مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 12:11 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-05-2009, 00:43 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!!

    مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!!



    نظرت الي الفتاة الشرق أوسطية ذات الاربعة عشر ربيعا بعينيها الواسعتين من خلف نظارتها الطبية الاقرب الى الطابع الرجولي و اجابت على سؤالي بتحدٍ واضح " نعم أكذب لأن الكل يكذبون..." و اردفت قائلة " أنا متأكدة انك أيضا تكذب في الكثير من الاحايين...". هذا الحديث دار بيني كطبيب في مستشفى الامراض العصبية للاطفال و اليافعين الكائن في الضاحية الجنوبية من مدينة لاهاي و بين مريضتي اعلاها و التي ادخلت الى القسم المغلق للاطفال بعد ان كانت تعالج من انهيار عصبي حاد و امتناع عن الاكل و الشرب مما شككنا في انها تعاني من مرض الانوريكسيا نيرفوزا (ما يعني بايجاز الامتناع عن الاكل للاحتفاظ بجسد نحيل يضاهي عارضات الازياء و لكنه يشتط الى درجة فظيعة يمكن ان يموت ازائها المريض) و هو مرض معروف و منتشر لدي الاناث لحد ما في سنوات البلوغ في أوروبا.

    الواقع انه و بعد جلسات علاجية استمرت الى عدة اشهر تبين أن المريضة لديها اشكالات اسرية معقدة حيث أن الأم في شجار دائم مع الأب و كون الاسرة ببناتها الثلاث حضرت الى أوروبا بقصد نيل اللجوء السياسي هروبا من اضطهادات متعددة في البلد الام، كما ان الضغوط المتعددة على الاسرة و عدم الاستقرار النفسي للام ادى بالاطفال الثلاثة الى مصحات متعددة للامراض النفسية.. مريضتى تبين ان لها عدة تشخيصات طبية و منها اعتلال في تطور الضمير الامر الذي يصور لها ان الكذب و الايقاع بين الاخرين بتلفيق المواقف أمر طبيعي و عادي. ذلك السلوك كانت تمارسه لحماية نفسها كاصغر طفلة بصورة تلقائية داخل اسرتها للهرب من العقاب القاسي و الابتعاد عن المشاكل قدر الامكان، كما ان عملية الكذب و المراوغة تمر خلال العملية التربوية دون توجيه او تقويم من الاهل المشغولين بمشاكلهم الخاصة.

    في محاضرة تابعتها بعد ذلك للبروفسير فيرهاي استاذ الطب النفسي بجامعة اراسموس في روتردام قدم لنا مقارنات متعددة كي يقرب لنا افتراضية تكوين الضمير و تعقيدات هذه المسألة في النفس البشرية، كان يسأل ماذا كنت ستفعل لو سقطت محفظة من رجل أمامك !!! ويمضي مضيفا تعقيدات للمسألة و ماذا اذا وجدت محفظة فقط و لم ترى ممن سقطت!!! و ما هو موقفك اذا كانت المحفظة تحتوي على 5 الف يورو!! و ماذا لو كنت حينها مطاردا من قبل البنك أو الدائنين و هذا المبلغ سيحل لك المشكلة!! و تمضي التعقيدات قدما ماذا لو أن المال سقط من مجرمين اثناء تبادلهم لطلقات نارية!!!

    الاجابات على كل هذه الاسئلة كانت متعددة من قبل الاطباء الحضور و دار نقاش ممتع حول المسألة و تباينت الآراء، و قدم الرجل اضافات عميقة حول الواعز الاخلاقي أو الديني و دور الاسرة و المجتمع في اعلاء قيم الضمير و تكوينه و كيف انه من ثم تتكون المفاهيم المجتمعية التي تحدد الخطاء من الصواب، وكيف انها في تغير و تبدل مستمر حسب تطور المجتمعات و رفاهيتها و حساسيتها الاخلاقية التي تزداد أو تنقص حسب احساسها بالخطاء و الصواب و القانوني و غير القانوني و الحرام والحلال.... الى غيرها من الثنائيات.

    ساهمت ظروف عودتي المتواترة للسودان خلال الستة سنوات الاخيرة ان اشهد حوداثا متعددة، منها اغتيال الشيخ ياسين على ايدي الجيش الاسرائيلي و مقتل الطفل محمد الدرة من قبل نفس الجيش، و عدوان هذا الاخير ايضا على قطاع غزة الذي راح ضحيته ما يقارب الـمأتين من الفلسطينيين، و شاهدت بام عيني خروج الكثيرين في مظاهرات عفوية للتضامن مع ضحايا تلك الاعتداءات.

    الامر الى هنا يبدو عاديا و يعكس روحا تضامنية عالية مع مآسي الاخرين و تماهيا مع آلام بشر في بلد آخر تعصف بهم المصائب و تدك دورهم ادوات الظلم. بعيد و قبيل تلك الاحداث مرت على السودان مصائب تشيب لها الولدان و اهتز لها العالم مثل حرب الجنوب و حرب دارفور و تقاطر الحيوف و المظالم الذي ادى الى فرار مئات الالاف من السودانيين و تشردهم إلى البلدان المجاورة يوغندا تشاد اريتريا و من استراليا جنوبا إلى كندا شمالا، و قد راح ضحية لهذه الحروب و ما يقارب الـ 3 مليون مواطن العدد الذي كان يمثل في مرحلة ما عشر سكان هذا الوطن المنكوب، طيلة هذه الفترة لم اشاهد مظاهرات او احتجاجات عفوية بتلك الاحجام التي شاهدتها تضامنا مع قضية تبعد عنّا آلاف الاميال، كما أنني لم أحس أن لدي السودانيين بصفة عامة احساس حقيقي بحجم المأساة الحادثة و لا نقاشا حقيقيا حولها و لا ضرورة انهائها. و الامر بالطبع لا يتصل بهذه الحكومة أو تلك، بل أن الاشكال اعمق جذورا من ذلك و قد أوضحته اتفاقية نيفاشا للسلام لكي ذي عقل، حيث سلم الجيش الشعبي المارق (على حد تعبير الحكومات المتعددة) 4 آلاف اسير لحكومة السودان المركزية بينما لم يكن لحكومة السودان اسيرا واحدا بعد 22 عاما من الحرب حيث برزت الحقيقة المؤسفة ان الجيش السوداني و منذ زمن النميري كان يقضي على الاسرى حتى لا يرهق بتكاليف اعاشتهم.

    في وجهة نظري أن هناك اعتلالا حقيقيا في تطور الضمير الجمعي السوداني، الذي يرى ان هناك بشر هم احق بالحياة من غيرهم، بشر يستحقون الخروج من أجلهم في المظاهرات و التنديدات و بشر اقل قيمة يستحقون عدم المبالاة، و حتى يكون التقييم أكثر عدلا، فالامر يتعدى الذوات الشمالية أو الجنوبية أو الغربية أو الشرقية في السودان الامر الذي دأبنا على سماعه مؤخرا. الامر يتعلق بثقافة المركز السياسي السوداني غض النظر عن من هم على رأسه من دناقلة جعليين زغاوة شوايقة، حلفاويين، فعلى ايدي خليل ابراهيم أبيد آلاف الجنوبيين، و على ايدي الشماليين من حكومة عبود رحل الاف الحلفاويين من ديارهم دون تعويضات تذكر و قضى الالاف منهم جراء الملاريا في خشم القربة، و هو مرض لم يكن يعرفونه في شمال الوطن، ايضا أرتكبت الحكومة الحالية جرائم في الشرق و الشمال مثل مجزرة بورتسودان و مجزرة كجبار، كما شردت في بواكير قدومها الى السلطة مئات الآلاف من ابناء السودان الأكفاء بمفاهيم الولاء السياسي و الديني، كما ارتكبت الحكومة الديمقراطية مذابح مثل مذبحة جودة، و ارتكبت الحكومة الديمقراطية ايضا خطاء قابيل عندما سلحت بعض القبائل في غرب السودان و تركت الاخرى مما ادى الى اختلال في القوى تعاني منه تلك المناطق الى الان. و بالطبع فإن الاعتلال مستمر على جميع الاصعدة الى الآن فالحركة الشعبية التي تزعم انها تدافع عن المهمشين، اعتصمت عن السلطة لاعتبارات سياسية لأكثر من شهرين و لم تبتعد من السلطة من اجل دارفور اسبوعا واحدا.

    قد يقول البعض ان الحكومة في السودان هي التي تحشد الحشود و تجبر الناس على الخروج، و بالطبع فقد ناقشت البعض ممن خرجوا بصورة عفوية وواجهتم بالسؤال لماذا لاولئك و اهل البيت في السودان اولى بالمعروف و التعاطف، ولكن القشة التي قصمت ظهر بعيري و حدت بي لكتابة هذا المقال هو خروج نفر غير يسير من السودانيين في هولندا لمناصرة البشير ضد المحكمة الجنائية الدولية و لسخرية القدر فإن معظمهم من اللاجئين السياسيين الذين فروا من جحيم نظامه في التسعينيات، و البعض قدم من مدن بعيدة بدعم من جهات معلومة للوقوف مع ما يسمونه رمز الدولة، الم يكن الاحرى بهؤلاء الوقوف مع الضحايا بدلا من الوقوف مع الجلادين، هل لو وقفنا جميعا وقفة اخلاقية ضد الحرب هل كان لتصل هذه الدرجة من العنف، ما هو اقسى مصير يمكن أن يلاقيه البشير ان القي القبض عليه، اليس هو سجنا مريحا و انسانيا يستغفر فيه ربه عن دماء 2 مليون من السودانيين ازهقت ارواحهم في عهده، بينما ارحم مصير يمكن ان يجده ضحاياه هو اطراف مبتورة جراء القصف العشوائي، او نزوح جماعي الى دول مجاورة تعاني الفقر اساسا، من هو الاولى بالمساندة، اطاغية جبار و متعنت أم اكثرمن مليوني مشرد و ثلاثمائة الف قتيل في دارفور او على حد زعم البشير 11 الفا منهم كان الرقم يغير شيئا من حجم المعاناة الانسانية.

    السؤال هل هذا الاعتلال في الضمير امر اصيل في الذات السودانية ام هو أمر عارض، و شخصيا اعتقد انه أمر مستجد، فلقد انبأتنا الثقافة الشعبية السودانية الشفهية عن انشغال السودانيين ابان سموهم الانساني في الخمسينات و الستينات من القرن الماضي بهموم الاخرين بغض النظر عن اعراقهم و اديانهم، و اهتمامهم بحركات التحرر الوطني و مآلات نيكروما و جيفارا و دول آسيا البعيدة، و حتى أغاني البنات كانت تحمل تلك المضامين " يا جنى الماو ماو"، " يلا لي سوريا ياشباب كوريا". و رائعة الكابلي آسيا و افريقيا. كل ذلك يعكس ان هناك تدهورا مريعا لم يصب اقتصاد البلاد فحسب بل اصاب انسانها و ضميره و حسه الوطني في مقتل، نحن الآن في مفترق طرق حقيقي و في وطن يقارب على التفتت فهلا استلهمنا عميق القيم الانسانية الذي لا مراء انه كامن فينا، لنقول لكل من اوصلنا الى هذا الدرك ...... كفانا!!!


    [email protected]
    أمجد إبراهيم سلمان
    5 مايو 2009
                  

05-05-2009, 01:36 AM

salah ismail
<asalah ismail
تاريخ التسجيل: 04-27-2009
مجموع المشاركات: 1258

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: Amjad ibrahim)

    سؤال هل هذا الاعتلال في الضمير امر اصيل في الذات السودانية ام هو أمر عارض، و شخصيا اعتقد انه أمر مستجد، فلقد انبأتنا الثقافة الشعبية السودانية الشفهية
    -------------------------------------------------------------------
    الاخ امجد لك التحيه:
    اولا نحن نظلم الشعوب اذا استعملنا معايير القياس الفرديه لتقييم شعب باكمله اذ ان فكرتك جاءت نتيجة لارتفاع مستوي الوعي لديك شخصيا
    لدرجة ان طرح هذا السؤال اشبه بالمسئولية تجاه من تحب.
    انا احاينا كثيرة اسال نفسي نفس السؤال!!!!!
    العقل الجماعي لابد ان يمر بمراحل التطور في كل الابعاد والمرحلة الراهنة ممرحلة مهمة لظهور العقل الجماعي في شتي صوره
    وهي مرحلة سوف تمر كاي ظاهرة فيزيولوجية بمرحلة البداية ثم التطور السريع ثم التوازن والثبات ثم الانحطاط وهذه الظواهر خاضعة لقوانين
    quantum physcis and quantum mechanics
    وهي قوانين جعلت المسافة بين العلوم المادية المعملية والقوانين الروحية التي تحكم الاخلاق والطباع اقرب الي الصفر...
    نعرف هن غذاء الجسد هو الطعام وان غذاء العقل هو المعرفة وان غذاء الروح هو الحضور والنتباه للصلة بين الفرد ومصدر وجوده....

