نقد الكتاب الاسود

نقد الكتاب الأسود
الجزء الاول

أولا يجب توضيح أمر هام في رأي أن رغم قلة الثروة المنتجة في السودان فهنالك مشكلة في توزيعها العادل علي أقاليم السودان أعتقد أنه لا يوجد أحد يختلف علي ذلك، ولكن هل الاستنتاجات التي توصل إليها الكتاب الأسود صحيحة؟ لو تم النظر اليها من منظور غير مؤ طر بمفهوم المؤامرة الذي تشكل النقاط المركزية التي يستند اليها الكتاب.

ما هي مقاصد مؤلفي الكتاب الأسود؟ هــــل هو بحث عن عدالة ضائعة تم اكتشافها مؤخرا أم هو بحث عن ظلم تم الوعي به حديثا؟ هل صياغة هذه الرؤية ودعمها بأرقام إحصائية يضيف شيئا جديدا؟ لصراع الهوية والثروة في السودان أم أنه يزيد الطين بلة ويخلط الحابل بالنابل.

هل الكتاب الأسود يشكل أجندة جادة وصرخ ضد العنصرية التي تمارس في السودان ولا ينكرها أحد؟ أم هي محاولة استغلال سياسي؟ لمشكلة عاني ولازال يعاني منها الكثيرين و كانوا طوال هذا الوقت في انتظار أن يستيقظ فارس الأحلام صانع الكتاب الأسود لينقذ الضحية من بين أنياب الفك المفترس!!! هذه مجموعة أسئلة نطرحها لمعرفة ماهية الايدولجية الفكرية التي تقف وراء هذا الكتاب.


الكثير من المعلقين يري أن المجموعة التي وراء الكتاب الأسود هم أعضاء سابقين في نظام الإنقاذ ينتمون الي الجبهة الإسلامية شاركوا النظام الحالي في أكثر أيامه قسوة وتعذيب وتشريد للمعارضين السياسيين، حيث تمت انتهاكات لا تغتفر لحقوق الإنسان وسوف يأتي يوم حساب مرتكبيها فردا فردا.


المأخذ الأول علي الكتاب الأسود هو السرية وعدم إعلان اسم أو أسماء المؤلفين له، من حقنا التساؤل لماذا هذه السرية؟ لماذا هذا التستر؟ لو كنت فعلا صاحب حق ضائع أو مظلمة تكلم بالصوت العالي وأعلن عن نفسك من أنت.

الماخذ الثاني حول تسمية الكتاب بالأسود رغم أنه شكلي لكنه قد يدل علي استبطانا لايدولجية القهر لدي المؤلف أو المؤلفين حيث أن اللون الأسود لون معظم السودانيين ولون غالبية المهمشين الذين يدافع عنهم الكتاب.

أخطر ما في الكتاب الأسود هو قدرته علي الاستقطاب الحاد لو كنت من المهمشين أو كذلك يشعرك الكتاب سوف تحس بالغبن وأن هناك مؤامرة محكمة مدبرة وأنت ضحيتها وكل ناس الإقليم الشمالي متآمرين وهكذا ينجح الكتاب في خلط الحابل بالنابل حيث يصير علي عثمان رفيقا لمحمد إبراهيم نقد في هذه المؤامرة السريالية التي نسجها خيال سياسي مختزل لكل مناهج التحليل المنطقي السليم.


دعونا نناقش الفكرة المركزية التي يستند عليها الكتاب الأسود في تحليله أن هنالك مؤامرة ثقافية وسياسية واجتماعية و أ اقتصادية يقوم بها المركز ضد بقية أقاليم السودان مع استثناء إقليم واحد هو الإقليم الشمالي الذي يحمله مؤلف الكتاب المسئولية كاملة.
وتدعم هذه الرؤية بأرقام وإحصائيات يبدوا أنهم قد بذلوا مجهودا لابأس به في استنباطها.

أغفل الكتاب دور المدينة السودانية المعاصرة وخصوصا أمد رمان في التقليل من حدة الانتماء القبلي وتطوير أشكال حديثة تشكل انتماء الفرد السوداني.

معظم القيادات السياسية السودانية الأولي كانت نشأتها في أمدرمان بالضرورة هذا يعني ضعف انتماؤها القبلي حيث تطورت معايير انتماء حديثة كالانتماء الفكري و الثقافي أو السياسي أو الانتماء الي الحي الذي يعيش به خليط من السكان (راجع كتابات شوقي بدري عن أمدرمان وعن مالم يقال في 19 يوليو)، وهذا المعيار ينطبق علي بقية المدن السودانية بدرجات أقل. أي أن بعض سكان هذه المدن لا يعرف الفرق بين كريمة والدبة و الدامر وبربر لا تعني له القولد شيئا أو الباوقة. رغم أن أصولهم الاثنية من هنالك. لذلك تجد هنالك تناقض في أرض الواقع وما بين افتراض الكتاب الأسود بأن الذين حكموا السودان من أبناء الشمالية وبأن حقيقة هذا الانتماء هو بالنسبة لهم انتماء ثانوي ولم يشكل وجدانهم، لذلك نجد أن الشمالية فعلا تعاني من التخلف كبقية أقاليم السودان.

الكتاب الأسود لا يعتني بأهم ظاهرة اجتماعية واقتصادية هو نمو وتراكم رأس المال وتكون ما يسمي بطبقة الرأسمالية الوطنية كما ورد في أدبيات الحزب الشيوعي في فترة ما بعد الاستقلال, انتشارها في مدن كثيرة في السودان وأثر ذلك علي الحياة السياسية السودانية، وبالتالي إغفال التحليل الطبقي للمجتمع السوداني به تبسيط مخل و يقود الي استنتاجات خاطئة وخلط غريب ومن حقنا التساؤل ما لذي يجمع مابين عامل بسيط أو مزارع فقير من الجعلين والشيخ مصطفي الأمين؟

أكثر نقاط الكتاب الأسود ضعفا هو المساواة ألأخلاقية بين أنظمة ديكتاتورية دموية ومشاركة ضعاف النفوس من المتعلمين فيها وبين المشاركة في أنظمة مدنية منتخبة ديمقراطيا.

ونواصل