جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 05:59 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2010م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-22-2010, 06:25 PM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك

    جامعة الخرطوم




    تعود نواة جامعة الخرطوم إلى كلية غرودن التذكارية التي افتتحها البريطانيون في 8 نوفمبر 1902م، تخليداً لذكرى غردون، حاكم السودان (1844-1885م) في العهد التركي المصري (1821-1885م)، والذي قتله قوات المهدية المجاهدة في سراياه بالخرطوم عام 1885م. وبعد مضي عقدين ونيف من الزمان (1926م) ألحقت مدرسة العلوم الطيبة بكلية غردون التذكارية، وتبعتها مدرسة القانون، والزراعة والبيطرة عام 1938م، ثم مدرستي العلوم والهندسة عام 1939م. وأخيراً توِّج هذا التطور بإنشاء مدرسة الآداب عام 1940م، والتي جمعت في رحابها الآداب والاقتصاد والقانون.




    تشارلز غردون



    وبعد الحرب العالمية الثانية (1945) جُمعت هذه المدارس في هيئة أكاديمية سميت بكلية الخرطوم الجامعية، وذلك باستثناء مدرسة الطب التي لحقت بالركب عام 1951م. وفي ذلك العهد كان لكلية الخرطوم الجامعية علاقة وطيدة مع جامعة لندن، من حيث الدرجات العلمية التي كانت تمنح للخريجين، وبرامج التوأمة بين الجامعتين، والمناهج الدراسية.

    وبعد الحرب العالمية الثانية (1945) جُمعت هذه المدارس في هيئة أكاديمية أطلق عليها اسم كلية الخرطوم الجامعية، وذلك باستثناء مدرسة الطب التي لحقت الركب عام 1951م. وفي ذلك العهد كان لكلية الخرطوم الجامعية علاقة وطيدة بجامعة لندن، من حيث الدرجات العلمية التي كانت تمنح للخريجين، وبرامج التوأمة بين الجامعتين، والمناهج الدراسية. وببزوغ فجر الاستقلال عام 1956م، تمت سودنة الوظائف الإدارية العليا وبعض الوظائف الأكاديمية بكوادر سودانية مؤهلة، وبموجب ذلك أُعدل اسم كلية الخرطوم الجامعية إلى جامعة الخرطوم. بعد عامين (1958م) من السودنة عُين السيد نصر الحاج رحمة الله أول مدير سوداني لجامعة الخرطوم، وظل في منصبه حتى عام 1962م. في الفترة من 1962 حتى 1990م شغل المدراء الآتية أسماؤهم على التتابع منصب مدير جامعة الخرطوم.


    بروفيسور النذير دفع الله أبريل 1962 - يوليو 1968م
    بروفيسور عمر محمد عثمان يوليو 1968 - اغسطس 1971م
    بروفيسور مصطفي حسن أسحق أغسطس 1971 - يوليو 1974م
    بروفيسور عبد الله الطيب المجذوب يوليو 1974 - نوفمبر 1975م
    بروفيسور عبد الله احمد عبد الله نوفمبر 1975 - فبراير 1977م
    بروفيسور علي محمد فضل فبراير1977 - فبراير 1981م
    بروفيسور عمر محمد بليل فبراير 1981 - ابريل 1985م
    بروفيسور يوسف فضل حسن أبريل 1985 - ابريل 1990م



    وعندما دخلنا الجامعة عام 1983م كان النطاسي المشهور البروفيسور عمر محمد بليل مديراً لجامعة الخرطوم، ثم خلفه المؤرخ المعروف البروفيسور يوسف فضل حسن، محقق موسوعة محمد نور ضيف الله المشهورة بـ "كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان". واستمر في منصبه إلى نهاية عهد الديمقراطية الثالثة.




    البروفيسور يوسف فضل حسن

    [[/IMG]
    شعار الجامعة


    يتكون الشعار من أربع كلمات: الله، والحقيقة، والوطن والإنسانية، ويوجد خط علـى كتاب يرمز للمعرفة بفروعها المتنوعة، ويحتل الجزء الأعلى من الشعار ويقسم صفحة الكتاب عمودياً خطان متوازيان، الخط الأيمن أزرق اللون، والأيسر أبيض اللون، ويمثل هذان الخطان نهر النيل، أما الخطان المائلان فيمثلان النيل الأزرق، والنيل الأبيض، يمنة ويسرة على التـوالي، وما بين النيلين صورة لمبنى الجامعة، تنبعث منها خطوط بيضاء ممثلة لشعلة العلم، ومبددة لظلومات الجهل المجسدة في الخلفية السوداء للوحة، وتمثل اللوحة المستطيلة في الجزء الأيسر من الشعار حضارة مروى القديمة، رمز حضارة السودان..



    ونواصل...

    (عدل بواسطة Ahmed Abushouk on 01-23-2010, 03:24 AM)

                  

01-22-2010, 06:27 PM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    آداب أم نخيل

    الأخ الصديق الدكتور توفيق الطيب إنسان بارع في صنع التحديات، ووضع الحلول المناسبة لها، ويتجلى ذلك في قوله تعليقاً على طرف من الذكريات والخواطر التي تدونتُها عن كورتي، المدينة التي أحببتُ: "قرأتُ هذا الكلام المنقوش بماء الذهب عن هذه المدينة التي قضيت فيها ربع صباي، أنني لا أعرفها إلا من هذا الباب، الذي عطرتَ به سيرتها، رغم فداحة المأساة التي عمقت جراح يراعك، فبكى من فرط ما أصابها!!! ومثلها كثير من مدننا الحبيبة فقدت الكثير بسبب تصرفاتنا الطائشة، ونحن دون العشرين ... فتح الله عليك !!! ولا أتصور كيف ستكون سعادتنا مع هذا القلم الفياض حين يكون الحديث عن فترة الجامعة .. لا شك أنك ستحتاج إلى مزيد مداد، وسنحتاج إلي مزيد وقت وصبر .. وكلانا تقتله الدهشة ويأسره الجمال ... نحن ننتظر."

    لله درك الأخ توفيق، فإشارتك واضحة ولماحة؛ لأنها تمد سبابتها تجاه جامعة الخرطوم، التي قضينا فيها ريع من سنوات أعمارنا الزواهر بمقياس ذلك الزمن الندي، حيث شددنا رحالنا إليها من قرى منحنى النيل القصية، ونواحي السافل كما يروق للأخ الصديق محمد خير عوض الله، وفي الذاكرة صورة ذهنية حيَّة عن "آداب أم نخيل"، التي طرق أسمها طبل أذني أول مرة عندما تفوه به الأخ الكريم عبد الله عمر فقير، الذي كان مغرماً بكلية الآداب بجامعة الخرطوم، والجلوس تحت أشجار نخيلها (Royal palm trees) الشامخة في فناء كلية غردون التذكارية (المكتبة العامة)، لكن الحظ هيأ له متكأً آخر لدراسة الحقوق بجامعة القاهرة الفرع، فآثر البقاء في رحاب "الحنينة السكرة" بدلاً عن "الجميلة المستحيلة"، وبعد تخرجه بليسانس الحقوق، فضل العمل تاجراً بالسوق الشعبي بأمدرمان، حيث وهبه الله بسطة في الرزق، أهلته لمصافي وجهاء الرأسمالية الوطنية في السودان.

