في الطريق إلى "كسلا"..!!...

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 09:18 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-09-2010, 09:37 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
في الطريق إلى "كسلا"..!!...

    ...

    في الطريق إلى كسلا!!





    -أ-

    الواحدة والنصف ظهرا، توقف البص السياحي في قلب السوق، كم لفة لفها الإطار البلاستيكي، الأسود حول نفسه حتى يستقر الآن ساكنا؟ هذه النوق الحديدية، تغني لك، وتعرض عليك الأفلام، وتحملكم مع متاعكم، وتطعمك، وتجري بك بسرعة البرق، توقف البص بفرملة قوية، سلسة، حتى كاد الجميع أن يركعوا، ثم رفعوا من السجود بحركة خفيفة، سريعة خوفا أن يكون الركوع لكسلا، ويصيبهم شرك خفي، لطيف، (تستحقه هذه المدينة السمراء) تمرجح الجميع، للأمام، والخلف، كأننا في تمارين يوجا جماعية، مع هذا الناقة الحديدية بارك الله من خلقها، ومن صانها، ومن ساقها، ومن ركبها..

    نهض الجميع بغته، لكسلا "أيضا"،!!، أم للوصول!!، لست أدري، أم كي نقيس قاماتنا، مع قامة الجبل؟!!، أصطف الناس، وكأننا في قداس، بعد سويعات جلوس طويل، من آخر محطة "خشم القربة"، أدخلت مجلة العربي، وبعض الجرايد اليومية، والرياضية، في جيب الحقيبة الزرقاء الصغيرة، ثم سرنا في صف بين الكراسي، نحو الباب الذي فتح اتومتيكا، بلا سحب ترباس، بل أنسحب واتكأ على صفحة البص، بيده، لا بيد عمرو، ومن درج الباب العالي، سرح بصري وشمي، وقلبي، وأنا أرى أجناس، وألون وسحنات، ومناخ، ولغط غريب على الأذن، وسعيد على القلب، تغيير كامل سرى في أعماق روحي، فجأة، ألف سهم عشق اخترق قلبي، أطلقته نبال هذه المدينة الوليدة الآن، ظهر الجبل، في الصباح، يستغنى عن المصباح، كان بهيا، وساحرا، ويشئ بغموض الأزل، وبدأت المدنية كلها، مرتبطة به، يوحي لها روحها، ويرسم هويتها، ووجدانها الدافئ، كأنه يحرسها، وهذا يعني أنها (ثمينة، ودرة)، وهو "أصيل، وأبن بلد، وفارس"!!...

    احضان، وسلام، واشواق، وبكاء، أسرة في استقبال ابنتها، سلمت على الأب بشوق قبل الأم والأخوة، ضم الاب الابنة، حتى صارا جسداً واحدا، يلبس الجزء الخلفي منه، جلباب وعمة، والأمامي بلوزة، وتنورة جنز زرقاء، وبداخله قلبين مشتاقين، جارحة من كسلا، تعود إليها، وشمل أسرة صغيرة، قد ألتئم، من جرح الفراق (أكانت تدرس؟ أو تعمل في الخرطوم)، أين مدراس كسلا؟، ووظائفها؟، أم كانت في سياحة، وأين سحر السواقي، ورمال القاش!! أم لا كرامة للقاش، ومكرام، بين أهله، تلك سنة الحياة، تستجير من الرمضاء بالنار، وزامر الحي، لا يطرب...

    سرح طرفي في تفقد المدينة الوليدة في ذهني، ولدت كاملة، للتو، ولدت تغني، وترقص وتنشد، أين الدار؟ تلك الدار التي سهر فيها توفيق صالح جبريل، في ذلك المساء الفريد، حيث ظلت الغيد، والقواير صرعى، والإباريق بتنا في "إطراق".. أين الغيد الآن؟ في أي مقابر دفنت أجرامهن المضيئة؟ كي أترحم عليهن، فهن شهيدات الجمال الخالدات، واللائي لو لاهن، لما كان ذلك القصيد، وتلكم الأغنية الخالدة، وذلك الاداء الأصيل للاستاذ الكابلي، أين تلك الدار، كي أحج إليها، وألقى نظرة أسى على ليلة سامرة، خلدها الشعر، ونضر الله وجه الناظم، والسامع..

    عرسان مضوا، أول بأول، مع تاكسي أزرق، العريس لم يساوم سعر المشوار، ولن يساوم في حضور عروس نضرة، وسائق تاكسي ماكر، قناص، يعرف الرجال، ونخوتهم، في تلكم المواقف، في إظهار الشهامة، والكرم، والثراء، مجموعة أخرى تلبس جلاليب، وعمم، رفعت الفاتحة لشاب وسيم نزل حزينا (أمه، أبيه، من الذي سافر لتخوم السماء في هذه الحياة الغريبة)، تجار وحقائبهم الصغيرة، مضوا للسوق بالأرجل، مساومات بين بعض المسافرين وأصحاب التكاسي المتهالكة، والتي تسير بمعجزة، وكرامة صوفية، لا أكثر..

