لينين: حق تقرير المصير مثل حق الطلاق نعم، الفيدرالية عبر العالم هي التي أدامت وحدة الولايات المتحدة، كندا، البرازيل، الهند، المانيا الغربية آنذاك، ونظريا الاتحاد السوفيتي. ودعنا نقف عند حالة الاتحاد السوفييتي لأنها كانت حالة فريدة. فعند وضع دستور 1924 أصر لينين على منح حق تقرير المصير، بما في ذلك حق الانفصال، لكل دول الاتحاد. قال لينين للذين عارضوا اقتراحه في لجنة صياغة الدستور: «الامتناع عن دعم حق تقرير المصير لشعوب الإتحاد، حتى وإن أفضى إلى الانفصال، ينم عن سذاجة ونفاق، تماماً كنفاق الذين يعارضون حق المرأة في الطلاق لأنه يؤدي إلى تدمير الأسرة». ممارسة ذلك الحق، رغم موقف لينين الحاسم، ظلت أمراً نظرياً بعد رحيله، وإن بقي النص في الدستور. وكان لخليفة لينين (جوزيف ستالين) أسلوب آخر في التعامل مع الحقوق الدستورية للأفراد، ناهيك عن حقوق الأقوام والجماعات. فمع إبقاء ستالين على ذلك النص في دستور 1936م (والذي يطلق عليه المؤرخون اسم دستور ستالين) أمعن السياسي الجورجي الأصل في روسنة، لا جرجنة، كل ولايات الاتحاد بهدف القضاء على خصوصياتها الثقافية. أما مع الافراد فلم يطق حتى الخلاف مع رفاقه إذ أعدم ثلاثة ممن شاركوا في وضع ذلك الدستور: نيكولاي بوخارين، كارل راديك، ياكوف ياكوفليف. وكان لواحد منهم (بوخارين) الفضل الأكبر في وضع دستور 1936م. ورغم كل التقلبات التي طرأت على الاتحاد أبقى برزنيف في دستور 1977، (الذي يعرف بدستور برزنيف) على النص الذي يمنح دول الاتحاد حق الانفصال (المادة 72). ومن طرائف الأمور ان ذلك النص لم يُفَعَّل إلا عند انهيار الاتحاد السوفييتي. إذن، من البرازيل جنوباً وأستراليا في الجنوب الشرقي إلى ألمانيا الغربية شمالاً مروراً بالهند، ومن كندا والولايات المتحدة غرباً إلى الاتحاد السوفيتي شرقاً، لم تكن الفيدرالية، عملياً أو نظرياً، أداة لتمزيق الشعوب بل وسيلة للحفاظ على وحدتها في ظل احترام التنوع. ومما تجدر الإشارة إليه أن جواهر لال نهرو اعتمد عند وضع دستور الهند، من بين ما اعتمد عليه من مراجع، على الدستور السوفيتي لإنشاء النظام الاتحادي في الحكم، وعلى الدستور الأميركي فيما يتعلق بسيادة حكم القانون (وثيقة الحقوق التي ضُمنت في التعديلات الدستورية) والمحكمة العليا. فأية تجربة تلك، إذن، التي استهدى بها من ذهبوا للزعم بأن مضار الفيدرالية تفوق مزاياها، خاصة في بلد هو أكبر مستودع للتنوع الاثني والثقافي والديني في أفريقيا؟ لهذا حق لنا القول ان قرار رفض الحكم الفيدرالي للجنوب، لم يكن قراراً سياسياً خاطئاً فحسب، بل كان هو الخطيئة الأولى (ُْيهيَفٌ َّيَ) في السياسة السودانية. جميع المحاولات التي تلت لحل ما عُرف بمشكلة الجنوب لم تكن أكثر من مسرحية سخيفة مكرورة من بعد أن أوهم ساسة الشمال أنفسهم أنهم بمفردهم القادرون على تقرير مصير البلاد بأسرها، أو شُبِّه لهم أن الفيدرالية هي معول لهدم وحدة الأوطان، رغم كل التجارب التي تثبت العكس، ورغم جرس الإنذار الذي أطلقه اثنان من ساسة الجنوب الذين انحازوا للطبقة الحاكمة منذ فترة الحكم الذاتي الانتقالي: داك ديي وبولين ألير، وكان كلاهما عضوين في الحزب الوطني الاتحادي ووزيرين في حكومته، بالاستقالة من الحزب والوزارة. ومن الطبيعي ان تتوالى إخفاقات الذين لا يدركون أن لخطيئتهم الاولى وُصلة بالتردي المتصاعد في حال البلاد، وبخاصة في علاقات الشمال بالجنوب. تعقيب ولا زال هؤلاءالمكرورين يمارسون الشيء نفسه ومع فدرالية سرطانية(25 ولاية) جعلت الوزارء اكثر من المزارعين لا جدوى منها في ظل تعذرالدولة المدنية والديموقراطية(ضلعا مثلث الدولة المتحضرة)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة