسل العقلى الذى يحبب إلى الناس أن يأخذوا بالقديم تجنبا للبحث عن الجديد .
    ولكن الله لم لرزقنا هذا النوع من الكسل ، فنحن نؤثر عليه تعب الشك ومشقة البحث .
    وهذا البحث ينتهى بنا إلى أن أكثر هذا الشعر الذى يضاف لامرئ القيس ليس من امرئ القيس فى شئ وانما هر محمول عليه حملا ومختلق عليه اختلاقا ، حمل بعضه العرب نفسهم ، وحمل بعضه الآخر الرواة الذين دونوا الشعر فى القرن الثاني للهجرة .
    ولننظر فى المعلقة نفسها ، فلسنا نعرف قصيدة يظهر فيها التكلف والتعمل أكثر مما يظهران فى هذه القصيدة .
    لا نحفل بقصة تعليق هذه القصائد السبع أو العشر على الكعبة أو فى الدفاتر .
    فما نظن أن أنصار القديم يحفلون بهذه القصة التى نشأت فى عصر متأخر جدا والتي لا يثبتها شئ فى حياة العرب وعنايتهم بالآداب .
    ولكننا نلاحظ أن القدماء أنفسهم يشكون فى بعض هـذه القصيدة فهم يشكون فى صحة هذين البيتين :
    ترى بعر الآرام في عرصاتها
    وقيعانها كأنه حب فلفل
    كأني غداة البين يوم تحملوا
    لدى سمرات الحي ناقف حنطل

    وهم يشكون فى هذه الأبيات :
    وقرية أقوام جعلت عصامها
    على كاهل منى ذلول ، مرحل
    رواد كجوف العير قفر قطعته
    به الذئب يعوى كالخليع المعيل
    فقلت له لما عوى إن شأننا
    قليل الغنى إن كنف لما تمول
    كلانا إذا ما نال شيئا أفاته
    ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل

    وهم بعد هذا يختلفون اختلافا كثيرا فى رواية القصيدة : فى ألفاظها وفى ترتيبها ، ويضعون لفظا مكان لفظ وبيتا مكان بيت .
    وليس هذا الاختلاف مقصورا على هذه القصيدة، وانما يتناول الشعر الجاهلى كله .
    وهو اختلاف قد أعطى المستشرقين صورة سيئة كاذبة من الشعر العربي، فخيل إليهم أنه غير منسق ولا مؤلف ، وأن الوحدة لا وجود لها فى القصيدة وان الشخصية الشعرية لا وجود لها فى القصيدة أيضا ، وأنك تستطيع أن تقدم وتؤخر وان تضيف الى الشاعر شعر غيره دون أن تجد فى ذلك حرجا أو جناحا مادمت لم تخل بالوزن ولا بالقافية .
    وقد يكون هذا صحيحا فى الشعر الجاهلى ، لأن كثرة هذا الشعر منتحلة مصطنعة .
    فأما الشعر الاسلامى الذى صحت نسبته لقائليه فأنا أتحدى أي ناقد أن يعبث به أقل عبث دون أن يفسده .
    وأنا أزعم أن وحدة القصيدة فيه بيئة، وان شخصية الشاعر فيه ليست اقل ظهورا منها فى أي شعر أجنبي.
    إنما جاء هذا الخطأ من اتخاذ هذا الشعر الجاهلى نموذجا للشعر العريى؟ مع أن هذا الشعر الجاهلى - كما قدمنا- لا يمثل شيئا ولا يصلح إلا نموذجا لعبث القصاص وتكلف الرواة .
    ونظن أن أنصار القديم لا يخالفون فى أن هذين البيتين قلقان فى القصيدة وهما :
    وليل كموج البحر أرخى سدوله
    على بأنواع الهموم ليبتلى
    فقلت له لما تمطى بصلبه
    وأردف أعجازا وناء بكلكل

    فقد وضع هذان البيتان للدخول على البيت الذى يليهما وهو :
    ألا أيها الليل الطويل ألا انجلى
    بصبح وما الإصباح منك بأمثل

    وهذان البيتان أشبه بتكلف المشطر والمخمس منهما بأي شئ آخر.
    فإذا فرغنا من هذا الشعـر الذى لا نكاد نختلف فى أنه دخيل فى القصيدة ، فقد نستيطع أن نرد القصيدة إلى أجزائها الأولى .
    وهذه الأجزاء هى : أولا وقوف الشاعر على الدار وما يتصل بذلك من بكاء وإعوال ، ثم ذكره أيام لهوه مع العذارى ، ثم عتابه لصاحبته وما يتصل بذلك من وصف خليلته ، ثم ذكر- الليل والاستطراد منه إلى الصيد وما يتوسل به إلى الصيد من وصف الفرس ، ثم ذكر البرق وما يتبعه من السيل .
    ولنسرع إلى القول بأن وصف اللهو مع العذارى وما فيه من فحش أشبه بأن يكون من انتحال الفرذدق منه بأن يكون جاهليا .
    فالرواة يحدثوننا أن الفرزدق خرج فى يوم مطير إلى ضاحية البصرة فاتبع آثارا حتى انتهى إلى غدير وإذا فيه نساء يستحممن ، فمال : ما أشبه هذا اليوم بيوم دارة جلجل ، وولى منصرفا ؛ فصاح النساء به : يا صاحب البغلة ؛ فعاد إليهن فسألنه وعزمن عليه ليحدثهن بحديث دارة جلجل ؛ فقص عليهن قصة امرئ القيس وأنشدهن قوله :
    إلا رب يوم لك منهن صالح
    ولا سيما يوم بدارة جلجل