    هنلك بعض المراجع ك
    *THE THRUSHOLD OF THE MIND-BILL HARRIS
    *OPENING THE MIND EYE-FOR IANROBERTSON
    *HOLODYNAMICS-VICTOR WOLF
    *power vs force-for david haukins
                  

05-05-2009, 11:45 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: salah ismail)

    Thanks Bro Salah Ismail
    I am away now I will come back to comment in Arabic
    later

    yours Amjad
                  

05-05-2009, 04:42 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: salah ismail)


    الاخ صلاح اسماعيل

    شكرا على المرور و الاضافة

    بالطبع لا يمكن ان نقيم الشعوب من وقع تجاربنا الشخصية لان في ذلك ظلم لحد كبير، لكنني اقيم المواقف الحادثة
    وفق انفعالات نفس الشعب مع مشاكل الاخرين مقتبسا عدة تجارب خاضها نفس الشعب.

    الواقع ان الشعب السوداني مثلا لم يحرك ساكنا لمأساة رواندا و رواح 500 الف شخص خلال شهرين، لماذا ؟

    كان يمكن أن امضي قدم في التحليل لكن مساحة الموضوع لا تعطى فرصة و إلا لكان سيتشعب، في رايي الشخصي الامر له علاقة
    بالثقافة السائدة، فجيل الخمسينات و الستينات الذي كان اكثر حساسية لقضايا التحرر الوطني كان اكثر انفتاحا على قضايا
    العالم نسبة لامتلاكه مفتاح ذلك الانفتاح و هو التمكن اللغوي من اللغات العالمية الامر الذي انحدر بصورة واضحة منذ قررات
    تعريب المناهج على عهد محي الدين صابر، فاصبحنا نرى العالم بعيون عربية و شرق اوسطية بعدما كنا نراه بعين كونية و عالمية

    و صارت افئدتنا تطالع العالم بعد وقفات ترانزيت روحى في الدوحة الرياض لبنان، بعد ان كنا نرى العالم عبر عدة محاور و مصادر
    عالمية من بينها برلين لبنان مصر لندن امريكا موسكو....الخ.

    في موضوعي اعلاه وددت ان انبه الى هذا الامر و قد كتب آخرون غيري عن هذه المأساة و لكني اعتقد ان التحليل كان قاصرا على
    عنصرية البعض ضد الآخرين، بينما الامر هو اشكال ثقافي معقد عبر عنه الباحث الباقر العفيف في ورقته الشهيرة متاهة قوم سود ذوو
    ثقافة بيضاء، حيث لا يكفي ان تكون من الاقاليم المهمشة و ان يكون لون بشرتك مائلا الى السواد كي تحس بمعاناة من يحملون نفس لون البشرة في اقاليم اخرى من السودان

    لذا لم يشفع لون بشرة الجنوبيين الداكن عند خليل ابراهيم عندما كان اميرا للجهاد يقصفهم بالاسلحة كما لم يشفع صفار بشرة الصينيين لدي اليابانيين و هم يقصفونهم في مخابئهم. لان كل السابقين و ببساطة و تحت تأثير الثقافة كانوا ينظرون للآخرين كانهم بشر اقل قيمة

    شكرا مرة اخرى على المصادر و ساحاول ان اطلع عليها ان سمح لي الوقت
    اخوك امجد
                  

05-05-2009, 05:23 PM

عبدالمجيد صالح
<aعبدالمجيد صالح
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 2904

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: Amjad ibrahim)

    نتابع باهتمام




    عبدالمجيد صالح

    تخريمة

    كيف الاهل في لايدن
    لهم مني التحية
                  

05-05-2009, 11:16 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: عبدالمجيد صالح)

    سلام جميعا

    الاخ عبد المجيد كيفنك
    الاهل بخير و الحمدلله

    شكرا على متابعتك، الواقع ان الاخ الباقر العفيف
    كتب دراسة قيمة اسماها وجوه خلف الحرب عن ازمة دارفور

    ووضح في الكتاب العقلية المسيطرة عن انتاج حرب دارفور و غيرها من الحروب
    ايضا الاستاذ الخاتم عدلان كتب مقالا رائعا اسماه هل يمكن للترابي ان يكون بديلا
    لنظامه

    و النتيجة تقربا واحدة، ان كي توقف الحرب يمكن ان تعقد اتفاقيات، لكن لكي
    تضمن عدم تكرار نشوب الحرب فيجب أن تقضي على العقلية التي تنتج الحرب
    وهي في هذه الحالة عقلية المركز

    ايضا الفقيد جون قرنق قال قولة مشهورة حيث قال السؤال ليس ننقذ السودان من منو
    بل ننقد السودان من شنو... و هنا اسمى العقلية المتعالية في المركز

    لذا اصبح شعار السودان الجديد الذي يفترض ان يبنى السودان على عقلية جديدة
    من المساواة بين البشر و التوجه الى تعميق هذه المفاهيم حتى لا نفاجاء بحرب جديدة
    كل عدة سنوات تقضى على كل ما انجز من فترات الراحة النسبية و السلام المتعثر

    تحياتي يا صديق
                  

05-06-2009, 01:07 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: Amjad ibrahim)

    up
                  

05-06-2009, 04:00 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: Amjad ibrahim)

    الاخ امجد
    سلام
    موضوع يعبر عن اهمية العامل الثقافى والذى تم اهماله طويلا فى السودان اما بسبب التطرف الدينى او سيادة المفاهيم الطبقية على اهميتها .
    احاول ان اعود انشاء الله بالمزيد
                  

05-06-2009, 06:14 PM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: Amjad ibrahim)

    شكراً يا دكتور أمجد على هذه الكتابة الرائعة...
    أتابع...
                  

05-06-2009, 11:00 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: AnwarKing)

    سلام جميعا

    الاخ العزيز طلعت
    اعتقد ان هناك اهتمام حالي و جديد بالعامل الثقافي لان الحروب صارت بلا نهاية و الازمات تكرر باستمرار

    للاخ محمد جلال محمد هاشم مساهمات قيمة في هذا المضمار و هي ان الاشكال في ثقافة المركز بغض النظر عمن
    يستبطن هذه الثقافة و يجعلها مرشدا له، فتجد ان هناك نوبيين يقومون باعمال تعبر عن المركز ضد اهلهم

    ايضا هناك من غرب السودان من ساهم في اذكاء الحرب الاهلية بين اهليه، شخصيا اعتقد ان من يحاربون
    اليوم في دارفور حتى و ان اعتقدوا انهم يحاربون الحكومة فأنهم يجرون الويلات الى اهلهم و بذلك يخدمون
    سياسة الارض المحروقة للمركز دون وعي منهم.

    لقد رحلت السلطة الاستعمارية منذ 53 عاما و لكن عقليتها الاستعلائية مضافة عليها استعلاء عرقي و ثقافي من نوع
    آخر لا تزال موجودة فقط يعبر عنها اناس في اشكالهم يشبهوننا لكنهم يحملون قيما اقرب الى الاستعمار و التتار في
    سلوكياتهم و افعالهم غض النظر عن اي اقليم ينحدرون، و ان كان للشماليين القدح المعلى في التمثيل لكنني لا اشك
    لحظة انه لو صارت السلطة لغيرهم لمارس نفس الممارسات

    الباشمهندس المجتهد انور كنج يا من تعرفنا عبره على الفن الاثيري في موقعك السايبيري

    سعيد بأن كتابتي قد اجتذبتك الى هنا، و اتابع نجاحاتك بسرور في تلك البقاع القصية
    يقيني ان دروبنا ستتقاطع يوما ما طالما خدمة الوطن هي هدفنا المشترك

    لك مودتي
    أخوك امجد
                  

05-07-2009, 06:26 PM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: Amjad ibrahim)

    up
                  

05-07-2009, 10:18 PM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: Amjad ibrahim)


    تحياتي مجدداً د.أمجد...

    في العام 2004... كانت هناك حملة من أجل التبرع لأهل دارفور بدأت في موقع
    سودانيات...وتواصلت هنا في سودانيزأونلاين...

    تبرع فيها من تبرع... وكنت من بينهم...

    Quote:
    AnwarKing $100
    $100 مراويد
    ahmed haneen $100
    XYZ $100
    Esameldin Abdelrahman $100
    Degna $50
    N.Ali $100

    بلغت مجموع التبرعات حتى الآن 650 دولار أمريكى...
    رباح ورودا: لتقطعوا قول كل خطيب...


    نداء سودانيات دوت كوم من أجل دارفور - حان وقت العمل: تبرعوا


    الجدير بالذكر أنو كانت في حملة سابقة لهذه الحملة بقليل (نفس العام والفترة الزمنية)...
    تتبع لمشروع صُنّاع الحياة (عمرو خالد)...
    وقد تابعت بعيني كيف "يتوهج" الشباب السوداني تفانياً في خدمة تلك الحملة الإعلامية "المصرية"!!!

    وبالطبع لم يحضر أحد من الشباب المجاهد ولا الشباب المتفاني في حملة التبرع من أجل دارفور
    لحمهم ودمهم...

    دارفور بالطبع أسقطت ورقة التوت "التديّن" التي تخفّى كثيرون خلفها...وأبانت العوارات في وضح النهار...

    يبدو أن مرض الضمير المُعتل في المركز... تفشّى في الجميع...سيّما ناس المهجر!!!

    مودتي
    أنور
                  

05-07-2009, 10:22 PM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: AnwarKing)

    يتصل مع الموضوع حيث كتبت الأستاذة رباح الصادق المهدي:

    متأخرة يا ندى: دارفور.. حقائق ووقائع أليمة
    وهذا البوست جدير جداً بالمتابعة لمن لم يتابعه سابقاً...

    فقد سقطت أوراق توت أخرى من كثير من الناس هنا أيضاً...
    وعلى رأسهم آل حزب الأسرة (الأمة) وحيران آل المهدي!!!

