بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 09:53 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-17-2009, 10:55 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان (Re: طلال اسماعيل حسب الرسول)

    <font size=5>
    محنة الإسلاميين في السودان
    محمد خير عوض الله
    منذ عقود، يعرف القاصي والداني محنة تيار الإسلاميين، مأساة إخوان سوريا في مدينة حماة، مأساة إخوان ليبيا في سجون العقيد، مأساة إخوان مصر منذ ضربات عبد الناصر الإبادية وحتى اليوم، مأساة جبهة الإنقاذ في الجزائر، محنة حزب النهضة التونسي، محنة الإسلاميين في تركيا -قبل فترة حكمهم الآن-، إلى آخر السلسلة المعروفة التي تنتهي حالياً بمحنتهم جميعاً، لكنها تتجلى أكثر في محنة تنظيم القاعدة وتياراته المشابهة.. وهناك تيارات وحركات أخرى لا يتسع المقام لذكرها، ولا لاستعراض أسباب هذه المحن؟ هل هي بما كسبت أيديهم ؟ أم بعوامل أخرى -داخلية كانت أم خارجية- أم بهذه وتلك جميعاً؟ المقام لا يتسع لاستعراض كل هذا في حيِّزٍ كهذا، لكننا هاهنا يهمنا أكثر تيار الحركة الإسلاميّة في السودان، فهي ربما تكون الوحيدة التي لم تعش ضرباً وتصفية وتهجيراً وتشتيتاً كالتي عاشها أولئك ولا مآسٍ قاسية في السجون كالتي عاشها ويعيشها أولئك، مثل التي عرضها الأستاذ فريد عبد الخالق (عضو مكتب الإرشاد والعضو المؤسس لجماعة الإخوان مع الأستاذ حسن البنا في العام 1928) عرض هذا الرجل -من خلال برنامج (شاهدٌ على العصر) بقناة الجزيرة- صوراً مأساويّة لا يمكن تصورها، وويلات من التعذيب لا يمكن تخيُّلها، وقد حكى بالتفصيل ألوان وصنوف العذاب التي تقلبوا فيها داخل الزنازين، وكان العسكر يتفننون في اختيار الأساليب، مثل تجويعهم للكلاب لمدة اسبوع ثم يدخلونها على المعتقلين من الإخوان المسلمين في الزنازين الضيّقة، لكنّه تحدّث عن عطف الله عليهم وأقسم أنّه تعرض لهذا الأسلوب لكنّ الله تعالى مثلما قال للنار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم (عليه السلام) فإنّ الكلب الجائع (الزهجان) كان معه في الزنزانة -بعد أن يهديه الأستاذ فريد وجبته الخاصة- يوجِّه وجهته تجاه الباب وكأنّه يحرسه! ذلك لمدة إسبوع كامل، بعده احتار العسكر وأخرجوا الكلب لكنهم كانواينهالون على الأستاذ فريد ضرباً بالسياط حتى كان يقع مغشياً عليه، وحكى الصور المأساويّة التي كان يجد فيها زميله المفكر والأديب سيّد قطب، كيف كان سيّد صلداً تحت التعذيب، وكيف كان يسقط مغشياً عليه، وما أن يفيق حتى يجد نفسه يسبح في دمائه من كثرة الضرب لا يثنيه ذلك عن فكره واعتقاده (قبل ستة شهور تقريباً زرت شقيقه محمد قطب بمكة وأكّد لي هذه الرواية، وقال لي شقيقتنا أمينة كانت بالسجن معنا وأرسلتها السلطات لتخبر سيّد بحكم الإعدام، وأنّه بإمكانه أن يسترحم لدى عبد الناصر فيعفي عنه، فعنّف سيّد أخته وقال قولته المشهورة: إنّ السبابة التي تشهد لله بالوحدانيّة لا يمكنها أن تفعل ذلك، وأكّد لي هذه المقولة، لكنّه قال إنّه كان بزنزانةٍ أُخرى ولم يسمع بإعدام شقيقه ولم يودّعه ولم تسلّمهم السلطات جثمانه إلى اليوم).. أردتُ من التحويم على تقلبات أوضاع الإسلاميين المأساويّة (ورغم ذلك فالتيار في ازدياد كاسح) لأعقد المقارنة بأوضاع هذا التيار بالسودان، والسودان لحسن حظ الإسلاميين، يختلف في تركيبته الاجتماعيّة عن باقي هذه الدول المحيطة، وهذه التركيبة الاجتماعيّة، غير المتوفرة في غيره، أتاحت لكل متعاطيي السياسة، مساحات واسعة ورحبة من السماحة، تحول دون الاستغلال السئ للخلاف، إن كنت في السلطة أو المعارضة، وبقيت هذه قاعدة في التعاطي لم يفسدها بطش وتنكيل نميري بالأنصار في ودنوباوي، و تصفيته للشيوعيين الجسديّة والمعنويّة، والإخوان في تهجيرهم وتشريدهم وسجن واعتقال من قبض منهم، لم يستطع نميري أن يفسد هذه القاعدة لأنّه كان استثناءً -إلى زوال- وبقيت القاعدة الاجتماعيّة تحتمل (نميري) الآن وهو يجوس خلال الديار.. وجاء الإسلاميون أنفسهم واستلموا السلطة والحكم، وقاموا بعمليات (تطهير) واسعة تمّ فيها تهجير وتشريد وطرد وسجن وجلد، واكتشفوا أنّ ذلك لا يتفق مع سماحة ما يدعون إليه، وأنّ تلك أفعال يجب الاستغفار والتبرؤ منها (انظر لخطاب الرئيس في الذكرى الفائتة لتسلُّمهِ للحكم)، والمعارضة نفسها قابلت الصفحة الجديدة من الحكومة، بصفحة منها جديدة أيضاً، واكتشفوا جميعاً (الطرفان) أنّ ذلك إلى زوال، وتبقى القاعدة الاجتماعيّة المتسامحة التي يحتمل فيها الجميع بعضه بعضاً، تبقى هي الأصل وغيرها طارئ، لكن كل الذي نقوله يبقى تمهيداً لموضوع (محنة الإسلاميين). فالإسلاميون في العالم يعيشون محناً مختلفة، وإخوانهم في السودان يتربعون على عرش الحكم لخمس عشرة سنة، ينعمون فيها بالهواء المكيّف، وتجري من تحتهم الغنائم، وعن يمينهم وعن شمالهم الحراسات، ومن أمامهم صافرات الموكب المهيب، كل ذلك ورصفاؤهم يتقلبون على المواجع والمحن، لكن سيكونُ مدهشاً لأي شخصٍ قرأ عن حزبٍ أو تيارٍ حاكم، أنَّ مخزونهُ من الكادر القاعدي والقيادي يتعرض للويلات والضرب والسجون! وقد يكون ذلك مما يُعدُّ مُستحيلاً، لكن كيف نقول والأمر نفسهُ هو الذي يعيشه تيار الإسلاميين في السودان منذ عدة سنوات! لقد كان عسيراً على الإسلاميين هضم انتقادات مفكرين وصحافيين من داخل المنظومة، حينما ظهرت آراء دكتور حسن مكي الغاضبة والناقدة أحياناً والساخطة أحياناً أُخرى، منذ وقتٍ بعيد، يتعاقب معه على ذلك بروفيسور الطيب زين العابدين، والصحافي محمد طه في ذلك الوقت، أي النصف الأول من عقد التسعينيات، وكانت كذلك تأتي مقالات متفرقة من حسين خوجلي أو محمد أحمد كرار أو محجوب عروة أو غيرهم، كان الهضمُ عسيراً في تلك الفترة الباكرة، وكان جزاء من يفعل ذلك من الخصوم، إلاّ أن يسجن أو ليكونن من الهالكين، لكن بالنسبة لورودها من صف الإسلاميين، فقد كانت مورد تبرم وضيق من الكادر القيادي، بل حتى الكادر القيادي نفسه حينما نظرت ثلة منه في العام 1998 (وفيهم نافذون يمسكون بمقاليد الأمور) إلى وجوب إدخال إصلاحات ضرورية لصالح الشورى وتداول الرأي، وكتبوا مشروع الإصلاح المقترح (ووقع على