بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 04:04 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-03-2003, 05:19 PM

Husam Hilali
<aHusam Hilali
تاريخ التسجيل: 02-21-2003
مجموع المشاركات: 429

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة (Re: Husam Hilali)

    الحلقة الثانية

    صباحاً، أزهرت " ثريا " في المطبخ، يفوح أريجها على الأطباق تبغي نشره في دواخل ابنيها.. والزوج المرمي هناك على السرير، وقد تناست صور الليالي الماضية بتكرر رغم تراكمها داخل كينونة الذاكرة . أخذت تعد شايها الصباحي رغم شح المعونة. واليد المبتورة التي لم تعد موجودة حتى بضيق ذاتها. كانت تتحمل ادقاع الفقر، وغرق الإفلاس. وهي مصممة على اعداد الشاي. بطريقة أسطورية تتفتق فيها عقليتها الاقتصادية: نصف ملعقة من الشاي تهطلها فوق الماء المغلي، تكمل بها ربع كوب لكل فرد من الأسرة، ثم تعاود تكرير ( التفل ) بزبده. بطريقة سرية لتنصف لكل كوبه. أما اللبن الذي تجلبه من عم " با بكر " البقاري الباقي على مهنة أجداده محافظاً بذلك على أصالته رغم كونهم في هذه المدينة البعيدة عن معاقل الريفيين المهمشين، فإنها لا تبدي إنزعاجاً من تخفيفه للبن ( المغشوش ) بماء الخور. وأحيانا ً بماء زير الفكي علي المبخر فخارها ببخور الصندل مما يعطي للماء نكهة فرح. وللبن طعم الازدواج. في الحقيقة.. لو لم يكن العم " با بكر " يصنع لبنه الخاص ( نزيف ثدي بقرة وانسكاب جوف زير ) لكانت " ثريا " ذاتها غشت اللبن بماء الصنبور، لضرورة اقتصادية بحتة.
    على عكس العالمين.. كانت تخزن السكر في ثلاجتها المفضلة ( وكأن لها غيرها ) تلك البيضاء الضاربة إلى الصفرة، فكانت تضع جويل السكر المرقع بعد إخراجه من الثلاجة في الزاوية المسقط عليها ضوء الشمس في ذلك الوقت من الصباح، على الطاولة، حتى تذيب الشمس غير قاصدة الهالة الثلجية المحيطة بالجوال الصغير، تفعل ذلك لكونها تعترف بوجود جحافل من النمل لا تهاب النعال الزؤام، تشاركهم جوعهم في جحرهم الكبير ذاك، وتضيف: لو كان هذا النمل موجوداً بدل أجداده أيام الملك سليمان ( تنسى قول: عليه السلام.. دائماً ) لما دبوا هاربين من جيوشه مصغيين بذلك لصاحبتهم الفصيحة الواردة في الكتاب !
    في الثلاجة أيضاً كانت تخزن العجين الذي يعتبر نواة الزلابيا* اللذيذة التي تصنعها، ولكنها امتنعت عن صنعها مؤخراً.. منذ آخر يوم دخل فيه دقيق القمح كمادة زائدة عن الحد إلى بيتها.
    تزاول وظيفتها التي تلازمها حتى الهبوط الأخير إلى القبر تنفيذاً لما ورد في عقد النكاح دونما انتظار لنيل أجر من أحد. فهي حتى اللحظة ما برحت – والقيظ يتسلل مع مرور النهار - تقوم بتقليب ذرات السكر بالملعقة، التي كان صليلها الناشئ من احتكاكها مع الأكواب الزجاجية - وهي تبدأ في تكوين صدأها رغم أن لا صلة رحم بينها وبين الحديد - يشابه جرساً يدق وهو مغطى بملاءة من قماش. وعلى مبعدة أمتار قليلة.. كان ابنها الأكبر " ربيع " – الذي ورث منصبه كبكر بعد أخ له رحل عن مقت هذه الدنيا – يغني بصوت أبرالي تحت زخات حمام خال من الصابون. وكأنما يلقي قداس أحد للا أحد. فيعطي بذلك للمشهد طابعاً كنائسياً.