    لمحت رجل وامرأة من البجة، أنه ذات الفخر الفطري، والطيبة، والإقدام الذي ذكره شاعر البلاط الانجليزي، كبلنج، هو هو., كما وصفهم في مقارعة الانجليز بين شعاب الجبال، البجاوي، الذي (كان يلعب بقواتنا، كما يلعب القط بالعصفور)، شدني، منظرهم، مثل هذا الشاعر الصادق، الذي حكى عن عدوه بصدق، وشجاعة، وعيني ترنو للشعر الغزير، المدهون، والخلال مغروس فيه، وتلك الملامح الصارمة، بلا عنف، بل عزة فطرية..

    وأنا في الدرج، شممت رائحة المدينة، ولمست روحها، وأستنشقت نسيمها المضفور بالف عطر، وعطر، من حقول السواقي، وهامات النخيل والدوم، وعطور الاحياء، وحصى الشوارع، في ذلك الشهيق الأول، الذي يباغتك، حين تزور مدينة لأول مرة، ويعيش معك أبد الدهر، وللروائح ذاكرة، وروح، وخلود، وليوم الناس هذا، وكما يحن يعقوب لريح قميص يوسف، يحن الفؤاد لتلك اللحظة الصغيرة، على درج البص، وكسلا تلم نفسها، وتدخل بالشهيق، لأغوار النفس، وهناك تفرد اجنحتها الاسطورية، وترد بصرك وبصيرتك وتسكنك مثل الصحة، والخواطر، والدم..

    ***

    تجولت عيني، بفرح غامر، رغم الإنهاك، والرحلة التي بدأت في غبشة الفجر، من السوق الشعبي، الخرطوم، وقبيل ذلك من امتداد ناصر، حيث أوصلني أخي، قبل ان يستقيظ أنشط ديك بالمدينة، ولا تزال زهور عباد الشمس، تلم بتلاتها، قبل أن تفردهما بضوء الفجر، ورغم مرارات السفر، وخاصة محطات التفتيش، ورجال الشرطة، الذين لا يعرفون وعثاء السفر، إنهم لا يحسنون الظن بأحد، لو بمقدورهم لفتشوا قلوبنا، وعقولنا، أما أمتعتنا، فقد نكشوها، مثل ديك جائع، وكوم قش، حتى الحقائب الصغيرة، فتشوها، بحثا عن دبابة بداخلها!!..

    وبارك الله في الفاو، وتلاله، وخضرته، فقد خففت هذا الابتلاء، كما أن أغنية سميرة دنيا (في موطن الجمال بلاقي)، سافرت معنا، كم رقيقة هذه الأغنية الطيبة، لا أدري كم كف بلحنها الرخو، فقد وزعت علينا زهور الرقة، وبركة الخيال، وسرحنا مع الشاعر، واللحن، والأداء، أيدي سبأ..

    والبص يقطع الفيافي والسهول، والجبال، كأنه يسخر من المدن المكتظة، لم اللمة، والأكتظاظ؟، وهذا الارض العذراء، لم يسكنها سوى ضوء القمر، وأشعة الشمس، ويتكئ عليها النسيم بعصاه اللامرئية، طوال الدهر..

    فطرنا في الفاو، باصات مقبلة من القضارف، وهيا، وحلفا القديمة، ومن كسلا، والقضارف، وخشم القربة، لواري، وشاحنات، الانسان ووطره السرمدي، رجال يندسون وراء كتل الصخور الضخمة لقضاء الحاجة، قرعة ترقص على فم الحلة الضخمة، مع الثلج..
    أرقام التذاكر ومواقع الكراسي في البص خلقت أسراً، وعلاقات أمتدت حتى ترابيز المطعم، وكراسيه البسيطة، أناس تحج للشرق، وأخرى للجنوب، وللشمال، كلهم الأن في حضرة المطعم البسيط، تحت جبال الفاو، الوحيد الذي احتفل به هو "سائق البص"، حتى موقعه في المطعم كان فريدا، إذن صدقت الاشاعة، فهو عريس لدى صاحب المطعم، ويأكل ما لذ وطاب، بالمجان.. (ياخي بياكل ملح، عشان جاب ناس البص ديل كلهم للمطعم..

    أذن هو الذي يختار زمان، ومكان الفطور، ما أسعده، وما أشقانا، كنت اتصور الامر ديمقراطي، فهناك اطفال وكبار السن في الرحلة، هم أولى بتحديد الزمان، والمكان ، ولكن كيف؟ تغيب الديمقراطية في البلاد، كلها، لتقتصر على ظهر حافلة سياحية تسعى في الخلاء؟..

    لا أحب النوم في السفر، مهما طال، ولا أحب الكلام، هناك شاشة تعرض فيلم بسرعة البص، أنها النافذة، تعرض بلدي، سينما الواقع الحي، الدافئ، في شريط طويل، ابطالها كل الناس والقرى والحيوانات على مدى الطريق، بلا مخرج، أو مصور، ولكن هنا موسيقى تصويرية، يحددها السائق حينا، واحيانا الكمساري، وتكون غالبا لا علاقة لها بالمشهد، فقد ترى طفل يبكي وراء الشارع، وقد أنغرست شوكة "كتر"، في قدمه الحافية، والموسيقى التصويرية داخل البص، تغني (حلوة عيونك فيهم روعة)!!. لا علاقة بين ما تسمع، وما تشاهد، قمة السوريالية..