    والذين يقرءون شعر الفرذدق ويلاحظون فحشه وغلظته وأنه قد ليم على هذا الفحش وعلى هذه الغلظة لا يجدون مشقة فى أن يضيفوا إليه هذه الأبيات ، فهي بشعره أشبه .
    وكثيرا ما كأن القدماء يتحدثون بمثل هذه الأحاديث يضيفونها الى القدماء وهم ينتحلونها من عند أنفسهم .
    ومهما يكن من شئ، فلغة هذه الأبيات كلغة القصيدة كلها عدنانية قرشية يمكن أن تصدر عن شاعر إسلامي اتخذ لغة القرآن لغة أدبية .
    أما وصف امرئ القيس لخليلته " وزيارته إياها، وتجشمه ما تجشم للوصول إليها، وتخوفها الفضيحة حين رأته ، وخروجها معه وتعفيتها آثارهما بذيل مرطها، وما كان بسنهما من لهو ، فهو أشبه بشعر عمر بن أبى ربيعة منه بأى شئ آخر.
    فهذا النحو من القصص الغرامى فى الشعر، فن عمر بن أبى ربيعة قد احتكره احتكارا ولم ينازعه فيه أحد.
    ولقد يكون غريبا حقا أن يسبق امرؤ القيس الى هذا الفن ويتخذ فيه هذا الأسلوب ويعرف عنه هذا النحو، ثم يأتى ابن أبى ربيعة فيقلده فيه ولا يشير أحد من النقاد الى أن ابن ابى ربيعة قد تأثر بامرئ القيس مع أنهم قد أشاروا الى تأثير امرئ القيس فى طائفة من الشعراء فى أنحاء من الوصف .
    فكيف يمكن أن يكون امرؤ القيس هو منشئ هذا الفن من الغزل الذى عاش عليه ابن أبى ربيعة والذي كون شخصية ابن أبى ربيعة الشعرية ولا يعرف له ذلك ؟
    وأنت إذا قرأت قصيدة أو قصيدتين من شعر ابن أبى رييعة لم تكد نشك فى أن هذا الفن فنه ابتكره ابتكارا واستغله استغلالا قويا، وعرفت العرب له هذا .
    وقل مثل هذا فى هذا القصص الغرامى الذى تجده فى قصيدة امرئ القيس الأخرى : " ألا انعم صباحا أيها الطلل البالي " . ففي هذا القصص الفاحش فن ابن أبى رييعة وروح الفرزدق .
    ونحن نرجح إذا أن هذا النوع من الغزل إنما أضيف الى امرئ القيس ، أضافه رواة متأثرون بهذين الشاعرين الإسلاميين .
    بقى الوصف ، ولاسيما وصف الفرس والصيد.
    ولكننا نقف فيه موقف التردد أيضا .
    واللغة هى التى تضطرنا الى هذا الموقف .
    فالظاهر أن امرأ القيس كان قد نبغ فى وصف الخيل والصيد والسيل والمطر.
    والظاهر أنه قد استحدث فى ذلك أشياء كثيرة لم تكن مألوفة من قبل .
    ولكن أقال هذه الأشياء فى هذا الشعر الذى بين أيدينا أم قالها فى شعر آخر ضاع وذهب به الزمان ولم يبق منه إلا الذكرى وإلا جمل مقتضبة أخذها الرواة فنظموها فى شعر محدث نسقوه ولفقوه وأضافوه إلى شاعرنا القديم ؟
    هذا مذهبنا الذى نرجحه .
    فنحن نقبل أن امرأ القيس وهو أول من قيد الأوابد ، وشبه الخيل بالعصى والعقبان وما إلى ذلك ، ولكننا نشك أعظم الشك فى أن يكون قد قال هذه الأبيات التى يرويها الرواة .
    وأكبر الظن أن هذا الوصف الذى تجده فى المعلقة وفى اللامية الأخرى فيه شئ من ريح امرئ القيس ، ولكن من ريحه ليس غير.
    هناك قصيدة ثالثة نجزم نحن بأنها منتحلة انتحالا .
    وهى القصيدة البائية التى يقال إن امرأ القيس أنشأها يخاصم بها علقمة بن عبدة الفحل ، وأن أم جندب زوج امرئ القيس قد غلبت علقمة على زوجها. وأنت تجد القصيدتين فى ديوان امرئ القيس وديوان علقمة . فأما قصيدة امرئ القيس فمطلعها :
    خليلي مرا بي على أم جندب
    نقض لبانات الفؤاد المعذب

    وأما قصيدة علقمة فمطلعها :
    ذهبت من الهجران لي في كل مذهب
    ولم يك حقا كل هذا التجنب

    ويكفى أن نقرأ هذان البيتين لنحس فيهما رقة إسلامية ظاهرة .
    على أن النظر فى هاتين القصيدتين سيقفك على أن هذين الشاعرين قد تواردا على معان كثيرة بل على ألفاظ كثيرة بل على أبيات كثيرة تجدها بنصها فى القصيدتين معا ، وعلى أن البيت الذى يضاف إلى علقمة وبه ربح القضية يروى لامرئ ا لقيس، وهو:
    فأدركهن ثانيا من عنانه
    يمر كمر الرائح المتحلب

    والبيت الذى خسر به امرؤ القيس القضية يروى لعلقمة وهو :
    فللسوط ألهوب وللساق درة
    وللزجر منه وقع أهوج منعب

    وأنت تستطيع أن تقرأ القصيدتين دون أن تجد فيهما فرقا بين شخصية الشاعرين ، بل أنت لا تجد فيهما شخصية ما ، وانما تحس أنك تقرأ كلاما غريبا منظوما فى جمع ما يمكن جمعه من وصف الفرس جملة وتفصيلا.
    وأكثر الظن أن علقمة لم يفاخر امرأ القيس ، وأن أم جندب لم تحكم بسنهما ، وأن القصيدتين ليستا من الجاهلية فى شئ ، وانما هما صنع عالم من علماء اللغة لسبب من تلك الأسباب التى أشرنا فى الكتاب الماضي إلى أنها كانت تحمل علماء اللغة على الانتحال .
    وكان أبو عبيدة والأصمعي يتنافسان في العلم بالخيل ووصف العرب إياها: أيهما اقدر عليه وأحذق به .
    وما نظن إلا أن هاتين القصيدتين وأمثالهما آثر من آثار هذا النحو من التنافس بين العلماء من أهل الأمصار الإسلامية المختلفة .
    وهنا وقفة أخرى لابد منها. ذلك أن امرأ القيس لا يذكر وحده وانما يذكر معه من الشعراء علقمة-كما رأيت - وعبيد ابن الأبرص .
    فأما علقمة فلا يكاد الرواة يذكرون عنه شيئا إلا مفاخرته لامرئ القيس ومدحه ملكم من ملوك غسان ببائيته التى مطلعها :
    طحا بك قلب لحسان طروب
    بعيد الشباب عصر حان مشيب

    وإلا أنه كان يتردد على قريش ويناشدها شعره ، وإلا انه مات بعد ظهور الإسلام اى فى عصر متأخر جدا بالقياس إلى امرئ القيس الذى مهما يتأخر فقد مات قبل مولد النبى . والذي نرى نحن أنه عاش قبل القرن السادس وربما عاش قبل القرن الخامس أيضا .
    وأما عبيد فقد التمسنا فى سيرته وما يضاف إليه من الشعر ما يعيننا على إثبات شخصية امرئ القيس وشعره فكانت النتيجة محزنة جدا .
    ذلك أنها انتهت بنا إلى أن نقف من عبيد وشعره نفس الموقف الذى وقفناه من امرئ القيس وشعره وليس علينا فى ذلك ذنب ، فالرواة لا يحدثوننا عن عبيد بشيء يقبل التصديق .
    إنما عبيد عند الرواة والقصاص شخص من أصحاب الخوارق والكرامات ، كان صديقا للجن والسماء معا ، عمر عمرا طويلا يصلون به إلى ثلاثة قرون ومات ميتة منكرة : قتله النعمان بن المنذر أو المنذر بن ماء السماء فى لوم بؤسه .
    والرواة يعرفون شيطان عبيد .
    واسم هذا الشيطان هبيد، وقد حاول بعضهم أن يرسل هذا المثل : " لولا هبيد ما كان عبيد " .
    وقد رووا لهبيد هذا شعرا وزعموا أنه أراد أن يلهم الشعر ناسا غير عبيد فلم يوفق.
    ولعبيد مع الجن أحاديث لا تخلو من لذة وعجب .
    ولكن كل ما نقرأ من أخبار عبيد لا يعطينا من شخصيته شيئا ولا يبعث الاطمئنان إلا فى انفس العامة أو أشباه العامة .
    فأما شعر عبيد فليس أشد من شخصيته وضوحا .
    فالرواة يحدثوننا بأنه مضطرب ضائع .
    وابن سلام يحدثنا فى موضع من كتابه " طبقـات الشعراء " ، أنه لم يبق من شعر عبيد وطرفه إلا قصائد بقدر عشر ، ولكنه يحدثنا فى موضع آخر أنه لا يعرف له إلا قوله :
    أقفر من أهله ملحوب
    فالقطبيات فالذنوب

