ديمقراطيون وكت الفراغ . . حزب سوداني جديد

Quote: ان السودان الذى تبلغ مساحته المليون ميل مربع تقطنه قبائل متعددة ، منها الرئيسي ومنها الفرعي وهى تختلف فى عاداتها وتقاليدها . وبالرغم من أنه من السهل تقسيم السودان إلى عرب وزنج ونتاج ما إختلط منهما ، إلا أن التقسيم الثقافى يتعدد . يقترب ويتباعد بإقتراب وتباعد الحيز الجغرافى لكل منها . وتعدد الثقافات فيه ، إذا كان قد استغل الإستغلال الأمثل من قبل القائمين على أمر الحكم فيه منذ فجر الإستقلال فى عام 1956 ، كان يمكن ان يكون هذا التعدد الثقافى مصدرأ للقوة والمنعة . ولكنهم ولا أستثنى منهم أحدا عملوا على طمس أو محاولة طمس ماهو متأصل ومتعمق فى مجتمعات السودان بحجة التحد يث الذى يتمثل فى إحلال اللغة العربية محل القائم من اللغات معتقدين أن وحدة اللغة هى المكون والضمان للوحدة الجغرافية ! وبطل ماكانوا يظنون! فلغة النوبة فى الشمال ولغة الدينكا والنوير والشلك فى الجنوب ولغة أبناء النوبا فى كردفان ولهجات أبناء الغرب وأبناء الشرق ، هذا الكم الهائل من الموزييك كان من الممكن أن يكون عامل ربط وقوة ، وبالتالى عامل تلاحم للجزئيات ليصبح محركاً لتسخير الإمكانات البشرية والطبيعية لخدمة الصالح العام . ربما يتساءل البعض ، مال البعض يسير عرياً فى زمن الصواريخ والأقمار الصناعية والساتلايت !؟ ونتساءل بدورنا : هل التكنولوجيا حطت على الدول الصناعية من كوكب آخر !؟ هل تهيأ لها البشر أم جاءت من فراغ !؟ ثم أين حق الفرد فى مجتمعاتنا .. أين حقه فى الحياة الكريمة !؟ لن أسأل عن الديمقراطية لأن الحكام فى الدول النامية يعتبرونها مقرونة بنداء " تسقط الحكومة " . علينا أن نتساءل عن مقومات التغيير ، وهل هى متوفرة فى بلد مثل السودان !؟ وهل من الممكن أن يتم التغيير بقرار !؟ إذا كان علماء الإجتماع والأنثروبولوجيا وعلم النفس والإقتصاد وكل العلوم يجيبون بالنفى ، لماذا إذاً حكام العالم الثالث يسارعون فى إتخاذ القرار تلو الآخر وبدون سابق دراسة فى أمور تهم الفرد والجماعة والمجتمع !؟ ولماذا لاتتاح للفرد فى المجتمع المعين فرص المشاركة فى صنع القرار الذى يهمه ، إذا كان هوالمعنى والمستفيد الأول والأخير !؟ قبل أن تأخذنا متاهات الديمقراطية وحق الفرد ، نواصل ماقطعناه عن الكاونارو . بعد الظهيرة فى ذلك اليوم طلب من الجميع إخلاء المكان لتبدأ مراسم الرقص حيث هذا هو النشاط اليومىبعد موسم الحصاد . وبالفعل إخلى المكان وجاء الشباب إلى الحلبة وكل منهم قد طلى ساقه اليمنى وظهره ووجهه باللون الأبيض وكل يحمل حربة بيد وبالأخرى إناء فيه ألوان . جلسوا على شكل دائرة، كل فى حضن الآخر والساق اليمنى ممدة إلى الأمام ، وفى داخل الدائرة وضعت أوانى المريسة . سرعان مابدأ كل شاب برسم صور لحيوانات مختلفة على ظهر الشاب