    مشاهد لا تحصى، تكحل العين، حينا، وتبكيها، تلك المرأة التي أشرت للبص ببراءة، ومضى البص صما، بكما، وهي تحمل طفل، وأخر يجلس قربها، على شوال أبيض ملئ بالتبن، وتركهما البص، وديعة لشمس الظهيرة، وغبار الطريق، وإنتظار المجهول..

    وتلك الصبية، التي تبيع البيض المقلي، المتسخ، وهي تعرض بضاعتها من خلال زجاج النوافذ الذي لا يفتح، هي لا تعرف هذه المعضلة، وإلا لم ارتسم على محيها الأمل، في بيع بيضها المسكين، ليتها تعلم؟ أم أفضل لها هذا الحلم، عسى أن يأتي بص أخر، غير سياحي، تفتح نوافذة الزجاجية، أو بلا زجاج، أنه لوري، أحاله الظروف لبص، رغم (الياياي)، المخلوق أصلا، للبضاعة، وليس الأنسان،، كم وكم من الأحزان للبسطاء، من خلق الدموع؟ وأسبابها؟ من؟..

    النعاس يجعل الوجوه مسالمة، مجرد أطفال، لا شي بالقلب حينها، كي يعكسه على اسارير الوجه، فالوجه أسير القلب، يرسم عليه حسراته، وأماله، ومسراته، والآن سرح القلب في عوالمه، نعااااس، ارتخت وجوه، وأخرى مالت للأمام، وثالثة لليسار، ضحكت في سري، وانأ اتذكر نكتة (لمحمد موسى"، عن الرجل الذي نام على كتف فتاة، طالبة جامعية،. بيد النعاس، وسلطانه؟ أم بيد الغرائز، لست أدري!!... ضحكت للنكتة، قالتها لي خواطري، أهكذا يضحك المجانين، (مع ذكرياتهم)، من يعرف؟..

    يصيبني يقين، ونحن نخرج من القضارف، والصومعة، وباعة الفول السوداني، ورائحة الوداي، لهذه المدينة رائحة لا تنسى، اعشاب ودخن، وندى، وأنس، كلها تختلط وتدخل قلبك، قبل أذنك، والباعة ذوي السنحة الافريقية المحببة، حيث تكون، كأنك في أكارا، أو ابيدجان، يمكنك ان ترى ملامح سوينكا، بل صاحب الاشياء تتداعى أمامك، ما أسعدك، وأنت تراقب من تلكم النافذة وطنك العجيب، الذي لم يعرف الساسه، سوى مظهره الكاذب، ما أجهلهم، بك، وطني الحبيب، ومن جهل العزيز، لا يعزه،..

    مجرد أن يدير البص ظهره للقضارف، ويولي لتخوم خشم القربة، يصيبني يقين كما قلت، بأننا خلقنا من الماء كل شئ حي، حين أرى تلال أمامي، تسحرني، (تشبه التلال بين الرهد وام روابة، والنهود)، مثل الأمواج، تعلو، وتهبط، بإنسجام مريح، يحس به كل راكب، وكأنه في مرجحانية وليس حافلة سفر، فتحس بأنك من الماء، من تلك الأمواج القديمة، التي تمخضت عنها، بإرادتها القوية، في المد والجزر، حتى كنت، فدست جينات عشق الموج فيك، فهاهي نظائرها على الأرض، تلال عجية، أمواج عجيبة من التراب الاسمر، المخضر، كأنها نهر تجمدت أمواجه العاتية، بعصى موسى، وما ألطف البص وهو ئين، حين يصعد، وما أسحره حين ينزلق، هابطا، ويحس الركاب بوزن الريشة، كأن أجسادنا خلقت من شعاع الغروب، وليس عظم ولحم، هنيهة شاعرية، تجعلك أثير الجاذبية الأرضية، حنان الارض الفيزئائي، لأسرته، ثم ترى الشاحنات والباصات واللواري في بطن الوادي، أو التلال المقابلة، مثل ديدان وحشرات صفراء وخضراء وحمراء وسوداء، تسعى في سبيل قوتها، وترى سقوف الباصات، والشاحنات، فتحس بأنس، وكأن الروح نخفت في الحديد والبلاستك، كما في الأشجار والإنسان.

    كما ان الطرق الملتوية، والتي تحاكي خيط البخور، تشدني، أكثر من المستقيمة، والتي تشبه رشقة حصى، مكتوب عليها الاستقامة، حتى تصطاد كائن شقي، تأمل الطريق الذي سلكه نهر النيل الحكيم، أيبدو شاعريا، بل حنونا، فقد غفل راجعا للجنوب، وكأنه حن له بعد أن غادر ابي حمد، ولكنه آثر الحكمة، ومضى إلى حلفا، ودنقلا، ومصر، إلى قدره، وأطفاله، حشراته، وعشبه، فهو راع عظيم، يحج كل هذ البلاد، كي يرعى أسرته العظيمة، من أنس وجنس، من كلاب وحشرات، ومن يهود، ومسلمين، ونصارى، وشعراء..

    أحيانا أحس بأن هذا الطريق، يجري مثل طفل نحو أمه، في البنبر، ثم ينعطف فجأة نحو أبيه في العنقريب، ثم يباغت بدجاجة تحت المزيرة، تكون هي محجه الأخير، وقبلة فضوله الجميل، طريق يرسم طريقه البكر، بنفسه، وليس مثل القطار، يستسلم لقدره، ويعب في سكة ترسم له حياته، مثل (الايدولوجيات المعاصرة)، من المنبع، وحتى المصب، حتى اللحد، رجل يفكر لرجل، حتى ما يجيش به صدره، من خلجات..

