نقد الكتاب الاسود

الشكر لكل الاخوة المتداخلين وأتوقع مساهماتكم في هذا الموضوع أيضا
-----------------------------------------------------------------------------------------------

لعل هنالك فائدة توثيقية يجب ذكرها للكتاب الأسود ربما تكون غير مقصودة من قبل مؤلفيه هو أنه وفر معلومات عن من هم الذي شاركوا نظام الإنقاذ و ما هي مواقعهم والفترة الزمنية التي شاركوا فيها ربما تساعد في تسهيل محاسبة الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب السوداني في تلك الفترة.

ورغم هذا وبكل المقاييس يعد الكتاب الأسود من أكثر الكتب السياسية السودانية إثارة للجدل والاستقطاب الحاد، لأنه أختار مناهج بحث وعرض تبتغي الاثارة والتهريج وليس التعليم والإفادة. مناهج بحث الغرض منها التشفي السياسي والمكايدة، وليس تمسكا بمبادئ أصيلة، طريقة عرض تستخف بعقل القارئ وتستهجن ذكاؤه، بمعني أخر كأنما المؤلف يقول لنا يا أيها المغفلين هذه الأرقام سوف تشرح لكم كل شئ. لكن ماهو هذا الاكتشاف العظيم الذي سوف تفك طلاسمه الأرقام؟ ماهو هذا السر الدفين الذي لايدري كنه أو يعرفه أهل السودان المستغفلين؟ يبدو أنه أكتشاف سوف يفسر لنا أخيرا مكامن السلطة والثروة في السودان !!

ومقارنة بسيطة بين كتاب رصين ودراسة علمية هادئة كتبها الدكتور محمد سليمان محمد بعنوان السودان حروب الموارد و الهوية الذي صدر بكيمبردج بالمملكة المتحدة عام 2000 والذي أيضا تناول فيها بالشرح والتحليل دور ماسماه مؤسسة الجلابة في الحياة الاقتصادية والسياسية السودانية والطريقة التي عالج بها الكتاب الأسود نفس الموضوع، تجعلك تتسائل أين كان كتاب هذا الكتاب يعيشون ؟ وصار أمرهم مثل الرفيق روبرت موقابي الذي وقع أتفاقية أستقلال زيمبابوي المشروطة بمحافظة النظام علي أمتيازات البيض الاقتصادية، لكنه عندما أضطر سياسيا وتأزم اقتصاد زيميابوي لجأ الي كرته الاخير والذي يبدو للناس كأنه أكتشفه أخيرا هو أن الرجل الابيض هو الملام ولنا حق التساؤل أين كان موقابي طيلة العشرين سنة الماضية؟ وأين كان مؤلفي الكتاب الأسود طيلة هذا الزمن؟ هل هي غيبوبة فكرية و سياسية أم هو الوهم كان يعمي بصيرتهم وبصرهم؟

ومقارنة أخري بكتاب مثل كتاب الباحث السوداني محمد جلال أحمد هاشم، بعنوان منهج التحليل الثقافي: القومية السودانية وظاهرة الثورة والديمقراطية في الثقافة السودانية والذي يتطرق فيه الي نفس الموضوع شارحا :
" أن المركز يستلب الهامش ويعيد انتاجه، بل إن المراكز الحضرية في الأطراف تتحول إلى مقايسات ثقافية تقهر هوامشها. كما يفعل المركز المثال، ويدعو المؤلف إلى إعادة صياغة العناصر المكونة للجغرافيا السياسية في البلاد، ومن ثم إعادة النظر في الكيانات والمؤسسات السياسية، بكلمة واحدة يدعو المؤلف إلى إعادة التركيبة البنيوية السياسية في السودان، وإعطاء دور أكثر فاعلية وقوة لقوى المجتمع المدني، والعمل الأهلي وسائر المؤسسات غير الحكومية لتعمل على إصلاح الخلل البنيوي وتهيئة البلاد والمجتمع لاستقبال ديمقراطية مقترنة بالتنمية والتوزيع العادل للسلطة والثروة"

ومقارنة بكتاب تيم نبلوك / بالاشتراك مع الفتاح التيجاني صراع السلطة والثروة في السودان والذي صدر سنة 1990 و1993 الذي يتم فيه تناول نفس الموضع ببحث علمي رصين وجهد مقدر.
نجد الكتاب الأسود قد أرتهن نفسه لتصورات أنتجها خيال مبسط دوافعه سياسية أنية تبحث في قضايا شائكة التعقيد تطلب دراسة هادئة وعلمية لأنها في نهاية الأمر مسئولية أخلاقية.

فماهو السر الدفين الذي أكتشفه لنا الكتاب الأسود لم نكن نعرفه؟ فالكتب المذكور أعلاه والمقالات الصحفية والندوات والنقاشات التي دارت في ساحات مختلفة تجمع السودانيين ومنها هذا البورد وقـــد قتل فيها هــــذا الموضوع بحثا ودراسة وتحليلا.

ونواصل