|
أصـــبري آعــــــاشــــــــة!
|
جســــــــــــــــــــور رقية وراق
أصـــبري آعــــــاشــــــــة!
_ ألحقني آبنات زينب ..ألحقني آمصطفى.. ألحقوني اخترقت صرخات عائشة هدوء ليل ضاحية خرطومية كانت نجومها وأطفال المرأة المرعوبة الشهود على ضرب الزوج للزوجة.لم يشهد الضرب جار وما شهدته جارة، أما أصوات الشتائم والصراخ ، فقد عبرت جدران الطوب والطين والأسمنت ، لتوقظ من نام ونامت من الجيران ولتجعل المستيقظين منهم يجرون خفافا نحو المنزل المستغيث، مصدر الصوت . كانت عائشة قد سبقت الجميع الى منزل أقرب الجيران بجلباب منزلي أخضر اللون حائله ،ممزق عند الكتفين ، قد تدلى منه كمه الأيسر ،الذي كان مصمما على هيئةجناح الفراشة كما يعلن الكم السليم ، تدلى الكم حتى منتصف الذراع الناحلة ، يحكي قصة الانفلات وحرية اليد الغليظة الغاضبة في أن تمسك بما تشاء من قماش أولحم أو عظم فتمزق وتجرح أوتكسر دون وازع أو ناه أو رقيب. كانت أنفاس عائشة تتلاحق ، وصراخها يتقطع حتى تحول من وحشة الخوف الأحادي الى النحيب وسط الآخرين . غطتها الجارة الحانية بثوب وسقتها ماء وهي تردد: بسم الله الرحمن الرحيم .قولي بسم الله يا عاشة . طرق عنيف على الباب يقطع محاولات التهدئة الطيبة .الزوج الهائج ينقذف داخلا ويقذف معه التهديد المزبد : والله علي اكتلا وقبل أن يتمكن أحد من منعه ، يصل الى الصالة _ ملجأ عائشة المؤقت _ فيطبق أصابعه على عنقها . تورمت اصابع صبي غض وهويخلصها منه ويصيح بوجهه: أنها في منزلنا . أنا أمنعك من ضربها .لن تضربها مرة أخرى . أنا أحذرك. واصلت الزوجة البكاء بصوت مبحوح وكانت ابنتها ذات الأعوام السبعة تنتفض وهي تبكي معها .كانت كلاهما جلدا على عظم. هيكل صغير وآخر يكبره قليلا ، كلاهما شبعتا أكثر ما فعلتا لطما وتخويفا من قبل الزوج والأب . كانت عائشة قد اشتكت في بداية المساء لبعض أقاربها من زوجها وسوء معاملته لها وكان هو يرقد في سريره صامتا وزوجته تفضي بمكنون قلبها : يود التخلص مني حتى يأخذ البيت لنفسه وللمرأة الجديدة التي ينوي أن يتزوجها .لكني والله ما أمرق من هنا قيد أنملة . تواصل عائشة الشكوى بشجاعة اكتسبتها من الشعور بالظلم ومن تواجد الآخرين والأخريات معها . شجاعة دفعتها لأن تصفق بيديها في وجهه دون تدبر ، وهي تختتم دفاعها: والله لن أتركك تبيع البيت ، أنا قاعدة هنا فوق قلبك وفوق مصرانك. ظل الزوج ،موضع الشكوى ، هادئا طوال الوقت ، ولكن عبارة مخيفة كان يرددها لفتت انتباه جارة شابة فحاولت تنبيه عائشة المشغولة بالفضفضة والبكاء. كان الرجل يردد من فوق سريره والناس يستمعون لزوجته : أصبري آعاشة ، الناس ديل بيمشوا. للأسف ، مشى الناس ، لينبئ صراخ المرأة بعد ساعات عن طوية التهديد التي بطنت بالهدوء والصبر الماكر . لكمات وخبط بجسد عائشة الضعيف بالحائط أوصلها الشارع شبه فاقدة للوعي رغم الصراخ : ألحقوني . أصبري آعاشة ، تهديد نفذه الرجل بعد خروج آخر الأجاويد. لم تكن لعائشة خدمة تليفونية للنجاة من العنف ولم يكن ثمة ملجأ تهرب اليه سوى أقرب الجيران الذين لا يملكون سلطة سوى النصح والتهدئة والايقاف المؤقت لبطش اليد واللسان . أصبري آعاشة ، بعد قليل سيذهب جيرانك فألطم وجهك وأسحق راسك بالحائط وأمسح بروحك وجسمك الأرض . أصبري آعاشة ، فأنا موقن بنجاتي من كل عقاب وسأكافئ نفسي بعروس جديدة تصغرك ، تطبخ طعامي وتغسل ثيابي وتطاعنك في المناسبات. أصبري آعاشة، فأنا بارد هادئ الأعصاب لأن كل الموقف في صالحي . قارني موقفي هذا بموقفك المهين وأنت خارجة جريا بقميصك المنزلي أيتها الفاجرة ، تصيحين وتولولين. امرأة عديمة الأدب ، يشهد عليها صراخها وعويلها . أما أنا فرجل يعرف الأصول ، كان يحاول أن يعيد الأمور الى نصابها وسأعيدك حالا الى البيت . عند الصباح ، ستقدمين لي الشاي باللبن وستردين على أوامري لك بعدم تكرار ما حدث بكلمة واحدة فقط : سمح آعابدين. ولو ساعدتك حبال صوتك التي مزقها بكاء وضرب ليلة البارحة ، فيمكنك أن تطلبي مني العفو شرط ألا تكرري فعلتك الشائنة . _ أعفى مني آعابدين ، تبت لله والرسول . _ طيري ، اذن ، ونظفي هذا البيت القذر ، وحضري طعاما زي الناس عندما أعود للغداء. أصبري آعاشة ، ظلت العبارة خلفية داوية بأذنيها طوال اليوم التالي . تجاذبتها مشاعر شتى أولها الذنب : ليتني ما أخبرت أحدا بشئ.. ثم خيوط واهنة تتمثل في الشعور بالحق في النجدة والنصرة : لكين كنت ارجاه يكتلني ؟ والجيران ، ما موقفي معهم الآن .. تهمس من فوق الحائط لجارة تثق بها : _ معليش .. البارح.. مشكورين ، ما تخلوني ، حتى لو منعكم من التواصل معي . ألحقوني لو ضربني مرة أخرى.ما عندي بلاكم. أصبري آعاشة ، ذهب الجميع لقضاء مشاغلهم ، وتعاطفهم معك لن يضرني بشئ طالما ان القانون غائب . الى أين تذهبين أنت .. هه ؟ الأطفال خلفك وعدم التعليم والتأهل أمامك . أنا ، الضارب الشاتم ، سفينة نجاتك الوحيدة ، الى أين تذهبين ؟ أصبري آعاشة ، فأنا ملك عليك وعلى ثلاث أخريات يمكن أن يزاملن شقاءك ويقتسمن معك اللقمة التي ألقي بها لكن جميعا مع عصاي التي تابى الواحدة العاصية منكن . أصبري آعاشة ، خلفية رعب مماثلة تدوي بأذني الصغيرة التي شهدت عنف الأب ضد الأم ، مع ذلك فهي ترغب في اللعب المسروق من وقت غياب والدها ، مع نديداتها . الطفولة قاسية أحيانا . صديقاتها الصغيرات قررن أن يجعلن من ماساة الليلة الماضية لعبة جديدة مثيرة لليوم الجديد : _ هيي.. أبوك جا .. أجري أجري ! _ صحي ؟ أبوي ؟ وينو .. صحي ؟ _ هاها ، كذبنا عليك. ترتجف الصغيرة من الخوف والذلة فتبكي ، ولكنها تمسح دموعها بسرعة لتعاود اللعب فالوقت قصير وأبوها يمكن أن يجئ بالفعل ويضربها ويضرب أمها على سماحها لها بالخروج . كانت في الليلة الماضية العنيفة ، تقبل رأس أمها في مكان الضربات وتبكي معها . لا تريد أن يضرب أبوها أمها بسببها ولكنها لا تستطيع مقاومة اللعب . البنات الأخريات سعيدات ، ليس هناك من يضربهن كما تتصور ، وهي تحب أن تكون متواجدة في مكان اللاضرب والسعادة واللعب ، حتى لو أصبحت هي مادة مؤلمة لاحدى فقراته الطفولية . أصبري آعاشة ، فثمة ضوء يلوح ، وثمة شجرة أمل ، جذورها ما انتزعته المرأة في بلادنا من حقوق ، وأغصانها نهضة النساء والرجال ، وظلالها السلامة والاحترام والكرامة ، أما ثمرتها الطيبة فليست سوى المجتمع المعافى. أصبري آعاشة.
