عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 10:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-09-2003, 02:43 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2

    لكم العتبى حتى ترضوا أيها المناضلون من أهل عطبرة ، أولئك الذين لم نأت على ذكرهم و تفضل الأخ عادل عبد العاطي و ذكرهم و قامت الدكتورة بيان بذكر البعض الآخر فلهما شكري و تقديري، و أنا أضيف موسى متى ، و محمد السيد الصواردابي و محمد كبج و محمد الحسن عبد الله و حسن علي عبيدي و د. عبد الغفار.
    التحية و الإجلال لمدرسة الدايات بعطبرة ، التي تخرج منها عشرات المئات من الدايات اللائي حملن حقائبهن و إنطلقن للقرى و الأرياف ، يمددن هذا الوطن الحدادي مدادي بأجيال من أبناء السودان ، فيهم من تبوأ ما تبوأ و فيهم من أثرى الساحات المختلفة بفنه و أدبه. هؤلاء الدايات ، الجنديات المجهولات ، اللائي كانت رواتبهن لا تكفي دفع تكاليف مشوار رايح جاي لمحل ( النفساء ) ، فكانت تغطية حق الولادة إما بفخذ من خروف السماية أو يتوقف على أريحية أهل النفساء ، و ظلمهن الكثيرون حين كانوا يقولون شاتمين ( يلعن أبو الداية السحبت رجلك ) ، فنحن نشهد بأنهن مباركات و ما ( قصرن تب )، ينطلقن في عز البرد و لفح الهجير ، راجلات ، راكبات على ظهور الحمير ، و قاطعات للنيل بالمراكب ، في رحلات لا يقدر عليها أي طبيب توليد الآن و إن دفعوا له أضعاف راتبه.
    مختلف تماما ليل عطبرة عن نهارها.
    أمسيات عطبرة مختلفة تماما عن نهاراتها الحارة ، ففي الليل تنساب أصوات متناغمة لا تهدأ و لا تفتر ، فقلما تمر أمسية دون حفل زواج ، و العطبراوي يلعلع بصوته الذي شرفنا في الشرق الأوروبي بفوزه بجائزة أحسن نشيد و أقوى صوت ، و من بعيد تأتيك أصوات فرق الجاز ، و النوبة و المدائح و موسيقى القرب ، و الليالي السياسية ، فعمال عطبرة يدمنون السياسة إدمانهم لقزقزة التسالي و ( الجرم ) في دار الرياضة و السينما.
    أول سيرك شاهدته في حياتي ، شاهدته و أنا طفل في عطبرة ، كنت منبهرا بهذا الإبداع الهندي ، و كنت أسأل شقيقي : كيف أتوا بكل هذه الأدوات و الحيوانات من الهند إلى عطبرة ؟
    إلى الآن نقول : إنت قايلني هندي ؟ و هم يعملون في صمت من وقتها إلى أن فاجأوا العالم بقنبلة نووية و وادي سيلكون يضارع عباقرة مخترعي الويندوز و اللينكس .
    كل المكايد السياسة التي كانت تذخر بها أروقة و دهاليز السياسة في الخرطوم ، كانت تنساب إلى عطبرة ، فتدخل في تجاويف المطبخ السياسي العطبراوي ، فتنصهر في بوتقة واحدة تسمى ( مصالح العمال ). الكل يختلف و لكن مصلحة العمال كانت أولوية ملحة دائما. لذا قاتل كل الساسة في عطبرة من أجل قضية العمال ، فإنتقلت العدوى لكل العمال بالسودان ، فكانت بهذا منارة و شعلة و رائدة.
    عندما نجح إنقلاب الشيوعيين ، خرجت جماهير الشيوعيين تهتف ( شيوعيون طبقيون ) ، لم تعترضها أي من جماهير الأحزاب الأخرى و لم تصطدم بهم ، ليقينهم بأن سحابة أي حزب ستمطر أنى و حيث شاءت و لكن خراجها سيدخل خزينة العمال. إنه فهم حقيقي للديموقراطية التي نستجديها الآن و نناديها.
    و عندما إنكفأ الإنقلاب و حدث ما حدث ، لم يحدث لشيوعيي عطبرة ما حدث لغيرهم بالمدن الأخرى ، نعم تم إعتقالهم ، و لكن لم تحدث أي حالة تشفي.
    أذكر أن أستاذي سيد الطاهر ، رحمه الله حيا و ميتا ، كان قد تم إعتقاله ، و أتوا به للملازم عثمان جعفر ( الآن لواء دكتور و مدير شرطة الخرطوم ) ، و كنا دفعة ، و قام الأستاذ سيد الطاهر بتدريسنا الأدب الإنجليزي ، أتوا به ، فكان عثمان جعفر محرجا للغاية و عامله معاملة أبوية هو و من معه ، و قال لي : هذا أصعب موقف مر بي في حياتي ، أن يكون التلميذ هو سجان أستاذه الذي يعزه و يحترمه.
