|
جرائم القتل في السودان الرؤية والحل - تجربتي الشخصية حول اغتيال والدي...
|
وصل السودان مرحلة مريعة تجلت في إنتقال الهيبة من القانون للدولة وبدت تلك الأزمة بشكل حاد في تنامي الجريمة واتعدام الأمن حيث تشكل الأجهزة الأمنية في كل الدول مؤسسات تكرس لمحاربة الجريمه بينما تستوعب مؤسساتنا الأمنية الكثير ممن لا يتمتع بالأهلية الاخلاقية وذلك حال الأجهزة الأمنية في جميع الدول المتأخرة حيث تشكل أجهزة تكرس لحكم الفرد أو الفئة - القليلة دائماً- متسلطة علي شعوبها ومتحكمة بأقدارهم ومستقبلهم موصلة تلك الشعوب الي تلك الوهدة من انعدام الأمن والأمان. عندما كنا صغاراً وقبل دخولنا للمدرسة سمعت حكاية مقتل إمرأه إسمها "ربكيل"... كان الامر مثار إستغراب وخوف غريبين لدرجة ظلت تفاصيلها عالقة برأسي الى الان وإن كان في ذلك الأمر إشارة الى تأثر الأطفال بالمُشاهد والمسموع الا انها تحتوي أيضاً إشارة إلى شيء اخر: أن ذلك الخبر لم يكن مألوفاً !!!! الان يستطيع كل طفل أن يسمع أثنين يتكلمان عن جريمة قتل او قتل ونهب أو غيرها وهما يتصفحان جريدة رسمية تحتوي صور المقتول وهو غارق في دمائه او مذبوحا ومعلقً على شجره !! عندما أستشهد والدي كنت أرى أن القصاص أمر طبيعي جداً وحيث أني وإخوتي كنا مؤمنين بأهمية إشاعة الأمن ودور القاص في ذلك لم نتردد وكان الأمر موقفاً فكرياً بالنسبة لنا لذا لم نساوم فيه وكنا حاضرين لحظة الإعدام وأذكر هنا بأمانة أنها كانت عادية بالنسبة الي كأي مشهد اخر رغم جلال الموت وللجميع أن يفكر لم كانت عادية ؟ وظلت عادية الى الان؟؟؟ ان الامر كما علمني والدي وانا صغير بقوله المتكرر لي: "يا ولدي دايما خلي مواقفك مبنيه علي أساس فكري... المواقف المبنيه علي أساس عاطفي بتنهار بمرور الوكت وكل ما مر عليها الزمن كلما اكتشف الإنسان انها مزيفه أوانو غيره كان ممكن يكون أحسن منها"... وأنني أيضاً تربيت علي نبذ العنف لدرجة أنني أيضاً أتذكر كلام والدي لي وهو صغير عندما سألته : - إنت يا ابوي ما بتضبح ليه زي عم حسن؟ - معقوله يا ابني- حد يضبح حد؟ والله يا ولدي انا حمامه ما اضبحه يمكن للبعض أن يصف موقف عدم تأثري بإعدام القاتل بأنه حقد أو غيره من المشاعر لكن ارتياح جيراني الذي أعقب الأمر كان كافٍ لإشعاري أنني كنت مصيباً في إعتقادي حول خوفهم وعزز موقفي الفكري حول أن العقاب أمر ضروري لإشاعة الأمن والحفاظ عليه على أني أقول ايضاً أن خياري ظل خياري الى الان وسيظل خياري في المستقبل إن لم أغير طريقة تفكيري ونظرتي للحياه. إنتشرت جرائم القتل لدرجة غريبه حيث أن ما سمعت به منها في الخمسة سنوات الاخيرة في حياتي يناهز 20 او 30 ضعفا مما سمعت به منذ ولادتي ولغيري أيضاً أن يفكر في نسب أخري لفترات أخري وليقل لي الي أي حد أنا مخطئ. الجريمة أو التطرف بإعتبار أن السلوك الإجرامي تطرفاً أعتقد أنه ينقسم الى:  التفكير المتطرف وهو تفكير قد يكون سلوكياً أو يدفع بالشخص في إتجاه السلوك المتطرف. مما لفت إنتباهي الى ذلك أن من يكفر أو يعتقد بعدم أحقية غيره في الحياة لا يستطيع أحد أن يحاسبه قانونياً هذا إن علم بما يفكر فيه فالقانون يعاقب علي السلوك المتطرف وليس التفكير المتطرف.  