|
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)
|
] قراءة التاريخ من وجهة نظر داخلية
أحمد الطيب زين العابدين والسودانوية
كان تعرفي فكريا للمرة الأولى على أحمد الطيب زين العابدين، من خلال مقالتين لفتتا نظري إليه بصورة لم أحسها مع أي كاتب آخر، وأنا في بداية طريقى مع عالم الكتابه ... وما جذبني إلى تينك المقالتين، وضوح المعالجة النقدية للموضوع وعمق التحليل وأعتقد - إن لم تخني الذاكرة- المقالة الأولى كانت دراسة في أدب الروائي إبراهيم اسحق ، نشرت مطالع الثمانينات على صفحات ملحق الأيام (للآداب والفنون) الذي كان يشرف عليه القاص عيسى الحلو... وفي تلك الدراسة قدم زين العابدين وفق تحليل نصى مقارن- ما بين الأدب والفلكلور- استنتاجات بارعة في الكيفية التي وطن بها إبراهيم اسحق بنية الحكاية الشعبية المتمثلة في قصة (ود الملك وود الحطاب) وفي نص روايته القصيرة المعروفة (أخبار البنت مياكايا) وهو نص وعر استلف له إبراهيم أكثر من خطاب لمعالجة دلالاته ومرموزاته المضمونية التي سعى لتجسيدها في سياق أسئلة قضايا التكوين الثقافي والعرقي للمجموعات السودانية إبان القرن السادس عشر على تخوم المنطقة الواقعة على ضفتي النيل الأبيض مابين فاشودة والجزيرة أبا... وأبان احمد زين العابدين في تلك الدراسة التجرية البلاغية لإبراهيم إسحاق في استلهام بنية الحكاية الشعبية وإخضاعها لمقتضيات الكتابه الفنية الروائية.....
والقصة الشعبية نفسها كان إبراهيم اسحق قد أخرجها في كتاب للأطفال حمل ذات العنوان(ود الملك وود الحطاب) . أما المقالة الثانية فارتبطت بالتباسات مناخ الكتابات المستثارة بتجربة النميري في تطبيق قوانين الشريعة عقب تشريعات سبتمبر (1983)،وما شهدته تلك الفترة من اتجاهات في الكتابه العاطفية للموضوعية التي نادت بإعادة فهم وقراءة ظواهر التاريخ السوداني على ضوء مستجدات المرحلة.. فكتب أحمد الطيب زين العابدين مقالته التي نشرت بمجلة (الخرطوم) ووسمها بعنوان(التاريخانية السودانية ومسألة الاستمرارية الحضارية كما تبين في كتابات المثقفين السودانيين) عالج فيها بالنقد الموضوعي المنهجي ما أثارته مقالات بعض الكاتبين في ذاك المناخ من دعوى جنحت نحو إنكار سودانية المتحف القومي بسبب ما يحتويه من مظاهر للثقافة المادية التي لا ترى فيها تلك الأقلام إلا تراثا وثنيا وتمجيداَ لثقافات نصرانية مسيحية.. فتصدى كاتبنا الراحل المقيم لمثل تلك الكتابات في مقالته الآنفة الذكر وفق تحليل عميق شرح فيه عبر تعقيدات نظرية ومصلحيه مفهوم الاستمرارية الثقافية الذي ظل احد أهم المرتكزات النظرية في المشروع الثقافي الفكري لأحمد الطيب زين العابدين انطلاقا من عبارة العنوان التي احتوى على كلمة (التاريخانية) وهي مصطلح أسهب في شرحه في صلب مقالته مبينا الفروقات الدقيقة بين ما يمكن أن نسميه (تاريخي) من وقائع التراث الإنساني للمجتمع وما يمكن أن نسميه ( تاريخاني) ...وقد قدم حججه المعرفية الدامغة على مثل ذلك التدليس الثقافي في خطابات أولئك المنكرين لسودانية المتحف القومي، والتي بلغت - ربما - مقاما صريحا من الجهل الفاضح بوقائع التاريخ والتجربة الإنسانية والحضارية الذاخرة للإنسان السوداني على تخوم حوض النيل الخالد وأرض فجر الحضارة الإنسانية.
لم اقصد بذكري لهذين النموذجين من كتابات أحمد الطيب زين العابدين ، تقديم دراسة وافية عن منهجيته وطرائقه في التفكير والكتابة ... فتلك غاية لا يدعى كاتب هذه السطور القدرة على تجشم مشاقها، وإنما أوردنا ما ذكرناه لكي ندلل على أساسبة في ما يتعلق بتراث احمد الطيب زين العابدين الثقافي والفكري، وهي قدرته البليغة على التنظير والاجتراح النظري في معالجة قضايا الواقع الثقافي السوداني من بوابة النقد، وكذلك من جهة قدرته الفذة على الإنتاج المعرفي بإشكالات هذا الواقع الملحة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، فأحمد الطيب من هذه الناحية كمثقف منتج للمعرفة في حقل الدراسات السودانية المعاصرة يمثل أحد ألمع الأسماء في ذلك التيار الذي رسخ الآن وتحددت معالمه واتجاهاته، ونعني به تيار مدرسة( السودانوية)؛ وللكلمة في ما حدث من تطورات على المستوى السياسي- مؤخراً - أبعاد ودلالات قد تنطبق على مفهومها (الثقافي) الذي نادت به جماعة أو تيار السودانوية في الحقل الثقافي والدراسات السودانية بشكل عام، أو قد لا تتطابق مع محددات المصلحة أو في بعده السياسي. والذي يعنينا هنا من هذه المسألة، المرتكزات النقدية والتنظيرية الحديثة للسودانويين ومنهجيتهم لتلافي نواحي القصور في خطاب الدراسات السودانية ومرجعياتها المؤسسة لها على اعتبار أنها كتبت ودرست في معظمها من الخارج أو من إسهام علماء أجانب من شاكلة الرحالة، وملفات ومباحث الإدارة الاستعمارية...
