الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 03:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-30-2009, 05:48 PM

محمد عثمان الحاج

تاريخ التسجيل: 02-01-2005
مجموع المشاركات: 3514

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين (Re: محمد عثمان الحاج)

    السبت 10 أبريل 1965

    ظللت أمر بومضات قصيرة من الإنشطار أو حالات واقع غير عادي ضحلة.

    أحد عناصر التجربة الهلوسية مع الفطريات ظل يتردد على تفكيري: الكتلة الرخوة من الثقوب الدبوسية. واصلت تخيلها كشحم أو فقاعة زيت بدأت تجذبني لمركزها. كان الأمر كما لو أن المركز سينفتح ويبتلعني، وللحظات قصيرة جدا مررت بحالة تشبه حالة الواقع الغير عادي. نتيجة لذلك عانيت من لحظات من الضيق الشديد والقلق وعدم الإرتياح وبذلت جهدي لأنهي التجارب حالما تبدأ.

    اليوم ناقشت هذه الحالة مع دون خوان. طلبت منه النصح. بدا أنه غير مهتم بالموضوع وطلب مني تجاهل التجارب لأنه لا معنى لها أو بالأحرى لا قيمة لها. وقال أن التجارب الوحيدة التي تستحق جهدي واهتمامي هي تلك التي أرى فيها غراب وأن أي "رؤيا" أخرى ستكون ناتجة من مخاوفي. وذكرني مرة أخرى أن التعامل مع الدخان يستوجب أن يعيش المرأ حياة قوية وهائة. شخصيا بدا أنني وصلت لعتبة خطيرة. قلت له أنني أشعر بأنني غير قادر على المتابعة فهناك شئ مخيف حقا في الفطريات.

    عند تأمل المشاهد التي تذكرتها من تجربتي الهلوسية وصلت للنتيجة التي لايمكن تجنبها بأنني رأيت العالم بطريقة مختلفة بنيويا عن الرؤية العادية. في حالات الواقع غير العادي الأخرى التي مررت بها فإن الأشكال والنسق التي رأيتها كانت دائما في حدود مفاهيمي البصرية للعالم. لكن الشعور بالرؤيا تحت تأثير خليط الدخان المهلوس لم يكن مماثلا لذلك. كل شئ رأيته كان أمامي في خط رؤية مستقيم ولم يكن هناك شئ فوق أو تحت ذلك الخط البصري.

    كل مشهد كان له تفلطح مزعج، ولكن في نفس الوقت وبصورة مناقضة كان له عمق كبير. ربما كان الأدق هو القول أن المشاهد كانت تجمعات من التفاصيل الدقيقة بدرجة لاتصدق موضوعة داخل مجالات ضوء مختلفة يدور فيها الضوء في المجالات محدثا تأثيرا دورانيا.

    بعد أن بحثت في نفسي وأجهدتها في التذكر أجبرت على أن أقوم بعمل سلسلة من التشبيهات أو المقابلات لكي "أفهم" ما "رأيته". مثلا وجه دون خوان بدا وكأنه مغمور بالماء. بدا أن الماء يتحرك في تدفق دائم فوق وجهه وشعره ونتج عن ذلك تكبير التفاصيل بحيث كنت قادرا على رؤية كل المسامات في جلده أو كل شعرة في رأسه في كل مرة ركزت فيها بصري. من ناحية أخرى رأيت كتل من المادة مسطحة ومليئة بالحواف ولكنها لم تكن تتحرك لأنه لم يكن هناك تذبذبات في الضوء الصادر منها.

    سألت دون خوان عن ماهية هذه الأشياء التي رأيتها. وقال أنه لأن تلك كانت هي المرة الأولى التي أرى فيها كغراب فإن المشاهد لم تكن واضحة وليست مهمة وأنني لاحقا بتكرار التجربة سيمكنني التعرف على كل ما أراه.

    وطرحت عليه موضوع الفروقات التي تبينتها في حركة الضوء. وقل دون خوان :" الأشياء التي هي حية تتحرك دواخلها والغراب يستطيع بسهولة تمييز الشئ الميت أو على وشك الموت لأن الحركة في داخله توقفت أو أخذت تتباطأ في طريقها للتوقف. يستطيع الغراب أيضا أن يميز الشئ الذي يتحرك بسرعة أكبر من اللازم وبنفس الكيفية يستطيع الغراب تمييز الشئ الذي يتحرك بسرعة مناسبة.

    "ماذا يعنيه أن يتحرك الشئ بسرعة أكثر من اللازم أو سرعة مناسبة؟"
    "إن ذلك يعني أن الغراب يستطيع بالفعل تحديد ما هو الشئ الذي يتوجب عليه تجنبه وما هو الشئ الذي يمكن له أن يطلبه. عندما تكون الحركة الداخلية في الشئ أسرع من اللازم فذلك يعني أن الشئ على وشك أن يمتص شيئا بعنف أو أن يقفز للأمام فيقوم الغراب بتجنبه. عندما تكون الحركة الداخلية مناسبة فإن الغراب سيطلب ذلك الشئ".
    "ألا توجد حركة داخلية في الصخور؟"
    "كلا ، ليس الصخور ولا الحيوانات الميتة أو الأشجار الميتة. لكنها جميلة عند النظر إليها. ذلك هو السبب الذي يجعل الغربان تمكث بجوار الجثث. إنها تحب النظر للجثث. لاتوجد أضواء تتحرك في داخلها".

    "لكن عندما يتعفن اللحم ألا يتغير أو يتحرك؟"
    "نعم يتحرك، ولكن تلك حركة مختلفة. ما يراه الغراب حينها هو ملايين الأشياء التي تتحرك داخل اللحم ولها ضوئها الخاص بها وذلك هو ما يحب الغراب رؤيته. ذلك هو حقا منظر لا يمكن نسيانه"
    "هل رأيته أنت يا دون خوان؟"
    "كل إنسان يتعلم كيف يصبح غراب بإمكانه رؤيته. أنت ستراه".

