محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 00:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبدالله الشقليني(عبدالله الشقليني)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2007, 01:56 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48748

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التقليد!! والأصيل!! والأصلاء!! (Re: عبدالله الشقليني)

    بعد عدة أشهر من جلسة "الأصيل الواحد" التي نقلت تسجيلها وبعض مادتها مكتوبة خرج كتاب "التقليد!! والأصيل!! والأصلاء" ليشرح المسألة للقراء من غير الجمهوريين.. فصدرت طبعته الأولى في يوليو 1982 والثانية في أغسطس 1982..




    Quote: الأخوان الجمهوريون




    التقليد!!
    والأصيل!!
    والأصلاء!!





    الطبعة الثانية
    اغسطس 1982 ذو القعدة 1402



    الإهداء:
    إلى الذين يتطلعون إلى تحقيق ذواتهم!!
    ويحلمون باكتشاف مواهبهم!!
    وبتحقيق أصالتهم، وفردياتهم!!
    إلى الذين يريدون تفجير طاقاتهم الكامنة!!
    الإسلام هو السبيل!!
    فالزموه.. باتباع قدوة التقليد!!
    الزموه بتقليد النموذج الكامل للأصالة، ولتحقيق الذاتية
    النبي المعصوم!!
    ابعثوا سنته فيكم، تجدوا أنفسكم!!


    بسم الله الرحمن الرحيم
    (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون)..
    صدق الله العظيم

    المقدمة:
    هذا كتاب نصدره عن الأصالة، وعن الأصيل.. وموضوع الأصالة والأصيل، موضوع كثيرا ما ورد في كتاباتنا، وفي أحاديثنا.. وهو موضوع شديد الأهمية، إذ عليه يقوم أمر الدين كله، وبه تتحقق الكمالات الإنسانية.. والأصالة ببساطة تعني الفردية، تعني تحقيق الذاتية.. وهذا معنى مستخدم في حياتنا اليومية، عندما نتحدث عن الشاعر الأصيل، أو الفنان، أو الأديب الأصيل، نعني صاحب الموهبة، المبدع غير المقلد.. ولكن الأصالة في الفهم الديني أعمق من هذا الفهم المتداول بكثير، وإن كانت لا تختلف عنه في التصور العام.. ففي الفهم الديني كل فرد بشري هو صاحب أصالة، صاحب فردية، أو قل صاحب مواهب ذاتية، يختلف فيها عن سائر البشر الآخرين، وكماله إنما يكون باكتشاف هذه المواهب، وتفجيرها، حتى تعبر عن نفسها تعبيرا سويا، يثري حياته، وينميها، ويثري حياة الجماعة.. فقيمة الفردية في الفكر، وفي الدين، قيمة واضحة، بصورة تكاد تكون بديهية، فلا يمكن لإنسان عاقل أن يعتقد أن الأصيل هو مثل المقلد، أو مثل الشخص الفاقد لذاتيته..
    ونحن في وقتنا الحاضر، نعيش في وقت تطورت فيه الحضارة الغربية المادية تطورا هائلا، في المجالات العلمية والتكنولوجية.. ولكن هذا التطور، رغم أنه قدم للبشرية خدمات جليلة، إلا أن له آثارا سلبية، كثيرة وخطيرة.. ومن أهم هذه الآثار السلبية أن الإنسان المعاصر، تحت ظروف الحضارة المادية القائمة والفلسفات التي توجهها، قد فقد ذاتيته، فقد أصالته، وسط زحمة مجتمع الإنتاج والإستهلاك الكبير، مجتمع المدن الكبيرة، مجتمع الجماعات الكبيرة والمنظمة، و المزودة بالوسائل العلمية التي بها تطوع الفرد لنظامها.. ولذلك، ورغم التطور المادي الهائل، فقد أصبح الإنسان المعاصر يشعر أنه قد فقد نفسه في سبيل تحقيق هذا التطور، فأصبح مجرد سِنَّة في دولاب المجتمع الكبير، ومجرد تابع للآلة التي اخترعها لتخدمه، فإذا به يصبح عبدا لها يخدمها، ويلهث وراء إنتاجها.. بل أن التطور العلمي عندما أصبح يستخدم في مجال التسلح، أصبحت الآلة سيدة الإنسان، في مستوى التصرف في حياته، فهي تملك أن تزهق هذه الحياة، وقد فعلت كثيرا، خصوصا في الحرب العالمية الثانية، وما أعقبها من حروب إقليمية، وهي لا تزال تفعل..