    Quote:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    دارفور.. حقائق ووقائع أليمة
    إن مسألة دارفور توصف عالميا بأنها أفظع كارثة إنسانية اليوم، ولكنها بالنسبة للناس في العالم العربي والإسلامي بل في السودان ليست بذلك الوزن، فلماذا؟.
    هل ذلك بسبب أن السودان هامش للعالم العربي والإسلامي؟. وتلك هي مقولة الدكتور علي مزروعي الكيني الأمريكي الذي وصف السودان بالهامشية المتعددة، فهو في نظره في هامش العرب وهامش المسلمين وهامش إفريقيا.. هل لتلك الهامشية المتعددة أثر في جعل السودان يأتي في قاع أجندة كل من العوالم التي ينتمي لها؟
    هل ذلك لأننا تعودنا الصمت على الفظائع الداخلية في بلداننا بحيث لا نهتم إلا بالظلم الذي فيه مكون أجنبي كما في قضية فلسطين والعراق؟
    هل ذلك بسبب التعتيم الإعلامي الذي اتخذه نظام الخرطوم للمسألة؟
    أم بسبب تهميش إقليم دارفور حتى داخل السودان؟ .. فالتاريخ والجغرافيا السودانية تركز على بقاع بعينها وتسقط ما عدا ذلك من دائرة الاهتمام أو تكاد..
    أم ذلك للأبعاد السياسية في المسألة والتي فيها ظلال انشقاق الحزب الحاكم في السودان وتحوله إلى حزبين: المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي.. الشيء الذي جعل البعض يقفون متفرجين باعتبار ذلك نزاع بين باطلين حول سلطة مغتصبة من الشعب في الثلاثين من يونيو 1989م- تاريخ الانقلاب الإنقاذي على السلطة الديمقراطية المنتخبة؟.
    أسئلة كثيرة، وإجابات غير قاطعة.. ومهما يكن فإننا نحاول في هذا الملف المرعب إلقاء أضواء متفرقة على مسألة درافور تظهر مدى تعقيداتها بدون أن تستطيع الإلمام بأطراف الخيوط المختلفة، كما تهتم بالوضع الإنساني الذي يشكل قمة الرعب في القضية اليوم.
    ظلامات التهميش
    إن ذهنية التهميش هي من أظلم الذهنيات وأكثرها سيادة في العالم.. فالظلم العالمي هو الذي جعل الجنوب العالمي مختلفا عن الشمال بل لقمة سائغة له، وهو الذي جعل الدول تمارس بدرجات متفاوتة منطق التهميش على الأقليات داخلها.. هذا المنطق ينسحب أيضا على التكتلات الإقليمية، وهو الذي ينسحب على وضع السودان داخل عالمه العربي.. حيث يتم التعامل معه أحيانا على أنه مجرد "بوابة جنوبية" لمصر، أو ثغر على البحر الأحمر.. هذه الذهنية الإقليمية قصيرة النظر ربما تهتم نوعا ما بقضية جنوب السودان باعتبار الجنوب جزء من حوض النيل. وهي أحيانا صدى لملفات إسرائيل الأمنية كما أكد الأستاذ فهمي هويدي مؤخرا في مقاله بعنوان "انتباه أصابع إسرائيل في الخرطوم" حيث كان فريسة لذلك الفهم المحدود للمسألة السودانية التي تضعها كأحد ملفات الأمن المصري باعتبارها بوابة جنوبية أو ثغر للبحر الأحمر.. مثل هذه الذهنية لا تكاد ترى في كارثة دارفور (الواقعة في الجزء الغربي من السودان والبعيدة من مجرى النيل بكافة فروعه) أي مهدد لأمن مصر عبر النيل ولا البحر الأحمر، وبالتالي لا تعطى الأولوية المستحقة.
    لقد انتبه لأهمية قضية دارفور مثلا الصحفي المصري المرموق الأستاذ يوسف الشريف حين حث مصر: "للوقوف بصلابة في مواجهة المؤامرة الثانية على وحدة السودان في دارفور، وذلك أن الأخطار التي تتهدد وحدة وسيادة السودان، إنما تتهدد مصر بنفس القوة ولنفس المبررات والأهداف كما لو أن التفاعل الإيجابي أو السلبي في علاقات البلدين أشبه بنظرية الأواني المستطرقة!". وهذا على محمدة الاهتمام بدارفور إلا أنه جاء استمرارا لمنطق البوابة.. إذ يظهر أهمية محدودة للشأن السوداني فيما يؤثر به على مصر، والبوابة هامة بالطبع كمدخل أمني للدار ليس إلا. بيد أن المطلوب هو أن تعطى قضية الإنسان أيا كان أهمية أكبر في الساحة العربية بشكل أوسع من لغة المصلحة المباشرة.. لغة البوابة. والغريبة أنه حتى بعض أهل دارفور أنفسهم يتخذون هذا المنطق، فبعضهم وبعدما يئس ربما من إعطاء أهمية لهم في حد ذاتهم صار يقول: إن قضية دارفور إن لم تحل الآن فسوف تشكل دارفور حزاما حول العاصمة في خلال أشهر قليلة! لكأن المأساة الحقيقية هي أن يضار إنسان العاصمة فحسب، ولا يضير السودان أو تهتز له شعرة لو كان خمس أهل دارفور الآن في حالة من النزوح والمعاناة البالغة.
    ومن منطلق "بابي" آخر ثارت مسألة تدخل اللوبي الصهيوني الأمريكي في المسألة بالطول والعرض، مع أنه من الطبيعي تدخله في أية قضية "تعوس" فيها الحكومات العربية عوسها غير الحكيم، بل والمقزز في أحيان كثيرة. بالشكل الذي يصرخ فيها الشاعر العربي قائلا: كل الأرض العربية محتلة.. إلا الأرض المحتلة!. والفاجعة هي أن ما يحدث في دارفور من تعداد الضحايا والمروعين والنازحين هي أفظع مما يدور على أرض فلسطين!. فكيف يريد الناس من إسرائيل ألا تتدخل لتظهر العدو الذي يشير لانتهاكاتها البالغة وترويعها واغتصابها للأرض، بوجه ربما أكلح من وجهها!.
    التنوع في السودان وفي دارفور
    إن موقع السودان في الجزء الأوسط من حوض النيل، وامتداده شرقا بل الامتداد الأكبر غربا حتى وسط إفريقيا جعل سكانه خليطـاً من عناصر مختلفة تواريخ استيطانها للبلاد مختلفة. والسودان من أكثر بلاد إفريقيا بل ومن أكثر بلاد العالم تنوعا إثنيا وثقافيا. وتختلف الروايات في تحديد عدد المجموعات الإثنية واللغوية التي يضمها بين أحشائه. اختلاف حول المجموعات (العوائل) العرقية واللغوية في السودان بين ثلاثة إلى خمسة لم يحسمه علم اللسانيات المتخلف في بلادنا حتى الآن (العوائل اللغوية والعرقية في إفريقيا خمسة: العائلة النيجر كنغولية- العائلة النايلو صحراوية- العائلة الآفروأسيوية- العائلة الخوسانية - والهندوأوروبية أوالأسترونيسية) تمثل الآفرواسيوية في السودان العربية، والعائلة النايلوصحراوية تمثلها مجموعات عديدة منها اللغات النيلية، والنوبية الشمالية، والعائلة النيجر كونغولية تشمل فرع المجموعة الكردفانية وتمثلها لغات بجبال النوبة. وتعداد المجموعات الإثنية في السودان تختلف تقديراته وتكاد تجمع على أنها تزيد على 500 مجموعة قبلية أو إثنية مختلفة. كما تختلف تقديرات التنوع اللغوي من الحديث عن أكثر من مائة إلى أكثر من 900 لغة.
    السكان في درافور:
    دارفور إقليم يسكنه حوالي 6.5 مليون نسمة (ستة ملايين ونصف)، ويحتوي على تعدد إثني ولغوي كبير، فهنالك قبائل تتحدث العربية وأخرى تتحدث لغات الفور والمساليت والميدوب والزغاوة وغيرها من اللغات التي تصنف داخل عوائل لغوية مختلفة.
    الإثنيات في دارفور مختلطة ولا يمكن الحديث فيها عن نقاء عنصري بشكل واضح، وهي خليط من دماء سامية وحامية وكوشية متداخلة بحيث لا يمكن أن تتخذ السحنات أساسا للتفرقة بين القبائل إلا في حالات قليلة، ومهما حاولت اتخاذ القسمات أو الألوان كأساس للتصنيف لقابلت فشلا ذريعا في تصنيفك للناس ليس في درافور فقط بل في كل السودان، حيث لن يكون غريبا ملاقاة شخص شديد السمرة زنجي الملامح بهوية عربية، ولا هو نادر وجود شخص أقنى الأنف فاتح اللون بهوية غير عربية، للدرجة التي يكون حديث البعض عن تلك التصنيفات على أنها إصطلاحية في المقام الأول غير خاطئ، اللهم إلا إذا اتخذ للعروبة التعريف النبوي (ليست العربية لأحدكم من أب أو أم من تكلم العربية فهو عربي) لا التعريف العرقي السائد اليوم.. إن ما يشيع في مصطلحات الإقليم حول تصنيف عرب- زرقة هو تصنيف غير دقيق بالمرة.
    التفرقة الأساسية في دارفور ثقافية فالقبائل التي تتحدث لهجات ترفد من العربية بشكل رئيسي تسمى عربية، والقبائل التي تتحدث لغات تنتمي لأصول أخرى نايلوصحراوية ونيجر كونغولية تسمى غير عربية برغم اختلاط الدماء وتلاقح الثقافات عبر الصهارات والتعايش منذ أزمان سحيقة، وحتى هذه القاعدة لها شواذ فقبيلة الفلاتة في تلس بجنوب دارفور تتحدث لغة الفلفلدي (لغة الفولاني) وهي لغة غير عربية ولكنها تعد في الإقليم كقبيلة عربية. وقبيلة البرتى كانت لها لغة خاصة ولكنها انقرضت وصارت تتحدث العربية ولكنها تعد قبيلة غير عربية.
    لقد أكد علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا اللبراليون أن القبيلة إلى حد كبير هي حالة ذهنية تتشكل بصيرورات تاريخية معقدة مكونة ما يعرف بالثقافة المحددة لتلك المجموعة البشرية المتعارف عليها كقبيلة، وهذا ينسحب على السودان حيث القبيلة تكوينية في حالة حراك مستمر مستجيبة للمستجدات والتغيرات ومتأثرة بالهجرات والتداخل والتلاقح السكاني والتحالفات المصلحية، فالقبيلة مصطلح تصنعه الجماعات، وفي بعض الأحيان تؤثر عليه وتبلوره نظم سياسية حاكمة.. وفي عقد ونصف "الإنقاذ" انتشت القبلية السودانية وتبلورت مفاهيمها العصبية بفعل تغييب الأطر السياسية المعروفة (خاصة الأحزاب والنقابات) وحلها في بداية الإنقاذ ثم إقامتها على أسس تحايلية على الحريات كما في دستور التوالي ونقابات النظام مما أنتج أحزاب ونقابات الزينة. في غياب تلك الأطر السياسية يعتصم الناس بالقبيلة كوعاء للفعل السياسي، كما قصد نظام الإنقاذ أيضا إحياء القبلية لإضعاف الأحزاب ورسم لها أدوارا سياسية هي غير مؤهلة لها، وأحيانا أدوارا عسكرية مثلما حدث في كل مناطق التماس في "الإنقاذ" خلال سني حكومة يونيو 89.
    ينقسم الإقليم إلى ثلاث ولايات رئيسية هي: شمال درافور- جنوب دارفور وغرب دارفور، والولايات الثلاث تختلف في جغرافيتها وفي مساحتها حيث تغلب الصحراء وشبه الصحراء على الشمال وتتحول إلى سافنا فقيرة ثم غنية كلما توجهنا جنوبا، الولاية الشمالية هي الأكبر مساحة. أما ولايتي غرب وجنوب دارفور فهما أقل مساحة وأكبر كثافة سكانية، وتعتبر ولاية جنوب دارفور الأغنى في الموارد الطبيعية وتقع في إقليم السافنا الغنية.
    قبائل دارفور كثيرة ومتعددة ولا يوجد لها حصر دقيق، لكن القبائل التي دخلت في صراعات فيما بينها في نصف القرن الأخير قد يصل تعدادها لخمسين قبيلة، وفي إشارة لبعض قبائل درافور المؤثرة نذكر:
    · شمال درافور: القبائل العربية التي تقطن شمال دارفور أكبرها الزيادية وبني فضل والرزيقات الأبالة الرحل(وفروعهم المحاميد- الماهرية- العريقات- العطيفات- الزبلات- الجلول) وهؤلاء يشكلون أحد المكونات الرئيسية للصراع القبلي في شمال درافور وهم خلافا لأخوانهم رزيقات الجنوب يرعون الإبل كما أن اختلاطهم بالمصاهرة مع القبائل الأخرى أقل. أما القبائل غير العربية فأكبرها الفور وهم من المزارعين، والزغاوة والبرتى والميدوب والتنجر والمسبعات والداجو والدادنقا والهوسة والقمر والقرعان وغيرها.
    · في غرب دارفور يوجد دار المساليت - ومركزها في الجنينة عاصمة الولاية – وقبائل التاما والزغاوة وغيرها من غير العرب، ومن العرب قبائل مثل بني حسين.
    · أما في جنوب دارفور فتوجد قبائل البقارة العربية كالرزيقات- الهبانية والتعايشة، وقبائل السلامات والمعاليا والبني هلبة والفلاتة والبني حسين والمسيرية والترجم وغيرها، كما توجد من القبائل غير العربية علاوة على الفور الزغاوة والمساليت والبرقو.