    عند هذه النقطة سألت دون خوان السؤال الذي لا يمكن تجنبه:
    "هل تحولت أنا حقا لغراب؟ أعني إذا رآني شخص آخر هل سيظن أنني غراب عادي؟"
    "كلا. لا يمكنك التكلم بتلك الكيفية عندما تتعامل مع قوة الحلفاء. مثل هذه الأسئلة ليس لها منطق مع ذلك فإن التحول لغراب هو من أسهل الأمور. إنه يكاد يكون مثل المغازلة. إن له فائدة قليلة. مثلما سبق وأن أخبرتك فالدخان ليس لأولئك الذين يبحثون عن القوة. إنه فقط لأولئك الذين يتشوقون لأن يصبحوا من أهل الكشف. أنا تعلمت أن أتحول لغراب لأن هذه الطيور هي الأشد تأثيرا. لا توجد طيور أخرى تقوم بمضايقتها ربما باستثناء الصقور الضخمة الجائعة لكن الغربان تطير في جماعات ويمكنها الدفاع عن بعضها البعض. البشر أيضا لايقومون بإيذاء الغربان وتلك نقطة مهمة. أي إنسان يستطيع تمييز الصقر الكبير خاصة الصقر غير العادي، أو أي طائر آخر غير عادي، ولكن من يهتم بغراب؟ الغراب آمن. حجمه وطبيعته مثاليان. إنه يستطيع الذهاب بأمان لأي مكان دون أن يجتذب الانتباه. من ناحية أخرى من الممكن التحول لأسد أو دب، لكن ذلك خطير. مثل هذا المخلوق حجمه أضخم من اللازم ويتطلب الأمر طاقة كبيرة للتحول إليه. يستطيع الإنسان أيضا أن يتحول إلى جندب أو سحلية أو حتى نملة لكن ذلك أشد خطورة لأن الحيوانات الضخمة تفترس المخلوقات الصغيرة".

    تجادلت معه قائلا أن ما صرح به يعني أن الإنسان تحول فعلا إلى غراب أو جندب أو أي شئ آخر. لكنه أكد أنني أسئ الفهم.

    قال لي: "يتطلب الأمر وقتا طويلا جدا للتحول لغراب صحيح. لكنك لم تتغير ولم تكف عن أن تكون إنسان. هناك شئ آخر".
    "هل يمكن أن تخبرني ما هو ذلك الشئ الأخر يا دون خوان؟"

    "ربما أنت تعرفه الآن بنفسك. ربما لو لم تكن شديد الخوف من فقدان عقلك أو فقدان جسدك لكنت فهمت هذا السر العجيب. لكن ربما يتعين عيك الانتظار إلى أن تتخلص من الخوف لكي تفهم ما أعنيه"

    الحدث الأخير الذي سجلته في كراسة ملاحظاتي الحقلية حدث في سبتمبر 1965. كان ذلك هو خاتمة تعاليم دون خوان ( لكن المؤلف واصل بعد فترة انقطاع ـ المترجم) وسميت أنا ذلك الحدث "حالة خاصة من حالات الواقع غير العادي" لأنها لم تكن ناتجة عن أي من النباتات التي سبق لي استخدامها. وبدا لي أن دون خوان قد تسبب فيها عن طريق التلاعب بالعديد من الإشارات الدالة عليه هو، أي أنه قد سلك سلوكا أمامي بطريقة ماهرة بحيث أنه خلق الانطباع الواضح والمستمر بأنه ليس هو نفسه بل شخص آخر يتظاهر بأنه هو. بسبب ذلك عانيت شعورا قويا بالأزمة: أردت أن أصدق أنه دون خوان مع ذلك لم أستطع التأكد من ذلك، وكانت محصلة الأزمة رعب واعي، رعب شديد بحيث أثر على صحتي لعدة أسابيع. لاحقا فكرت أنه كان من العقل أن أنهي تلمذتي حينها. لم أشارك في التعلم منذ ذلك الحين لكن دون خوان لم يتوقف عن اعتباري تلميذ له. لقد اعتبر انسحابي مجرد فترة ضرورية للتوقف للتأمل أي أنه خطوة أخرى في طريق التعلم ربما تستمر لمدة غير محددة. لكنه منذ ذلك الحين لم يقدم لي المزيد من معرفته.

    كتبت تفاصيل تجربتي الأخيرة ربما بعد شهر من حدوثها رغم أنني كتبت ملاحظات مفصلة عن نقاطها الهامة في اليوم التالي أثناء ساعات توتر عاطفي هائل سبق قمة الرعب التي مررت بها.

    الجمعة 29 أكتوبر 1965

    يوم الخميس 30 سبتمبر 1965 ذهبت لأقابل دون خوان. كانت حالات الواقع غير العادي الضحلة قصيرة المدة تنتابني باستمرار رغم محاولاتي المصرة لإنهائها أو تجاهلها مثلما اقترح دون خوان. شرحت أن حالتي أخذت تزداد سوءا لأن مدة تلك الحالات أخذت في الازدياد. أصبحت أحس إحساسا شديدا بضوضاء الطائرات. كانت ضوضاء محركاتها عندما تمر فوقي تسيطر على انتباهي وتتملكه لدرجة أحس فيها أنني أتبع الطائرة وكأنني راكب فيها أو طائر معها. كان هذا الإحساس مثيرا للضيق بدرجة كبيرة. كانت عدم قدرتي على التخلص منه تثير في نفسي قلقا عميقا.

