نقد الكتاب الاسود

يعتمد الكتاب الاسود علي جداول أحصائية تبين الأصول الإقليمية لشاغري المناصب المختلفة، لا أريد أن أشكك في صحة هذه الإحصائيات لكن هنالك مقولة شهير لبنجامين ديزرائيلي رئيس الوزراء البريطاني في أواخر القرن التاسع عشر قال( هنالك أكاذيب، وأكاذيب لعينة، وهنالك الإحصائيات)، الاعتماد علي الارقام في تناول موضوع معقد كمسألة المشاركة في السلطة السياسية قد يقود حتما الي استنتاجات خاطئة. فالأرقام لا تفهم أن كانت السلطة المعنية سلطة أتت بأنقلاب عسكري أم هي سلطة ديمقراطية منتخبة، فالأرقام لا توضح أشياء معقدة كثيرة مثلا أن يكون شخص قد صنف من هذا أو ذالك الإقليم لكنه قد نشأ وتشكل وجدانه الثقافي في إقليم أخر. فالارقام لا توضح ظاهرة الكسل السياسي الثقافي والذهني والجهل الذي يعاني منها مثقفي المركز بأطراف السودان المترامية، وجزء من الذي حدث بعد الاستعمار هو عجز وإدمان فشل في خلق مؤسسات تستوعب كل السودان ولكنه قطعا ليس مؤامرة كما يدعي الكتاب.

الكتاب لم يتطرق بالبحث الموضوعي عن التركيبة الاثنية للأحزاب السياسية السودانية والأسباب التاريخية لذلك.
الكتاب رغم و إحصائياته الدقيقة لم يشر من قريب أو من بعيد الي أكبر عملية تهميش في السودان وهو تهميش المراة السودانية من العمل السياسي والاقتصادي.
الكتاب لم يتطرق الي نسبة المسيحيين في الحكومات السودانية المتعاقبة والتهميش الديني الذي يعانون منه.



كما ذكرنا سابقا أنه قد اجمع المحللون تقريبا على ان الكتاب الأسود له صلة بحزب المؤتمر الشعبي جناح الترابي‚ اذ ظهر الكتاب مباشرة بعد اقصاء دكتور الترابي من السلطة‚ فامكانيات طباعة الكتاب وتوزيعه في تلك الظروف تدل على انه صادر من جهة لها علاقة بمفاصل السلطة‚ ويقال ان الحكومة لم تعلن نتائج التحقيق حول هذا الكتاب لأن التقارير قد اثبتت ان من بين الاسماء التي وردت في التقرير شخصيات كانت بالقصر الجمهوري.
ولنا الحق طرح تساؤل أخر هل نسي الأصوليين الجدد في غمرة حميتهم القبلية والجهوية الجديدة التأصيل لآية مثل ( وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، ومما يدعوا للحيرة والشعور بالعدم أن تنظيم كانت تجمعه أيد ولجية رغم اختلافنا معها الا أنها كانت علي الأقل تدعي عالميتها وأنها تريد أن تغزو العالم وتصدر له الثورة، أن تختذل هذا المشروع وينقسم التنظيم الذي أتي به علي نفسه ويصطرع علي أسس قبلية وجهوية، ويريد للشعب السوداني أن يتبع أهوائه المتقلبة من بين استغلال الدين الي استغلال الاثنية والقبلية.

ومن كل القراءات السابقة نخلص الي أن مفهوم العدالة لدي مؤلفي الكتاب قاصر ومحدود ولن يعالج أزمة التهميش التي ينادون بإزالتها، ولم يعرف عن ألأشخاص وراء الكتاب أنهم رفعوا يوما عقيرتهم استهجانا أو استنكارا لانتهاكات حقوق الإنسان في الجنوب أو الابادة العرقية التي تمت في جبال النوبة أو حتي التصفيات العرقية التي تمت في دارفور، أو رفعوا صوتهم ضد العنصرية التي يمارسها المركز، بل كان البعض منهم يقود كتائب الدبابين والمجاهدين لتحرير الجنوب من الوثنين والمتمردين وعملاء مجلس الكنائس العالمي، والان يطل علينا طالبي العدالة الجدد بثياب جديدة دون تفسير لماضيهم دون أعطاء مبررات أو حتي اعتذار للشعب السوداني عن ما فعلوه في ماضيهم السياسي السئ الصيت. لذلك هم أقل الناس تأهيلا للحديث عن الظلم.

ونواصل