    ثم يقول ابن سلام : ولا أدرى ما بعد ذلك . ولكن رواة آخرين يروون هذه القصيدة كاملة ويروون له شعرا آخر فى هجاء امرئ القيس ومعارضته ، وفى استعطافه حجر على بنى أسد .
    ويكفى أن تقرأ هذه القصيدة التى قدمنا طلعها لتجزم بأنها منتحلة لا أصل لها .
    وحسبك أته يثبت فيها وحدانية الله وعلمه على نحو ما يثبتها القرآن فيقول :
    والله ليس له شريك
    علام ما أخفت القلوب

    فأما شعره الآخر الذى عارض فيه امرأ القيس وهجا فيه كندة فلا حظ له من صحة فيما نعتقد .
    وذلك أن فيه إسفافا وضعفا وسهولة فى اللفظ والأسلوب لا يمكن أن تضاف إلى شاعر قديم . ويكفى أن تقرأ هذه القصيدة النى أولها :
    يا ذا المخوفنا بقت
    ل أبيه إذلالا وحينا
    أزعمت انك قد قتلتت
    ت ستراتنا كذبا ومينا

    لتعرف أنها من عمل القصاص ، وأن هذا الشعر وأشباهه إنما هو من أثر التنافس بين العصبية اليمنية والمضرية .
    ولولا أننا نؤثر الإيجاز ونحرص عليه لروينا لك هذا الشر ووضعنا يدك على مواضع التوليد فيه ؟
    ولكن الرجوع إلى هذا الشعر يسير والحكم عليه أيسر.
    وإذن فكل شعر امرئ القيس الذى يتصل بشعر عبيد هذا منحول أيضا كشعر عبيد.
    وقد رأيت من هذه الالمامة القصيرة بهؤلاء الشراء الثلاثة : (امرئ القيس وعبيد وعلقمة) أن الصحيح من شعرهم لا يكاد يذكر وأن الكثرة المطلقة من هذا الشعر مصنوعة لا تثبت شيئا ولا تنفى شيئا بالقياس إلى العصر الجاهلى ، لا نستثنى من ذلك إلا قصيدتين اثنتين لعلقمة : الأولى : " طحا بك قلب للحسان طروب " والثانية : " هل ما علمت وما استودعت مكتوم " فقد يمكن أن يكون لهاتين القصيدتين نصيب من الصحة مع شئ من التحفظ فى بعض أبيات القصيدة الثانية .
    ولكن صحة هاتين القصيدتين لا تمس رأينا فى الشعر الجاهلى فقد رأيت أن علقمة متأخر العصر جدا، وأنه مات بعد ظهور الإسلام ، ورأيت أيضا أنه كان يأتى قريشا ويعرض عليها شعره.
    على أننا احتفظنا لأنفسنا بالشك فى بعض أبيات القصيدة الثانية يظهر فيها التوليد، وهى هذه الأبيات التى يذهب فيها الشاعر مذهب ؟ الحكمة وضرب المثل ؟