    بعد أن استمع دون خوان باهتمام لجميع التفاصيل استنتج بأنني أعاني من فقدان نفسي. قلت له أنني ظللت أعاني من هذه الهلوسات منذ الوقت الذي دخنت فيه الفطريات لكنه أصر على أنها تطور جديد. قال أنني سابقا كنت خائفا ولذلك فقط حلمت "أحلاما غير منطقية" لكنني الآن حقيقة مسحور. البرهان هو ان صوت الطائرات العابرة فوقي يمكنه أن يحملني بعيدا. قال أنه عادة فإن صوت جدول أو نهر يمكنه أن يأسر الشخص المسحور الذي فقد نفسه ويحمله بعيدا لموته. ثم طلب مني أن أسرد له جميع نشاطاتي خلال المدة السابقة لمعاناتي من تلك الهلوسات. قمت بسرد جميع النشاطات التي تذكرتها ومن سردي استنتج المكاني الذي فقدت فيه نفسي.

    بدا أن دون خوان في حالة انشغال شديد جدا وهي حالة غير عادية بالنسبة له. تسبب ذلك بصورة طبيعية في زيادة ضيقي. لم يكن له فكرة محددة عن ماهية ما تسبب في أسر نفسي ولكن مهما كانت فقد كان القصد منه هو قتلي أو إصابتي بمرض شديد. ثم قام بإعطائي تعليمات دقيقة جدا عن "وضعية قتالية" وهي وضعية جسمية معينة أضع فيها نفسي أثناء بقائي في بقعة الأرض الصديقة لي. كان يتوجب علي الاستمرار في هذه الوضعية التي أطلق عليها دون خوان "وضعية قتالية".

    سألته ما هو المقصود بذلك ومن الذي سأقوم بمقاتلته. أجاب بأنه ذاهب ليرى من هو الذي أخذ نفسي ومعرفة ما إذا كان بالإمكان استردادها وحتى عودته يتوجب علي البقاء في الوضعية القتالية. وقال أن الوضعية القتالية هي فقط مجرد احتياط لحالة أن يحدث شئ أثناء غيابه وأنه يتوجب اتخاذها فيما لو تعرضت للهجوم. كانت تشتمل على صفق كفي على باطن ساقي وفخذي الأيمن وضرب الأرض بقدمي الأيسر بطريقة رقص يتوجب علي القيام بها أثناء مواجهتي للمهاجم.

    وحذرني من أن هذه الوضعية لا يجب اتخاذها إلا في حالات التأزم الشديد، وأنه طالما لم يكن هناك خطر في مدى البصر فما علي سوى الجلوس متربعا على بقعتي الصديقة. وقال أنه في حالات الخطر الشديد جدا يمكنني أن ألجأ لإجراء دفاعي أخير: قذف العدو بشئ. قال لي أنه في العادة يقوم الإنسان بقذف شئ مشحون بالقوة الروحانية ولكن بما أنني لم أكن أملك شيئا كهذا فيتوجب علي استخدام أي حجر حجمه يملأ قبضة يدي اليمنى. حجر يمكنني إمساكه عن طريق ضغطه على كفي بإبهامي. قال إن مثل تلك التقنية لا يجب استعمالها إلا إذا تأكد الإنسان أنه معرض لفقدان حياته. وقال أن قذف الشئ يجب أن تصاحبه صيحة قتالية: صرخة لها قدرة أن تقود الحجر لهدفه. وشدد على أنني يجب أن أكون حريص ومتأمل فيما يخص الصيحة وأنني يجب ألا استعملها جزافا بل تحت ظروف شديدة الجدية.

    سالته ماذا يعني بظروف شديدة الجدية وقال أن الصيحة القتالية أو الصرخة هي شئ يبقى مع الإنسان طيلة عمره ولذلك يتوجب أن تكون جيدة منذ البداية وأن الطريقة الوحيدة لأدائها بصورة صحيحة هي إبعاد الخوف الطبيعي في نفس الإنسن والتسرع إلى أن يمتلئ الإنسان تماما بالقوة الروحانية وعندها ستنفجر الصرخة مشحونة بالاتجاه وبالقوة. قال أن تلك هي ظروف الجدية اللازمة لإطلاق الصيحة.

    سألته عن القوة التي يفترض أن تملأ الإنسان قبل أن يطلق الصيحة. قال ان ذلك هو شئ يسري في الجسد آتيا من الأرض التي يقف عليها الإنسان، إنه نوع من القوة ينبعث من البقعة الصديقة ذلك هو وصفه الدقيق. إنها قوة تجذب الصيحة للخارج. إذا تم التعامل مع تلك القوة بصورة صحيحة فإن الصيحة القتالية ستكون مثالية.

    سألته مرة أخرى عما إذا كان يظن أن شيئا سيحدث لي. قال أنه لا يعلم شيئا عن ذلك ونصحني بصورة درامية أن أظل ملتصقا ببقعتي طالما كان الموقف يتطلب ذلك لأن تلك هي الحماية الوحيدة المتاحة لي ضد أي شئ يحدث.



    بدأت أشعر بالرعب وطلبت منه أن يكون أكثر تحديدا. قال أن كل ما يعرفه هو أنني يجب ألا أتحرك تحت أي ظرف من الظروف وأنني يجب ألا أدخل المنزل أو غابة الشجيرات المحيطة به، وفوق كل ذلك يتوجب علي ألا أتلفظ بأي كلمة حتى لو كانت موجهة له. وقال أنني يمكن أن أغني أغاني مسكاليتو الخاصة بي إذا شعرت بالفزع الشديد جدا ثم قال أنني أعرف ما يكفي عن هذه الأمور بحيث أن الأمر لا يتطلب تحذيري مثل طفل صغير عن أهمية تنفيذ كل شئ بطريقة صحيحة.

