نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
محطة المظلة ...
|
تبقى محطات الإنتظار كلافتة إندثرتْ معالمها .. تقف بمحطة البص غير بعيدة عن المظلة و هي تتأبط كتباً و دفاتر دون حقيبة .. تنتظر ( البص ) بإتجاه مدرستها الجديدة .. تنبثق أفكار مشوشة عن الطريق و ركاب المركبة و زميلات المدرسة. تتحسس ( ضفائر شعرها ) للتأكد من ثباتها.. و تتحسس مصروفها في جيب زيها المدرسي.. تحشر جسدها النحيل بين الركاب و تجلس مبهورة .. تبحلق من النافذة تراقب بيتهم و هو يبتعد رويداً رويداً يدخل مرمى بصرها منظر آخر.. ها هي الأيام تلوك تروس حياتها الرتيبة و تمضغها بين طياتها لتلفظها في صفحة جديدة من صفحات الحياة .. يتداعى إيقاع حياتها منذ أن عرفتْ هذا الشارع و قبل أن تقوم المظلة منتصبة في منتصف الشارع .. تقطع الشارع مسرعة و هي تتلفت يمنة و يسرة عملاً بنصيحة أمها .. لم تكن تعلم بأن مظلة ( المحطة ) هذه ستكون جزءاً من حياتها يوماً .. بل و ستشكل إطار أيامها القادمات. تعتبرها كبيت العرس .. يجتمع الناس .. مثرثرين .. ثم تختفي كل الشخوص .. و لا يبقى منها ما يحفز الذاكرة لإسترجاعها .. تتعفر ساقاها بتراب السابلة و العربات .. مشاويرها بين بيتها و بين ( الدكان ) و ( الطاحونة ) و ( الفرن ) يجعلها تمر جيئة و ذهاباً على الواقفين في إنتظار البص. يتصالح لون بشرتها مع لون الشارع .. تنزلق كل حبات الغبار تحت مياة ( الماسورة ) التي تتوسط الحوض في فناء منزلهم .. تطأ بقدميها الحافيتين حبات الحصى هنا و هناك .. غير عابئة .. تتقافز و كأنها تلاعب صديقاتها لعبتهن المفضلة .. تقف متفرجة على تزاحم الواقفين للصعود على متن ( البص ) المتهالك .. بفضول زائد تتوقف لتعرف من ينزل من البص .. ( حجة سعاد .. شايلة قفة ) ( قريب ناس نهلة شايل كيس فواكه ) ( عمة صاحبتي نوسة المجنونة نازلة تحدث في روحا ) و تراجع أسماء الأطفال في سرها .. تلَوِّح غير مبالية عندما يوليها البص ظهره نفس الوجوه كل يوم على محطة ( المظلة ) .. ( عم سالم ) بحذائه الرخيص تتسلل منه موجات الحرارة من سطح الأرض الملتهبة بأشعة الشمس التي ما فتئتْ ترسل لهيبها منذ بواكير الصباح .. يتصبب عرقاً لا يفلح منديله القطني القصير من جلْب الهواء المعدوم أصلاً . يقف وحيداً في إنتظار ( البص ) الذي لا تبدو أي بارقة أمل في وصوله.فيستند على حافة المظلة الأسمنتية .. تلسعه حرارة الإسمنت فيبتعد عنها ينظر إلى جهة قدوم البص كمن يبحث عن مواساة بالبحلقة بعيداً..
يرفع رَجُلُ تكتنف أساريره موجة من القلق رأسه إلى ما تبقى من المكتوب على طرف المظلة : ( مظلة المرحومة الحاجة …………… ) و يتمتم بكلمات غير مسموعة و كأنه يترحم على روحها .. تلاشتْ بقية الحروف ..تماماً كدعوات الذين يقفون يومياً تحت المظلة إتقاء الهجير و القيظ .. فهي قد إندثرتْ منذ أن واروا جثمانها الثرى و نفضوا أيديهم عند الإنتهاء من تدشين هذه المظلة ..