    فقد فشلت الحضارة الغربية المادية المعاصرة، وما تقوم عليه من فلسفات، وعلى رأسها الماركسية، فشلت في حل مشكلة الإنسان المعاصر، وتحقيق فرديته وذاتيته.. فشلت في فض التعارض البادي بين الفرد والمجتمع، فأهدرت حرية الفرد، وطمست ذاتيته، فلم تحقق بذلك حاجة الفرد، ولا حاجة الجماعة..
    وتحت وطأة الحضارة المادية هذه، استشرى القلق، والإضطراب النفسي، الذي ساد حياة الأفراد فأصبحوا يشعرون بحالة من الإحباط، ومن الإغتراب، أفقدت الحياة طعمها، رغم الوفرة المادية.. تحت هذه الظروف بدأ الإنسان المعاصر يحن، ويتطلع، إلى تحقيق ذاتيته، تحقيق أصالته.. وقد عبر عن هذا الحنين، بالكثير من صور التعبير في مجالات الأدب والفلسفة والفن، التي كثيرا ما تدور حول ضياع الإنسان المعاصر، وشعوره بالإغتراب، وفقدان الذاتية.. وقد كان الوجوديون هم أكبر من تطلع إلى تحقيق الذاتية والفردية، في المجتمعات الغربية، ولكنهم لما كانوا لا يملكون فكرة واضحة، ولا منهاجا محددا، فقد انتهى بهم تطلعهم إلى أن يعيشوا صورة من الفوضى، ومن القلق، ومن العبث، لم تضف إلى مجتمعاتهم شيئا أكثر من المزيد من الشعور بالضياع.. ومن أوضح صور بحث الإنسان المعاصر عن فرديته وذاتيته، صور الرفض للحضارة الغربية المادية، التي انتشرت بين الشباب في الغرب، خصوصا عند جماعات الهيبيز..
    ولقد فشلت الفلسفات المعاصرة في الإستجابة لتطلعات الإنسان المعاصر إلى الأصالة والفردية، وفشلت في حل التعارض البادي بين الفرد والمجتمع.. وأوضح ما يكون هذا الفشل عند الماركسية التي أهدرت قيمة الفرد في سبيل الجماعة، فهزمت الغاية بالوسيلة، ولم تبلغ طائلا في خدمة أغراض الجماعة، حتى في مستواها المادي، رغم الكبت، ورغم العنف العنيف الذي أودى بحياة ملايين البشر..
    والآن فإن التحدي الذي يواجه كل الفلسفات، وكل الأديان، هو تحقيق فردية الفرد، وتحقيق أصالته، والتوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. وهذا التحدي ليس له إلا الإسلام في مستوى أصوله، مستوى السنة.. ولذلك نحن عندما نتحدث عن الفردية، وعن الأصالة، لا نتحدث عن نافلة من القول، ولا عن ترف ذهني، وإنما نتحدث عن جوهر الكمال البشري، ومحور تطلعات الإنسان المعاصر.. والكمال الذي نتحدث عنه، ونبشر به، ليس حلما، وإنما هو أمر ممكن، وقد نضجت كل الظروف لتحقيقه، ونحن نملك المنهاج العلمي، والعملي، لهذا التحقيق، وهو تحقيق يبدأ من بدايات بسيطة وأولية، يتساوى فيها كل الناس، الأمي والمتعلم، الذكي وغير الذكي.
    نحن في هذا الكتاب نبشر بعهد الكمالات الإنسانية، عهد تحقيق الأفراد لفردياتهم، وذاتياتهم، بالصورة التي تتم لهم فيها وحدة البنية البشرية، فينتفي القلق، والإضطراب النفسي، ويتحقق السلام الداخلي، في كل نفس بشرية، ويتحقق السلام الخارجي بتحقيق هذا السلام الداخلي، فيعم الأرض السلام.. فهذا هو جوهر الإسلام، ورسالته، وهو الأمر الذي ظللنا نحن بصدده دائما، ندعو له، ونبشر به، ونبين السبل المفضية إليه.. ولذلك فان كتابنا هذا في جملته يعمل على تبيين موضوع الأصالة، أو الفردية، كقيمة إنسانية أساسية، وهم الكتاب هو التبسيط، والإيجاز، قدر الإمكان.

