الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 02:54 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-19-2010, 05:52 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...!

    الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د.يوسف فضل !!

    بقلم : يحيى العوض.

    بقدر الاحتفاء بكتاب الطبقات للشيخ محمد النور بن ضيف الله, ومرور مائتى عام على وفاته "1810-2010", يتوحب علينا تجديد النداء للبروفسير يوسف فضل لاعادة تحقيقه وتدقيقه.!. فالكتاب يعتبر من امهات كتب التراث والمرجع الاول المطبوع لدارسى التصوف فى السودان ,لكنه يشكل نقطة ضعف رئيسية يستغلها منتقدى التصوف ويستثمره ادعياؤه.!. بل ويقف حجر عثرة فى طريق الاجيال الجديدة من موثقى ودارسى التصوف. وقد واجهت شخصيا صدودا ونفورا عند انطلاقة مشروع مجلة القوم عام 1985.. الكثيرون من بيوت التصوف السامقة كانوا يواجهونى بقولهم .. يكفينا ما ألحقه بنا كتاب الطبقات من أذى وقد حققه رجل فى قامة البروفسير يوسف فضل وليس من عامة الناس !. ويقول لى الشيخ حماد زين العابدين من مشائخ السادة اليعقوباب ان الشيخ ود ضيف الله ليس مسؤولا عن الكتاب الذى حمل اسمه لانه لم يترك نسخة مطبوعة او موقعة باسمه ويؤكد نفس المعنى الاستاذ الشاعر احمد الخليل من احفاد الشيخ ود ضيف الله .وقد ذكر البروفسير يوسف فضل انه اطلع على ست نسخ واعتمد ثلاثة منها , ويتساءل الشيح زين العابدين لماذا لم يجعلنا من ضمن مراجعة ليناقش معنا مارواه عن ابائنا والاتهامات الخطيرة التى وجهها اليهم وهى كفيلة باخراجهم من دين الاسلام! مساجدنا موجودة فى كل بقاع السودان وسلسة خلفائنا لم تنقطع عبر الاجيال منذ عهد الجد المؤسس الشيخ بان النقا الضريروكذلك السادة الصادقاب المفترى عليهم ايضا.!.

    يقول البروفسير يوسف فضل فى تحقيقه لكتاب الطبقات ان الشيخ محمد بن عبد الصادق الهميم , الجد الاكبر للصادقاب تزوج فى وقت واحد من بنتين من بنات الشيخ بان النقا الضرير , جد اليعقوباب وكذلك تزوج بنتى الشيخ ابو ندودة فى رفاعة , مما دفع الشيخ دشين الملقب بقاضى العدالة فى بلدة رفاعة لفسخ هذه الزيجات ويعلق الشيخ حماد فى حديثه لمجلة القوم , العدد السابع بتاريخ يناير 1986, ان عدم دقة المحقق وتناقضه تتضح عندما ذكر فى سيرة اليعقوباب ان للشيخ بان النقا الضرير بنتان فقط وذكر اسميهما , السيدة بتول الغبشاء واشار الى اسم زوجها الشريف حماد ابن عبد الله الملقب بحماد الخفي وهو من اشراف الحجاز وانجب منها الشيخ هجو الملقب بأبو قرن والثانية زينب "نقاوة". ولم يرد فى تاريخ اليعقوباب ان للشيخ بان النقا الضرير بنتين باسمى كلتوم وخادم الله اللتين جمعهما الشيخ الجليل محمد بن عبد الصادق زوجتين له كما زعم. ويضيف الشيخ حماد , اذا كان مثل هذا الامر , الجمع بين الاختين لا يصدق ولا يمارسه عامة المسلمين , فكيف يرتكبه اهل العلم حفظة القرأن ومعلميه والذين مازالت مساجدهم عبر القرون , منارات علم وتقوى وهداية.؟ وعلينا ان نتساءل ايضا عن حكم الشرع فى مثل هذا الزواج , هل من المعقول ان يحكم القاضى بالفسخ فقط كما جاء فى الطبقات ام يحكم بحد الزنا كما هو معروف شرعا ؟. ويقول كل الشواهد تثبت ان الرواية مدسوسة من اعداء البيتين الكبيرين , اليعقوباب والصادقاب , بل وهناك شكوك بان القاضى دشين عاصر عهد الشيخين الجليلين! والانكى من ذلك ان الرواية المنسوبة للشيخ ود ضيف الله تقول ان الشيخ محمد بن عبد الصادق الهميم عندما سمع بحكم القاضى دشين دعا عليه " الله يفسخ جلدك" وبالفعل تفسخ جلد القاضى دشين.!! وهنا يكمن خطر الترويج لمثل هذه الروايات او كما يطلق عليها العامة " الكرامات" التى لايقبلها الشرع ولا العقل !.. وقد وقفت بنفسى على ضرر وفداحة تأثيرهذه المقولات فى محاولاتى لتوثيق سيرة القوم وتنقيحها من السلوكيات التى تتنافى مع اصول التصوف , فكنت افاجأ بامتناع الكثيرين والتزامهم الصمت ويبررون ذلك برواية فسخ جلد القاضى الذى اعترض على تعد واضح واوقف انتهاكا فى قضبة لا خلاف حولها بالنسبة للشرع ومع ذلك تقبل دعاء الشيخ الذى خالف تلك الاحكام وفسخ جلد القاضى الذى انتصر للحق!
    وهناك العديد من الروايات الكاذبة فى حق التصوف فى السودان يحفل بها كتاب الطبقات ومن غير المقنع ولا المفيد ترديد مقولات وتبريرات بان الكتاب من الموروثات الشعبية والفلكلورية ويعكس ثقافة عصر وليس كتاب علم وفقه.. الكتاب فيه ايجابيات لا شك فى ذلك ولكن بالتاكيد فان الشيخ محمد نور بن ضيف ليس مسؤولا عما نسب اليه فى النسخ المخطوطة الست والمعروف ان الكثير من المريدين والاصهار ينسبون تباهيا وفخرا لشيوخهم حتى يومنا هذا الكثير من الاساطير ظنا و جهلا بانهم يرفعون من مكانتهم والعكس صحيح.!. نسأل الله الصحة والعافية لاستاذنا الجليل البوفسير يوسف فضل لاعادة تدقيق وتوثيق الطبقات . أمين !

    [email protected]
                  

02-19-2010, 08:04 AM

حمور زيادة
<aحمور زيادة
تاريخ التسجيل: 03-28-2007
مجموع المشاركات: 12116

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)
                  

02-19-2010, 05:35 PM

محمد عثمان الحاج

تاريخ التسجيل: 02-01-2005
مجموع المشاركات: 3514

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: حمور زيادة)

    لك التحية أستاذ الأجيال يحي العوض، أعتقد أنني سبق لي أن قرأت رأيك هذا على صفحات مجلتي المفضلة مجلة القوم. من الأشياء الهامة جدا التي كانت مجلة القوم تقوم بها توثيق التراث الشفهي للتصوف السوداني، التراث الذي لا تسجله مصادر أخرى ومصيره الضياع بعد مدة تطول أو تقصر في حين أنه يسهم بشكل مستمر في خلق جزء مهم من روح التصوف السوداني بما يلقيه من تأثير، من ذلك مثلا حكايات الغارات التي تحدث بين المشايخ كحكاية غارة جبل بيلا بين الشيخ الطريفي والشريف، وهذا التراث بلا شك سينكره كل من ينكر الروحانيات من أهل العلوم الظاهرية الذين لا شك سيبادرون لدحضه وجعله موضوعا للسخرية والتندر، لكنه بالنسبة لكل سالك ومريد ومحب لأهل الطريق حقائق وليست خيال وجزء من واقع ليس في متناول البشر العاديين المنهمكين في الحياة اليومية والمشغولين بقشور هذا العالم عن لبه، وهو تراث لا ينفرد به التصوف الإسلامي وحده بل هناك ما يقابله في تراث بوذيي التبت، وقديسي الهندوس بل وحتى النصارى وفي تراث السادة العارفين حكماء الهنود الحمر. لكن أيضا هذا التراث لا يخلو من دخول أشياء غير صحيحة عليه وذلك أمر معروف في كل تراث شفهي، وحقيقة كان يجب أن يكون البروفيسور يوسف فضل هو أول من ينتبه لهذا الجانب وينبه له، فلك الشكر أستاذنا علي العوض، وآمل حين تعود القوم مرة أخرى ألا تكف عن تسجيل تراث الخوارق والروحانيات كما هو متداول مع أبداء الرأي فيما يمكن أن يكون دخيلا عليه، وذلك هو المنهج العلمي السليم. عقيدتنا الإسلامية السودانية هي عقيدة روحانية نقية، تؤمن بأن هناك من إذا دعا الله استجاب له حتى لو كان في ذلك خرق قوانين الطبيعة وهي الآن تواجه هجمة شديدة من جانب المذهب الإرهابي التكفيري الذي يتبنى إسلاما من نوع رأسمالي مادي ينكر الخوارق وما يخالف عقل الحياة اليومية الضيق، يليق بالمجتمع الرأسمالي الاستهلاكي ويستهوي أهله وإبعاد تراثنا الروحاني سيكون تقوية لهذا الاتجاه!

    (عدل بواسطة محمد عثمان الحاج on 02-19-2010, 05:38 PM)

                  

02-19-2010, 10:43 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: محمد عثمان الحاج)

    الاستاذ الفاضل حمور زيادة لك الشكر والتقدير على مداخلتك التى افردت لها بوستا منفصلا ولك العذر فى ذلك رغم اننا كمهنين ونتمسك باصول المهنة كان من الافضل ان تواصل فى اطار البوست المفتوح ولاتثريب عليك مادام هذا اختيارك وايضا من مثالب او حسنات صحافة المجتمع الحرية الكاملة التى يحكمها فقط ضمير المتداخل واهليته للحوار لانه يتمتع بحرية لا حدود لها ولا رقيب عليها وبالتالى فهى تشكل قوة وضعف صحافة المجتمع .. ساخاطبك باعتبارك من جيل الابناء ودائما اقول لابنائى واحمد الله ان اثنتين من بناتى يعملن فى قبيلة الاعلام وانصحهن دائما مراعاة المجادلة الحسنة والقراءة المتأنية للمواضيع المخالفة لما يطرحن من قضايا , وتجنب التعليق لحظة الغضب والانطباع الاول .. وليتك عزيزى الاستاذ حمور زيادة قرأت مقالى الاول الذى يمهد لكتاب الطبقات وهو بعنوان .. تجربتى .. البحث عن أمن اليقين ! وكان ختامه نصا الدعاء لاستاذنا الجليل البروفسير يوسف فضل لاعادة تحقيق الطبقات ..لم نقل انه مؤلفه واشرنا بوضوح الى المريدين المزايدين فى تبجيل شيوخهم بشكل ضار . وايضا اشرنا الى الاسر فى بلادنا وقطعا الاستاذ الفاضل انك تحفظ عن ظهر قلب لسابع جد على الاقل لاسرتكم الكريمة اسرة زيادة , هل تقبل من ينسب اليكم ما ليس فى نسبكم وماهو رد فعلك اذا نسب لاسرتك ما يشين ويتنافى مع معتقداتكم .. هل نتعامل ببرود مع الروايات غير الحقيقبة لنسب اسرتكم الكريمة .. هل ترضى ذلك .. ؟ وهل من الامانة العلمية نقل كل ماياقال دون الوقوف على الحقائق وتمحيصها, خاصة فى عصر تسهل فيه وسائل الاتصال..
    وارجو الاشارة ايضا الى استشهادك بتدوين احاديث الرسول الكريم,ان الجهد الذى بذل فى تمحيصها وتدقيقها وما الغى منها يفوق ما اعتمد واصبح مرجعا .. هناك معايير للتوثيق .. المضاهاة بمعايير محددة .. وبالنسبة لكتاب الطبقات , المعيار البدهى مضاهاتة
    بالكتاب والسنة , الا اذا كنا نريده من اساطير الف ليلة وليلة كما اشار اخ من المتداخلين .. واعذرنى الاخ الفاضل حمور زيادة من القول اننى اطمح فى تواصل الاجيال وبذل كل جهد ممكن لتنقيح تراثنا من الشوائب. ونعتز بالقامات السامقة من جيل الاباء وفى مقدمتهم استاذنا الجليل . البروفسير يوسف فضل . وارجو ان تعيد قراءة مقالى الاول والثانى عن هذا الموضوع واؤكد لك ان ديدننا الابتعاد عن التهاتر واذا فرض علينا فأننا سنبادر بالتراجع والانسحاب من هذه الميادين .. لك الشكر والتقدير
                  

02-19-2010, 11:46 PM

arkamani

تاريخ التسجيل: 05-30-2007
مجموع المشاركات: 489

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    Quote: بقدر الاحتفاء بكتاب الطبقات للشيخ محمد النور بن ضيف الله, ومرور مائتى عام على وفاته "1810-2010", يتوحب علينا تجديد النداء للبروفسير يوسف فضل لاعادة تحقيقه وتدقيقه.!.

    الأستاذ / يحي العوض لك تحياتي.
    وهل لديك متن وأصل " الطبقات"؟.
    ياريت
                  

02-20-2010, 04:48 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: arkamani)

    الاستاذ المستشار عبد الناصر , احتفظ بنسخة وحبدة من الطبقات .. انا غير مقيم فى السودان وحسب معلوماتى الكتاب موجود فى مكتبة مروى بالخرطوم.
                  

02-20-2010, 05:32 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)


    الاستاذ الكريم محمد عثمان الحاج ... تسعدنى دائما مداخلاتك لتميزها عمقا وعلما ومعرفة واتمنى لقائك , فهناك الكثير الذى اتطلع لمناقشته معك .. واتذكر مقولة للشيخ محى الدين بن عربى عندما جاءه تلميذه متحسرا وقائلا .. انهم ينكرون علومنا يا شيخنا .. فأجابه ... قل لهم ما الدليل على حلاوة طعم العسل .. وسيجيبونك .. الدليل هو الذوق , فقل لهم هذا مثل ذاك .. ارجو التكرم مراسلتى على الايميل ... [email protected]
                  

02-20-2010, 06:02 AM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    Quote: والانكى من ذلك ان الرواية المنسوبة للشيخ ود ضيف الله تقول ان الشيخ محمد بن عبد الصادق الهميم عندما سمع بحكم القاضى دشين دعا عليه " الله يفسخ جلدك" وبالفعل تفسخ جلد القاضى دشين.!! وهنا يكمن خطر الترويج لمثل هذه الروايات او كما يطلق عليها العامة " الكرامات" التى لايقبلها الشرع ولا العقل !..


    الأخ الأستاذ يحيى العوض،

    لى ســؤالين:
    كيف ترون الشيـخ يوسف ابو شـرا لما قلب القرع فيتريتة، أو لما جاب السيف المسروق من الكون.. والشيـخ دفع الله المصوبن حين
    قلب التمسـاح حجـر.. والشيـخ ود عبد الصادق الأدب الفيل؟

    وشكـراً
                  

02-20-2010, 07:47 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: Abureesh)

    الاستاذ الفاضل ابو الريش ... منهج التصوف الذى نعرفه مبنى على التربية وتزكية النفس ..ومن خلال زياراتى لمعظم البقع المباركة فى السودان وجدت من همومهم الابتعاد عن هذه الاساطير التى يبتدعها الخيال الشعبى الذى يغذيه المريدون الذين يظنون جهلا انهم يعلون من شأن شيوخهم وبالتالى يلحقون بهم الاذى .. وهناك مقولة تبين ان من يدعى كرامة لشيخه فهى ليست ملزمة لغيره لتصديقها .. لذلك كانت دعوتنا لاعادة تدقيق وتحقيق الطبقات وناشدنا الدكتور يوسف فضل للقيام بذلك خاصة ان العديد من الروايات التى تضمنها لايقبلها العقل والشرع .. وللاسف الشديد اصبح الدجل والشعوذة من السمات المعيبة فى مجتمعاتنا التى تتفشى فيها الامية الدينية .. كما ان الاحباط وانسداد الافق امام الكثيرين يدفعهم يأسا للبحث عن مخرج او عزاء من خلال الدجالين الذين اقاموا حولهم شبكات نشطة من العلاقات العامة والسماسرة لصيد الضحايا... من هذا المنطلق ندعوا الى تنقيح كتبنا التراثية , خاصة تلك التى تتضمن روايات ضارة بالعقيدة ومشجعة لعدم التمسك بالاسباب فى حالة علاج الامراض , فالرسول الكريم تمسك بسنته حتى فى مرضه الاخير وكان يتناول الدواء .. وايضا فى الاجتهاد فى العمل واتقانه والبعد عن التواكل ..
                  

02-20-2010, 08:43 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الاستاذ الفاضل زيادة حمور .. عنوان البوست الذى افردته يقول:

    الطبقات : براءة يوسف فضل وود ضيف الله ومسئولية الرواة .. لا خلاف فى ذلك واكرر القول ان اجتزاء فقرات من المقال واعتبارها حجة باننى اتهم الدكتور يوسف فضل مردود عليها لونشرت المقال كاملا فأنى لم اتهم الدكتور بتاليف الكتاب وكان تركيزى على الرواة وهل كل مايروى نعتبره حقيقة خاصة ان جميع الاسر الصوفية التى روى عنها فى الكتاب موجودة منذ عهود ممتدة من قبل مولد الشيخ ود ضيف الله وحتى اليوم .. واذا كنت مقتنعا معى بمسؤلية الرواة فلماذا لم نتحقق فى مزاعمهم .؟. بالطبع الكتاب ليس توثيقا للاحاجى او الامثال الشعبية او الاغانى وحتى عندما نتناول هذه الممارسات ننقيها من الالفاظ الخارجة عن الاداب العامة والخادشة للحباء , فما بالك بروايات خادشة للمعتقدات واصول التصوف وتسيئ للانساب. المحقق او المدقق لا يقف محايدا , او بلغة اليوم اكاديميا باردا.. عليه مسؤلية كبيرة للقياس والتأصيل .. وقد اشرنا سابقا للجهد المضنى الذى قام به رواة الحديث الشريف , خاصة البخارى ومسلم , كانا يجوبان الفيافى ولشهور طويلة للتاكد من صحة حديث واحد بل وفحص صدقية الراوى والتاكد من سلامة عقله وسلوكه .. لذلك اسقطوا الاف الاحاديث التى نسبت للرسول الصادق , ومازال العلماء الى يومنا هذا يعيدون فحص وتدقيق هذه الاحاديث . كتاب الطبقات حقق فى السبعينيات من القرن العشرين بامكانته التى لاتقارن بعصر الشيخ ود ضيف الله .. من هنا لا يعقل ان يكون المحقق محايدا ليروى مايتناقض مع حقائق التصوف.والفت النظر الى ان اسرة الشيخ ود ضيف لا يتفقون مع المحقق على كل الروايات التى وردت فى الكتاب وقد اشرنا الى ذلك فى المقال .
                  