    تسببت نصائحه في حالة من الضيق الشديد بالنسبة لي. كنت متأكدا أنه يتوقع حدوث شئ. سألته لماذا أوصاني بان أغني أغاني مسكاليتو الخاصة بي وما هو الشئ الذي يعتقد أنه سيخيفني. وضحك وقال أنني ربما ساخاف من البقاء وحيدا. ودخل المنزل وأغلق الباب خلفه. نظرت لساعتي فكانت تشير للسابعة مساء. جلست في هدوء لمدة طويلة. لم يكن هناك أي صوت يأتي من غرفة دون خوان. كان كل شئ هادئ. كانت الريح تهب بقوة ففكرت في ان أجري نحو سيارتي وأحضر معطفي لكنني لم أجرؤ على مخالفة نصيحة دون خوان. لم أكن نعسان بل كنت مرهق وجعلت الريح الباردة الراحة شيئا مستحيلا بالنسبة لي.

    بعد أربعة ساعات سمعت صوت دون خوان يسير حول المنزل. فكرت أنه ربما خرج من الباب الخلفي لكي يقضي حااجته في الخلاء. ثم ناداني بصوت مرتفع:" ياولد! يا ولد! أنا أحتاجك هنا".

    كدت أهرع إليه. كان الصوت هو صوته لكن اللهجة كانت مختلفة وكذلك الكلمات لم تكن كلماته المعتادة. لم يسبق لدون خوان أبدا أن ناداني قائلا "ياولد". لذلك بقيت في مكاني. سرت القشعريرة في ظهري. وبدأ يصيح مرة أخرى مستعملا نفس العبارة أو مايشابهها.

    سمعته يسير داخل الجانب الخلفي من منزله. وتعثر فوق كومة عيدان وكأنه لم يكن يعلم أنها موجودة في موضعها ذاك. وأتى للبرندة وجلس قرب الباب وظهره إلى الحائط. بدا أن جسمه أثقل من المعتاد. لم تكن حركاته بطيئة أو مرتبكة فقط كانت أثقل من المعتاد. وتهالك على الأرض بدلا من الإنزلاق برشاقة مثلما اعتاد، كما أنه لم يجلس على بقعته الصديقة في حين أن دون خوان لا يمكن أبدا أن يجلس في أي مكان سواها.

    ثم تكلم معي مرة أخرى وسألني لماذا أرفض المجئ إليه في حين أنه يحتاج لي. تكلم بصوت مرتفع. لم أرد أن أنظر إليه لكنني شعرت برغبة جامحة في أن أراقبه. بدأ يهتز بصورة خفيفة من جانب لآخر. غيرت أنا وضعيتي واتخذت وضعية القتال التي علمني إياها واستدرت لأواجهه. كانت عضلاتي متصلبة ومتوترة بصورة غريبة. لا أدري ما الذي دفعني لاتخاذ وضعية القتال ولكن ربما كان ذلك بسبب أنني اعتقدت أن دون خوان يحاول متعمدا إخافتي عن طريق خلق الانطباع بأن الشخص الذي رأيته ليس هو. شعرت أنه حريص جدا على القيام بأفعال لا يقوم بها في العادة لكي يثير الشك في عقلي. كنت خائفا ولكنني في نفس الوقت كنت أحس أنني متسامي عن كل ذلك لأنني كنت في الواقع أنظر حولي وأحلل كل سلسلة الأحداث تلك.

    عند تلك النقطة نهض دون خوان. كانت حركاته غير مألوفة على الإطلاق. وضع ذراعيه أمام جسمه ثم دفع بهما نفسه للأعلى رافعا نصفه الخلفي أولا ثم أمسك بالباب وأقام لنصف الأعلى من جسمه. شعرت بالدهشة للدرجة التي كنت ألفت بها حركاته المعتادة وحفظتها وكيف أنه خلق في نفسي شعورا رهيبا عن طريق جعلي أرى دون خوان لا يتحرك بالطريقة التي يتحرك بها دون خوان.

    وخطا خطوتين في اتجاهي. كان يمسك بالجزء الأسفل من ظهره بكلتا يديه وكأنه يحاول الوقوف باستقامة أو كأنه يعاني من ألم. وتأوه وتنفس بصوت عال وكأن أنفه مسدود. وقال أنه سيأخذني معه وأمرني بالنهوض ومتابعته. ومشى نحو الجانب الغربي من المنزل. وغيرت وضعيتي لكي أواجهه، واستدار وواجهني. لم أتحرك من بقعتي الصديقة فقد كنت وكأنني ملصق فيها بالغراء.

    وصاح دون خوان :"ياولد! لقد أمرتك أن تتبعني. إن لم تأت فسوف أجرك جرا!".

    وسار نحوي. وبدأت أضرب بطن ساقي وفخذي وأرقص سريعا. ووصل لحافة البرندة أمامي و كاد أن يلمسني. وباهتياج جهزت جسمي لاتخاذ وضعية قذف الحجر لكنه غير اتجاهه وتحرك مبتعدا عني ودخل غابة الشجيرات على يساري. أثناء ابتعاده في لحظة من اللحظات استدار نحوي فجأة لكنني كنت أواجهه.

    واختفى عن نظري. واصلت في الاحتفاظ بوضعية القتال لمدة قصيرة بعدها ولكن حيث أنني لم أره بعدها فقد عدت للجلوس متربعا وظهري للصخرة. لكنني كنت حينها في حالة رعب شديد فعلا. أردت الركض هاربا بعيدا لكن حتى تلك الفكرة أفزعتني أكثر. شعرت أنني كنت سأكون تحت رحمته إذا أمسك بي وأنا في طريقي لسيارتي. بدأت أغني أغاني البيوتي التي كنت أحفظها. بصورة ما شعرت أنها مهمة حينها. كانت مجرد مهدئات لكنها نجحت فعلا في جعلي استرخى. وكررت الغناء المرة تلو المرة.