    فض التعارض بين الفرد والجماعة:
    إنه من الواضح، لدى النظرة الأولى، أن هنالك تعارضا، باديا بين حاجة الفرد، وحاجة الجماعة.. وقد جعل هذا التعارض البادي، الفلسفات الإجتماعية، وعلى رأسها الماركسية، تعتقد أن الفرد إذا اعطي الفرصة لإشباع حاجاته، سيعمل ضد مصلحة الجماعة.. ولما كانت الجماعة هي الأكثر عددا، فإن مصلحتها هي التي ينبغي أن تراعى، ولذلك أهدرت هذه الفلسفات حرية الفرد، في سبيل تحقيق مصلحة الجماعة، فأضاعت بذلك مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، في آن معا، وظلت مشكلة التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة قائمة، تطلب الحل.. والحل في الإسلام كما أشرنا، وليس في أي فكر غيره كما سنبين..
    ففي الإسلام الفرد هو الغاية وكل ما عداه وسيلة إليه، بما في ذلك وسيلة القرآن، ووسيلة الإسلام، ووسيلة المجتمع.. فكل فرد بشري، من رجل أو امرأة، هو غاية في ذاته، ويجب ألا يتخذ وسيلة إلى غاية وراءه... والإسلام يستطيع أن يفض التعارض البادي بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، وينسق هاتين الحاجتين في سمط واحد، تكون فيه حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، إمتدادا لحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة، أو قل يجعل تنظيم الجماعة وسيلة إلى حرية الأفراد، وليس بديلا عنها، كما هو الأمر عند الماركسية.. والإسلام يستطيع هذا التنسيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة بفضل التوحيد، الذي جعل شريعته تقع على مستويين: مستوى الجماعة، ومستوى الفرد.. فأما تشريعه في مستوى الجماعة، فهو تشريع المعاملات، وأما تشريعه في مستوى الفرد فهو تشريع العبادات.. وتشريع المعاملات ينسق العلاقة بين الفرد والفرد، في المجتمع، في حين أن تشريع العبادات ينسق العلاقة بين الفرد والرب.. وهذان التشريعان هما شطرا شريعة واحدة، لا تقوم إلا بهما معا.. والإختلاف بينهما إختلاف مقدار .. فتشريع المعاملات تشريع عبادات في مستوى غليظ، وتشريع العبادات تشريع معاملات في مستوى رفيع، وذلك لأن الفردية في العبادة أظهر منها في المعاملة.. والعبادة ليست لها قيمة إذا لم تنعكس في معاملة الجماعة، ولذلك جعل المعصوم الدين كله في المعاملة، فقال: (الدين المعاملة) .. وقال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. فالعبادة هي مدرسة تعد الفرد، وتؤهله، لحسن المعاملة، وهو لا يجد فرصة التطبيق العملي إلا في السلوك في الجماعة.. وقد وضع الإسلام كل تشريعاته في صورة تحقق في سياق واحد، حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. فهو لم يضح بالفرد في سبيل الجماعة، فيهزم الغاية بالوسيلة، ولم يضح بالجماعة، في سبيل الفرد، فيفرط في أهم وسائل تحقيق الفردية.. وفي التصور الإسلامي الصحيح مصلحة الجماعة ليست ضد مصلحة الفرد، و إنما هي نفس مصلحة الفرد، ولذلك قال المعصوم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).. وقال تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها.. وما ربك بظلام للعبيد).. فالفرد في الإسلام، عندما يعمل في خدمة الآخرين، وتوصيل الخير اليهم، إنما يعمل لمصلحته هو في المكان الأول، لأنه يلقى مقابل هذا العمل الأجر والثواب من الله، بصورة مباشرة يجد بركتها في نفسه في التو، وفي الحين.. ولذلك فإن كمال حياة الفرد، في الإسلام، يتحقق من خلال توظيف حياته لخدمة الآخرين، ولا يتحقق بمجرد السعي المباشر لمصالحه الذاتية.. ولذلك فإن الإسلام يضع نفسه منذ البداية ضد الأنانية السفلى التي ترى مصلحتها على حساب مصالح الآخرين، ومع الأنانية العليا التي ترى مصلحتها في مصلحة الآخرين.. فالفرد المسلم يعمل في خدمة الآخرين بدافع حقيقي، وهو علمه بأن هذه هي مصلحته الفردية.. و إنما أصبح الأمر في الإسلام بهذه الصورة لأن القيمة في الإسلام تقع على مستويين: مستوى مادي، ومستوى روحي.. والمستوى المادي هو وسيلة للمستوى الروحي.. في الإسلام الخبز وسيلة للحرية وليس بديلا عنها.. فوجود القيمة في هذين المستويين من التشريع، اللذين تحدثنا عنهما، هو الذي يجعل الإسلام قادرا على فض التعارض بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة.. وفض التعارض بين الفرد والجماعة، هو في الإسلام سلوك عمل يومي، فالعمل، وفق منهاج السنة في تقليد النبي، يقوم على تجويد العبادة في الخلوة، لإكتساب العلم والمقدرة على خدمة الناس في الجلوة.. وهذا العمل، عند السالك في طريق محمد، يقوم على تفاصيل علمية دقيقة، تعمل على تربية النفس، وتهذيبها، حتى تتعامل مع الآخرين معاملة إنسانية، تراعي مصلحتهم دائما، فتكف الأذى عنهم وتتحمل أذاهم، وتسعى في توصيل الخير إليهم.. وهذا الصنيع، في نهج التقوى في العبادة والمعاملة، هو الذي يوحد مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، وهو الذي يتيح الفرصة للفرد للإنشغال بداخله، بعد ان كان طوال الوقت منشغلا بالخارج، وبذلك يعرف نفسه، ويكتشف مواهبها، ويفجر طاقاتها، ويحقق فرديته وأصالته..