    إلى ليل عطبرة ، أضافت قصة أبو جنزير مسحة غموض ، تذكرك بها الآن الأفلام التي تتحدث عن قصص الرعب في الإجرام المتسلسل ، كالمجرم المتخصص في الإغتصاب ، أو الإغتصاب مع تشويه الجثة ، أو إغتيال المومسات فقط ، يعني تخصص في نوع واحد من الجريمة يؤديها بطريقة واحدة و متشابهة. و بالرغم من معرفتي لمحمد عبد الجبار الملقب بمحمد عوارة ، فقد كان يعمل مراسلة بالسكة حديد في نفس الورشة التي يعمل بها والدي رحمه الله ، و كان يأتينا في المنزل بعجلته التي بدون رفارف ، و يقوم بتغيير أوراق الصحف إلى جنيهات ثم يعيدها إلى سيرتها الأولى ، و إبتلاع الأمواس ، و كان محبوبا من كل الناس ، رجل لا يعرف غير الإضحاك و ممازحة الناس ، فتراه ينظم صفوف الناس في دار الرياضة و المستشفى ، و يدخل على ( أجعص جعيص ) في مكتبه و يتوسط لكل الناس ، فكيف يعقل أن يكون رجل بهذه الأخلاقيات سفاحا يحمل جنزيرا و مخدرا و يقوم بتشويه الناس ليلا بعد تخديرهم؟ هناك حلقة مفقودة في قضيته ، و لا ندري إلى الآن حقيقة الأمر. و للذين لا يدرون فإن الرجل بطل قومي ، كرمته عطبرة أيام الحكم العسكري لأنه دخل وسط حريق كبير في مستودع لبراميل المحروقات و أخرج كل البراميل فإحترق الرجل و تشوه تماما في جسمه و نجا من الموت. فرجل كهذا لا يعقل أن يكون مجرما ، و لكن فوجئت عطبرة بأنه هو المجرم حين تم إعتقاله ، و تم الإفراج عنه أيام نميري ، ثم تم إعتقاله لأنه شتم نظام النميري عيانا بيانا في إحدى القهاوي بعطبرة ، فأودع سجن الدامر ، ثم غيبه الزمن. فله الرحمة حيا و ميتا.
    في عز أيام الرعب الجنزيري ، كانت المدينة تعيش ليلها بشكل عادي ، و تتناقل قصصا حقيقية و مختلقة عنه ، يتحاوم الناس في أمن و أمان ، و بوليس السواري يجوب المدينة على ظهور الخيل و سياطهم ( تجر بالواطة ).
    كانت تبهرني أيام المولد في ميدان المولد الشهير. عندما دخلت ديزني لاند في أورلاندو بأمريكا لأول مرة ، تذكرت ذلكم الميدان رغم ضآلة حجم المقارنة بين هذا و ذاك ، و لكنه الفرح الذي كان ينتابني أيام المولد ، فقامت نفسي الأمارة بإدمان ذلك الميدان بزخمه الفرائحي ، فأيقظتْ عبث الطفولة بداخلي ، فطفقت أجوب أرجاء ديزني و كأنني سأجد مكانا آكل فيه السلات ، أو محلا صغيرا سأجد فيه عروسة مولد أو ميزانا أكتال به سمسمية أو حمصية أو هريسة. لا تزال فاكهة اليوسف أفندي في المولد تراوح أنفي ، و أصوات المدائح تستيقظ في ذاكرتي كلما إستمعت لمدائح شيخنا الفاضل عبد الرحيم البرعي.
    نهارات عطبرة ، إلياذة أخرى مصغرة ، لوحة تمتزج فيها أنماط شتى من الفنون في آن واحد. فوسط المدينة ، سوق يختلط فيه حابل تجار عطبرة بنابل اليمانية في سوق العيش و مطاعمهم ، و محطة ود الريح العامرة ، و ضجيج طاحونة الشوش في أم بكول ، و صفارات الورش و أصوات قطارات الوردية ، و أصوات الجلالات لمستجدي سلاح المدفعية ، ثم مكلية ، التي كانت عبارة عن صورة مصغرة لنشرة الأخبار الإقتصادية ، فقد ( تشيل حال أي تاجر ) يقصر معها ، و تعرف خبايا مخازنهم من أصحاب الكارو حاملي و كاتمي أسرار التجار. مكلية كانت مصنفة بأنها مريضة عقليا ، و لكن تتحدث معها ، فتبهرك بمعلوماتها ، و لكنها سرعان ما تنتابها حالة من الهياج ، و عندها لا بد من الإنسحاب. لم يكن ينافسها و يضيق عليها الخناق إلا مختارات ، رحمهم الله جميعا. مختارات كان مغرما بها ، فيطاردها دون كلل أو ملل يبثها نجواه و هي سعيدة بهذا الإهتمام ، و رغم مرضها العقلي ، لم يتأثر الأنثى فيها بهذا المرض فكانت تتدلل عليه و تتمنع. كان هذا يحدث يوميا ، نقف لنشاهده عندما نكون مفلسين و لا نجد ( حق السينما ) ، فنكتفي بالغنيمة بمسلسل مكلية و مختارات. لا يضارع خراب سوبافي تاريخنا الحديث إلا خراب عطبرة. فعطبرة التي كانت مقصد الناس من كل حدب و صوب ، يسميها البعض الآن المدينة الكئيبة. جناينها تحولت إلى أسوار من الطوب ، مات فيها التناغم الشعبي ، تم قتل شيء ما في دواخل إنسان عطبرة ، فيعيش الآن على سنام الماضي يجتره و يقصع جرته.
    و إلى جزء رابع. أنبشوا ذاكرتكم أبناء مدينتي الفاضلة.
                  

العنوان الكاتب Date
عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2 ابو جهينة08-09-03, 02:43 PM
  Re: عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2 ابو جهينة08-10-03, 10:31 AM
    Re: عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2 HOPELESS08-11-03, 08:27 PM
  Re: عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2 AlRa7mabi08-12-03, 07:16 AM
    Re: عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2 ابو جهينة08-12-03, 08:49 AM
      Re: عطبرة دفء المراسي و المطبخ السياسي 2 ابو جهينة08-12-03, 08:52 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de