02-20-2010, 11:11 AM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الأخ يحيى

    أرى خلطا بين التصوف الحقيقى، وبين صور الشعـوذة والدجل والنفاق الجارى هـذه الأيام فى السـودان.

    وأنا هنا سألت تحديدا عن رأيك فى معجزات والهامات الصالحين (وليس المنافقين الذين تراهم).. هل
    نداء عمر بن الخطاب لساريـة أن يلجأ للجبل كان نفاقا ودجلاً؟

    هل قتل الرجل الصالح إيلايا (الخضر) للغلام وبناء جدار لغرباء ودون مقابل، وثقب مركب الغير مما لا
    يحق له ثقبه.. وتفسير كل ذلك لموسى بأن الله علمه الغيب وما سيحدث لهؤلاء، هل كان ذلك شعوذة من الخضر؟

    كما سألتك عن كرامات محددة عن الشيخ يوسف أبشرا ودفع الله المصوبن ومحمد ود عبد الصادق، فلم أجد ردا حتى الأن.

    أنت تقول أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الأدوية.. حسنـا، وكل السودايين يأخذون أدوية بما فيهم الشيوخ
    والحيران (بالإضافة للرقية) ولكن ما رأيك فى الرقية الشرعية؟ هل فيها أى مضادات حيوية واللا أسبرين واللا فيتامينات؟

    ما رأيك فى شيوخ الصوفية الكبار؟ إبن عربى، الحلاج، عبد الغنى النابلسى، عبد القادر الجيلانى.. فإن تراثهم موجود
    فى كتبهم (أم أنها تحتاج الى تحقيق أيضا)؟؟ هل قرأت الفتوحات المكية واللا عنقاء مغرب واللا ديوان شعـر إبن عربى؟
    أو ديوان الجيلى أو النابلسى؟ كل هـذه الكتب تعج بالكرامات (وكمان أكتر).. طبعا أنا أفترض أنك اطلعت عليها بحكم
    تصوفك وإخراجك لمجلة القوم، ولكن رأيك فيها مهم لأن ما سطروه لا يتعارض مع الطبقات.
                  

02-20-2010, 12:51 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: Abureesh)

    سلام يا الوليد ..
    و الله انا بديت اشك .. لأنو البوست التاني بدأ فيو حوار معاي فحاضطر انقل هنا و ارد.
    شكلي اخطأت الاختيار .. لكن الله غالب.

    الاستاذ الفاضل حمور .. فعلا تشتتنا لوجود بوستين حول موضوع واحد واذا اردت فانا غلى استعداد لنقل البوست الى موقعك واذا لاتمانع انتقل الى موقعنا .. لك الشكر والتقدير
                  

02-20-2010, 01:14 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    Quote: أرى خلطا بين التصوف الحقيقى، وبين صور الشعـوذة والدجل والنفاق الجارى هـذه الأيام فى السـودان
    .


    الاخ الاستاذ ابو الريش هذا بيت القصيد ونتفق عليه ....

    (عدل بواسطة يحيى العوض on 02-20-2010, 01:29 PM)

                  

02-20-2010, 01:39 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الاستاذ الفاضل ابو الريش ...اشكرك على الاسئلة وبالطبع توافقنى بانها تحتاج لمزيد من الوقت...
                  

02-21-2010, 06:09 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    لا ادرى من اين جاء الاخوة المتداخلين فى البوست الذى افتتحه الاستاذ حمور بانى قلت ان الطبقات من تاليف الدكتور يوسف فضل .. اقول مرة اخرى ان مسؤليتة تنطلق من التحقيق والتدقيق فى الروايات التى تفاخر بها المريدون عن شيوخهم وكذلك الممارسات التى تتنافى مع العقيدة التى يدين بها من وردت سيرتهم وقد نقلنا بوضوح اراء من تأذوا من اساطير نسبت الى ابائهم ودمغتهم باتهامات خطيرة . ولمن يرددون عبارات لايعرفونها عن المنهج العلمى فى التوثيق وان المحقق غير مسؤول عن مزاعم الرواة , نقول لهم ان المنهج العلمى مبنى على التمحيص والتدقيق وحتى عندما نروى مقولة نعرف ضررها بالنسبة للاخرين , يتوجب علينا ادراج تعليقاتهم متزامنة مع مايكتب عنهم على الاقل فى هوامش الكتاب .. وقد راعنى ما اورده المتصدى لهذا البوست من ترديد حكايات خارجة عن الذوق وتتنافى مع اصول اهداف صحافة المجتمع التى لارقيب عليها الا ضمير الكاتب لذلك اشعر باسف واسى لنشرى هذا البوست من منطلق التعليقات التى قرأتها والتى حيرتنى حقا وافقدتنى الحكم الراجح على شرائح من جيل الابناء واستعدادهم لكتابة ونقل مايخطر على بالهم دون مراعاة لاعراف اوتقاليد..
                  

02-21-2010, 09:15 AM

Siham Elmugammar
<aSiham Elmugammar
تاريخ التسجيل: 06-18-2004
مجموع المشاركات: 3488

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    Quote: منهج التصوف الذى نعرفه مبنى على التربية وتزكية النفس ..ومن خلال زياراتى لمعظم البقع المباركة فى السودان وجدت من همومهم الابتعاد عن هذه الاساطير التى يبتدعها الخيال الشعبى الذى يغذيه المريدون الذين يظنون جهلا انهم يعلون من شأن شيوخهم وبالتالى يلحقون بهم الاذى .. وهناك مقولة تبين ان من يدعى كرامة لشيخه فهى ليست ملزمة لغيره لتصديقها .. لذلك كانت دعوتنا لاعادة تدقيق وتحقيق الطبقات وناشدنا الدكتور يوسف فضل للقيام بذلك خاصة ان العديد من الروايات التى تضمنها لايقبلها العقل والشرع .. وللاسف الشديد اصبح الدجل والشعوذة من السمات المعيبة فى مجتمعاتنا التى تتفشى فيها الامية الدينية .. كما ان الاحباط وانسداد الافق امام الكثيرين يدفعهم يأسا للبحث عن مخرج او عزاء من خلال الدجالين الذين اقاموا حولهم شبكات نشطة من العلاقات العامة والسماسرة لصيد الضحايا... من هذا المنطلق ندعوا الى تنقيح كتبنا التراثية , خاصة تلك التى تتضمن روايات ضارة بالعقيدة ومشجعة لعدم التمسك بالاسباب فى حالة علاج الامراض , فالرسول الكريم تمسك بسنته حتى فى مرضه الاخير وكان يتناول الدواء .. وايضا فى الاجتهاد فى العمل واتقانه والبعد عن التواكل ..


    Quote: نقول لهم ان المنهج العلمى مبنى على التمحيص والتدقيق وحتى عندما نروى مقولة نعرف ضررها بالنسبة للاخرين , يتوجب علينا ادراج تعليقاتهم متزامنة مع مايكتب عنهم على الاقل فى هوامش الكتاب ..


    العم العزيز يحيى العوض تحياتى وسلامات
    دعنى اشكرك اولا على البوست فعلا كتاب الطبقات يدعو لكثير من التساؤل و التفكير
    لقد وجدت الاقتباسين مترابطين و مكملين للفكرة الاساسية للبوست

    تحياتى وابقى طيب
    سهام طه المجمر
                  

02-21-2010, 10:20 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: Siham Elmugammar)


    الاستاذة سهام طه المجمر , سعادتى لا توصف وانا اقرأ اسمك كاملا ... ابنة استاذى وصديقى طه المجمر ... لقد كانت بداياتى فى السودان الجديد عاشقا لاسلوبه فى النقد الرياضى وصحبته فى الكثير من المباريات الكبيرة .. كنت اتعلم منه دقة الملاحظة خاصة فى المباريات الحساسة بين الهلال والمريخ كان يقول لنا حياد الناقد الرياضى لا يعنى امساك العصا من منتصفها اى الوقوف محايدا بين الحق والباطل وكان يقول من لم يكن شجاعا وله ضمير فانصحه الا يحترف النقد الرياضى لان الناقد السياسى او الادبى قد لا يلتقى بمن ينتقدهم لكن الناقد الرياضى يواجه من ينتقدهم فور صدور الجريدة .. كان الاستاذ طه المجمر مدرسة متفردة متكاملة مع مدرسة الاستاذ عمر عبد التام .. وكانت مواهب الاستاذ طه المجمر المتعددة حرمته من التفرغ للنقد الرياضى , فقد كان اداريا ناجحا . فبعد رحيل ابو الصحف الاستاذ احمد يوسف هاشم وتفرغ الاستاذ فضل بشير لرئاسة التحرير نولى الاستاذ طه المجمر الادارة والشئون المالية مضحيا بحبه للنقد الرياضى . واستطاع قيادة السودان الجديد بتوفير كل المدخلات الممكنة من التوزيع والاعلان .. وكان الركيزة الاولى للسيدة عديلة ارملة المرحوم احمد يوسف هاشم واليد اليمنى للاستاذ فضل بشير .. وكان يحنو علينا معشر الصحفيين ولا يبخل علينا بالسلفيات حتى اننا كنا ناخذ مرتباتنا كاملة قبل منتصف الشهر الشىء الذى يحسدنا عليه اقراننا فى الصحف الاخرى .. واستمر نجاح الاستاذ طه المجمر فى ادارة المؤسسات الصحفية وعلى يديه ومعه الاستاذ الكبير مصطفى امين نشأت وكالة سونا للانباء فى عهدها الاول وطاولت وكالات النباء الاقليمية ... عندى الكثير من الذكريات عن الاستاذ الجليل طه المجمر وسابذل مافى وسعى لتوثيق سيرتة ومسيرته وانمنى مساعدتى لتقديم هذه الصفحات المشرقة من تاريخ الصحافة السودانية ... ابنتى العزيزة .. اين شقيقك عصام , المسمى على عصام ابن ابو الصحف احمد يوسف هاشم واتمنى ان يكون جميع افراد الاسرة بخير
                  

02-21-2010, 12:19 PM

عبدالرحمن إبراهيم محمد
<aعبدالرحمن إبراهيم محمد
تاريخ التسجيل: 10-02-2009
مجموع المشاركات: 2591

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)



    أســتــاذنــا يــحــى الــعـوض:

    لـك الــتـحـيــة والــتـقـديــر

    تـقــول فى عــنـوانـك

    Quote:
    الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل
    .


    أعــتـقـد أنـه مـن الـضـرورى ذكــر أن هـذا الـكـتاب كان مـحـور نـقاش وجـدل مــنـذ صــدوره.

    فــهـناك أســئـلـه كـثـيرة حــول لـصـاقـة مــعـرفـه البروفـســير يـوســف فـضـل

    بأبـعاد تـفاصـيـل الـمـخـطـوطـة وأحـداثـها؟

    وهـل هـذه هـى الـمـخـطـوطـة الـوحـيـدة؟

    ومامــصـير الـمـخـطـوطـة الـتى قــيـل أن الـمـرحـوم ألأســتاذ أبـو ســارة

    كان يــقـوم بــتـحـقـيـقــهـا حـيـنـما كان يـعـمل مـع البروفســيور يـوسـف فـضـل

    فى شــعـبة أبـحـاث الســودان؟

    وماصــحـة نســبـة الـمـخـطـوطـة بـكامـلـها إلـى ود ضـيـف اللـه ؟

    إن ســبر أغــوار مـثـل هـذه الـتـســاؤلات هــام للـغايـة

    فى تـحـديد الـمـسـؤلـيـة والأمانـة الـعـلـميـة فى الـنـقـل والـتفـسـير والـتـحـلـيـل.


    أمــا مـســألـة الـمـبالـغـة فى نـســبـة بــعـض الـكرامات للأولــيـاء

    فأكـتــفـى بـثـلاث أمـثـلـة

    فــأذكــر مـثـلا إقــرار الـشــيـخ الــزبــيــر عــبدالـمحـمـود الشــيـخ الـزاكـى

    بــعـد أن رفــض الإسـتـمـرار فى الـشــياخـة خـلـيـفـة لـوالـده بــعـد مـوتـه.

    فــفـد روى أنـه بـعـد أن ذهــب إلى الـحـج وبــقـى لـيـتـفـقـه فى الـديــن

    عــلـم بـخـطـل مـاكان يـمـارســه هــو وأبـوه مــن قـبـلـه.

    فحــيـنـما عـاد مــن دراســتـه رفـض أن يـقـبـلـوا يـده.

    وطــلـب الـمـغـفـرة لـوالـده ولـنـفســه عـما إقـترفـا مـن الـغـلو.

    فـقــد ذكــر كـمـثـال أن يـدعــى الـحـيران

    كـيـف أنـه كان يطـير إلى مـكـة كل لـيـلـة لـيـصــلى فى الـحـرم!

    وهــو يـســمـع أيــضــا إدعــاتـهـم بنســبـة كـرامات لـه لـم يـعـلم هــو نـفســه عــنـها شــيـئا!

    أو مـباركـتـه للـعـرائـس وطالـبات الـذريـــة!

    وكـما كان مــتـوقــعـا لــم يـكن قــراره لـيرضـى الـمـنـتـفـعـين مـن تشــييخـه

    لـما كان يـعـود عــلـيـهـم مــن أمـوال "الزوارة" وجـوالات الـمـحـاصـيـل والـمـواشــى.

    كــما كـان يــقــول ضـاحـكا.

    فـراجـعـوه مــرارا.

    ولــما رفـض الإســتـمرار فى ذلـك "الـباطـل" عـلى حـســب قـولـه،

    إدعـوا بأنـه جــن وشــيـخـوا أخـاه الأصـغـر.

    وجــاء إلى الـخـرطـوم وكان أول مـن إفـتتـح

    كشــك مـكـتـبـة بـجـامـع الخــرطوم الـعـتـيـق

    بالـســوق الـعـربـى لــيبــيـع فـقـط الـكـتب الـتى تتـفـق مــع "الكـتاب والسـنة"

    وجــنـد وقــتـه وطــاقــتـه لـمـحـاربـة الـخــرافات الـمـتـعـلـقـة بالـسـادة الـصـوفـيـة.

    وأمــا الـحــدث الـثانى فــكان فـى خــلاف نشــب

    بــيـن مـجـمـوعـة مـاكان يسـمى بإخـوان الــصـفا عـندما عـريـنا خـداعـهـم

    أنـا والأخ الـمـرحــوم الــفــنان الأســتاذ أحـمد عـبدالـعال

    عــندما إلـتـقـيـنا مـصـادفـة فى إحـدى جـلسـاتـهم.

    وكـنـت وقـتـهـا أبـحـث فى أســباب إنـتشـار ظـاهـرة الـفـقـرا

    وإحـتـضـان نـمـيرى لــهـا وعـضـويـة وزيـر الإعـلام عـمر الـحاج مــوســى

    لـجـماعـة إخــوان الـصـفا الـذيـن كانـوا يـدعـون

    تـحـضـير روح الشــيـخ المرسـى أبـوالـعـباس وآخــريـن.

    وأثــنـا أبـحـاثى تـلـك حـول الـخـوارق

    إكــتشــفـت وقــتـهـا الـحالـة الـثـالــثـة

    لـشــيـخ طــريـقـة مــشــهـور

    لــه مـن الأتـباع فـى مـصـر والـســودان أعــداد ضـخـمـة من المريدين

    كان قـبـل إدعــاءه الـمـشــيـخـة يـبـيـع ويـحـمـل الـخـمـور كـفراش فى قـطارات الـســكة الـحـديد.

    ولـكـم الــود

                  

02-21-2010, 12:35 PM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: عبدالرحمن إبراهيم محمد)

    Quote: الاستاذ الفاضل ابو الريش ...اشكرك على الاسئلة وبالطبع توافقنى بانها تحتاج لمزيد من الوقت...


    الأستاذ الفاضل يحيى،

    شكـرا وحتى تجدون الوقت للإجابة على تلك الإسئلة، لى سـؤال ربما كان أبسط..

    لو كتب متصوف كتابا عن مرحلة من تأريخ السـودان، حين كل السـودانيين كانوا متصوفة، وإحتفلوا بكتابه وحفطوه
    ثم جاء وقت دخل فيه طريقة الوهابية الســودان، وإعتنقها بعض من أبناء من وردت أسماء أجدادهم فى الكتاب،
    وإعتبروا ما ورد خارج عن السنـة مبرأون منه..

    السـؤال: هل نأخذ برأيهم ورغبتهم فى تبرئة أجدادهم مما نسبه اليهم التأريخ، أم نأخذ ما ورد فى التأريخ؟


    الواقع كان كدا بالرغم من رأى الوهابية أنه ضلال.. لذلك التأريخ يسجل الواقع كما هو.. وما يجى وهابى اليوم
    ينقح الكتاب، وبعد 50 سنـة السودان تانى يقلب صوفى وينقحوا الكتاب تانى.. دا ما بقى تأريخ دا.
                  

02-21-2010, 12:46 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: عبدالرحمن إبراهيم محمد)

    الاستاذ الجليل عبد الرحمن ابراهيم... مداخلتك القيمة تثرى هذا النقاش وتمهد الى تنقيح شامل لتراثنا الذى عبث به .. نحتاج الى وقفات شجاعة لازالة هذه الشوائب وبقاماتكم السامقة وتجاربكم الثرة النيرة نستطيع ازالة الركام وتقديم ماينفع الناس ويعيد للتصوف دوره النقى والرائد فى التربية.
                  

