|
عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة "
|
شرائح موز مقليـّة --------------- ( 1 ) يتقاطع فيها عالما الشهادة والغيب . شأنها في هذا شأن" طيور الجنة". تتطاير بين الناس بالحسنى ممدوحة "البلابل" .بعثرتها في الزمان القديم سماء تقيـّة منفلقة بسلطان, ويد معروقة قابضة على بذار : فيض من الأنبياء و المصلحين , فيض من القول الرحيم , فيض من الهداية و التحنان في أرياش نورانية حمراء. هذا عن الطيور الوديعة المكرمة في شدو "البلابل " . آخروية الميلاد جذرها في السماء , يمتد إلى الطلح المنضود ,ومع هذا فهي تقاسم أخواتها الدنيويات الملامح المميزة للعائلة المشتركة موزاسى (Mosacea) ; مدارية الموطن الأول جنوبي شرق آسيا , نوع التربة الصالحة للعيش , بياض لون الفاكهة المحميـّة بغلاف صافي الصفرة أو مبرقعها بنقاط سوداء , و الساق الزائفة الجوفاء. ولكن ثمة طعم غريب يميز فاكهة النبتة عما لأخواتها .
( 2 )
بيت أسرة خالي إسمعيل الكائن ب Antwerpen هو أحد البيوت التي لا أشعر فيها بالبرد إذا ما كان الوقت شتاءا. يستقبلني إسمعيل في بهو محـطة القطار الرئيسية - لم يعد يخيرني وقد حفظ جوابي المحبذ لقطع المسافة إلى الحي مشياعلى الأقدام - ثم نكمل صعود الدرج حتى باب الشقة . ينفتح الباب على مائدة نوادر و رحيق . تختتم الجلسة بشرائح موز مقلية . في زيارتي الأخيرة عامنول بدا لي أن طعم الموز غريب فسألت إسمعيل: من أي البلاد جلب ? .أجابني :ألم تر الموز الكاذب في البلكون ?!, ثم إنفجر ضاحكا من دهشتي أنا الذي ما رأى نبتة موز في البلكون المطل على بيوت أثرية . كنت كلما جلست فيه أدخن تأتيني موسيقى منبعثة من عريشة عنب تظلل فيراندة بيت أرضي تسكنه مهاجرة تشيلية مستوحدة في خريف العمر . كان فيكتور خارا مبتور الأصابع واللسان هوالخلفيةالثابتة لمائدة منصوبة ونبيذ حاضر ومعزين غياب ."أمزح معاك ياخي !" قالها إسمعيل محولا بذلك مجرى الحديث إلى وجهة أخرى .
ليس في البلكون رأيت نبتة الموز , وإنما رأيتها مضمومة بين جناحي ألبوم ساكن على رأس خزانةالكتب في مدخل الشقة . تبدو النبتة في الصورة اليتيمة التي إلتقطتها عدسة جدي محمد حسن البربري متفجرة بالخضرة كأنما غرست اليوم, ومثقلة بالسبائط !.
غرست النبتة في بيتنا الكبير بالبطانة قبل ميلادي وجفت قبل ميلادي أيضا . عاشت 7أشهر , و يزعم أحد الذين سألتهم عنها أن يباسها السريع مرده إلى عين الكاميرا السحـّارة , إلى طويـّةالضوء الجاهر الذي ينبعث منها كنفثة الكوبرا, فيغشى الأبصار و يستغفل الناس ليتوغل إلى حيث تكمن الأرواح . مثل خطـّاف السمك .
كانت هبة القاش لمهجرين نوبيين في سنوات الشدة الأولى حينما كانوا يروضون موطنهم الجديد بالبطانة الفوّارة التربةوالمكفهرّةالسماء, محاصرين بالعقارب و الثعابين و المطر العنيف .
يبست النبتة لا لأن عين الكاميراأصابتها, بل لأن تربةالحوش الذي نقلت إليه لم تكن صالحة البتة لنمو الموز . ( 3 )
إنها سارية في الحصن الحصين لحاضرة القاش , حصن قوامه : الجبل , ماء توتيل , الضريح , أشجار الدوم , و المسكيت .
شتول الموز هي سواعد وأصابع آدمية بارزة من مقابر جماعية مجهولة التواريخ لضحايا حروب و ثأرات وحملات إنتقامية و عشاق ماتوا ظمأ في بيداء الوجد و إرتفعوا جميعا شهداء .
عثمان محمد صالح 18-10 -2009 Venray - The Netherlands
المرجع : http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=3873&sid=...928c25de5d7d8bdf4fa1
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة " (Re: 3mk-Tango)
|
العزيز عمك تنقو
Quote: كالعاده عثمان عصي علي الوصف تصوير في منتهي الدقه والجمال يمكن ان نسميه ( كاميرا حرفيه ) |
عثمان يقدم لنا قصصه في قالب ممعن الحبكة والكثافة؛ في صورة كبسولات تحختصر وتضم كل عوالمه ومعارفه المختزنة ؛ وفيها اضافات لغوية جديدة ممعنة في الجدة؛ وصورا كما قلت عصية عن الوصف؛ تشبه لي الافلام التوثيقية القصيرة المكثفة .
نحتاج الى قراءة عثمان نقديا؛ والانتقال من مجرد الانبهار به الى معرفة موقعه من خارطة الادب السوداني الجديد .