    في حوالي الساعة 2:45 سمعت صوتا داخل المنزل. على الفور غيرت وضعيتي. تم فتح الباب بعنف وخرج منه دون خوان. كان يلهث ويمسك بحنجرته. وانحنى أمامي وتأوه. وطلب مني بصوت عال متهدج أن آتي وأساعده. ثم صرخ مرة أخرى آمرا إياي أن أحضر وأساعده. وصدرت منه أصوات غرغرة. توسل لي أن آتي لأساعاده لأن هناك شئ يخنقه. وزحف نحوي علي يديه ورجليه حتى أصبح على بعد نحو أربعة خطوات مني. ومد يديه نحوي وقال :"تعال هنا!" ثم نهض. كانت ذرعية ممدوتين نحوي. بدا وكأنه متأهب للإمساك بي. وضربت الأرض بقدمي وضربت باطن ساقي وفخذي. كنت في حالة يرثى لها من الرعب.

    وتوقف وسار نحو جانب المنزل ومن ثم إلى غابة الشجيرات. وغيرت وضعيتي لكي أواجهه. ثم جلست مرة أخرى. لم أرد الاستمرار في الغناء. بدا أن طاقتي أخذت في التضاؤل كان جسمي بكامله يؤلمني وكانت كل عضلاتي متصلبة ومتشنجة بدرجة مؤلمة. لم أدر بأي شئ أفكر. لم أستطع أن أقرر هل أغضب على دون خوان أم لا. فكرت في أن أقفز وأفر منه لكنني كنت متأكدا أنه كان سيمسك بي وكأنني خنفسة. شعرت حقا بالرغبة في البكاء. شعرت بيأس شديد. فكرة أن دون خوان بذل كل هذا الجهد ليخيفني جعلتني أحس بالرغبة في البكاء. لم أستطع إيجاد سبب يفسر هذا العرض الهائل الذي قام به أمامي، كانت حركاته متقنة بدرجة أربكتني. لم يكن الأمر هو أنه كان يحاول أن يتحرك بالطريقة التي تتحرك بها إمرأة بل كان الأمر يبدو كما لو أنها إمرأة تحاول أن تقلد دون خوان. أتاني الإنطباع أنها كانت تحاول بجهد أن تقلد طريقة دون خوان الوقورة في التحرك لكنها كانت أثقل في حركاتها وليس لها خفة دون خوان. الشخص الذي كان أمامي كائنا ما كان خلق في نفسي الانطباع بأنه إمرأة أصغر سنا من دون خوان تحاول أن تقلد الحركات البطيئة الخاصة برجل عجوز.

    هذه الأفكار ألقت بي في حالة فزع. بدأ جندب في إصدار صوت عال بجواري. لاحظت غنى صوته وتخيلت كيف سيكون فيما لوكان صوته غليظا. وبدأ صوت الجندب يضمحل. فجأة ارتعد جسمي بكامله. واتخذت وضعية القتال مرة أخرى وواجهت الاتجاه الذي أتى منه صوت الجندب. بدأ الصوت في أخذي مرة أخرى، بدأ في أسري قبل أن ألاحظ أنه تقليد لصوت جندب. اقترب الصوت مرة أخرى وأصبح عاليا بصورة مرعبة. فجأة توقف صوت الجندب. وجلست مرة أخرى فورا لكنني واصلت الغناء. بعد لحظة لا حظت شكل رجل يجري في اتجاهي من ناحية معاكسة لتلك التي كان صوت الجندب يأتي منها. وضربت باطن ساقي وفخذي وضربت الأرض بقدمي بقوة واهتياج. ومر الشكل بجانبي بسرعة شديدة وكاد أن يمسني. بدا أنه كلب. وشعرت برعب شديد بحيث تخدرت. لا أتذكر ماذا شعرت به أو فكرت به بعد ذلك.

    كان ندى الصباح منعشا. شعرت أنني أحسن حالا. مهما كانت تلك الظاهرة فقد بدا انها انسحبت. كانت الساعة هي الخامسة صباحا عندما فتح دون خوان الباب بهدوء وخرج. ومد ذراعيه وتثائب ونظر لي. وسار خطوتين في اتجاهي وهو مستمر في التثاؤب. رأيت عينيه خلف جفنين نصف مغلقين. قفزت للأعلى فقد عرفت أن الشخص الذي هو أمامي ليس دون خوان.

    التقطت صخرة صغيرة حادة الحواف من الأرض. كانت قريبة من يدي اليمنى. لم أنظر للصخرة بل أمسكت بها فقط عن طريق ضغطها بين ابهمي وكفي. واتخذت الوضعية التي علمني إياها دون خوان. شعرت بقوة غريبة تملأ جسمي خلال ثوان قليلة. ثم صرخت وقذفت الصخرة نحوه. فكرت أن صرختي كانت رائعة. في تلك اللحظة لم أهتم بما إذا كنت سأعيش أو سأموت. شعرت أن الصرخة كانت هائلة في قوتها وقدرتها على التأثير. كانت حادة وطويلة وقد ساعدتني حقا في توجيه قذيفتي بدقة. واهتز الشكل الواقف أمامي وصرخ وترنح متجها نحو جانب المنزل ومن ثم لغابة الشجيرات مرة أخرى.

    تطلب الأمر مني عدة ساعات لكي أهدأ مرة أخرى. لم أعد قادرا على الجلوس ووواصلت تحريك قدمي بطريقة الركض دون تحرك وكنت أتنفس من فمي لكي أحصل على المزيد من الهواء.