    3- عمرو بوقميئة- مهلهل - جليلة
    وشاعران آخران يتصل ذكرهما بذكر امرئ القيس .
    كان أحدهما - فيما يقول الرواة صديقا له ، صحبه فى رحلته فى قسطنطينية، ولم لعد من هذه الرحلة كما لم يعد امرئ القيس ، وهو عمرو اثن قميئة .
    وكان الآخر خال امرئ القيس - فيما يقول الرواة - وهو مهلهل بن ربيعة .
    ولابد من وقفة قصيرة عند هذين الشاعرين فسترى بعد قليل من التفكير أن حياتهما ليست أوضح ولا أثبت من حياة امرئ القيس وعبيد ، وأن شعرهما ليس أصح ولا أصدق من شعر امرئ القيس وعبيد .
    ولنلاحظ قبل كل شئ أن بين امرئ القيس وعمرو بن قميئة شبها غريبا ، فقد كان امرؤ القيس يسمى الملك الضليل.
    وفسرنا نحن هذا الاسم تفسيرا غير الذى اتفق عليه الرواة وأصحاب اللغة .
    فقلنا إنه الملك المجهول الذي لا يعرف عنه شئ، قلنا إنه ضل بن قل .
    وكانت العرب تسمى عمرو بن قميئة عمرا الضائع.
    فأما المتأخرون من الرواة بعد الإسلام فقد التمسوا لهذه التسمية تفسيرا فوجدوه فى سهولة ويسر، أليس قد رحل مع امرئ القيس فى القسطنطينية ؟
    أليس قد مات فى هذه الرحلة ؟ فهو إذن عمرو الضائع لأنه ضاع فى غير قصد ولا وجه .
    أما نحن فنفسر هذا الاسم كما فسرنا اسم امرئ القيس ، ونرى أن عمرو بن قميئة ضاع كما ضاع امرؤ القيس من الذاكرة، ولم يعرف من أمره شئ إلا اسمه هذا كما لم يعرف أمر امرئ القيس ولا من أمر عبيد إلا اسمهما ، ووضعت له قصة كما وضعت لكل من صاحبيه قصة، وحمل عليه شعر كما حمل علي صاحبيه الشعر أيضا .
    قال الرواة : إن ابن قميئة عمر طويلا وعرف امرأ القيس وقد انتهت به السن إلى الهرم ، ولكن امرأ القيس أحبه واستصحبه فى رحلته رغم سنه .
    قال ابن سلام : إن بنى اقيش كانوا يدعون بعض شعر امرئ القيس لعمرو بن قميئة، وليس هذا بشيء . وفى الحق إن هذا ليس بشيء ؟
    فإن هذا الشعر لا يمكن أن يكون لعمرو ابن قميئة كما لا يمكن أن يكون لامرئ القيس فهو شعر محدث محمول .
    وإذا كأن عمرو بن قميئة لم يعرف امرأ القيس ، إلا بعد أن تقدمت به السن وأدركه الهرم فيجب أن يكون قد قال الشعر قبل امرئ القيس الذى لم تتقدم به السن .
    والرواة يزعمون أن ابن قميئة قال الشعر فى شبابه الأول .
    وإذن فليس امرؤ القيس هو أول من فتع للناس باب الشعر، ولكن ما لنا نقف عند شيء كهذا والرواة يضطربون فيه اضطرابا شديدا ؟ فهم يزعمون أن أول من قصد القصائد مهلهل ابن ربيعة خال امرئ القيس .
    وكان امرأ القيس إنما جاءه الشعر من قبل أمه ومعنى ذلك أن الشعر عدنانى لا قحطانى .
    ومن هنا نشأت نظرية أخرى تزعم أن الشعر يمانى كله ، بدئ بامرئ القيس فى الجاهلية وختم بأبى نواس فى الإسلام .
    فأنت ترى أنا حين نقف عند مسألة كهذه لا تتجاوز العصبية بين عدنان وقحطان ولكن سترى أكثر من هذا بعد قليل .
    قصة عمرو بن قميئة التى يرويها الرواة ليست شيئا قيما، وانما هى حديث كغيره من الأحاديث ؟
    فهم يزعمون أن أباه توفى عنه طفلا فكفله عمه ؟ونشأ
    عمرو جميلا وضئ الطلعة فكلفت به امرأة عمه وتكلمت ذلك حتى إذا غاب زوجها لأمر من أموره أرسلت إلى الفتى، فلما جاء دعته إلى نفسها فامتنع وفاء لعمه وامتناعا عن منكر الأمر، وانصرف .
    ولكنها حنقت عليه وألقت على أثره جفنه ، حتى إذا عاد زوجها أظهرت الغضب والغيظ وقصت على زوجها الأمر وكشفت عن الأثر، فغضب الرجل على ابن أخيه .
    هنا يختلف الرواة، فمنهم من يزعم أنه هم بقتله " فهرب الى الحيرة، ومنهم من يزعم أنه أعرض عنه .
    ومهما يكن من شئ فقد اعتذر الشاب إلى عمه في شعر نروى لك منه طرفا لتلمس بيدك ما فيه من سهولة ولين وتوليد :
    خليلي لا تستعجلا أن تزودا
    وأن تجمعا شملي وتنتظرا غدا
    فما لبثي يوما بسائق مغنم
    ولا سرعتي يوما بسائقة الردى
    ون تنظرا فى اليوم أقض لبانه
    وتستوجبا منا على وتحمدا
    لعمرك ما نفس بجد رشيدة
    تؤامرنى سوءا لأصوم مرثدا
    وإن ظهرت منى قوارص جمة
    وأفرغ من لؤمي مرارا واصعدا
    على غير جرم أن أكون جنيته
    سوى قول باغ كادني فتجهدا
    لعمري لنعم المرء تدعو بخلة
    إذا المنادى فى المقامة نددا
    عظيم رماد القدر لا متعبس
    ولا مؤيس منها إذا هو أوقدا
    وإن صرحت كحل وهبت عرية
    من الريح لم تترك من المال مرقدا
    صبرت على وطء الموالى وخطبهم
    إذا ضن ذو القربى عليهم واخمدا
    ولم يحم حرم الحي إلا محافظ
    كريم المحيا ماجد غير أجردا

    ونظن أن النظر فى هده القصيدة يكفى ليقنع القارئ بأننا أمام شئ منتحل متكلف لا حظ له من صدق .
    وليس خيرا من هذه القصيدة هذا الشعر الذى يقال إن عمرو ابن قميئة أنشأه لما لقدمت به السن يصف به هرمه ضعفه .
    ولعله قاله قبل أن ، يرتحل مع امرئ القيس إلى بلاد الروم .
    ويزعم الشعبي، أو من روى عن الشعبي أن عبد الملك ين مروان تمثل به فى علته التى مات فيها. وهو:
    كأني وقد جاوزت تسعين حجه
    خلعت بها عنى عنان لحامى
    على الراحتين مرة وعلى العصا
    أنوء ثلاثا بعدهن قيامي
    رمتني بنات الدهر من حيث لا أرى
    فما بال من يرمى وليس برام
    فلو أن ما أرمى بنبل رميتها
    ولكنما أرمى بغير سهام
    إذا ما رآنى الناس قالوا ألم يكن
    حديثا جديد البرى غير كهام
    وأفنى وما أفنى من الدهر ليلة
    وما يفنى ما أفنيت سلك نظامي
    وأهلكني تأميل يوم وليلة
    وتأميل عام بعد ذاك وعام

    فنحن نستطيع بعد هذا أن نضيف عمرو بن قميئة إلى صاحبيه الضائعين : (عبيد وامرئ القيس ) ، وأن ننتقل الى مهلهل ، لنرى ماذا يمكن أن يثبت لنا من أمره وشعره .
    فأما أمره فنظن أنه يسير لا سبيل إلى الاختلاف فيه . فيجب أن نبلغ من السذاجة حظا غير قليل لنسلم بما كان يتحدث به الرواة من أمر هذه القصة الطويلة العريضة : قصة اليسوس .
    ونظن ان الاتفاق يسير على أن هذه القصة كد طولت ونمت وعظم أمرها فى الإسلام حين اشتد التنافس بين ربيعة ومضر من ناحية ، وبين بكر وتغلب من ناحية أخرى ؟ وليس مهلهل فى حقيقة الأمر إلا بطل هذه القصة ؟
    فقد عظم أمره وارتفع شأنه بمقدار ما نميت هذه القصة وطول فلها . ولسنا نذكر أن خصومة عنيفة كانت بين القبيلتين الشقيقتين بكر وتغلب فى العصور الجاهلية القديمة ، وأن هذه الخصومة كد انتهت إلى حروب سفكت فيها الدماء وكثرت فيها القتلى ؟
    ولكن أسباب هذه الخصومة ومظاهرها وأعراضها وآثارها الأدبية قد ذهبت كلها ولم يبق منها إلا ذكرى ضئيلة تناولها القصاص فاستغلوها قويا ، ووجدت بكر، تغلب وبيعة كلها حاجتها فى هذا الاستغلال .
    ولم لا ؟
    ألم تكن النبوة والخلافة ومظاهر الشرف كلها لمضر فى الإسلام ؟
    وكيف يستطيع العرب من رييعة أن يؤمنوا لمضر بهذه السيادة وهذا المجد دون أن يثبتوا لأنفسهم فى قديم العهد على أقل تقدير مجدا وشرفا وسيادة ؟ وقد فعلوا : فزعموا أنهم كانوا سادة العرب من عدنان فى الجاهلية : كان منهم الملوك والسادة ، وكان منهم الذين ذادوا القحطانية عن ولد عدنان ، وكان منهم الذين قاوموا طغيان اللخميين فى العراق الغسانيين فى الشام ، وكان منهم الذين هزموا جيوش كسرى فى يوم ذى قار.
    لمضر إذن حديث العرب بعد الإسلام ، ولربيعة قديم العرب قبل الإسلام .
    فإذا لاحظت إلى هذا ما كان من الخصومة الفعلية بين ربيعة ومضمر أيام بنى أمية وما كان من الخصومة الأدبية بين جرير شاعر مضر الذى يقول :
    ان الذى حرم المكارم تغلبا
    جعل النبوة والخلافة فينا
    هذا ابن عمى فى دمشق خليفة
    لو شئت ساقكم الى قطينا

