ديمقراطيون وكت الفراغ . . حزب سوداني جديد

Quote: إسمحوا لى أن أعود بكم قليلآ إلى الماضى . والسبب فى العودة إلى الماضى ماهو إلا محاولة منا فى البحث عن تفسير أو مبررات لأحداث مرت ولكنها تركت علامات إستفهام لازالت تبحث عن إجابة . سنحاول هنا ربط الماضى بالحاضر لنتمعن فى أصل المصيبة التى مر ويمر بها السودان ! الماضى الذى أنا بصدده هنا ليس هو الماضى السحيق الذى ربما غطته جحافل خيول المهدية أو مدافع المستعمر فى زحفه إلى الخرطوم وبقية أنحاء البلاد . الماضى هو بداية السبعينيات من القرن الماضى والمكان هو جبال النوبا فى منطقة غرب السودان جنوب ما كان يعرف بمديرية كردفان . عندما قام الإنقلاب العسكرى بقيادة جعفر نميرى فى 25 مايو 1969 وبدأ رجالات الثورة "الإنقلاب " فى تنفيذ برامجهم التنموية تحت شعار " أبنى وعمر " ، وكان الهدف أن يشارك الجميع فى عمليات البناء والتعمير . ولكى يتم التلاحم بين رجالات الثورة وبقية الشعب السودانى، بدأ النميرى وصحبه فى القيام بزيارات ميدانية لبعض مناطق السودان ، نال غرب السودان القسط الأوفر منها . أشار الكاتب المصرى يوسف الشريف فى كتابه " السودان . وأهل السودان .. أسرار السياسة وخفايا المجتمع " الذى صدر فى عام 1996 عن دار الهلال ، إلى مصاحبته للرئيس نميرى فى شتاء عام 1970 فى جولة إلى غرب السودان كتب " كانت عتمة الليل قد أسدلت ستائرها ونحن جلوس فى خيمة نميرى نشرب الشاى والقهوة السودانية المغلية فى دوارق صغيرة من الفخار قبل أن ننصرف إلى النوم فى الخيام التى أعدت للضيوف .. حين وقف شيخ القبيلة موجهاً حديثه إلى قائلآ : قم يامصرى الليلة ليلة عرسك !؟ ولم أفهم فى البداية معنى ولا مغزى عبارته .. لكننى فوجئت بالرئيس نميرى وأعضاء مجلس الثورة يضحكون ويستحثوننى على الإستجابة للدعوة الكريمة .. وعندئذ بدأ شيخ القبيلة يشرح الأمر قائلآ : لقد سمعتك تسأل عن تقاليد الزواج فى قبيلتنا ... انظر – مشيراً بسبابته بعيداً – هناك فى هذه الخيمة تنتظرك فتاة جميلة عمرها 17 عاماً .. اذهب إليها فإذا نالت لديك القبول زوجناها لك الآن .. لانطلب منك مهراً ولا فراشاً .. المأزون جاهز لعقد قرانك وشاهدى العقد الرئيس نميرى وأى رجل آخر تختاره ... قررت الإعتذار لشيخ قبيلة (..... ) ..شاكراً له حسن ثقته وهذا التكريم الذى إختصنى به ...لكن نميرى لم ينس لى هذا الموقف الذى إعتبره ماساً بكرامته الشخصية كونى خذلته ...وراح يحكى فى جلساته الخاصة بإعتبارى جـبان .. " ص 57 ،58 . أسوق ما سبق كدلالة على عبقريات من حكم السودان 16 عاما وأضيف أن فى تجوال نميرى فى منطقة جبال النوبا فى بداية السبعينيات زار ومن معه منطقة الكاونارو ( مكونة من جبال ثلاث هى : كاو – نارو – فنجر ) . سكانها يسيرون عراة كما ولدتهم إمهاتهم وحتى بدون قطعة قماش لستر ما نسميه نحن بالعورة . المهم فى الأمر هو أن صادف وصولى وفريق البحث المرافق