    في حوالي الحادية عشرة صباحا خرج دون خوان مرة أخرى. كنت على وشك القفز ولكنني سرعان ما تبينت أن الحركات هي حركاته المعتادة. ذهب مباشرة لبقعته الصديقة وجلس بطريقته المعتادة المألوفة. نظر لي وابتسم. كان ذلك هو حقا دون خوان! ذهبت إليه وبدلا من أن أكون غاضبا قبلت يده. حينها كنت أعتقد جازما أن ما حدث لم يكن تمثيلية قام بها لإحداث تأثير درامي بل أن شخصا آخر قام بتقليده لكي يسبب لي الأذى أو يقتلني.

    بدأ الحديث بيننا بتخمين عن من هي المرأة المزعوم أنها أخذت نفسي. ثم طلب مني دون خوان أن أحكي له كل تفاصيل التجربة.

    سردت جميع تفاصيل التجربة بتمهل وتركيز. كان يضحك طول الوقت وكأن الأمر كان نكتة. عندما انتهيت قال لي:" لقد أبليت حسنا. لقد فزت بالمعركة لاسترداد نفسك. لكن هذا الأمر أشد جدية عما ظننت. لم تكن حياتك تسوى شيئا الليلة الماضية. من حسن الحظ انك تعلمت شيئا في الماضي. مالم تكن قد حزت القليل من التدريب لكنت الآن ميتا لأن الشئ الذي رأيته الليلة الماضية كان يهدف حقا لقتلك".

    "كيف يمكن لها أن تتشكل بصورتك يا دون خوان؟"
    " الأمر بسيط جدا فهي ديابليرا ولها معاون جيد في الجانب الآخر. لكنها لم تتقن تقليدي وتبينت أنت خدعتها".
    "هل المساعد في الجانب الآخر هو نفسه الحليف؟"
    "كلا، المساعد هو معاون الديابليرو. المساعد هو روح تعيش في الجانب الآخر من العالم وتساعد الديابليرو في تسبيب المرض والألم. إنها تساعده في القتل".

    "هل يمكن أن يكون للديابليرو حليف يا دون خوان؟"
    "الديابليرو هم في الواقع من لديهم حلفاء، لكن قبل أن يتمكن الديابليرو من تأليف حليف فإنه في العادة يتخذ مساعد ليساعده في مهماته".

    "ماذا عن المرأة التي تصورت بصورتك يا دون خوان، هل لديها مساعد وليس حليف؟"
    "لا أدري هل لديها حليف أم لا. بعض الناس لا يحبون قوة الحليف و يفضلون المساعد. تأليف الحليف عمل صعب. الأسهل هو الحصول على حليف في الجانب الآخر".
    "هل تظن أن بإمكاني الحصول على مساعد؟"
    "لكي تعرف ذلك يتوجب عليك تعلم الكثير فوق ما تعلمته. نحن الآن عدنا مرة أخرى للبداية وكأنه نفس اليوم الذي قابلتني فيه المرة الأولي وطلبت مني أن أحدثك عن مسكاليتو ولم أستطع أنا لأنك ما كنت ستفهمني. الجانب الآخر هو عالم الديابليرو. أعتقد أن الشئ الأفضل هو أن أخبرك بشعوري بنفس الكيفية التي أخبرني بها أستاذي بشعوره. كان هو ديابليرو ومحارب كانت روحه تميل نحو قوة العالم وعنفه. لكنني لست هذا ولا ذاك. تلك هي طبيعتي. لقد رأيت عالمي منذ البداية. بالنسبة لجعلك ترى عالم أستاذي لا أستطيع فعل شئ سوى أن أضعك أمام الباب وسيتوجب عليك أن تقرر بنفسك. سيتوجب عليك أن تتعلم عنه بجهدك الخاص. يجب أن اعترف الآن أنني ارتكبت خطأ. أرى الآن أن الطريقة المثلى للبدء كانت هي التي اتبعتها أنا. عندها سيكون من السهل رؤية كيف أن الفرق بسيط وهائل في الوقت نفسه. الديابليرو هو الديابليرو والمحارب هو المحارب. أو الرجل الذي يقاطع مسارات الحياة هو كل شئ. أنا اليوم لست محاربا ولا ديابليرو. بالنسبة لي لا يوجد سوى السلوك في الطرق ذات القلب. عليها أسافر والتحدي الوحيد الذي يستحق الجهد بالنسبة لي هو السير عبر الطريق حتى نهايته. وهكذا فأنا استمر في السير وأنظر وأستمر في السير وأنظر وأنا ألهث".

