عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 05:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-06-2003, 11:19 AM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22492

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي

    صور كثيرة كانت تعج بها عطبرة ، تصلح أن تكون بوسترات على شوارع الهاى ويي و كملصقات في قلب المدن الكبيرة ، و مانشيتات يومية للصحف و المجلات ، و بعض صورها الحياتية كان سينافس ( أجعص ) فيديو كليب لفناني الراي و البوب و كل هؤلاء الفتيات المتلولوات كالصارقيل المتخندق في جداول جناين السودنة تحت أشجار الزونيا و العوير و ورد الحمير.
    كل منحى من مناحي الحياة في تلكم المدينة كان يذخر بإيقاع صاخب و ينبض بالحياة التي تغذي شرايين السودان بأريحية لا من فيها و لا أذى.
    الساسة المحنكون ، ,و العمال بألوانهم السياسية ، و النقابيون المتمرسون ، و المعلمون من الرعيل الأول و الثاني ، و الأطباء الجهابذة ، و التجار ذوى الأريحية ، كل هؤلاء كانوا يزحمون المدينة بإيقاع متفرد ، لا تحس فيه بالبرجوازي أو السندكالي أو التكنوقراطي أو الأغبش.
    الصورة الأولى : صورة سياسية في إطار شعبي عطبراوي
    عندما ثار أهل السودان ضد حكومة عبود ( رحمه الله و أحسن إليه ) ، و خرجت المظاهرات بسبب تهجير أهالي وادي حلفا من ديارهم ( ترغيبا و ترهيبا ) هذا التهجير الذي ما زلنا نعاني من ظلمه إلى الآن ، فها هي كهرباء السد تمتد إلى الشام ، و تنير ظلمة كل النجوع و الكفور و القرى في مصر بأرخص تكلفة كهرباء في العالم العربي و الأفريقي و الآسيوي ، بينما أهلنا في حلفا و أرض الحجر و عكاشة و فركة و عبري حتى تخوم المحس الجنوبية جيران السد العالي ، لا تزال يضيء لياليهم اللمبة أم شريط و السراج أبو فتلة و أحيانا يكتفون بضوء القمر منكفئين بتوفير حق الجاز الأبيض. إتفاقية السد العالي ، الذين وقعوا عليها من الجانب السوداني ، لم يكلفوا أنفسهم حتى بذكر الإستفادة من كهرباء ذلك السد الذي سيغرق حضارة أمة عريقة، تهافتوا فقط على التعويضات و على تصنيف الناس إلى مهاجر أو نقدي و من له الحق في المتاجرة في الأنقاض. سبحان الله ، حلفا : البوابة التاريخية ، يبيعون و يشترون في أنقاضها. تحدث في السودان أحيانا أشياء تجبرك على المقولة ( بلد ما عندها سيد ولا وجيع ) ، و أحيانا تمتليء نفسك بالفخر و العزة لمواقف رجولية تجعلك تندم على مجرد تقليب المقولة هذه في ذهنك. سامح الله أولئك الساسة.
    خرجت جماهير أتبرة تهتف ، و أهلنا الحلفاويين يهتفون و دموعهم تسيل و تجف في صيف عطبرة اللاهب ( حلفا دغيم و لا لبنان ) ، و أنا أقول الآن ، حلفا دغيم ولا شارع الشانزليزيه و شواطيء الريفيرا و أحياء لونس أنجلوس كلها مجتمعة. أقولها دون مكابرة ، فالجيل الذي لم يشاهد وادي حلفا ، حتى من أبناء الحلفاويين ، لم يعرف أن حلفا كانت مدينة عصرية بمعنى ما تحمل كلمة ( العصر ) من معنى.
