آماليــا .. عادل عبد العاطي ....ياسمينةُ في سجادةِ الرقصِ

Quote: ابنتي أماليا هي الشخص الوحيد في الدنيا؛ الذي اشعر تجاهه بواجب أن اعلمه شيئا. فما دمت قد أتيت بها إلي هذه الدنيا؛ أو كنت مساهما في ذلك؛ فلا يمكنني أن أتحلل من مسؤوليتي تجاهها بأي حال من الأحوال؛ في تهيئتها لما سيقابلها في مستقبل الأيام. أما الناس الآخرون فرغم حبي لهم؛ ورغم إني قد تعلمت منهم الكثير؛ فاني لا اعرف أن كان عندي شي يمكن أن يتعلموه مني؛ أو كانت لهم الرغبة في ذلك. ولذلك لم انظر لنفسي ولا أريد أن انصب نفسي معلما لأحد؛ حتى عندما عملت معلما بصورة احترافية لعدة سنوات؛ قلت لليافعين إننا نتعلم معا. فانا مقتنع أن الناس تصل بتجاربها المتعددة إلي باب الحقيقة؛ وانك – كما يقول الانجليز- يمكن أن تجر الحصان إلي النهر؛ ولكنك لا تستطيع إجباره إن يشرب! فإذا كان هذا الحصان الجامح في العديد من المرات هو إنا؛ فكيف ازعم لنفسي حق تعليم الآخرين؟ ولان التعليم عملية مستمرة من المهد إلي اللحد؛ فقد بدأت تعليم أماليا منذ أيامها الأولي؛ وأنا أتعلم منها هي أيضا الكثير؛ وأعيش معها طفولتي الثانية. ورغم أني مع حرية البشر في الاختيار وفي أن يبنوا حياتهم وفقا لتجاربهم؛ إلا إن هناك أشياء رئيسية لا يمكن للإنسان أن يعيش دون تعلمها؛ وهناك قيم رئيسية لا يمكن للأمهات والآباء ترك أطفالهم دون أن يوصلوها إليهم/ن. ولخوفي من أن لا يتسع لي الوقت لأعلم ابنتي كل ما أريد تعليمه لها؛ فانا احرص علي توثيق كل ما أفكر فيه وأؤمن به؛ مما هو خارج مدار إدراكها الآن؛ لكيما يكون متوفرا لها في يوم من الأيام؛ بغثه وسمينه؛ بتناقضاته المختلفة وخط تطوره. لأن الإنسان أمام من يحب لا يمكن أن يجمل نفسه؛ ويجب أن يعرض نفسه كما كان وكما يكون. ونحن نقبل من نحب كيفما كانوا؛ وأظنها في زمانها القادم ستضحك على الكثير من ترهاتي؛ وستغضب من بعضها؛ لكن لا باس إذا كان هذا سبيلا لان تتجنبها. اُعلمُ ابنتي أماليا وأريدها أن تتعلم؛ حب الحقيقة وحب البحث عن الحقيقة؛ لان الحقيقة الكاملة لا توجد؛ وإنما هي نسبية؛ والحقيقة الوحيدة توجد في طريق البحث عنها.. أريدها أن تبعد عن الكذب علي نفسها والآخرين؛ وخصوصا تجاه نفسها؛ فمن يكذب علي نفسه يكذب علي الكل. ولا يمكن أن تكون هناك حياة للإنسان؛ بما هو إنسان؛ تقوم علي الزيف أو تتعايش مع الكذب أو تهرب من الحقائق؛ ولو كانت شديدة المرارة. أريد لابنتي أن تكون حرة؛ وألا تسمح لأحد أيا كان أن يستعبدها؛ بأسلوب فظ أو لطيف؛ حاكما كان أم زوجا أم رئيسا في العمل الخ. أريدها ألا تبيع حريتها بأي ثمن؛ وان تعرف أن للحرية ثمن غال يجب دفعه في اغلب الأحيان. أريدها أن تعرف أن الحرية صنو المسؤولية؛ وان بعض المسؤوليات كبيرة تنؤء تحتها الجبال؛ وأريدها أن تعد نفسها لذلك. اعلم ابنتي وسأوالي تعليمها؛ أن تدافع عن حقوقها كلها؛ وان تقاتل في سبيل ذلك. فنحن نعيش في كون لا يزال يحكم في كثير من أطرافه بقانون الغاب؛ وهذا الإنسان - الناهض من اسر حيوانيته متطلعا إلي آفاق ملائكيته- نجده يمارس الأثرة والظلم والحيف؛ لذا فاني اعلمها أن تدافع عن كل حقوقها بكل الوسائل الممكنة؛ بالقانون وبالكلمة إذا كان ذلك ممكنا؛ وإذا اقتضي الأمر بالظفر وبالناب! اعلم ابنتي وأريد تعليمها احترام نفسها؛ واحترام الناس واحترام القيم الإنسانية العليا. احترامها لنفسها مع ذلك- أقول لها وسأوالي القول- يفترض عليها إلا تقبل أيا من أشكال عدم الاحترام تجاهها أو تجاه الآخرين؛ وان تحترم كل محترم؛ وان تحتقر كل حقير. لان العدل يقول أن نعامل الناس بمثل ما يعاملونا به؛ وبمثل ما يستحقون. اعلم ابنتي وأريدها أن تتعلم المثابرة والاجتهاد فيما تصبو إليه وما تريده. أريدها أن تتعلم فضل العمل وكرامته؛ وأريدها أن تكسب كسبها في الحياة بنفسها؛ وان تعرف انه لا شي يأتي من السماء؛ ولا كنوز تتفتق عنها الأرض. أريد تعليمها انه بقدر جهد الإنسان تكون قيمته عند نفسه وعند الناس؛ وان الحظ والوراثة والصدفة لا يمكن أن تحلنا من واجبنا في الحياة؛ للكدح في سبيل الوصول إلي ما نريد. هذا وكثير غيره؛ أريد أن اعلمه لبنتي؛ وأتمنى أن أوفق فيه؛ أو في بعض منه.