    كان وقتها يتم توزيعنا للجامعات عبر إذاعة أمدرمان على الهواء مباشرة، وكان أهلنا الطيبون في نواحي السافل وقرى الصعيد مولعين بسماع إذاعة أمدرمان، وسماع نشرة موتاها التي تأتي عقب أخبار الساعة الثامنة الرئيسة (للأخ توفيق قصة طريفة عن هذا الشأن)، وتوزيع الطلاب بالجامعات في مواسم ذلك الفرح البهي، الذي يشبه حصاد موسم البلح في زمن الدميرة، وحصاد الفول والقمح في الشتاء.

    فلا مندوحة أن هذه الظاهرة كانت تدل على سلامة حدس أهلنا في الريف واهتمامهم بقيم التواصل الاجتماعي. والشاهد في ذلك أثناء الإعلان الإذاعي تسمع زغاريد الفرح هنا وهناك، فلان قُبل في الجامعة، وعلان دخل الكلية الفلانية، وناس فلان كرموا لي ولدهم الوحيد. فكان حظ أبناء مدرسة كورتي الثانوية في ذلك العام متواضعاً مقارنة مع كسب الدفعات السابقة، فالذين تم قبولها بجامعات السودان الخمس آنذاك كانوا يعدون على أصابع اليد، وأذكر منهم: حمدتو عبد الفراج الشفيع، كلية الزراعية جامعة الخرطوم، وحسن أحمد شيخنا كلية الزراعة جامعة الخرطوم (لاحقاً تحول حسن شيخنا إلى كلية الطب)، ويوسف سيدأحمد التوم كلية الهندسة جامعة الخرطوم، وأحمد إبراهيم أبوشوك كلية الآداب جامعة الخرطوم، وأسامة عثمان (القاضي الذي نظر في قضية محمد طه محمد أحمد) كلية القانون والشريعة جامعة أمدرمان الإسلامية، وعلي محمد علي جامعة الجزيرة، وآخرين تم توزيع بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، والجزيرة، وجامعة أمدرمان الإسلامية.



    نواصل

                  

01-22-2010, 06:30 PM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    البركس وما أدراك ما البركس
    !

    دعنا أيها القارئ الكريم نبدأ حدثينا عن جامعة الخرطوم بإلقاء ضوء ساطع على داخليات البركس؛ لأن البركس له طعم خاص ومذاق مميز في ذائقة الذين عاشوا في رحابه، ونهلوا المعارف غير الأكاديمية الصرفة من معين فيضه الاجتماعي والثقافي الزاخر. فتاريخ البركس يرجع إلى عهد الحكم الإنجليزي المصري في السودان (1898-1956)؛ لأنه في ذلك الوقت كان ثكنات للقوات النظامية، وبعد الاستقلال تمَّ تحويله إلى داخليات لسكن طلاب جامعة الخرطوم التي توسعت بمتوالية هندسية من حيث الكم الطلابي والتنوع في المساقات العلمية. وكانت داخليات البركس تحمل أسماء عدد من أنهار السودان ومديرياته المختلفة، ونذكر منها: النيل الأزرق (أ/ب)، والنيل الأبيض، وبحر الزراف، وبحر الجبل، وجبل مرة، وأربعات، وبركة، والدندر، والرهد، والقاش، وعطبرة، وكسلا، وكردفان، ومروي، والقرشي التي أسست تخليداً لذكرى الطالب أحمد القرشي الذي استشهد عشية ثورة أكتوبر 1964م، والذي يُعد استشهاده أحد الشرارات الأولى التي أسهمت في إزكاء ثورة أكتوبر 1964م، علماً بأن البركس قد استضاف تلك الندوة الشهيرة التي سبقت اندلاع الثورة في 21 أكتوبر 1964م، وهي كما نعلم كانت غير مرخصة رسمياً من قبل القوات العسكرية وأجهزة أمن النظام العسكري الحاكم (1958-1964م) التي فرضت حصاراً محكماً على جامعة الخرطوم في ذلك الظرف العصيب.

    في ضوء هذه الخلفية الموجزة يمكننا القول إن البركس كان عالماً آخر، بفضل أعرافه وتقاليده الموروثة، ونظمه وقوانينه المرعية، وعلاقاته الاجتماعية المتقاطعة في قواسم مشتركة داخل نسيجه القطاعي، المكون من الطلبة، والفراشين، والكناسين، والغسالين، والمكوجية، والطباخين، والسفرجية، والحرس، وعمال البوفيهات، وبعض أبناء السبيل، وفوق هذا وذاك تيس البركس وأغنامه التوابع. وكان طلاب الأقاليم أحرص الطلاب على توثيق تلك العلاقات المتقاطعة؛ لأنها كانت تعينهم في تيسير كثير من أمورهم الاجتماعية المُكْلِفة، والمرتبطة باستضافة الصحاب من خارج الجامعة، والسكن في الداخليات أثناء العطلات الرسمية، وأحياناً بعد التخرج، وخلال فترة الطيران المدني (أي البحث عن العمل). وكان الأخ الصديق الدكتور توفيق الطيب، مرجعنا وأبرعنا في هذا الشأن، وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق، عندما ذكرتُ أن غرفته في داخلية بحر الزراف كانت تعج بالضيوف القادمين من كل حدب وصوب؛ إلا أن الأخ توفيق بحكم علاقاته الممتدة وألوان طيفها المتنوعة كان قادراً على أن يوفر لهم كل واجبات الضيافة، من مراتب زائدة، وغرف استثنائية، ووجبات غذائية فاخرة بالسفرة الجديدة وغيرها.

    لم يكن البركس محلاً للنوم، والراحة، والخلود إلى النفس فحسب، بل كان خلية نحل دائبة بالنشاط، حلقات الأنس تحت ظلال أشجاره الوارفة مع أكواب الشاي وعصير الليمون، والصلوات الجامعة وتراتيل القرآن المنتظمة بمسجده العتيق، وملاعب التنس المحجوزة لأولاد الزوات، وحوض السباحة الذي كان يجمع بين النقائض: الحناكيش وأبناء المدن من طرف وأبناء الترابلة اللذين عاشوا على ضفاف نهر النيل الخالد من طرف آخر، ويتعاظم الكسب الثقافي والاجتماعي لروابط الأقاليم بدار الاتحاد التي تقبع في الركن الشمالي الشرقي للبركس، وتطل في شموخ عفوي تجاه شواطئ النيل الأزرق ذات الخضرة العسجدية، وإن أنسى لا أنسى سينما النيل الأزرق، وأفلامها الماتعة والمائعة، ومدرجاتها الوثيرة التي كانت حكراً لأهل السعة والدعة، وسطوح داخليات النشر والأشجار المجاورة لها، والتي كانت من نصيب اللذين يشكون من ضيق ذات اليد، ورقة الحالة المالية من أمثالنا.

