اعلام الفكر السوداني المعاصر:هكذا تكلم ابيل الير

Quote: إلغاء الاتفاقية في الخامس من يونيو 1983 أصدر الرئيس نميري أمرا بحل مؤسسات الحكم الذاتي , وهي على وجه التحديد الجمعية الإقليمية , والمجلس التنفيذي العالي , وأنشا مكانهما فيما ذكرنا من قبل , ما أسماه بالاقاليم الثلاثة , بحر الغزال , والاستوائية وأعالي النيل , بعواصمها واووجوبا , وملكال . ونقل أعضاء الجمعية الاقليمية , والمجلس التنفيذي العالي الى الجمعيات الاقليمية الجديدة والى مجالس الوزراء فيها , فذهب النواب الى مناطق دوائرهم الانتخابية , وذهب كل عضو في المجلس التنفيذي العالي الى اقليمه الجديد , وزيراً في مجلس وزرائه . وعين حاكماً لكل اقليم يساعده خمسه وزراء , وكادر من المستشارين , واثرت هذه القرارات على مؤسسة الخدمة المدنية , كما اثرت على القطاع الخاص في الاقليم الجنوبي , بانتقال كثير من المواطنين من مكان الى اخر , وازهقت أرواح كثيرة في عملية التنفيذ , واقتلعت الاسر من مساكنها وأماكن اعمالها , ورحلت الى اقاليمها , تم هذا كله في ذروة موسم الامطار , الذي يمتد من يونيو الى سبتمبر . وأضطر بعض النسوة الحمل لوضع حملهن تحت الاشجار , واثناء هطول الامطار , وهن ينتظرن الترحيل الى مواطن ازواجهن الجديدة , بعد ان ارغمتهن السلطات الجديدة في الاقاليم على إخلاء منازل الحكومة . وأثار مثل هذه التصرفات وانعكاساتها الاجتماعية السيئة لايمكن نسيانها بيسر , ولا تصحيحها إلا بمضي الوقت . وقال نميري في مساء ذلك نفسه وهو يعلن قراره بتقسيم الجنوب عبر التليفزيون الوطني وجوزيف لاقو يجلس الى جانبه , انه كان يراسل لاقو قبل ابرام الاتفاقية , ويتبادل معه الراي حول السبل اللازم انتهاجها لحل مشكلة الجنوب . ولا احد يعرف موقف لاقو من هذه المزاعم . وكنت اتوقع منه ان يقول إن رسائل الرئيس لم تصله , وانه واثق من انه لم يراسل نميري منذ ان ترك خدمة الجيش السوداني واتجه نحو الغابة في عام 1963 . وكانت تلك المزاعم من نميري هي أسلوبه في ايهام الجماهير أنه لا احد غيره وجوزيف لاقو , كان مسئولاً عن تحقيق تسوية السلام , ولا حتى مؤلف هذا الكتاب . والحوادث التالية التي كانت مقدمات لإلغاء الاتفاقية , قد تعين القارئ في تفهم أهمية الامر الصادر في الخامس من يونيو , وأدراك أن مغزاه لم يقتصر على تقسيم الجنوب الى ثلاثة أقاليم