إلى مدينة كادوقلى اليوم الثالث لمغادرة نميرى وصحبه تلك المدينة . كان الهدف من زيارتنا للمدينة هو جزء من خطة العمل المقصود منها إجراء مسح إجتماعى وإقتصادى لمنطقة جبال النوبا . فى اليوم التالى لوصولنا المدينة جاءنى من يخبرنى بأن سيادة المحافظ يطلب مقابلتى . وبالفعل ذهبت إلى مكتب المحافظ محمود حسيب "رحمه الله " الذى قابلنى بترحاب قائلآ : كيفكم ياناس الخرطوم ؟ وفى أثناء تناولنا للشاى قال : لقد تسلمت إشاره من مكتب سيادة الرئيس جعفرنميرى يطلب فيها " تململ فى جلسته " أن نرسل ملابس لكسوة قبيلة الكاونارو .. واردف قائلآ : يظهر أنه فى رحلته الأخيرة قد شاهدهم عراة . قلت : لكن سعاتك بحكم معرفتى بالمنطقة وسكانها ، أن الكاونارو عراة لأنهم يرغبون فى ذلك .. هذا هو أسلوب حياتهم ولايمكن تغيير ذلك بإرسال ملابس لهم ! رد قائلآ : يا أخى أنا عارف لكن خلينا ننفذ الأوامر وبعدين لبسوا وله مالبسوا على كيفهم !! إستفسرت عما هو مطلوب منى !؟ سأ ل : عندكم كام عربه ؟ أجبته : ثلاثة .. كومر وإثنين لاندروفر . قال : خلاص نضيف ليهم كومر تانى نملأهم قماش دموريه . قلت : سيادتك الكاونارو يحتاجون إلى دراسة متأنية معها يمكن خلق حاجة لهم تماماً كما حدث فى أبوجبيهه " مدينة لاتبعد كثيراً عن منطقة الكاونارو " تساءل: ماذا حدث فى أبوجبيهه !؟ قلت : فى أبو جبيهة أصدرت السلطات المحلية قانوناً يحرم دخول العراة إلى المدينة وبالطبع لحاجة الكاونارو للبيع والشراء فى سوق مدينة أبوجبيهة كان القادم إلى السوق منهم يرتدى سروالآ وبعد أن يخرج من المدينة يخلعه ويضعه على رأسه ويذهب إلى أهله عارياً . قال المحافظ : أعلم ذلك ولكن علينا تنفيذ ماطلبه سيادة الرئيس ! أخبرته بأننا سنفرغ من مسح مدينة كالدوقلى وماجاورها فى خلال بضعة أيام بعدها سنتوجه إلى منطقة الجبال الشرقية ، عندها سنأخذ معنا الأقمشة ! قال : سنجهزها إنشاء الله فى خلال يومين . خرجت من مكتب سيادة المحافظ أحمل علامات إستفهام كبرى حول رئيس الدولة الذى يمر موكبه بمنطقة ما فيفسر الظواهر حسب هواه أو هوى من يفكر نيابة عنه ويرفع له بالتوصيات ! كل العذر للأجنبى الذى يحل ببلد ما ويفسر الظواهر حسب خلفيته الثقافية التى تشرب منها ، أما إذا كان من يفسر الظاهرة مثل مافى حالة الكاونارو أحد أبناء السودان فهذه مصيبة ، ولكن أن يأتى ذلك من رئيس الجمهورية فالمصيبة أعظم ! بعد أن فرغنا من إجراء المسح على كادوقلى وضواحيها والمناطق المجاورة مثل ميرى جوه وميرى بره ودلامى وعبرى ، حملنا العربات بكميات من قماش الدمورية وتوجهنا إلى منطقة الكاونارو . عندما وصلنا إلى مشارف القرية ظن البعض أن الحكومة قادمة إليهم مرة آخرى . خرج أهل المنطقة مستقبلين والأطفال يسابقون السيارات والكبار من نساء ورجال ينظرون وينتظرون لمعرفة هوية القادمين إليهم . توقفنا نسأل عن المسئول أو شيخ القرية . تقدم أحدهم وهو على