    وتوقف عن الكلام. عكس وجهه حالة مزاجية غريبة فقد بدا أنه جاد بصورة غير عادية. لم أدر ماذا أسال أو أقول. وواصل الكلام:
    " الشئ المهم تعلمه هو كيفية الوصول للشق الموصل بين العالمين وكيفية دخول العالم الآخر. هناك شق يوصل بين العالمين، عالم الديابليرو وعالم البشر الأحياء. هناك مكان يتداخل فيه العالمان. الشق موجود في ذلك المكان. إنه يفتح ويغلق مثل باب أمام الريح. لكي يصل الإنسان إلى هناك فعليه أن يستعمل قوة إرادته. يجب عليه أن يكون في نفسه رغبة هائلة في ذلك العالم، توجه بكامل ذات اإنسان. ولكن يتوجب عليه أن يفعل ذلك بدون مساعدة من أي قوة أو من أي إنسان. يجب على الأنسان أن يرغب وأن يتأمل إلى أن تأتي اللحظة التي يصبح فيها جسمه قادرا على القيام بالرحلة. تلك اللحظة علامتها حدوت رعشة مستمرة في الأطراف وقئ شديد. عادة يعجز الإنسان عن الأكل والنوم ويهزل جسمه. عندما تكف التشنجات عن التوقف فذلك يعني أن الأنسان جاهز للسير وعندها يظهر الشق الواصل بين العالمين أمام عينيه مثل باب هائل، شق ممتد للأعلى والأسفل. عندما يفتح الشق يتوجب على الإنسان أن ينزلق عبره. من الصعب رؤية الجانب الآخر من الحدود. إنه عاصف مثل عاصفة رملية. الريح تعصف وتدور فيه. حينها يتوجب على الإنسان أن يسير في أي اتجاه شاء. قد تطول الرحلة أو تقصر اعتماد على مدى قوة إرادته. الرجل القوي الإرادة تكون رحلته قصيرة. الرجل الضعيف المهتز القرار يسير طويلا وتكون رحلته مليئة بالمهالك. بعد تلك الرحلة يصل الإنسان لما يشبه الهضبة. من الممكن تبين بعض ملامحها بوضوح. أنها سهل مرتفع عن الأرض. من الممكن التعرف عليه بواسطة الريح التي تصبح هناك أشد عنفا ضاربة بسياطها ودائرة في المكان. في قمة تلك الهضبة يوجد المدخل للعالم الآخر. وهناك يوجد جلد يفصل بين العالمين. الموتى يعبرونه بهدوء أما نحن فيتوجب علينا تحطيمه بصيحة. تجمع الريح قوتها، نفس الريح الهائجة التي تهب على الهضبة. وعندما تجمع الريح ما يكفي من القوة فيجب أن يكون الرجل أيضا صلبا لأنه يتوجب عليه أن يحارب الريح. كل ما يحتاجه هو دفعة لطيفة فهو لايريد أن يتم دفعه لنهاية العالم الآخر. حالما يدخل الإنسان للجانب الآخر فيتوجب عليه التجول فيه. حظه الحسن سيكون هو العثور على مساعد في منطقة قريبة وليست بعيدة من المدخل. يتوجب على الإنسان عندها أن يطلب منه المساعدة. يتوجب عليه أن يطلب بكلامه هو من المساعد أن يعلمه ويجعل منه ديابليرو. عندما يوافق المساعد فإنه يقوم بقتل الإنسان في موضعه ذلك ومن ثم يقوم بتعليمه أثناء موته. عندما تقوم بهذه الرحلة ربما تجد ديابليرو عظيم في المساعد الذي يقوم بقتلك وتعليمك. لكن معظم الأحيان لا يلاقي الإنسان سوى بروهو صغير ليس لديه سوى القليل جدا ليعلمه. ولكن لا أنت ولا هو له القدرة على الرفض. أفضل شئ هو العثور على مساعد ذكر لئلا يصبح الإنسان فريسة لديابليرا تجعل الإنسان يعاني بدرجة لا يمكن تصديقها. النساء دائما هن كذلك. لكن ذلك يعتمد على الحظ وحده ما لم يكن أستاذ الإنسان هو ديابليرو عظيم وفي تلك الحالة سيكون له العديد من المساعدين في العالم الآخر ويستطيع أن يوجه الإنسان ليرى مساعد معين. كان أستاذي هو أحد هؤلاء وقد وجهني لكي أقابل مساعده الروحاني. بعد عودتك لن تكون نفس الشخص. ستكون ملزما بالعودة لمساعدك عدة مرات. وستكون ملزما بالتجول أبعد وأبعد من المدخل إلى أن تبتعد ذات يوم عن المدخل بحيث لن يكون بوسعك العودة. بعض الأحيان يستطيع الديابليرو أن يمسك بنفس ويدفع بها عبر الشق ويتركها بحوزة مساعده إلى أن يقوم بسرقة كل قوة إرادة الإنسان. لكن في حالات أخرى كحالتك هذه فإن النفس تنتمي لإنسان قوي الأرادة ويتوجب على الديابليرو الاحتفاظ بها في جرابه لأنه من الصعب حملها بأي طريقة أخرى. في مثل تلك الحالات مثلما حدث معك يمكن أن تحل المسألة بالقتال، قتال إما أن يفوز فيه الديابليرو بكل شئ أو يخسر كل شئ. هذه المرة هي خسرت المعركة واضطرت لإطلاق سراح نفسك. لو فازت كانت ستأخذها لمساعدها ليحتفظ بها لديه".
    "لكن كيف فزت أنا؟"

    "لم تغادر بقعتك الصديقة. لو كنت تحركت بوصة واحدة بعيدا عنها لكنت هلكت. لقد اختارت فترة غيابي على أساس أنها أفضل وقت للهجوم وقد نفذت هجومها جيدا. لقد فشلت لأنها لم تأخذ طبيعتك العنيفة في الحسبان ولأنك لم تغادر بقعتك والتي أنت لايمكن هزيمتك فوقها".
    "كيف كانت ستقتلني لو تحركت؟"
    "كانت ستضربك مثل صاعقة. لكن فوق كل شئ كانت حينها ستحتفظ بروحك وعندها كنت ستذبل وتموت".
    "ماذا سيحدث الآن يا دون خوان؟"
    "لاشئ. لقد فزت واستعدت نفسك. كانت معركة جيدة. لقد تعلمت الكثير الليلة الماضية".

    بعد ذلك بدأنا البحث عن الصخرة التي قمت بقذفها. قال أننا لو عثرنا عليها فسنكون متأكدين تماما أن الهجوم قد انتهى. بحثنا لمدة ثلاثة ساعات تقريبا. كان لدي إحساس أنني سأتعرف عليها لو رأيتها لكنني لم أستطع ذلك".