    أنا مسافر لأخي، وتلك لأهلها، وهذا لعملة، وهؤلاء تجار، وهذان لشهر العسل، أو عودة من الخارج، كم يحمل هذا البص من حيوات، وهؤلاء لعزاء من، (أأرمل اناث؟، وذكور!!).. والبص يسعى حثيثا، وقد قطع ممالك قديمة، قامت، واندثرت، سوبا حاضرة علوة، والعيلفون شرق النيل، وأربجي (وكنائسها الطينة، وألتي)، ثم ممالك البجة، ثم المديريات الشرقية في عصر الانجليز، وقبائل عربية، وافريقية، وسواحلية، خليط ضخم من الانسان، يسكن هذه السهول والغابات والجبال، وشيوخ تصوف، وجدوا في هذا العراء الطيب، مقام لمعرفة النفس، وهيهات (فمن عرف نفسه، عرف ربه)!..

    في خشم القربة، وقبيل عبور الجسر الصغير، شدني حجر صغير، أملس، وأسود، حملته معي، ومعه ثلاث حجارة أخرى، مثل الاقراص، تسمى صخور متحولة، مرت بأطوار البركانية، والرسوبية، تصور من نحت هذا الاحجار الملساء؟ وبهذه الرقة والإتقان الكامل، إنها؟.. لن تصدق هذا الازميل الماهر لم يكن سوى (الحرارة، والمياه، والنسيم)، ولكنها أحتاجت ملايين السنين، لهذا العمل البسيط، المتقن، يالها من إرادة، لهذا الثالوث الهين، ياله من وعظ، لإرادتنا الواهنة، الساخطة، لأدنى إخفاق، وفشل، لو تعلق قلب رجل بالثريا، لنالها، كم دافء هذا الحديث، مثل إصرار الحرارة، والنسيم، والمطر على نحت الحجر، ذو النتواءات، لحصى ملساء، راااااائعة....

    عبرنا نهر عطبرة، خور عطبرة، جرى الخاطر لبعض القراءات، ياله من زمن، أين هو من ذكريات السير دونالد هولي، وكتابه (خطى على رمال السودان)، وهو يذكر أفراس النهر، والتماسيح، التي كانت تلعب بالشاطي، وتلاعب، وتخيف صبية الشكرية، والبطاحين، وهم في موارد الإبل، من بطن هذا النهر الجاف، وأين الأفيال التي ذكرها في غابات اشوك والفاو؟ لم تتغير الحياة بمرور القرون، والأحقاب، لا غابات، ولا أفيال، سوى سهول مملة، وأعجب من تقلبات الدهر، فالصحراء الكبرى كانت غابات خضراء، تشهد بذلك الرسومات وبقايا الاسماك الضخمة تحت جبال رمالها، بل كانت بحر صاخب، ترفص أمواجة المزبدة، واليوم صار بحر من رمال، تلمع أمواجه الذهبية، الساكنة، بل كان القمر جزء من الأرض، من أي ضلع طيني نزع منها؟ وأين حفرته الآن، أم غمرت بالماء؟ حين لم يخلق الماء بعد، بل كانت الأرض جزء من الكتلة الملتهبة، الشمس، كنا في الشمس، كتلة لهب، ولليوم تشدنا صلة الرحم، رحم الجاذبية نحو قبيلتنا الكبرى، المحلقة في الفضاء الرحيب، ما أعجب المحبة، أنها تزخرف حتى الفيزياء....

    ما أعجب هذه الرحلة الطويلة، رحلة الكون أعني، على أي حداء تمضي، وكيف نقص الأثر، بفضول، وشوق، وفكر، فسيدي الامام علي قال (من لا يعرف من أين جاء، لا يعرف إلى أين يسير)، إلى أين نسير، هل اكتفت الحياة بشكلنا المعاصر، وحواسنا هذه، أم تمضي، لأحسن تقويم،.. لست أدري.. ولكن أسمع حداء الكيماء، والفيزياء، القسري، للأفلاك، وهي ترخي رؤوسها، وتمضي، وتسبح في الفلك العظيم.. كم تهز النوق رؤسها، وهي تعب في الصحراء، ما أشبه الليلة، بالبارحة..

    تراودني نفسي، فمن النافذة كم حددت موقعا، بين أشجار الهشاب، والطلح، والسنط، أختلي به، وأسكنه، فارا من المدينة، ولغطها، هناك خلف الجبل أفضل، أم تلكم الاشجارة البعيدة، والتي يتموج السراب تحتها، كي أعيد العلاقة القديمة بالأم الأرض، بالسهول، وأنشد للبساطة، وأرتب نبضي مع ايقاع الكون كله، والهدوء، وصوت الحياة، كرهت المدن، والطرق الضيقة، والبيوت المتلاصقة، والشوارع المستقيمة، هنا سهول الشعر، والتأمل، والرهبة؟، شمالي أرض البطانة، أرض الشعر، والتأمل، أسمع زغرودة سليمان الزغرات، وتضرع العبيد ودريا، وغزليات دكين، للريا، وحكم الحردلو.. هنااااك خلف التلال، تكون الخلوة أحلى (تذكرت وصية قديمة، لابي بكر، وهو يوصي أحد عماله وهم في طريقهم لحرب الروم (وسوف تمرون على أقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له)، عجبى، أمن ذلك الزمن، وإشكالية الفرد والمجتمع لم تحل؟ لا الهروب يحلها، ولا المواجهة المتسرعة..