( حاجة أمينة ) تحمل ( قفة ) فارغة .. و بيدها اليمنى ( مطْبقة ) تطبق عليها بقوة بيدها اليسرى... نفس الوجوه تتْرَى على المكان .. الغريب عن المكان يبدو كالوشم في ظاهر اليد.
عجوز تتسارع وتيرة ما بين ( سفته ) الملفوظة و إخراج كيس ( الصعوط ) ليرمي بأخرى أسفل لسانه ..
سقف المظلة لا يقي من زخات المطر المتلاحقة .. لا ينقذهم إلا قدوم ( البص ) يطلق صافرة كأنها آتية من جسم آخر .. يتمايل و كأنه سيرتاح طويلاً في ظل المظلة الذي لا يكفى الواقفين. أحكمتْ رباط الحزام و تأكدتْ من لمعان الحذاء .. تفرستْ في الوجوه .. لا غريب إلا شاب واحد تعتقد أنه يسترق النظر إليها .. ظلتْ تسمع يوماً بعد يوم صوتاً كانت تتخيله شخصاً يراجع دروسه هنا في العراء .. أو كمن يقرأ من ( جريدة ) .. لا تعير الصوت إهتماماً .. و لكنه كان كالذي يُلح عليها بأن تلتفتْ لترى المصدر .. بحذر إلتفتتْ نحو مصدره ... فوجدته يبتسم لها و يكرر نفس الكلمات .. تفحصته بسرعة من قمة رأسه إلى أخمص قدميه .. كان متأنقاً رغم ملابسه الرخيصة.. يعج شعر رأسه بسائل لامع .. ينحدر سائلاً قليلا على جبهته بفعل الشمس. فإيتسمتْ و هي تتذكر بقايا زجاجة ( الكريم ) الفارغة التي دلقتْ بداخلها بعض الماء هذا الصباح ليجود عليها ببعض ما تعلق بأركانه التي لعقتها أصابعها يوماً بعد يوم.. تمادى الشاب قليلاً .. فرمى لها بورقة جرفتها نسمة هواء مباغته بعيداً .. فتبعها بناظريه و هو يتحاشى نظرات الواقفين الممتعضة.. وجدته يوماً جالساً بقربها مبهور الأنفاس في مقعد البص..لا يكاد يجرؤ على النظر في عينيها .. عندما حاول أن يدفع عنها ثمن التذكرة عاجلت ( الكمساري ) بالثمن بنظرة إحتجاج صامتة .... فلامست ذراعها وجهه .. أحستْ بإنتفاضته و تبعثر كيانه .. و العرق يتصبب منه ليبلل ياقة القميص .. و يزدرد ريقه ... نهضتْ .. فأفسح لها المكان و هو لا يجرؤ على النظر إليها .. إنزلقت هابطة في محطة وُجْهَتها .. و هي تكتم ضحكة تعربد بدواخلها .. ظلت المحطة كما هي .. و الباص يلفظ فوجاً من البشر و يبتلع في جوفه كتلاً أخرى من الركاب .. و الشاب في حيرة بسبب غياب الفتاة كل هذه المدة. لا يدري من يسأل .... تقدم من العجوز .. و سألها بصوت خفيض : البت ال كانت بتمشي المدرسة كل يوم .. غايبة ليها كم يوم .. إن شاء الله هي بس طيبة ؟ رمقته العجوز و هي تصلح من طرف ثوبها و قالت بإمتعاض : وكت إنت شفقان عليها ما تمشي تسأل عليها في بيتا..؟؟؟ و لم تكمل .. و رمته بنظرة جعلته لها مغزى ، يتراجع إلى الخلف يلوك حيرته و إمتعاضه... البص يتهادى متمايلاً كعادته ... يلفظ و يبتلع .. تتسارع بقايا أوراق من الصحف القديمة و أكياس النايلون على أسفلت الشارع المتآكل .. يقف بعضها ليرتاح بالقرب من الكتل البشرية المتراصة في لا مبالاة و تواصل البقية ركضها كأنها على موعد في مكان آخر.. يمر ( لوري تراب ) فيهيل على الواقفين زخات من ( السفاية ) .. و تمرق عربة مكشوفة يتكدس بصندوقها عدد من أفراد الشرطة يرمقهم المنتظرون بنظرة خاوية لا معنى لها .. بين مرور عربة و أخرى .. يخيم صمت مطبق .. كلٌّ غارق في دنياه و أمورها .. تتهادى سيارة فارهة تسير على مهل و كأنه متعمَّد .. إنفتح زجاج السيارة مع هبة هواء ساخنة من السموم .. ذكرته بالورقة التي رماها لفتاته .. لمحها