    أول وصولي إلى داخليات البركس كان في صباح باكر من عام 1983م، وعبر البوابة الغربية الجنوبية المجاورة لمدرسة الخرطوم القديمة، ومنها انطلقتُ إلى الداخل متأبطاً شنطةً كبيرة، تدل على أنني طالب جديد، وفي وجهي سحنة من القروية ظاهرة مثل الشمس في رابعة النهار. وأثناء سيري المثقل الخطى سمعت صوتاً ينادي من على بُعْدٍ، وإذا به الأخ الصديق صالح عثمان صالح (قنتي/الرياض) الذي كان يقطن داخلية بحر الزراف، وفي غرفة مجاورة للأخ توفيق الطيب، وفي الغرفة المواجهة للسفرة الجديدة يسكن الأخ الدكتور عبد اللطيف محمد سيدأحمد (معتمد الدبة حالياً)، والدكتور المرحوم عبد الله عبد الرحيم. وأشعرتني صحبة هؤلاء الأفاضل بنوع من الطمأنينة، وبعد ذلك رتب الأخ عبد اللطيف أمر سكنى بداخلية النيل الأزرق (أ)، وفي الغرفة رقم (1)، صحبة الأخ أحمد حسين قروص (الدويم/ ملحق اقتصادي بروكسل)، ومنيل بشرى محمد أفندي (المجلد/ قاضي محكمة استئناف)، وعبد المنعم جعفر السائح (الدويم)، وكرستوفر جرمه (الاستوائية). هكذا بدأت رحلة الحياة بجامعة الخرطوم، وهكذا توسعت أوعية التواصل الاجتماعي، فكان البركس يمثل نقلة نوعية من حيز المنطقة الجغرافي إلى رحاب الوطن المنبسط في شموخ تاريخي، وذلك بفضل تنوعه الثقافي، والسياسي، والاجتماعي، والديني. وظلت تنصهر في رحاب هذا التنوع الفسيفيسائي بعض شوائب القبلية ورائحتها المنتنة، وفي المقابل تنداح دائرة الوحدة في إطار التنوع في وطن متعدد الأعراق والأجناس.

    نواصل ...




    [center

    (عدل بواسطة Ahmed Abushouk on 01-22-2010, 06:33 PM)
    (عدل بواسطة Ahmed Abushouk on 01-23-2010, 03:43 AM)

                  

01-22-2010, 06:35 PM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    قهوة (مقهى) النشاط جامعة الخرطوم



    يعد مقهى النشاط بجامعة الخرطوم من أعرق المقاهي الفكرية والسياسية في تاريخ الحركة الطلابية بالسودان، ولم يكتسب هذه الوضعية من فن عمارته الجميل، ولا خدماته المتميز، ولكن اكتسبها من واقع نشاطه الفكري والسياسي، وموقعه الجغرافي في قلب مجمع الوسط بجامعة الخرطوم. بدأ مقهى النشاط بقهوة صغيرة لتقديم المشروبات الساخنة والباردة، حيث أرتبط اسمها باسم متعهدها عم السر كوكو، لكنه سرعان ما تحول إلى خلية نحل مفعمة بالنشاط، حيث يلتقي عندها قادة الحركة الطلابية والناشطين سياسياً بالجامعة. وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي حُولت الصحف الحائطية وأركان النقاش من دار الاتحاد إلى مقهى النشاط؛ لأن حكومة مايو في تلك الفترة ضاقت زرعاً بحركة الطلاب ونشاطها المعادي، وأحكمت الخناق على دار الاتحاد المطلة على شارع النيل، والواقعة بجوار سينما النيل الأزرق.

    يبدأ اليوم في قهوة النشاط بقراءة الصحف الحائطية، وأذكر منها آخر لحظة، صحيفة الاتجاه الإسلامي، وصباح الخير صحيفة الجبهة الديمقراطية، والكفاح صحيفة جبهة كفاح الطلبة، ومن صحف أصحاب الامتياز الصحافي أذكر صحيفة "أشواك السيال" للأستاذ محمد طه محمد أحمد، والأستاذ "عادل الباز" كان أيضاً له صحيفة متميزة في ذلك العهد.

    وبحلول منتصف النهار تبدأ أركان النقاش التي كان يؤمها عدد من طلاب الجامعة والزائرين من الخارج، وأشهرها أركان الأخوة الجمهوريين التي استطاعت أن تؤسس منهجهاً فكرياً متفرداً في النقاش بقيادة أساطينها، الأساتذة أحمد المصطفى دالي، وعمر القراي، وأسماء محمود محمد طه، وكان يقف في مناصبتهم الحجة بالحجة الأخوة محمد طه محمد أحمد، وطبيب الأسنان عبد السميع حيدر الذي جمد عاماً كاملاً بكلية طب الأسنان لقراءة الفكر الجمهوري الرد عليه، ودفع الله بخيت. أما الجبهة الديمقراطية فكانت تمثل أحد الأعمدة الثلاثة في أركان النقاش بالجامعة، ومن نشطائها في هذا المجال الأستاذ الحاج وراق، والباشمهندس مأمون سيدأحمد، والأستاذ نزار أحمد، والأستاذة ماجدولين عبد الرحمن. وفوق هذا وذاك يجب أن لا أنسى إسهامات الأستاذ صديق أبو ضفيرة صاحب الرقم 13.

    ربما نختلف في الرأي مع أية مجموعة من تلك المجموعات في طرحها الفكري والسياسي؛ إلا أننا نجمع القول بأنها أسهمت في تنوير العقل الطلابي بكثير من القضايا السياسية والفكرية التي كانت محل خلاف، وجذب، ودفع، حسب المنطلقات الفكرية لكل مجموعة، وآليات عرضها للقضايا الخلافية.

    وإلى جانب هذه الأركان الفكرية والسياسية كانت توجد بعض أركان النقاش الهازلة العابثة، التي كانت يعقدها بعض الذين رفتوا من الجامعة لأسباب أكاديمية أو صحية، وأذكر منها ركن الأخ بابكر كهربا الذي كان يتحدث دائماً عن الكهرومغناطيسية والنظريات المصاحبة لها، ويصف الحمار بالغباء لأنه يقع في خط موازٍ للمجال المغنطيسي للأرض.

    وإن أنسى لا نسى الأستاذ عمر محمد عمر أومو، الذي كانت تُوصف أركان نقاشه بالحيوية والفكاهة، لما يتخللها من النكات والقفشات الضاحكة التي كانت تزيل بعضاً من رهق التحصيل والمذاكرة. وكان أومو يبدأ أركانه بالحديث عن علم الحيوان، ثم كيفية تشريح الأسماك، ويتطرق بعد ذلك إلى الأحزاب السياسية والأحداث المصاحبة لحراكها السياسي، وأخيراً يختم أركانه بالحديث الجنس اللطيف، والعلاقات المشبوهة بين الطلاب والطلبات داخل الحرم الجامعي وخارجه.

    وفي أمسيات مقهى كانت تعقد بعض الندوات السياسية، وخاصة في مواسم انتخابات اتحاد الطلاب والروابط الأكاديمية، ومن خلال هذه الندوات تعرفنا على طرح نخبة من السياسيين السودانيين، وأذكر منهم: حسن الترابي، ومحمد إبراهيم نقد، والصادق المهدي، وأحمد إبراهيم دريج، وفرانسيس دينق، وأبوزيد محمد حمزة، وعصام أحمد البشير، وأحمد المصطفى دالي. وذلك فضلاً عن المحاضرات العلمية التي كانت تعقدها بعض الكليات، وأذكر منها محاضرات الدكتور عبد الله الطيب، والدكتور جعفر ميرغني، والدكتور محمد سعيد القدال، والدكتور عدلان الحردلو.