المشروع عشرة كما تستوجب اللائحة ذلك)، قامت الدنيا من لحظتها ولم تقعد حتى الآن، برغم أنّهم لم يسبوا الدين أو يخرجوا على الأنظمة واللوائح، لكن فعل الخير الذي كانوا ينوونه، أصبح مفصلاً في تاريخ (محنة الإسلاميين في السودان) لم تسبقه خطوة جريئة في عهد حكمهم إلا خطوة حل مؤسسات الحركة الإسلاميّة وتسليم قياداتها مصاحف في رمزيّة تكريم مقصودٌ منها (الذهاب للتبتل) وترك شأن الحكم للبقيّة الباقية، وقد لا يكون مقصودٌ منها أنّ التبتل لا يخص البقية الباقية من بعيدٍ أو قريب، المهم شكّلت مثل هذه المحطات وغيرها -مثل مؤتمر العشرة آلاف للانتقام وردِّ الاعتبار ثم الخطوات المتلاحقة من الطرفين والتي توجت في الآخر بقرارات رمضان ثم صفر- شكّلت هذه المحطات (مداميك) أساسيّة في (بناء المحنة) أو شكّلت (معاول) حادة في (هدم جدار الحركة) وشقه إلى جدارين، ويبقى كل هذا على أساس التسليم بفرضيّة حقيقة كل ما جرى، وانتفاء أية نسبة للتمثيل والدراما فيه، (كنتُ قد كتبت هنا (6/8/2004) قراءةً واستقراءاً يوفر بالنسبة لي قدراً كافياً من احترام الزعم بفبركة الخلاف لحيثيات ضروريّة رأتها قيادة الحركة، وقد يكون الخلاف حقيقياً لأنّّه طبيعي في تاريخ البشر كله)، وليس في الأحزاب الحاليّة من حزبٍ إلا ودخله مشرط الانقسام وكل ما سقناه نريده أن يقودنا (لمحنة الإسلاميين) فالواقع في هذا الشأن، يحكي عن محنة تامة تعيشها القيادة والقاعدة على درجة السواء، فمذكرة الإصلاح بعد أن كانت من عشرة، أنظر لها الآن تجدها من نحو «250» قيادياً كما تتواتر الأخبار!! لأنّ حل الحركة في العام 1990 لم ولن تنمحي آثاره، بل هي في ازدياد!! ولا أريد هنا أن أستعرض بالأسماء، لكن (البهدلة) والتشريد والتنكيل الذي يعيشه تيار الإسلاميين في هذه الحقبة، قد لا تجد لها حقبة أخرى توازيها، لأننا إذا أخذنا الفترة الأولى من حكم مايو، نجد الإسلاميين قد عاشوا محنتهم وهم أكثر اتحاداً وألصق لحمةً وأشدّ شكيمةً، حتى إنّك تجد من يحصده الرصاص في دار الهاتف في العام 1976 ينشد في وجه الموت قصيدته المشهورة (قسمات الفجر تتهلل) فلا يمكنك أن تقل تلك محنة وهذه محنة بدرجة واحدة، وقد صدق شاعر الجاهلية (طرفة) حين وثّق لهذه المقارنة -داخل معلقته- ببيته المشهور (وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً من وقع الحسام المهند) كلُّهم ذوو قربى، وكلُّهم مظلومٌ من الآخر!!، الآن لا يأتي قادم، إلا ويحدِّثك عن اعتقال فلان، وفك فلان ثم رجوعه للسجن، يعرف الناس قيادات مؤثرة في حكم الإسلاميين يتقلبون في سجون الإسلاميين بحيثيات معروفة، لكن هناك قوائم لا يعرفها كثير من الناس، معظمهم كان شريكاً في فترات التنكيل بالآخرين لأول عهد الحكم، والآن وجدوا أنفسهم ضيوفاً
    ------------------------------------
    تطرقنا في الأربعاء الماضية لشكل وإطار محنة الإسلاميين عامةً، ومحنة الإسلاميين في السودان خاصةً، (وزراء في سجون إخوانهم!) والشكل الإطاري، بطبيعة الحال، لا يعطي غير وصفات سريعة لحال المحنة وتقلباتها عبر الحقب التاريخية التي تمَّ التعرض لها.
    الآن نريد أن ندخل على المحنة عبر واحدة من مسبباتها، ألا وهي (وضعيّة الشورى) وطريقة تداول الرأي، ذلك بإثارة السؤال التالي: هل كانت الشورى ـ وإلى الآن ـ تتم داخل تيار الإسلاميين بصورة حقيقية؟ خالية من آفات التكتيك؟ وقبل أن ندخل على الإسلاميين في السودان، يحسن بنا أن نأتى القضيّة من أطرافها، ونقرأها (كمباحث عامة) قبل أن نغوص في تجربة بعينها، ونقصد بذلك تجربة التيار الإسلامي في مساحاته الثقافية والتجريبية الشاسعة، وبارتياحٍ شديد، يمكن التحدُّث عن جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها (الرحم الرؤوم) الذي خرجت منه كل تشكيلات (الإسلام السياسي) المعاصرة، فجماعة الإخوان التي تمارس الشورى بصورة منهجيّة علميّة ديناميكية منضبطة، هي نفسها متهمة بتزييف الشورى، وتقديمها (مغشوشة) أو(مطموسة البصيرة) عمياء، عبر أدبيات (نفِّذ ثم ناقش) التي تعمي بصيرة العضو فلا تجعله يتحرك إلا وفق ما يريد من يعلوه مرتبةً..! العضو في جماعة الإخوان ـ ومن لا يزال على نهجهم التنظيمي ـ تمشي فيه هذه الأدبيات إلى درجة بعيدة للغاية، تجعل (الطاعة) مفردة مقدسة في كل حالاتها، ممنوعٌ الاقتراب منها أو التصوير، في كل حالات (إنزال التكاليف)، ولا يغالط في هذا إلاّ مكابر يعرف الحقيقة ويتهرب منها! وليس من فوارق كبيرة في السلوك التنظيمي داخل أية مؤسسة عسكريّة، وداخل مؤسسة الإخوان، فيما يتصل بالانضباط العضوي والانقياد الأعمى، وليس في كل ذلك قدحاً، ففيه من الايجابيات ما يؤمن للتنظيم سلامة بقائه في وجه أعدائه، وعدم هوانه على الناس، ونفاذ قراراته، وسرعة حركته... الخ، لكن بالمقابل فإنّ عللاً خطيرة قد تصيب التنظيم في أية لحظة، فهو يعتمد في كثير من الأحيان على (كاريزما) لابد من توفرها في الجهة العليا التي يستوجب تنفيذ قراراتها، وفوق ذلك منحها ما تستحق من (قدسيّة)! فإذا انتقلت هذه الشخصية لرحمة مولاها، فإنّ بنيان الكاريزما ـ لا محالة ـ سينهار، ودرجات القداسة ستتلاشى، وفي وجوده أيضاً ستنشأ مشكلات، لأنّ (الكتوف) لا محالة (ستتلاحق)، ويبقى عسيراً منح القداسة ذاتها لشخص تتساوى معه في المرحلة العمريّة والتعاطي العلمي! (انظر لمذكرة العشرة في السودان) وتحضرني الآن صورة شخص استعصت عليه كاريزما شيخه الذي يقف معه على عتبة عمرية واحدة، يرفض إلا أن يكون (تلميذاً) وأقصد بذلك الشيخ إبراهيم السنوسي مع شيخه الدكتور الترابي، قفزت إلى ذهني صورته حينما كان أحد المعلقين في ندوة (حركة التجديد تواجه خصومها) التي انعقدت بقاعة الشارقة في العام 1995 ـ تقريباً ـ وكانت خصيصاً للرد على د. جعفر شيخ إدريس في تحامله على د. الترابي، الشاهد في عرضنا، أنّ الشيخ إبراهيم السنوسي وقف معلقاً، وقال بالحرف الواحد: (صليتُ خلف د. جعفر وخلف د. الترابي، وجعفر يلحن في القرآن، وأن يأتي ليهدر دم الترابي فنقول له إنَّ دم الترابي ليس رخيصاً، كنتُ وسأظلُّ حواراً له) كان استغرابي من تصديق الشيخ السنوسي لتوهمات (إهدار دم الترابي) والترابي يحصي أنفاس كل النمل في السودان في ذلك الوقت، وبيده كل جند البلاد! لكن عجبي كان أكبر من قوله إنّه كان وسيظل حواراً للترابي!! لماذا ياترى؟ هو معه في مرحلة عمرية واحدة، وأنفق معه سنين عمر طويلة، ألم يكفه كل هذا؟ حتى في شكلِهِ و(لفة) عمامتِهِ ولحيتِهِ وحذائهِ!! كيف نفهم أنّ السنوسي تلميذ للترابي؟ هذه إحدى تجليات (خلل تقديس الزعامة) داخل تيار الإسلاميين، وكثيرون حتى الآن انعقد لسانهم على طريقتِهِ في الكلام!! يتجلى التقديس أكثر مع السنوسي في خروجه على الحاكم الذي أدى أمامهُ القسم والياً على إحدى الولايات ليقيم العدل بين الناس، خرج عن ذلك لصالح (الشيخ) الذي كان يتزعم الحركة الإسلاميّة وهي منحلَّة غائبة بلا مؤسسات! المؤسسات حلها د. الترابي ويعرف الشيخ السنوسي ذلك لكن لا يستطع أن يتعاطى مع حقائق الواقع ضد هواه الذي يلازم (الشيخ)! أنا هاهنا لا أقصد غير مخاطبة القضيّة، قضية تقديس الزعامة ليس لصالح الجماعة أو الدولة في حالة السنوسي لكن لصالح الزعامة! ولو كانت الزعامة بلا مؤسسة إنما هي زعامة تاريخية تسببت في ذلك الانقسام!! وهذا وباء يسكن كل وجدان التيار الإسلامي الذي يعمل بأدبيات الإخوان المسلمين، (نفِّذ ثّم ناقش) والقواعد في الحركة الإسلامية تعرف أنّ مرحلة التسعينات كانت تسير في معظمها (بتعليمات من الشيخ ) وبعضهم كان يقول في أسئلة بريئة مقصودٌ منها (التدليل): (والله الشيخ ده ما عارفنو مودي البلد دي وين؟ الشيخ يعاين قدام لعشرين سنة بس الناس ما عارفنو..)!!؟ أو مثل قولهم: (حا يجو بعد عشرين سنة حتى يفسروا كلامو ده..!) وهكذا تمتلئ مناقشات القاعدة والقيادة على حد السواء، بمثل هذه التعابير التي تجرك إلى حيث يتوهم المتصوفة في شيخهم، ومرة أخرى نذكِّر بمقصودنا هنا، وهو تقديم قراءة نقدية لحالة تغييب الشورى خلف كاريزما الزعيم، لكن لا يعني ذلك أنَّ الشورى كانت مغيّبة تماماً، إنما كانت تتم في صورة حشدية تتزاحم فيها العمائم و(الشالات)، أمّا القرارات ونتائج اللقاءات فهي معروفة بنسبة (100%) أو بنسبةٍ تدانيها (كضرورة إدخال تغيرات طفيفة هي نفسها تكون بمباركة الشيخ)، ونريد هاهنا ـ لضيق المساحة ـ أن نختصر هذه القضية باختيار نماذج تدلل على (ضعف أو غياب) الشورى في النقاط التالية: ــ
    1/ لعل حادثة (حل الحركة الإسلامية) تعتبر هي الضربة الأولى والأخطر في جدار الشورى، لأن تسريح الكادر المؤسس والقيادي بمنحهم مصاحف ليتفرغوا للتبتل وقيام الليل، تعني بكل بساطة (وأد الشورى) ووأد الشورى يعني بكل بساطة (وأد الحركة) وهكذا فالحركة وئدت وقُبرت وهي حيّة، بل في عنفوان شبابها وقوتها! وإلى الآن يهمهم الجميع حول كيفية حلها ومن رآها لحظة موتها؟ ولماذا لم يبلَّغ بذلك؟ إلى آخر الأسئلة مجهولة الهويّة والإجابة!!
    2/ هناك مواقف كثيرة جداً منثورة في كل التجربة، تدخل فيها سطوة الزعيم أو نزوته، مثل تحدثه عن (إرجاع الكرمك من داخل الأراضي الحبشية) وما يماثله من تفلت (حادثة محاولة سحب السفير من القاهرة رغماً عن أنف الرئيس) ومن النزوات (تزعم تيار الإسلاميين والتيارات المعارضة عبر العالم العربي والإسلامي) وغير هذا كثير جداً، لكن الأخطر من ذلك تجده في التصريف اليومي للدولة حيث كان يتم كلّه في خطين، الخط النافذ والأقوى هو، أن تصلي المغرب بمنزل الشيخ فتحكي ما تريد!! كأن تأتي وفود من ولايات ومحليات ومحافظات مختلفة، تريد تغيير الوالي أو المحافظ أو حتى رئيس المحليّة أو ربما موظف الاستقبال بمنشأةٍ ما..! هذه حالة معاشة تماماً لا يستطيع أن ينكرها أحد، فهل هذه شورى؟ أن تختزل كل الحركة وكل الدولة بكل مؤسساتها وشخوصها وكوادرها في رجلٍ واحد!!؟
    3/ وليس أدلَّ على تغييب الشورى لصالح سلطة الرجل الواحد مثل حادثة تعديل الدستور، لا أفهم كيف يتم تعيين (لجنة قومية) لكتابة (دستور دائم) وتنعقد اللجنة وتنفض لأسابيع عديدة، ثم تكتب ـ عبر لجنة كاملة للصياغة ـ الدستور، لكن يأتي (الشيخ) فيكتب دستوراً آخراً بحبر ومداد مشروع الدستور نفسه! ينبغي هاهنا أن نشيد بقدرات شخصٍ كهذا، بما آتاه الله من علم وقدرات ذهنية وتنظيمية فائقة، وصمم لشخصه سمتاً قاسياً لا يستطيع أن يتجاوزه هو أو أي كائن من كان، لا بد من الإشادة به وهو يستطيع أن يفعل كل ما يريد بواسطة العشرات ـ وربما المئات ـ من الدكاترة والمختصين!! نحن هاهنا لسنا بصدد محاكمة الترابي، فذلك مبحثٌ آخر، إنما نريد أن نستعرض تجربة الشورى في تيار الإسلاميين.
    4/ غير أنَّ مشروع (مذكرة العشرة) في فبراير 1998م يبقى المؤشر الأبرز في قياس (أزمة الشورى) داخل التيار، وداخل تجربة الحكم، فالخلل يمكنك أن تنظر إليه من جهة المعالجة التي تمت عبر حدث ضخم هو المذكرة! هذا مثل شخصٍ يرفض معالجة رجله، ويصر على الرفض، أو أن يكون مَنْ حوله يزينون له رجله، وفي الآخر يتفاجأ الجميع بحتميّة بتر هذه الرجل..! هكذا كانت مذكرة العشرة تحدثك عن خلل متفاقم ومستفحل غاب فيه التواضع على الشورى والنصح، واستحلى فيه الزعيم تكريس الزعامة طالما العشرات من الكبار ارتضوا بأن يكونوا (تلامذة) له!! وفي الآخر، وبسبب الخلل البيِّن في الشورى، خسرت الشورى وخسر الزعيم الزعامة وفقد (المنتصرون) الزعيم و(الكسب والنهج والتطور) كما هو عنوان كتاب الشيخ عن الحركة، وخسر الإسلاميون في العالم تجربة أرادوا أن يهتدوا بها!!
    في الختام، ولضيق المساحة كما سبقت الإشارة، فإننا نكتفي بهذه النماذج ـ الكافية ـ لكن بقيت توضيحات لا بد منها
    أولاً: نحن نتحدّث عن (الحركة الإسلامية) فلا يفهم أحد أننا نتحدث عن الدولة (تجربة الحكم) أو (حزب المؤتمر الوطني) برغم التداخل الكثيف في هذه الكيانات جميعاً، ذلك لأنَّ تجربة المؤتمر الوطني شيءٌ آخر، وتقييمها يختلف عن هذه القراءة، أمّا تجربة الحكم فهي أيضاً شيءٌ آخر، فيها إنجازات ـ بشهادة المعارضة ـ واخفاقات ـ بشهادة الحكومة.
    ثانياً: في تعرضنا بالذكر لأشخاصٍ بعينهم، فإننا لم نقصد ذواتهم، أو حياتهم الخاصة، إنما قصدنا أثرهم السالب على التجربة، وذلك لا ينفي أثرهم الموجب الضخم عبر مسيرتهم الطويلة، فذلك شأنٌ آخر أيضاً، لكن الضرورة اقتضت التعرض إليهم وهم يحركون عملاً ضخماً يخص المسلمين كافةً.