لك ودي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة " (Re: Abdel Aati)
|
ذكرتني هذه القصة فيلما سينمائيا شاهدته العام الماضي وكان مرشحا لنيل جائزة الاوسكار كافضل فيلم. الفيلم كانه يحاكي العولمة يدور في اقطار مختلفة من بينها كما اذكر المغرب واليابان والمكسيك و الولايات المتحدة. هذه القصة القصيرة تصلح جدا لمشروع روائي متعدد الأمكنة. مع تقديري المشاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة " (Re: osama elkhawad)
|
الف مرحب بك الصديق والاستاذ اسامة الخواض
Quote: ذكرتني هذه القصة فيلما سينمائيا شاهدته العام الماضي وكان مرشحا لنيل جائزة الاوسكار كافضل فيلم. الفيلم كانه يحاكي العولمة يدور في اقطار مختلفة من بينها كما اذكر المغرب واليابان والمكسيك و الولايات المتحدة. هذه القصة القصيرة تصلح جدا لمشروع روائي متعدد الأمكنة. |
نعم كتابات عثمان تحمل شُحناً عالية التركيز
ومن داخلها تنبت سيناريوهات عدة في الخيال .
وبالمناسبة كل قصة لعثمان هي مشوع فيلم او فاصل من فلم .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة " (Re: Abdel Aati)
|
الأخ عبد العاطي والأعزاء لم ألتقي بالأديب الرائع عثمان حتى الآن وجهاً لوجه رغم أنه تربطني صداقات وطيدة مع كثير من أقربائه بحُكم أننا ننتمي لنفس المنطقة قمت بالاتصال به أثناء وجوده بأرض الوطن قبل أشهر قليلة مضت حقيقةً أسعدني سفره إلى السودان بعد غيبة دامت لأكثر من عشرين عاماً ففاجأته بمكالمة مسائية طويلة كانت رواية في حد ذاتها حكى لي أنه في تلك اللحظة متمدِّداً فوق سرير وسط الحوش في منزلهم بالقرية كان في لحظة تأمُّل في خلق الله سألته: ما أجمل شيْ أعجبك في لحظات تأمُّلك هذه؟ أجابني: منظر الحشرات وهي مجتمعة حول لمبة الحوش بكل ما أوتيَتْ من فوضى.
لكم تحياتي وعميق احترامي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة " (Re: علاء الدين صالح)
|
عثمان محمد صالح: روائي تائه في مدارات القصة القصيرة .. لا أزال أتذكر له قصة "لايكا لصدر حمّاد" وتأثير تلك القصّة عليّ وعلى يومي الاعتيادي بأكمله. له أسلوب مميّز جداً وعين ثاقبة تخترق الشيء إلى ما ورائه. له التحيّة أينما كان وكيفما كان، ولك الشكر أجزله صديقي عادل عبد العاطي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة " (Re: هشام آدم)
|
هشام ادم تحياتي
Quote: عثمان محمد صالح: روائي تائه في مدارات القصة القصيرة .. |
وهو توهان رائع ولكن له توهان ايضا في الكتابة السوسيولوجية وفي الترجمات - ما اسماه الصديق اسامة الخواض يالتجسير الثقافي - وفي مجالات اخرى كثيرة .
Quote: لا أزال أتذكر له قصة "لايكا لصدر حمّاد" وتأثير تلك القصّة عليّ وعلى يومي الاعتيادي بأكمله. له أسلوب مميّز جداً وعين ثاقبة تخترق الشيء إلى ما ورائه. له التحيّة أينما كان وكيفما كان، |
نعم تجعل كتابات عثمان للحياة طعما اخر ولعيوننا قدرة اكبر على استكناه اسرارها .
هو بخير وقد رجع الى المنبر ولكن ضغوط العمل والحياة تشغله عن الكتابة الراتبة وان كان ذهنه مشغول دائما بالناس والابداع .
لك الود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عثمان محمد صالح يكتب عن " شرائح موز مقليـّة " (Re: علاء الدين صالح)
|
الاخ علاء الدين تحياتي
Quote: لم ألتقي بالأديب الرائع عثمان حتى الآن وجهاً لوجه رغم أنه تربطني صداقات وطيدة مع كثير من أقربائه بحُكم أننا ننتمي لنفس المنطقة قمت بالاتصال به أثناء وجوده بأرض الوطن قبل أشهر قليلة مضت حقيقةً أسعدني سفره إلى السودان بعد غيبة دامت لأكثر من عشرين عاماً ففاجأته بمكالمة مسائية طويلة كانت رواية في حد ذاتها حكى لي أنه في تلك اللحظة متمدِّداً فوق سرير وسط الحوش في منزلهم بالقرية كان في لحظة تأمُّل في خلق الله سألته: ما أجمل شيْ أعجبك في لحظات تأمُّلك هذه؟ أجابني: منظر الحشرات وهي مجتمعة حول لمبة الحوش بكل ما أوتيَتْ من فوضى. |
هذا هو عثمان : صوفي مستوحد وأديب ومفكر ملك فوق تطويع اللغة ملكة التأمل والفكر العميق
تعرفت عليه في عطبرة ثم رأيته بعد نيف وعشرين عاما ولم يتغير الا قليلا اذ لا تزال تسكنه نفس الهموم والشجون والاحلام والآمال رغم تعدد التجارب وتراكم المعرفة وتجويد الادوات .
عثمان لم نراه الا كما يُرى السيف في غمده .
له التحية وكل الحب .
| |
|
|
|
|
|
|
|