    شقت صفوف المتظاهرين في عطبرة جحافل البوليس الراكب على الخيول و المتسلحة بسيطان العنج ذوات اللسانين كلسان الكوبرا. كنت أحد الذين نالوا سوطا في ظهري جعلني طريح الفراش على بطنى أكثر من شهر بعد أن ناولني عسكري ( غتيت ) سوطا لم أره و لكنني سمعت له طرقعة مدوية كصوت طلق ناري قبل أن يلتصق قميصي الأبيض يالجرح النازف ، ( إيدو تقيلة بالحيل ). طاردني العسكري من دون الناس ، أو هكذا خيل إلي ، فقد كنت أمسك بلافتة رغم ضآلة حجمي آنذاك ، و رغم أنني كنت مميزا في الجري ، إلا أن الحصان كانت أنفاسه الحارة تلهب عنقي بإستمرار إلى نلت حظي من تلك الضربة التي أرتني النجوم في عز نهار عطبرة.
    لن أنسى ما حييت أول قطار أتى بأول فوج من وادي حلفا. كنت قد سافرت في ذلك الصيف مع أسرة البلابل إلى وادي حلفا لحضور زواج عمهم الأستاذ ، و رجعت معهم بأول قطار يحمل أول فوج من دغيم ، لن أنسى منظر أهلنا الطيبين في حلفا دغيم و هم ينتزعون شواهد القبور و يقطعون سعف النخيل و يكسرون أجزاءا من بوابات منازلهم التي تزينها صحون الصيني ، يحملونها معهم للقطار ، يدخلونه ، ثم يخرجون باكين و منتحبين، كان يوما مهيبا لا أول له و لا آخر ، و المرحوم والد البلابل ، يأتي بهذا ، و يجرجر ذاك للقطار و يشجع هذه و يمسح دمعات تلك ، و خلف وجهه الصارم يكمن بركان تمنعه مسئوليته تجاه أهله من إطلاقه ، من الصباح الباكر إلى أن آذنت الشمس بالمغيب . و عملا بنصيحة الدكتور طه بعشر ، تحرك القطار ليلا ، قالوا أنها نظرية سايكلوجية ، و لكنها كانت جريمة تتحرك ليلا ، ، تحرك القطار بعد أن جفت حلوق الناس من البكاء ، و تقرحت المآقي من الدموع الساخنة. لا أدري لماذا لم تتم كتابة تاريخ هذه الأيام ؟ يصلح لعمل فيلم متكامل.
    بعد أن تحرك القطار ، جلس الأستاذ طلسم ، مرهقا و نظر حوله و الناس في إستكانة و تعب و الهدوء يسيطر على القطار الذي كان ضجيج عجلاته و كأنه يدندن بمناحة و بكائية لم يكتبها التاريخ ، و القطار يطلق صفارات حزينة ، فإنفجر الرجل طلسم في البكاء ، بكاء إهتزت له الكنبة التي يجلس عليها ، بكى كالأطفال ، و عندها لم يجد أحدا يسكته ، و كأنهم تركوه يكمل بكاؤهم الذي توقف من التعب ، بكاء كانت أصداؤه تنساب عبر كل عربات القطار ، فيسمعها الركاب المهاجرين و هم يبحلقون في لا شيء ، فها هو المواسي يحتاج إلى من يواسيه.
    و عندما وصل القطار إلى محطة عطبرة ، إنقلبت المحطة إلى بيت بكاء كبير ، الكل يعزي و يتقبل العزاء ، فالميت مدينة منزوعة من رحم التاريخ. بكى كل سكان عطبرة ، نساؤها و شيوخها و رجالها ، شيبها و شبابها . أمر الحاكم العسكري بإعلان حالة التأهب القصوى ، فهو يعرف معنى أن يهيج عمال عطبرة ، إنه الطوفان ، حتى أنه إستعان بقوات من شندي خوفا من إتساع التذمر و الهيجان. توقف القطار طويلا في عطبرة. تركوا الناس على سجيتهم يعزون أهلنا في الوطن الضائع لرفاهية بلد آخر. شقت النساء الجيوب و لطمن الخدود ، و لم يفكر أحد حينذاك أن ما يفعلنه هو من فعل الجاهلية ، فقد إمتدت الأيدي تحثو التراب دون وعى ، و تشق الثياب من منظر أهلنا القابعين في القطار لم يذوقوا طعم النوم منذ أن تحرك القطار.