    الأصالة هي تكليفنا الأساسي
    إن الأصالة، أو الفردية، هي حقيقتنا، وهي تكليفنا الأساسي، وهي قدرنا المقدور، الذي ليس منه مناص.. الأصالة هي حقيقتنا بمعنى ان كل فرد منا، هو في الحقيقة، صاحب فردية متميزة، وصاحب خصائص، ومواهب، لا يشبهه فيها أحد.. وهذا أمر واضح في التوحيد، إذ أن الألوهية من سعتها لا تكرر نفسها، فالتكرار عجز، تعالى الله عنه علوا كبيرا.. فالله تعالى، من كماله، أنه لا يتجلى لذرتين في الوجود تجليا واحدا، وهذا من معاني قوله تعالى: (كل يوم هو في شأن).. إذن، نحن في الحقيقة اصحاب فرديات، ولكنها فرديات انطمست، بسبب الصراع في الحياة، وما تسبب فيه من كبت، وخوف، جعلنا نعيش خارجنا بأكثر مما نعيش داخلنا.. والعمل السلوكي، وفق نهج السنة في تقليد المعصوم، هو عمل في إزالة هذا الكبت، وتوحيد البنية البشرية، التي انقسمت بين عقل واع وعقل باطن، حتى تبرز الأصالة، والفردية، من حالة الكمون، والضمور، التي هي عليها، فتنطلق الطاقات الحبيسة في العقل الباطن، وتتفجر ينابيع المواهب الثرة الكامنة في نفس كل منا.. فالعمل وفق نهج السنة المقصود منه أن نكون أصحاب أصالة وفردية في الشريعة، كما نحن اصحاب أصالة وفردية في الحقيقة، وتكون بذلك شريعتنا طرفا من حقيقتنا، فنصبح أصحاب شرائع فردية، كما نحن أصحاب حقائق فردية، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة، ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون).. ف(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) يعني لكل فرد منكم جعلنا (شرعة) أي شريعة، (ومنهاجا) يعني سنة.. (فشرعة ومنهاجا) يعني شريعة وحقيقة.. فشريعة العارف طرف من حقيقته، وهو فردي الحقيقة، فردي الشريعة.. ووقت تحقيق هذه الشرائع الفردية، ومستوى تحقيقها، يختلف من فرد لآخر، إلا أنها، في مستوى القمة، المستوى الذي يسقط فيه التقليد، تتحقق في هذه الحياة الدنيا لرجل واحد، هو قمة الهرم، أما كل من عداه فهم يحققون أصالتهم وشرائعهم الفردية داخل إطار التقليد النبوي، على تفاوت بينهم، في ذلك، في زمن التحقيق، وفي مستوى التحقيق..
    الأمر الذي نريد أن نؤكده هنا هو أننا أصحاب حقائق فردية، وأنه لا بد من أن نكون أصحاب شرائع فردية.. فهذا هو قدرنا المقدور، وهو ما يفهم من الآية السالفة الذكر..
    أما كون الأصالة والفردية هي تكليفنا الأساسي في الإسلام، فهذا أمر واضح بصورة جلية.. فالفردية في الإسلام هي جوهر الأمر كله، هي مدار التكليف ومدار التشريف، وقد وكدهما الإسلام توكيدا شديدا.. فتكليفنا الأساسي في الإسلام هو ان نكون عبيدا لله، بوسيلة العبادة، وهذا ما يعنيه قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).. يعني ما خلقتهم إلا ليعبدوني كما أمرتهم على لسان عزتي، وذلك حيث قلت: (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا* لقد أحصاهم وعدهم عدا* وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).. فالعبادات منطقة تغلب عليها الجماعية بينما العبودية منطقة فرديات، وملاقاة الله لا تتم إلا للأفراد.. وواضح من الآيات توكيد الفردية، وربطها بالعبودية.. فنحن لا نلقى الله كجماعات، و إنما نلقاه كأفراد.. ونحن لا نلقاه إلا اذا تحققنا بالعبودية، إذ لا يلقى الرب إلا العبد.. فنحن مكلفون أساسا بتحقيق فرديتنا وأصالتنا، في معنى ما أننا مكلفون بتحقيق العبودية لله.. ومما يؤكد أمر الفردية في الإسلام، أن موازين الحساب لا تنصب يوم تنصب، الا للأفراد، وفي ذلك ترد العديد من الآيات القرآنية، منها قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، وقوله: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).. وقوله تعالى: (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا).. وقوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم اول مرة).. وهذه الآية الأخيرة تؤكد ما ذهبنا اليه من أننا في الحقيقة اصحاب فرديات.. فالله تعالى قد خلقنا، أول مرة، أفرادا، ثم أننا سنرجع اليه، عندما نرجع، كأفراد، وهذا معنى الآية: (لقد جئتمونا فرادا كما خلقناكم اول مرة).. والرجوع إلى الله، إنما هو رجوع إلى الخلق الأول، رجوع إلى حالة (أحسن تقويم) التي كنا عليها، وهي الفطرة السوية، وهي الأصالة، وهي الفردية.. فنحن لا نلقى الله تعالى في الزمان، ولا في المكان، وإنما نلقاه فينا.. فهو تعالى قد قال في الحديث القدسي: (ما وسعني أرضي ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن) فنحن نعرف الله، عن طريق معرفتنا لأنفسنا، التي قلنا عنها انها في الحقيقة فردية، وفي هذا المعنى يجيء قول المعصوم (من عرف نفسه فقد عرف ربه).. ويجيء قول القرآن: (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها).. ومعرفة انفسنا هي معرفة حقيقة اننا عبيد، وأننا اصحاب فرديات متميزة لا يشبهنا فيها أحد، وبهذه المعرفة تتم لنا معرفة الله، ويتم لنا اللقاء به تعالى، وبهذا اللقاء نصل حياتنا بمصدرها، فتتوفر لها أسباب الكمال، وأسباب البقاء..
    ولقد قلنا ان تحقيق الفردية هو قدرنا المقدور الذي لا فكاك لنا منه، وذلك لأنه مقدور لنا، ومفروض علينا لقاء الله، ونحن لا نلقاه إلا كأفراد.. وعن حتمية لقائنا الله يقول الله تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) .. ويقول : (وإن إلى ربك المنتهى) .. ويقول : (إن كل من في السموات والأرض الا آتي الرحمن عبدا) .. فلقاء الله تعالى أمر لا بد كائن، أردنا أم لم نرد، فما من الله بد .. وبنفس هذا المعنى تحقيق الفردية أمر لا بد كائن، إن عاجلا أو آجلا، لأن لقاء الله لا يتم لنا الا كأفراد كما ذكرنا، فهو إذا لم يتم في هذه الدنيا، سيتم في الأخرى، وهذا معنى قوله تعالى: (إن علينا للهدى * وإن لنا للآخرة والأولى).. فنحن قد خلقنا فرادى، وسنعود إلى الله فرادى، كان على ربك حتما مقضيا.. وفي فترة ما بين الخلق الأول، والعودة إلى الله ذهلنا عن حقيقة أننا أفراد فانبهمت ذاتيتنا، وعشنا في التيه، مشغولين بالآفاق أكثر من إنشغالنا بأنفسنا.. أما الآن فقد حان الحين، وآن أوان الرجوع من التيه، بالعودة إلى أنفسنا، ومعرفتها، وأكتشاف مواهبها، وتفجير طاقاتها، حتى تتوحد فتتحقق لها فرديتها وأصالتها..
    فاذا توكد ان الفردية، والأصالة، هي حقيقتنا، وهي تكليفنا الأساسي، وقدرنا المقدور، وهي كمالنا، كأفراد وكمجتمع، يصبح واجب كل منا أن يعمل في جد، وفي تشمير، على تحقيق فرديته، وذاتيته، وأن يعمل على إعانة كل أخوانه الآخرين على أن يحقق كل منهم فرديته، وأصالته، ويفجر طاقاته، ومواهبه، وهذا ما تحاول القيام به لكل الناس، الدعوة الجمهورية بإبرازها لحقيقة الإسلام التي كانت المقصود بالأصالة، في جميع رسالات السماء، ولكنها كانت تتحين الحين، وتتوقت الوقت.. ولقد جاءت حقيقة الإسلام في المصحف – في أصول القرآن – في القرآن المكي – وعلى ذلك أقام الجمهوريون الدعوة إلى (الرسالة الثانية من الإسلام) هي وحدها الحقيقة بتحقيق الأصالة و تحقيق الفردية..