    وبهذه الصورة المصغرة للنشاط الفكري، والسياسي، والاجتماعي المتمثل في أنشطة الروابط الإقليمية نصل إلى جامعة الخرطوم كانت شعلة من النشاط الذي لم يكن مختصراً على تحصيل الطلاب داخل قاعة الدرس ومشكلاته اليومية، بل كان ممتداً في فضاءات واسعة ورحبة، حيث يجد الطالب فيها الصالح والطالح، وبموجب بعضها يحدد مسار حياته الفكرية والسياسية بعد التخرج من الجامعة. فتعكس قصيد الدكتور محمد بادي المذكورة أناده طرفاً من أطراف تلك المعاناة التي كان يعاينها الطالب في قاعات الدرس بجامعة الخرطوم، وتبرز شطراً من أشطار التعامل مع الجنس الآخر، ومآلات ذلك على التحصيل الأكاديمي.

    بت الخير يجيك الخير
    د/ محمد بادى
    ********
    بت الخير يجيك الخير
    وصل جوابك الكاتباهو للولد الحتالي
    أكان ترسلي ليه هين هينين من البركاوي
    داك الطعمو حالي
    وهنا والله حالي الدوم ني ومسيخ وغالي
    ****
    سؤالك يمه عن أحوالي
    كان شفتيها تغنيك عن سؤالي
    أنا اتوكرته في قلب البنادر
    زي غريب شرقان مدلدل في الدوالي
    جات شايلاني حر الجوف
    وأنا اتحديت مجالاً مو مجالي

    مصايب الجامعة أكبر من جميع الشفتو
    ولا سمعتو في أيام الخوالي
    قاعد الكرسي كان شفتيهو
    ورم ساقي زي سيد الزلالي
    اقلِّب في الدفاتر من صباحاً
    بدري لا من تمسي
    ما بنسى انشغالي
    أسوق الليل تحت ضوء الكهارب
    ديمة هارب من فراشي
    وهادو حالي
    ده كلو عشان أجيب نمرا ً
    أنافس بيها وأستر بيها حالي
    والله عاد حالتنا ما بتسر البال
    ومن يوم ما اهديت
    ما انسره بالي
    سلاطين العلم يايمه
    ينسوا العشرة في فد يوم

    يدفروك بره زي دفر الطبالي
    وخايف أجيكي مرفود
    وهادي الفكرة من ما جيت
    معشعشة في خيالي
    وأخير افتح أضانك
    قبل ما تلقي في اضنيه
    ملهات حبالي
    ***
    وكان حصل القدر يايمه لا تلوموني
    زي علي البنادر اقوي من احتمالي
    بناتا فيها جسومن رويانات بالدهون
    تلصف بلا جلود السحالي
    سبيبن ديمة بالحزم الكبار مبهول مردم
    فوق قفاهن..........و حلالي
    صدورن طامحة زي موية الدمير
    الهايجة تكشح في العوالي
    عيونن واسعة تبلع ميه
    زي ولدك تشرق للموحد والضلالي
    وساعة أقيف قدامن
    أنكس رأسي بقدري وجلالي
    مشيهن سوه زي سرب الغزال
    لكن نفورن ما غزالي
    عددن ما بخبرو
    إلا وين ما أمشي القاهن قبالي
    وقصاصن ينقر بعصاة
    ما يفرق دريبن
    من دريبات القماري
    بخورن في سماء البندر
    يدوخ متل مسك العشاري
    رقيصن ينهزنو بلا الفلو
    اللماتو غابن منو في ضل المضاري
    يجمع في قفاهو وينطوح
    يتمطط...........مفاصلو
    والياهو الفاقدو بالي
    دالالكين تجيب الضلة برضو
    علي متاهات الضهاري
    غناين اصلو ما سمعناهو
    اكنت بقول ليكي الا هسع ما ناي طاري
    وطنبورن حسوا فاقع
    لا فيهو كنتر لا ودع فوقو بيراري
    عشوقن في الرقيص
    يتلوي زي سيد المغص
    يوم يبقي في حالة طوارئ
    *****
    والمداين ديمة فاير
    زي وحوشا في البراري
    والمـأسي كتيرة حاصلة
    والمكضب يلاقي بوليس السواري
    عاد ده حالتنا بقدر استر معاها
    خلاف أحاكي الناس وأباري
    وانتو راجيني يوم أجيكم بشهادتي وينسط ضهري وكباري
    وبرضو خايفن من أجيكم بغربية في خجل
    قايد صغاري
    والقدر بقادي كاتب ليه شيتنا
    لاني حاني ولا اني داري

    إلا حاجة واحدة تكون في علمك
    إني جاي وتاني راجع لدياري
    وياني حميد القديم
    إلا بس فاقد حجابي وراح سواري

    ***
    يمه كتري من رضاكي
    وسلميلي علي المعاكي
    قولي للحبوبة ازيكي
    انحنا شبنا وما براكي
    سلميلي علي وزينا وحتي جدادنا البكاكي
    سلميلي علي بناتنا
    وقولهن والله ماني ناسي
    طاري شلاخاً مواسي
    زي شقوق وبينا سداسي
    طاري نقشا فوق خدودن
    بين ضفايرو وشوفو قاسي
    جسمي في البندر ممدد الا بينكم بحواسي
    سلميلي علي البكادن والبشتت في التقاوي
    في الكرد محراتو قالع
    وصوتو فوق ترانو عاوي
    ماحزم بقجة ثيابو وقام فجر لاحق اللواري
    اخيرو يحفر في الجداول
    ومالو ومال حفر المجاري
    سلميلي علي الضرايع
    والفقير الفوق حصبرو تكتب البخرة ويداوي

    مع السلامة ودعتك الله
    وللوصيتك ماني ناسي
    وابقي عشرة الراعي واعي
    في بحور اهل البنادر من زمن طالق شراعي
    كان نجحت بجيك غانم
    وكان فشلت بجيك ضراعي

    (عدل بواسطة Ahmed Abushouk on 01-24-2010, 07:26 AM)

                  

01-23-2010, 01:58 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    الدكتور أبوشوك هاأنت تضع لبنات التاريخ لحقبة فعالة ومؤثره ليس فى تاريخ
    الجامعه فحسب ولكن فى تاريخ السودان وتلك السطور تبعث الروح فى
    الذاكر وتحرك شريط ذلك الواقع الكثيف فيا عزيزى لم تترك مكانا للعراميس
    فى ذلك الوقت إلا ما ندر فقد كان منتدى الفلاسفه وصولات الواثق وجولاته
    فى إلقاء روائعه من بحر القصيرالفخيم من ديوانه أم درمان تحتضر مناظرا
    إبن عمه محمد الشيخ السمانى الحفيان وديوانه أم درمان الحياه وكافتيريا
    الدراسات العليا ولقاء الثلاثاء وحضور جمال عبدالملك إبن خلدون وأحاديث
    الباراسايكولجى ثم المناشط الرياضيه والتنافس فى الطائره والباسكت بول
    وكرة القدم والندوات والوجبات والطرح فيا أستاذ أتمنى أن ياتى آخرون
    من حقب سابقة ولاحقه حتى يتأسس تاريخ إجتماعى لتلك المؤسسه الفتيه فقد
    جئت إلى دراساتها العليا من الحنينه السكره والإسلاميه وكانت كماهى
    ولك السلام.............................