    هذه القبائل عاشت متجانسة مع بعضها مع وجود صراعات متعددة في الماضي، بعض تلك الصراعات ذا طابع عرقي اتخذت في تأجيجه نبرات عنصرية، ولكن أكثر تلك الصراعات كان قبليا بعضه على الموارد، وآخر حول الحدود الإدارية، والزعامة القيادية، وحول الحواكير، أو المعاداة الثأرية.. فمنذ الستينات حدثت حرب المعاليا والرزيقات (مؤتمر الصلح عام 1968م) وكلتاهما قبيلتان عربيتان وذلك حول التبعية الإدارية، وحرب البرتي والميدوب (مؤتمر الصلح كان عام 2000 وذلك بسبب الموارد والحدود، وهما قبيلتان غير عربيتان) وأيضا حرب الزغاوة والفور على الموارد (مؤتمر الصلح في كبكابية عام 1989م)، مع وجود صراعات بين قبائل عربية وغير عربية مثلا بين الزغاوة والبرقد (مؤتمر الصلح عام 1974م) وبين الزيادية والميدوب حول الموارد (المؤتمر عام 1976م) وبين الفور والعرب (المؤتمر عام 1989م) كان على الموارد وبسبب المعاداة الثأرية.
    ومهما كان من اختلافات ثقافية وإثنية فإن قضية دارفور ليس فيها بعد التنوع الديني كما في قضية الجنوب، حيث الغالبية العظمى لأهل دارفور مسلمون، مع وجود جيوب مسيحية ارتبطت بحركة التبشير المسيحي الدؤوبة في السودان، مرتادوها في الغالب أصولهم من خارج الإقليم.
    مشاكل دارفور المزمنة والمستجدة
    لا ينكر إلا مكابر مظالم دارفور والكثير من ولايات السودان (خلا الوسط وشمال الوسط)، إضافة إلى تميزها التاريخي عن إقليم السودان الأوسط والشمالي الذي مثلته سلطنة الفونج وعاصمتها سنار.. فقد كان لدارفور في العهود التاريخية الوسيطة سلطنتها المنافسة لسنار والتي مثلت دبلوماسيا في الأزهر برواق دارفور كما كان لسنار رواقها الأزهري، وكان لها دورها المتقدم في نصرة الثورة والدعوة المهدية في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وما صاحب ذلك الدور من صراعات وتناقضات بين أهل سنار وأهل دارفور.. تناقض عرف بفتنة الأشراف أو صراع أولاد البحر (أي النيل) وأولاد البلد فقد تحدى الأوائل سلطة خليفة المهدي (المشهور بالخليفة عبد الله التعايشي) على الدولة ولم يكن ذلك التحدي خلوا من الأبعاد الجهوية أو استعلاء أهل النيل على أهل الغرب. وهي تناقضات غذتها لاحقا الطريقة التي تم بها بناء السودان الحديث بشكل شائه في زمن الاستعمار الثنائي والذي ركز على مناطق إنتاج القطن في الجزيرة وعضد من سطوة "أولاد البحر" وزاد من امتيازاتهم في التنمية بكافة ضروبها.
    مشاكل دارفور المزمنة: أهمها مشاكل الخلل السياسي والتنموي ومن ذلك إهمال القطاع التقليدي وما جره من تهميش الأقاليم التي لم تتعرض للتحديث بشكل مماثل للوسط وشماله. وهنالك عوامل الخصوصية التاريخية والجغرافية للإقليم والمشاكل المزمنة الخاصة به مثل النزاعات القبلية، والنزاع على الموارد، والنهب المسلح، والتأثر بالنزاعات الإقليمية المجاورة، وتدفق بعض قبائل دول الجوار إلى دارفور، علاوة على المأساة البيئية التي تعيشها البلاد مع الجفاف والتصحر الذي ضرب بنوبات متكررة متزامنا مع الزحف الصحراوي الذي أحال كثيرا من جنات البلاد صحارى قاحلة.
    مشاكل دارفور المستجدة: هنالك خطة "الإنقاذ" وأهم ما فيها تسييس الإدارة المدنية والأهلية وبالتالي نقص فاعليتها، تفريخ التوجهات العرقية والقبلية والجهوية بصورة أعمق، تحول غالبية خريجي التعليم إلى فاقد تربوي اتجه للنهب المسلح والعمل السياسي الراديكالي، انتشار ثقافة العنف، الفساد المجاهر الذي ضرب دارفور في مقتل حيث أحال حلم "طريق الإنقاذ الغربي" الذي دفع فيه إنسان دارفور حصته من السكر المدعوم، أحاله إلى كابوس أوله شد حزام وآخره ما جاء على لسان أهل الإنقاذ بعد أن أقبلوا على بعضهم يتلاومون حول نهب أموال الطريق وذلك حينما أقفلوا الملف بقول طرف منهم "اتركوا الطابق مستورا". ومما استجد أيضا القدوة المتفجرة في "الإنقاذ" بمراعاة وتقدير حاملي السلاح فحسب. ثم وجود خريطة جديدة للقوى المسلحة في إقليم دارفور الكبرى تضم إلى جانب القوات النظامية حركات المعارضة المسلحة، والمليشيات المدعومة رسميا، وجماعات النهب المسلح والمليشيات القبلية، هذا علاوة على تفاقم آثار علاقات الجوار السلبية إبان "الإنقاذ".. هذه العوامل عادت سلبا على الوضع في دارفور، وهذا أدى للتحول النوعي في المشاكل إلى أزمة حفلت بممارسات من تقاليدها (العنف) وسقطت عليها المظلة الخارجية التي نصبتها سياسات "الإنقاذ"، فتحولت إلى أزمة حقيقية في زمان قياسي.
    دور الانشقاق داخل النظام (المؤتمر الشعبي):
    ولدى حدوث الانشقاق داخل الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) كان لعضوية الحزب من إقليم دارفور دور في الترجيح بين كفتي التنظيم داخل المؤتمر العام، فانحاز الدارفوريون خاصة من القبائل غير العربية للشق الذي تسمى بالشعبي -لاحقا- في التنظيم. وبعد المفاصلة واستخدام السلطة في قمع الشق الشعبي، اندفع هؤلاء في تأجيج الغضب ضد النظام بالإشارة للتهميش الذي يلاقيه الإقليم والإشارة للأبعاد الإثنية في ذلك وإلى إنعدام التوازن في قسمة ا لثروة والسلطة وحيازة قبائل الجعليين والشايقية على نصيب الأسد فيها.. وكان أهم المعالم في ذلك صدور الجزء الأول من "الكتاب الأسود" عام 2000م والذي كان واضحا أن الشق الشعبي له فيه يد كبيرة.. وهو كتاب ركز على مظالم غرب السودان وامتيازات قبائل معينة في شمال السودان الأدنى (المجموعة الجعلية في عمومها مع استثناءات قليلة رآها الكتاب). تلك التصرفات اتخذت شعارات العدل والمساواة كلمة حق أريد بها باطل الصراع على الكرسي وهزيمة شقيق الأمس عدو اليوم في السلطة الحاكمة.. وكان واضحا لكل عاقل اطلع على تلك الشعارات أنها تأجيجية باعثة للغبن أكثر منها باحثة عن حق ضائع أو حل سلمي.. وهي تصرفات أدت لما رمت إليه فقد دخلت البلاد بعدها في فوهة البركان.
    إن أهل دارفور الآن قبل غيرهم يدفعون ثمنا غاليا أزهقت الأنفس ودمرت القرى وتقاتل الأخوة.. صحيح ما تذهب إليه ثقافة السلام العالمية وما تبشر به اليونسكو: إن الحديث عن الحرب باعتبارها وسيلة لتحقيق المطالب التي تعذر تحقيقها سلما هو ضلال تؤكد بطلانه الحقائق الواقعية، صحيح قد يحصل حملة السلاح على تنازلات وقد يقتسمون السلطة مع أهل النظام.. لكن تلك الملايين التي تشردت وعشرات الآلاف من الأنفس التي أزهقت، ومئات القرى التي أبيدت أي شيء يمكن أن يعوض عنها من بعد؟!.
    تفجر الصراع المسلح
    التناقضات المشار إليها أعلاه تم تأجيجها في شكل فتنة لا تبقي ولا تذر، وقد تضافرت مع عوامل الصراع المستوطنة ومستجدات المظالم في دارفور، وبروز نزاعات محلية بين القبائل لم تفلح السلطة في حسمها بادئ الأمر بل وقر في صدر القبائل غير العربية أن السلطة تؤيد الهجوم عليها.. كل ذلك أدى لحمل السلاح كوسيلة لرفع الظلم ولتحقيق المطالب على نمط الحركة الشعبية لتحرير السودان (التي فجرت حربها في الجنوب عام 1983م) والتي تحصد الآن زرعها المسلح في اتفاقية للسلام حصرية لها مع النظام تنيل بعض حملة السلاح أعلى المناصب، وتؤكد على قسمة للثروة والسلطة جديدة .. حتى لو نفحت الاتفاقية بفيضها البعض ستبقى الحرب من أكبر الكوارث للشعب في الجنوب.. وفي المقابل فإن تصعيد الحرب كان بتشجيع من النظام الذي أبطل عملية السلام بعد أن رتب جدولها إبان الحكم الديمقراطي، ثم أعلن على لسان رئيسه أنهم تسلموا قيادة البلاد بالسلاح ولا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يخفى أن الانقلاب العسكري الذي قامت به "الإنقاذ" هو النهاية المنطقية لمبدأ تحقيق المطالب السياسية بقوة الحديد والنار، وظل النظام يصم أذنه في مقابل كل النداءات السياسية ولا يلقي بالا إلا لحملة السلاح..
    لقد بلغت القدوة الدارفورية بحركة الجنوبيين مبلغ التسمي باسم مشابه، فبدلا عن الجيش الشعبي والحركة الشعبية لتحرير السودان SPLM/A تسمت إحدى الحركتين المسلحتين في دارفور باسم جيش وحركة تحرير السودان SLM/A والمثل الإنجليزي يقول: المحاكاة هي أبلغ درجات الثناء!.
    أصل المشكلة كان الصراع على الموارد وقد تفجر أولا في شمال دارفور مع تفاقم أزمة عرب الشمال الأبالة الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت بفعل التصحر ومحاصرة حركتهم الرعوية التقليدية. فقد كانوا يمرون بديار القبائل ويقيمون بعض الوقت دون أن يثير ذلك احتكاكا بل كانت حركتهم تشكل مع المقيمين اقتصادا تكامليا في الماضي. ومع التقلبات البيئية في الإقليم صارت المجموعات القبلية والعرقية المقيمة تستأثر بأرضها ومواردها، وقد بدأت معاناة هؤلاء منذ أوائل الثمانينات ولكن كافة المؤتمرات التي عقدت للرحل لم تأت بسوى حبر وورق وقرارات تودع لمضابط تستقر في بطون الأرفف والأدراج. هؤلاء، وغيرهم من الأجانب الوافدين الذين لا يملكون الأرض في الإقليم، استقر رأيهم على انتزاع (حاكورات) لهم في مناطق حول جبل مرة وحول الجنينة باستخدام القوة ضد أهل تلك الديار، وقد تفجر إثر ذلك نزاع مسلح وقفت فيه الدولة على أسوأ تقدير موقف المتفرج، بيد أن بعض أهل الديار المروعة كان يتهم الدولة بمحاباة العرب الرحل.. حول مثل تلك النزاعات حملت القبائل المفزعة السلاح في البدء باسم حركة تحرير دارفور ثم أعلن في فبراير 2003م عن تحول الحركة لاسم حركة تحرير السودان وجيشها، والتي لم تكتف بالحديث عن حماية قبيلة أو ديار بل اتخذت شعارات سياسية واسعة تتحدث عن مظالم الإقليم وإعادة قسمة السلطة والثروة على غرار خطاب الحركة الشعبية لتحرير السودان. ثم تلتها حركة العدل والمساواة، حركتان تنطلقان من مجاهل جبل مرة أشهر جبال الإقليم وأوفرها بالثمار والطبيعة الخلابة، ومن كرنوي فيما حول الجنينة. يقول الدكتور آدم الزين الأستاذ الجامعي المرموق بجامعة الخرطوم معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية: "إن الأحداث المتسارعة لما عرف بحركة (جبل مرة وكرنوي) التي بدأت قبلية أو عرقية وسرعان ما نقلت الحدث إلى صراع بين المركز والإقليم الذي لم يصل من قبل مرحلة حمل السلاح- ورغم أن الحركة قد بدأت في شكل احتجاج محدود على عدم قيام الدولة بما فيه الكفاية بواجبها لحماية أموال وأرواح المزارعين من غارات البدو عليهم- إلا أنها سرعان ما وسعت دائرتها وتحولت إلى الصراع الإقليمي – المركزي، المتمثل في إحساس قطاع عريض من أهل دارفور بأن نصيبهم من الثروة والسلطة القومية ليس عادلا" مشيرا إلى أنه حتى أولئك المنتمين للحكومة الإنقاذية، لم يرضوا في مؤتمر الفاشر الذي عقد عقب تفجر الأحداث، بالانقياد لمناداة الدولة باعتبار حملة السلاح عصابات نهب مسلح أو مجموعة من "قطاع الطرق" متمردة خارجة عن القانون، بل نادوا بالحوار مع حملة السلاح لحل المشكلة.
    كانت هذه الحرب على شكل حرب العصابات .. شرسة ومتصاعدة بشكل مخيف وعنيفة بشكل رهيب (فالثوار من شدة حرصهم على كتمان هوياتهم كانوا كما تنقل الروايات يقطعون رؤوس موتاهم ويحملونها معهم للجبل).. كان واضحا أن المسلحين ينتمون لقبائل معينة غير عربية في دارفور تحديدا الفور والزغاوة والمساليت. واستمرت هجمات المسلحين المباغتة والعجز الحكومي في قمعها، وفي سبتمبر 2003 وقعت الحكومة مع المسلحين اتفاق أبشي (في تشاد) القاضي بوقف إطلاق النار.. والذي مثل هدنة لإعطاء جميع الأطراف زمنا لتستعد بكامل العتاد لإشعال الحرب الأفظع في تاريخ السودان الحديث، والتي استطاعت أن تحشد في أشهر قليلة أحداث دامية وقصصا مروعة تضاهي تلك التي حملتها حرب الجنوب في أكثر من عشرين عاما.