02-21-2010, 01:16 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الاستاذ الفاضل ابو الريش .. لك عظيم الشكر والتقدير لاسئلتك العميقة المعنى والدلالات .. الموضوع الذى ركزنا عليه لم يكن جدلا حول التصوف ومشروعيته والمجادله حوله من فرق ومذاهب .. الموضوع الرئيسى والذى اثاره فى مجلة القوم ابناء اسرتين كريمتين من اعرق بيوتات التصوف فى السودان , الصادقاب واليعقوباب عن زواج لاختين فى وقت واحد ومن رجل وهب نفسه للعلم والتربية وتدريس القران فى مساجده وخلاويه المنتشرة فى كل انحاء السودان... ورفضهم لهذه الفرية واستشهد اهل البنتين المزعومتين ان الاسماء التى ذكرت لا توجد فى تاريخ الاسرة بل وان كتاب الطبقات نفسه ذكر اسماء البنتين الحقيقتين للشيخ بان النقا الضرير وتساءلوا الم يكن بوسع المحقق الاتصال بهم وعلى الاقل الاشارة الى رايهم ولو فى هامش الكتاب ... هذا هو الموضوع المطروح .. الا يحق لهم ذلك؟؟
                  

02-21-2010, 03:44 PM

سالم أحمد سالم
<aسالم أحمد سالم
تاريخ التسجيل: 11-19-2007
مجموع المشاركات: 2698

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)


    الأستاذ يحى العوض
    قدّس الله سرك! وين الحي بيك؟

    أولا تهمني أخبارك وفي أي أربع رياح الأرض أنت اليوم؟

    الكلام قد يطول حول المطروح .. والمحمدة لك أنك طرحت الموضوع على الهواء ..
    ما أقوله باختصار أن ود ضيف الله نقل روايات متواترة قبل زمانه ..
    فمعظم ما ورد في الطبقات المختلفة المنسوبة لود ضيف الله عبارة عن قصص وروايات
    لم يعاصرها، بل سمعها ثم جمعها كما سمعها ..
    إذن ود ضيف الله لا يعدو كونه مؤرخا ..
    والمؤرخ نوعان:
    مؤرخ جامع للمادة تاريخية أو ما يعرف data collection
    ثم مؤرخ يقوم بجمع وتحليل المادة، أي يقوم بعمليتي الجمع والتحقيق معا ..
    ود ضيف الله من النوع الأول، قام بجمع المادة ولم يقم بدور المحقق في المادة التي جمعها ..
    ولا شك أن ود ضيف الله قام بعمل مقدّر هو جمع المادة، وألا لبقيت مشفوهة بما يجعلها عرضة لمزيد من عمليات الحذف والإضافة .. إذ علينا هنا أن ننظر للمادة من منظور أنها مادة مجموعة بصرف النظر عن مضمونها المعرفي أو الأسطوري ..
    من ذلك على سبيل المثال أنك تجد في معظم المدونات الفرعونية السودانية أو المصرية منها أعمالا خارقة هي أقرب إلى الأساطير قام بها هذا الملك أو تلك الملكة، مثل العمليات الحربية للملك توت عنخ آمون، والتي ليس لها قرائن مادية على الأرض .. ومع ذلك قبلناها كمادة ولم نصدقها كوقائع تاريخية .. ولم نحاكم توت عنخ آمون بالكذب أو نشبعه إدانة ..

    أظن من الضروري أن ننظر إلى ود ضيف الله كمؤرخ جامع للمعلومة دون أن نحمله تبعات المادة المنقولة ... فقد نقل لنا القرآن الكريم، وهو كلام الله وكتاب التوحيد، الكثير من مقولات فرعون وأهل ثمود وقوم لوط وقوم موسى. وطبعا كما يعلم الغالبية فقد قام القرآن الكريم بتفنيد حجج الكفر والشرك لأن القرآن هو مرجعية الحجة والإقناع المنطقي والدليل العقلي، أي أن القرآن الكريم أتى بمادة الكفر وأثبت بوارها، فلا مقيس عليه ..

    أما بالنسبة للنصوص التي جمعها ود ضيف الله، فإن باب التحقيق فيها مفتوح للجميع، فمن شاء أن يحقق فليحقق وليصدر من شاء أكثر من كتاب. ولا أدري لماذا نطالب البروفيسور يوسف فضل بتعديل ما كتبه؟
    أما على الصعد الشخصية، فمن شاء أن يؤمن بما جمعه ود ضيف الله كما هو فليؤمن ومن شاء أن ينكره جملة وتفصيلا فلينكره .. فذلك يدخل في الحرية الشخصية ..

    تحياتي
                  

02-21-2010, 05:44 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    صورة الزعيم الخارق ونفوذها على الحياة العامة السودانية:

    قراءة سريالية لعالم ود ضيف الله*

    د. غازي صلاح الدين العتباني

    مقدمة

    يقول ود ضيف الله في ترجمة بلال بن الفقيه محمد الأزرق بن الشيخ الزين ولد صغيرون: "وكان صاحب دعوة مستجابة ما دعا على أحد عند قبر آبايه (آبائه) إلا هلك سريعاً. يحكى أن بقوي ولد عجيب غصب بقراً هول الفقيه أبو الحسن ولحقوه في ولد بان النقا فامتنع من الرد وقال: يا بلال زين أرجع. فدخل في قبة الزين وقال لهم: إن كنت ما في فايده، مان ماسك لكم العقاب؛ بقوي يقول لي يا بلال زين أرجع ويقول لولد بانقا: يا سيدي. قال الفقيه محمد المرق: سمعت قبر الأزرق قال كع كع كع، وإن بقوي مشى ما رجع؛ قتل شر قتله في حرب جعل مع العجيل"**.

    لست أدري ما الذي أغضب الفقيه بلالاً إلى هذه الدرجة حتى تقلقل قبر أبيه غضباً كع كع كع. يبدو من السياق أنها طريقة خطاب بقوي ولد عجيب له التي لم توفه حقه. لكن القصة تحكي عن صورة شائعة في المخيلة الشعبية السودانية لمقدرات الشيخ أو الزعيم الأسطورية.

    في زيارة مجددة لود ضيف الله قرأت فيما وراء قصصه ما لم أقرأه في زيارتي الأولى له قبل أكثر من عشرين عاماً. آنذاك تركز الجدل العام في المسائل الفقهية، فانقسم الناس فريقين. فريق اتخذ من إعادة طرح الكتاب مناسبة لتجديد الحنين إلى ذلك الماضي المتباعد ظناً منه أن الحياة آنذاك، بفضل أفذاذ خارقين للعادة، لم تكن على سوئها الراهن؛ أو قل إن أولئك الأفذاذ خففوا على الناس بمعجزاتهم وقع مصائب الدهر. وفريق، بالمقابل، اعتلى موجة الحدث واتخذ من غرابة قصص الكتاب حجة ينتصر بها للفقهاء أهل الشريعة على المشايخ أهل الطريقة. إن الكتاب في جملة منحاه انتصار لمشايخ الطريقة على العلماء، برغم أن صاحبه أعلن وقوفه في البداية على مسافة متساوية من الجميع إذ يقول: "وأردت أن أجمع هؤلاء الأعيان في معجم وأذكر العلماء العاملين على حدة، ومشايخ الطريقة وما يدل من سيرهم وأقوالهم في تعظيمهم للشريعة على حدة". لكن المزاج السائد في الكتاب لم يكن محايداً، بل كان صدى للمزاج السائد في مجتمع ود ضيف الله، وهو لم يعد أن يكون ناقلاً أميناً له.

    لكنننا إذا نحينا الجدل الفقهي جانباً ونظرنا إلى الكتاب باعتباره سفراً في التأريخ الاجتماعي والنفسي للشخصية السودانية الأوسطية (نسبة إلى السودان الأوسط)، فسنستفيد منه شيئاً أكثر من عناء المماراة. سنستفيد منه معرفة ما يشكّل مخيلة العامة ويملي تصرفاتهم وانفعالاتهم ويحدد توقعاتهم. فليس مهماً أن نقرر ما إذا كانت الحوادث المذكورة في الكتاب قد وقعت أو لم تقع، المهم هو أن جانباً كبيراً من المجتمع آمن بأنها وقعت وأجرى حساباته وشكّل تصرفاته بناءً عليها، وبذلك تكوّن لديه عقل وضمير جمعيان يمليان انفعالات أفراده، سواء الصادرة منها من منطقة الوعي أو من منطقة ما دون الوعي في تفكيره، وهو يكاد أن يكون مسيراً بهما.

    معظم شخوص الكتاب من السودان الأوسط الذي ازدهر أيام السلطنة الزرقاء ومملكة العبدلاب. وهو الممتد من منطقة دنقلا والدفار والخندق وتخوم المحس شمالاً، وما ينزل منها حوالي نهر النيل جنوباً إلى أن نصل جزيرة الهوي، أو الجزيرة الهوي، غرب النيل الأزرق، وهي المحدودة بالنيلين الأزرق والأبيض عند الخرطوم الحالية وامتداداتها جنوباً؛ ويضم أيضاً جزيرة الفونج إلى حدود الفونج جنوباً حيث قبائل كنانة؛ ويضم جانب البطانة الذي يلي العاديك، أي الضفة الشرقية للنيل الأزرق وامتداداتها التي تشمل جزيرة مروي، أي المنطقة المحصورة بين النيل الأزرق ونهر النيل والأتبراوي؛ كما يضم منطقة بحر أبيض على النيل الأبيض. إن قليلاً من شخوص الكتاب هم من شرق السودان أو من كردفان أو من تقلي، برغم ذلك فإن طرد الاستنتاجات لتشمل سكان تلك المناطق الثلاث جائز لأن العلاقة بينها وبين السودان الأوسط كانت وما زالت قوية.

    ربما ألمح بعض من كتبوا عن السلطنة الزرقاء وسنار إلى طرف من الآراء الواردة هنا، على الأقل في ملاحظة النفوذ القوي لثقافة تلك الحقبة على المفاهيم السودانية الأوسطية وسلطانها على الشخصية الخاصة والعامة. وهؤلاء الكتاب كثر، إلا أنني أخص من بينهم حسن مكي في دراسته القيّمة عن الثقافة السنارية وبروفسور يوسف فضل. والجديد فيما أزعمه هو أن تأثير الصور التي ترسمها حكايات ود ضيف الله تسرّب من الحيّز العقدي أو الديني إلى الحيّز السياسي؛ وفي الحقيقة يستحيل عند الحديث عن البواعث الوجدانية أن نتحدث عن مناطق متحيزة، فالعقدي يتداخل مع السياسي والعكس صحيح. وما ذلك إلا لأن قوانين السلوك الإنساني لا تتجزأ ولا ينفصم بعضها عن بعض.

    وبخلاف الكتاب السودانيين، حاول كتاب أوربيون التماس الدوافع المؤثرة في الشخصية السودانية وتصرفاتها. أشهر هؤلاء هو ب. م. هولت الذي شرح نظريته عن "الغريب الحكيم"، وهي قصة شائعة ومتكررة في الأدب الشعبي السوداني وفحواها نسبة الخلاص أو مجد الأجداد المؤثل إلى شخصية من الأغراب تتمتع بالحكمة. يمكن أن نسوق أمثلة كثيرة على شخصيات استوفت شروط "الغريب الحكيم"، منها أحمد المعقور مؤسس بيت كيرا، ملوك الفور، الذي يقال إنه قادم من تونس إلى دارفور عبر بلاد الكانم والبرنو. ومنها تاج الدين البهاري الموصوف بأنه من بغداد والذي أقام بالجزيرة سبعة سنين، قبل أن يغادرها وقد أرسى أساساً متيناً للعقيدة الصوفية، وفي سبيل ذلك سلّك الطريق خمسة من كبار رجالات القوم هم محمد الهميم، ود عبد الصادق، وبان النقا الضرير، وحجازي بن معين، وشاع الدين ود التويم، والشيخ عجيب الكبير شخصياً؛ وكل من جاء بعد هؤلاء كان عيالاً عليهم.

    ودون قصد إلى تأييد نظرية هولت، أقول إنها تعزز لدي اعتقاداً قوياً بأن التطلع إلى تدخل الغريب الحكيم قد ترك آثاراً في السياسة السودانية تتمظهر أحياناً في البحث عن الحلول الخارجية في المسائل الكبرى، خاصة عندما تقلّ الثقة في الحلول الداخلية جرّاء الصراعات الحادة. لكنني لا أرمي إلى إثبات ذلك الآن. ما أرمي إلى إثباته هو أن شخصية الزعيم الخارق في العقائد الدينية قد تركت بصمات بارزة في السلوك السياسي أيضاً. وفي خاتمة هذه المقالات سنحاول أن نستخلص منها نتائج تعمّق فهمنا للعقلية الجماعية التي تكونت في منعرجات تاريخنا الاجتماعي بسبب تغلّب فكرة الزعيم الخارق. كما سنحاول أن نتعقب آثار تلك الفكرة على تماسك المجتمع واعتزازه بتفرده من ناحية، وعلى استعصائه على الإصلاحات الحديثة من ناحية أخرى. ونأمل أن تكشف لنا الفرضيات الواردة في هذه المقالات عن أسباب التوتر الهدّام الذي ننسب إليه، ولو جزئياً، بعض الإخفاقات التي شابت التجربة السياسية جرّاء تناقض البنيات الحديثة التي سعت إلى إنشائها السلطات الاستعمارية مع تطلعات المجتمع، ومفاهيمه الموجّهة، وبنيته النفسية. إضافة إلى ذلك آمل أن ترينا المقالات وجها آخر للفكرة وهو ارتباط شخصية الزعيم الخارق أحياناً بالبعد الخارجي، خاصّة بالعالم الإسلامي، وتعلّق ذلك بمفهوم الأستاذية والتحرير.

    ولا تصلح هذه المقالات لأن توصف بأنها دراسة علمية بالطبع، لأنها تعتمد بصورة أساسية على تحليل نص واحد هو طبقات ود ضيف الله، إضافة إلى الملاحظات والتجارب الشخصية بالطبع. لكن المقالات تقترح نظرية يمكن استقصاء صحتها من خلال دراسات علمية تحلل السلوك السياسي للمجتمع السوداني بغية فهمه ومعرفة بواعثه وانفعالاته بصورة أدق. ولأغراض هذا الهدف يلزم عدم قراءة النص باعتباره نصاً دينياً حتى لا يجرفنا الجدل حول صحة رواياته. بدلاً من ذلك يلزمنا، ولو مؤقتاً، أن نقرأ النص باعتباره نصاً في علم الاجتماع أو علم السيكولوجي الاجتماعي. أو إذا شئنا، بدلاً من ذلك كله، أن نقرأه قراءة سريالية أو وراء - واقعية، تماماً كما نسترجع رؤانا المنامية ونحن نحاول فك رمزياتها ونسعى إلى معرفة إسقاطاتها على حياتنا الواقعية دون أن تدهشنا غرابة تفاصيلها.

    مناقب الزعيم وخوارقه

    "ومن كراماته الحوت في البحر يسافر معاه" ترجمة عبد الرحمن بن جابر

    ما يتوقعه المجتمع من الزعيم، روحياً كان أم سياسياً، مدعاة للعجب الشديد. إن حجم المطلوبات ونوعها يعني أن تتجاوز قدرات الشيخ الزعيم حدود البشرية المعهودة بأشواط بعيدة، لا يستثنى من ذلك مجال. وسنرى كيف يرسم ود ضيف الله صورة الزعيم الروحي ابتداءً من تشكل صورته العامة لأول دخوله إلى عالم الكرامات العادية، وصفاته الخارقة فيما يتصل بعاداته الشخصية وتحكمه في أفعاله، حتى الحاجات الطبيعية كالأكل والشرب والنوم.

    يكون الإرهاص بنبوغ الفقيه وخوارقه غالباً في بداية أمره وإن لم تدل عليه دلائل ظاهرة، فالأمر ليس أمر ظاهر، لذلك لا يلتقطه إلا أهل الكشف. هذا هو الشيخ إدريس ود الأرباب يخاطب الفقيه إبراهيم بن عبودي: "أيا فقيه إبراهيم من سنة أم شانق رأيت العلم يمشي طالبك دخاخين دخاخين". أما الشيخ تاج الدين البهاري فكان سباقاً إلى اكتشاف معدن محمد الهميم ود عبد الصادق، فأسرع إلى اصطفائه من بين حيرانه قائلاً: "أنا جئت من بغداد لأجل هذا الولد. مثل ما بتعاينوا لي عاينوا له". ثم يوجه خطابه لمحمد الهميم: "محمد ولدي سبع سنين لا دين ولا دنيا وبعدها تجيك الدنيا والدين وتسكن أرضاً يقال لها النادرة، سلوكة ودلوكة". إن مؤشرات النبوغ في الفقير محمد الهميم لم يكن ليراها إلا شخص يملك استشفاف الشيخ البهاري.

    وعندما يبدأ الفقيه في التجلي تكون الخوارق الصغيرة، مثل الطيران، من الأمور الاعتيادية التي لا تثير كبير دهشة، وقد يطلبها صغار الفقرا أو المشايخ كما حدث للقدال بن إبراهيم بن عبودي المذكور أعلاه، يحكى "أن طلبته قالوا له: يا سيدي نطلب منك أن ترينا الطيران في الهواء فطار بعنقريبه في الهواء والناس تنظر لذلك ثم نزل محله". أما الفقيه محمد قيلي ابن الحاج حبيب الركابي فيفعل نفس الشيء ولكن بصورة أكثر درامية كما يرويها موسى ود رية، قال: "فذات يوم جئنا منتظرين له لصلاة الصبح فشفناه جاء طايراً بين السماء والأرض ونزل عند باب خلوته وخطى خطوات عند نزوله كالصقر". أي حجل كما يحجل الصقر عند نزوله إلى الأرض.

    ومن الكرامات العادية التي قد تتفق للمبتدئين سوق الركاوي، أي التي يحمل عليها الماء. ففي ترجمة حمد ولد زروق "لكل واحد من الأربعة (أي أبنائه) كرامة.... ولده عبد السلام مشهور بسوّاق الركاوي للبحر يوردها ويسوقها بالمطرق". وفي هذا راحة من عناء حملها، فالركاوي كثيرة في مثل ذلك المسيد المزدحم بالطلبة، وكانت مهمة جلب الماء تقع على أولئك المبتدئين لا على كبار الشيوخ، فهذه خارقة تناسب مرتبتهم.

    والمشي على البحر أيضا من المعجزات الشائعة كما اتفق لحسن ود بليل الذي مشى "على البحر كالأرض وقال: يا حي يا كيوم - بالكاف من العجمة - وحواره معه نطق بالقاف (أي قال يا قيوم) فغرق في الماء. فقال له: قل مثلي مثلي، فقال مثله فمشى على الماء". والإشارة هنا إلى أن الصواب هو ما قاله الشيخ بصرف النظر عما تقوله قواعد اللغة فالصواب ليس دائماً هو الظاهر المعتاد. ولا يخفى ما في القصة من تعريض بالعلماء الذين، في نظر ناقديهم، يهتمون بمخارج الأصوات وقلقلة الحروف أكثر مما يهتمون ببواطن الكلام وخوافيه.

    وحسن ود بليل صاحب حالات إذا ثارت عليه تغيرت لها الطبيعة فقد "أصبح ماء البحر يوماً في دنقله دافياً فسيل (فسئل) عن ذلك الشيخ عووضة شكّال القارح فقال: ولد بليل قامت عليه الحالة فغطس في البحر فأصبح دافياً".

    والشيخ الزعيم أيضاً صاحب قوة جسمانية عاتية مهما خدعك بؤس مظهره. ها هو نعيم بن عبد الشركة ابن الحاج الجعلي النواهي "وكان رجلاً قصيراً صاحب لحية طويلة، جاء رجل من السلطنة وقبض جملاً له مقيداً في خامّه (غارة نهب)، فطلبه أن يرد إليه جمله فامتنع من ذلك واسترذل خلقته، فخطف الشيخ نعيم الجمل بقيده وطار به في الهواء حتى رماه في محله. ويقولون له ختاف الجمل بقيده". ويلاحظ إشارة المحرر إلى صورة الفقيه البدنية التي أغرت خصمه باسترذالها، وقد شاع لدى البعض أن اللحية الدائرة الطويلة عنوان المسكنة؛ فإذا صاحبها قصر القامة كان ذلك أدعى للاستهانة بصاحبها.