    ثالثاً: المتابع يقرأ عن إخفاقات الحركة الإسلاميّة، فيظن أنّها بلا نجاحات، وهذا خلل موضوعي، فهي تتقدم الحركات الإسلاميّة المشابهة جميعاً وتتفوق عليها أضعافاً مضاعفة في النضوج الفكري والسياسي والتنظيمي، أمّا إذا عقدنا لها المقارنة بالأحزاب الداخلية، فهي كذلك الأفضل في التعاطي (إذا استثنينا حادثة الانقلاب والانقضاض على السلطة الذي جربته الأحزاب نفسها من قبل) ويمكنك ببساطة أن تستوثق من ذلك بإحصاء عدد الاجتماعات، وكم مرة انعقد المؤتمر العام لكل حزب، وطريقة الإصلاحات، وقراءة اللوائح والأدبيات والمؤلفات، ومعدل النمو والانتشار، ونوعيّة الكادر ومؤهلاته وسيرته وعطاءه، ستجد النتيجة بكل سهولة عبارة عن مفارقة وليست مقارنة.
    رابعاً: وأخيراً، فإنَّ الحديث عن الفترة التي سبقت الانقسام، هو حديث عن تجربة لا تزال متواصلة، لأنَّ المؤسسات والعقليات واللوائح والأدبيات هي ذاتها المتوارثة، وهي التي لا تزال تعمل، ويلحظ كثير من المراقبين أنَّ هيمنة الشخص الواحد، بعد الانقسام، تحوَّلت لهيمنة مجموعة صغيرة تقبض وتمسك بالدفاتر وتترك للآخرين أن يأكلوا من خشاش الأرض، وهذه قصة طويلة يلفها صمتٌ فصيح!
    -----------------------------
    في الجزء الثاني من هذه المقالة، دخلنا على محنة الإسلاميين في السودان عبر مسببها الأساسي (وضعية الشورى وتقديس الزعامة). واكتفينا في ذلك باستعراض نماذج محددة للتدليل على (أزمة الشورى مع تقديس الزعامة) ورأينا أنَّ تلك النماذج كافية وزيادة.. الآن نريد أن نرى (تجليات المحنة) في مسألة (شخصية الحركة الإسلامية) فهي تكاد تكون مثل حظِّ الشاعر جماع حينما ندب حظّه بأبياته المشهورة التي قال فيها (إنّ حظي كدقيقٍ فوق شوكٍ نثروه، ثم قالوا لحفاةٍ يوم ريحٍ أجمعوه، فصعب عليهم الأمر ثم قالوا أتركوه ـ أو كما قال ) فالحركة التي ملأت الدنيا بزخمها ، وهي على سدة الحكم ـ كأقوى ما تكون حركة حاكمة ـ هي نفسها التي امتزجت بالسراب، وصارت مثل دقيق جماع المنثور على الأشواك يصعب جمعه! وهذا المتناقض (الضخم) لا يحتاج لمن يفك شفراته، فهي قوية وحاكمة وتائهة هائمة، لأنَّ الأزمة ـ كما يراها الجميع ـ تحلِّق بجناحين اثنين (خلل الشورى وتقديس الزعامة). وكل ما ترتب على ذلك نتج عن هذا (حل الحركة وتشتيت أهلها). وهنا تجليات المحنة كما سنرى. ونضرب الآن أمثلة وننثر أسئلة: شباب يريدون أن يلتحقوا بالحركة الإسلامية التي قرأوا تاريخها ماذا يفعلون؟ سيستغرب أي متابع ومهتم بالحركة السودانية أن يطرح عليها مثل هذا السؤال!! لكن هذا هو الواقع !! ماذا يفعلون؟ هل يذهبون لرئيس مجلس الشورى بروفيسور عبد الرحيم علي؟ لا فذلك رئيس شورى المؤتمر الوطني؟! هل يذهبون للزعيم التاريخي د. الترابي؟ لا فذاك كوَّن حزباً جديداً في تداعيات خلاف سياسي معروف، كما أنَّه حلَّ الحركة يوم كانت متحدة وقوية فلماذا يذهبون إليه؟ هل يذهبون للمشير البشير؟ لا فذلك قائد الجيش ورئيس البلاد ورئيس الحزب الحاكم. وهكذا الحيرة شاهقة والمحنة تتجلى، سيقول أحدهم إنَّ الحركة تكونت في أرض المعسكرات بسوبا. وانتخب الأستاذ علي عثمان أميناً عاماً لها.. فتلك حادثة قد حدثت بالفعل، لكن أين هو الأستاذ علي عثمان؟ وأين هي مؤسسات الحركة الإسلامية التي انتخبته أميناً لها؟ أين تذهب فئات مختلفة تريد الانضمام لحركة سمعت وقرأت عنها وتسمع بأنها لا تزال موجودة .. هل تذهب للأستاذ علي عثمان؟ الأسئلة لا تزال قائمة وتتبدى بها المحنة ! وقد كُتِب الكثير عن (المؤتمر السادس) الذي انتخب فيه الأمين العام، هل تذكرون مؤتمراً سبقه للبحث عن مفقودته (الحركة الإسلامية) وحينما لم يعثر عليها أنشأ جسماً ناقصاً سماه (الكيان الخاص) وأعطى أمانته للأستاذ محمد صادق الكاروري؟ وظهر كثير من الشعبيين وقالوا من أعطى (المؤتمر السادس) حق الترخيص والأختام؟ ومن هو المؤتمر السادس نفسه؟ وما قام على باطل فهو باطل .. الخ، المحنة راقدة تتمدد في فناء (الحركة الإسلامية)، رضي المؤتمر السادس أم أبى. والأستاذ علي عثمان على نزاهته وثقة الحركة ـ عبر تاريخها ـ في قيادته، لا يمكن أن يمسك بكل ملفات البلاد والعباد، وملفات تنظيمين (المؤتمر الوطني وهو نائب الرئيس فيه، والحركة الإسلامية وهو أمينها العام ومسؤولها الأول)، هذا لا يفهم عقلاً، ومن هنا فالمحنة أيضاً راقدة متمددة ..! وإن قُبلت قيادتهِ (شكلاً) ـ ولا يمكن أن تكون ـ فما هي الأجهزة الأخرى ؟ وأين هي ؟ .. على الشاطىء الآخر تجد (المؤتمر الشعبي) الذي رفض أن تولد الحركة الإسلامية من جديد في مستشفى (المؤتمر السادس بسوبا) ورأى أنَّه يمثِّل القيادة الحقيقية للحركة، من دكتور الترابي وياسين عمر الإمام وإبراهيم السنوسي وإبراهيم عبد الحفيظ والمحبوب عبد السلام وناجي عبد الله وآخرين، فهل بالفعل يمثِّل هؤلاء الحركة الإسلاميّة؟ هل (المؤتمر الشعبي) هو بالفعل (الحركة الإسلامية)؟ هذا سؤال تتجلى فيه المحنة أيضاً!! ماذا تفعل فئات تريد أن تلتحق بالحركة التي سمعت وقرأت عنها؟ أين يذهبون؟ المؤتمر الشعبي عبارة عن حزب سياسي تكوَّن في ملابسات سياسية معروفة. وهو معنيٌ فقط بمناجزة الحكومة التي خرج عنها ـ لا غير ـ ( كل أنشطته وأدبياته تقول ذلك ولا نستطيع أن نفتئت عليه. وهذا حقٌ مشروع وهو يراه نبيلاً ) ولهذا ـ ربما ـ خرجت قيادات منه في قامة محمد الحسن الأمين وموسى حسين ضرار والتيجاني سنين وغيرهم. وهذا مؤشر واضح لما نستطرد في سرد الأزمة. وهم نفسهم ربما يعيشون اليوم أزمة: أين يذهبون؟ ونعيد التساؤل مرة أخرى: هل أجندة فئات تريد أن تلتحق بالحركة الإسلامية هي ذات أجندة (المؤتمر الشعبي)؟ والإجابة بكل تأكيد لا، فماذا تفعل هذه الفئات؟ هل تتجمع تحت مسمى (منتظرون) ريثما تعلن الحركة عن نفسها بصورةٍ مقنعة؟! وهنا تتجلى المحنة بكل قامتها المديدة !! كثير من القيادات ـ وكل القواعد ـ لا تزال تراهن على ( طي صفحة المحنة ) ولكن من المهم أن يدرك هؤلاء أنَّ (صفحة المحنة) التي يراد طيِّها ، لا تبدأ فقط بقرارات رمضان أو حتى مذكرة العشرة 1998م، المحنة بدأت منذ 1990م أو التاريخ المحدد الذي تم فيه حل الحركة و(تسريح) مؤسساتها. ولو كانت (النيّة سليمة) والنظرة سديدة ، في حيثيات حلها (كي لا تعوق مؤسسات الحركة الإسلاميّة أداء الدولة)، فكيف نفهم جواز ذلك في حل (الحركة) ، ولا نفهمه في حل (زعامة) تعوق أداء الدولة ؟السؤال بصورة أخرى: كيف جاز حل مؤسسات الحركة وهي تضم الآلاف تحت شعار (تبقى الدولة) ولم يجز حل(زعامة واحدة) تحت الشعار ذاته (تبقى الدولة) سيما وقد أُزهقت في سبيلها أرواح عديدة؟ المقصود من هذا السؤال ليس تفكيك حيثيات قيام المؤتمر الشعبي فحسب، المقصود ـ أو الشاهد ـ أنَّ المحنة لا يعني طي صفحتها ببتر الصفحات التي تبدأ فقط من مذكرة العشرة وقرارات الرابع من رمضان، يقيني ـ كراصد وقارئ للمحنة ـ أنّ فرصة التئام الحركة من جديد لم تتقلص أصلاً منذ الأيام الأولى وإلى الآن. وعملية توحيد الحركة لا تقف أمامها غير عملية تنفيس أو تفريغ الشحنات السالبة ( ليزول الالتماس ). وهذه ليست عملية صعبة إن توفرت النيّات والإرادة لها، لكن الحل ليس في التئام الحركة وحسب، الحل ـ أيضاً ـ في الاستفادة من التجربة وتصحيح الأخطاء ( أولا بأول ) والتواضع على النصح والمشورة وتقليص ( فرصة) الفرد لصالح (فرص) الجماعة كما كان يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ـ إن كان بالفعل يمثِّل القدوة للحركة ـ كان يقلِّص فرصته لفرص الجماعة حتى في المواقف الحاسمة (بدر وأحد والخندق وغيرها) لكن كل ذلك نظنُّ معظمه قد ذهب مع ريح جماع وصعُبَ جمعه!!