    وبين الأخطل الذى يقول :
    أبنى كليب ان عمى اللذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا نقول إذا لاحظت كل هذه الخصومات لم يصعب عليك أن تتصور كثرة الانتحال فى القصص والشعر.
    حول رييعة عامة وحول هاتين القبيلتين من ربيعة خاصة ، وهما بكر وتغلب .
    على أن بعض الرواة كانوا يظهرون كثيرا من الشك فيما كانت تتحدث به بكر وتغلب من أمر هذه الحروب - ومهما يكن من شئ فليست شخصية مهلهل بأوضح من شخصية امرئ القيس أو عبيد أو عمرو بن قميئة ؟
    وانما تركت لنا قصه البسوس منه صورة هى إلى الأساطير أقرب منها إلى اى شئ آخر ، ومن هنا قال ابن سلام إن العرب كانت ترى أن مهلهلا كان يتكثر ويدعى فى شعره أكثر مها يعمل ، والحق إن مهلهلا لم يتكثر ولم يدع شيئا، وانما تكثرت تغلب فى الإسلام ونحلته ما لم يقل .
    ولم تكتف بهذا الانتحال بل زعمت أن أول من قصد القصيد وأطال الشعر، ثم أحست ما نحس الآن أو أحسه الرواة أنفسهم وهو أن فى هذا الشعر اضطرابا واختلاطا فزعمت ، أو زعم الرواة ، أنه لهذا الاضطراب والاختلاط سمى مهلهل ، لأنه هلهل الشعر. والهلهلة الاضطراب .
    يستشهد ابن سلام على هذا بقول النابغة : " أتاك بقول هلهل النسج كاذب " وليس من شك فى أن شعر مهلهل مضطرب ، فيه هلهلة واختلاط .
    ولكننا نستطيع أن نجد هذه الهلهلة نفسها فى شعر امرئ القيس وعبيد وابن قميئة وكثير غيرهم من شعراء العصر الجاهلى، فقد كانوا جميعا مهلهلا أذن .
    غير أننا لا نستطيع أن نطمئن إلى أن يهلهل شعراء الجاهلية جميعا الشعر بحيث يصبح لكل واحد منهم شخصيات شعرية مختلفة تتفاوت فى القوة والضعف وفى الشدة واللين وفى الأغراب والسهولة .
    وإذن فمن الذي هلهل الشعر؟ هلهله الذين وضعوه من القصاص والمنتحلين وأصحاب التنافس والخصومة بعد الإسلام .
    ويحسن أن نظهرك على شئ من شعر مهلهل لترى كما نرى أنه لا يمكن أن يكون أقدم شعر قالته العرب :
    أل يلتنا بذي حسم أنيري
    إذا أنت انقضيت فلا تحوري
    فإن يك بالذنائب طال ليلى ف
    قد أبكى من الليل القصير
    فلو نبش المقابر عن كليب
    لأخبر بالذنائب اى زير
    ويوم الشعشمين لقرعينا
    وكيف لقاء من تحت القبور
    على أنى تركت بواردات
    بجيرا فى دم مثل العبير
    هتكت به بيوت بنى عباد
    وبعض الغشم أشفى للصدور
    على أن ليس يوفى فى كليب
    إذا برزت مخبأة الخدود
    وهمام بن مرة قد تركنا
    عليه القشعمان من النسور
    ينوء بصدره والرمح فيه
    ويخلجه خدب كالبعير
    فلولا الريح أسمع من بحجر
    صليل البيض تقرع بالذكور
    فدى لبنى شقيقة يوم جاءوا
    كأسد الغالط لجت فى الزئير
    كأن رماحهم أشطان بئر
    بعيد بين جاليها جرور
    غداة كأننا وبنى أبينا
    بجنب عنيزة رحيا مدير
    تظل الخيل عاكفة عليهم
    كأن الخيل ترحض فى غدير

    أليس يقع من نفسك موقع الدهش أن يستقيم وزن هذا الشعر وتطرد قافيته وان يلائم قواعد النحو وأساليب النظم لا يشذ فى شئ ولا يظهر عليه شئ من أعراض الندم أو مما يدل على أن صاحبه هو أول من قصد القصيد وطول
    الشعر؟ أليس يقع فى نفسك هذا كله موقع الدهش حين تلاحظ معه سهولة اللفظ ولينه وإسفاف الشاعر فيه إلى حيث لا تشك أنه رجل من الذين لا يقدرون إلا على مبتذل اللفظ وسوقيه
    ؟ ولكننا لا نريد أن نترك مهلهلا هذا دون ان نضيف إليه امرأة أخيه جليلة التى رثت كليبا- فيما يقول الرواة - بشعر لا ندرى أيستطيع شاعر أو شاعرة فى هذا العصر الحديث أن يأتى بأشد منه سهولة ولينا وابتذالا مع أننا نقرأ للخنساء وليلى الأخيلية شعرا فيه من قوة المتن وشدة الأسر ما يعطينا صورة صادقة للمرأة العربية البدوية .
    قالت جليلة :
    يا ابنة الأقوام ان شئت فلا
    تعجلي باللوم حتى تسألى
    فإذا أنت تبينت الذى
    يوجب اللوم فلومي واعذلي
    إن تكن أخت امرئ ليمت على
    شفق منها عليه فافعلي
    جل عندي فعل جساس فيا
    حسرتى عما انجلى أو ينجلي
    فعل جساس على وجدى به
    قاصم ظهري ومدن أجلى
    يا قتيلا قوض الدهر به
    سقف بيتي جميعا من عل
    هدم البيت الذى استحدثته
    وانثنى فى هدم بيتي الأول
    ورمانى قتله من كثب
    رمية المصمى به المستأصل
    يا نسائي دونكن اليوم قد
    خصنى الدهر برزء معضل
    خصنى قتل كليب بلظى
    من ورائي ولظى مستقبلي
    ليس من يبكى ليوميه كمن
    إنما يبكى ليوم ينجلي

    وقد أعرضنا فى كل هذه الأحاديث عن أسجاع ما نظن أن أحدا يرتاب فى أنها مصنوعة متكلفة .
    ونعتقد أن قراءة هذا الشعر الذى رويناه تكفى لنضيف فى غير مشقة مهلهلا وامرأة أخيه إلى ابن أخته امرئ القيس.
    وقد فرغنا من امرئ القس ومن يتصل به من الشعراء ولكننا لم نفرغ من الشعراء أنفسهم ؛ فلابد من وقفات أخرى قصيرة عند طائفة منهم .
    وستثبت لك هذه الوقفاف أننا لسنا غلاة ولا مسرفين إن خشينا ألا يقتصر الشك على امرئ القيس وشعره .
                  