    مر الابن " راشد " بقداس الحمام متجاوزاً إياه للولوج إلى المطبخ. شرع يصبح على والدته وزارعاً لقبلة على خدها المجعد بعد أن انحنت له لنيل ثغره، على غير البارحة تصيرت عينيه متفتحتين. فأوسعهما بمشهد المطبخ إلى أن وصل للزاوية الشرقية. حيث تقبع على الأرضية المهترئة بالخطى ثلاجة العائلة. أبصرها بملئ محجريه تعوم حول بؤبؤيه، حتى انسلت خلسة دمعة من عينيه ويده ممسكة لبطنه المغردة بكل ألحان الجوع. تقدم نحو الثلاجة، ثم استل ذراعه من جيبه الفارغ فاتحاً لبابها.. أخذ يجول بناظريه مجدداً ولكن هذه المرة داخلها (وأغنية: نفسي في داخلك أعاين تتناسل أصداؤها داخل ذاكرته المشوشة )، بينما كانت أمه على مقربة منه تتفرس ملامح وجهه الخائبة.
    أغلق بابها، وباب أضغاثه المجهضة.. وآخر طل من تلك الأغنية التي كانت آخر ما سمعه من جهاز التسجيل ( الكاسيت ) قبل أن يباع، ينسحب من رأسه تاركاً للجوع التهام ما تبقى من تلافيف دماغية صالحة للنسيان.
    خرج " ربيع " من حمامه لإكمال الطقوس الروتينية لهذا الفصل العادي من يوميات الفقر في بيتهم. تآكلت كل حصصهم من كسر الخبز اليابسة ببطء، وقد ساعدت هي نفسها على جفاف كؤوسهم المعبئة بالشاي حين كانوا يبللونها به. لعل قلوب الحكومة تلين عليهم.. كما يلين الخبز بالشاي (الأحمر).. إن كان يلين !
    انتهى وقت الإفطار. كالجنازة بعد دفنها.. في بطونهم، ثم شيعت الأم ابنيها حتى الباب في طريقهما إلى المدرسة. بينما ظل على الطاولة كوب واحد أصابته وحدته وبقاؤه ممتلئاً ببعض الهيبة امتداداً لسطوة صاحبه، الذي لا يزال على السرير مشخراً حتى الساعة، بلعت " ثريا " شيئاً من الريق.. واستعاذة من شياطينها. وأولهم الذي تدخل الآن الحجرة لإيقاظه، بصوت دافئ تطفو على نغمته ارتعاشة قالت:
    - عزيزي فتحي.. عزيزي، ألن تستيقظ ؟
    فتح إحدى عينيه الناعستين، وعبوس على وجهه كصباحه:
    - ماذا تريدين ؟
    - ألن تذهب إلى عملك ؟
    - كلا !
    - لماذا ؟
    - ذلك المكتب اللعين لا يجلب غير النحس.
    لم تفكر ملياً قبل التلفظ بعبارتها التالية:
    - يبدو أنك مازلت ثملاً !
    انتفض بعينين توسعتا غضباً:
    - ماذا تقولين يا عجوز النحس ؟
    بدبلوماسية هرة.. طالبت:
    - أرجوك قم، اذهب إلى عملك لعل الله يجلب لنا رزقا.
    - سحقاً لك . حتى وإن لم أذهب إلى العمل فسوف أفر من لسانك السليط .
    خرج " فتحي" من منزله بعد احتسائه لشايه الذي سخنته له زوجته مجدداً ، بعد مشاداتهما الصباحية ، التي وإن تظاهر بتذمره من عمله بالمكتب القريب فيها ، فإنه لم يكن بالجدارة التي تخوله للبحث عن مهنة أخرى .. بسهولة.

    يتبع...

    (عدل بواسطة Husam Hilali on 08-04-2003, 08:49 AM)
    (عدل بواسطة Husam Hilali on 08-04-2003, 08:50 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Husam Hilali08-02-03, 03:21 AM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Modic08-02-03, 04:00 AM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة AlRa7mabi08-02-03, 09:58 AM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Husam Hilali08-03-03, 05:10 PM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Husam Hilali08-03-03, 05:19 PM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Modic08-05-03, 10:51 AM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Husam Hilali08-10-03, 09:17 AM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Husam Hilali08-27-03, 07:21 PM
  Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة Husam Hilali09-08-03, 09:28 AM
    Re: بعد طول انقطاع : قصة مسلسلة هدهد09-09-03, 01:32 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de