    عزاء واجب : بحزنٍ عميق تلقينا نبأ وفاة المثقف والمفكر الاستراتيجي الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد. وكان عشم الخرطوم الثقافية ـ التي ترملت بفقد بروفيسور عبد الله الطيب ـ أن يقف محمد أبو القاسم حاج حمد عند بوابتها مستقبلاً ضيوفها من أهل الفكر والثقافة، لأنّه يعرفهم جميعاً ويعرفونه، لقد كان وجهاً سودانياً مشرفاً كمثال للمثقف الموسوعي في القضايا الفكرية والاستراتيجية. ويكفيه أنَّ ذلك حكم من اتفق أو اختلف معه.. نسأل الله أن يبدله داراً خيراً من داره.. آمين.
    ------------------------
    إجمالي ما سبق قوله في هذه القراءة، يتلخص في أنَّ محنة الإسلاميين في السودان كان منشأها الأساسي من شيئين يكملان بعضيهما البعض، وهما «أزمة الشورى وتقديس الزعامة»، وذكَّرنا بضرورة رفع اللبس لدى بعض الناس فيما يظنونه من تلبس المحنة للإسلاميين في العالم كله إلا إسلاميو السودان، وهذا منشأه انفرادهم بحكم السودان لفترة عقد ونصف العقد، والقضية قراءتها من الوجهتين صحيحة، فهم بعيدون كل البعد عن المحنة لأنهم يجلسون على كراسي السلطة في قصورها البهيَّة ومكاتبها المكيّفة -وهذه حقيقة- لكنهم كذلك، يعيشون المحنة بطولها وعرضها، واستعرضنا ذلك في حينه لكن خلاصته تتجلى في أنَّ المعتقلات السياسية بالبلاد تكاد تكون خالية إلاَّ من مجموعة من قادة وأعضاء الحركة الإسلامية!! وأنَّ «57» حزباً بالسودان تمارس نشاطها وفق التكييف القانوني المتسامح بدرجة ما، إلاَّ حزباً واحداً، ليس هو الحركة الشعبية لتحرير السودان، إنما هو حزب مجموعة من الإسلاميين يقودهم دكتور الترابي وإبراهيم السنوسي وياسين عمر الإمام ودكتور علي الحاج، فمن يرفض بعد هذا، توصيف الأمر على أنَّه محنة!؟ نود الآن أن ننتقل مباشرةً خلال هذه القراءة النقديّة، لاستعراض تجليات المحنة على صعيد ممارسة الحكم، وتجليات المحنة في ممارسة الحكم لا تكاد تنحصر، غير أنَّ أشهر محطاتها كانت في حرب الخليج الثانية، والحركة الإسلاميَّة تعتزم إنشاء دولة قويَّة يُعمل لها ألف حساب وحساب «مستقبلاً» قامت من أول أيامها في الحكم، بإنزال الجماهير للشوارع في المدن الكبيرة لتهتف «بالكيماوي يا صدام» وفي اعتقادها أنَّ الناس أغبياء، كان عليهم تفهُّم موقفها الرسمي في قمة الزعماء العرب والذي يدعو لإعطاء الحل العربي فرصة كافية، ومهما يكن - والحديث للموقف الرسمي- فإنَّ التواجد الأميركي في المنطقة مرفوض! وكانت الحركة الإسلاميَّة -وهي في سنة أولى حكم- تتصرف تصرف «الحالمين» تارة، وتصرف الذين لم يبلغوا الحلم في السياسة تارات عديدة.. وكانت معالجة هذا الموقف الذي ظلت تدفع ثمن فاتورته حتى عهدٍ قريب، بصب مزيد من الزيت على النار بسد طرقات وشوارع الخرطوم -باستمرار- فَرِحةً مع أهزوجة أميركا روسيا قد دنى عذابها التي يستعذبها قادة الحركة الذين هم قادة الدولة، ناسين أنَّ الإفصاح عن الأمنيات لا يعني بالضرورة تحويلها إلى واقع! وأنَّ الأمنيات لا ينبغي إعطاؤها مساحات في السطو على الواقع، ومهما يكن من أمر، فإنَّ التجربة كانت مليئة بالشهامة والرجولة والصدق، لكن كلَّ ذلك بغباء سياسي دفعت ثمنه الحركة والدولة والجماهير معاً، والحال هذه، تفتحت العبقريَّة السياسية عن رفض تام لاتفاقية سايكس بيكو، وغيرها من الاتفاقات التي نشأت بموجبها الحدود الجغرافية بين البلدان العربية، فالصحيح -وفق عبقرية سنة أولى حكم- أنَّ الأرض كلها لله، ومن العار أن نطالب المسلمين -سيما المنضوين تحت لواءات الحركات الإسلامية، وبالخصوص الجهاديين منهم- من العار أن نطالب هؤلاء بإبراز هوياتهم أو حصولهم مسبقاً على تأشيرة دخول وفترة إقامة! وكانت نتيجة ذلك كوارث صرفها الله بلُطفِهِ وعطفِهِ. المهم أنَّ ذلك كلَّه كان يتم والفقر يطحن في المساكين المتعلقين بصدق الحاكم ورفاقه، ولم يشك أحد في ذلك، لكن الصدق لا يغني عن الحكمة والوفرة شيئاً، وكان ذلك يتم والبلاد يكفيها الذي فيها، من بؤسٍ وفقرٍ وجهلٍ، وعلى ذلك تلتهم النار المستعرة أطرافها منذ سنين! ما كان لمن يجهل أبجديات العمل السياسي أن تكون تلك هي خططه، ليست البديلة، إنما الوحيدة! والغريب أنَّ الخليفة الشيخ الطاهر ود بدر «عليه رحمة الله» قال لي، وهو عضو شورى الجبهة، إنَّ إعلان الشريعة كان فيه جدال، حيث يرى نفر من أهل الدراية والفهم السياسي «وذكر منهم عثمان خالد مضوي» كانوا يطالبون بتأجيل إعلان الشريعة ولا ينبغي أن يسفر النظام عن وجهه في سنواته الأولى التي يحتاج فيها للسند الخارجي، فإن كان ذلك كذلك، فكيف أُرتكبت كل تلك الحماقات السياسية والتوازن في السياسة الدوليَّة قد انتهى وانعدم؟
    على صعيد السياسات الداخلية، فإنَّ أخطاء كبيرة ارتكبت، من قتل «28» ضابطاً في العشر الأواخر من رمضان، إلى إعدام مجدي لمجرد حيازته للدولار«من حر مالِهِ»! إلى قيادة حركة تهجير واسعة و«تطهير» داخل مؤسسات الدولة، وإضعاف الجيش وعقيدته القتالية لصالح «تجييش الأمَّة» لأنَّ جيش الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن نظامياً إنما فيه التجار والزرَّاع والحفظة وغيرهم، إلى تبني العقليَّة المنغلقة في التعاطي السياسي... ألخ. ما يجب قوله الآن هو أن نحمد لمن أعطى فكرة التراجع عن كل هذه السياسات الخرقاء، فالرجوع إلى الحق فضيلة، والمراجعات تمت -والحمد لله- على الأصعدة الداخلية والخارجية كافة، وقطع دكتور مصطفى عثمان شوطاً بعيداً في انفاذها ومحو «آثار يونيو»، لكنَّه لا يزال يصارع في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، والإدارة الأميركية، وغيرها، حيثُ لا تزال سُحُبٌ قديمة لم تمطر بعد، وقد تفرِّغ حمولتها في الآكام والبوادي، لكن قد تفرغها في المدن والحضر، ومهما يكن، فبرُّ الأمان بدا قريباً سيما مع المراجعات التي تقول إنها ستفضي إلى سلام دائم تتفكك فيه هيمنة المذهب السياسي الواحد، لصالح شراكة المذاهب كلها، وهذه شجاعة تستحق التأييد وإن جاءت متأخرة!