    وبعضهم يبلغ به التحكم في الطبيعة مبلغاً عظيماً مثل هجا ولد عبد اللطيف الذي "ردت له الشمس يوم مات، وذلك أنه متزوج بامرأة من توتي ومات العصر، والبحر ممتلئ والشمس ما وسعت في خروجه للشرق اتقلبت بقت ضحى". لأن البحر ممتلئ بالناس الذين يريدون التعدية إلى البر الآخر.

    وبعض آخر مثل مكي الدقلاشي يتحكم في طبائع الكائنات التي يعجز عن التحكم فيها أهل الظاهر الذين يقفون عند حدود سلطان الدنيا الزائل، فقد "شكا إليه المك بادي من التمساح وقال له: شال حصاني. فركب على حصانه وغطس في البحر وقلَع ففي وقته التماسيح قلعت ميتة".

    هناك جانب آخر من المناقب الشخصية يقاس به قدر الشيخ. وهو جانب متعلق بالظاهر الدنيوي وليس بالخوارق الغيبية، ذلكم هو جانب الكرم والإغداق. ربما كانت القصة المشهورة التالية تصف بوضوح وثوق الرابطة ما بين الديني والاجتماعي والسياسي. يقول ود ضيف الله في ترجمة مازري بن التنقار أنه: "سلك الطريق على الشيخ إدريس وسأله عن اسم الله الأعظم فقال له: حتى يحضر حمد ولدي فإنه ما سألني عنه. فلما جاء حمد قام الشيخ إدريس مستنداً عليهما متلفحاً بالفركة ودخل بيت النار فوجد فيه الحريم والخدم والفقراء شادين المناطق يسوطون في الكسرة في البرام للضيفان، فقال لهما: وحات الله، وحات الرسول ما عندي اسم غير هذه المديدة". هذا تفسير ذا مغزى بليغ من الشيخ إدريس لتلامذته وأبنائه الذين سيخلفونه حول ضرورة الكرم والإنفاق للشيخ الزعيم. والشيخ إدريس كانت له دنيا عريضة أدناها أن "قداحته ستون قدحاً والكسرة مديدة يسوطها الفقراء ناس الطريقة ومعهم الخدم في البرام شادّين في وسطهم المناطق. وصفتها دقيقة وناضجة وخميرة؛ الماء عليها مثل المرق، تارة تكون بالإدام وتارة بالماء. والهدايا التي تأتي إليه من الزوار يأخذها المعتفون (أي طلاب الحاجات)". إن بيوت أولئك الزعماء في الحقيقة لم تكن مجرد خلاوي أو مسايد وإنما مؤسسات متكاملة تجمع ما بين التعليم والإرشاد الديني، وملجأ للجائع والضيف وابن السبيل، وحصن سياسي (للشفاعة عند السلطان والحماية من بطشه كما سيرد في هذه المقالات)، ومحتكم للتصالح وإزالة الخلاف (فض النزاع بالمصطلح الحديث).

    كذلك كان الشيخ حسن ود حسونة مضرب المثل في الجاه والثراء حتى نازع الملك في مظاهر السلطة. وعندما أرسل الملك بادي ود رباط مستقدماً الشيخ حسن ود حسونة سافر إليه الشيخ في سنار "تجنب في وجهه من الخيل ثلاثة وأربعون جنيبة (أي ركوبة مجهزة للفارس) سروجها مخرتية وثلاثة كراديس (جماعة من الخيل) قدامهم المكادة (جنود مرتزقة أحباش) الشايلين البندق ثلاثة وأربعون، وجمال البديد (جمال الحمل بخلاف الهجن) سبعون كلها جنايب في وجهه وهو راكب على جمل بُطانه حبل. فلما جاء في طرف الدبة خرج الخطيب والقاضي والمقاديم لنزولهم والملك بادي طلع فوق الراو (الدكة) يتفرج عليهم، قال: هذا فكياً أخد ملكنا، فقال (أي الشيخ حسن): قولو له أنا ملك عرضوه علي وأبيته". وكانت ولائم الشيخ حسن تنبئ عن ثراء لا تجده إلا عند الملوك. يحكي الفقيه عبد الصادق كيف أقام الشيخ مائدة عظيمة في رمضان خدمت فيها فرخات (إماء) الشيخ الضيوف بأطيب أنواع الطعام، قال: "جاءت ماية وعشرون فرخة (أمة) لابسات الفرك والدقنس وثياب المنير شايلات قداحة الكسرة وكل واحدة لابسة كماً خالصاً قدامه سوار فضة ووراءه سوار. وكل واحدة تابعاها فرخة في أذنيها فدافيت شايلة صحناً. وكل فرخة وراها فرخة في يدها سوار فضة ولابسة فردة منير شايلة قرعة مغطاة. الجميع قعدن في وجهه. قال: ودوا للفلانيين كذا كذا. تقوم الخادم والفرختان أم قدح وأم صحن وأم قرعة حتى فرغ من الجميع".

    يمكن القول أنه قد ساد بين الشيوخ الزعماء موقفان من مظاهر الجاه والدنيا. الموقف الأول يمثله بجلاء الشيخان إدريس ود الأرباب وحسن ود حسونة، فهما صاحبا دنيا عريضة وجاه ظاهر، لكن المخطوطة تشير بوضوح إلى أن الدنيا لم تغرهما بالانسياق وراءها، أي هما ملكاها في أيديهما ولم تملك هي قلبيهما. الموقف الثاني يمثله خير تمثيل باسبار السكري وهو صاحب رأي متشدد في الدنيا والجاه، حتى لو كان مصرفهما في النهاية لمصالح عامة في الظاهر. والقصة التالية للشيخ باسبار مع الشيخ حسن ود حسونة وما سببته من حرج توضّح ذلك الموقف المتشدد، ذلك أن " الشيخ (أي حسن ود حسونة) في قدومه للأبواب جاء لزيارته فقال (أي الشيخ باسبار) لعبد القادر ولده: أطبل الخلوة وقل لهم روّح إلى نسري. مالي قدرة على أهل الدنيا. الشيخ حسن جاء بعساكره وجنوده، قالوا له: مافيش. الناس صاحت (أي استنكاراً)، والشيخ (أي حسن) واقف، قال لهم: خلوه ماسك الدرب ما لانه". القصة توضح كيف أن الشيخ باسبار رفض مقابلة الشيخ حسن عندما أتاه تصحبه مظاهر الدنيا، مما أدى إلى تحرج الناس حرجاً شديداً، فقد وقف الشيخ حسن بكل هيبته بباب الشيخ باسبار ولم يسمح له بالدخول. لكن الشيخ حسن يعذر الشيخ باسبار لأنه يقدر حقيقة موقفه المبدئي في هذه المسألة ويقول "خلوه! ماسك الدرب ما لانه"، أي أنه ماسك الدرب لم يلن في مسكه، أو أنه ماسك الدرب خير من لانا أو مالانا، بمعنى أفضل منّا.

    لكن موقف الشيخ إدريس والشيخ حسن، برغم دنياهما العريضة، يتماثل مع موقف الشيخ باسبار في الزهد الشخصي، فدنياهما موجهة للمجتمع والناس من حولهم وليس لذواتهم. الشيخ باسبار "صايم الدهر وفطوره كل ليلة عند زوجته تجيب له مديدة يلعق فيها لعقات ويمص أصابعه منها ويمضمض فاه". لذلك يستغرب الشيخ باسبار عندما "ضافه رجل أعطاه سنستين (طرقتين كسرة) فأكلها الرجل، فقال لخادمه: شوفيه كملهن؟ فقالت له: كملهن. ثم قال لها: شوفيه ما انبعج؟ قالت له: هو منتظر عشاه يجيبونه له". هذا مطابق لزهد الشيخ حسن ود حسونة الشخصي، كما يرويه لنا الفقيه عبد الصادق ود حسيب في قصة مؤداها أن الزعيم لا يخلق به أن يبدي أي نهم نحو الدنيا. يقول الفقيه عبد الصادق بعد ما وصف الوليمة المذكورة سالفاً، التي أقامها الشيخ حسن في رمضان، كيف أنه ظل يراقب الشيخ لينظر كيف يكون أكله بعد أن وزع كل ذلك الطعام لضيوفه. يقول إن الشيخ بعد أن استوثق من أكل ضيوفه جميعاً "جاب البوابي طشطاً ملان ماء قرظ وطبقاً فيه مطّالة (خبز) مصنوعة في الرماد وفته في القرظ فأكله ثم مضمض فاه وقام للصلاة". كذلك كان الشيخ حسن برغم الثراء العريض ومظاهر الملك المنافسة للحكام يلبس ثوباً من لحاء العشر يمخّونه (أي يستخرجون لحاه) "ويفتلونه وينسجونه للشيخ يسويه قميصاً. يقال إن أكتافه دبّرت من لبس قميص العشر، وجلده الآخر يزلط ويبرأ". أما الشيخ إدريس فيوصف بأنه كان كثير المال واسع الدنيا وكان رجلاً معطاءً تذكرك عجائبه بالمُغرب من أقاصيص العطاء عند العرب. لكنه برغم علاقته الطيبة مع ملوك سنار يرفض عرض الملك بادي أبو رباط بتقاسم الملك معه ويقول: "هذه دار النوبة وأنتم غصبتموها منهم فأنا لا أقبلها"، وهو ما يؤكد زهده وورعه.

    هذان الموقفان، موقف الشيخ باسبار من ناحية وموقف رفيقيه في المقابل، يبدوان في طرفي نقيض إذا نظر إلى ظاهرهما، لكن عند اختبار جوهرهما يتأكد أن المناقب الشخصية لأولئك المشايخ الزعماء هي واحدة.

    الاستثنائية ولا نهائية الأحكام:

    "ووقعت له كرامات وخوارق وعادات، منها علمه بمنطق الطير. ذات يوم هو جالس والمشَاط يمشَط رأسه قابلته طيره بكوّة البيت، فسكسكت؛ فسكسك هو لها؛ فطارت، ثم جاءت طيرة أخرى فلما قابلته سكسكت، فسكسك هو لها. فقال له المشَاط: سألتك بالله الذي لا إله إلا هو الطيرة إن قالت لك، وإنت إن قلت لها. قال: امرأة مع زوجها وفقت بينهما" ترجمة موسى بن يعقوب الفضلي.

    ننتقل الآن إلى مستوى أرفع من الخوارق. فإن المشي فوق الماء، والطيران، و"سوق الركاوي من البحر بالمطرق"، معجزات أوشكت أن تكون عادية تتوفر للجمهرة من الفقهاء الواصلين أو للناشئين المبتدئين منهم دون عناء. بيد أن المخطوطة تشير إلى أن قلة من المشايخ اختصت بنوع من الكرامات والخوارق لم تتوفر من قبل إلا لبعض الأنبياء، كإحياء الموتى وتكليم الحيوانات بلسانها.

    مثال لذلك نجده في وصف حسن ود حسونة وهو من كبار المشايخ، أنه يحيي الموتى. يقول فيه ود ضيف الله: "قالوا: قال الشيخ إدريس: الشيخ حسن إن اتقنع، الميت إن قال له قم يقوم". أي أنه عندما يتقنع بثوبه يكتسب مقدرات إضافية خارقة لا يستطيعها عامة الفقهاء والأولياء. ويخصص ود ضيف الله لذلك فصلاً كاملاً في ترجمة الشيخ حسن: "الفصل الثاني في إحيايه (إحيائه) الموتى وإبرايه (إبرائه) ذوي العاهات. أحيا بنت الريس في الخشاب، وأمها اسمها أم قيمة جاءت له قالت: يا سيدي بنتي ماتت، أبوها ماله مال حرام، كفنها لي. فمشى إليها شافها قال لها: بنتك طيبة ما ماتت. قومي فتمالت روحها وقامت". وإن كنت تعتقد أن هذه الحالة يمكن تفسيرها علمياً لأن بعض الناس تحدث له حالة تشبه الموت وليست بالموت فهو يقوم منها حياً، فهاك هذه الحالة الأخرى التي مكث فيها الغريق ثلاثة أيام بطولها في البحر. يقول: "وأحيا عفيشة ولد أبكر، غرق في بحر الخشاب فمكث في البحر ثلاثة أيام وانقضى نحبه فقالوا له: صلي على حوارك. قال: أنا مان حسن الأول عند سيدي! حواري غرقان له ثلاثة أيام ما أخبره؟. فلما رآه قال له: قم، فقام وتمالت روحه". ويمضي الكتاب في إحصاء تلك الحالات من غير لبس ولا هوادة.

    بل إنني أقرأ قصة القاضي دشين المشهورة مع محمد الهميم وفق مبدأ الخرق الاستثنائي. والقصة معروفة تزعم إن الشيخ محمد الهميم "في حالة الجذب الإلهي زاد في نكاحه من النساء على المقدار الشرعي وهو أربع وجمع بين الأختين... فأنكر عليه القاضي دشين حين قدم محمد الهميم أربجي وحضر صلاة الجمعة بأربجي. فلما أراد الخروج من الجامع قبض دشين لجام الفرس وقال خمست وسدست وسبعت، ما كفاك حتى جمعت بين الأختين. فقال له: ما تريد بذلك. قال أريد أن أفسخ نكاحك لأنك خالفت كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال له الرسول أذن لي والشيخ إدريس بيعلم. وكان الشيخ إدريس حاضراً، فقال لدشين: اترك أمره وخله ما بينه وبين ربه. فقال: دشين ما بهمل أمره وقد فسخت نكاحه. فقال الشيخ محمد الهميم لدشين: فسخ الله جلدك، فيقال إنه مرض مرضاً شديداً حتى انفسخ جلده".

    قبل الاستطراد في تأويل هذه القصة أود أن أذكر بأنني اشترطت أن يقرأ كتاب ود ضيف الله ليس باعتبار أن ما ورد فيه صحيح أو غير صحيح، أو أنه كتاب تعرف منه أحكام الدين، وإنما باعتبار أنه رؤيا وراء - واقعية، وكتاب نتفحص من خلاله تكوين البنية النفسية والعقلية في السودان الأوسط في القرون الخمسة الماضية. ولا أرغب في مخالفة المنهجية التي ألزمت بها نفسي، لكن لما أثارته تلك القصة من حساسيات اجتماعية واستنكار، أود أن أوضح رأيي في هذه الحالة وحدها، وهو أن المآخذ التي ذكرها القاضي دشين في معرض احتجاجه على الشيخ الهميم، بعيدة الاحتمال في مجتمع محافظ ومتشدد في مسألة الأنساب ومتشرب بالقيم الدينية، كما كان وما يزال مجتمع السودان. والتأويلات للخلاف بين الرجلين في تلك الحادثة عديدة. مثل أن الحقائق التي بنى عليها القاضي دشين حكمه لم تكن صحيحة. فالأختان "بنات ندودة" اللتان أشار إليهما ود ضيف الله ربما لم تكونا في عصمة الشيخ محمد الهميم في وقت واحد، أو ربما أنهما لم تكونا أختين في الحقيقة وإنما تربتا في بيت واحد؛ أو أن النساء الست أو السبع اللائي أشار إليهن القاضي دشين بقوله "سدست وسبعت" لم يكن كلهن في عصمة الشيخ محمد الهميم في وقت واحد.

    برغم ذلك، فإن القصة، صحت حقائقها أم لم تصح، هي ترميز للصراع الأزلي بين الفقهاء والأولياء. القاضي دشين يمثل الشريعة الظاهرة كما يقولون، والهميم يمثل الحقيقة، كما يدعي البعض. لذلك يسارع ود ضيف الله ليبرر قصة الهميم بأنه كان من الملامتية الذين هم كما يصف "طائفة من الصوفية تفعل اللوم وتخالف الشرع فينكر عليهم الخلق. بعضهم يعطب المنكر عليهم، وبعضهم قصدهم إنكار الخلق هضماً للنفس وخوفاً من الشهرة". ولا شك أن السادة الصوفية لهم رأي مخالف تماماً لهذا التبرير غير المقبول، لكن هذه ليست القضية الآن. الحقيقة هي أن القاضي دشين والهميم قد جاءا من طرفي نقيض من حيث المفاهيم، ولا أستبعد أنهما لم يستلطفا بعضهما البعض، كما يحدث بين الناس والعلماء، لذلك فإن إجابات الشيخ محمد الهميم الجافة لم تكن نابعة من إقرار بما اتهمه به القاضي دشين، بل من أنه لم ير نفسه ملزماً بالإجابة على أسئلة القاضي واتهاماته.

    لكن الضجة التي أثارتها هذه القصة في عهدنا هذا هي في حد ذاتها مثيرة للاهتمام، لأنها توضح تحولاً في قبول المجتمع لدلالات تلك القصة عما كان عليه الحال قبل مائتي عام. لقد احتج أحفاد الشيخ الهميم على القصة وكذبوا ما ورد فيها من اتهامات للشيخ الهميم، والحق معهم، لأنها مجرد قصة مروية في كتاب لم يقم ما يعضدها. لكن العبرة الحقيقية لأغراض فرضيتنا الراهنة هي أن هذه القصة قد رويت فعلاً في ذلك الزمن البعيد ولم تثر روايتها آنذاك الاعتراضات التي أثارتها الآن، فما تفسير ذلك؟ يلاحظ قبل محاولة تفسيرها أن هناك قصة شبيهة بها تروى في ترجمة صغيرون الشقلاوي الذي يزعم الكتاب أنه "كان يرد المطلقة ثلاثاً من غير زوج ينكحها" إلى آخر الترجمة.

    الدلالات المستخلصة من هذه الروايات هي أن القدرة على إحياء الموتى ومخاطبة الحيوان بلسانه، مما لم يتفق إلا للأنبياء، والتفويض بمخالفة ظاهر الشريعة، كما يقول بعضهم، هي من الكرامات الخاصة وتأخذ كلها من نفس النبع، وهو أن الولي له تفويض خاص يبيح له الاستثناء، بحيث لا يعترض على أفعاله ولا تعتبر مخالفة لحقيقة الشرع. ربما من هنا ترسخ في المخيلة العامة مفهوم الاستثنائية ولا نهائية الأحكام، ويعني أن الشيخ أو الزعيم، أو صاحب السلطة، يجوز أن تبلغ مرتبتهم درجة الاستثناء من السنن العامة. وبذلك يمكن لأي نص قانوني أو شرعي أو حكم قضائي أن يصبح لا نهائياً، أي قابلاً للتعديل والاستئناف إذا تدخل الزعيم فاستخدم سلطانه الاستثنائي الذي يستمد من معين الغيب.