05-27-2010, 05:36 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22958

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: في الشعر الجاهلي الكتاب الذى أراب العمائم الزيف وبسببه تم انتزاع العمامة الازهرية من طه ح (Re: بدر الدين الأمير)

    Quote: 5- طرفة بن العبد- المتلمس
    وشاعران آخران من ربيعه نقت عندهما وقفة قصيرة هما طرفة بن العبد والمتلمس وانما نجمعهما لأن القصص جمعهما من قبل .
    فقد زعموا أن المتلمس كان خال طرفة.
    ولم يقف جمع القصص بسنهما عند هذا الحد بل قد جمعهما فى الشىء القليل الذى نعرفه عئهما ؛ ذلك أن لطرفة والمتلمس أسطورة لهج بها الناس منذ القرن الأول للهجرة .
    وهم يختلفون فى روايتها اختلافا كثيرا ؟ ولكنا نتخير من هذه الروايات أيسرها وأقربها إلى الإنسان : زعموا أن هذين الشاعرين هجوا عمرو بن هند حتى أحنقاه عليهما، ثم وفدا عليه فتلقاهما لقاء حسنا وكتب لهما كتابين إلى عامله بالبحرين وأوهمهما أنه كتب لهما بالجوائز والصلات ، فخرجا يقصدان إلى هذا العامل .
    ولكن المتلمس شك في كتابه فأقرأه غلاما من أهل الحيرة فإذا فيه أمر بقتل المتلمس ، فألقى كتابه فى النهر، والح على طرفه فى أن يفعل فعله
    فأبى؟ وافترق الشاعران : مضى أحدهما إلى الشام فنجا، ومضى الآخر إلى البحرين فلقي الموت .
    وكان طرفة حديث السن لم يتجاوز العشرين فى رأى بعض الرواة ولم يتجاوز السادسة والعشرين فى رأى بعضهم الآخر.
    وقد كثرت الأحاديث حول هذه القصة وأضيفت إليها أشياء أعرضنا عن ذكرها لظهور الانتحال فيها .
    وغضب عمرو ابن هند على المتلمس حين هرب إلى الشام وأفلت من الموت فأقسم لا يطعم حب العراق واتصل هجاء المتلمس له . والرواة المحققون يعدون هذين الشاعرين من المقلين .
    بل لم يرو ابن سلام للمتلمس شيئا ولم يسم له قصيدة .
    فأما طرفة فقد قال ابن سلام عنه فى موضع إنه هو وعبيد من أقدم الفحول ولم يبق لهما إلا قصائد بمقر عشر.
    واستقل ابن سلام هذه القصائد على الشاعرين وقال إنه قد حمل عليهما حمل كثير. وقد رأيت أنه حين أراد أن يضع عبيدا فى طبقته لم يعرف له إلا بيتا واحدا .
    فأما طرفة فقد عرف له المطولة وروى مطلعها هكذا :
    لخولة أطلال ببرقة ثهمد
    وقفت بها أبكى وأبكى إلى الغد

    وعرف له الرائية المشهورة : " أصحوت اليوم أم شاقتك هر " وعرف له قصائد أخرى لم يدل عليها .
    وقال إنه أشعر الناس بواحدة .
    يريد المعلقة.
    وبين يديلا ديوان لطرفة يشتمل هاتين القصيدتين قصيدة أخرى مشهورة ، وهى :
    سألوا عنا الذى يعرفنا
    بخزازى يوم تحلق اللمم

    ثم مقطوعات أخرى ليست بذات غناء .
    وأنت إذا قرأت شعر طرفة رأيت فيه ما ترى فى أكثر هذا الشعر الذى يضاف إلى الجاهليين ولا سيما المضريين منهم من مكانة اللفظ وغرابته أحيانا، حتى لتقرأ الأبيات المتصلة فلا تفهم منها شيئا دون ان تستعين بالمعاجم .
    ولكنك مضطر أن تلاحظ أن هذا الشعر أشبه بشعر المضريين منه بشعر الربيعيين
    ؟ فنحن لم نجمع شعراء ربيعة عفوا ؛ وانما جمعناهم فيما تحدثنا به إليك فى هذا الكتاب إلى الآن لأن بينهم شيئا يتفقون فيه جميعا ، هو هذه السهولة التى تبلغ الإسفاف أحيانا
    ؟ لا نستثنى منهم فى ذلك إلا قصيدة الحارث بن حلزة .
    فكيف شذ طرفه عن شعراء ربيعة جميعا فقوى متنه واشتد أسره وآثر من الإغراب ما لم يؤثر أصحابه ودنا شعره من شعر المضريين ؟
    وانظر فى هذه الأبيات التى يصف بها الناقة :
    وأنى لأمضى الهم عند احتضاره
    بعوجاء مرقال تروح وتغتدى
    أمون كألواح الأران نصأتها
    على لاحب كأنه ظهر برجد
    جمالية وجناء تردى كأنها
    سفنجة تبرى لأزعر أريد
    تبارى عتاقا ناجيات وأتبعت
    وظيفا وظيفا مور معبد
    تربعت القفين فى الشول ترتعى
    حدائق مولى الأسرة أغيد
    تريع إلى صوت المهيب وتتقى
    بذى خصل روعات أكلف ملبد
    كأن حناحى مضرحى تكنفا
    حفافيه شكا فى العسيب بمسرد

    وهو يمضى على هذا النحو فى وصف ناقته فيضطرنا إلى أن نفكر فيما قلناه من قبل من ان أكثر هذه الأوصاف أقرب إلى أن يكون من صنعة العلماء باللغة منه إلى أى شئ آخر .
    ولكن دع وصفه الناقة واقرأ:
    ولست بحلال التلاع مخافة
    ولكن متى يسترفد القوم أرفد
    فإن تبغنى فى حلقة القوم تلقني
    وإن تلتمسنى فى الحوانيت تصطد
    متى تأتنى أصبحك كأسا روية
    وإن كنت عنها ذا غنى فاغن وازدد
    وإن يلتق الحي الجميع تلاقني
    إلى ذروة البيت الشريف المصمد
    نداماى بيض كالنجوم وقينة
    تروح إلينا بين برد ومجسد
    رحيب قطاب الجيب منها رفيقة
    بجس الندامى بضة المتجرد
    إذا نحن قلنا أسمعينا انبرت لنا
    على رسلها مطروقة لم تشدد
    إذا رجعت فى صوتها خلت صوتها
    تجاوب اظار على , ربع ردى