    من بعيد، شهق ثدي أسمر، أملس، يتكئ على خضرة غامقة، ولا تحس بأن مدينة بأكملها تحته، دجاجة راكضة على مح، تسقيه بالدفء، وتطوي اجنحة المحبة..
    قيل بأنه "التاكا"، أه... لا يشبه كل الجبال التي رأيتها، والتي لم أراها، يشبه نفسه، أصيلا، كالمعري، لم يقلد سوى ذاته المهيبة.. ياله من ماكر، حسبت بأني اقتربت من كسلا، كان يجري من البص، نراه، ولا نصل إليه، "أيها الحرف المعذب، أينما تذهب أذهب"...

    صار الجبل هو الذي يجذب البص نحوه، تحس بذلك، مغناطيس عظيم، يجذب البص بلا حول، أ قوة، كان السائق هو الجبل، والبص يسعى له، كما تسعى النعاج للراعي الحنون..

    يسار الشارع، ويمينه، ظهرت خيام سوداء، من وبر الجمال، والخراف، وتشد للأرض بأوتاد وحبال قوية، قوم صفر الوجوه، وأطفال يسبحون في الحفاير، تكاد تقسم بأنك في مضارب الأعشى، وجرير، وذي الرمة، لو البكاسي واللاكندور، المربطوة هي الأخرى، بلا حبال، عند فرجات الخيام السوداء، والبيضاء، ماهذا؟ أقصى الماضي، مع أخر صيحات العصر، تقف أمام فرجات الخيام سيارات فارهة، سريعة، لا يدركها شرطي، وهي ترواغ بين شعاب الجبال، قادرة على قطع المسافة بين شلاتين، وحلايب، في لمحة عين، تجري كالغزلان بين الشعاب الوعرة، الرحيل عز العرب، نساء الرشايدة في ازيائهن السوداء، والحمراء، والتي لم تترك سوى عيون جميلة، تثير الفضول، ما أغربك أيها الشرق، ما أجملك.

    رنات لا تحصى، من الهواتف الجوالة "قاسي قلبك علي ليه"، "يامجنون انا مش ليلى"، "الله اكبر، الله أكبر"، "ترن، ترن، ترن"، كل على شاكلته، هل يدري المتصل، بأننا نجري في السهول؟ وبأن موقعنا الآن تحديدا من الأرض لا يعرفه سوى الله والملائكة، أين هؤلاء المتصلين؟ داخل البلاد، أم خارجها، في مستشفى أم جامعة، أيتكئ احدهم على جنبه، أم يهرول، لا أعرفهم، ولكن أعرف المتصل بهم، أعرفهم، قوم في اتجاه واحدة، نحو "قبلة الشرق السمراء"، وهم في سعي، أشبه بالحج، والمروة، بسرعة 120 كيلو في الساعة، كل اثنين متلاصقين، سوى السائق، يجلس وحدة، والكمساري يجلس على صندوق ابيض من الفلين، بداخله جو بارد، مثل الاسكيمو، من كرات الثلج بداخله...

    لا أبغض شي في الدنيا، مثل المصارعة، والتي أبت نفس الكمساري، إلا أن يعرضها في شاشة التلفزيون في مقدمة البص، رجال شبه عراة، (لا أدري إحساس رجل متدين، أو الفتيات)، يظهر أن ظرف المصارعة، يحيل النظر إليهم، كما ينظر طبيب لأمرأة عارية، يتعرق جسدها من آلام الطلق العظيم، (أحكام الضرورة)، أجسام ضخمة، شبه عارية، لا تناسق، بل نفور، يشمز ذهني من المصارعة، صرير باب قديم، هذه المصارعة..

    عيني لا يهمها الأمر، فقد تهرب وتنظر من خلال النافذة، لشاشة أخرى، بلا صوت، مثل تلفزيون، بلا صوت، ولكن سمعي، كيف يتصرف مع صوت مذيع يرعد ويزبد، كيف اتحاشاه؟ تذكرت معضلة (الفرد، والمجتمع)، من يحلها؟ كم سأحترمه هذا العبقري، من يحل تلك المعضلة، سأبني له تمثال من مرمر، بين ضلوعي..

    ****
    من بعيد أمرأة تقطع الشارع، لا أعرف اسمهاأهي جائعة؟
    أتحفظ قصيدة الصوفي المعذب..في شبابها، هل اتكأت على مخدة مثنية، وقرأت للمرة العاشرة، خطاب، عليه أسهم وقلوب.. ودمعات حيرى..
    الموت؟ أتفكر فيه،..بعد ساعة، أين ستكون.بعد شهر..بعد ألف عام..
    وقبل ألف عام.. أين كانت.. وأين كنت.
    انحنت، وأشترت شئ ما، من أحد الباعة، ماهو؟..
    ومضت، بهدوء وحزن، أنحنى الشارع فأخفاها..
    هي الآن تمشي، بالخطو الحزين نفسه
    ولكن حواسي كلها، لم تعد تراها..
    وتركت خيالي، يلحق بها...