    استعانت الحكومة في حربها بمليشيات الجنجويد، والتي كونت من قبائل عربية في دارفور وأخرى مجلوبة من الدول الإفريقية المجاورة والبعيدة حيث يؤكد الأهالي أن كثيرا من أعضاء تلك القوات ليسوا تابعين للقبائل العربية في دارفور، وحتى أولئك الذين ينتمون للقبائل العربية وهم كثر فإنهم في الغالب متفلتين غير تابعين لإداراتهم الأهلية القبلية ولا هم تحت طوعها حيث أن القاعدة وقوف الإدارات القبلية الأهلية العربية بعيدا عن الفتنة العرقية رافضة الاشتراك مع الجنجويد، وفي المقابل لا ينتفي وجود الشواذ على تلك القاعدة..
    ماذا تعني كلمة جنجويد؟
    الجنجويد ككلمة تعددت تفسيراتها، فمن قائل إنها تعني جنا يركب جوادا ويحمل سلاح جيم ثلاثة- ومن قائل أنها كلمة قديمة تطلق على العصابات التي تقوم بالسطو والترويع، ومن قائل أنها أطلقت على الجماعات العائدة من المهدية والتهجير القسري فيها للقبائل، والتي وجدت البعض قد احتل أرضها فصارت تروعهم بالفرسان لتعيد أرضها المغصوبة، ومن قائل أن كلمة جنجويد أتت من اسم أحد زعماء هذه الجماعات واسمه إسماعيل جنجويد.. وكل هذه التفسيرات سمعتها من شخصيات مختلفة في الإقليم، وإن كان التعريف الأول هو الأكثر شيوعا..
    الشاهد أن الجنجويد أنفسهم جماعات مختلفة لا يوجد رابط بينها وإن يوجد إجماع على وجود نوع من الحصانة الحكومية لها بحيث لا يقبل التبليغ ضدها .. وقد جعلوا كل همهم قلقلة العنصر غير العربي في دارفور، وظهرت معهم ممارسات أكثر عنفا وانتهاكا لحقوق الإنسان..
    ظهر حرق القرى وقطع الأشجار وإحالة المزارع لرماد، وتدمير الآبار والمدارس والشفخانات، ونهب الأموال والممتلكات الخاصة والمتاجر، واغتصاب النساء والصبايا، وقتل المدنيين وقصفهم بالطائرات ونهب الماشية، وكل أنواع الفساد في البر للزرع والضرع وللبشر.. لقد بلغ التوحش بقوات الجنجويد مبلغا أنهم إذا وصل إلى علمهم بأن هنالك قرية تناصر "التمرد" أو فيها من يناصره ينزل عليها غضب وحريق وهتك للأعراض. الشيء الذي أخلى الريف في دارفور فنزح أهل القرى إلى المدن الكبيرة وشبه المدن بحثا عن الأمان، وهجروا قراهم وتركوا زرعهم وصاروا تحت رحمة الإغاثات الإنسانية وصلتهم أم لم تصل!.
    كارثة دارفور الإنسانية
    حصاد الحرب في دارفور الآن كارثة إنسانية محققة.. كارثة تتتبعها المنظمات العالمية المهتمة بانتهاكات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية (آمنستي) أو منظمة هيومان رايتس واتش، أو مهتمة بالإغاثة الإنسانية مثل وكالة العون الأمريكي علاوة على منظمات الأمم المتحدة ومكتبها المقيم بالسودان وجهات أخرى. يصدر هؤلاء نشرات مستمرة تحذيرا من الحالة المتردية في الإقليم، ودراسات ترصد ما يجري على أراضي دارفور، بينما الإعلام السوداني الداخلي في أفضل حالاته غائب.. ولكنه غياب بعضه طوعي بسبب نجاح الإعلام الرسمي المضلل في صرف البعض عن القضية أو عدم تصديق ما يأتي في وسائل الإعلام العالمية، وأكثره قسري وبفعل أجهزة الأمن التي ظلت تحظر التعرض لمأساة دارفور منذ تفجرها، وتحصرها في مقالات مفرقة متناقضة الرأي تزيد من التشويش في المسألة وتجعل المواطن السوداني العادي في ريب مما يكتب ومما يقال..
    فهنالك من المسئولين من ينكر وجود كارثة في الإقليم ومن هؤلاء وزير الشئون الإنسانية الذي أكد في لقاء صحفي معه مؤخرا أن الحديث عن وجود كارثة في دارفور هو حديث مغرض لا أساس له من الصحة، وتعتبر الجهات الحكومية أن ما يقال مبالغة بسبب أجندة استعمارية أو لمصالح جهات أجنبية، وهنالك من المسئولين من يذهب لحد القول أنه لم تدمر في دارفور سوى قرية واحدة.. وهنالك من سمعه الناس يقول أن المشكلة هي في إنسان دارفور وفي أخلاقه وذلك منحى لا يفوت صرفه عن الحقائق كما لا تفوت عرقيته وجهويته الفجة.. والسؤال: ما هي الحقيقة في دارفور؟
    تقارير المنظمات العالمية العاملة في دارفور
    تؤكد الدراسات التي بنيت على صور الأقمار الصناعية (وهذه قامت بها كل من منظمة هيومان رايتش واتش –أي رقابة حقوق الإنسان- ووكالة العون الأمريكي) وذلك بتسجيل صور الأرض في دارفور في فترتين بين مارس 2003 ومايو 2004 (بالنسبة لمنظمة رقابة حقوق الإنسان).
    تؤكد هذه الدراسات أنه في تلك الفترة تم حرق واسع للقرى التي تقطنها قبائل المساليت والزغاوة والفور. فقد رصدت دراسة وكالة العون الأمريكي 600 قرية حرقت خلال الأحداث في دارفور. أما منظمة رقابة حقوق الإنسان فقد اقتصرت على جزء من غربي دارفور ووجدت أن القرى المحروقة تساوي 44% من القرى بالمنطقة. هذه القرى تتعرض للحرق والقصف الجوي وتعطيل الآبار وهدم المساجد والمدارس والشفخانات.. ويدفع أهلها قسرا لإخلاء المنطقة. وقد ظلت حكومة السودان تؤكد عدم صحة تلك التقارير وتتهم المنظمات التي تصدرها بأجندة خاصة، بينما وجد فرق بين ما تصر عليه بعض تلك المنظمات خاصة منظمة رقابة حقوق الإنسان(من وجود تصفية عرقية في دارفور) وبين مواقف الأمم المتحدة بل حتى الإدارة الأمريكية وهي مواقف تؤكد أن ما يجري في دارفور كارثة ولكنه لا يمكن وصفه بالتصفية الإثنية أو التطهير العرقي.
    والتقديرات الآن هي أن 2.2 مليون نسمة من سكان الإقليم متأثرون بالحرب بما في ذلك حتى الآن أكثر من مليون ومائة ألف نازح داخل مدن دارفور في ولاياتها الثلاث.. وهنالك حوالي 158 ألف لاجئ لتشاد، وعشرات الآلاف النازحين للخرطوم. هؤلاء كانوا يشكلون في غالبهم القوى الزراعية المنتجة الأولى في دارفور.. وسيشكلون خصما على الإنتاج الزراعي للعام المقبل. فالزراعة في دارفور تقليدية وتعتمد على الأمطار، والخريف قد بدأ هناك. والحكومة تتحدث الآن عن إعادة النازحين لقراهم حتى يلحقوا الخريف ويزرعوا ولكن هذا لن يتم طوعيا حيث يشترط النازحون استتباب الأمن لكي يعودا من حيث فزعوا.. وحتى لو تم ذلك بالسرعة الخارقة فإن الكثيرين ستكون قد فاتتهم التجهيزات المطلوبة للزراعة وسيكون موسمهم في أحسن الأحوال أقل من كل عام.
    ولحين إعادة المفزعين لقراهم سيكون على المجتمع الوطني والإقٌليمي والدولي أن يطعم ذلك المليون ويزيد الذي يعيش عاطلا عن الإنتاج بل وعليه أن يطعم الآخرين الذين كانوا يعيشون على إنتاجه في دارفور وفي السودان عامة. وهذا المليون وزيادة بعضه يعيش في معسكرات للنازحين أقل سوءا من البعض الآخر..
    يفترض أن تقدم في المعسكرات خدمات الغذاء والمأوى والمياه النظيفة والصرف الصحي والخدمات الطبية الأولية والثانوية والتطعيم من بعض الأوبئة والدواء. تحاول القيام بتلك الخدمات المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ومنظمات عالمية ووطنية مختلفة.
    لكن أفضل الخدمات الموجودة الآن هي الغذاء ولا يغطي إلا ثلث المفترض أن يصل إليهم بينما ستقل هذه النسبة إذا لم تتخذ الإجراءات المطلوبة في الأشهر القادمة حيث سيعيق الخريف عمليات توصيل الإغاثة. هذا بينما أعداد النازحين تزداد يوما بعد يوم.
    المنظمات العاملة في الإغاثة في دارفور
    تشكو المنظمات العالمية من وجود مضايقات في الحصول على أذونات الدخول لكادرها العامل حيث انتظر البعض أسابيع عديدة قبل إعطاء التصريح المطلوب. كما تحظر بعض المناطق على المنظمات وتظل بدون أية خدمات تقدم للنازحين فيها. وهو ما خاطب به المجتمع الدولي حكومة السودان وتم توقيع اتفاق بشأن رفع الحظر وتسهيل المهمة للإغاثة بين الأمين العام للأمم المتحدة وحكومة السودان مؤخرا كما سيأتي تفصيله أدناه.
    وبالرغم من ذلك وفي الولايات الثلاث فإن الحضور الأكبر هو للمنظمات العالمية (مثلا في شمال دارفور توجد منظمة إنقاذ الطفولة البريطانية SC-UK، ومنظمة أوكسفام OXFAM، جول "GOAL"، وكالة التنمية الألمانيةDED، ومجموعة تنمية التقنية الوسيطة ITDG، ومنظمة الصليب الأحمر العالمية ICRC. وفي جنوب دارفور توجد بعض تلك المنظمات كما توجد منظمة أطباء بلا حدود الهولندية MSF-H، أما في غرب دارفور فتوجد منظمة إنقاذ الطفولة الأطفال الأمريكية SC-US، وأطباء بلا حدود الفرنسية MSF-F وميدير Medair) ثم الوجود التالي للمنظمات التابعة للأمم المتحدة (مثل برنامج الغذاء العالمي WFP واليونسيف، ومنظمة الصحة العالمية، والفاو، ومكتب الأمم المتحدة للتنسيق حول الشئون الإنسانية)، وأخيرا المنظمات الوطنية مثل وكالة الإغاثة الإسلامية الأفريقية، المسار، المنظمة السودانية للتنمية "سودو"، والهلال الأحمر السوداني مع تنامي الشك في بعض هذه المنظمات من قبل النازحين خاصة المنظمات ذات الصلة بالحكومة.
    الاختلاف في الأوضاع الإنسانية في الولايات الثلاث
    إن نظرة سريعة للتقرير الذي أعده المكتب المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشئون الإنسانية للسودان حول الوضع الإنساني في دارفور يرى أن فجوات الخدمات في المعسكرات كبيرة بشكل مخيف، كما يلاحظ أن وضع شمال دارفور هو الأفضل من ناحية نسب الخدمات المتوفرة، ووضع جنوب دارفور الأفضل من ناحية قلة أعداد النازحين النسبية (في غرب دارفور حوالي ستمائة ألف نازح، في شمال دارفور أكثر من ثلاثمائة ألف نازح، وفي جنوب دارفور حوالي مائة وخمسون ألف نازح فقط). هذه الأرقام هي التي يمد بها تقرير مكتب الأمم المتحدة والذي كتب في أول أبريل الماضي. ولكن الزيارات الميدانية تؤكد أن تلك الأرقام نفسها تحتاج للمراجعة الآن.. فالتقرير مثلا يذكر أن مدينة الفاشر بها 32,091 نازح، بينما أكد والي ولاية شمال درافور في يوم 23 يونيو 2004م أن النازحين بمعسكر أبي شوك فقط (داخل مدينة الفاشر) عددهم 43 ألف نازح. والتقرير يذكر أن النازحين بمعسكر أردمتا بالجنينة عددهم 23,652 نازح بينما أكد المسئولون في المعسكر بتاريخ 24 يونيو 2004م أن عدد النازحين فيه أكثر من ذلك وأنه يتعرض للزيادة اليومية في الأعداد. أما معسكر كلمى في نيالا فالتقرير يورد أنه يأوي 4,173 نازح فقط بينما في 25 يونيو وصل العدد إلى أضعاف ذلك العدد. . أيضا فإن أحداث الضعين في الأسبوع الأول من يوليو 2004 قد نتج عنها عشرات القتلى وعشرات الآلاف من النازحين لم يتم حصرهم بعد.
    تقديرات الضحايا في كارثة دارفور تدور حول الثلاثين ألف قتيل، وآلاف النساء والفتيات المغتصبات. وبعد أن فاتت فرصة إرسال المواد الإغاثية قبل هطول الخريف فإن المنظمات الإغاثية تقدر أنه في خلال الشهور الإثنى عشر القادمة سيلقى ما يتراوح بين مائة ألف إلى ثلاثمائة وخمسين ألف نازح حتفهم جوعا أو مرضا.
    مشاهدات حية في المعسكرات
    المعسكرات في شمال دارفور يشيع فيها الأمن نسبيا، والمعسكرات في جنوب دارفور أكثر سوءا من ناحية انعدام الصرف الصحي وزيادة الاستقطاب الإثني.. أما الحال في غرب دارفور فهو قمة في السوء.. حيث النازحون يتعرضون حتى داخل معسكراتهم للغارات من الجنجويد وذلك داخل عاصمة ولاية غرب دارفور (الجنينة).. الشيء الذي حدا ببعضهم للهرب إلى جبال مورني بعيدا عن فزعات الجنجويد ولكن أيضا عن مناطق وصول الإغاثات الإنسانية!.