    من الطريف أن قيقلر باشا في مذكراته عن السودان* قد أشار إلى معنى قريب من هذا. جاء قيقلر باشا، المهندس النمساوي إلى الخرطوم عام 1873 ليوصل كيبل التلغراف ما بين الخرطوم وبربر، ثم أصبح مديراً لمصلحة التلغراف، وعمل مساعداً لغردون باشا في فترة ولايته الأولى (1877- 1879م) وبقي حتى 1883م، حين عينه عبد القادر باشا، الحاكم العام، نائباً له لفترة قصيرة. وقد كتب مذكراته عن الفترة التي قضاها في السودان وانتقد القوى الغربية والقناصل الأوربيين في الخرطوم لتقاريرهم المضللة عن الثورة المهدية التي كانت قد اندلعت عام 1881م. ومذكراته عبارة عن تأريخ اجتماعي ووصف للإدارة في الخرطوم والحياة في مجتمعها أكثر من كونها تأريخاً سياسياً. وقد وصف أحوال السكان والإدارة في تلك الفترة بعين أوربي دقيق الملاحظة بارع التصوير. ويبدو من مذكراته أن بيته كان مفتوحاً لأصحاب الحاجات من المواطنين عندما تولى المسئولية العامة. وقد أشار إلى نزعة أصحاب الحاجات إلى القفز بمطالبهم إلى المسئول الأول دون المرور بالنظم الديوانية، كما أشار إلى أنهم لا يعتبرون القرار نهائياً حتى وإن صدر من محكمة الاستئناف، وهي منتهى التحاكم آنذاك، وبذلك تبقى القرارات متعلقة بالأشخاص لا بالنظم الديوانية ولا بالمؤسسات. ألا ما أشبه الليلة بالبارحة.

    العلاقة بالسياسة والسلطة (أ)

    "ومنها أن ناصراً ولد أم حقين العدلانابي قال لبلال في مشاتمة: أبو الفرخات، فسمع بذلك الفقيه محمد فقال له: أبو الفرخات بلال ولدي يا ناصر؟ راجي الله عليك تحمل بلا جنى. فأصاب ناصر الطوحال؛ بطنه صارت مثل النقارة حتى توفى" ترجمة محمد بن الشيخ الزين.

    من المفيد التفتيش عن أصول المفاهيم الموجهة للسلوك السياسي لأولئك الزعماء في ذلك العالم القديم. ومن أهم تلك الأصول هو الموقف من السلطان وأصحابه وطريقة التعامل معهم. يدخل في ذلك الموقف الموالي للسلطان، كما يدخل الموقف المعادي له، وهو ما يدخل في مهمتنا محاولة سبر خفايا سلوك المعارضة السياسية بالتعبير الحديث.

    يبدو عالم ود ضيف الله في سرياليته بعيداً عن عالم السياسة المتسم عادة بالواقعية الشديدة. لكن المتأمل فيه يتبين له أنه عالم غارق في السياسة، وأن كثيراً من أولئك الزعماء الدينيين الذين ضمهم الكتاب كانوا أصحاب نفوذ سياسي بدرجات متفاوتة وأساليب متباينة. لقد كانت العلاقة بينهم وبين السلطان حية وديناميكية، ولعل في إيراد اسم عجيب الكبير في الخمسة الذين سلكهم تاج الدين البهاري إشارة قوية إلى ذلك الترابط ما بين الدولة ومؤسسة الزعماء الدينيين الاجتماعيين.

    ولغرض التبسيط في هذه العجالة دعنا نلخص المواقف من السلطة والسياسة في ثلاثة نماذج. النموذج الأول يمثله مرة أخرى خير تمثيل الشيخ حسن ود حسونة والشيخ إدريس ود الأرباب، وهو يقوم على موالاة السلطة موالاة ظاهرة وباطنة، وعلى تبادل الاعتراف والمنافع معها. وهي ليست علاقة انتهازية كما يتبادر إلى الذهن ولكنها مؤسسة على رأي شرعي مسنود. انظر مثلاً إلى فقه الشيخ إدريس ود الأرباب في تحريم الدخان (السجائر) عندما أفتى الشريف عبد الوهاب راجل أم سنبل بإباحته أمام الشيخ عجيب، "فقال له الشيخ عجيب: الشيخ إدريس قال بحرمة شرب الدخان. فأنكر ذلك (أي الشريف عبد الوهاب) وقال: من راسه أو من كراسه"، وعندما واجه الشيخ عجيب الشيخ إدريس برأي الشريف عبد الوهاب قائلاً: "ولما أخبرناه بقولك قال من راسه أو من كراسه. فقال له الشيخ إدريس: قد حرمه سلطان إسلامبولي، السلطان مصطفى (أي السلطان العثماني)، ومذهب مالك رضي الله عنه أن طاعة السلطان تجب فيما لم يرد فيه نص شرعي". هنا مربط الفرس، فالعلاقة الحميمة بين الشيخ إدريس والشيخ حسن ود حسونة من ناحية والسلطنة من ناحية أخرى مؤسسة على رأي فقهي واضح ومؤيد، لذلك لم تتأزم هذه العلاقة قط، فيما يروى لنا، ولم تنزلق إلى الأزمة حتى عندما ينافس مظهر أولئك الشيوخ مظاهر الملوك كما أوردنا سابقاً في قصة الشيخ حسن ود حسونة مع الملك بادي ولد رباط. هذا النموذج من زعامات المجتمع يضم عدداً لا بأس به من الفقهاء، منهم على سبيل المثال، إضافة إلى من ذكرنا، الخطيب عمار بن عبد الحفيظ إمام سنار حاضرة السلطنة، وكان ذا شفاعة عظيمة عند ملوكها؛ ومنهم جنيد ود طه الذي "أعطاه الله قبولاً تاماً عند الملوك والسلاطين".

    النموذج الثاني قائم على علاقة محاذرة، لا فيها تقرب من السلطان، ولا فيها مواجهة صريحة. هؤلاء كانوا يتجنبون السلطان؛ لا يشككون في مشروعيتهن لكنهم يحذرون القرب منه ومداهنته ويروغون من لقائه أصلاً. يمثل هذا النموذج خير تمثيل الفقيه خوجلي عبد الرحمن (أبو الجاز) الذي عندما سافر مع المضوي محمد بن محمد أكداوي، ودخل الأخير سنار لزيارة الملك أونسة، "امتنع الشيخ خوجلي من دخول سنار وانتظره بمدينة أربجي". فالشيخ خوجلي لكم ينكر على الشيخ أكداوي دخوله سنار لكنه هو نفسه أبى دخولها لأنه كان "من أخلاقه أنه لا يكاتب السلطنة ولا يرسل إليهم مع أنه كثير الشفاعة والجاه"، أي أنه كان لا يتشفع عندهم بالسعي إليهم، لكنه يتشفع في شئون الخلق وليس في شئونه الخاصة إذا جاءه أحد أولئك الحكام، أو رسول منهم، للزيارة. أما هو فحريص على إبقاء المسافة بينه وبينهم إكراماً لما يمثله باعتباره حامل قرآن. ولذلك وصف بأنه "لا يقوم إلى ظالم في شفاعة"، والظالم هو الحاكم في الغالب. قارن بين هذا الموقف وموقف الشيخ إدريس ود الأرباب الذي "دخل سنار إحدى وسبعين مرة في مصالح المسلمين". إضافة إلى أنه كان عيبة نصح الحكام، فهو الذي نهى الشيخ عجيب "حين شاوره على حرب الفونج وقال لهم إنهم غيروا علينا العوايد، فقال (أي الشيخ إدريس) له: لا تحاربهم فإنهم يقتلونك"، وقد حدث ذلك فعلاً فقتل الفونج الشيخ عجيب بعد ذلك في معركة كركوج. لكن هذين الموقفين المتباينين لم يفسدا العلاقة بين صاحبيهما، ولم يتردد الشيخ خوجلي أن يعترف بفضل الشيخ إدريس فيقول: "الشيخ إدريس أعرف بطرق السماء من طرق الأرض".

    مثال آخر للنموذج الثاني، المتباعد من السلطان، هو الشيخ حمد بن محمد بن علي المشيخي (الشهير بود أم مريوم)، الذي قيل فيه إنه "كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لايم، مغلظاً على الملوك فمن دونهم"؛ والفقيه محمد ود دوليب الذي "كان ورعاً تقياً لا تأخذه في الله لومة لايم، غير مكترث بالملوك فمن دونهم"؛ والفقيه جنيد بن الشيخ محمد النقر الذي كان "مجذوباً وعطّاباً للظلمة".

    أما النموذج الثالث، فيمثله جماعة كانوا ملجأ للجمهور في اللحظات التي يطفح فيها كيل الحكام فيتخذهم الناس ملاذاً من بطش أولئك وبطش جنودهم. ويتدرج هؤلاء الزعماء المتصدون لحماية العامة بتواز مع تدرج أصحاب السلطة، من شيخ الحلة إلى جامعي الضرائب إلى قادة حملات النهب السلطانية التي كانوا يسمونها الخامّة.

    بعض هؤلاء الزعماء لم يكونوا في الأصل معادين للسلطة لكن ظروفاً بعينها قد أجبرتهم على مواجهتها. وقد تكون تلك المواجهات مشاحنات صغيرة مع صغار ممثلي السلطة، كما حدث للمسلمي الصغير حين اتهمه بادي الدويحي شيخ الحلة ظلماً بسرقة شاه، "وقيد (أي بادي الدويحي) المسلمي فقال: أنت سراق بترمي فوقي درب المك (أي تسبب لي ملاحقة السلطنة ومساءلتها). أقعد إلى أن يجيئوا أهل الشاة، وقيّد المسلمي. فقال (أي المسلمي): أنا مان سراق، دخل وقت الصلاة فكّوني أصلي الظهر والعصر. قعد بادي يضحك عليه حتى غربت الشمس وبادي ختوله منبره وبخسته في وجهه. قال (أي المسلمي): وقت المغرب ضيٌّق ما تفكوني أصلي، فقال له بادي: ما نفكك يا سراق قبّال سيد الشاه ما يجي. فقال المسلمي: هَوْ، فانفك القيد منه و تلَوْ لَوْ في رجلي بادي وانطبلت الطبلة". هَوْ و تَلَوْ لَوْ حكاية عن الصوت، أي لأول ما قال الشيخ هَوْ انفكت منه الطبلة، ثم تَلَوْ لَوْ طارت في الهواء وانطبلت في رجلي بادي شيخ الحلة وممثل السلطة.

    ومن المجابهات الصغيرة العارضة التي ينتصر فيها الفقيه ويشفي غليل الجمهور من أهل السلطة ما حدث لعلي اللبدي، "عنده خادم واحدة قام عليها أرباب الديون وشكوه علي شيخ راو فقبض لهم الخادم فقال (أي اللبدي) له: ما عندنا من يعولنا غير هذه الخادم اتركها. فامتنع، فأصبح مقبوضاً في داره مقيداً مزنداً مربوطاً في شعبة في بيته من غير أن يرى فيه حديد. فقال لهم: أطلقوا الخادم ود اللبدي قابضني فلما حلوها انحل". وشيخ راو المذكور هو شيخ حوش الملك، أي ممثل السلطة.

    العلاقة بالسياسة والسلطة (ب)

    "ومشى إلى أصحابه فأخبرهم به فركبوا طالبين له، تراهم يمشون حتى أصبح الصباح عليهم، فوجدوا أنفسهم صعيد المندرة في قرى أم جباي، فقال لهم الشيخ الجنيد: إن كان ما عاين يرميكم وراء جبل قاف" ترجمة بدوي أبو دليق.

    وقد تجري المجابهة، لا في قضية خاصة كما سبق وصفه، وإنما في قضية عامة تخص جمهوراً أوسع، كما حدث للقدال بن الشيخ إبراهيم بن عبودي عند جباية الضرائب، "وكان الفونج في أول ملكهم فرضوا على قبايل العرب توّارات العسكر (ضرائب في عهد الفونج)، كل قبيلة عمرة لبن وقوم معلومون ينفقونهم الفطير. ففي أول من خلافة القدال جاء أهل التوّارات فما وجدوا لبناً فذبحوا العجول، فجاءت إمرأة إلى القدال ووجدته الحلاق يأخذ شعره فقال: يا ود إبراهيم خلافتك لا هي بخيتة ولا هي سعيدة علينا؛ في عمرة لبن تذبح العجول؟ فحصلت له حالة، فإن الشعر قدّ الموس وهي بيد الحلاق فسمع ملك الفونج فعفا عن التوّارات التي على قبيلته". وهذه من القصص الشائعة، إذ حين تقوم الحالة على الشيخ يكون القرار الحكيم أمام صاحب السلطة أن يتراجع فوراً عن الإجراء الذي كان يزمع عليه خوفاً من العقوبة التي لا يدري من أين ومتى تأتيه. وبحسب ود ضيف الله فإن المتمكنين من المشايخ كان لهم هذا الاختصاص الذي أصبحوا بموجبه دريئة لمساكين الناس من ظالميهم.

    وقد يرغم الفقيه على المواجهة ويخسرها ظاهرياً لكن اللعنة تصيب من بعده من ظلموه وتبقى في أبنائه وأحفاده، مثل ما حدث في قصة الفقيه مختار بن محمد جودة الله، من دار الريح بكردفان، حين رفض مظاهرة السلطان جنقل، سلطان الفور، في حربه على الملك دكين. فإن السلطان لما سمع ذلك "قال: ارفعوا البتير (راية الحرب)، فلما رفعوه قال: إن شاء الله الفقيه مختار نقتله وندفنه عندنا لنزوره. فقبقب عليهم فوجد الفقيه في المجلس وحيرانه في المطالعة، فقتله هو وحيرانه وأهل بلده وسبى أموالهم. فببركة الفقيه مختار السلطان جنقل قتل في تلك الأيام وترك نحو خمسين ولداً هذا يقتل هذا، إلى زماننا هذا، اليموت على الفراش فيهم قليل مثل عيساوي".

    أما أعنف المواجهات وأشرسها في قضية عامة فهي التي حدثت بين السلطنة وحمد النحلان (ود الترابي) الذي كان مجافياً للحكام حتى وصف بأنه "لا يقبل الهدية ولا له جاه ولا شفاعة عند السلطنة". يبدأ الأمر بمواجهة غير مباشرة حين يرسل الشيخ حمد حواره (ميرف) إلى سنار لإخبار أهلها بأن المهدي قد ظهر (يقصد نفسه)، فيقتل الملك بادي أبو دقن ميرفاً ويجره فترعد السماء وتبرق وتهطل الأمطار وتسيل السيول "في غير الوقت". وفي تلك الأيام "الملك قُتل، ضربه المكادي (حارس حبشي مرتزق) بحربة، فقال الشيخ حمد في الشرق (كان حينها في الحج): تارك (ثأرك) يا ميرف ولدي".

    ومن أمتع فصول الكتاب وصف المواجهة الكبرى بين الشيخ حمد النحلان وأحد قواد السلطنة. وهي قصة ملحمية طويلة لصراع الشيوخ والسلاطين تتلخص في أن الملك بادي الأحمر، بعد أن قتل وزيره ووزّر ابن خالته، أخرج حملة بقيادة سليمان التمامي. ويبدو أن سليمان التمامي كان رجلاً قاسياً لا يعرف لكبار البلد حرمة، كما لا يتورع من نهب المواطنين من أجل إطعام (الحربة) أو الحملة التي يقودها. وترتعد الجزيرة بأكملها ويضج الناس من تكاليف الحملة عليهم ونهب الجند لهم. ويحاول الفقهاء استرضاء سليمان التمامي بشتى الوسائل، لكنه لا يلقي لهم بالاً ولا يعيرهم أذناً. فهذا هو الفقيه ولد مدني بعد أن يئس من إقناع ود التمامي يدعو الله أن يلقّيه جزاءه على يد الشيخ حمد قائلاً "نحن ما عندنا عليه قدرة. الله يرميه في شايب الصوفية أبسماً فاير (يعني الشيخ حمد)". وهذا الشيخ دفع الله بن الشيخ أحمد الطريفي يطلب الشفاعة عند سليمان التمامي فبدلاً من أن يكرمه يأمره بالنزول من جمله فيدعو الشيخ عليه: "الله يرميه في كبير الصوفية (يعني الشيخ حمد)". ثم ينزل سليمان بحربته (حملته) عند خليل ود أفرش شيخ كلكول فيسيء إليه ويزدري المقاديم الذين دخلوا عليه وظلوا وقوفاً أمامه يظنون أنه يكرمهم بدعوتهم إلى الجلوس على الفرش، فلا يكون منه إلا أن ينتهرهم ويسخر منهم بقوله: "أمسكوا الجابرة (الأرض) جبرت علي رؤوسكم الغلاد، ما عندي ليكم عتانيب (أي بروش)". ويمضي ود ضيف الله في تهيئة المسرح بهذه المناظر المعبرة للمواجهة الأخيرة المباشرة بين سليمان التمامي والشيخ حمد "كبير الصوفية أب سماً فاير". وعندما تجري المصادمة تكون ذات دويّ، فالشيخ عندما احتدم الجدل بينه وبين سليمان "صرصر سنونه وطالت أنفه وأذناه". في الأحوال العادية كان هذا كافياً ليردع صاحب السلطة، لأن المشهور هو أن الفقيه صاحب "الإيد اللاحقة" عندما تصيبه مثل تلك الحالة لا يقف حائل بينه وبين أن يفعل بخصمه الأفاعيل ويستنزل عليه غضب السماء.

    انظر إلى قصة المك نفسه، دعك من أحد قواده، مع مكي الدقلاشي حين لم يفعل الأخير شيئاً سوى أنه "أومأ إلى المك بأصابعه فزاغ". ولما كان هذا فعلاً معيباً مشيناً في حق الملك أمام فقير لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، اضطر الملك إلى أن يفسر سبب تصرفه "فقال لأصحابه: إن كان ما زغت فإن إصبعه يقد راسي". هذا يؤكد أن سليمان التمامي لم يكن بالرجل الجبان ولا العيي، بل كان في غاية الشجاعة وهو يوجه كلامه بلؤم وفصاحة إلى الشيخ في غير ما وجل ولا مهابة: "شوف الفقير الساحر (لأنه أطال أنفه وأذنيه)، أنا قبلك قتلت الحسوبابي وقتلت ود الهندي ما بقتلك إنت في مال الملك. إنت ولد الترابي وأنا ولد التمامي والتمام يقوم فوق التراب". يرد عليه الشيخ حمد وقد تلاشت في تلك اللحظة أية فرصة للمساومة وبلغت المعركة مرحلة حزّ الرؤوس: "تقتلني يا عبد كازقيل يا أكال الضبابة. يوم قتال التمام ما اتغتيت ليك بشملة واندسيت تحت السدرات". وعبيد كازقيل هم أبخس أصناف العبيد لأنهم بلا أسياد معلومين؛ فلئن كان المثل العامي يقول: "عبداً بي سيدو ولا حراً مجهجه"، فإن عبد كازقيل هو أحط الخلق درجة لأنه عبد ومجهجه في آن واحد. كان ذلك الفصل قبل الأخير في المواجهة العنيفة بين ذينك الخصمين ولم يتبق إلا انتظار السماء أن تمطر دماً.