    إجمالي ما سبق قوله في هذه القراءة، يتلخص في أنَّ محنة الإسلاميين في السودان كان منشأها الأساسي من شيئين يكملان بعضيهما البعض، وهما «أزمة الشورى وتقديس الزعامة»، وذكَّرنا بضرورة رفع اللبس لدى بعض الناس فيما يظنونه من تلبس المحنة للإسلاميين في العالم كله إلا إسلاميو السودان، وهذا منشأه انفرادهم بحكم السودان لفترة عقد ونصف العقد، والقضية قراءتها من الوجهتين صحيحة، فهم بعيدون كل البعد عن المحنة لأنهم يجلسون على كراسي السلطة في قصورها البهيَّة ومكاتبها المكيّفة -وهذه حقيقة- لكنهم كذلك، يعيشون المحنة بطولها وعرضها، واستعرضنا ذلك في حينه لكن خلاصته تتجلى في أنَّ المعتقلات السياسية بالبلاد تكاد تكون خالية إلاَّ من مجموعة من قادة وأعضاء الحركة الإسلامية!! وأنَّ «57» حزباً بالسودان تمارس نشاطها وفق التكييف القانوني المتسامح بدرجة ما، إلاَّ حزباً واحداً، ليس هو الحركة الشعبية لتحرير السودان، إنما هو حزب مجموعة من الإسلاميين يقودهم دكتور الترابي وإبراهيم السنوسي وياسين عمر الإمام ودكتور علي الحاج، فمن يرفض بعد هذا، توصيف الأمر على أنَّه محنة!؟ نود الآن أن ننتقل مباشرةً خلال هذه القراءة النقديّة، لاستعراض تجليات المحنة على صعيد ممارسة الحكم، وتجليات المحنة في ممارسة الحكم لا تكاد تنحصر، غير أنَّ أشهر محطاتها كانت في حرب الخليج الثانية، والحركة الإسلاميَّة تعتزم إنشاء دولة قويَّة يُعمل لها ألف حساب وحساب «مستقبلاً» قامت من أول أيامها في الحكم، بإنزال الجماهير للشوارع في المدن الكبيرة لتهتف «بالكيماوي يا صدام» وفي اعتقادها أنَّ الناس أغبياء، كان عليهم تفهُّم موقفها الرسمي في قمة الزعماء العرب والذي يدعو لإعطاء الحل العربي فرصة كافية، ومهما يكن - والحديث للموقف الرسمي- فإنَّ التواجد الأميركي في المنطقة مرفوض! وكانت الحركة الإسلاميَّة -وهي في سنة أولى حكم- تتصرف تصرف «الحالمين» تارة، وتصرف الذين لم يبلغوا الحلم في السياسة تارات عديدة.. وكانت معالجة هذا الموقف الذي ظلت تدفع ثمن فاتورته حتى عهدٍ قريب، بصب مزيد من الزيت على النار بسد طرقات وشوارع الخرطوم -باستمرار- فَرِحةً مع أهزوجة أميركا روسيا قد دنى عذابها التي يستعذبها قادة الحركة الذين هم قادة الدولة، ناسين أنَّ الإفصاح عن الأمنيات لا يعني بالضرورة تحويلها إلى واقع! وأنَّ الأمنيات لا ينبغي إعطاؤها مساحات في السطو على الواقع، ومهما يكن من أمر، فإنَّ التجربة كانت مليئة بالشهامة والرجولة والصدق، لكن كلَّ ذلك بغباء سياسي دفعت ثمنه الحركة والدولة والجماهير معاً، والحال هذه، تفتحت العبقريَّة السياسية عن رفض تام لاتفاقية سايكس بيكو، وغيرها من الاتفاقات التي نشأت بموجبها الحدود الجغرافية بين البلدان العربية، فالصحيح -وفق عبقرية سنة أولى حكم- أنَّ الأرض كلها لله، ومن العار أن نطالب المسلمين -سيما المنضوين تحت لواءات الحركات الإسلامية، وبالخصوص الجهاديين منهم- من العار أن نطالب هؤلاء بإبراز هوياتهم أو حصولهم مسبقاً على تأشيرة دخول وفترة إقامة! وكانت نتيجة ذلك كوارث صرفها الله بلُطفِهِ وعطفِهِ. المهم أنَّ ذلك كلَّه كان يتم والفقر يطحن في المساكين المتعلقين بصدق الحاكم ورفاقه، ولم يشك أحد في ذلك، لكن الصدق لا يغني عن الحكمة والوفرة شيئاً، وكان ذلك يتم والبلاد يكفيها الذي فيها، من بؤسٍ وفقرٍ وجهلٍ، وعلى ذلك تلتهم النار المستعرة أطرافها منذ سنين! ما كان لمن يجهل أبجديات العمل السياسي أن تكون تلك هي خططه، ليست البديلة، إنما الوحيدة! والغريب أنَّ الخليفة الشيخ الطاهر ود بدر «عليه رحمة الله» قال لي، وهو عضو شورى الجبهة، إنَّ إعلان الشريعة كان فيه جدال، حيث يرى نفر من أهل الدراية والفهم السياسي «وذكر منهم عثمان خالد مضوي» كانوا يطالبون بتأجيل إعلان الشريعة ولا ينبغي أن يسفر النظام عن وجهه في سنواته الأولى التي يحتاج فيها للسند الخارجي، فإن كان ذلك كذلك، فكيف أُرتكبت كل تلك الحماقات السياسية والتوازن في السياسة الدوليَّة قد انتهى وانعدم؟
    على صعيد السياسات الداخلية، فإنَّ أخطاء كبيرة ارتكبت، من قتل «28» ضابطاً في العشر الأواخر من رمضان، إلى إعدام مجدي لمجرد حيازته للدولار«من حر مالِهِ»! إلى قيادة حركة تهجير واسعة و«تطهير» داخل مؤسسات الدولة، وإضعاف الجيش وعقيدته القتالية لصالح «تجييش الأمَّة» لأنَّ جيش الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن نظامياً إنما فيه التجار والزرَّاع والحفظة وغيرهم، إلى تبني العقليَّة المنغلقة في التعاطي السياسي... ألخ. ما يجب قوله الآن هو أن نحمد لمن أعطى فكرة التراجع عن كل هذه السياسات الخرقاء، فالرجوع إلى الحق فضيلة، والمراجعات تمت -والحمد لله- على الأصعدة الداخلية والخارجية كافة، وقطع دكتور مصطفى عثمان شوطاً بعيداً في انفاذها ومحو «آثار يونيو»، لكنَّه لا يزال يصارع في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، والإدارة الأميركية، وغيرها، حيثُ لا تزال سُحُبٌ قديمة لم تمطر بعد، وقد تفرِّغ حمولتها في الآكام والبوادي، لكن قد تفرغها في المدن والحضر، ومهما يكن، فبرُّ الأمان بدا قريباً سيما مع المراجعات التي تقول إنها ستفضي إلى سلام دائم تتفكك فيه هيمنة المذهب السياسي الواحد، لصالح شراكة المذاهب كلها، وهذه شجاعة تستحق التأييد وإن جاءت متأخرة!
    -------------------------
    إجمالي ما سبق قوله في هذه القراءة، يتلخص في أنَّ محنة الإسلاميين في السودان كان منشأها الأساسي من شيئين يكملان بعضيهما البعض، وهما «أزمة الشورى وتقديس الزعامة»، وذكَّرنا بضرورة رفع اللبس لدى بعض الناس فيما يظنونه من تلبس المحنة للإسلاميين في العالم كله إلا إسلاميو السودان، وهذا منشأه انفرادهم بحكم السودان لفترة عقد ونصف العقد، والقضية قراءتها من الوجهتين صحيحة، فهم بعيدون كل البعد عن المحنة لأنهم يجلسون على كراسي السلطة في قصورها البهيَّة ومكاتبها المكيّفة -وهذه حقيقة- لكنهم كذلك، يعيشون المحنة بطولها وعرضها، واستعرضنا ذلك في حينه لكن خلاصته تتجلى في أنَّ المعتقلات السياسية بالبلاد تكاد تكون خالية إلاَّ من مجموعة من قادة وأعضاء الحركة الإسلامية!! وأنَّ «57» حزباً بالسودان تمارس نشاطها وفق التكييف القانوني المتسامح بدرجة ما، إلاَّ حزباً واحداً، ليس هو الحركة الشعبية لتحرير السودان، إنما هو حزب مجموعة من الإسلاميين يقودهم دكتور الترابي وإبراهيم السنوسي وياسين عمر الإمام ودكتور علي الحاج، فمن يرفض بعد هذا، توصيف الأمر على أنَّه محنة!؟ نود الآن أن ننتقل مباشرةً خلال هذه القراءة النقديّة، لاستعراض تجليات المحنة على صعيد ممارسة الحكم، وتجليات المحنة في ممارسة الحكم لا تكاد تنحصر، غير أنَّ أشهر محطاتها كانت في حرب الخليج الثانية، والحركة الإسلاميَّة تعتزم إنشاء دولة قويَّة يُعمل لها ألف حساب وحساب «مستقبلاً» قامت من أول أيامها في الحكم، بإنزال الجماهير للشوارع في المدن الكبيرة لتهتف «بالكيماوي يا صدام» وفي اعتقادها أنَّ الناس أغبياء، كان عليهم تفهُّم موقفها الرسمي في قمة الزعماء العرب والذي يدعو لإعطاء الحل العربي فرصة كافية، ومهما يكن - والحديث للموقف الرسمي- فإنَّ التواجد الأميركي في المنطقة مرفوض! وكانت الحركة الإسلاميَّة -وهي في سنة أولى حكم- تتصرف تصرف «الحالمين» تارة، وتصرف الذين لم يبلغوا الحلم في السياسة تارات عديدة.. وكانت معالجة هذا الموقف الذي ظلت تدفع ثمن فاتورته حتى عهدٍ قريب، بصب مزيد من الزيت على النار بسد طرقات وشوارع الخرطوم -باستمرار- فَرِحةً مع أهزوجة أميركا روسيا قد دنى عذابها التي يستعذبها قادة الحركة الذين هم قادة الدولة، ناسين أنَّ الإفصاح عن الأمنيات لا يعني بالضرورة تحويلها إلى واقع! وأنَّ الأمنيات لا ينبغي إعطاؤها مساحات في السطو على الواقع، ومهما يكن من أمر، فإنَّ التجربة كانت مليئة بالشهامة والرجولة والصدق، لكن كلَّ ذلك بغباء سياسي دفعت ثمنه الحركة والدولة والجماهير معاً، والحال هذه، تفتحت العبقريَّة السياسية عن رفض تام لاتفاقية سايكس بيكو، وغيرها من الاتفاقات التي نشأت بموجبها الحدود الجغرافية بين البلدان العربية، فالصحيح -وفق عبقرية سنة أولى حكم- أنَّ الأرض كلها لله، ومن العار أن نطالب المسلمين -سيما المنضوين تحت لواءات الحركات الإسلامية، وبالخصوص الجهاديين منهم- من العار أن نطالب هؤلاء بإبراز هوياتهم أو حصولهم مسبقاً على تأشيرة دخول وفترة إقامة! وكانت نتيجة ذلك كوارث صرفها الله بلُطفِهِ وعطفِهِ. المهم أنَّ ذلك كلَّه كان يتم والفقر يطحن في المساكين المتعلقين بصدق الحاكم ورفاقه، ولم يشك أحد في ذلك، لكن الصدق لا يغني عن الحكمة والوفرة شيئاً، وكان ذلك يتم والبلاد يكفيها الذي فيها، من بؤسٍ وفقرٍ وجهلٍ، وعلى ذلك تلتهم النار المستعرة أطرافها منذ سنين! ما كان لمن يجهل أبجديات العمل السياسي أن تكون تلك هي خططه، ليست البديلة، إنما الوحيدة! والغريب أنَّ الخليفة الشيخ الطاهر ود بدر «عليه رحمة الله» قال لي، وهو عضو شورى الجبهة، إنَّ إعلان الشريعة كان فيه جدال، حيث يرى نفر من أهل الدراية والفهم السياسي «وذكر منهم عثمان خالد مضوي» كانوا يطالبون بتأجيل إعلان الشريعة ولا ينبغي أن يسفر النظام عن وجهه في سنواته الأولى التي يحتاج فيها للسند الخارجي، فإن كان ذلك كذلك، فكيف أُرتكبت كل تلك الحماقات السياسية والتوازن في السياسة الدوليَّة قد انتهى وانعدم؟
    على صعيد السياسات الداخلية، فإنَّ أخطاء كبيرة ارتكبت، من قتل «28» ضابطاً في العشر الأواخر من رمضان، إلى إعدام مجدي لمجرد حيازته للدولار«من حر مالِهِ»! إلى قيادة حركة تهجير واسعة و«تطهير» داخل مؤسسات الدولة، وإضعاف الجيش وعقيدته القتالية لصالح «تجييش الأمَّة» لأنَّ جيش الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن نظامياً إنما فيه التجار والزرَّاع والحفظة وغيرهم، إلى تبني العقليَّة المنغلقة في التعاطي السياسي... ألخ. ما يجب قوله الآن هو أن نحمد لمن أعطى فكرة التراجع عن كل هذه السياسات الخرقاء، فالرجوع إلى الحق فضيلة، والمراجعات تمت -والحمد لله- على الأصعدة الداخلية والخارجية كافة، وقطع دكتور مصطفى عثمان شوطاً بعيداً في انفاذها ومحو «آثار يونيو»، لكنَّه لا يزال يصارع في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، والإدارة الأميركية، وغيرها، حيثُ لا تزال سُحُبٌ قديمة لم تمطر بعد، وقد تفرِّغ حمولتها في الآكام والبوادي، لكن قد تفرغها في المدن والحضر، ومهما يكن، فبرُّ الأمان بدا قريباً سيما مع المراجعات التي تقول إنها ستفضي إلى سلام دائم تتفكك فيه هيمنة المذهب السياسي الواحد، لصالح شراكة المذاهب كلها، وهذه شجاعة تستحق التأييد وإن جاءت متأخرة!
    * ملاحظة: نضطّر في كل مرة أن نذكِّر بغرض هذه القراءة، وهو قراءة المحنة ليس غير، فللحركة الإسلامية نجاحات كبيرة في الحكم، بحجم الإخفاقات الضخمة التي كادت تهوي بالبلاد إلى مكانٍ سحيق
    لا أعتقد، أنَّ شخصاً سيملأه الشعور بالرضا لأنَّه أحاط بتجربة ماثلة لا تزال، سيما تجربة الحركة الإسلاميَّة السودانيَّة في الحكم، إذ لا تزال فصول الكتاب وأبوابه وسطوره مفتوحة، لكن الإشكال أكبر من كون التجربة مستمرةٌ وحسب، فمثلاً، حزب البعث في سوريا يمكنك التحدُّث عن تجربته بصورة مريحة -وهي لا تزال مستمرة- وستكون المهمة أسهل بأضعافٍ كثيرة، بينما التجربة الماثلة في السودان تحيط بها التعقيدات والتناقضات -بما يصعِّب الإحاطة- من عدة اتجاهات، داخلية وخارجية، فالحركة الإسلامية هي الآن حاكمة، لكنها أيضاً محلولة منذ عقد ونصف العقد تقريباً!! والحركة الآن حاكمة لكن تحكم معها مجموعات سياسية «مهما كان وزنها».. ومن ناحية أخرى غريبة تجد أنَّه «للحركة الإسلاميَّة حزبٌ حاكم»!!، هو المؤتمر الوطني، الذي هو عبارة عن «خليط غير مفهوم»!، وهذا يعني أيضاً أنَّ للمؤتمر الوطني عمق سياسي هو «الحركة الإسلامية» المحلولة والحاكمة ! ولهذه «الطلاسم» لم نكد نشعر بموافاتنا لقضيَّة «محنة الإسلاميين» من بعد الحكم، لا في الجزء الذي جلسنا به في إطار المحنة، ولا الجزء الذي جلس بنا -مطولاً- في حضرة أُس المشكلة المتمحور حول ما أسميناه بـ «أزمة الشورى وتقديس الزعامة»، ولا شعرنا بموافاة القضية في الجزء الذي خصصناه لتفريق دم الحركة بين القبائل، والقبائل -من أسف- مجهولة «بعضهم في بيوتهم وبعضهم تشتتوا وبعضهم تمردوا»! ولا في الجزء الأخير الذي خصصناه لتجليات المحنة في ممارسة الحكم «التخبطات التي ذكرناها على صعدٍ عديدة»، فالقضية ضخمة متشعبة، وما نقدمه لا يعدو كونه قراءة في سفر ضخم لم يسطر بعد، به من الموجب والسالب ما به، وعزاؤنا أنَّ أقلاماً مرموقة، لابد وأنها تسجِّل تفاصيل التجربة، وعلى ذلك، فقد انهالت علىَّ الرسائل بصورة لم أكن أتوقعها، معظمها من الإسلاميين الذين وجدوا أنفسهم لا يبيتون في هذا «الحوش» أو ذاك، فقد فاضت بهم المحنة ولم يعد بهم أملٌ في استظهار قريب يحوِّل استضعافهم -وهم في الحكم!- إلى قوة، بل إنَّ أحدهم -يعمل في قطاع حساس في الدولة لا أود ذكر اسمهِ لأنَّه قد يُحاط بالشكوك في ولائه فيُعفى أو يُنفى، -قال لي وكأنَّه ذلك الرجل في عهد موسى يكتم إيمانه-: «قل محنة السودان في الإسلاميين لا محنة الإسلاميين في السودان»! وواصل: «يا أخي عن ماذا تتحدث؟ المشروع الذي كنَّا نحلم به تحوّل إلى هباءٍ منثور، حتى إنَّ عدد المُغنيات في العاصمة يكاد يوازي عدد الشهداء، كم مليار سينفق لجلب الراقصات في عاصمة الثقافة؟ والأهل يأكلهم البعوض؟ وولاية في حجم سنار ينعدم فيها الإختصاصيون... الخ»، والحق أنِّي اجتهدتُ كثيراً في تهدئتِهِ لأنني خشيتُ عليه أن ينفجر من ضغط الهواء الساخن الذي ملأ جوفه الرقيق، وقلت له هل تشترط الخرطوم تحديد وفود الدول؟ وهل ترفض اختيار العرب واليونسكو لها؟ أم توافق لكن تتلكأ في الضيافة؟ صحيح أنّ خللاً قد يصاحب الموضوع لكن ليس في هذه الجوانب التي باسمها يمكن أن تعطِّل كل مشروع.. جادلته فأكثرت جداله والقصد كله تفريغ شحناته الساخنة، لكن في تلك الرسائل -التي والله أخذت مني جهداً في المواصلة فيها وفض الاشتباكات مع بعض راسليها- وقفت على حجم «محنة الإسلاميين» ففيها شتم صريح و«قبيح» لكثير من الرموز التي كانوا يرونها ملائكة! ولا أدري هل «الانفصام» الذي حدث من ضعف وانعدام التواصل، يعززه تعالٍ وتجافٍ من هذه الرموز؟ أم بأسباب فساد وجنوح حقيقية؟ والذي يمكن طرقه -في خواتيم التحدُّث عن المحنة- هو كيفية جمع ولملمة «أهل الأعراف» من الحركة الإسلامية، الذين تفرقوا أيدي سبأ، صحيح أنَّ الحركة الاتحادية والحزب الشيوعي وحزب الأمة وغيرها من الأحزاب العريقة تعيش التيه والتقسيم والتشرذم، لكن معظمها يعيش التشرذم بسياقات واضحة، بينما الحركة التي «هي لله» تعيش التيه بصورة غير مفهومة السياق، لا في عهد «وحدتها وهي محلولة»!، ولا بعد «الانقسام وهي موجودة» -بالإشارة إلى مؤتمر سوبا-، ويزيد عجبك حين تسمع عن حركة حاكمة تعيش قواعدها -وكثير من رموزها- الضعف والإحباط في أسوأ حالتيهما!! وغير مُجدٍ أن نقول إنَّ الإحباط من أخطر العوامل التي تعمل على شل وتعطيل الطاقات والقدرات، ذلك لأنَّ التخصصات والهيئات التي تستوعب هذه الطاقات داخل الحركة الإسلامية، منعدمة تماماً وغير موجودة، ومن الأفضل أن يلتهمها الإحباط فلا تتحوَّل إلى «طاقات سالبة» وهذه -الآن- هي الوضعية التي تعيشها المساحة الأكبر لما يُعرف بالحركة الإسلاميَّة! والذي سيرفع ضغط قواعد الحركة الإسلاميّة -وكثير من مفكريها ورموزها- أنَّ الوضعيَّة سالفة الذكر هي التي بها يستقبلون «مرحلة الشراكة مع الحركة الشعبية» المسنودة دولياً بسندٍ لا تخطئه عين ولا ينكره أحد، وهي- أيضاً- الوضعيَّة التي يستقبلون بها «مرحلة صناديق الاقتراع» التي لا يمكن أن تكون الكلمة الأخيرة فيها للمحبطين! «انتهى».


                  

العنوان الكاتب Date
بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان طلال اسماعيل حسب الرسول05-16-09, 08:37 PM
  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عبد المنعم سليمان05-16-09, 10:21 PM
  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان بدر الدين اسحاق احمد05-16-09, 10:33 PM
    Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عبد المنعم سليمان05-16-09, 10:45 PM
    Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان على عجب05-16-09, 11:10 PM
      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان شادية عبد المنعم05-16-09, 11:51 PM
  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان كمال سالم05-17-09, 00:21 AM
    Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عبد المنعم سليمان05-17-09, 00:31 AM
      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان ابراهيم برسي05-17-09, 00:40 AM
      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان munswor almophtah05-17-09, 01:05 AM
        Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Bushra Elfadil05-17-09, 02:10 AM
          Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Elbagir Osman05-17-09, 03:46 AM
            Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان فتحي الصديق05-17-09, 05:50 AM
              Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان أبو ساندرا05-17-09, 06:12 AM
            Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان saif addawla05-17-09, 06:05 AM
              Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Hisham Ibrahim05-17-09, 06:31 AM
              Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Yassir Tayfour05-17-09, 06:38 AM
              Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Huda AbdelMoniem05-17-09, 06:42 AM
                Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان نصر الدين عثمان05-17-09, 07:19 AM
                Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان محمد عبدالله سيد احمد05-17-09, 07:26 AM
                  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Badreldin Ahmed Musa05-17-09, 08:34 AM
                  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان بدر الدين اسحاق احمد05-17-09, 08:41 AM
                  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان محمد مختار جعفر05-17-09, 08:44 AM
                  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان فدوى الشريف05-17-09, 09:09 AM
                    Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان على عجب05-17-09, 09:26 AM
                      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عروة علي موسى05-17-09, 09:43 AM
                      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عمر عبد الله فضل المولى05-17-09, 09:51 AM
                        Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عثمان الشيخ05-17-09, 10:18 AM
                        Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان أيمن دياب05-17-09, 10:22 AM
                          Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عبدالحفيظ حسن05-17-09, 10:58 AM
  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان عبدالله عثمان05-17-09, 10:55 AM
    Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان محمد على طه الملك05-17-09, 11:24 AM
      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Nazar Yousif05-17-09, 11:44 AM
      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان خالد العبيد05-17-09, 11:44 AM
        Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Haitham Elsiddiq05-17-09, 12:11 PM
  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان ايهاب اسماعيل05-17-09, 03:30 PM
    Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان خالد عبد الله محمود05-17-09, 03:46 PM
      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان Ali Hamad05-17-09, 04:58 PM
        Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان الشيخ صالح محمد05-17-09, 05:16 PM
          Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان ايهاب اسماعيل05-18-09, 08:05 AM
            Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان محمد ابراهيم قرض05-18-09, 09:05 AM
              Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان شوقي مهدي مصطفي05-18-09, 10:39 AM
                Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان أحمد الشايقي05-18-09, 11:03 AM
                  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان مؤيد شريف05-18-09, 11:09 AM
                    Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان طلال اسماعيل حسب الرسول05-18-09, 11:47 AM
                      Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان ابراهيم الرشيد عبدالرحمن وراق05-18-09, 01:25 PM
  Re: بيان من حسين خوجلي بمناسبة مرور عام على ايقاف ألوان فخرالدين عوض حسن05-22-09, 07:16 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de