    ****

    توقف البص فجأة، (خير ان شاء الله)، هكذا صاح رجل خلفي، رجل مجرب للسفر، أنحنيت ونظرت في الممر الذي يفصل بين الكراسي، كي أنظر للأمام، قرون أبقار تعبر الشارع، أهي مجموعة ترقص الكمبالا، احتفاءا بنا؟ أنه قطيع أبقار يعبر الطريق، والقرون شامخة، هلال من عظم، وصبي صغير يقود هذا القطيع، ما أقوى العقل البشري، فعلا، القوة في الذهن، وليس العضلات، وإلا فإن عجلة صغيرة، قادرة على نطح الصبي، وطرحه أرضا، حي كميت، ما أقوى الذهن، وما أقوى القلب..وما أقوى الجمال، حسناء صغيرة، تأسر قلوب ألف شاعر، وشاعر..

    ***
    أيقظتني أمي فجرا، وكأنني مسافر خارج البلاد، كانت تهمهم بدعوات حزينة، (اللهم احفظه، اللهم يسر طريقه)، الظلام والانوار البعيدة، والجو اللطيف، تركت في القلب أثر لا يمحى، والنعاس، والإرهاق، وطول الرحلة المقبلة، كلها انفعالات سكنت الجسد، وتظهر الحين بعد الحين، بأوقات تختارها هي، وتطفو كلها، فيصبك ومض شاعري من الحنين والتذكر..

    تبدو الخرطوم الآن، هادئة، لاعلاقة لها، بنفسها، منتصف النهار، سلطان النوم، أغرق المدينة في هدوء عظيم، يمكنك أن تقطعها طولا وعرضا، في ساعة، بل أن تجلس وسط شارع افريقيا، وتشرب الشاي، وتنبطح على جنبك، توقفنا في تقاطع شارع الجريف وافريقيا، في تلك العتمة، فتح اخي زجاج السيارة وأخرج بطاقته للعسكري، المدجج بالسلاح، ليته يقرأ الأفكار، (لا ننوي الانقلاب)، سوى ثورة بيضاء، مضينا، ثم انحرفنا بشارع 61، ناحية الغرب..

    السوق الشعبي، خلية نحل، في مدينة نائمة، الكمسنجية والصياح العالي، "سنار، مدني، كسلا، كوستي، ربك، المناقل، كسلا، القضارف"، ما اوسعك يابلادي، وما أضيق العيش فيك، مدن وقرى لأول مرة اسمع بها، لم تذكر في كتب الجغرافيا والتاريخ، (ياربي نصل اروما الساعة كم)، (بص المناقل بقوم الساعة كم ياولدي)، (لو وصلنا النهود مع صلاة العشا يكون كويس)..

    يبدو السوق الشعبي، مثل طفل رمى حصى في قلب البركة، تتداعى الباصات والسيارات منه، مثل تلك الدائرة المتداعية على سطح البركة، لكل أنحاء البلاد، شرقا، وجنوبا، وغربا، وشمالا..

    بائعات الشاي، واللقيمات هنا وهناك، صراخ الباعة، ولغط الناس، ووداع حزين، اصدقاء، وأخوان، وعرسان، (أيها الانسان)، ما أغرب حياتك، (السفر، والموت)، كلاهما وداع، وغياب، ورحيل.. وكلاهما يدر الدموع، والجوى!..

    الفاو، نساء وأطفال ورجال على ظهور الحمير، بل على ظهور حزم من القش، وعيدان القصب، فقر وبساطة وفطرة، يلتفتون للبص سريعا، بنظرة مليئة بالعاطفة، والزهد، والصفاء، مفقودة في كياني، أغبطهم،ثم يواصلون المسير، الحمير لا تلتفت للبص تحتهم، هي أيضا راحلة، وغيورة على مكانتها المهددة، (يكفي أنها حملت الطفل يسوع على ظهرها الناعم، وأمه مريم، من بيت لحم لمصر، عبر رمال سينا)، يواصلون المسير، أيدهم خشنة، وأرجلهم محننة بالطين، وبقايا الاعشاب، وأظافر أرجلهم محشوة بالطين، والطمي، يحبون الارض، والزرع، هم الأبطال والجنود المجهولين، لا يعرفهم أهل المدينة، رغم الخضروات التي تملأ الثلاجة، والمخزن، وفوق فوطة المائدة، كلها من حقولهم، وعرقهم، ورعايتهم، تحملوا السهر، والطين، والبعوض، والإهمال، ما قصة هذه الرحلة!! كأنها درس واقعي في معاناة شعبي، عرضحال بحجم الطريق الطويل، عرضحال مكتوبة على ورقة سمراء، وسهول، بطول ألف كيلو متر، ..

    حتى الطماطم، المغسولة، في صحن يلمع في مطبخ راق، بمدينة الرياض، وجنبها سكينة حادة، تلمع هي الأخرى مع ضوء الصباح، على وشك تقطيعها، وبعد حين تبتلعها الأفواة السعيدة، مع الجرجير والبصل، كأنها لوحة تشكيلة على بطن الصحن، لوحة لها مذاق، ورائحة..