    الأصيل الواحد
    إن الأفراد يتفاوتون في تحقيق الأصالة حسب توفيق الله لهم، ثم جدهم و إجتهادهم في العمل على تحقيق فردياتهم بإتباع نهج السنة، والتأدب بأدب القرآن.. فالإختلاف بين الأفراد في تحقيق الفردية، والأصالة، هو اختلاف في زمن التحقيق، وفي مقدار التحقيق.. ففي هذه الدورة من دورات الحياة، دورة الحياة الدنيا تتحقق الفردية في قمتها، في مستوى ترك التقليد، لرجل واحد، هو صاحب المقام المحمود الذي يتم له انزال هذا المقام من الملكوت، وتجسيده على الأرض.. أما جميع من عداه فهم يحققون الأصالة والفردية، داخل إطار التقليد النبوي، وهم يتفاوتون في هذا التحقيق حسب تفاوتهم في العلم بالله، وتحقيق العبودية له.. ففي قمة هؤلاء يأتي من يوشك أن يتحقق بالأصالة في مستوى ترك التقليد ولكن لا يتم له ذلك الا عند لحظة الإنتقال للبرزخ.. وأسباب التفاوت في التحقيق في الفردية أسباب واضحة وبينة، وهي تشير اليها الآية الكريمة: (وفوق كل ذي علم عليم).. فهي تعني أن فوق كل صاحب علم من هو أعلم منه، إلى أن ينتهي العلم إلى علام الغيوب.. فالوضع بالنسبة للعلم بالله وضع رأسي، لا يوجد فيه إثنان على نفس المستوى من العلم.. فأعلم الناس بالله، وأكثرهم تحقيقا للأصالة والفردية، يكون بين جميع الناس، وبين ذات الله في إطلاقها.. وهذا هو الإنسان الكامل الذي يتحقق بمقام الإسم الأعظم (الله).. ومقام هذا الإنسان الكامل هو مقام الوسيلة، وهو الذي يتم به ختم الولاية، وختم الرسالة بعد ان تم ختم النبوة بالنبي الكريم..
    وبتحقيق هذا المقام تتحقق خلافة الأرض، وهو مقام المسيح المحمدي الموعود، وهو المقام الذي ظل النبي طوال حياته، وفي برزخه يعمل على إنزاله من الملكوت إلى الملك.. وهذا المقام هو مقام ولاية النبي، مجسدة في الدم واللحم.. وإلى تحقيق هذا المقام في الأرض، ترد الإشارة بالآية الكريمة: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد).. فهذه العودة هي لمستوى ولاية النبي، مستوى المقام المحمود الذي حققه النبي في المعراج في إلمامة، حكى عنها القرآن بقوله تعالي: (ما زاغ البصر وما طغي).. ثم حققه النبي بالنزع على فراش الموت، وانتقل به إلى البرزخ، وهو من برزخه يعد الأرض لتحقيق هذا المقام فيها.. فصاحب هذا المقام، لأنه تخلق بأخلاق الله، أخلاق القرآن، فقد تحقق بالأحدية، وبالواحدية.. ومعنى (الأحد) .. هو الذي لم يجيء من مثله ولا يجيء منه مثله، أو هو الذي (ليس كمثله شيء).. ومعنى (الواحد) .. هو الذي لا ينقسم.. فصاحب المقام المحمود هو في نفسه واحد، وفي مقامه واحد، وهذا من كمال التخلق بأخلاق الله، ذلك التخلق الذي قال عنه المعصوم: (تخلقوا بأخلاق الله ان ربي على سراط مستقيم) .. وقال عنه تعالى: (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) .. فمقام الأصالة، في هذا المستوى، هو لفرد واحد، هو صاحب العلم المحيط، الذي يقع علم كل ما عداه دونه، وفي إطاره.. وتجسيد هذا المقام على الأرض إنما يتم بظهور المسيح المحمدي، الذي بشر به النبي الكريم في العديد من أحاديثه، ومنها قوله: (لو لم يبق من عمر الدنيا الا مقدار ساعة لمد الله فيه حتى يبعث رجلا من آل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما، وجورا!!).
    وتحقيق المقام المحمود في الأرض، هو فتح للباب على مصراعيه لكل الأفراد السالكين إلى الله، ليحقق كل منهم فرديته وأصالته، في إطار التقليد النبوي، وذلك بفضل الله، وبفضل ما يفيضه هذا المقام من العلم الذي يعين كل فرد على معرفة نفسه، وتفجير مواهبها، وطاقاتها.. وإلى تحقيق الأصالة في إطار التقليد تشير الآية الكريمة: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وان الله لمع المحسنين).. فالجهاد هنا هو عمل في التقوى، في تقليد المعصوم.. و(لنهدينهم سبلنا) تعني بوضوح ان لكل واحد من هؤلاء المجاهدين سبيله، داخل السبيل الواحد، ولذلك قال: (سبلنا) ولم يقل (سبيلنا) فهي سبل عديدة.. (وان الله لمع المحسنين) يعني بالمحسنين هنا الذين احسنوا تجويد تقليد المعصوم، بادخال الفكر في العمل، وبالتزام الأدب مع النبي.. فهؤلاء الله معهم يحفظهم، ويرعاهم، ويمدهم من العلم بما به يحققون انضاج فردياتهم، ويحققون اصالتهم، داخل اطار التقليد النبوي.. فالتقليد النبوي هو وسيلة تحقيق الأصالة في جميع مستوياتها..