(نشرت بالأحداث بتاريخ الأحد 19 أبريل 2009 )
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: عبدالباقى الظافر)
|
شكري الجزيل لك العزيز عبد الباقي وتقديري لكلماتك الطيبةوأفكر فيما قلته يا ظافر : كم وسائل اعلامية نمتلكها في جانب العنف المنزلي تمتلكها ولو على مستوى المنظمات الطوعية وبشكل يلائم بيئتنا ويخاطب النساء والرجال ؟ هل هناك أي موادمتوفرة، ولو بالحد الأدنى ، تناسب ذلك الى جانب الكتابة . شكرا على المداخلة ولك الود والمعزة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: ابو جهينة)
|
تحياتي واحترامي لك العزيز أبا جهينة . هو كذلك ، عندما أقارن بين المجتمعات التي احتككنا بها أو صرنا جزءا منها مع مجتمعنا الأم ( أو ربما الأنسب أن نقول الأب)أجد الصورة متداخلة ، مختلفة ومتشابهة ولكن غياب القانون وتطبيع القهر وعدم وجود منفذ لكسر دائرة العنف هو الصورة التي تتمثل فيما كتبته . أشكرك وأقدر كثيرا مشاركتك يا أبا جهينة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: Adil Osman)
|
رقية ياراقية الاوراق والحروف
حين طالعت هذه القصة تذكرت الحكاية او المثل البقول(الغنماية جنت) اي حين تجوع الغنماية ممكن ان تتحدى (الكلب) ... وتلك الحكاية الشعبية المعروفة.... وبالمقابل ارسلت لى صديقة عزيزة خبر نشر في وسائل الاعلام الامريكية عن امراة تزوجت من (كلبها)وقالت لانها مرت باربعة تجارب زواج من رجال والاربعة خانوها.... وآمنت ان كلبها لن يخونها... ثم علقت صديقتى على خيار تلك المراة بقولها: كلب زوج ولازوج كلب ....
ولى تعليق بسيط عن الاسطر الاخيرة من القصة وقولك:
Quote: فثمة ضوء يلوح ، وثمة شجرة أمل ، جذورها ما انتزعته المرأة في بلادنا من حقوق ، وأغصانها نهضة النساء والرجال ، وظلالها السلامة والاحترام والكرامة ، أما ثمرتها الطيبة فليست سوى المجتمع المعافى. أصبري آعاشة.