ولذلك نجد زين العابدين يشير لمثل هذه العقبات التي يواجهها الباحث السوداني في مقالة الموسم بـ ( الرموز التشكيلية الحية في الثقافة السودانية – مجلة الخرطوم عدد11- أغسطس 1994م) ما يلي (إن الباحث في الآداب السودانية، قد يعاني من مشكلات منهجية حقيقة، خاصة إذا ما كان مشغولا بمثل مانحن به مشغولون من مسائل التواصل الحضاري، مثل محاولة الربط ما بين الحديث والقديم، لرؤية شكل الاستمرار الأدبي، فقد يواجه بتقاطعات لغوية، واندثار اللهجات وثنائيات العامي والفصيح ، مما لا يواجه الباحث في الثقافة المادية والتشكيل... ويشير زين العابدين في ذات المقال إلى أن الحلول المتوقعة لمثل هذه العقبات (مرتهن حلها بحلول مشاكل علوم إنسانية أخرى مثل علوم الآثار والانثروبولوجيا والتاريخ العام وهي علوم معاصرة). وعلى ضوء هذا التشخيص للمعضلات التي يواجهها الباحث والأدبي في ميدان التاريخ الثقافي توسل كاتبنا مداخل منهاجية مختلفة لقراءة الظاهرة الثقافية السودانية وذلك بهدف واضح وهو إعادة قراءة هذه المنظومات والظواهر التراثية القارة في صلب هذه الثقافة بعيون سودانية ترى إليها في نمط اتساقها واستمراريتها وتحوراتها التاريخية، أو بكلمة واحدة قراءة للحيثيات التاريخية السودانية (من وجهة نظر داخلية) وذلك لتعزيز التفرد، والقضاء على حالة الدونية التي قد تتلبس الفرد السوداني إزاء ثقافة الآخرين.. فمعرفة الخصوصية الحضارية كما يقول زين العابدين(يبعد شبح الدونية الثقافية – ويجعلنا أنداداً بالآخرين).
وختاماً نقول إن أية دراسة حقيقية تود أن تقدم مقاربة واقعية لإسهام أحمد الطيب زين العابدين النظري والفكري في خطابنا الثقافي المعاصر لا يمكن لها أن تحقق مثل هذا المسعى الا من خلال تقدير جهده العميق الأصيل في إثراء البحث المعرفي وتطوير الصياغة المصطلحية لما عرفناه لتونا بمدرسة أو تيار (السودانوية) داخل حقل الدراسات السودانية المعاصرة.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-15-09, 03:42 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-15-09, 03:57 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-15-09, 04:21 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-15-09, 04:32 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-16-09, 11:44 AM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-16-09, 11:50 AM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-16-09, 11:55 AM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-20-09, 05:52 AM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-20-09, 12:28 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-20-09, 12:55 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-23-09, 09:30 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-23-09, 09:38 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | عبد القادر الرفاعي | 02-23-09, 09:58 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | Mohamed Elgadi | 02-16-09, 12:02 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | Abdlaziz Eisa | 02-16-09, 12:42 PM |
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين | Sabri Elshareef | 02-16-09, 12:58 PM |
تحياتي ... | سيف اليزل الماحي | 02-16-09, 02:05 PM |
صاحب السودانوية | Elbagir Osman | 02-20-09, 05:57 AM |
Re: صاحب السودانوية | kh_abboud | 02-20-09, 07:46 AM |
Re: صاحب السودانوية | الطيب شيقوق | 02-23-09, 10:06 PM |
Re: صاحب السودانوية | عبد القادر الرفاعي | 02-23-09, 10:16 PM |
Re: صاحب السودانوية | عبد القادر الرفاعي | 02-24-09, 05:48 AM |
Re: صاحب السودانوية | Emad Abdulla | 02-24-09, 06:56 AM |
Re: صاحب السودانوية | Seif Elyazal Burae | 03-06-09, 02:21 AM |
Re: صاحب السودانوية | عبدالله الشقليني | 03-06-09, 06:20 AM |
Re: صاحب السودانوية | Mamoun Ahmed | 03-06-09, 10:52 AM |
Re: صاحب السودانوية | محمد سنى دفع الله | 03-06-09, 11:38 AM |
Re: صاحب السودانوية | shahto | 03-06-09, 12:34 PM |
|
|
|