    فسترى فى هذه الأبيات لينا ولكن فى غير ضعف ، وشدة ولكن فى غير عنف .
    وسنرى كلاما لا هو بالغريب الذى لا يفهم ، ولا هو بالسوقي المبتذل ، ولا هو بالألفاظ قد رصفت رصفا دون أن تدل على شئ .
    وامض فى قراءة القصيدة فستظهر لك شخصية قوية ومذهب فى الحياة واضح جلى مذهب اللهو واللذة يعمد إليهما من لا يؤمن بشيء بعد الموت ولا يطمع من الحياة إلا فيما تتيح له من نعيم برئ من الإثم والعار على ما كان يفهمهما عليه هؤلاء، الناس :
    وما زال تشرابى الخمور ولذتى
    وبيعى وانفاقى طريفى ومتلدى
    إلى أن تحامتننى العشيرة كلها
    وأفردت إفراد البعير المعبد
    رأيت بنى غبراء لا ينكروننى
    ولا أهل هذاك الطراف الممدد
    ألا أيهذا الزاجرى أحضر الوغى
    وأن اشهد اللذات هل أنت مخلدي
    فإن كنن لا تستطيع دفع منيتي
    فدعنى أبادرها بما ملكت يدى
    ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى
    وجدك لم أحفل متى قام عودي
    فمنهن سبقى العاذلات بشربة
    كميت متى ما تعل بالماء تزيد
    وكرى إذا نادى المضاف محنبا
    كسيد الغضا نبهته المتورد
    وتقصير يوم الدجن والدجن معجب
    ببهكنة تحت الخباء المعمد
    >
    فى هذا شخصية بارزة قوية لا يستطيع من يلمحها أن يزعم أنها متكلفة أو منتحلة أو مستعارة .
    وهذه الشخصية ظاهرة البداوة واضحة الإلحاد بينة الحزن واليأس والميل إلى الإباحة فى قصد واعتدال .
    هذه الشخصية تمثل رجلا فكر والتمس الخير والهدى فلم يصل إلى شئ ، وهو صادق فى يأسه ، صادق فى حزنه ، صادق فى ميله الى هذه اللذات التى يؤثرها.
    ولست أدرى أهذا الشعر قد قاله طرفة أم قاله رجل
    آخر؟ وليس يعنيني أن يكون طرفة قائل هذا الشعر.
    بل ليس يعنيني أن أعرف اسم صاحب هذا الشعر؟ وانما الذى يعنيني هو أن هذا الشعر صحيح لا تكلف فيه ولا انتحال ، وأن هذا الشعر لا يشبه ما قدمناه فى وصف الناقة ولا يمكن أن يتصل به ، وأن هذا الشعر النادر من الشعر الذى نعثر به من حين إلى حين فى تضاعيف هذا الكلام الكثير الذى يضاف إلى الجاهليين ، فنحن حين نقرؤه أنا نقرأ شعرا حقا فيه قوة وحياة وروح .
    وإذا فأنا ارجح أن فى هذه القصيدة شعرا صنعه علماء اللغة هو هذا الوصف الذى قدمنا بعضه ، وشعرا صدر عن شاعر حقا هو هذه الأبيات وما يشبهها.
    ولسنا نأمن أن يكون فى هذه الأبيات نفسها ما دس على الشاعر دسا وانتحل عليها انتحالا .
    فأما صاحب القصيدة فيقول الرواة إنه طرفه .
    ولست أدرى اهو طرفة أم غيره ؟ بل لست أدرى أجاهلي هو أم
    إسلامي؟ وكل ما أعرفه هو أنه شاعر بدوى ملحد شاك .
    ولست أحب أن أقف عند القصيدتين الأخريين ، فإن شخصية الشاعر تستخفي فيهما استخفاء وتعود معهما إلى هذا الشعر الذى وقفت عنده غير مرة والذي يمثل مجد القبيلة وفخرها القديم .
    وأكبر الظن أن هاتين القصيدتين كقصيدة الحارث بن حلزة وضعتا فى الإسلام تخليدا لمآثر بكر بن وائل .
    فلندع طرفة ولنصل إلى المتلمس .
    وأمر المتلمس أيسر من أمر طرفة .
    فشعره يعود بنا إلى شعر ربيعة الذى قدمنا الإشارة إليه والى ما فيه من رقة وإسفاف وابتذال.
    ومن غريب أمره أن التكلف فيه ظاهر، ولاسيما فى القافية ، فيكفى أن تقرأ سينيته التي أولها :
    يا آل بكر ألا لله أمكم
    طال الثواء وثوب العجز ملبوس

    لتحس تكلف القافية .
    على أن هذه القصيدة مضطربة الرواية فقد يوضع آخرها فى أولها ، وقد يروى مطلعها :
    كم دون مية من مستعمل قذف
    ومن فلاة بها تستودع العيس

    وللمتلمس قصيدة أخرى ليست أجود ولا أمتن من هذه ، ولعلها أدنى منها إلى الرداءة، وهى التى مطلعها:
    ألم تر أن المرء رهن منية
    صريع لعافى الطير أو سوف يرمس
    فلا تقبلن ضيما مخافة ميتة
    وموتن بها حرا وجلدك أملس

    ويقول فيها :
    وما الناس إلا ما رأوا وتحدثوا
    وما العجز إلا أن يضاموا فيجلسوا

    وربما كانت ميمية المتلمس أجود ما يضاف إليه من الشعر، وهى التى أولها :
    يعيرني أمي رجال ولا أرى
    أخا كرم إلا بأن يتكرما

    وأكبر الظن أن كل ما يضاف إلى المتلمس من شعر- أو أكثره على أقل تقدير- مصنوع ، الغرض من صنعته ، تفسير طائفة من الأمثال وطائفة من الأخبار حفظت فى نفوس الشعب عن ملوك الحيرة وسيرتهم فى هؤلاء الأخلاط من العرب وغير العرب الذين كانوا يسكنون السواد.
    ولا أستبعد أن يكون شخص المتلمس نفسه قد اخترع اختراعا تفسيرا لهذا المثل الذى كان يضرب بصحيفة المتلمس والذي لم يكن الناس يعرفون من أمره شيئا، ففسره القصاص !
    واستمدوا تفسيره من هذه الأساطير الشعبية التي أشرنا إليها غير مرة .
    وهناك شعراء آخرون من ربيعة كنا نستطيع أن نقف عندهم ونلم بشعرهم إلهاما وننتهى فيهم إلى مثل ما انتهينا إليه فى أمر هؤلاء الشعراء ، الذين درسناهم فى هذا البحث القصير.
    ولكنا نكتفي بما قدمنا ؟ فقد ضربنا المثل .
    ويخيل إلينا أنا قد وضحنا وبينا وأزلنا الحجاب عن كل ما نريد أن نقوله فى موقفنا بازاء الشعر الجاهلى .
    ونحن لم نقصد فى هذا الكتاب الى أن ندرس الشعراء ولا الى أن نحلل شعرهم وانما قصدنا الى أن نبسط رأينا فى طريقة درس هذا الشعر الجاهلى وهؤلاء الشعراء الجاهلين
    وقد بلغنا من ذلك ما كنا نريد
    فأما تتبع الشعراء شاعرا شاعرا ودرس شعرهم قصيدة قصيدة ومقطوعة مقطوعة فقد نفرغ لبعضه فى غير هذا الكتاب
    ومهما نفعل فلن نستطيع أن ننهض به وحدنا فى عام أو أعوام ، بل لابد من أن ينهض به معنا الذين يحبون الحق فيسعون إليه ويطلبونه
    على أن نريد أن نختم هذا السفر بملاحظتين :