    تحرك القطار من عطبرة تشيعه العبرات و الحسرات. و واصل أهل حلفا رحلتهم لأرض البطانة ، و تلك قصة أخرى.
    الصورة الثانية : صورة شعبية في إطار سياسي :
    السياسي العنيد ( الحاج عبد الرحمن رحمه الله رحمة واسعة بقدر ما قدم لعطبرة ) إبن عطبرة البار ، صديق والدي يرحمه الله ، الشيوعي القديم ، و المنسلخ من الشيوعية في آخر أيامه ، و المهاجر للخرطوم بعد أن تكالب الزمن على أتبرا و تكسرت نصالها على النصال.
    الحاج عبد الرحمن له صولات و جولات ، و رغم شيوعيته ، فقد كان صالونه عامرا بكل ألوان الطيف السياسي الأتبراوي ، حتى الصوفية و أصحاب الطرق ، فالكل يعرف أن مسئوليته الإجتماعية فوق حساباته الحزبية. و عندما فاز عن دائرة عطبرة في برلمان ما بعد أكتوبر ، دخل الحاج عبد الرحمن ( و هو يلبس الأبرول ) في مبنى البرلمان ، يتبختر بفخر مرده ثقة أهل عطبرة فيه و تفويضه تفويضا كاملا ، أبروله وقتها كان يضاهي أرقى ماركات بيير كاردان و أنجلو و بقية بيوتات الموضة الأوروبية ، وقف كل البرلمانيون تحت القبة ، و صفقوا لهذا الشايقي العنيد طويلا حتى تعبت أياديهم ، و هو يقف بقامته القصيرة و شلوخه المميزة يحي ممثلي السودان و كأنه يقول لهم : أتيتكم بأبرولي الرخيص المعطون بزيوت ورش عطبرة ، و لكنني مشحون بآمال و آلام أهل عطبرة.
    رحمه الله و التحية لأهله الكرام و كل من ناضل معه من نقابيين و سياسيين.
    و نواصل في الجزء الثالث.
                  

العنوان الكاتب Date
عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-06-03, 11:19 AM
  Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي Abdel Aati08-06-03, 11:46 AM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-06-03, 11:53 AM
      Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ود الياس08-06-03, 01:39 PM
        Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-06-03, 02:22 PM
        Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي الزومـــــــه08-06-03, 02:24 PM
          Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-06-03, 02:36 PM
  Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي maia08-06-03, 02:30 PM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-06-03, 02:40 PM
      Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي Abdel Aati08-07-03, 01:11 AM
        Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 08:43 AM
  Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي Abdein Shahein08-07-03, 11:13 AM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 08:45 AM
  Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي المسافر08-07-03, 11:39 AM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي abuguta08-07-03, 12:26 PM
      Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي shiry08-07-03, 12:59 PM
        Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي rummana08-07-03, 02:29 PM
          Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 09:01 AM
        Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 09:08 AM
      Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 09:03 AM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 08:46 AM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 08:49 AM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 08:57 AM
  Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي WadalBalad08-07-03, 07:45 PM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي bamseka08-07-03, 10:01 PM
      Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي رقية وراق08-08-03, 01:30 AM
        Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي bayan08-08-03, 03:11 AM
          Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 09:22 AM
        Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 09:16 AM
      Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 09:26 AM
    Re: عطبرة .. دفء المراسي ، و المطبخ السياسي ابو جهينة08-09-03, 09:10 AM
  ابو جهينه توما08-08-03, 11:12 PM
    Re: ابو جهينه انا بنت النيل08-09-03, 00:36 AM
      Re: ابو جهينه ابو جهينة08-09-03, 09:33 AM
      Re: ابو جهينه الزومـــــــه08-09-03, 09:48 AM
        Re: ابو جهينه الزومـــــــه08-09-03, 09:49 AM
          Re: ابو جهينه ابو جهينة08-09-03, 09:56 AM
    Re: ابو جهينه ابو جهينة08-09-03, 09:30 AM
      Re: ابو جهينه ابو جهينة08-09-03, 04:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de