    منصور
                  

01-23-2010, 12:20 PM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: munswor almophtah)

    الأخ الأديب فطرة الأستاذ منصور المفتاح وأحبابه "النايرين الما بماسحوا الكيل"،
    وهذه العبارة ذات المضامين الدلالية السمحة من كلام شغبة المرغُمابية، بت عُليب، جدة الدكتور عبد الله أحمد البشير (بولا)،
    وحقاً أنها كانت أمراة استثنائية في ذلك التاريخ الذي يعبر عن فصاحة الحبوبات ومهارتهن في صناعة الاستشهاد الصائب.
    نأمل منكم التوثيق في مجالات عدة كما ذكرت، ليستقيم ميسم التوثيق عن هذه المؤسسة العريقة ودورها الرائد في تاريخ السودان الحديث
                  

01-24-2010, 06:40 AM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    لنا عودة
                  

01-24-2010, 09:31 AM

SHIBKA
<aSHIBKA
تاريخ التسجيل: 01-14-2009
مجموع المشاركات: 5759

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    وفي انتظار العودة وحكايات عن ام الجامعات
                  

01-24-2010, 10:16 AM

الطيب شيقوق
<aالطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: SHIBKA)

    الاستاذ احمد ابو شوك

    تحياتي

    اشكركم على هذا البوست الرائع واهتبلها سانحة للمشاركة معكم بهذا المقال الجميل :-


    Quote: جامعة الخرطوم نبع المودة، والحنان، والعاطفة النبيلة!!
    "من كتاب صدى الذكريات"
    د. محمد احمد بدين [email protected]