    وسيلة تحقيق الأصالة
    ان الأصيل هو الحر، لأنه هو المتحقق بالعبودية لله، والعبودية لله هي حرية عن كل ما عداه..والأصيل بالمعنى الذي تحدثنا عنه هو الذي يتعرف على نفسه، ويفجر طاقاتها، ومواهبها، ويوحد ذاته، فيحقق السلام مع نفسه، ومع الآخرين.. ووحدة الذات هذه تظهر في وحدة الفكر، والقول، والعمل، فهو يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون عاقبة عمله هذا الا خيرا بالناس، وبرا بهم.. ومن يكن في هذا المستوي، يكن فوق قوانين الجماعة، لأنه بفضل الله، ثم بفضل تربيته ورياضة نفسه، أصبح من المحسنين، المجودين للسلوك.. فقانونه هو المستوى الرفيع من العلم، ومن القيم التي يلزم بها نفسه.. وهذا المستوى من كمال الشمائل، لا يتم الا على قاعدة من المجتمع الكامل.. وهذا المجتمع هو ما نبشر به نحن في دعوتنا لتطبيق أصول القرآن، مستوى السنة .. فهذا المجتمع يقوم، في قاعدته، على العدل، والمساواة.. العدل والمساواة، في الإقتصاد، وهو الإشتراكية.. والعدل والمساواة، في السياسة، وهو الديمقراطية.. ثم كنتيجة للعدل والمساواة في الإقتصاد والسياسة، تأتي العدالة الإجتماعية، وهي تعني محو الطبقات.. فالعدالة الإجتماعية هي اثر مباشر من آثار التربية الفردية الكاملة.. وهذا المجتمع الكامل تقوم العلائق بين أفراده، في القاعدة، على القانون الدستوري.. والقانون الدستوري، في الإسلام، هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الإجتماعية الشاملة.. فهو لا يضحي بالفرد في سبيل الجماعة، ولا يضحي بالجماعة في سبيل الفرد .. فهو، حين يطبق، يحقق، بكل جزئية منه، مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، في آن معا، وفي سياق واحد..
    وتحقيق الأصالة، إلى جانب المجتمع الصالح، بل وقبل المجتمع الصالح، لا بد فيه من منهاج سلوك فردي.. هذا المنهاج هو منهاج السنة، هو طريق محمد .. فتقليد النبي في اسلوب عبادته، وفي ما نستطيع من اسلوب عادته، هو الوسيلة الواسلة لتحقيق أصالة كل أصيل .. وتقليد النبي هو الوسيلة لتحقيق الأصالة، لأنه تقليد لنموذج الأصالة الكامل، وقدوتها.. فتقليد النبي هو وسيلة للتأسي به في أصالته.. وهو تقليد لنفس انسانية كاملة، توفرت لها عناصر الصحة الداخلية، فتوحدت، واتسقت قواها الباطنية، وتحررت من الأوهام، والأباطيل، ومن القلق، والخوف العنصري، البدائي، الساذج .. فتقليد هذه النفس الكاملة، تقليدا متقنا، يقوم على الأدب، وعلى الفكر، ويفضي بكل رجل، وكل امرأة، إلى احراز وحدة ذاته، ونضج فرديته، وتحرير شخصيته من الإضطراب، والقلق الذي استشرى في عصرنا الحاضر) .. فالتقليد المجود للنبي الكريم هو الوسيلة لتحقيق فردية كل فرد، داخل اطار التقليد..
    ومنهاج الصلاة بالذات هو الوسيلة العملية، والعلمية، لتحقيق اصالة كل اصيل مجود للتقليد.. فالصلاة هي وسيلة تحقيق الأصالة، لأنها هي وسيلة تعريف كل فرد بنفسه، وهي الوسيلة التي يحقق بها كل فرد وحدة بنيته، بتوحيد الفكر، والقول، والعمل، وذلك لأن الصلاة هي فكر، وقول، وعمل، فهي من ثم تعمل على توحيد هذا الثالوث.
    ولقد فرضت الصلاة في قمتها في ليلة المعراج، في مقام (ما زاغ البصر وما طغي) حيث تم للنبي الشهود الذاتي، وهو شهود وتري (فردي)، به أصبح النبي وحدة ذاتية، في وحدة مكانية، في وحدة زمانية، وهذا هو التوحيد الكامل الشامل، الذي به تتم مشاهدة الواحد، وهذا هو الصلاة في قمتها.. وفي مقام (قاب قوسين او أدنى) وهو مقام شفعي، فرضت الصلاة الشرعية، وجعلت وسيلة العروج إلى الله .. فهي وسيلة عروج النبي بالأصالة، ووسيلة عروج أمته بالحوالة، والتبعية – أي بالتقليد..
    والسبب الأساسي في أن صلاة التقليد، الصلاة الشرعية، هي وسيلة تحقيق الأصالة والفردية، هو ان جوهر هذه الصلاة انما هو الحضور، او الصلة بالله التي تتم فيها.. وهذا الحضور، او الصلة، هو الأصالة والفردية .. فان قلوب العباد في صلتها بالله، وحضورها معه، لا تكون على شاكلة واحدة، ولا في مستوى واحد، وانما كل فرد يختلف في هذا الحضور عن الفرد الآخر، حتى ولو كانوا يؤدون صلاة واحدة، خلف امام واحد .. وهذا الحضور هو جوهر الصلاة، وقيمتها، وما هيئة الصلاة إلا وسيلة لتحقيقه .. فكأن الصلاة تقوم على مستويين: هيئة، وحضور داخل الهيئة.. فالهيئة هي جسد الصلاة، وقشرتها، والحضور هو روحها، والمطلوب ان تنمو هذه الروح حتى تملأ القشرة .. وهذا الحضور هو صلاة الأصالة .. وعن هذين المستويين للصلاة قال المعصوم: (الصلاة معراج العبد إلى ربه) .. وقال: (الصلاة صلة بين العبد وربه) .. فهذه الصلة هي الحضور في الصلاة، وهي جوهر الصلاة وقيمتها، فاذا انعدمت أصبحت الصلاة باطلة، ولا قيمة لها، وفي ذلك يقول المعصوم: (رب مصل لم يقم الصلاة) هو مصل لأنه يؤدي هيئة الصلاة، وهو لم يقم الصلاة لأنه لم يحضر فيها، فإقامة الصلاة ليست مجرد تأدية الهيئة، وانما هي تأدية الهيئة مع تجويد الحضور .. وفي حديث آخر قال المعصوم: (رب مصل لم تزده صلاته من الله الا بعدا) .. وذلك لأنه في صلاته أساء الأدب مع ربه بالغفلة عنه، والانشغال بغيره، وهو واقف بين يديه، ولذلك استحق الطرد والبعد .. فصلاة الصلة – صلاة الأصالة – هي الحضور في صلاة التقليد .. فهذا الحضور هو فرديتك، وأصالتك، فان أنت اهتممت به، ورعيته، وتوخيت الوسائل المعينة على تحقيقه، عملت على إنضاج شخصيتك وتكميل حياتك، وتحقيق ذاتيتك وفرديتك، وهذا هو معنى الأصالة داخل التقليد .. فالفردية والأصالة تبدأ عند العابد المجود منذ البداية، هي تبدأ من مجرد محاولة الحضور في الصلاة، ثم تنمو، وتزداد، بازدياد هذا الحضور .. والكمال هو أن تملأ قشرة الصلاة جميعها بالحضور .. ولمعرفة الوسائل المعينة على تجويد الصلاة، وتحقيق الحضور فيها، لا بد من الرجوع إلى كتبنا التي اصدرناها عن الصلاة، خصوصا كتاب: (رسالة الصلاة) .. وكتاب: (تعلموا كيف تصلون) .. والأمر الذي يهمنا توكيده هنا هو ان الحضور في الصلاة هو الأصالة، وهو الفردية، وهو الذي به يتحقق العلم بالله، وتكتمل حياة الفكر، وحياة الشعور..