    لقد كنت في رحلة لعواصم الولايات الثلاث، ولا شك أن هنالك فرق بين الفاشر (حاضرة ولاية شمال دارفور) وبين نيالا (حاضرة جنوب دارفور) وبين الجنينة في غرب دارفور.. ففي الجنينة يتحرك الجنجويد بالحرية الكاملة وفي طرقات المدينة نهارا جهارا، وقد قتل أحدهم حسب روايات الأهالي أحد المساليت في سوق الجنينة وعلى مشهد ومرأى من الناس، ولما تم تعقبه وسجنه هجمت قوة من الجنجويد على السجن وحررته مع غيره من عتاة المجرمين وذلك في منتصف النهار!!. والناس في المدينة التي تقع داخل دار المساليت يروون روايات تتحدث عن الاستهداف بسبب الإثنية (ولكنها وحسب التعريف الحقوقي الذي تتخذه الأمم المتحدة لا تصلح باتفاق المنظمة العالمية لأن توصف بالتطهير العرقي) .. والأخطر من ذلك أن الناس في الجنينة يجمعون على فكرة الاستهداف لإثنيتهم سواء أكانوا مع السلطة أم ضدها مما يعني أن تلك الإفادات ليست مبنية على موقف سياسي معين.. إذ حتى بعض قيادات التنظيم الحاكم من المساليت تعرضوا لحرق المزارع ولا يملك المسئول منهم حتى فتح بلاغ ضد مهاجميه!
    كافة المعسكرات تواجه مشكلة وقود لطهي مواد الإغاثة مما يضطرهم للاحتطاب من المناطق المجاورة، الشيء الذي يهدد البيئة بمزيد من التصحر، ففي الفاشر مثلا كانت المدينة قد زرعت حزاما شجريا واقيا للبيئة، ولكنه الآن يعمل كوقود لعشرات الآلاف من النازحين.. وفي الجنينة سمعت الرجال والنساء يروين كيف أنه لو ذهب رجل للاحتطاب لقتله الجنجويد أو ضربوه ضربا مبرحا، ولو ذهبت امرأة فإنها لا تأمن أن تغتصب أو تضرب أو يساء إليها.. وبحساب بسيط يفاضل بين الموت والاغتصاب فإن المعسكر (الذي غالبه من النساء والأطفال) يجعل الاحتطاب مقصورا على النساء والفتيات فقط. فقدر أخف من قدر!. هذا الحال يجعل غرب دارفور الآن في مرجل وقوده غضب إثني عارم..
    هذه المعسكرات على سوئها لا زالت هي قبلة أهالي ريف دارفور .. أحد شيوخ معسكر أردمتا بالجنينة، يقول أن بالمعسكر مائة وستون شيخا يستقبل كل شيخ حوالي ثلاثين أو يزيد من النازحين في مشيخته يوميا.. وقد حكا كيف أنهم جاءوا من قراهم بعد أن هجم عليهم الجنجويد جاءوا ليلا سيرا على الأقدام.. وأنه لا يوجد اتجاه للعودة في الظروف الحالية بل من تركوهم الآن في القرى المجاورة قادمون للمعسكرات. هذا بالرغم من أن الحكومة أرسلت وفدا لغرب دارفور بقيادة ة وزير الداخلية السيد عبد الرحيم محمد حسين وضع خطة لإعادة النازحين لقراهم واللحاق بالخريف.. فهل ستعمل الحكومة على إعادة النازحين قسرا؟ لأنهم لن يعودوا طوعيا في هذه الحالة وبإجماعهم على ذلك! ويطالبون كشروط لإعادتهم توفير الأمن ونزع السلاح والإبل والخيل التي يستقلها الجنجويد في غاراتهم، وتعويضهم عن ممتلكاتهم المسلوبة وإعادة تعمير ما دك من قراهم دكا دكا..
    لقد كان الفرق بين الحالة في الفاشر وبينها في الجنينة كبيرا، فقد كان الانطباع لدى زيارة الفاشر أن الأمور ليست بالسوء الذي تعكسه وسائل الإعلام الدولية، ولكن حينما تصل للجنينة وتستمع لما يدور فإن الانطباع يكون: إن ما يقال في الإعلام لا يصل لمقدار جزء بسيط مما يعيشه الناس من مأساة بالغة.. وحينما سألت في نيالا هل يقوم الجنجويد هنا بما يقوم به جنجويد غرب دارفور تلقيت ردودا تفيد أنهم لا يقومون بقتل الفرادى من الرجال أو اغتصاب النساء، ولكن التقارير تؤكد أن فظائع التقتيل والاغتصاب ليست قصرا على غرب دارفور ففي الغارة على قرية الطويلة بشمال دافور شاعت أفظع الأحاديث عما قام به الجنجويد هناك..
    إن زيارة المدن الثلاث توحي بأن الأحوال في دارفور تختلف كثيرا برغم التوحد في حالة الحرب والنزوح. وتبقى تلك الإفادات محتاجة للتمحيص والبحث المتقصي حتى نرسم صورة واضحة لما يجري في دارفور.
    أما في الحالة المعيشية فإن الإقليم الذي يعتبر عصب الإنتاج الحيواني ومساهم أساسي في الإنتاج الزراعي للبلاد الآن في ضيق شديد. لقد ارتفعت أسعار اللحم في الجنينة حاضرة غرب دارفور إلى 400% في غضون ثلاثة أشهر فقط، وارتفعت أسعار البنزين في نيالا إلى 300% في بلد منتج للبترول. إن أسعار السلع في مدن دارفور هي أسعار مدن محاصرة. والمدن في دارفور إما مخندقة كالفاشر (وهي محاطة بخندق وسور رملي منذ الهجمات عليها في العام الماضي) أو محاطة بحلقة من الفزع في جميع الجهات خارج حدود المدينة مثل نيالا بحيث لا يأمن المسافر على نفسه وخاصة التجار على بضائعهم من سلع تموينية أو بترول والتي تسطو عليها قوات المعارضة المسلحة أو الجنجويد. أو هي نهب للفزع والترويع حتى داخل حدودها مثلما في الجنينة.
    حكومة يضللها أهلوها!
    التقارير التي ترفع للنظام من بعض حكوماته الولائية وبعض المثقفين الموالين للحكم مضللة للغاية. وبالإشارة إلى تقرير أعده تسعة وعشرون من المثقفين الذين هيأت لهم الحكومة زيارة الإقليم، نجد قراءة مضللة ترى أن الأحوال في ولاية غرب دارفور هادئة. مع أن أية رؤية صادقة للحال تؤكد أن غرب دارفور هي بؤرة السوء الأقصى في دارفور الآن، هذه القراءة تجمع عليها حتى المنظمات العالمية والتي تؤكد أن الوضع الأفضل من حيث اتخاذ تدابير حماية للمدنيين وغوث النازحين هي ولاية شمال دارفور، أما ولاية غرب دارفور هذه فإن أية قراءة لحالها تجعلنا نستعد لكارثة إنسانية فاجعة داخلها.
    فكرة الهدوء المريب في غرب دارفور مستمدة من نشاط أقل للحركات المعارضة المسلحة ولكن في المقابل هي نتيجة نشاط مكثف لقوات الجنجويد وإخلاء شبه تام للريف حيث أحصى بعض الأهالي 486 قرية في غرب دارفور أصبحت الآن أثرا بعد عين (وبعض المنظمات تتحدق عن ستمائة قرية أبيدت كما أسلفنا)، ففي غرب دارفور الآن ما يقارب الستمائة ألف نازح .. وهنا- أي في غرب دارفور يبدو وجه الجنجويد الأكلح، فإن كانوا في مناطق أخرى يقتصرون على مهاجمة القرى والجماعات المتهمة بإيواء "التمرد" فإنهم هنا يتحلقون حتى حول معسكرات النازحين المروعين ينهبون ما تبقى لهم من بهائم وأجهزة كهربائية ويتربصون بالفرادى المحتطبين يقتلون رجالهم وأبناءهم ويستحيون نساءهم فعل فرعون وجنوده الخاطئين!.. أي هدوء هذا الذي في غرب دارفور؟.
    ذلك التقرير الذي رفع للحكومة لإطلاعها على حقيقة الأوضاع في دارفور ممن تثق بهم يعطي الانطباع كأنما النزوح كان بسبب نشاط "التمرد" بينما النازحون في المعسكرات المليونية الآن هم من قبائل غير عربية وأغلبهم من الفور والزغاوة والمساليت ويشكون ليس من هجمات التمرد بل من فزعات الجنجويد وقصف القوات الحكومية لهم بالطائرات.. والمعسكرات الآن مشحونة بمشاعر سلبية وغضب إثني موجه أساسا ضد الحكومة ورافض للتعامل معها إلا عبر المنظمات العالمية تعبيرا عن عدم ثقته في نظام الخرطوم..
    الحكومة بين الإنكار والتدويل
    الحكومة السودانية ظلت تنكر وجود أية مشكلة في دارفور خلاف النهب المسلح وقطاع الطرق.. كما أنكرت وجود أية أسباب سياسية أو مظالم تنموية أو تهميش أو تدخلات إدارية خاطئة ساهمت في إشعال نيران الحرب في دارفور.. بل تعرفا على دور عدوها اللدود حليف الأمس (المؤتمر الشعبي) في إطلاق الشرارة واستمراره في تأجيج الفتنة وسعيه لدعم الحرب في دارفور، ظلت تتعامل مع الحرب كأنها ملف أمني داخلي حصري على المؤتمر الشعبي، متجاهلة أن شرارة الحرب حينما انطلقت ساهمت فيها عوامل عديدة وشملت كثيرين خارج عباءة الشعبي حركتهم الغباين والتناقضات المشار لها آنفا، وتعاطف مع الجوانب المطلبية والسياسية الكثير من أبناء الإقليم.. أما تصرفات مليشيا الجنجويد (خاصة في غرب دارفور) فقد جلبت على الحكومة سخطا داخل الإقليم وداخل البلاد كلها وفي العالم أجمع، بالصورة التي غطت على انتهاكات حاملي السلاح وعنفهم، وملأت حلوق أهل الضمائر الإنسانية أنى كانوا بالغصة، وأظهرت النظام في شكل لا يطاق.. وعلى حد تعبير أحد قيادات حزب الأمة بالمنطقة وهو يعترض على أي تنسيق مع النظام (بينما الحزب قد وقع على اتفاق مع المؤتمر الوطني الحزب الحاكم بشأن قضية دارفور) قال: هذا النظام كالقنفذ (أب شوك)، وأب شوك لا يمكن أن يحضنه أحد!.
    ظلت الحكومة تنكر الفظائع البشعة التي ترتكبها قوات الجنجويد، وتنكر علاقتها بها، مع أن تلك القوات تمتلك الأسلحة الخفيفة التي وزعتها الحكومة عليها وبعضها يلبس ملابس القوات النظامية.. بل بعض قوادها ترقى في الرتب العسكرية.. هذا علاوة على أن تلك القوات تستهدف في المقام الأول القوات التي حملت السلاح ضد النظام، وتعيث فسادا فيمن تعيث ظنا بأنهم يناصرون تلك القوات.. وتغطي هجماتها في كثير من الحيان الغارات الجوية أو البرية من القوات النظامية.
    الشاهد أن الرسميين الآن ينكرون أية علاقة بالجنجويد وينعون عليهم أنهم ألبوا عليهم العالم، وبعضهم يؤكد عجز الحكومة عن جمع السلاح منهم وعن تتبعهم لدى التبليغ عن غاراتهم المتكررة.. وقد كانت قضية الجنجويد إحدى ملفات التدخل الأمريكي في المسألة حيث أعلن وزير الخارجية كولن باول لدى زيارته للخرطوم في نهاية يونيو الماضي أن حكومته تتوقع من حكومة الخرطوم أن تعمل على تجريد ميليشيا الجنجويد من السلاح.
    أرادت الحكومة في البداية أن تحل المسألة بمفردها وأطلق بعض الولاة في الإقليم نفرات للقضاء على "التمرد" في ظرف ثمانية وأربعين ساعة ( نفرة والي جنوب دارفور الفريق آدم حامد موسى وقد تعهد بنسف المتمردين وأعوانهم من عالم الوجود منفعلا بنداء سياسي وجهه لتظاهرة أعدتها حكومته بالولاية بضرورة الحسم الفوري لمشكلة الأمن في غضون ثمانية وأربعين ساعة وتلاحظ بعد ذلك انتقال غرفة العمليات العسكرية من الفاشر إلى نيالا).
    وفي فبراير 2004م كونت الحكومة لجنة سمتها قومية لحل المشكلة وكونتها بشكل حزبي ففشلت في تحريك الأمور نحو أي حل.. كما استجاب النظام لنداءات بعض الأحزاب بالتحرك نحو الحل السلمي وعقد اتفاقا مع حزب الأمة ذي الثقل الجماهيري الأكبر بالولاية يقتضي عدة معالجات فورية إدارية وإغاثية وإعلامية كما يقتضي عقد مؤتمر قومي يجمع الكافة لمناقشة كافة الملفات السياسية والأمنية والخدمية والتنموية والإدارية والقبلية في الإقليم، وذلك في 12 مايو المنصرم.. لكنه اتفاق ظل حبرا على ورق كما قال رئيس الحزب الذي نظم زيارة لوفد عالي المستوى لعواصم ولايات الإقليم الثلاث في 23- 25 يونيو الماضي، وذلك لأن الاتفاق لم تعقبه أية إجراءات على أرض الواقع مع أنه أكد على ضرورة السرعة والتحرك الحاسم في القضية..
    تدخل المجتمع الدولي بدءا بالوساطة الفرنسية الأمريكية والتي نجحت في جعل الأطراف يصلون لاتفاق بوقف إطلاق النار في 8 أبريل 2004م.. ولكنه وقف للنار يشكو الطرفان من خرق الطرف الآخر له.. فالحكومة تتهم المعارضة المسلحة بأكثر من 55 خرقا لوقف إطلاق النار في شمال درافور فقط وذلك حتى هجومها في 10 يوليو على منطقتي الطويشة واللعيت جار النبي، هذا غير الاعتداءات على القوافل الإنسانية في طريق نيالا ـ الضعين بجنوب دارفور. والمعارضة تؤكد أن قوات الجنجويد بمساعدة الحكومة لم توقف أعمالها الوحشية في حق المدنيين لاتهامهم بمناصرة التمرد.. ولذلك فإن أحداث العنف في دارفور لم تقف برغم الاتفاق المذكور، آخرها في ولاية جنوب درافور كانت أحداث الضعين في مطلع هذا الشهر..