    لكن السماء أمسكت لبرهة من الزمن ولم تمطر كما أمطرت يوم قُتل ميرف. وواصل سليمان حملته ونهبه "وخمّ البلد" لا يلوي ولا يأبه لتهديدات الشيخ حمد، بل يزداد تجبراً وعتواً ويغرّه أن تلك التهديدات المغلظة لم يصبه منها شيء، حتى أن الناس ضيّقوا على الشيخ وأساءوا إليه ووبخوه: "الناس ضجّت وصاحت بالكلام: سويت فينا يا أبو سويقات، يا قرّاش سنونك، يا أبو ركبين. ويقول هو: واقرمي على الفقرا... والخامّة (غارة النهب) راسها في ألتي وذنبها في ود الترابي". وأخيراً يأتي النصر حين يموت سليمان التمامي ميتة تكون عبرة لأمثاله، فهو يموت في بيت الخلاء "راقد على قفاه وبطنه مثل النقارة ولسانه منسل طول الشبر". وعندما جاءوا له بالفقيه غلام الله ولد ركابي ليعزم له كان يقول في عزيمته سراً "يا الله تعين الشيخ حمد". ويصف ود ضيف الله هذا النهايات من الملحمة بقوله "الفقيه بله فوّض، خليل ود أفرش أصبح أعمى، والمقاديم كلها أصبحت لابسة السراويل من الحيض". وليس واضحاً ما هي جريرة المقاديم في هذه القضية، إلا أن يكون ما أصابهم هو من عموم البلوى، أو ربما لأنهم جبنوا في مواجهتهم السابقة لسليمان التمامي فاستحقوا أن يحيضوا كالنساء. وتمضي القصة بعد ذلك في وصف العقاب السماوي الذي أصاب الحربة (أي الحملة) كأنك تقرأ لهوميروس يصف اقتتال الآلهة في إحدى ملاحمه. لدرجة أن الحربة عندما تراجعت سريعاً إلى سنار، إزاء الضربات السماوية التي تلقتها، تبرأ منها الملك بادي، "جاب لهم مرسال منعوهم الدخول في البلد قال: خلوا الشيخ يقضي حاجته"، أي دعوا الشيخ يكمل انتقامه، وبذلك تختتم قصة واحدة من أعنف المواجهات بين السلطنة وبين معارضتها السياسية - الدينية.

    توجهات الزعيم وصلاته الخارجية:

    "وكان من عباد الله الصالحين. كان مؤذناً يطير في آذانه، زواراً للصالحين، إلا أنه لم يحج. وأظنه حج بالطيران" ترجمة عبد المحمود النوفلابي.

    "ومن كراماته أنه أصاب مكة مطر شديد هدم البيوت وحزم السيل الناس والبيت واستغاثت الناس به فغرز عكازه فبلع جميع الماء ببركته" ترجمة العجمي ود حسونة.

    ربما ساد انطباع خاطئ عند بعض القراء بأن مجتمع السلطنة الزرقاء كان منغلقاً في صلاته الخارجية. والصحيح أنه كان مجتمعاً واعياً بانتمائه الإسلامي، حاسماً في توجهه نحو هذا الانتماء والالتزام به. وربما نتج من هذا التوجه الأحادي تأزم العلاقة مع الحزام الوثني إلى الجنوب. ويكفي أن تقرأ في كتاب ود ضيف الله ومخطوطة كاتب الشونة لترى تكرار العدائيات مع "شلك"، وكانت تنطق هكذا دون أداة التعريف، ربما إشارة إلى أنها ترمز إلى عدد من قبائل السود وليس إلى قبيلة واحدة.

    ونلاحظ قوة الارتباط بالعالم الإسلامي في حجة الشيخ إدريس في تحريمه الدخان حين استند إلى أن سلطان إسلامبولي حرمه ثم قال إن "مذهب مالك رضي الله عنه أن طاعة السلطان تجب فيما لم يرد فيه نص شرعي". والشيخ إدريس يقول هذا الكلام أمام الشيخ عجيب الذي يفترض أنه ولي الأمر المباشر بالنسبة له، والشيخ عجيب لا يحتج. ذلك يعني أن موالاة الخلافة الإسلامية في إسلامبول ومبايعتها قيادة عليا للأمة كانت مسألة بدهية بالنسبة لهما كليهما.

    ويبدو مجتمع السلطنة مقرّاً، على الأقل في مسائل معينة، بأستاذية المراكز الحضرية في العالم الإسلامي، وبخاصة مصر والعراق. العراق جاء منه المدد الصوفي، فيشار إلى أكثر من شيخ بأنه أوقد نار الشيخ عبد القادر، أي عبد القادر الجيلاني. وتاج الدين البهاري الذي سلّك الخمسة المشهورين وأرسى تقاليد الصوفية قادم من بغداد. أما الأزهر الشريف في مصر فقد كان هو المورد الأعلى لعلوم الشريعة، وظلت العلاقة به قوية وحميمة إلى أن تأسس الرواق السناري ليعنى بالطلاب القادمين من السلطنة. وها هو الشيخ إدريس مرة أخرى يحيل الخلاف حول حرمة الدخان إلى الشيخ الأجهوري بالجامع الأزهر ليكون حجة بينه وبين من يقولون بحله من علماء السودان. والطرفان قد وافقا على أن كلمة علماء الأزهر في هذه المسألة هي النهائية بما يعني تسليمهم بأستاذية علمائه. ومحمود العركي، راجل القصير، قدم من مصر وعلم الناس العدة. من ناحية أخرى فإن غلام الله بن عائد جد السادة الركابية، حملة لواء العلم في ذلك التاريخ القديم، هو قادم من اليمن. وقد تمددت الصلات شرقاً نحو الحجاز بالطبع وغرباً نحو المغرب العربي عموماً بما في ذلك غرب إفريقياً. الحجاز أمره معلوم بسبب الحج، أما المغرب فقد جاء منه عدد من الشيوخ من بينهم أبو الحسن الشاذلي المدفون بعيذاب، والذي تتلمذ على يديه الشريف حمد أبو دنانة، صهر الجزولي القادم من المغرب والذي صاهر هو نفسه عبد الله جماع والد العبدلاب.

    وكانت الصلات الخارجية ومخالطة المجتمع العالمي كما عرف آنذاك من مكمّلات الصورة والوجاهة، فما من أحد من كبار المشايخ إلا وله صلة يفتخر بها. والجدير بالملاحظة أن هذه الصلة لم تكن دوماً هي صلة التلميذ بالأستاذ. ربما كانت الصلة كذلك في علوم الظاهر، أما في علوم الباطن، كما يقال، فكثيراً ما بزّ شيوخ السلطنة أقرانهم حتى في المراكز الحضرية الكبرى مثل مصر.

    السياحة في الأرض وإقامة الصلات الخارجية وإبراز مواهب الفقهاء والمشايخ وكراماتهم، من الخصال التي تميز بها الخاصة من أولئك المشايخ. الشيخ حسن ود حسونة، على سبيل المثال "حج إلى بيت الله الحرام وساح في الأرض من الحجاز ومصر والشام نحو اثنتي عشرة سنة" وفي مصر استطاع أن يفعل ما عجز عنه جميع الصالحين هناك حين عزم لخواجة عظيم القدر فشفي لتوه. وفي مكة التقى "بشريف قطب، أمه مرضانة من سنة"، قال الشيخ حسن "عزمت لأمه فعوفيت، فبينما أنا قاعد معه في السطح الفوقاني قابلني بعض الفقرا وقالوا زواملنا ماتت جوعاً، فرفعت يدي في الهواء فامتلأت دنانير فرميتها لهم".

    وبرغم أن الشيخ إدريس قد أقرّ سلفاً للشيخ الأجهوري في الأزهر بالأستاذية في الفقه عندما استفتاه في حرمة الدخان، إلا أن ود ضيف الله يجعل الشيخ إدريس يكسب مناظرته للشيخ الأجهوري في النهاية، وذلك عبر تلميذه الشيخ دفع الله العركي الذي أرسله إلى مصر خصيصاً لهذا الغرض. وكان الشيخ الأجهوري في البداية قد أفتى بحل الدخان إلى أن تبينت كرامة الشيخ إدريس فيه، فسلم برأي الشيخ إدريس "وأهدى له الراية المشهورة وعمامة وشدا وجوخة".

    والفقيه جنيد ود طه "أعطاه الله قبولاً تاماً عند الملوك والسلاطين وعامة الخلق لا سيما أهل الحرمين والحجاز وجدة، وبعضهم سلك عليه الطريق." وهو قد "توفي بأحد الحرمين وتأسف عليه أهلهما".

    والشيخ حمد النحلان لم يقنع بمدافعة السلطنة هنا فعمد إلى تصدير دعوته إلى الحجاز. يقول ود ضيف الله في قصة حج الشيخ حمد أنه "لما وصل مكة أيام الحج قال: أنا المهدي، فضربوه هو وحيرانه. قالت الحاجة (أي زوجه) ساقونا حبسونا ثم طلقونا". لكن الشيخ لم يعدم بعض المتعاطفين مع دعواه فقد كان هناك رجل شريف "اسمه السيد محمد خليل معتقداً في الشيخ جاب للفقراء ثلاث غراير دقيقاً".

    والصلات الخارجية في أحيان قليلة قد تكون في ذلك الواقع السريالي مع غير بلاد المسلمين، لكنها تؤكد دوماً قوة الانتماء إلى الإسلام ثم كرامة الفقير الذي إمّا حوّل الكفار ببركته إلى الإسلام أو ترك فيهم كرامة ظاهرة كإبراء المريض الذي يئس الناس من برئه. ها هو سلمان الطوالي الزغرات يقوم برحلة عجيبة إثر اتفاق بينه وبين جماعة من الضيوف على إقامة وليمة "قال سلمان: الكزبرة والفلفل والشمار والمرسين والماء عليّ وانتم عليكم الذبيحة والكسرة. في وقته السماء أرعدت وأبرقت والحفاير امتلأت ماء، ومشى بلاد النصارى خرت الفلفل والكزبرة والمرسين والشمار خضرا، وجاء بها إليهم. والنصراني صاحب الزرع صاح قال: إيش أخبارك. قال: أنا جيت من بلاد الإسلام حوار الشيخ محمد الهميم. قالوا النصراني تشهد وأسلم هو ومن معه ويعرفون بالمسلمانيين". ولا أعلم كزبرة ولا فلفلاً ولا شماراً تزرع في أرض النصارى، فالأرجح أن زراعها مجوس أو مسلمون من بلاد الهند أو من جزر المحيط الهندي، لكن فن الرواية استلزم هذه الدراما التي تثبت مقدرات الولي الخاصة، ومقدرات شيوخه الذين أول ما يذكر اسم واحد منه يخرّ له أهل الملل الأخرى مؤمنين ومسلّمين. وكلما كانت القصة عن ذلك العالم المجهول لدى العامة غريبة ومتفردة كان أثرها على السامعين أكبر.

    المهدية: الزعامة الخارقة بامتياز

    وكم صام كم صلى وكم قام كم تلا من الله لا زالت مدامعه تجري

    وكم بوضوء الليل كبر للضحى وكم ختم القران في سنة الوتر

    الشيخ محمد شريف نور الدايم في الإمام المهدي

    هبّ ذلك العالم، الذي كان غافياً مستلذاً في أحلامه، مذعوراً على وقع خطوات السناجق وهم يدخلون دنقلا عام 1820، ثم كورتي ثم شندي، ثم سنار أخيراً في عام 1821. كان ود ضيف الله قد توفي إلى رحمة مولاه قبل ذلك المنعطف المشهود في تاريخ السودان، أو بالأحرى تاريخ السلطنة أو السودان الأوسط، بحوالي إحدى عشرة سنة في عام 1809م. وعلى مدى خمسة وستين عاماً من ذلك الغزو احتدم الصراع بين نظامين وعالمين متنافرين إلى أن حسم الصراع، إلى حين، الإمام المهدي بثورته ودخوله الخرطوم فاتحاً في السادس والعشرين من يناير من عام 1885م.

    كان المهدي تجسيداً لصورة الزعامة التي استقينا وصفها من عالم ود ضيف الله بامتياز. من حيث المناقب الشخصية كان فقيهاً لا يتطرق إلى مسلكه الشك، ويكفي أن نعلم أن أبيات الشيخ محمد شريف المذكورة أعلاه هي من قصيدة قيلت في ذمّه لا في مدحه. فإن كان ذلك ذمّه فكيف يكون مدحه. كان محمد أحمد بن عبد الله، كما شهد له خصومه، صوّاماً قوّاماً غيوراً على الدين لا تأخذه في الحق لومة لائم. وبالمقابل كان كثير من العلماء قد تراجعت مكانتهم بعد أن استأنسهم الحكم التركي وضمّهم لصفه. كان العامة يترقبون المخلّص وقد شاعت في العالم الإسلامي أجواء الانتظار لانبعاث المهدي. لم تنضج الظروف للثورة كما نضجت يومئذ، فوقف إلى جانب المهدي كثير من العلماء، وأهم من ذلك وقف إلى جانبه العامة الذين رأوا فيه الزعيم كما يتصورونه وكما ترسخ في ثقافتهم عبر القرون.

    وكانت دعوة المهدي بسيطة ومباشرة لذلك نفذت إلى القلوب. كانت دعوة في عالم الغيب أكثر مما كانت في عالم الشهادة. لم يدع المهدي إلى التنمية بل دعا إلى التحرير السياسي. لم يبشر بالازدهار الاقتصادي، بل بشر "بخراب الدنيا"، تصور! أي نعم "خراب الدنيا...وعمار الآخرة". وكانت تلك أقوى مقومات دعوته لأنها وافقت ذهنية الحياة العامة التي ظلت تقدّس هذا الضرب من الدعوات ومن الزعامات. لقد كانت المهدية انبعاثاً معاصراً، في تلك الفترة، للذهنية الراسخة في المجتمع كما عبر عنها ود ضيف الله. لهذا السبب التف حولها الناس بسهولة ويسر فهي لم تكن غريبة على نفوسهم ولم يكن خطابها نابياً عن وجدانهم.

    تمعّن في خطاب المهدي حين قرر أن يصدع بدعوته: "ثم أحبابي كما أراد الله في أزله وقضائه تفضل على عبده الحقير الذليل بالخلافة الكبرى من الله ورسوله. وأخبرني سيد الوجود، صلى الله عليه وسلم، بأني المهدي المنتظر وخلفني، عليه الصلاة والسلام، بالجلوس على كرسيه مراراً بحضرة الخلفاء الأربعة والأقطاب والخضر عليه السلام، وأيّدني الله تعالى بالملائكة المقربين وبالأولياء الأحياء والميتين من لدن آدم إلى زماننا هذا، وكذلك المؤمنون من الجن. وفي ساعة الحرب يحضر معي أمام جيشي سيد الوجود، صلى الله عليه وسلم، بذاته الكريمة، وكذلك الخلفاء الأربعة والأقطاب والخضر عليه السلام، وأعطاني سيف النصر من حضرته، صلى الله عليه وسلم، وأعلمت أنه لا ينصر عليّ معه أحد ولو كان الثقلين الإنس والجن". ألا يذكّر هذا النص بكثير من المفاهيم والمصطلحات التي نقرأها في الأدبيات التي شاعت في السودان في القرون السابقة للمهدية، ومن بينها مخطوطة صاحبنا ود ضيف الله.

    ولما ساد بين الناس أن المهدي كان يستمد من عالم الغيب انتشرت الأخبار أنه يحول رصاص العساكر إلى ماء، وأن النار خرجت من حراب الأنصار، وأن اسم المهدي وجد مكتوباً على أوراق الشجر. لقد صدق الناس ذلك دون تدبر، وفي دواخلهم أحبوا أن يكون ما قيل حقاً لأن من أهم شروط الزعامة هو توفر المعجزات والخوارق لصاحبها. بل إنهم، وقد أعجبهم أمر المهدي، على كل حال، كانوا مستعدين لأن ينسبوا إليه من الخوارق المادية والغيبية ما شاء لهم خيالهم أن يفعلوا. إنه قد استوفى شروط الزعامة عندهم حتى إن لم يصح بعد ذلك أنه المهدي المنتظر بعينه. لذلك قالت له البقارية "كان مهدي مهدي، وكان ما مهدي داعور الفقرا سليتا"، وداعور الفقرا هو عيبهم والتهمة الشائعة عنهم أنهم يتقاعسون عن القتال ومدافعة العدى، والمهدي إنما هو فقير من أولئك الفقراء، حفظة القرآن ومعلميه.

    مضت المهدية تحطم العالم الاصطناعي الذي أنشأته التركية، ربما بغير منهج بديل ناجح، لكن الرغبة في إزالة ذلك النظام الذي فرض بالاستيلاء والتغلب كان من أبرز أهداف المهدية، فكانت المخاصمة معه والمبارزة له نهائية. وهناك اعتقاد تعززه أقوال كثير ممن عايشوا تلك الفترة وكتبوا، من وجهة نظر التركية، أن المهدي في أول أمره كان معتدلاً ومعقولاً في مطالبه. ولو أحسن القائمون على الأمر معاملته واستمعوا لمطالبه التي حركت الجماهير، لربما مضى المهدي في طريق شيخه محمد شريف الذين كان يرى مسالمة السلطة، ولعله كان من حزب الشيخ حسن ود حسونة وإدريس ود الأرباب اللذين وصفنا كيف أن علاقتهم بالسلطنة كانت علاقة طيبة. لكن هنا فرق أساسي، فالسلطنة كانت حكومة تحمل ذهنية شعبها وتهتدي بمنطق مجتمعها. أما حكومة التركية فقد كانت غريبة ذهنياً ووجدانياً من الشعب الذي استعمرته، فهي كانت محكوماً عليها بالفشل والزوال على أية حال.

    استوفت المهدية جانباً آخر مما وصفنا به صورة الزعامة الخارقة. ذلك هو قوة الانتماء إلى العالم الإسلامي والتحفز لنقل المعركة إلى بقية بقاعه. يؤكد هذا وعي المهدي المتقدم بأهمية محيطه الحيوي، فرسالته لم تكن لأهل السودان وحدهم وإنما كانت لجميع العالم الإسلامي. وكما أعلن حمد النحلان من قبل مهديته وهو في الحجاز تأكيداً لشمول دعوته إلى العالم الإسلامي، أرسل المهدي مناشيره ورسله إلى أمصار العالم الإسلامي يدعوهم إلى نصرة الإسلام بالانحياز إليه. وربما لا يصح الخبر المنسوب إلى المهدي من أنه كان يريد مقايضة غردون بعرابي باشا، لكن مجرد ذكر الخبر يحمل دلالة تؤكد خواطر المهدي واهتماماته الخارجية. يعزز ذلك الاهتمام وعي المهدي بالحركات الجهادية في العالم الإسلامي ورغبته في محالفتها محالفة إستراتيجية، وهو ما يفسر اختياره للسنوسي في ليبيا ليكون أحد خلفائه. إننا نلاحظ هنا بوضوح السمة المميزة لموقف الأستاذية تجاه العالم الإسلامي ومهمة تحريره كما فهمها المهدي وسعى نحوها.

