(*)
تلك الليلة , ليلة (البرد والمطر) , و(الرضيع) في لفافة بيضاء , لم ينسى من وضعه داخلها أن يضع معه بعض إحتياجاته , حمله ومضى عائداً إلى المنزل , وضعه بين يدي أخته , قائلاً : إنتي ربنا ما أداك جنى , ده هديتو ليك , حافظي عليها ..! حملته بين يديها فرحة, جزعة, وقالت : لكن (الحاج) بوافق ..؟؟
(*)
ووافق (الحاج) , وكان أبي , حملت إسمه لثلاثين عاماً, رغم أنه لم يعش لي سوى (عامين) بعد أن جاء بي (صهره) , إلا أنه كان أبي , يوم أن تلقف تلك (القفة) بين يديه , كان ميلادي الحقيقي , أعطوني (إسما) وصرت (طفلهم) , ووحيدهم , غيروا حياتي , وبدلت حياتهم, لم أكن أعلم أن حياتي ستتبدل مرة أخرى , حين أعلم أنني لم أكن سوى (طفل) في (قفة) ألقت به إحداهن على قارعة الطريق ..!!
(*)
كنت أظن ومبلغ علمي عن حياتي , أن مأساتي هي , (أم مريضة) و(شاب) كاد أن يفوته قطار الزواج , ثم كانت قصة حبي القصيرة , أيضاً حينها , ظننت أن معضلتي هي , كيف سأوفق بينها وبين (أمي), وظيفتي جيدة , بيتي لا بأس به , لا أخلو من وسامة , (أمي) فقط هي التي ربماقد تكون سبباً في فشل , زيجتي, لم أكن أدري أن للقدر تصاريفه , وأن ما أظنه , وأراه , ليس كل ما هو حقيقي ليس هو الحقيقة بل حتى أنه ليس (بعض الحقيقة) ..!! (*)
كنت ليلتها قد سهرت حتى الحادية عشر , تعودت أن أنام باكراً , فأمي , تحتاجني صباحاً , حمامها , فنجان قهوتها , صلاتها , تلك الليلة خرجت والليل يكاد ينتصف , وجدت حفلاً بطرف الحي , أظنه زفافاً , (أطفال الشوارع) , (الشماشة) , سمهم ما شئت , ينتظرون بقايا (عشاء) الحفل , رأيتهم من منظار جديد , غير الذي كنت أراهم به قبلها , لم أدخل إلى (سرادق) الحفل , توجهت نحوهم , نحو (الأطفال) , وجلست بينهم ..!!
(*)
جالستهم زهاء الساعة , (الشماشة) , الليلة كنت أرى نفسي أحدهم , حاولت أن أشاركهم (عشاءهم) , تلك الفضلات التي يقبلون عليها بنهم شديد , لفظتها , وأفرغت مافي جوفي , صاروا يحلقون حولي ويضحكون , أضحكتهم عدم مقدرتي على إبتلاع (العشاء) الذي يتصارعون حوله ,
قال أحدهم : (السحسوح ده جنا ولا شنو) .. مايدخل هناك يتعشى ويشوف الجكس ويمشي ينوم , مالو معانا الليلة , عاوز يقاسمنا عضتنا ,
رد أحدهم : والله من جا ما أتكلم قاعد يتفرج فينا كده , ده قايلنا (قرود ) ولا شنو ؟ وأنا بينهم , وجدت نفسي ,
وجدت (أنا) الذي ضل طريقه إلى بيت ظننته بيتي .. أن إبن هذا الشارع , إبن قارعة الطريق ,
إبن تلك (القفة) وتلك اللفافة , إبن تلك الليلة الماطرة ...!!
(*)
سألت عن مأوى اللقطاء , في السودان , وصفوا لي , أن إذهب للمايقوما , إكتشفت كم كنت أناني , كم كنا جميعنا أنانيين , فأنا لم أتساءل عن مأوى هؤلاء , إلا حين علمت أنني منهم , وأنه كان يجب أن يكون بيتي , لولا , ..
ويقيني أنكم جميعاً لن ولم تسألوا عنا , نحن معشر اللقطاء , إلا حين تكتشفون أنكم جميعكم , مثلي , لقطاء..!
|
|