مايبدو فى العقد الثالث من العمر و فى لغة عربية سليمة قال : أهلآ وسهلآ.. إتفضلوا فى الخلوة " مكان الضيافة " . تقدمنا إلى أن وصلنا للخلوة وهى عبارة عن أعمدة بسقف من القش فى شكل مستطيل وهناك مقاعد من خشب الدليب . المكان نظيف جدأ . أشاروا علينا بالجلوس فجلسنا وسرعان ما مرروا علينا أوانى مملوءة بالماء فشربنا " تقديم الماء هو نوع من كرم الضيافة" وبعد قليل جاؤا بأوانى المريسة فشرب منها البعض . لعلمى المسبق بأن رفض مايقدم لك يعتبر نوعأ من الإهانة والتقليل من الشأن مررت بسرعة إناء المريسة " كورة المريسة" إلى الجالس بجوارى محاولأ إيهام الشخص على أننى منهمك فى الحديث ولا أرغب قطع الحديث بشرب المريسة . فطن إلى ذلك محدثى فإبتسم وهو يقول : كتير من الجلابه مابشربوا المريسه . إبتسمت وواصلت الحديث . مايلفت النظر حقأ أن جميع ممن همو أقل من الخمسين من العمر لايرتدون أى نوع من الملابس ، عراة تمامأ ، حتى النساء إلا كبار السن . هذا العرى من ورائه فلسفة تقول بأن الخالق الذى منح هذا البدن من جمال فى الصنع لابد أن تكون من وراء ذلك حكمة لايجب إخفاؤها ، فهذا الجسم الأبنوسى ماخلق إلا للتباهى به . عندما عرف محدثى ماجئنا من أجله ضحك وضحك إلى أن ترقرق الدمع فى عينيه ، ثم قال: جايبين لينا دموريه عشان نلبس !؟ قهقه واردف قائلأ : يا أخى أنا القدامك ده ما شايفنى عريان كيف .. أنا كنت بشتغل عند باباكوستا " مخبز فى شارع الجمهورية " فى الخرطوم وكنت باخد ماهيه خمستاشر جنيه وكان عندى عجله جديده ، خليت كل ده عشان عيشتكم ماعجبتنى " ضرب كفاً بكف " .. خلينالكم اللبس هناك جيتم لاحقننا هنا عشان تلبسونا !؟ "أضاف " إنتو ناس البحر ديل لاترتاحو ولاتريحو ! لمن لم يحضر زمن باباكوستا . كان باباكوستا هو المخبز الوحيد المتخصص فى صناعة الخبز الفرنسى الذى كانت تتهافت عليه الجموع أثناء ساعات النهار وبلغ صيته معظم أرجاء السودان وكان يضرب به المثل حيث أن كانت الفتاة الجميلة الرشيقة القوام يمثلونها بقولهم " رشيقه وسمحه وتشبه رغيف باباكوستا " . إلتفت الشاب إلى من إجتمع حولنا من أهل القرية وخاطبهم باللهجة المحلية ، شارحاً الهدف الذى جئنا من أجله . كان الشاب يقاطع من الحاضرين بالضحك والتعليقات . أخيراً وهو يغالب الضحك قال : نزلوا الدمورية .. الليله الحلة كلها تصفى مريسه ! وبها ، ان قماش الدموريه الذى زودنا به محافظ مديرية جنوب كردفان لن يستخدم فى ستر عورة الكاونارو بل سيستخدم فى تصفية المريسة . وبهذا يكون رئيس الجمهورية جعفر نميرى قد برهن على عشوائية قراره وقصر نظر فى تفسيره للظواهر !

. . اها سكة واحدة بس للتعرف على السودان الشغيغ دا . . مضنية و عسيرة جداً

الرقيب الالكتروني عذبنا ذاتو يشخت ساااي . . رجعت كلمة " جـبان " كما بالنص الاصلي

(عدل بواسطة قيقراوي on 05-31-2010, 11:05 PM)
(عدل بواسطة قيقراوي on 05-31-2010, 11:16 PM)