    وبعد المهدي جاء الخليفة عبد الله التعايشي ملتزماً بصورة الزعامة الخارقة: استقامة خلقية وشجاعة فائقة، وخوارق عديدة منسوبة إليه وإلى جيشه، من الحراب التي نطقت بالشهادة إلى الأنوار التي ومضت بها الأسلحة. أما نبي الله الخضر فقد احتل مكاناً أثيراً في عالمه. وفوق ذلك حمل الخليفة رؤية تحريرية نحو العالم الإسلامي والمحيط من حوله. وقد قادته تلك الرؤية، التي تمثل إحدى خصائص الزعامة الخارقة، إلى معركة توشكي مع مصر، ثم معركة الحبشة مع إمبراطورها يوحنس.

    إن المهدية تمنحنا مثالاً نادراً في العالم الإسلامي لمحاولة جديّة لتكوين سياسي وطني متسق مع خصائص الشخصية العامة للمجتمع. ولو ترك لها المجال لتتطور بصورة طبيعية لصححت أخطاءها ولأصبحت نظاماً وطنياً مستقراً، لكن القوى الاستعمارية، وهي في أوج قوتها، ما كانت لتسمح لميلاد جديد كهذا يعدي بالثورة، فأجهضته.

    نتائج ومستخلصات

    لا تمثل هذه المقالات دراسة علمية، وإنما هي التماس لفرضية hypothesis أو فرضيات تحلل بواسطتها البنية النفسية للشخصية والحياة العامة في السودان. وهذه المحاولة تعتمد بصفة أساسية على استقراء مخطوطة ود ضيف الله التي تعد من أهم نصوص التاريخ الاجتماعي للسودان الأوسط. وهي لأهميتها، وجاذبيتها لدى الناس، ظلت في حالة استنساخ وتداول واسعة منذ كتابتها. ولنجاح هذه المحاولة ينبغي، أولاً، تجنب الجدل، ولو لحين، حول صحة وقائعها. وينبغي ثانياً أن تقرأ المخطوطة لا على أساس أنها نص فقهي، بل على أساس أنها نص تاريخي اجتماعي نفسي، فالعبرة، لأغراض هذه المحاولة النظرية، لا تكمن في صدقية الوقائع الواردة فيها، ولا في صحة فقهها، وإنما تكمن العبرة في أن هذه الوقائع قد ذُكرت بصراحة ووضوح ووجدت من يصدقها ويؤمن بها ويبني أفكاره ومعتقداته وأفعاله عليها.

    والمقصود بالشخصية العامة هو أية شخصية تتصدى لمهمة القيادة، سواءً في المجال السياسي أو الديني أو الاجتماعي.. الخ. والمقصود بالحياة العامة هو الساحة الحية التي يتحرك فيها هؤلاء القادة زائداً الجمهور من حولهم، إضافة إلى العلاقات التفاعلية بينهم.

    تنطلق الفرضية التي نحن بصددها من أن فكرة الزعيم الخارق فكرة مركزية في تكوين الشخصية والحياة العامة السودانية. وأن بضعة شروط جوهرية لا بد من استيفائها لتصبح الزعامة خارقة. بعض تلك الشروط جسدي كالقوة الجسمانية التي تؤهل لاحتمال مشاق الزعامة كالسهر والسفر ومقابلة الناس وإكرامهم وإطعامهم والإنصات إلى شكاواهم؛ وكالقوة المعنوية التي تترتب عليها الاستقامة الخلقية والزهد حتى إن توفر للشخص الثراء المادي الظاهري؛ وكالاستثنائية التي تعني القدرة على خرق القوانين والسنن من أجل قضاء حوائج الناس؛ وكاللانهائية التي تجعل أي قرار أو قضاء في أي مستوى كان، قابلاً للاستئناف بتوسط الزعيم؛ وأخيراً، في بعض الحالات وليس جميعها، أن يكون للزعيم ارتباط بالعالم الإسلامي ودرجة من الأستاذية تجاه ذلك العالم تعلو به من أن يكون زعيماً محلياً.

    بهذه المواصفات فإن الزعامة الخارقة مؤسسة متكاملة؛ أي مؤسسة فيها "الدين والعجين"، إذا أردنا أن نستعير من وصفات الشيخ إدريس ود الأرباب. وفي الحقيقة فيها أكثر من ذلك، فهي مؤسسة للتعليم والزراعة والنشاط الاقتصادي وحماية المواطن البسيط من ظلم السلطان؛ وبالمقابل مناصحة السلطان ومناصرته المعنوية والمادية إذا دعا داعي الجهاد لصد غزو الأعداء (انظر بصورة خاصة إلى دور البيوت الدينية في حرب الحبشة عام 1744م. أما الحرب الثانية مع الحبشة في المهدية فمعلومة).

    تستند الفرضية كذلك إلى قوة تداخل الديني مع السياسي في التأريخ المذكور، فبرغم أن الصفات المؤهلة للزعامة الخارقة مستلة من دراسة نماذج اشتهرت في السودان بأنها شخصيات دينية كما أوضحت المخطوطة، إلا أن المعايير التي تضعها تمتد لتشمل الشخصيات السياسية، حتى لو لم يكن لها دعوى دينية واضحة. كما أننا منذ البداية لا يمكن أن نصف تلك الشخصيات، موضع النظر والاستدلال، بأنها كانت شخصيات دينية فقط، أي بهذه الدرجة العالية من الفرز؛ كثير من تلك الشخصيات كان لها دور سياسي محسوس، فقط هي لم تنافس في أخذ البيعة للحكم.

    وتاريخياً تطلبت الحياة العامة درجة عالية من التداخل بين الديني والسياسي، على الأقل في معايير مشروعية الزعامة، فالشروط القاسية للزعامة تذكّر بمعايير حمل الأمانة وهي معايير ذات أصل ديني واضح. وعلى خلفية هذه الحقيقة يمكن أن نفهم لماذا يذكر الشيخ عجيب، وهو رجل سلطة ودولة، ضمن الخمسة الذين سلكهم تاج الدين البهاري. إن هذه الأهلية المزدوجة للشيخ عجيب تمثل رمزية عالية لترابط الديني مع السياسي من حيث مطلوبات الزعامة الخارقة. هناك أدلة أخرى كثيرة على قسوة معايير الزعامة في المجتمع موضوع النظر: تدبر مثلاً كيف غضب الفونج على ملكهم أونسه لأنه "كان صاحب لهو ولعب وهوى... حتى ظنوه بأمر قبيح وفاحشة عظيمة فلما بلغ أهله الفنج ذلك أرادوا عزله".*

    ليس هذا مقام الاستفاضة في هذه المسألة، لكن من المفيد لتجلية هذه الفكرة إجراء مقارنة بين مواقف الجماعات الصوفية من الحكم والحكام لنرى هل تنطبق هذه الخصوصية السودانية عليها. المقارنة تشير من ناحية إلى عزوف الطريقة التجانية الحازم من مقاربة السلطان وقضايا الحكم. وسبب ذلك في نظري هو أن الطريقة التجانية على كثرة أتباعها في السودان يظل ارتباطها بأصولها المغربية وغرب الإفريقية قوياً. أما الطريقة السمانية، وبالتالي الأنصارية التي نشأت في أكنافها، والطريقة الختمية والطريقة القادرية، فقد كان لها جميعاً ارتباط قوي بقضايا السلطة والسياسة في تاريخ السودان وحاضرة، وأدى كل منهم دوراً سياسياً وإن لم يكن واضحاً لجميع الناس. تفسير ذلك في تقديري هو أن المجموعة الثانية من الطرق تطبعت بالواقع السوداني وتأثرت به أكثر من تأثرها بمكوناتها الخارجية. والواقع السوداني، كما تقول فرضيتنا، يجعل للزعامة السياسية بعداً دينياً قوياً، والعكس أحياناً صحيح.

    ويمكن أيضاً استقصاء هذه المسألة في التاريخ الحديث باستفاضة أكثر عند النظر إلى تجربة الأحزاب منذ الاستقلال وعلاقتها الوشيجة مع الطوائف الدينية؛ ثم تجربة نميري التي انطلقت من الصبغة اليسارية العلمانية قبل أن تتحول سريعاً إلى الطابع الديني؛ والآن تسود تجربة الإنقاذ بتوجهها الإسلامي منذ اليوم الأول. بل هناك ما يشير إلى أن لهذه الخصلة، أي تماهي الديني والسياسي، أصولاً قديمة في بلاد النوبة من قبل الإسلام، وللمرء أن يراجع قصة ملك النوبة المسيحي مع عبيد الله بن مروان، اللاجئ إلى أرض النوبة من مذابح الأمويين، ليرى المفارقة حين يخاطب ملك النوبة عبيد الله بمنطق أقرب إلى منطق العالم الديني، أو الراهب، منه إلى منطق رجل الدولة. والقصة مشهورة في المراجع الإسلامية.

    تمضي الفرضية لتستقصي خصائص الحياة العامة السودانية النابعة من مركزية مبدأ الزعامة الخارقة بما لها من إيجابيات وسلبيات. يمكن القول إن من الإيجابيات تماسك المجتمع حول زعاماته الخارقة، الشيء الذي يولّد معايير وقيماً وثقافة صلبة تحمي المجتمع من الاختراق الثقافي الكامل وتؤهله للمقاومة والجهاد ضد الغزو العسكري والاستعماري. لاستبانة هذا الملمح بصورة جلية، تدبر تميّز استجابة المجتمع للمحاولتين الاستعماريتين لاحتلال السودان وإخضاعه؛ وقارن سيرة الإدارة الاستعمارية البريطانية في السودان الشمالي وسياساتها بسيرتها وسياساتها في بقية إفريقيا أو حتى في جنوب السودان؛ وتأمل في خروج السودان الشمالي من الحقبة الاستعمارية متفرداً في محافظته على لغته وهويته الثقافية وامتناعه حتى من دخول الكومنولث الذي نظر إليه باعتباره أحبولة لاستدامة الارتهان الاستعماري؛ وأيضاً من الإيجابيات، استقلالية المجتمع عن الدولة في كثير من حاجاته التي توفرت حول المؤسسات متعددة الأغراض التي أقامها أولئك الزعامات؛ ومن الإيجابيات كذلك لا مركزية الحكم التي وفرت درجة عالية من التعايش بين كيانات سياسية متنافسة وحققت استقرارا كبيراً من خلال صيغة خلاقة لاقتسام السلطة.

    أما السلبيات فتتمثل في الاعتمادية الكبيرة على الزعامة الفردية بمقدراتها الاستثنائية وسلطتها في استئناف أي حكم أو قضاء؛ وتتمثل أيضاً في تخليد الزعيم في موقعه. وقد أدت تلك السلبيات إلى ضعف جوهري في البناء المؤسسي وعدم الرغبة في الانضباط بالقوانين والالتزام بالنظم. ويمكن رؤية أثر هذه السلبيات الآن وانعكاسها على بعض الأبنية التنظيمية الحديثة كمجالس الوزراء، والمؤسسات التشريعية، والخدمة المدنية، والقوات النظامية، والأحزاب السياسية.

    إن أهمية التجربة المهدية لا تقتصر على نجاحها في بعدها الجهادي، أو النضالي ضد المستعمر، وإنما في أنها وفرت تجربة مثالية لمحاولة وطنية للتطور نحو الحداثة بتوافق مع الطبائع والخصائص المكونة للبيئة المحلية. لكن التجربة أجهضت بالغزو الاستعماري نهاية القرن التاسع عشر، مثلما أجهض من قبل الاستمرار الطبيعي والتلقائي للسلطنة الزرقاء بالغزو الاستعماري الأول. ولما كان الغزوان الأول والثاني يحملان فكرة تبشيرية بنظام عالمي بدأ يتشكل آنذاك فقد دخلتا في مواجهة قوية مع تلك الثقافة الراسخة، لا يزال المجتمع يعاني من آثارها.

    يقال في علم النفس إن الإنسان في سعيه تتجاذبه قوتان: الأولى تتمثل في صورة الذات Self-image، وهي الفكرة المثالية التي يختزنها الإنسان عن نفسه أو التي يطمح أن يكون عليها. أما الثانية فهي تحقيق الذات Self-actualization، وهي ما يستطيع أن يحققه فعلاً من تلك الصورة المثالية، والتفاعل بين الاثنين يحدث توتراً خلاقاً يدفع بالإنسان إلى الأمام. حتى إذا تدخل الوالدان أو تدخلت أية قوة خارجية أخرى وفرضت على الإنسان صورة مختلفة عن صورة الذات التي يختزنها هو عن نفسه فعندئذ ينشأ توتر هدّام يفقد الإنسان ثقته بنفسه وربما تسبب في فشله في حياته العامة والخاصة.

    إذا عدينا هذه القانون النفسي من الأفراد إلى الشعوب، يمكننا أن نفهم كيف أن صورة الذات التي فرضتها التجربة الاستعمارية أحدثت توتراً مدمراً في السيكولوجية الجماعية لأنها جاءت مباينة لصورة الذات كما طورها المجتمع تلقائياً بغير منازعة مع قوى خارجية. وقد استدعت صورة الذات الجديدة المفروضة من خلال التجربة الاستعمارية إقامة مؤسسات حديثة لكنها غريبة ومجافية للبنية النفسية ومكوناتها الرئيسية مثل فكرة الزعامة الخارقة.

    ليس المقصود من هذا القول أن المؤسسات التي فرضتها عملية التحديث لا تصلح في المجتمع السوداني، أو أن الخصائص النفسية التي نشأت بعيداً عن التجربة الاستعمارية هي الأفضل من غيرها. المقصود هو تأكيد ضرورة أن تأتي عملية التحديث متوافقة مع صورة الذات الوطنية وأن تبني مؤسساتها من خلال تطور طبيعي وصحي متوافق مع البنية النفسية للمجتمع، لا من خلال صيغ قهرية ومعتسفة، داخلية كانت أم خارجية.



    --------------------------------------------------------------------------------

    * مقالات نشرت بصحيفة الرأي العام ابتداءً من أول ديسمبر 2007م.

    ** كل ما ورد عن ود ضيف الله هنا منقول من نسخة الشيخ إبراهيم صديق أحمد. ومعلوم أن نسخة الأستاذ يوسف فضل أوفر تحقيقاً وشرحاً إلا أنني أضعتها ولم أعثر عليها إلا مؤخراً.

    * The Sudan Memoirs of Carl Christian Giegler Pasha (1873-83)

    Ed. Richard Hill. Oxford University Press

    * مخطوطة كاتب الشونة، ص 19.


    من المحرر
    هذه المقالة منشورة على ثمانية أجزاء بصحيفة الرأي العام نهاية العام 2007م .
    وهذا النص كاملاً مأخوذ من العدد 20 من مجلّة أفكار جديدة التي تصدر عن هيئة الأعمال الفكريّة .


    ---------------------------------------------
    منقول عن http://www.tawtheeg.com/vb/showthread.php?p=6360
    نشره : محمّد خير عوض الله
                  

02-21-2010, 07:12 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: Frankly)

    الصديق العزيز سالم احمد سالم... سعدت باطلالتك بعد سنوات طوال , اظن اخر لقاء كان فى لندن او ابوظبى وطبعا تعرف رهق ذاكرة العجائز . ونحن فى الخواتيم اتمنى تجديد الذكريات .. اتنقل الان بين الدوحة واوسلو .. اشكرك على مداخلتك القيمة وما تضمنته من افكار متوازنة وان شاء الله ساعود اليها بالتفصيل فى وقت لاحق . تحياتى للاسرة الكريمة
                  

02-21-2010, 07:33 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الاخ الكريم كمال
    frankly

    لك عظيم الشكر والتقدير لامتاعنا بهذا البحث القيم المتفرد للدكتور غازى صلاح الدين وقد اثريتنا حقا بكل سطر فيه ولا يمكن قراءته على عجل بل بتمحيص واستيعاب لمضامينه واقول لك صادقا انه من اهم الدراسات التحليلية عن كتاب الطبقات واتمنى ان يكون محورا رئيسيا فى حوارنا ..
                  

02-22-2010, 05:23 AM

ABDALLAH ABDALLAH
<aABDALLAH ABDALLAH
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 7628

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    Quote: قصة القاضي دشين المشهورة مع محمد الهميم وفق مبدأ الخرق الاستثنائي. والقصة معروفة تزعم إن الشيخ محمد الهميم "في حالة الجذب الإلهي زاد في نكاحه من النساء على المقدار الشرعي وهو أربع وجمع بين الأختين... فأنكر عليه القاضي دشين حين قدم محمد الهميم أربجي وحضر صلاة الجمعة بأربجي. فلما أراد الخروج من الجامع قبض دشين لجام الفرس وقال خمست وسدست وسبعت، ما كفاك حتى جمعت بين الأختين. فقال له: ما تريد بذلك. قال أريد أن أفسخ نكاحك لأنك خالفت كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فقال له الرسول أذن لي والشيخ إدريس بيعلم. وكان الشيخ إدريس حاضراً، فقال لدشين: اترك أمره وخله ما بينه وبين ربه. فقال: دشين ما بهمل أمره وقد فسخت نكاحه. فقال الشيخ محمد الهميم لدشين: فسخ الله جلدك، فيقال إنه مرض مرضاً شديداً حتى انفسخ جلده".


    شـكرا اسـتاذ يـحـى العـوض

    والتحيه والتقـدير للبروفيسـور يوسـف فضــل وهو يعمل عـلى تنقيح وتحقيق
    واعـادة طباعـة كتابى الطبقات والشـونه.

    زارنا فـى بنك السـودان لإنـجـاز مـهـمـه شـحصـيه, وعـندما عـلم اننى من
    ام ضـوابان حضـر فـى اليوم التالى خصيصا وهو يحمل نسخه من كتاب الطبقات والمطبوع حديثا بعد تنقيحه.

    قدم لـى الكتاب بعد ان كتب علـيه اهـداءا, رقيقا وبدأ يحدثنى عـن نسخة الخلـيفه حسـب الرسـول كواحده من اهم النسـخ التى اعتمد عليها وكيف تحصـل عليها عـند ( ابـونا ) الخليفه يوسـف ودبدر.