    كل ذلك ليس فقط جر أرجل المجتمع الدولي لتلافي تفاقم أكبر كارثة إنسانية وتحولها من ترويع ونزوح الملايين إلى فنائهم المحقق في معسكرات ستغرق بعد أسابيع قليلة في برك الأمطار، وتترع بالأوبئة، ويشح فيها الغذاء والدواء، وتزيد فيها معدلات الفناء الإنساني بشكل مريع.. بل إلى جعل ذلك التدخل مطلبا يكاد يجمع عليه السودانيون أنفسهم، وإن ظلت بعض الأحزاب المعارضة تنادي بحل سوداني يلعب فيه المجتمع الدولي كمراقب فقط.. أما الحكومة فقد استمرت تنكر وجود كارثة وتستنكر التدخل الخارجي في المسألة..
    باول وعنان جمعهما في السودان يومان
    زار البلاد تزامنا مع احتفالات النظام بعيد انقلابه كل من كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الذي جاء في 28 يونيو وغادر البلاد في 30 يونيو، وزار كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة الأمريكية في 29 يونيو وحتى 3 يوليو الجاري.. كانت الزيارتان منصبتين على مسألة دارفور. كانت رسالة وزير الخارجية الأمريكي للحكومة السودانية قصيرة ومتعلقة بنزع السلاح من الجنجويد في جدول زمني محدد وإغاثة النازحين، كما اقتصرت زيارته على لقاء المسئولين بالحكومة وزيارة معسكرات النازحين في شمال دارفور، ثم مقابلة زعماء القبائل في دارفور.. وقد ووجه السيد باول بنقد من الأحزاب الديمقراطية في السودان فأمريكا التي تزعم أنها رسول ديمقراطية في العالم لا تعترف أو تسعى للالتقاء بالقوى الديمقراطية ولكن تلاقي الناس على أسس قبلية. حزب الأمة مثلا هو الحزب الأكبر في دارفور بدليل نيله حوالي 85% من مقاعد الإقليم في آخر انتخابات عامة حرة إبان الفترة الديمقراطية عام 1986م ، ولكن السيد باول لم يطلب ملاقاته ولا غيره من الأحزاب، وكانت النتيجة أن ثلاثة من الخمسة الذين طلب ملاقاتهم على أسس قبلية هم من حزب الأمة، بينما رفض أحدهم وهو الدكتور آدم موسى مادبو (نائب رئيس حزب الأمة) أن يلتقي بباول على أسس قبلية وأوفد غيره من قبيلة الرزيقات في جنوب دارفور. وقد واجه السيد باول نقدا من رئيس الحزب وجهه من منبر "ندوة الأربعاء" الأسبوعية بقوله: " لم يطلب السيد كولن باول مقابلتنا ولا مقابلة القوى السياسية في البلاد بل طلب مقابلة أبناء الإقليم بصفتهم القبلية. مرة أخرى يتضح الموقف الأمريكي الذي فيه حديث عن الديمقراطية فوق رؤوس القوى الديمقراطية. هذا يطعن في مصداقية المشروع الديمقراطي الأمريكي".
    الشاهد أن الدور الأمريكي بعد زيارة باول في مسألة دارفور سار يتسارع بخطى ربما تسابق أجواء الانتخابات الرئاسية الوشيكة في الولايات المتحدة وتضع في عينها تراجع مرشحها الحالي في استطلاعات الرأي.. وقد بادرت بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يضع أمر العقوبات على السودان ويثير قضية مليشيا الجنجويد في هذا الملف. وفي يوم الجمعة 9 يوليو ناقش مجلس الأمن بالفعل مسألة دارفور وفرض العقوبات على الجنجويد إذا لم تستجب لها الحكومة خلال شهر تتعرض هي بالمثل للعقوبات. وقد قدم الأوربيون داخل المجلس مقترحا بحظر السلاح في كامل السودان. وهي تحركات تتم برغم رفض حكومة السودان لها باعتبارها محض تجن، وتتواصل برغم استياء الحركات التي تحمل السلاح منها باعتبارها تركز على النواحي الإنسانية والإغاثية في المسألة وتنسى المسألة السياسية أس الداء.
    الإعلان بين عنان والنظام
    أما السيد كوفي عنان فقد بقى مدة أطول في السودان والتقى بكافة المسئولين وسعى للقاء بالقوى السياسية والشعبية علاوة على زيارته لمعسكرات النازحين بدافور. وقد بدا السيد عنان غاضبا مما يحدث في دارفور ولكن وقبل مغادرته للبلاد وقع على إعلان مشترك بين حكومة السودان والأمم المتحدة.
    احتوى الإعلان على ديباجة تؤكد الاهتمام بالوضع القاتم في دارفور وضرورة التعاون لإزالته، كما احتوى على عدد من المهام تلقى على عاتق الأمم المتحدة فيما يخص: الإغاثة الإنسانية- الإسراع في مساعدة تطوير قوات مراقبة لوقف إطلاق النار من الاتحاد الأفريقي- الاستمرار في المساعدة في الوساطة للحل في الجنوب ودارفور- والالتزام وفقا لقرارات مجلس الأمن بالمساعدة في تنفيذ الاتفاقيات التي يتم الوصول إليها في جنوب السودان ودارفور.
    كما احتوى الإعلان المشترك على قائمة من المطلوبات من حكومة السودان:
    - مطلوبات إنسانية تقتضي: تعليق كافة القيود على العاملين الإنسانيين والأذن بحرية تحركهم عبر دارفور- السماح بتسجيل منظمات طوعية مؤقتة للعمل في دارفور- تعليق كافة القيود على استيراد واستعمال المواد والمساعدات الإغاثية.
    - فيما يتعلق بحقوق الإنسان: إنهاء الحصانة على القوات المنتهكة للحقوق- إجراء تحقيق فوري في كافة حالات الانتهاك- توفير الإمكانيات اللازمة للجنة تقصي الحقائق المستقلة وتنفيذ توصياتها- مقاضاة المنتهكين- السماح بوجود مراقبين لحقوق الإنسان- تكوين نظام عادل يحترم التقاليد المحلية ويسمح للنساء المظلومات بالانتصاف.
    - وفيما يتعلق بالأمن: نشر قوات بوليسية قادرة وقوية في كافة مناطق النازحين ومناطق الهجوم المتوقع- تدريب قوات الشرطة على قوانين حقوق الإنسان وتنصيبهم حماة عليها- التأكد من عدم وجود أية مليشيات حول معسكرات النازحين- البدء فورا في نزع سلاح الجنجويد وكافة القوات المتفلتة- الإسراع في إعادة بناء الثقة لدى المتأثرين بالحرب، وألا تتم أية إعادة للنازحين لأوطانهم إلا طوعيا.
    - وحول الحل السياسي للنزاع في دارفور: استئناف محادثات السلام في دارفور بأسرع ما يمكن للوصول لحل سلمي يوافق عليه جميع أطراف النزاع- وبما أن السلام في درافور مطلوب للسلام في الجنوب، على الحكومة الترحيب بدور المجتمع الدولي في المساعدة في تنفيذ الاتفاق النهائي للسلام في دارفور.
    وحول آليات تنفيذ الإعلان، اتفق الطرفان على تكوين آلية مشتركة عالية المستوى للمتابعة والتطوير ورفع التقارير الدورية حول تقدم عملية التنفيذ للاتفاق.
    مطلوبات لإكمال الإعلان
    إن الأسئلة المطروحة حول هذا الاتفاق كثيرة أولها حول الإطار الزمني المطروح لتنفيذ الاتفاق.. فالحالة الإنسانية في دارفور يلعب فيها الزمن أدوارا حاسمة.. ولكن أهم ما يمكن أن يعاب على هذه الضغوط الهامة والمطلوبة من لاعبين هامين في المجتمع الدولي أنها تجاوزت مطلبين هامين عاجلين لا يمكن لعمليات الإغاثة الإنسانية أو الاستقرار الأمني أو المحاسبة على الجرائم أو الحل السلمي المزمع أن تتم بدونهما وهما:
    أولا: الإصلاح الإداري: فبالأجهزة الإدارية الموجودة حاليا وبالمسئولين الذين ساهموا في تعقيد المشكلة بشكل كارثي، فإن أي اتجاه للحل السلمي ستقابله مشاكل انعدام ثقة.
    ثانيا: الخط الإعلامي: فالخط الإعلامي الحكومي الآن مضلل وتقع فريسته أغلب الصحف المحلية، وحتى تلك التي تحتفظ لنفسها بخط مستقل عن الحكومة مثل جريدة "الأيام" فإنها تجد مضايقات من الأمن ذلك أن موضوع دارفور من موضوعات التدخلات الأمنية في الصحف داخل السودان. أجهزة الإعلام الأبلغ أثرا والأكثر انتشارا مثل التلفزيون والراديو هي أجهزة مملوكة للدولة وتلعب دورها المرسوم بالتعتيم على القضية وإظهارها على غير حقيقتها.. إن استنفار المنظمات الطوعية للعمل في دارفور ومحاولة تلافي الكارثة الإنسانية المحققة بقدر المستطاع لا يمكن أن تتم في ظل إعلام يشكك في مصداقية التقارير حول ما يحدث في دارفور ويحاول أن يقول أنه لا توجد في دارفور أية مشكلة تسترعي الالتفات.
    إن الاهتمام الدولي بقضية دارفور على رأسه الآن قمم دولية بدليل زيارتي باول وعنان. أما إقليميا فقد أعطى الاتحاد الأفريقي للمسألة اهتماما ومساحة أقل في بحث القضية، ولم يخرج بموقف واضح يدين ما يجري في دارفور الشيء الذي اعترض عليه الأديب النيجيري صاحب النوبل "وول سوينكا". إن مساعدة الاتحاد الأفريقي للسودانيين في قضية دارفور أسفرت عن 300 جندي يرسلون لمراقبة وقف إطلاق النار في دارفور كإقليم بحجم فرنسا كلها.. بل إن الاتحاد يبحث الآن إمكانية أن تشمل مهمة ذلك العدد أيضا حفظ الأمن في معسكرات النازحين.. وهو عدد غير متصور أن يكون أمام أعداد القوات والمليشيات الموجودة وسلاحها المهول سوى شمعة تضيء لشمس الظهر!.
    الاتحاد الأفريقي يحاول الآن التوسط في القضية وجمع الأطراف المتحاربة للحوار، وها هي حركة العدل والمساواة تصرح برفضها فكرة الاقتصار على الاتحاد الأفريقي بل تريد حضورا دوليا أوسع..
    وبعد زيارة باول وعنان، فإن الخرطوم استقبلت وزير خارجية ألمانيا يوشكا فيشر الذي أعربت بلاده عن قلقها فيما يخص دارفور ، وهي الآن تستعد لزيارة وزير خارجية فرنسا ميشال بارنييه في نهاية الشهر.. من جانب آخر هددت بريطانيا باستخدام عقوبات على السودان السودان في حال عدم تعاونه في حل المشكلة، متناغمة مع الاتجاه الأمريكي المشار إليه.
    ماذا بعد؟
    والآن.. وقد حاولنا عكس بعض ما يدور في دارفور.. فإن الجميع داخل السودان وداخل الأقاليم الإفريقية والعربية والإسلامية وفي العالم مطالبون بالعمل بشتى الطرق على تلافي الكارثة الإنسانية في دارفور.. والدفع من أجل الحل السلمي للقضية وعقد المؤتمر القومي الجامع المقترح في أسرع وقت.
    لقد كانت اتفاقيات السلام في نيفاشا تمرينا له إيجابياته وسلبياته، ولعل أكبر تلك السلبيات هو أن الوجود الأجنبي كان أكثر من مسهل للحوار، بل إنه تجاوز أحيانا حتى درجة التحكيم ليصير (كما حدث في مسألة أبيي) المنظّر الرئيسي للقضية بحيث وقع الطرفان المفاوضان على المقترح المقدم من الوسيط الأمريكي حول أبيي بدون أي تعديل ولا تحوير بل بدون حتى سحب الجملة التي تقول أنه مقترح مقدم من السناتور جون دانفورث من هامش الاتفاق.. والمطلع على تلك الاتفاقية يرى فيها الاتجاه الأمريكي الواضح في التعامل مع السودان كمحض تجمع قبلي (حيث يتم اختزال أبيي في قبيلتي الدينكا نجوك والمسيرية)، هذا مع وجود القبلية داخل نسيج وطني وحزبي وطائفي وجهوي وفئوي فريد لا يمكن الارتداد عنه للقبلية المحضة التي تصور بها أمريكا السودان الآن.
    نعم ينبغي أن يكون السودانيون أسرع من الإيقاع الدولي –بالأحرى الغربي- الذي تحركه المأساة الإنسانية ويسعى لحلها حسب فهم قاصر للوضع السوداني يشجعه التراخي الوطني على الاعتداد بأفكاره غير الناضجة ومحاولة فرضها على رؤوس شعب متقاعس. بيد أنه لا تحفظ حول نفرة العالم من أجل الكارثة الإنسانية والإغاثة في دارفور.. النفرة التي ينبغي أن يكون لنا كسودانيين فيها نصيب الأسد.
    وتبقى في النفس حسرة.. لأنه حتى إن تكاتف الجميع لدرء الجوع والمرض وإيقاف نزيف الدم.. كيف يا ترى سنوقف نزيف الثقة بين قبائلنا وجماعاتنا، وكيف نعيد النسيج الاجتماعي الذي خرب كل ذلك الخراب؟