الفعل المتطرف – وهي إرتكاب الفعل المتطرف علي شخص او جهة أخري وهنا فقط يمكن أن يتدخل القانون بصور حاسمة لكن الفعل يكون قد وقع أو علي أقل تقدير تمت محاولة ما لوقوعه وهو امر خطر . مكافحة الجريمة والتطرف سواءاً كان القتل أو غيره يجب أن تتم علي المستويين الإثنين تركيزاً علي التفكير والسلوك وحيث أن الجهل مستحكم في بلادنا فإننا لا نمتلك فرصة كبيرة في المعاجلة السريعة علي المستوى الأول عليه فيجب أن نهتم بالمستوى الأول علي المديين الطويل والقصير امليين في تغييٍر قليل الأثر من المجهودات المنصبة في هذا الإتجاه في الفترة الأولى ونتائج أكثر عمقاً ومقدرة علي الإستمرار علي المدي الطويل ، ويدخل في ذلك أيضاً رفض المجتمع للسلوك غير المستقيم إذ أننا بدأنا في تقبل أن يكون أحد أفراد أسرتنا مجرما في الحق العام إن لم يكن قاتلاً من خلال إشارات نقرؤها في الشارع السوداني العام في عبارات متقطعة على شاكلة "ضرب ليك الكيزان ديل" – وليس البلد وكأن الاموال ليست عامه وأيضاً "راجل شيطان خلاص"، "هبر" ، "مسح شنبو" " أكَلو" – وكأنه أحسن الى جائع و غيرها وغيرها... . المستوى الثاني وهو محاربة الفعل المتطرف وهو وجود الية قانونية لها الهيبة والمقدرة علي بسط القانون وإرغام الفئات النشاز علي اتباعه رهبة من العقاب ... وما يميز هذا المستوى أنه الأساسي والضروري حتى في وجود الحل علي المستوى الأول إذ أنه الضمان الوحيد لإيجاد بيئة مناسبة للتعلم والتغيير الاجتماعي ونشر ثقافة احترام القانون ولكن تأتي الصعوبة أيضاً بالنسبة لنا في وجود أنظمة ديكتاتورية لا تستطيع ان تحقق حداً بعيداً من هذا المطلب إذ أن معظم منتسبي الأنظمة الديكتاتورية وأجهزتها الأمنية لا تخضع للقانون إما عن قوة أو جهل الطرف المعتدى عليه قانونياً بحقوقه وهو جهل يكرس له الواقع الحالي بكل معطياته من جهل عام وغياب لاليات التوعية بالإضافة لشريحة ليست بالصغيرة مستفيدة من الأوضاع الحالية المتردية. أعتقد هنا أن التمسك بالقصاص أنفع للناس في هذه الظروف التي نعيشها حيث أنه أحفظ للارواح ولغيري أن يعتقد غير ذلك إذ أن المعرفة تراكمية وكل فكرة جديدة نحصل عليها هي نتاج وضع فكرتين قديمتين نعرفهما وقراءة الناتج منهما. لست متخصصاً لكنني طرحت رؤيتي البسيطة كمواطن سوداني وتجربتي أمامكم فإن كان فيها حكمة أو خير فخذوهما ....علي أني أناشد هنا إخواني القانونيين أن يفتحوا مقالاً طويلاً علي شاكلة ضباط الشرطة المحالون للصالح العام او اليومية التي يكتب معظمها رجال عملوا بالقانون ... مقال يكون اسمه "ثقافة قانونية" او أي شيء من هذا القبيل يوضح لنا فيه اولئك الرجال حقوقنا القانونية ورؤيتهم لتحسين الوضع الأمني الحالي من خلال تعليمنا لحقوقنا بحيث لا يستمر أمر ان يكون صوت من يطالب بحقه صوت نشاز.
|
|
|
|
|
|
|
|
|