    كم جمع الحب بين أصحاب القلوب المرهفة، في ذلك الجو الأخوي الصادق، والشاعري الملهم، والمفعم بالمودة النبيلة، وكم فاضت المشاعر أحاسيس دفاقة ، جاشت بها الصدور، وفاض بها الدمع ،فجادت القرائح باعذب الشعر وارقه، وكيف كتم بعضهم هذا الحب بين جوانحه،ولم يبح خشية العيون التي ترى، أو بلغة هذا الزمن الصعب" الشمارات!" وكيف سار الركبان بذكر بعضه الآخر، بين منحنيات الجامعة وأروقتها، وكيف تسرب البعض الآخر من الشعر، وتعدى أسوار الجامعة، ولحن، وتغنى به الفنانون، فأصبحت تلك القصائد أغانٍ خالدة في حياتنا ووجداننا!!
    ولا أود أن انكأ جراح هؤلاء الشعراء المرهفين،وغيرهم من العشاق المتيمين، فيصيحون بي، قائلين:"كفى!!" كعمنا مهدي أبوبكر- رحمه الله- الذي لام صاحبه، الأستاذ منصور عبد الحميد حين ذّكره بقصة حب قديم، قائلا:
    أثرت شجونا لا تزال تـؤرق * رفيق الصبا ألا تحن وتشــفق
    واسهرتني ليلي فهلا رحمت ما * يجيش به قلبي الشقي ويخـفق
    وأنت إن رأيت جموع الطلبة والطالبات، وهم يتهادون زرافات، ووحدانا في تؤدة وانسجام، هناك بين منعرجات الجامعة، وساحاتها، فقد رأيت بالفعل ما وصفه الشاعر المبدع شوقي حين قال:
    إذا ما رايتهمو عــندها ** يموجون كالنحل عند الربــي
    رأيت الحضارة في حصنها** هناك وعند جندها الأغلــب
    ومن رحم هذه الصومعة، خرجت إلى الوجود، أحلى وأعذب الكلمات، فكانت تلك القصة العاطفية، التي ترعرعت في مكان عزيز على الشاعر، وعزيز علينا جميعا، جمع بينه وبين المحبوب والأخر:
    ذكرت مكانا عزيزا على * وأنت به وأنا والأخر
    ويقال انه قهوة النشاط، والشاعر أدرى! وكيف نرى أن شاعرنا المبدع خشي الإفصاح والبوح ، وبالغ في إخفاء قصته من عيون البشر، إلا انه أعلن الهزيمة أخيرا، وأعلن عن ذيوع وانتشار الخبر! فكانت :
    حبيبة عمري تفشى الخبر وذاع وعم القرى والحضر
    وكنت أقمت عليه الحصون وخبأته من فضول البشر
    أو ذاك الذي خشي على من يعز أن يسافر ويتركه وحيدا ، فلم يجد ما يقسم به غير المشاعر، وانه لأرق قسم وربك! لم يقسم بأغلظ الإيمان، فالشاعر رقيق يتجنب الغلظة حتى في قسمه! تماما كما اقسم قبله الشاعر الفذ حسين بازرعة بالمعزة، وبالمودة.
    فكانت:
    قلنا ما ممكن تسافر نحن حالفين بالمشاعر
    لان الدنيا بما فيها ومن فيها من بعدها ما بها غير الشقاء!. أما كان يجدر بها أن تجبر بخاطر هذا الشاعر المرهف، وتؤجل هذا السفر ولو "شوية"؟؟
    وسفر الأحباب لم يبتل به فقط الطلبة، بل تعداه إلى أساتذتهم الكرام، الذين فجعهم رحيل الأحبة، فكانت :
    أحبابنا أهل الهوى ** رحلوا وما تركوا اثر
    ولم يترك الشاعر جهة إلا وسألها عن هؤلاء الأحبة، حتى طير المشارق! عله يأتيه منهم بخبر. وحق له أن يسال عن الذين هم:
    بيض الوجوه كأنهم ** رضعوا من سطح القمر
    سود العيون كأنها** شربت من ينابيع السـحر
    ثم هناك تلك الحبيبة، التي تكفي فقط بسمتها الوضاءة المشرقة إلى أن تقسم الدنيا إلى قسمين! فكانت " سيد الاسم":
    حبيبي وقتين يبتسم الدنيا يا ناس تنقسم!
    في أي قسم نجد أنفسنا أخي كامل ؟! إن شاء الله نكون في قسمكم!وان أبيت، فسوف نحلفك ليس بعشرة الجامعة فقط، بل بالتي سبقتها في الفاشر الأميرية، حيث شاركتنا فيها مدرستكم كتم الأميرية!
    أو ذلك الشاعر المبدع الذي تحسر على "آماله" التي ضاعت، وفجع بطالعه، شانه شأن الكثيرين غيره في الجامعةّ! وليتها اكتفت وحدها بالضياع، كلا، أنها خطفت أيضا معها عمر الشاعر، فكانت الآمال الضائعة:
    هي "الآمال" ضاعت..... ** كيف ضاعــــت لست ادري
    سراعا كن كاللمح الخفـي** غداة بنّ خطفن عمـــــري
    سرقن هناءتي وكسرن قلبي** وفي الأحلام ضاق بهن صدري
    أو ذلك الصديق الولهان من كلية الحقوق، الذي حكى لي ذات مرة، انه بينما كان منهمكا ليلا في المذاكرة في المكتبة، جاءت ليلاه" fresh ، أي لتوها" من الداخلية، في كامل أناقتها، وعطرها، ودنت منه من الخلف في خفة وهدوء، دون أن يشعر بها، وانحنت فوقه تنظر إلى الكتاب الذي يطالعه، وهي تقول له:" ماذا تقرأ يا".....؟" فقال رفعت راسي، وعندما أبصرتها، ، صعقتني بساطع نورها، وغمرتني بشذا عبيرها الفواح، فبهت! وارتج على! وفتحت فمي كي أجيب، لكنه لم يسعفني بكلمة واحدة مفيدة! إنما هي فقط همهمة وغمغمة، وأتممت الباقي بإشارات من يدي، وإيماءات بالرأس!! ويذكر الرواة- وهم كاذبون هنا - انه خرّ مغشيا عليه!! كيف لا، اليست هي أخت اللائي قال فيهن الشاعر:
    يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ** وهن اضعف خلق الله انسانا
    أو ذلك الشاعر من خارج الجامعة، الذي خلبت لبه الطالبة الجامعية الحسناء ( ع)، التي ألف فيها أغنية " ظبية البص السريع * همت بيك وأنا خايف أضيع" – على ذمة الرواة_ وهو، وهي، والبص في طريقهم إلى مدينة كوستي.
    وهذه لم تكن فقط ظبية البص السريع، بل كانت ظبية البصات من جميع السرعات، والجامعة وما جاورها! آية في الأناقة، وحسن الهندام، نافرة، نفور الظباء، دائما وحيدة، لا ولد حولها ولا بنت! قتلت الكثيرين كمدا، وهي لا يهمها هذا، ولا تكترث لذاك، كما الدهر الذي:
    لا يبالي رضا المستريح ** ولا ضجر الناقم المتعب
    بل تنام ملأ جفونها عن معجبيها، نوم المتنبي عن شواردها !!
    وكانت في غاية الاعتداد والثقة بالنفس. اذكر جمعتنا في مرة من المرات، رحلة من رحلات الجامعة في يوم جمعة في إحدى الحدائق الخلابة بضاحية من ضواحي الخرطوم ، وجلسنا في دائرة لتأدية إحدى اللعبات، وكان يتحتم على كل واحد وكل واحدة منا اختيار اسم حيوان او طائر. وعندما أتاها الدور تلكأت قليلا‘ علها توفق في اختيار الاسم الذي يناسب كل هذا البهاء. فقطع احد الزملاء عليها حبل تفكيرها قائلا:" خلاص بقرة!" فما كان منها إلا أن قالت له سريعا" بقرة انت!..... أنا فراشة!!" وما جافت الحقيقة!
    وفي مرة أخرى كنا نجلس ليلا في مكتبة الجامعة الرئيسية حول الطاولات التي هي مخصصة لأربعة من الطلبة. وكان يجلس إلى جواري طالب من زامبيا، يدعى جيمس، يدرس في كلية العلوم، ويجلس أمامي طالب آخر لا اعرفه، والكرسي أمام جيمس شاغر. فجاءت الزميلة" ع" وجلست أمام جيمس دون تحية أو سلام. وفتحت حقيبتها على الفور، ووضعت أمام كل منا نحن الثلاثة قطعة من الحلوى الراقية، دون كلام، وكأن قائد الأسطول يصدر امرا لجنوده: "كلوا يا عيال مساكين!". وحفتنا الأنوار، و غمرتنا الروائح، وتكهرب الجو، وما هي إلا برهة، ودنا مني جيمس قائلا ما ترجمته بالعربية:" هذه البنت تخيفني! فهذا الجمال كثير على، وسوف يفتك بي من دون شك! لذا اني مغادر" وجمع كتبه على عجل وغادر المكتبة! وأثارت هذه الحركة فضول الزميلة، وإصابتها بنوع من العقدة. فقالت لي همسا " يا زميل- وهي لا تقل اسمك، حتى لو تعرفه حق المعرفة! فكل الجنس الخشن لديها زملاء وكفى!- ماذا قال لك هذا الزميل؟ ولماذا غادر فجأة؟ قلت لها:" بصراحة قال لي انه يخاف منك!" فأجابت مستغربة" يالعجب! أنا ما خفت من شكله القبيح ده، هو يخاف مني؟؟!!" فأجبتها إن الخوف " خشم بيوت" أيتها الزميلة العزيزة! ويبدو أنها لمّاحة، وفهمت ما رميت اليه، فتبسمت!