    هذه الطماطم لها قصة، ولها أهل، تعهدوها منذ ان كانت بذرة حقيرة سوداء، فلا تبخسوا للفلاح اشياءه، أيها السادة، أيها الحكام، أيها الشعراء، فلن يستقيم أمرنا، وهناك رجل يئن، وأمرأة تبكي، وطفل جائع.. هذا السكاكين، لا تعرف قدر هذه الطماطم (وأخواتها)، والعرق الذي سقيت به، من أولئك الفلاحين، والفلاحات البسطاء، سقوها بدمهم، وحرثوا الأرض بأسنانهم، وقطفوها بأيدي خشنة، متعبة، والآن ترقد لقمة سائغة، في صحن أبيض، يحفها جرجير، وبصل، لوحة تشكيلة، أمام رجل أفندي، قصير النظر، ظالم، وهو لا يدري، أو يدري، وكلاهما سوء، لا يغتفر..


    كأنني أتفرج على مأسأة بلدي، من هذه النافدة، كأنني أتحسس جرح طويل على وجه بلدي، يمتد من تخوم الخرطوم، وحتى أطراف كسلا..

    الرحلة إلى كسلا، من مدينة الخرطوم، تذكرني دوما، بحكاية بالرجل الذي سأل "أين أذنك اليسرى؟"، فمد يده اليمنى فوق رأسه حتى امسك شحمة أذنه اليسرى، بعنت، ومشقة، وصارت يده فوق رأسه مثل الأكليل الشهير على رأس المسيح، بدلا أن يمد الرجل يده اليسرى، ويلمس اذنه، أهون ما يكون، هكذا التخطيط في بلدي، متهور، وساذج، وغير مدروس، فكسلا شرق الخرطوم، فقبل أن يرن جرس الفطور للمدراس الابتدائية، بكسلا، يمكنك ان تنزل من البص الذي توجه إليها فجرا، من الخرطوم بحري، مرورا ببطانة الحردلو، والبطاحين، والشكرية، والقباب، ولكن لاقيمة للوقت في بلدي، بل نحن نفرح حين يمضي، ويغرب، لأنه مجرد عقاب، لا أكثر، ولا أقل..(تصور؟ الوقت الذي يسمى ذهبا)، نحن نزهد فيه، وندير له الرأس، كي يمضي، ويمضي، وللحق أين الألوان بيد الفنان، وأين الطين الصلصال بين الطفل، وأين الكتاب بيد الشاب، واين الديوان بيد الفتاة، كي يحن المروء للخلوة، والاسكتانة، والاستغراق في الوقت، بل قلب الوقت، وحلب الفراغ، برحيق الهوايات، المقدودة، في كل منا؟...

    هكذا سار البص، بدلا أن يوجه رأسه جهة الشرق، ولى وجهه جهة الجنوب الشرقي، نحو مدني، ولكن وللحق، رغم وعثاء السفر، فمسرات الرحلة، ترجح كفة الملل، وإذلال المسافرين، بتلك المحطات المتكررة، والتي تعيد ما فعلته المحطة السابقة، من قهر، وذل، وبلادة..

    هل قلت ذل؟ إنه فتح الشنط، بأوامر الشرطي، وعرض الاسرار الشخصية أمام الجميع، شنط بسيطة، ملابس متسخة للبعض، كتب؟ وعدة زينة، أدوات تجميل، وجلاليب مكرمشة، أحدهم حين وجد كمية هائلة من الفلوس المرتبة بأحدى الحقائب، سار بالرجل خلف السيارة، ثم عادا، وكل يبتسم.. (الله أعلم ماجرى خلف السيارة)، وحده عليم بذات الصدور..

    هناك عروس، في الكرسي قبل الأخير، تبدو خجولة، كأننها تتعرف على عريسها، يبدو زواجا، سريعا، خاطفا، كعادة المغتربين، لا تعارف سوى عن طريق (الأخوات والأم، ... والنت)، تبدو العروس هادئة، بفطرتها تكتشف روح العريس، كي تعامله، لاحقا، بذكائها الفطري، وافق شن طبعه..

    حين تجاوز المسعودية، بدأ الفجر يتسلل، ولأن البص عال، وكذا الطريق، صارت حرمات المنازل في متناول عيون الركاب، عنقاريب وسراير، تغطبهم على النوم السعيد، بص يفضح ستر البيوت، لا محال، رجل وأمرأة في سرير، واحد، وهي تركض للبرندة، من فضول الناس، من فضول الركاب)، لم الكسل، أم أنت نوؤوم الضحى، التي يحبها قدامى الأعراب، وهي كناية عن خدم وحشم، يفرغونها للكسل، وخرس الأسوار..

    تلوح قباب اب حراز، من بعيد... مائة قبة... مائة طريق لوجه ليلى وسلمى..

    ثم من الجهة الغريبة، تلوح مدرسة حنتوب، "حنتوب الجميلة"، يقال أن خريطتها تشبه العلم الانجليزي، ولم لا؟ هناك في تلك الفصول، جلس التلاميذ حسن الترابي، وجعفر نميري، والطيب صالح، وإبراهيم نقد، عجبى!!..