    خاتمة:
    لقد كان همنا في هذا الكتاب الموجز، شرح مفهوم الأصالة، والفردية، وتبسيطه، وتبيين قيمته للفرد البشري، وللمجتمع البشري، وتوضيح الوسائل المعينة على تحقيقه .. وقد رأينا ان الأصالة ببساطة، هي الفردية، هي تحقيق ذاتية الفرد، باكتشاف مواهبه الذاتية التي يختلف فيها عن الآخرين، وتنميتها، بالصورة التي تخصب حياة الفرد، وحياة الجماعة .. والفردية في السلوك العملي في العبادة هي ببساطة، الحضور في الصلاة، وترجمة هذا الحضور في الحياة اليومية إلى خدمة للناس، وحرص على توصيل الخير اليهم .. فمجال المعاملة هو المجال العملي الذي تمتحن فيه حصيلة العبادة .. فبين تجويد العمل في العبادة، وفي المعاملة تنضج شخصية الفرد، وتتوحد بنيته، وتتفجر مواهبه، فيحقق بذلك فرديته .. فالأصالة بهذا المعنى هي قيمة انسانية رفيعة، اصبح جميع الناس يتطلعون اليها، كما بينا في مقدمة الكتاب .. وهي لا سبيل لتحقيقها الا ببعث الإسلام في مستوى السنة – مستوى اصول القرآن – مستوى (الرسالة الثانية من الإسلام) – لينظم حياة المجتمع، ويوجه سلوك الأفراد .. فموضوع الأصالة موضوع مرتبط ببعث السنة، لا بتطبيق الشريعة، وذلك لأن الشريعة تقوم على توكيد العمل في العبادة، وفي المعاملة .. وهذا الفكر في العمل هو الذي يعين الفرد على معرفة نفسه، واكتشاف مواهبه، وتحقيق ذاتيته .. فالأسلام، في مستوى السنة، هو علم نفس، هو منهاج علمي وعملي يعين كل فرد على معرفة نفسه، وعلى تهذيبها، وتربيتها، حتى تخرج من حالة الإستيحاش والحيوانية فتصبح نفسا انسانية لا يجد منها الآخرون الا الخير والبر .. وهذا هو المعنى الذي به الإسلام هو (دين الفطرة) .. والفطرة السوية هي صفاء الفكر، وسلامة القلب .. والقرآن، في جميع آياته، انما هو موظف لتحقيق هذه الفطرة السوية، وذلك عن طريق تقليد النبي المعصوم، الذي هو النموذج الإنساني الكامل، المرشح من قبل العناية الإلهية ليكون القدوة لتحقيق فردية كل فرد، وانضاج شخصيته، ورده إلى الفطرة السوية .. والعمل وفق منهاج السنة يبدأ، كما بينا، من بدايات عملية بسيطة، يتساوى فيها المتعلم و الأمي والذكي وغير الذكي .. ثم عن طريق هذا العمل تتفجر المواهب، ويتم تحصيل العلم النافع، وتتسع الحياة..
    هذا والله هو المسئول ان يهدي البصائر والأبصار، وان يرد غربة الإنسانية جمعاء، وينصر دينه، حتى يتسنى لكل فرد تحقيق أصالته، وإكمال ذاتيته، وإنضاج فرديته، وما ذلك على الله بعزيز ..