المقابل له . وفى أثناء ذلك كانوا يتسامرون وبين الفينة والأخرى يتناولون المريسة . وبعد أن إكتمل الرسم على الظهر والساق ، هبوا لجمع الأوانى ووضعوها جانباً ثم حمل كل منهم حربته وجلس على ألواح خشبية مثبتة على قوائم . الحراب كانت جميعها فى وضع رأسى. وصل إلى المكان رجل كبير السن وجىء بطبل ضخم وضع أمامه فى ركن من الحلبة . بدأ الرجل فى قرع الطبل والغناء بصوت عال . أخذنى الشاب الذى كان يشرح لى ما يحدث بعد أن خلعت عنى قميصى فأصبحت أنا الوحيد الذى يجلس ونصفه الأعلى فقط عار بخلاف البقية الذين كانوا كما ولدتهم أمهاتهم . فجأة تغير صوت المغنى وتغير الإيقاع وحدث مالم أكن أتصوره . دخل إلى الحلبة فوج مصطف من الفتيات مابين الثانية عشر وأقل من العشرين من العمرعاريات تماماً يتمايلن مع دقات الطبل وكل تحمل فى يدها سوطاً "كرباج" . أخذن يرقصن فى رشاقة متناهية .. كل منهن طلت جسدها بلون واحد منه الأحمر والأصفر والبرونزى والأزرق والأخضر من قمة الرأس إلى أخمص القدمين والجسد كله مدهون بالزيت فتكونت لوحة يعجز أن يصورها فنان .. الخالق فقط هو الذى منح لتلك الأجساد روعتها ورونقها وكمالها وجمالها ، وهو الذى له القول الأول والآخر! تضاربت عدة أسئلة فى رأسى ، من أين كل تلك الألوان وكيف أن تلك الأجساد المتمايله فى تيه ودلال لاتثير الجالس من الشباب !؟ إنقطع حبل أفكارى مع توقف القرع على الطبل وهرولت الفتيات فى مجموعات نحو الشباب من الجالسين ، فى مجموعات يقفن أمام شاب من الشباب كل على قدم واحدة وترفع الساق الأخرى وتضعها على كتف الشاب وبكلتا يديها تمسك بالسوط وتقذف بذراعيها إلى أعلى خلف رأسها . تفحصت الشباب لأرى ردة الفعل لربما أحدهم يرتكب حماقة تحت وقع الإثارة الجنسية ! عجباً ، ما كان من كل واحد منهم إلا وأن غض الطرف ! ومع نقرة معينة من الطبل يهرولن راجعات إلى منتصف الحلبة . ويتوقف الغناء . كل شاب حاز على إعجاب العدد الأكبر من الفتيات يقف ثم يتقدم قليلاً إلى داخل الحلبة ويبدأ فى الصياح مقلداً ملك الغابة ثم يعود إلى مكانه . أما الشاب الذى تكون حصيلته أقل فيخرج من الحلبة مكسور الخاطر . ويبدأ قرع الطبل والغناء مرة أخرى وتعاود الفتيات الكرة ويتكرر الحدث إلى أن يتبقى فى الحلبة شاب واحد تجتمع من حوله كل الفتيات فيصبح هو فارس ذلك اليوم . الجدير بالذكر هو أنه فى إحدى المرات هرولت مجموعة من الفتيات نحوى، وقبل أن أنعم بوضع سيقانهن على كتفى غير الرجل إيقاع الطبل وعلى إثر ذلك هرولن راجعات إلى منتصف الدائرة الشىء الذى جعلنى أصب اللعنات خفية على الرجل هادم اللذات ! وتعجبت من فهم الفتيات للغة الطبل ورمزية السكون ! توقف أيقاع الطبل مع مغيب الشمس وذهب ذلك الشاب فارس يومه يرقص فى منتصف دائرة الفتيات فى موكب هو الجمال بعينه . أسرعت إلى قارع الطبل " هادم اللذات " كى أعاتبه على فعلته وقبل أن أفتح فمى رفع كفه نحوى وكأنه يقول لى لاتفتح فمك بكلمة وبادرنى قائلاً : يا ولدى الزيك ده كان إنجلد وضحكت عليه العالمين . سألته على عجل ، لماذا !؟ وكان أن أجاب قائلآً : يا ولدى شفت السيطان الفى إيدين البنوت دى كلها كان وقعت فيك ضرب . وجدنى أنظر إليه منتظراً إجابة أوضح فأردف قائلاً : ياولدى .. نحنا ماعندنا زول بعاين ل "..." بنيه ، السوط الشايلاهو كل واحده منهن عشان تضرب بيهو البعاين .. وعشان كدى ياولدى كل واحد من وليداتنا لمن تقرب منو بنيه بدنقر راسو .. الإحترام واجب ياولدى . وواصل قائلآً : أنى كنت بعاين ليك قوى وشايف عويناتك كانت ماشيه وين فشان كدى وقفتهن قبل مايلحقوك ! جمدت فى مكانى وأنا أستمع لما قاله .. لقد غير إيقاع الطبل خشية أن يطالنى سوط كل واحدة منهن وأنا الذى لم يكن يجد تفسيراً لما يفعله الشباب عندما يضعن الفتيات بسيقانهن على أكتافـهم ! يالعظمة التقاليد .. هذا البعد من الإدراك لم يتوصل إليه سكان المدن . نحن نفسر الظواهر حسب المفهوم الثقافى للفرد منا وبذلك نحكم على الظواهر سلباً أو ايجابا حسب محصلة تجاربنا وذلك ما يوقعنا فى دائرة الخطأ . عندما تجولت بالمنطقة لاحظت الكثير من الحفر وعلى فوهة كل حفرة كومة من أغصان الشجر الشوكية وتساءلت عن لماذا يخزنون العيش " الذره " تحت الأرض !؟ وكانت المفاجأة أن جاءنى الرد : هذا ليس عيش ولكنها قبور موتانا ، نحن لاندفن الموتىكما يدفن الجلابه ، حيث أن الجلابه يحفرون للميت ثم يحفرون حفرة جانبية " ود الأحد " ثم يضعون الحجارة لإحكام الحفرة الجانبية ثم يهيلون التراب عليه ، نحن ندلى الميت فى الحفرة واقف على قدميه ثم نضع الشوك كى لايأكله المرفعين ، وعند الآخرة " يوم القيامة " لامن الجلابى يحفر ويمرق من حفرتو يكون زولنا قطع مسافه ! ياله من تفسير يتماشى مع العقل ! تعلمت من يومى ذاك مالم اتعلمه من كل المطبوعات التى قرأتها ولا كل دور العلم التى إلتحقت بها. عندما يصبح العرى قيمة ، عندها تتكسر كل التعليمات والتوجيهات حتى وإن كانت صادرة عن رئيس الجمهورية . فى ذات يوم ، فى بداية التسعينيات من القرن الماضى ،عندها كنت فى مدينة هيوستن بولاية تكساس جاءنى أحد الأصدقاء فرحاً قائلاً : الرئيس البشير غير إسم قريتنا . قلت متسائلاً غيرها لأى إسم !؟ قال : من "عد الغنم " إلى " عد الفرسان". سألته : أليس العد هو مشرب للبهائم !؟ صمت ولم أسمع منه حتى تاريحه ! عندما يشطح الرئيس ، هل يقف من وراء ذلك نفر من الجن ، أم أبالسة من البشر " المستشارين " يزينون له الباطل مؤكدين له انه الحق !؟ وهل فى الإمكان معرفة أولئك الأبالسة من الذين أوقعوا الرؤساء فى شر أعمالهم !؟ وهل لنا أن نحصى اليوم كم عدد أولئك الأبالسة !؟ .. أعينونى يرحمكم الله .