    11 يوليو 2004

    رباح الصادق

    مراجع:
    - د. آدم الزين محمد نحو تجاوز حالة الاحتراب في دارفور: المدخل التنموي يوليو 2003
    - إفادات شفوية من مسئولي المعسكرات وبعض النازحين في كل من معسكر أبو شوك (الفاشر)- أردمتا (الجنينة) في 23-25 يونيو 2004.
    - إفادات شفوية من أشخاص بالإقليم مسئولين ومواطنين عاديين في زيارة ميدانية للإقليم.
    - سودانايل – مجلة سودانية على الإنترنت.
    - صحف عربية ومحلية.
    1- Darfur Humanitarian Profile, Office of UN resident and Humanitarian coordinator for the Sudan, 1 April 2004.
    2- Prospects for Peace in Sudan, Justice Africa, 5 Jul 2004.
    3- Sudan: At the mercy of killers- destruction of villages in Darfur, Amnesty International, 2 July 2004.
    4- Sudan Turbine, http://www.sudaneseonline.com/
    5- Darfur Humanitarian Emergency, USAID
    http://www.usaid.gov/locations/sub-saharan_africa/sudan/darfur.html

    متأخرة يا ندى: دارفور.. حقائق ووقائع أليمة

                  

05-09-2009, 08:00 PM

amin siddig
<aamin siddig
تاريخ التسجيل: 07-21-2007
مجموع المشاركات: 1489

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: AnwarKing)

    الأخ أمجد .. سلامات

    هذه المشاركة من و الدي أرسلها بالإيميل و طلب نشرها هنا ، و لم يتمكن من إرسالها لك في إيميلك


    Quote: Dear Amjad,



    The introduction to your topic and the part about the development of conscience caught my attention.

    As a father raising kids, this has always been a vivid topic of conversations.



    My third grade son didn’t know the answer to the first question in an exam, although he was able to find the answer to that question from the wording of a subsequent question, he didn’t use it and left the first question unanswered. When we asked him why he didn’t use that answer, he said it would be cheating because he didn’t know the answer at the time of the first question.



    Someone may call this INTEGRITY and someone may call it NAIVETY and start teaching his kid the facts of life!!

    The question is what is the standards for integrity and how far are we willing to corrupt our kids?



    How an advice for a kid to pass an exam differ from an advice to an individual when the question is mere survival?

    In an unjust society, where is the virtue: in integrity or in survival?

                  

05-21-2009, 07:03 PM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: amin siddig)

    *
                  

06-09-2009, 07:03 PM

AnwarKing
<aAnwarKing
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 11481

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: AnwarKing)

    أين الضمير؟؟؟؟
                  

06-09-2009, 07:56 PM

بشري الطيب
<aبشري الطيب
تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1157

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: AnwarKing)

    التحية لصاحب البوست وحضوره الكرام....

    قديما قيل الإنسان عدو من يجهل .. وبصراحة الشعب السوداني الى الآن يجهل بعضه تماما... من حيث عادات وتقاليد وتاريخ وخلافه وده طبعا واحد من إشكالات العملية التعليمية في السودان... وحتى الذين يعلمون فإنهم يتواطؤا لصالح المركز الثقافي المسيطر حتى لا يفقدوا المراكز المتقدمة التي إحتلوها في قمة البنى السياسية/الإقتصادية/الإجتماعية.

    في 9/مارس 2003 جئنا الى كلية القانون جامعة النيلين وكان في منبر لمؤتمر الطلاب المستقلين (متحدثين مجدي حسن- منتصر الامين- وشخصي) ووقتها إحتشدت الجامعة يمينها ويسارها (حسب تصنيفاتهم) وقالوا طالعين الشارع لرفض الحرب الأمريكية على العراق وكان رأينا إنو إذا في طلوع نطلع لرفض الحرب في دارفور وأتهمنا حينها بالكذب وبالعمالة وخلافه.

    وأعتقد إنو الموضوع أكبر من إنو مرض للضمير الجمعي بقدر ماهو حالة من مركبات النقص تجاه مركز ثقافي تمثله الجزيرة العربية.

    أضف الى ذلك أن الكثير من السودانيين لا يعرفون حقيقة ما يدور في بلادهم نسبة للسيطرة الكاملة للدولة على وسائل الإعلام وهنا يبرز دور المثقفين ولكنهم للأسف مشغلون بأمور لا تودي ولا تجيب في الواقع السوداني.

    نحن نحتاج لجيل جديد يكفر بالكثير من الأرث العنصري والإقصائي لخلق واقع أفضل



    كل الود
                  

06-10-2009, 07:48 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مرض اعتلال الضمير الجماعي السوداني!!! (Re: بشري الطيب)

    Salam all,

    Dear brother Bushra.. I agree with you that our elite is not concerned about our people in rural areas.

    That is the way of briniging up elite by universities in Sudan
    There were made to facilitate work for colonising Sudan not serving the local population.
    We should really review some curricula at all universities though students will have more attachment with there home country and continent.


    Dear dr. Amin

    Your father has provided a sensitive point.
    what is integrity and what is survival strategy.

    I think your brother was partially right.
    Nevertheless the information provided in the exam was well known for the maker of the question.
    what if it was a test of some intelligence to extract as much informations from the
    available data.

    that is also a way of testing knowledge as you certainly know.

    My greetings to your father who took the effort to read this topic.

    Yours Amjad

    Dear Anwar,

    thanks for the examples you provided.
    Really we are far away to feel the pain of our brothers on Darfour
    as well as we were far to feel the pain of the south back then.

    yours Amjad
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de