    ( الأولى ) أن هذا الدرس الذى قدمناه ينتهى بنا الى نتيجة إلا تكن تاريخية صحيحة فهي فرض يحسن أن يقف عنده الباحثون ويجتهدوا فى تحقيقه ، وهى أن أقدم الشعراء فيما كانت تزعم العرب وفيما كان يزعم الرواة أنما هم يمنيون أو ربعيون 0 وسواء أكانوا من أولئك أو من هؤلاء فما يروى من أخبارهم يدل على أن قبائلهم كانت تعيش فى نجد والعراق والجزيرة أي في هذه البلاد التى تتصل بالفرس اتصالا ظاهرا والتي كان يهاجر إليها العرب من عدنان وقطحان على سواء
    وإذا فنحن نرجح أن هذه الحركات التى دفعت أهل اليمن من ناحية وأهل الحجاز من ناحية أخرى الى العراق والجزيرة ونجد ، فى عصور مختلفة لكنها لا تكاد تتجاوز القرن الرابع للمسيح ، قد أحدثت نهضة عقلية وأدبية ، لما كان من اختلاط هذين الجنسين العربيين فيما بسنهما ومن اتصالهم بالفرس
    ومن هذه النهضة نشأ الشعر أو أقل إذا كنت تريد التحقيق ظهر الشعر وقوى وأصبح فنا أدبيا
    وقد ذهب هذا الشعر ولم يبق لنا منه شيء إلا الذكرى ، ولكن لم يكد يأتى القرن السادس للمسيح حتى تجاوزت هذه النهضة أقطار العراق والجزيرة ونجد وتغلغلت فى أعماق البلاد العربية نحو الحجاز فمست أهله 0 ومن هنا ظهر الشعر فى مضر ومن إليهم من أهل البلاد العربية الشمالية 0 فالشعر كما ترى يمنى قوى حين اتصلت القحطانية بربيعة
    ولكنا لم نعرفه ولم نصل إليه إلا حين تغلغل فى البلاد العربية وأخذته مضر عن ربيعة
    ومن هنا نستطيع أن نقول أنا تعمدنا الوقوف ببحثنا عند هذا الحد الذى انتهيا إليه ؛ فلنا فى شعر مضر رأى غير رأينا فى شعر اليمن وربيعة ، لأننا نستطيع أن نؤرخه ونحدد أوليته تقريبا ، ولأننا نستطيع أن نقبل بعض قديمه دون أن تحول بيننا وبين ذلك عنيفة
    وإذا فنحن نستطيع أن نستأنف هذا البحث فى سفر أخر
    وسترى أن الشعراء الجاهلين من مضر قد أدركوا الإسلام كلهم أو أكثرهم فليس غريبا أن يصح من شعرهم شيء كثير
    (الثانية ) أن الذين يقرءون هذا الكتاب قد يفرغون من قراءته وفى نفوسهم شيء من الأثر المؤلم لهذا الشك الأدبي الذي نردده في كل مكان من الكتاب
    وقد يشعرون ، مخطئين أو مصيبين ، بأننا نتعمد الهدم تعمدا ونقصد إليه في غير رفق ولا لين
    وقد يتخوفون عواقب هذا الهدم على الأدب العربي عامة وعلى القرآن الذي يتصل به هذا الأدب خاصة
    فلهؤلاء نقول أن هذا الشك لا ضرر منه ولا بأس به ، لا لأن الشك مصدر اليقين ليس غير ، بل لأنه قد آن للأدب العربي وعلومه أن تقوم على أساس متين
    وخير للأدب العربي أن يزال منه فى غير رفق ولا لين مالا يستطيع الحياة ولا يصلح لها من أن يبقى مثقلا بهذه الأثقال التى تضر أكثر مما تنفع ، وتعوق عن الحركة أكثر مما تمكن منها
    ولسنا نخشى على القرآن من هذا النوع من الشك والهدم بأسا ؛ فنحن نخالف أشد الخلاف أولئك الذين يعتقدون أن القرآن في حاجة إلى الشعر الجاهلي لتصح عربيته وتثبت ألفاظه
    نخالفهم فى ذلك أشد الخلاف لأن أحدا لم ينكر عربية النبى فيما نعرف ، ولأن أحدا لم ينكر أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه تتلى عليهم آياته
    وإذا لم ينكر أحد أن النبى عربي وإذا لم ينكر أحد أن العرب قد فهموا القرآن حين سمعوه ، فأي خوف على عربية القرآن من أن يبطل هذا الشعر الجاهلى أو هذا الشعر الذى يضاف الى الجاهليين ؟ وليس بين أنصار القديم أنفسهم من يستطيع أن ينازع فى أن المسلمين قد احتاطوا أشد الاحتياط فى رواية القرآن وكتابته ودرسه وتفسيره حتى أصبح أصدق نص عربي قديم يمكن الاعتماد عليه فى تدوين اللغة العربية وفهمها
    وهم لم يحلفوا برواية الشعر ولم يحتاطوا فيها ، بل انصرفوا عنها فى بعض الأوقات طائعين أو كارهين ، ولم يراجعوها إلا بعد فترة من الدهر وبعد أن عبث النسيان والزمان بما كان قد حفظ من شعر العرب فى غير كتابة ولا تدوين
    فأيهما أشد إكبارا للقرآن وإجلالا له وتقديسا لنصوصه وايمانا بعربيته : ذلك الذى يراه وحده النص الصحيح الصادق الذى يستدل بعربيته القاطعة على تلك العربية المشكوك فيها ، أم ذلك الذى يستدل على عربية القران بشعر كان يرويه وينتحله فى غير احتياط ولا تحفظ قوم منهم الكذاب ومنهم الفاسق منهم المأجور ومنهم صاحب اللهو والعبث ؟
    أما نحن فمطمئنون الى مذهبنا مقتنعون بأن الشعر الجاهلى أو كثرة هذا الشعر الجاهلى لا تمثل شيئا ولا تدل على شيء إلا ما قدمنا من العبث والكذب والانتحال ، وأن الوجه -إذا لم يكن بد من الاستدلال بنص على نص - إنما هو الاستدلال بنصوص القران على عربية هذا الشعر لا بهذا الشعر على عربية القران

    طه حسين
    18 مارس 1926
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de