على مقعد السيارة .. هي بعينها .. رمته بنظرة سريعة و سرعان ما تحولتْ مبتسمة إلى سائق العربة الفارهة .. أحس بأن سقف المظلة قد إمتد ليغطي الشارع كله .. و أنه هو الوحيد الواقف في المحطة .. تبعها بعينيه بنظرة بلهاء .. حتى توارت عن الأنظار .. إنتابه شعور لا هو بالغضب أو الإمتعاض .. و دخل في نوبة خواء شامل... أحس بأن أحداً يتفحصه خلسة .. فإلتفت .. ليرى العجوز التي سألها عنها تنظر إليه و في عينيها سؤال يكاد يفصح عن نفسه ... عندما أتى البص .. كان أول المندفعين إلى داخله يشق صفوف الزحام ..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
محطة المظلة ... | ابو جهينة | 10-31-06, 03:55 AM |
Re: محطة المظلة ... | انعام عبد الحفيظ | 11-08-06, 06:33 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-08-06, 09:02 AM |
Re: محطة المظلة ... | انعام عبد الحفيظ | 11-08-06, 09:38 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-11-06, 03:35 AM |
Re: محطة المظلة ... | عمر الفاروق | 11-11-06, 04:06 AM |
Re: محطة المظلة ... | معتصم دفع الله | 11-11-06, 04:37 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-12-06, 05:06 AM |
Re: محطة المظلة ... | أبو الحسين | 11-11-06, 04:41 AM |
Re: محطة المظلة ... | garjah | 11-11-06, 04:45 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-14-06, 02:18 AM |
Re: محطة المظلة ... | عمر الفاروق | 11-11-06, 05:25 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-11-06, 05:39 AM |
Re: محطة المظلة ... | عماد محمود علي | 11-11-06, 06:19 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-14-06, 04:25 AM |
Re: محطة المظلة ... | بدرالدين شنا | 11-12-06, 07:23 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-13-06, 05:23 AM |
Re: محطة المظلة ... | دورنقاس | 11-14-06, 02:37 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-18-06, 03:45 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-15-06, 07:18 AM |
Re: محطة المظلة ... | mamkouna | 11-14-06, 02:49 AM |
Re: محطة المظلة ... | Mohamed Abdelgaleel | 11-14-06, 04:02 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-19-06, 05:05 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-18-06, 01:49 PM |
Re: محطة المظلة ... | Ishraga Haimoura | 11-14-06, 05:10 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-20-06, 04:37 AM |
Re: محطة المظلة ... | Haytham Abdulaziz | 11-14-06, 12:24 PM |
Re: محطة المظلة ... | Mutwali Malik | 11-14-06, 12:40 PM |
Re: محطة المظلة ... | عبد الحميد البرنس | 11-18-06, 02:05 PM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-22-06, 07:57 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-21-06, 04:08 AM |
Re: محطة المظلة ... | محمد فرح | 11-22-06, 09:49 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-25-06, 06:59 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-26-06, 03:12 AM |
Re: محطة المظلة ... | ابو جهينة | 11-27-06, 03:03 AM |
|
|
|