    اهـلنا فـى اضـوابان عندما يتطرقون لما حدث بين الشيخ محمد عبدالصادق الهميم
    والقاضى دشـين يعتبرون ان ذلك صراع بين اهل الباطن واهل الظاهر , وسـندهم,
    قـتل سـيدنا الـخـضـر للغـلام الذى لقيه, ليحتج سـيدنا مـوسـى ظاهريا.

    كنت مـن الـمتابعين لـمجـلة القـوم وتمنيت اسـتمرارها , وللأمانه اعجبت بهـا
    اكثر من اعجابى بجـريدة الفجـر.

    اسـتاذ يحـى , تمنياتى لك بالتوفيق رغـم اخـتلافـى معـك فـى هـذه الـمسـأله.
                  

02-22-2010, 07:03 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: ABDALLAH ABDALLAH)

    الاستاذ الفاضل عبدالله محمد عبد الله ... الشكر والتقدير ... عبق دوحة العبيد ود بدر , كان الاريج الذى قادنا بحمد الله الى بساتين العارفين فى البقع المباركة فى جميع انحاء السودان .. كانت زيارة الخليفة الجليل الشيخ يوسف ود بدر , نقطة الانطلاق وقد نشرت تلك التجربة وتفاصيلها بعنوان : تجربتى .. البحث عن امن اليقين ... سارسل لك الرابط اذا لم تطلع عليه .. وتشرفت فى مجلة القوم بالشيخ بخيت الفضل , تلميذ ابو قرة , الخليفة حسب الرسول والذى اكرمنا بسيرته كاملة ونشرت مسلسلة فى القوم , وصدرت مؤخرا فى كتاب اهدانى نسخة منه الخليفة المبجل الشيخ الطيب والذى يشرفنى برسائل منتظمة وهو من المجددين فى التربية الصوفية .. ونحتاج جميعا للاقتراب منه اكثر وتدوين ونشر اسلوبه المتميز فى التربية...
                  

02-22-2010, 07:50 AM

محمد عبدالقادر سبيل
<aمحمد عبدالقادر سبيل
تاريخ التسجيل: 09-30-2003
مجموع المشاركات: 4595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الأخ الأستاذ يحيى العوض،

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    حينما قرات قصة جمع الاختين من جانب الشيخ محمد الهميم وموقف قاضي العدالة دشين منه
    تبادر الى ذهني سؤال مفاده:
    هل كانت هاتان الاختان رقيقا انجبهما بانقا بجانب بناته ؟ فهذا افتراض يدعمه ايراد معلومات اخرى في الطبقات حول اسمين آخرين لابنتي الشيخ بانقا الضرير بجانب ان اسم خادم الله يشي بوجاهة هذا الاحتمال؟
    بمعنى ان لابيهما ابنتين حرتين اخريين هما اللتان نسبتا اليه حين الاشارة الى بناته رسميا!! فبنات السراري سراري في ثقافة ذلك الزمان ولا تعلن كبنات منتسبات اليه طالما لم يشأ ذلك
    ولكن السؤال هنا
    هل يجوز شرعا ان يجمع الرجل بين اختين ان كانتا رقيقا ( ايام كان الرق سائدا طبعا ) كما هي الحال في زمن مملكة سنار وقبلها.
    هل فكرت في هذه الفرضية اخي يحى العوض وهل من المعقول ان نجد تفسيرا للحدث من هذه الناحية ام عندك ما ينفيها او ينفي جدواها؟

    وقبل ان اختم
    اود ان افاتحك حول فكرة انشاء ( صحيفة يومية ميسمها : المسيد )
    وطالما انك من اطلق ( مجلة القوم ) في 1985م فلابد ان التفاكر معك سيكون مفيدا
    هل تشجعني على ذلك ، وهل انت مستعد للشراكة في هذا المشروع ان رأيته مجديا
    لك ودي واحترامي
    ___________________
    رب اشرح لي صدري ويسر لي امري

    (عدل بواسطة محمد عبدالقادر سبيل on 02-22-2010, 08:06 AM)

                  

02-22-2010, 07:51 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الاستاذ الفاضل حمور زيادة ... لك الشكر والتقدير على نبل موقفك وصدق مقصدك والامتنان لابنتى سهام طه المجمر لسحبها رسالتها واقول لها من كان والده طه المجمر , لابد ان يكون متميزا..
                  

02-22-2010, 08:08 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    هل يجوز شرعا ان يجمع الرجل بين اختين ان كانتا رقيقا ( ايام كان الرق سائدا طبعا ) كما هي الحال في زمن مملكة سنار وقبلها.
    هل فكرت في هذه الفرضية اخي يحى العوض وهل من المعقول ان نجد تفسيرا للحدث من هذه الناحية ام عندك ما ينفيها او ينفي جدواها؟

    وقبل ان اختم
    اود ان افاتحك حول فكرة انشاء ( صحيفة يومية ميسمها : المسيد )
    وطالما انك من اطلق ( مجلة القوم ) في 1985م فلابد ان التفاكر معك سيكون مفيدا
    هل تشجعني على ذلك ، وهل انت مستعد للشراكة في هذا المشروع ان رأيته مجديا
    لك ودي واحترامي

    الاخ الكريم محمد عبد القادر سبيل .... لك الشكر والتقدير ... السادة اليعقوباب نفوا هذه الفرضية عندما طرحناها عليهم .. اسعدتنى فكرة اصدار الصحيفة والسؤال .. ورقية اصلا ام اسفيرية منذ البداية . وافضل التشاور عن طريق الايميل وعنوانى [email protected]
                  

02-22-2010, 08:34 AM

عبدالأله زمراوي
<aعبدالأله زمراوي
تاريخ التسجيل: 05-22-2003
مجموع المشاركات: 744

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    أستاذنا الكبير يحيى العوض...

    نأتي لحضرتكم لنتزود من المعارف كما جرت العادة، ولنحييك
    على مقالاتك وأطروحاتك الرصينة التي عُرفت بها. طالت
    الغيبة ولكنني عاقدٌ العزم لزيارتك قريبا...

    لك الود وعظيم الإحترام..
                  

02-22-2010, 08:38 AM

محمد عبدالقادر سبيل
<aمحمد عبدالقادر سبيل
تاريخ التسجيل: 09-30-2003
مجموع المشاركات: 4595

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    اخي الاستاذ يحيى
    شكرا على الرد الذي تقول فيه :
    Quote: السادة اليعقوباب نفوا هذه الفرضية عندما طرحناها عليهم .

    ولكن هل كان رفضهم منطقيا ومقنعا ويستند الى معلومات حقيقية ام من باب عدم الرغبة في تناول قضية فيها اشارة الى رقيق في نسبهم ؟
    ان هنالك اشارة اخرى في تهم دشين التي سردها على الهميم حين قال له ( خمست وسدست ) لا يمكن افتراض ان الشيخ الهميم كان جاهلا او لامباليا الى هذه الدرجة
    فلابد ان له سراري بجانب نسائه في ذلك الوقت والا لما سدس وسبع
    هذا واضح يا شيخ يحيى
    فكيف اكتفيت بنفي اليعقوباب لمثل هذه الفرضية الوجيهة وهكذا بلا دليل
    بدأت اشعر ان هذا هو الاحتمال الراجح
    وينبغي البحث بهذا الاتجاه خيرا من ان نقدح في النزاهة العلمية للدكتور يوسف فضل
    صحيفة المسيد ورقية
    وساعود اليك عبر البريد الذي اكرمتني به.
    بريدي هو : [email protected]
    لك محبتي
    ________________
    رب اوزعني ان اشكر نعمتك
                  

02-22-2010, 10:23 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: محمد عبدالقادر سبيل)

    اخى الغالى صاحب المزامير تشرفنى زيارتك, واطلالتك فى كل المحافل تثرى الفكر والقلب
                  

02-22-2010, 08:00 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)


    الاستاذ الفاضل ابو الريش , فى محاولة للاجابة على الاسئلة التى طرحتها انقل لك ملامح من تجربتى والنبع الذى وردته وسلكت منه الطريق..




    Quote: وازددت تعلقا بهذا المكان ـ مسيد الشيخ البشير محمد نور حتى أذن الله وأخذت منه بيعة الطريق السماني على نهج الشريف محمد الأمين الخاتم... ووجدته موردا عذبا لا شوائب تعكره فـي مظهر أو حال, يرتكز أساس قاعدته على الحديث الذي رواه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويعتبر هذا الحديث جامعا لكل أصول الدين، قال: "بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: "يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت. قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال فأخبرني عن الإيمان. قال:"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليـوم الآخـر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". قال: صدقت.. قال: "فأخبرني عن الإحسان. قال:"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: "ما المسئول عنها بأعلم من السائل:. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فـي البنيان" ثم انطلق فلبث مليا، ثم قال لي: "يا عمر أتدري من السائل؟" قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)". رواه مسلم.

    هذا الحديث كما تعلمنا من مشايخنا هو أساس المنهج الصوفـي ويكتمل العلم بالدين، بثلاثية الإسلام والإيمان والإحسان كما جاء فـي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"..

    ويؤكد الشيخ ابن رجب الحنبلي فـي كتابه جامع العلوم والحكم أن جميع العلوم والمعارف يرجع إلى هذا الحديث ويدخل تحته وأن جميع العلماء من فرق الأمة لا تخرج علومهم التي يتكلمون فيها عن هذا الحديث وما دلّ عليه مجملا ومفصلا، ويضيف قائلا: يتكلم الفقهاء فـي العبادات التي هي جملة خصال الإسلام ويبقى كثير من علم الإسلام فـي الآداب والأخلاق وغير ذلك لا يتكلم عليه إلا القليل منهم والذين يتكلمون عن أصول الديانات يتكلمون عن الشهادتين وعن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر، والذين يتكلمون عن علم المعارف والمعاملات يتكلمون عن مقام الإحسان وعن الأعمال الباطنة التي تدخل فـي الإيمان أيضا كالخشية والمحبة والتوكل والرضا والصبر ونحو ذلك فانحصرت العلوم الشرعية التي تتكلم عنها فرق المسلمين فـي هذا الحديث وحده .

    من هنا كان دور الشيخ المربي ليأخذ بيدك فـي طريق الإحسان، وهو مقام يتسع فيه الاجتهاد من شيخ لاخر لكنه محكوم بافعال واقوال وحال الرسول صلى الله عليه وسلم ولا تجاوز عن منهجه , شريعة وطريقة وحقيقة... وبدأنا معهم رحلة "البحث عن أمن اليقين". واليقين كما يقول القوم هو نهاية الـمعـرفة، و"من عمـل بما يعلـم أورثه الله علم ما لم يعلـم"

    لقد هيأت لنا مجلة "القوم." الالتقاء بأهل الصدق، فهم "القوم الذين لا يشقى جليسهم".

    ونعتقد أن القوم "يواجهون في هذه المرحلة إبتلاءات متعددة يتجسد معظمها في ظاهرة إنتشار اصحاب المقامات الموهومة و المشعوذين والدجالين ، فقد تأسست شبكات للعلاقات العامة تروج لأساطير وخرافات وقدرات خارقة لمشعوذين داخل وخارج السودان . وأصبح "بزنس" أدعياء التصوف ، إستثمارا مضمونا، نال من سمعة القوم وألحق بهم الأذى ... لقد آن الأوان لمواقف حاسمة تعود بالتصوف إلى أصوله وإضافاته السودانية التى تميزت بالتواضع والإبتعاد عن السلطان بل والزهد في "المشيخة" نفسها لا التكالب والتقاتل والإنقسام داخل الأسرة الواحدة كما يحدث للأسف هذه الأيام ... آن الأوان لتجديد وإصلاح الشوائب التي علقت بهذا المنهج المتكامل في السلوك ... كما ان الاوان لاعادة تحقيق وتدقيق كتاب الطبقات للشيخ ود ضيف الله لما حواه من روايات غير صحيحة نسأل الله الصحة والعافية لاستاذنا الدكتور يوسف فضل للقيام بهذه المهمة وهو موضوعنا القادم"والله يقول الحق وهو يهدي السبيل".



    وساعود الى اسئلة الكرامات لاحقا


















                  

02-23-2010, 05:24 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الاخ الاستاذ ابوالريش.. للاجابة على اسئلة الكرامات اورد لك ايضا مقتطفات من تجربتى مع القوم وقد نشرتها فى كتابى , " الطريق لاتجاه واحد" وجاء فيه الاشارة الى اتفاقنا مع المشائخ والخلفاء تدوين تراثهم بانفسهم , حتى لا يكون مرتعا لغلاة المريدين والذين تطربهم روايات الخوارق من فرط محبتهم , حماسة وتعصبا , او لتعنت القادحين الذين يتربصون باهل التصوف ويتحينون الفرص لدمغهم بمختلف النعوت كيدا وافتراء . والتزمنا بنهج ثابت بان نتحقق من الروايات المتداولة ولا ننشر ما نتلقاه الا بعد عرضه على اهله وصياغته وفقا للمعيار الذى اتفق عليه اقطاب التصوف بان جميع اعمالهم وممارساتهم تخضع للكتاب والسنة المطهرة , وما يخالف ذلك فهو ضلال واستدراج . ويقول الشيخ ابا يزيد البسطامى لو نظرتم الى رجل اعطى من الكرامات حتى يرتقى فى الهواء لا تغتروا به , حتى تنظروا كيف ترونه عند الامر والنهى وحفظ الحدود والالتزام بالشريعة .... ان مسالة تحقيق الكرامة لاحجة من احد على احد فيه , وهى مقولة للشيخ محمد متولى الشعراوى الذى يوضح ان المعجزة والكرامة المقصود منها تثبيت ايمان ويقين من يراها , لا كل الناس , فاذا حدثك واحد عن كرامة وانت استقرأتها لقوانين هل هو صادق او كاذب , فليس مطلوب منك ان تصدقه لانها ليست لك .. ما لك هو الكرامة التى تراها, التى تراها بعينك انت لتعطيك طاقة من الايمان .. اما انت يامن لم تر بعينك فانت حر فى ان تصدق اوتكذب .. ونواصل
                  

02-23-2010, 11:49 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    الكرامة الكبرى عند العارفين هى امر الله لرسوله " واستقم كما امرت " وهو وعد حق لمن يلتزم به . فمن عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لا يعلم " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" .. والمعادلة الرئيسية تكمن فى الحديث الشريف " ادعوا الله وانتم موقنون بالاجابة . واعلموا ان الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه"وجسد لنا سيدنا عمر رضى الله عنه هذا الحديث فى قوله " انى لا احمل هم الاجابة ولكن هم الدعاء فاذا الهمتم الدعاء فان الاجابة معه," فعندئذ يتبين لنا من هو الذى يدعو الله وهو موقن بالاجابة. ويتفرع من ذلك ما جاء فى الحديث الشريف " رب اشعث اغبر لو اقسم على الله لأبره . وجاء الوعد الحق فى قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " يتبع
                  

02-23-2010, 07:45 PM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    " ويقابل هؤلاء القوم الموقنين باجابة دعائهم , اولئك الذين يعبدون الله " بالمقايضة " يبيعون دينهم مقابل دنياهم " ومن الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة وذلك هو الخسران المبين" .. ان الله قد يبارك للمارقين والظالمين فى اموالهم وانفسهم وجاههم واهليهم ليتمادوا فى ضلالهم اشتدادا لسخطه عليهم وبغضه لهم " ولا يحسبن الذين كفروا انما نملى خير لانفسهم , انما نملى لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين"
    ان رسول الله عليه الصلاة والسلام كسرت رباعيته وشج وجهه ودخل المغفر فى وجنتيه ولقى مالا يحتمله بشر وهو احب خلق الله الى الله , والله جل وعلا " لا يجعل حبه للناس مرادفا لسلامتهم انما يمتحنهم كما يشاء ويبتليهم كما يشاء "

    عزيزى الاخ الفاضل ابو الريش , هذه اجابتى لاسئلتك العميقة المعنى والمضمون , وقد لا اكون قد اجبت عليها تفصيلا لكنى اوضح ايضا ان معجزات الانبياء والتى وردت فى القرأ ن الكريم , نحن موقنون بها ولا جدال حولها , وكذلك اشراقات سيدنا عمر بن الخطاب الذى اكرمه الله بتاييد رؤاه قرانا ووصفه الرسول الكريم بأنه من المحدثين . وخلاصة القول وشهادة اسئل عنها يوم القيامة , فقد طفت معظم البقع المباركة فى السودان ولم يحدثنى الشيوخ عن كرامات لهم او لاسلافهم , كلهم مشغولون با لتربية وللاسف ان موضوع الكرامات والمبالغة فى ترويجها يرددها المريدون والاصهار جهلا بانهم يرفعون من شأن شيوخهم ... العزيز ابو الريش علينا ان نحتكم لقوله تعالى على لسان نبيه الكريم خاتم المرسلين .. " قل لا املك لنفسى نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لا ستكثرت من الخير وما مسنى السؤ ان انا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون " صدق الله العظيم
                  

02-24-2010, 09:44 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    واضاءة لابد منها اخى ابو الريش , حالة التصوف هذه الايام والمأزق الذى ادخلنا فيه جيل الابناء والاحفاذ , والممارسات المسيئة لتاريخ هذه الاسر العريقة بمقاماتها السامية . للاسف الشديد ان الصراعات داخل الاسرة الواحدة اصبح السمة الغالبة وكذلك مداهنة السلطان والوقوف على ابوابه , اثر تأثيرا مباشرا على مسيرة التصوف وابعده عن اهدافه التربوية , التى يحتاجها الانسان على مر العصور.
                  

02-25-2010, 07:54 AM

يحيى العوض

تاريخ التسجيل: 10-26-2009
مجموع المشاركات: 741

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطبقات : براءة ود ضيف الله ومسئولية د. يوسف فضل...! (Re: يحيى العوض)

    ونطرح سؤالا نتمنى المساهمات الجادة للاجابة عليه .. لقد تم اطلاق قناة متخصصة فى المديح النبوى وقد ندرجها فى اطار الجهود المبذولة للارتقاء بتراث عظيم متوارث عبر الاجيال , فهل حقا تسير القناة وفقا لضوابط متفق عليها لاداء هذه الرسالة ام انها تحولت ايضا الى اضافة فى منظومة الترويج السياسى وفقا لجرعات فى غاية الوضوح ؟. ولماذا .. فى الوقت الذى تتوافر فيه فضائيات لا حدود لها لاداء هذه المهام ؟؟.. لماذا نخلط بين الاهداف النبيلة المعلنة وتشويهها وتطويعها بالاداء الفعلى لاغراضنا وتوجهاتنا السياسية , ونفقد المتلقى وكذلك الهدف الاسمى للارتقاء بتراثنا , تنقيحا وتوثيقا ..متى ينتهى المكر السياسى الممجوج الذى لا حدود لتطلعاته وتكون دائما نتائجه الخسران المين ..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de