|
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه (Re: رأفت ميلاد)
|
فى ذلك الصباح كانت موظفة الإسـتقبال ليسـت بشـوشة كطبعها . زميلها تبرع برد بتحيتى نيابة عنها . عند بلوغى درجى وجدت زميلتى واجمة تمامآ وهربت الروح من وجهها وهى متعلقة بعينى جاهدة تقرأ فيهما. شـعرت بشئ جلل فسـألتها بلهفة ماذا هناك . تأكدت بأنى لا أعرف شـيئآ . قامت من مكانها وأرتمت على كتفى وهى تنخج بالبكاء :
(لقد ماتت "نويمى")
كانت أيضآ شـقراء . ليسـت على جانب من الجمال ولكنها تمتلئ حيوية . دائمآ تعمل بجد ولكنها لا تكف عن الثرثرة التى تتخللها الضحكات الصاخبة . دائمآ سـاخرة وتلوك الجنس فى فمها فى موضعه و غير موضعه . كانت تنادينى بالأسـود مما يسـبب الحرج لزميلتى فى المكتب . كنت أداعبها بأنها لو جربت الأسـود لما إلتفتت ثانية الى الأصفر أغمز إلى صديقها الفيتنامى . تضج ضحكاتها وهى تدلك على ظهر يدها تلقائيآ . عندما تعود الى العمل بعد غياب يوم أو إثنين تقابل بترحاب كأنها غابت دهر من الزمان . أشـعلت فى جسـدها النار. لم تسـتطيع إحتمال بلوغ حتفها والنار تحرقها فقذفت بنفسـها من الطابق الخامس طالبة الموت السـريع أو هلعآ منه .
أى سـر فى حياتها . تذكرتها وهى تدلك ظهر يدها كعادة لم نلحظها . لم نسـمع عنها جديدآ سـوى ثرثرة هنا وهناك . أحد عملاء العمل المنتظمين عمد وهو يخاطب موظفة الإسـتقبال بوجودى أن يقول :
(يجب التحقيق مع صديقها)
لم يفوتنى ما يغلفه قوله . وافقته كأنى لا أفهم ما يرمى إليه :
(نعم صديقها قد يكون أدرى بأسـرارها )
خرجنا جميعنا وإسـتقلينا البص فى طريقنا الى المرسى فى رحلة نهرية منحتنا لها (الشـركة) . تذكرتها تعتزر عن الذهاب لأنها تخاف الماء وتصاب بدوار البحر .
وأنا أرقب سـطح النهر الهادئ تذكرت سـطح البحر فى بورتسـودان . تري الحياة تحت الماء كاملة التى قد يعكرها الريس حبشى وهو يبحث عن القواقع و(الأنتابوتا) كأنه كائن بحرى .
ظهيرة يوم صيف حار ترتفع درجة رطوبته فوق الإحتمال كادت أن تخلو أركان ذلك السـوق الصغير من أرجل المارة . البنيان الضخم للمحلات تتوسـطه (زريبة) الفحم بسـورها القصير تزيد غيظ النهار . أتت ربيعة ذات التسـعة ربيعآ بجسـمها المتتلئ تشـترى بعض الأغراض من صالح اليمانى . إسـتدرجها الى داخل (الدكان) وفك عزريتها .
توارت عن الأنظار وحل سـكون فى منزلها كما تقطنه الأشـباح . أعتاد أهل الحى على هذا الهدوء ولا تجد من من يعيره إهتمام حتى فى ثررة النسـاء . أتى غرباء ودخلوا المنزل فى سـكون وخرجوا بجسـمان والدتها الى مثواه الأخير . إكتفى والدها بقفل الباب دون أن يلقى نظرة على موكب الجسمان . لم يشـارك أهل الحى وإكتفوا بهمهمات إحترام لموكب الجثمان .
لم أر والدها مغادرآ أو عائدآ للمنزل . كنت أنضم لجوقة الأطفال ونتسـلل ببطء من تحت المنزل الخشـبى الزى يرتفع عن الأرض حوالى متر حال كل منازل بورتسودان القديمة . نتسـلل إليها حاملين أكياس الإسـمنت الفارغة ونعود فى اليوم التالى نجدها قد صنعت لنا منها أكاس من الورق متقنة الصنع نبيعها فى سوق الخضار . نحضر لها معنا بنصف الثمن الحلوى و (حلاوة الطحنية) التى تحبها . كانت تتودد إلىّ كطفل غريب لا تعرفه ولكتى رفضت الإقتراب منها وهى لا يسـعها الدخول تحت البيت وقد صارت إمرأة . كان يتسلل لها الصبية الذين يكبرونا سنآ لمآرب أخرى .
عدت وأنا يافعآ وكان أهلى قد تركوا ذلك الحى . ذهبت لزيارة أصدقائى بالحى القديم . قضيت معهم عطلة جميلة بين رحلات صيد السـمك فى (خور كلاب) نغتسل فى ذلك النبع العذب العجيب الذى يلاصق البحر . ومناوشـة الغربان والسـباحة الى السـفينة الغارقة فى منطقة (الملاحات) .
أتى إسـمها مرة فى مداعبة عابرة بين الأصدقاء . سـألت عنها بلهفة وكنت قد نسـيتها تمامآ . رد صديقى بأسـى مملؤ بزكريات الطفولة بأنها قد ماتت .
فتحت باب المنزل إقتحامآ وهى تعدوا فى الطرقات وهى تصرخ كتلة من النار ملتهبة . يهرب الناس من أمامها لهول الصدمة وفظاعة المشـهد . حتى سـقطت فى قلب الإسـفلت . لم يسـتطيع أحد الإقتراب منها حتى فارقت الحياة .
صافرة الباخرة معلنة نهاية الرحلة قابته أوصالى بإرتياح تام
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-20-06, 12:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 11-20-06, 01:35 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-20-06, 03:43 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | ابراهيم برسي | 11-20-06, 08:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 11:12 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 01:29 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | Muna Khugali | 11-21-06, 01:39 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-21-06, 05:54 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-22-06, 08:52 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-23-06, 08:43 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-24-06, 03:57 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-26-06, 01:55 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 11-29-06, 11:04 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-03-06, 05:28 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-06-06, 09:06 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-12-06, 07:41 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 12-12-06, 07:48 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | محمد مكى محمد | 12-12-06, 07:58 PM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-13-06, 06:29 AM |
Re: هاتف النفس و جدار من الوهم نحن صانعوه | رأفت ميلاد | 12-20-06, 05:38 PM |
|
|
|