    نفس ذلك اليوم في وقت مبكر من المساء أخذني دون خوان للتلال المحيطة بمنزله. هناك أعطاني توجيهات طويلة ومفصلة عن طرق قتالية محددة. في لحظة عندما كنت أقوم بتكرار خطوات معينة وجدت نفسي وحيدا. كنت قد ركضت أعلى منحدر وأخذت ألهث. كنت أتصبب عرقا وفي الوقت نفسه كنت أشعر بالبرد الشديد. ناديت دون خوان عدة مرات لكنه لم يرد وبدأت أشعر بضيق غريب. سمعت صوت حفيف في الشجيرات وكأنما هناك من هو قادم نحوي. أنصت بانتباه لكن الصوت توقف. ثم انبعث مرة أخرى بدرجة أعلى وأقرب. حينها شعرت أن أحداث الليلة الماضية ستتكرر. خلال ثوان قليلة تنامى فزعي لدرجة هائلة. اقترب الحفيف في الشجيرات أكثر ووهنت قوتي. أردت أن أصرخ أو أهرب أو يغمى علي. وتهالكت ركبتاي وسقطت على الأرض متأوها. لم أستطع حتى إغلاق عيني. بعد ذلك لم أتذكر سوى أن دون خوان أشعل نارا وقام بتدليك عضلات ذراعي وساقي المتصلبة.

    بقيت في حالة ضيق عظيم لعدة ساعات. لاحقا شرح دون خوان أن ردة فعلي غير المتزنة على أنها شئ شائع. قلت له أنني لا أستطيع أن أجد السبب الذي جعلني أفزع بتلك الدرجة فقال أن ذلك لم يكن هو الخوف من الموت بل الخوف من فقدان نفسي وهو خوف شائع لدى الرجال الذين ليس لهم مشيئة لا تقهر.

    كانت تلك التجربة هي آخر تعاليم دون خوان. منذ ذلك الحين تجنبت أن آخذ المزيد من الدروس. ورغم أن دون خوان لم يغير من توجهه الأستاذي نحوي فإنني أظن أنني انهزمت أمام عدو العارفين الأول.

    =========
    بقية هذا الكتاب عبارة عن تحليل أنثروبولوجي ليس له أهمية من الناحية الروحانية لذلك سنواصل هذه الرحلة لاحقا إنشاء الله مع كاستانيدا وطريق التولتيك والجزء التالي سيكون عن تصفية التفس وتهذيبهاتقنيات الترقية الروحية للوصول لحالات المشاهدة ودخول العوالم الاخرى والتي يمكن لأي إنسان أن يمارسها، وفي حين أن دون خوان استعمل النباتات المهلوسة مع المؤلف عند هذه المرحلة ففي المراحل اللاحقة يؤكد له أنها لا تستعمل عادة إلا مع الأشخاص البعيدين جدا عن الروحانية وأن ضرر تلك النباتات شديد .

    (عدل بواسطة محمد عثمان الحاج on 07-30-2009, 05:50 PM)

                  

العنوان الكاتب Date
الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-07-09, 05:53 PM
  Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-07-09, 05:54 PM
    Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-07-09, 05:56 PM
      Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-07-09, 05:57 PM
        Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-07-09, 06:00 PM
          Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين HAIDER ALZAIN05-08-09, 06:47 AM
            Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين عماد موسى محمد05-08-09, 07:15 AM
              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-08-09, 01:44 PM
                Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-08-09, 01:48 PM
                  Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين Elkhawad05-08-09, 02:17 PM
                    Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-09-09, 05:09 PM
                      Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-23-09, 05:14 PM
                        Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-28-09, 05:35 PM
                          Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-28-09, 05:36 PM
                            Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-29-09, 07:03 PM
                              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين ALazhary205-29-09, 07:06 PM
                              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-29-09, 07:08 PM
                                Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-29-09, 07:12 PM
                                  Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-31-09, 05:56 PM
                                    Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-31-09, 06:01 PM
                                      Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-31-09, 06:03 PM
                                        Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج05-31-09, 06:07 PM
                                          Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-04-09, 07:03 PM
                                            Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-04-09, 07:05 PM
                                              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-04-09, 07:07 PM
                                                Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-06-09, 07:00 PM
                                                  Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-12-09, 03:42 PM
                                                    Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-13-09, 05:12 PM
                                                      Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-13-09, 05:15 PM
                                                        Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-18-09, 05:01 PM
                                                          Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-19-09, 06:58 PM
                                                            Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج06-25-09, 04:27 PM
                                                              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج07-02-09, 04:57 PM
                                                                Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج07-03-09, 04:16 PM
                                                                  Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج07-10-09, 03:09 PM
                                                                    Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج07-14-09, 04:11 PM
                                                                      Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج07-16-09, 06:43 PM
                                                                        Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج07-24-09, 05:23 PM
                                                                          Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج07-30-09, 05:48 PM
                                                                            Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-06-09, 06:25 PM
                                                                              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين Elkhawad08-12-09, 00:01 AM
                                                                                Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-14-09, 12:29 PM
                                                                                  Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-20-09, 07:05 PM
                                                                                    Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-23-09, 04:45 PM
                                                                                      Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-24-09, 06:06 PM
                                                                                        Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-25-09, 05:36 PM
                                                                                          Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-27-09, 06:58 PM
                                                                                            Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محجوب البيلي08-27-09, 08:21 PM
                                                                                              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين Elkhawad08-27-09, 09:04 PM
                                                                                                Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-29-09, 08:20 PM
                                                                                                  Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-29-09, 08:27 PM
                                                                                                    Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-29-09, 08:31 PM
                                                                                                      Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين Sinnary08-29-09, 10:14 PM
                                                                                                        Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج08-30-09, 06:48 PM
                                                                                                          Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج09-03-09, 06:58 PM
                                                                                                            Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج11-01-09, 07:58 PM
                                                                                                              Re: الطريق الصوفي عند حكماء الهنود الحمر المكسيكيين محمد عثمان الحاج12-25-09, 05:24 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de