|
أرى في هذه الاسطر اقحام على النص غير موفق وموعظة قد تفسد على القارىء متعة ان يصل هو للاستنتاج بدون ان يملى عليه ذلك ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: بدر الدين الأمير)
|
كثير شكري وتقديري لك العزيز بدر الدين الأمير على مشاركتك . في أحوال كثيرة يا بدر الدين تكون مطالب النساء هي من صميم ما يدخل في البناء والاستثمار _ ليس بالمعنى التجاري المباشر بالطبع _ في الزواج والأسرة . الأطفال ، التعليم ، السكن وغير ذلك من أمور الحياة الضرورية . حادثة زواج المرأة من الكلب ربما ستسمع من يتندرن بايرادها رغم انها شاذة وغير انساتية، ولكن ما تضرب بسببه بعض النساء أو البنات عندنا يعد من بداهات حقوق الانسان كما قلت . أشكرك على ملاحظتك الأخيرة حول خاتمة المقال يا بدر ، وأتصور أن القطعة المكتوبة يمكن أن تكون بدونها ولكن طابع النص المؤلم دفعني أنا نفسي للتحرر من وطأة حزنه بفتح كوة صغيرة للهواء والشمس ، لي ولعائشة وللنساء والرجال اللاتي والذين ربما لامس النص حيواتهم بشكل أو بآخر. عظيم الامتنان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: رقية وراق)
|
العزيزة رقية وراق دنوك تفاصيل ماحدث كما وصلتنى من الصديقة العزيزة المعالجة النفسانية القطرية الدكتورة موزة المالكى ولى عودة حول إبداعك لتفاصيل ماحدث وموقفك في الاسطر الاخيرة من تفاصيل ماحدث على فكرة (تفاصيل ماحدث هو عنوان قصيدة للشاعر المطبوع حميد) ويالها من قصيدة ومقاصد ...
فتاة تتزوج من كـلـبها . حقيقة ليندا ترفض الزواج من الرجال لتتزوج من كــلــبها !!! قصه غريبة حدثت لاحدى المواطنات الامريكيات التي تدعى ليندا حيث قررت ليندا الزواج من كــلـبها ماكس بعد أن فشلت في أربع محاولات زواج . وقد أقيم حفل زواجها من الكــلــب ماكس وسط تجمعات الأصدقاء ....
من هم الزوجين ؟
العريس الكـــلـــب ماكس , والعروس ليندا
وفي ليله الزواج لبست ليندا كامل حليتها وزينت كــلــبها ماكس وألبسته بدله العرس
وعندما سئلت ليندا عن سبب تركها للرجال وزواجها من الكـــلـــب أجابت بان الكــــلـــب سيكون معها أوفى من كل أزواجها السابقون ولن يقيم علاقات محرمه مع غيرها كما قام أزواجها السابقون بذلك ؟ !!
حكمة اليوم
كلب زوج ولا زوج كلب ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: طارق جبريل)
|
العذيذه رقيه نشتاق اليك والى كتاباتك الطالعه من واقعنا
وبى قدرتك العاليه على سردها اتحفينا وما تغيبى كتير
Quote: فثمة ضوء يلوح ، وثمة شجرة أمل ، جذورها ما انتزعته المرأة في بلادنا من حقوق ، وأغصانها نهضة النساء والرجال ، وظلالها السلامة والاحترام والكرامة ، أما ثمرتها الطيبة فليست سوى المجتمع المعافى. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: Yassir Tayfour)
|
رقيه طال علينا غيابك والله مشتاقين...
سرد جميل يا رقيه
عاشه الله يكون فى عونها وعون كل العائشات بالرغم من أنها قصه بتتكرر كل يوم فى سوداننا( الله يدى ناسه العافيه...) بس بأشكال مختلفه... إلا انه الزول كل ما يسمعها بحس بنفس المراره كأنه بسمعها لأول مره...
تحياتى ليك وكل الــــــــــــود... رغـم أنـف المسـافه والزمن...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: أصـــبري آعــــــاشــــــــة! (Re: Egbal Elmardi)
|
يا بت المرضي ، ألف سلام وأشواق وعشرات المواضيع التي تقفز اللآن وعشرات الذكريات . أجمل هذه الذكريات أيام الانتفاضة وتذكرت المظاهرة التي جمعتنا في اواخر مارس بكل تفاصيلها . لا زالت القضايا ساخنة ولا زالت المعاناة كبيرة وكذلك الحزن ولكن تضامن النساء ومناصريهن من الرجال وعملهن المباشر هو وصفة المضي قدما عل الأقل . أرجو أن نتواصل يا اقبال محبتي الكبيرة واعزازي.
| |
|
|
|
|
|
|
|