    الأخوان الجمهوريون
    أم درمان ص ب 1151
    تلفون 56912



    الثمن 75 قرشا
                  

العنوان الكاتب Date
محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-20-07, 09:52 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . أبو الحسين01-20-07, 10:19 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Yasir Elsharif01-20-07, 12:32 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-20-07, 03:16 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-20-07, 03:19 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . محمد عكاشة05-28-07, 08:57 AM
      Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني05-29-07, 03:45 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Omer Abdalla01-20-07, 04:28 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Haydar Badawi Sadig01-20-07, 05:44 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-20-07, 06:14 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-20-07, 06:19 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Khalid Kodi01-20-07, 07:31 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Moneim Elhoweris01-20-07, 11:42 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 06:23 AM
      Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . د.محمد حسن01-23-07, 04:55 PM
        Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-23-07, 05:37 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 06:36 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Mohamed Adam01-21-07, 07:06 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . معتز القريش01-21-07, 07:25 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 08:37 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 08:41 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . نادر01-21-07, 09:52 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 10:18 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 12:05 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 12:12 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . مريم بنت الحسين01-21-07, 01:01 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-21-07, 04:44 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Yasir Elsharif01-21-07, 05:44 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . othman mohmmadien01-21-07, 06:35 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-22-07, 04:05 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-22-07, 04:21 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-22-07, 08:41 AM
      Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-22-07, 08:59 AM
        Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالغني كرم الله بشير01-22-07, 11:38 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-22-07, 10:54 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Haydar Badawi Sadig01-22-07, 11:09 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-22-07, 11:01 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Abu Eltayeb01-22-07, 11:40 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-23-07, 04:25 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-23-07, 05:36 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . أبوبكر حسن خليفة حسن01-23-07, 08:04 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-23-07, 11:56 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . محمد عكاشة04-18-07, 10:12 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-23-07, 12:17 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-23-07, 04:25 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-23-07, 04:50 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-24-07, 04:20 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Omer Abdalla01-24-07, 05:41 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-24-07, 05:13 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-25-07, 04:36 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-25-07, 05:29 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-25-07, 12:10 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Yasir Elsharif01-26-07, 01:22 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-27-07, 08:14 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-27-07, 07:37 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-27-07, 08:08 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-27-07, 03:37 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-27-07, 04:58 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Haydar Badawi Sadig01-27-07, 07:23 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-27-07, 10:09 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-28-07, 02:33 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-28-07, 05:54 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . doma01-28-07, 07:28 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Yasir Elsharif01-28-07, 11:15 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-29-07, 10:56 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-29-07, 06:12 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-29-07, 08:47 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Haydar Badawi Sadig01-29-07, 08:36 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-29-07, 11:22 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-29-07, 11:32 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-29-07, 11:34 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-29-07, 11:39 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-30-07, 05:42 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad01-31-07, 07:07 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني01-31-07, 06:12 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-01-07, 04:28 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-01-07, 11:00 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Yasir Elsharif02-01-07, 12:11 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad02-02-07, 01:58 AM
      طلبت مقاما بذل نفسك شرطه!!!! Yasir Elsharif02-02-07, 10:27 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-02-07, 07:39 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Yasir Elsharif02-02-07, 11:08 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-02-07, 11:32 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-02-07, 11:38 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-02-07, 11:41 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad02-03-07, 02:35 AM
      الواقع يتطور نحو الفكرة الجمهورية، ويطبق ما يحتاجه الناس.. Yasir Elsharif02-03-07, 09:47 AM
  المقاساة في المسيحية، والصبر في الإسلام.. Yasir Elsharif02-03-07, 11:59 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-03-07, 05:33 PM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad02-04-07, 00:05 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Yasir Elsharif02-04-07, 03:40 AM
      Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Haydar Badawi Sadig02-04-07, 06:23 AM
        Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad02-06-07, 01:26 AM
          Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-07-07, 04:08 AM
            Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Haydar Badawi Sadig02-08-07, 02:29 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-08-07, 04:39 AM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . Haydar Badawi Sadig02-08-07, 05:08 AM
      بالصوت.. حديث الأستاذ محمود عن أن الأصيل الواحد هو الحقيقة المحمدية.. Yasir Elsharif02-08-07, 07:45 AM
  Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . عبدالله الشقليني02-08-07, 06:25 PM
    Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad02-08-07, 11:25 PM
      Re: محمود محمد طه في رؤى الأحلام . osama elkhawad02-08-07, 11:33 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de