    لو لا الانجليز (واستعمارهم)، لم كانت حنتوب، ولكان أربعتهم أميين، الترابي بلاشك، سيكون راع، يلبس الثوب، ويضع العصى على كتفه، ويمسك أطرافها بيديه..
    ونقد، سيكون صاحب "كنتين"، رجل هادئ، يقيد الحساب، و"الطلق"، بخط بدائي، ونميري، مهما أحسنت الظن به، فلا يصلح، سوى سقى. يبدد طاقته العسكرية، في سقي قرية ودنميري.. والطيب صالح، أظنه سائق لوري، كثير التجوال في ربوع الوطن، ويرخي عنقرته، وبصوته القوي، يدوبي بعقريته، ولوريه يخب في بيداء القارة، الوطن. .. هذا، لو لا (حنتوب الخواجات)، وللحق، هل تم الاستقلال؟ أنحن أحرار، أم تبدل السيد فقط، من سيد أحمر، أشقر، لسيد من جلدتنا، ودمنا، وهمنا..

    أنراجع قراءة التاريخ؟، لا شر مطلق، وعسى أن نكره شئا هو خير لنا، ويلبسنا شيعا، ولو لا تدافع الناس...!!. التاريخ ماكر، وغامض، والتاريخ إرادة الله، هكذا قال شيخ المؤرخين، الشيخ الطبري..

    ****

    ومن بعيد، لمحت أبناء أخي، لؤي وكرم، البيت قريب من المحطة، حي الكارا، حي الهنود، لا يتجاوز ألف متر، حلمنا الشنطة، وخطف لؤي الجريدة الرياضية، وهو يقرأ (الهلال يبيع اللاعب "فلان")، لا يزال الرق، ولكن بصورة غامضة، وبرضى البائع، والمشتري، أنها كرة القدم، (مدوررررة)، كما يقال، ومن بعيد رأيت الباب موربا، باب الحوش، وطفل صغير يسمى مازن، ينظر لعمه، بخجل، وذكاء، وعين متسعة، وحين اوشكت الدخول ولى هاربا، لا أدري خجلا، أم يخبر أخي الأكبر، بأني في قلب المدينة السمراء، الطيبة..

    ***
    لمحت، وأنا أدخل البيت، شجرة الجميز قرب الباب الخلفي، شجرة ضخمة، (أحب سعدية)، قيل بأنها مكتوبة على جذع الشجرة منذ 27 سنة، بالتمام والكمال، (حبوبة سعدية)، ما أسعدك، أم طالتك مأساة تاجوج؟ فالجمال مسحور دوما، ألذا نصب الجبل، والسيد الحسن، لحراسة المدينة، من العين؟.. كي لا تتعرى المدينة، للمحلق... العاشق المحزون..

    وبارك الله، في الشافعي، وهو ينشد..
    تغرب عن الأوطان في طلب العلا
    وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
    تفرج هم واكتساب معيشة
    وعلم وآداب وصحبة ماجد


    عبدالغني كرم الله


    ....
    يتبع -ب-..
    ...
                  

العنوان الكاتب Date
في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-09-10, 09:37 AM
  Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبداللطيف خليل محمد على02-09-10, 09:43 AM
    Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-10-10, 05:35 AM
    Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... ندى عثمان حسن02-10-10, 05:38 AM
      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed E. Seliaman02-10-10, 06:33 AM
        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Sidig Rahama Elnour02-10-10, 09:04 AM
          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-10-10, 09:38 AM
          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-23-10, 09:57 AM
        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... جعفر محي الدين02-10-10, 10:36 AM
          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... الملك02-10-10, 12:15 PM
            Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-11-10, 09:59 AM
          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-12-10, 06:41 PM
        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-11-10, 11:36 AM
      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-12-10, 08:51 AM
  Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... الوليد كرار02-11-10, 09:29 AM
    Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عمر عبد الله فضل المولى02-11-10, 04:23 PM
      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-12-10, 09:11 AM
        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... بريمة محمد02-13-10, 07:25 AM
    Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-14-10, 05:44 AM
      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-14-10, 10:32 AM
        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-14-10, 11:58 AM
          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-14-10, 01:03 PM
            Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-15-10, 05:39 AM
              Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-15-10, 06:44 AM
              Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-15-10, 10:19 AM
                Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... ذواليد سليمان مصطفى02-15-10, 04:22 PM
                  Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Osman Musa02-15-10, 06:35 PM
                    Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-16-10, 07:56 AM
                      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... طيبان02-16-10, 08:36 AM
                        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-24-10, 11:40 AM
                    Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-16-10, 09:10 AM
                      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عفاف علي ميرغني02-16-10, 10:03 AM
                        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-17-10, 08:21 AM
                      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-18-10, 07:39 AM
                        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-18-10, 08:46 AM
                          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عماد الشبلي02-18-10, 02:31 PM
                            Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-21-10, 08:31 AM
                              Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... نورالدين الفحل02-21-10, 02:15 PM
                                Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-22-10, 12:44 PM
                                  Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... مامون أحمد إبراهيم02-22-10, 08:03 PM
                            Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-23-10, 05:49 AM
                              Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... نجاة محمد بابكر02-23-10, 10:12 AM
                                Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-25-10, 11:37 AM
                                  Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله02-26-10, 04:59 PM
                                    Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel02-28-10, 12:04 PM
                                      Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... المكاشفي الخضر الطاهر02-28-10, 06:36 PM
                                        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله03-01-10, 06:42 AM
                                          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel03-01-10, 07:26 AM
                                        Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... عبدالغني كرم الله03-03-10, 05:23 AM
                                          Re: في الطريق إلى "كسلا"..!!... Mohamed Abdelgaleel03-04-10, 09:47 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de