    رحم الله الزميلة الأخت "ع" رحمة واسعة، والهم زوجها, وذويها الصبر الجميل. فلقد قرأت نعيها قبل سنوات قليلة في إحدى الصحف وانأ هنا في جدة. ويبدو أنها كانت مغتربة مثلنا في إحدى دول الخليج، بعيدة عن الأهل والسودان. وما أقسى أن تكون بعيدا عن الأهل والسودان! ولكن هذا قدرنا!.
    ومن المحبين هناك فئة" كاتمي الصوت"، يعانون في صمت، يموتون كمدا، ولا يفصحون، لا شعرا، ولا نثرا، ولا بوحا لكائن من كان! فعرفوا كيف يخفون الحنين، ويواروه خلف ستار الحذر، تماما كما فعل المبدع الحسين، إلا أنهم لم ينهزموا أخيرا مثله، ويرفعوا الراية البيضاء، بل ظلوا صامدين! يرفعون شعار:
    فما حسنا أن تأتي الأمر طائعا** وتجز إن داعي الصبابة اسمعا
    لكن ما درى هؤلاء أنهم يحملون بدواخلهم قنابل موقوتة، قابلة للانفجار في أي لحظة! اذكر أن الزميل "ا" كان من ضمن هذه الفئة الصابرة. وكان متيما بإحدى حسناوات الشايقية، الزميلة الفارعة،
    " س"، وفي إحدى رحلات الجامعة ذات جمعة في ضاحية السقاي، تمدد بجوار هذه الزميلة، وأمضى كل الوقت وهو ينظر اليها، ولم ينبث ببنت شفه! وعلى الرغم من انه كان كالذي لم يقطف زهور خدودها،
    فقط " يعاين" بعيونه، إلا أن المحبوبة لم ترحمه ! فما كان منها إلا أن خاطبت من حولها بالدارجي السوداني وهي موجهة كلامها اليه: " يا أخوانا الود ده مالو من الصباح راقد جنبي كده زي المرأة الحامل!!" وانفجر الجميع ضحكا، خاصة إذا علمنا أن الزميل إياه، كان مكتنزا لحما، وشحما، وحتى كرشا!!
    ومن كاتمي الصوت هؤلاء، كذلك ذلك الأخ الورع البعيد عن الاختلاط والبنات، والمواظب على صلواته، وتبتله. وكان يكتم حبا جارفا لإحدى زميلاته. ويذكر الرواة، أن المحاضر وّجه سؤالا لهذه المحبوبة في إحدى المحاضرات. وعندما بدأت تجيب، أدرك المحاضر من أول وهلة إنها ملمة بالإجابة، فبدأ- كعادة بعض الأساتذة في هذه الحالة- يقاطعها بين الحين والآخر متمما إجابتها. والزميل يتململ في مقعده، وما لبث أن خرج عن طوره، مخاطبا الأستاذ، أيضا بلهجة الشايقية المحببة:" يا أخ خلها تتكلم.. الله لا كسبك!!" ويقال في رواية أخرى، انه سب له ......- والعياذة بالله- واخذ كتبه وانصرف!
    ويذكر الرواة – و هم هنا أيضا كاذبون- إن وفدا من الزملاء، والزميلات، قام على عجل بمقابلة تلك المليحة - والتي زاد من فتكها عدم ارتدائها لخمار، لا اسود ولا ابيض!- واستنكروا ما فعلته بذلك الناسك المتعبد، وطالبوها أن ترد للمسكين صلاته، ونسكه، وناشدوها أن لا تقتله بحق دين محمد!!
    ولله در رحلات أيام الجمعة تلك، التي كانت تنظمها الجمعيات على اختلافها بمناسبة، وبغير مناسبة ! فقد كانت النفوس تروح فيها عن ذاتها ترويحاً عظيماً ، وكانت تجد فيها المتعة والتغيير ، ويخرج الفرد فيها غالباً بعلاقات، وصداقات، وصلات جديدة تكون ذخراً للمستقبل . ولكم كانت تحدث في هذه الرحلات الكثير من النوادر والمفارقات والنكات . فكم منهم من ركب بصاً دون أن يعلم ا إلى أين يتجه هذا البص ، أو أى جمعية هي التي تنظم هذه الرحلة، على كثرة ما تنظم من رحلات في يوم واحد . فكل ما يهم هذا البعض أن ( ليلاه ) ركبت هذا البص ، والجميع كلف منذ قديم الزمان بالذهاب الي حيث تتجه ( ليلاه ) . وليس يهمه بعد ذلك في كثير أو قليل أن يتجه البص شمالاً ا إلى ( الكدرو ) أو جنوباً إلى ( الكاملين ) ! ولكن الذي يدريه هو أن البص لابد وأن يصل في النهاية مكاناً ما ينزل عنده الجميع . أما الجمعيات فما هي عنده إلا مسميات يراد بها التفريق بين الشخص ومن يحب . وأما الأكل فحدث ولا حرج ! فحيثما يصل البص فأنت واجد دون شك كل ما تشتهيه الأنفس وتستلذ له من طعام وشراب . لكل ذلك كان يوم الجمعة يوماً خاصاً ، ينتظر بفارغ الصبر ، يعد له الطلاب النفيس من الملبس ، وعند الطالبات فرصة لنفض الغبار عن الثياب الملونة والتي لا تجد فرصتها في المدرجات ، فهناك الثوب الأبيض لها بالمرصاد
    وأذكر كم كان يطربنا الأخ المرحوم الشيخ خير الله بصوته الشجي ، في مثل هذه الرحلات وكان شخصاً ، خفيف الظل لطيف المعشر، ويتمتع بشجاعة أدبية فائقة . وكنا ذات مرة عائدين من رحلة طويلة من الكاملين ، وأصاب البص عطب ووقفنا الي جانب الطريق في انتظار إصلاح ذلك العطب . وامتد بنا الليل، وبعضنا لا زال جالساً في مقعده داخل البص ، والبعض اشتد به الملل فنزل ينظر إلى المحاولات التي يقوم بها السائق ومساعدوه لإصلاح السيارة . وكنا من الذين بقوا داخل البص واقترحت الزميلة ( خ ) التي حباها الله بوجه سمح المحيا، حلو القسمات على الأخ الشيخ أن يغنى أغنية علها تذهب عنا السأم والملل . فقام الأخ الشيخ من مقعده في آخر البص وجاء إلى حيث تجلس تلك الشابة
    وجلس على المقعد المقابل لها مباشرة، وصار ينظر اليها ويغنى الأغنية السودانية :
    أنا ما بقطف زهور خدودك ...... بس بعاين بعيوني
    ويعيد مقاطع خاصة ويكررها ويركز عليها مثل:
    ملأ العيـون نـورك
    كشف الظـلام بسمـك
    وتجـلى لي رسمــك
    شخصك ملأ عيوني ....... أنا ما بقطف زهور خدودك
    او المقطع القائل:
    يا الغالي موهوبك
    يا العالي تعليمـك
    أنا من مظاليمــك
    والبنت تكاد تذوب خجلاً ، رغم أنها سُـرّت في داخلها بدون شك أن تكون هي المعنية بتلك الأوصاف الواردة في الأغنية في تلك اللحظة بالذات! " والبص " كله يردد الأغنية وراء الشيخ مما أضطر الزميلة نفسها أن تزيح ستار الخجل عنها وتشارك الجميع الغناء !!
    وفي مرة أخرى كانت رحلتنا إلى ( السقّاي ) شمال الخرطوم . وارتحلنا في بص الجامعة المرسيدس الوثير، تشجى آذاننا الأغاني من ( حقيبة ) وحديثة ، تبارى في أدائها الذكور والإناث ، وتحمل الينا نسمات الصباح الباردة الروائح الباريسية التي تفوح من كل جانب في البص . ويبدو أن روعة المشهد تذهب بالخجل من الكثيرين، فتكسو الخجول شجاعة أدبية ، وتزيد الشجاع جرأة وشجاعة .
    وبعد رحلة ممتعة دامت قرابة الساعة وصلنا الي ( السقّاي ) وحططنا الرحال في إحدى حدائقها الغناء على ضفة نهر النيل . وقضينا يوماً ممتعاً في لهو وسمر برئ ، حتى إذا انتهينا من تناول طعام الغداء ، دُعي الجميع الي لقاء مشترك للبدء في برنامج ترفيهي يشترك فيه كل أفراد الرحلة . وكان من ضمن فقرات البرنامج فقرة محببة في كثير من الرحلات ألا وهي فقرة أخذ الأوراق من ( القبعة ) .
    وتبادل الزملاء والزميلات في أخذ الوريقات ، وحكى بعضهم أطرف ما سمع من نكات، وحكى البعض الآخر أحرج ما مر به من مواقف ، إلى أن جاء الدور إلى بطلة قصتنا هذه (س) ـ أو سمها الضحية إن شئت . وهي شابة دمثة الأخلاق ، في منتهى التهذيب، وديعة الملامح ، اجتماعية تشارك في الكثير من النشاطات الجامعية وعلى علاقة طيبة مع الكثير من الزملاء والزميلات . وكانت تتمتع إلى جانب ذلك كله بصوت شجي وشجاعة أدبية نادرة . وتقدمت نحو القبعة في خطى ثابتة وأخذت لها وريقة . فلنرى ماذا كان يخبئ لها الحظ . إنها وريقة تقول : " غنى لنا أغنية تختارها أو تختارينها ".
    ولنترك هذه الشابة تفكر فيما تختار من الأغاني ، ونعود قليلاً ا إلى الوراء لنلقي بعض الضوء على بعض الأحداث التي لابد من فهمها لأنها تعكس لنا الأسباب من وراء اختيار تلك الشابة لتلك الأغنية التي سنعود بعد قليل لسماعها .
    ربطت بين هذه الشابة وبين زميل لها من نفس الكلية في الفصول المتقدمة علاقة حب قوية ، هي من كردفان الغرا أم خيرا بره ، وهو من بلاد دنقل، ما لبثت أن ترعرعت ونمت،وذاع الخبر وانتشر ، وسار بالحديث الركب في منعرجات الجامعة ومنحنياتها . وما لأمثال هذه القصص أن تُخفى ، وإن أكثر المحبوب من التخفي والتمويه ، وما أخالها إلا وقد خشيت هذا الإفصاح، فرددت كثيرا في سرها قول التي سبقتها في هذا الموقف قائلة :-
    إذا جئت فامنح طرفك غيرنا
    كي يحسبوا ان الهوى حيث تنظر
    ولكن ما باليد حيلة ، فالصحاب والصاحبات تناقلوا الحديث بين قهوة النشاط وبين الداخليات . وما كان ذلك عندهم بالأمر المشين ، فهو حدث قديماً وسيحدث في كل وقت وفي كل مكان . وليس هناك أجمل من عاطفة صادقة متبادلة بين اثنين في حب شريف يرضى فيه كلاهما بما رضي به جميل من بثينة في قوله :-
    وإني لأرضى مـن بثينـة بالـذي
    لـو أبصـره الواشـي لقـرّت بلابــله
    بلا، وبان لا استطيع، وبالمنى
    وبالأمل المرجو قد خاب آمـــــــله
    وبالنظرة العجلى، وبالحول تنقضي
    أواخره ،لا نلتقي واوائلـــــــــه
    واستمر الحال حيناً من الدهر وأصبحا كالخطيبين ، حتى صار منظرهما مألوفاً عند الصحاب الذين انشغلوا عنهم بالجديد من القصص والمسرحيات . وجاءت إجازة من إجازات آخر السنة الدراسية ، وودع كل منهما الآخر وسافر إلى وطنه الصغير . وكان لابد للإجازة أن تنتهي حتى يعود الجميع ويتخذ بعضهم من المقاعد المنتشرة في فناء الجامعة ، والمتناثرة ما بين المكتبة ( وقهوة النشاط ) مقعداً يلقى كل منهم النظرة العجلى وغير العجلى إلى أسراب المحبين وهم يتهادون في تؤدة وانسجام بين ناكر وحاسد، ومعجب وناقد
    ولكن يا لهول الصدمة ! فلقد جاء الشاب من قريته وهو يلبس دبلة الخطوبة!! فلقد خطب هناك ، مطبقاً بذلك المثل القائل : ( عندما يحب الطالب في الجامعة يتزوج في قريته !). ولقد شقّ الأمر على الفتاة ولقد فُجعت وغُدر بها . ومما يزيد الأمر قسوة أن ذلك حدث على رؤوس الأشهاد ، وعلى مرأى من رواد المقاعد ومنهم دون شك الشامت واللاحي . ولكنها لم تنهار ، فلقد كانت قوية ، وأخفت كل الجراح بين الضلوع وتذرّعت بالصبر الجميل . ولكن ما كان لها أن تنسى كلية ، فالأمر ليس بالسهل . وما أظنها جاءت إلى هذه الرحلة إلا لتجد سلوى تتعزى بها ، وتروّح قليلاً عن نفسها . فلننظر كيف روّحت عن نفسها ، بل كيف انتقمت لها !!
    ونعود مرة أخرى إلى الانضمام إلى رحلتنا تلك ، ونأخذ مجلسنا بين ذلك الجمع في انتظار الأغنية ، فالكل متلهف لسماعها، ولقد أعطي القوس لباريها ، فالزميلة تجيد الغناء وأي إجادة! ولقد كان ذلك الشاب الذي غدر بها ـ لسوء حظه ـ من ضمن الحاضرين في ذلك اليوم، ومن المفارقات الغريبة أنه كان يجلس بجواري . قرأت الشابة الوريقة مرة أخرى ، وأصلحت من ثوبها ووقفتها وبدأت تغني بصوت شجي واضح النبرات أغنية الفنان عثمان الشفيع الخالدة (ظلمتني) ، التي يقول في مطلعها :-
    ظلمتني يا ظالم .. ليــه يا ظالم
    وتمضي في أبيات الأغنية وهي تحاكي البلبل ، وفي ثبات ورباطة جأش في موقف صعب تنهار من دونه أعصاب الكثيرين :
    كل من كان معانا * في صباحنا ومساءنا
    لو عارفين هوانا *يحلفوا ما برانـــا
    لكن براك براك * ظلمتني يا ظالـــم
    ليه .... ليــه..* ياظالـــــــم
    والكل أدرك من أول بيت في الأغنية من تعني ومن تخاطب ، ولم ترد أن تكن كالقائل : " إياك أعني واسمعي يا جارة " ، بل أرادت أن تقول : " إياك اعني وإياك أردت أن أُسمع يا هذا " فكانت تحيد ولا تنظر إلا اليه ، وصاحبنا المسكين منكفئ على وجهه يذوب خجلاً لم يستطيع أن ينظر اليها قط، أو حتى يرفع رأسه !
    وقد تعاطف معها الجميع لدرجة مذهلة ، فالأمر واضح وصريح، وكاد المسرح أن يتحول إلى صورة مأساوية ، ولقد أدمعت أعين البعض ، فالسودانيون شعب حنين سريع الانفعال . ولكن ما عليها فلقد وجدت فرصتها ، وهاهي عاتبته على مرأى ومشهد من الجميع ، وحمّلته المسؤولية كاملة ، وأخبرته بكل وضوح أنه ظلمها ، أيستطيع الإنكار ؟ لا أعتقد .
    وانتهت رحلتنا تلك ، وانتهت من بعدها المرحلة الجامعية ، وسارت الأحداث سيرها العادي وغير العادي ، وتفرقت بنا السبل ، وباعدت بيننا دروب الحياة ، ولم تتبق لنا من تلك الحياة الحلوة سوى الذكريات . ولقد تزوجت هي غيره كما تزوج هو بأخرى . واليهما بعد كل هذه السنوات الطوال في غربيتهما ، مني ألف ألف تحية وسلام فكلاهما صديق ، وكل منهما مغترب خارج السودان. هي استقر بها الحال مع زوجها في إحدى الدول الأوربية الراقية، وهو أصبح سفيراً ينتقل من بلدٍ الي بلد؛ وقد يأتي يوما إلى بلدها سفيرا، فيجدها ضمن رعاياه! أيا ترى كيف يكون اللقاء؟؟!!! أيكون كلقاء الدكتور إبراهيم ناجي مع من كان يحب؟؟!!:
    يا حبيبي كل شيء بقضـاء * ما بأيدينا خلقنا تعســاء
    ربما تجمعنا أقدارنــــا * ذات يوم بعد أن عّز اللقاء
    فإذا أنكر خل خــــله * وتلاقينا لقاء الغربــــاء
    ومضى كل الي غايــته * لا تقل شئنا إنما الحظ شـاء
    تعليق:
    اتصل بي بعض الاخوان بادين اعجابهم بالحلقة السابقة:" جامعة الخرطوم.. قصص ونوادر" وهم: الاخ يوسف كوكو، والاخ ابراهيم محمد خير، والاخ محجوب محمد صالح، والاخ احمد صديق؛ فلهم جميعا الشكر. وارسلت الاخت العزيزة الدكتورة دينا شيخ الدين رسالة من امريكا شاكرة على الكلام الذي قلته في حقها، وعلى المساعدة التي قدمتها لها في موقف اللواري في نيالا؛ الا انها ذكرت، واكدت انها لم تكن ضمن المجموعة التي نزلت معنا في الفندق في نيالا، لانه كما ذكرت لا تنزل عادة في الفندق، فاما ان تنزل مع ذويها او تسافر في نفس اليوم؛ ويبدو انني نسيت هذه الجزئية، فلها الاعتذار والعتبى حتى ترضى.



    خالص ودى
                  

02-13-2010, 04:47 AM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: الطيب شيقوق)

    *
                  

02-13-2010, 05:46 AM

د.نجاة محمود


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جامعة الخرطوم: حصاد الذكريات. أحمد إبراهيم أبوشوك (Re: Ahmed Abushouk)

    بوست بديع
    شكرا يا بروف
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de