ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-23-2024, 03:52 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-15-2009, 03:42 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين



    مواصلة لسلسلة الملفات الثقافية التي بدأت في نشرها من على هذا المنبر الإسفيري الهام (سودانيزأونلاين)، يسرني أن يزدان المنبر هذه المرة بملف حافل عن الأديب والفنان التشكيلي الخالد/ أحمد الطيب زين العابدين – عليه رحمة الله.

    الملف من إعداد الأخ الأستاذ / محمد إسماعيل الطيب، وثمرة جهده المهني المخلص، وقد تم نشره في الملحق الثقافي لجريدة "الأيام" الغراء بتاريخ 30 أغسطس 2003م، تحت إشراف الأخ الأستاذ/ عثمان شنقر. الملف بعنوان : " العابر الهائل بنعال من ريح ".

    الشكر أجزله للأستاذ / محمد إسماعيل الطيب على وفائه لذكرى الراحل العزيز، وإحياء تراثه الأدبي والفني.. والتقدير لجريدة الأيام على العناية التي توليها لقضايا الثقافة والأدب والفن كما يعكسها الانتظام في نشر مثل هذه الملفات الثرية.

    د. عبد القادر الرفاعي
                  

02-15-2009, 03:57 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)



    العابر الهائل بنعال من ريح

    ملف عن الراحل أحمد الطيب زين العابدين
    إعداد : محمد إسماعيل الطيب

    افتتاحية
    ذاكرة ثقافية

    أحمد الطيب زين العابدين

    بدأ معلماً وانتهى معلماً .. بدأ ببخت الرضا التي كانت مركزاً معرفياً وحضارياَ تعلم من خلاله أساتذة كرام يؤمنون بالمشروع ، والبحث ، والاطلاع الزائد والنشاط الجمعي والفردي.. أعطوه نوعاً من المعايشة الإبداعية التي تؤمن بالإبداع فكانت الجمعية الأدبية وكان المسرح وكانت الموسيقى قبل أن تكون في أي مؤسسة تعليمية أخرى ، اختلط بأساتذة كبار لا يستنكفون مؤانسة الصغار فقد كان في بخت الرضا الحب الوسيط للتعليم الأعظم .. ما عدا ذلك مجرد تفاصيل .

    انتهى الأستاذ الرحل أحمد الطيب زين العابدين إلى كلية الفنون الجميلة وهي ابنة بخت الرضا. كانت كلية الفنون الجميلة ابنة جميلة تغذت بكل فكرة جميلة..وقد أرسلت إليها ألام الدارسين والمعلمين فكان الانتقال هيناً وسهلاً..ويذكر الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين أنه ولد بالجزيرة وتربى في غرب السودان وتعلم في شرقه لحين . مثل هذه الحركة في الزمان والمكان كفيلة أن تخلق فيه وجدانا ( سودانيا) بمعنى هذه الكلمة ، هذا التنقل هو أن كون هذا الحال الثقافي والاجتماعي الذي في فكره وعاطفته معرفته بالوطن كبيرة..

    درس الاجتماع .. ودرس التاريخ .. وتاريخ السودان الحضاري بالذات .. ومارس الإبداع التشكيلي. ترابطت وتداخلت فيه الأشياء بحيث أنتج ذلك المنظور السودانوي منظوراً ثقافياً لبنية السودان الثقافية. هذا المنظور هو واقع وجداني شعوري فردي باختلاف الخصوصية الثقافية لأهل السودان في الاجتماع واللغة والفن .

    كان خوفه أن يضيع بين الآخرين ، وليس أن يكون مع الآخرين .. هذا الإحساس هو إحساس أكيد .. يضع الإنسان السوداني داخل التفرد من خلال منظور تعدد الثقافات التي توحد الكون الروحي للثقافة السودانية. من هذا المنظور يؤكد أحمد الطيب زين العابدين أن أعمال الطيب صالح هي وجدانه الشمالي .. وأعمال فرانسيس دينق هي وجدانه الجنوبي ، والروائي العظيم إبراهيم إسحاق إبراهيم في وجدانه الغربي ..هكذا نستطيع التثقف ونحن ننتمي لبعضنا البعض ويعرف بعضنا البعض في صفاء واضح.

    الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين يرى أن لا ينبغي أن تفعل الأشياء والمواقف لإرضاء الآخرين؛ فالحقيقة أن الآخرين إنما ينظرون إلينا نحن على اعتبار أننا آخر ثقافي ؟ ويتوقعون منا أن نعطي ما عندنا وليس ما عندنا .. وداخل هذا المنظور السودانوي يؤكد احمد الطيب زين العابدين أن المحلية التي يستنكفها البعض هي العالمية نفسها ويضرب مثلا ماذا يمكن للطيب صالح لو انه كتب فقط عن تجربة الغربة والاغتراب؟ إذا لم يكتب عن دومة ود حامد؟ هل ستهتم به الدنيا؟ إذن لا بد من توظيف الواقع في بناء الخيال الرائع.. ومن منظوره لتشكيل السوداني يصبر كثيراً في كتاباته .. إن التشكيل السوداني أكثر ديمومة وأكثر استمرارية في ثقافتنا السودانية .

    كان التشكيل منذ أيام الشهيناب إلى يومنا هذا .. هذه التجربة قديمة لا زمت تاريخ السودان المعروف وتجلت فيها قيم الجماعات السابقة في هذا الوطن .

    وأخيرا يحي هذا الملف عن الراحل الأستاذ احمد الطيب زين العابدين وهو بمثابة مناشدة لجميع تلاميذه وأصدقائه من المفكرين والتشكيلين للإسهام مستقبلا في نشر كتاب يوثق لتجربته في الحياة والإبداع ويضيئ مشروع السودانويه بأفكار خلافية.

    محمد إسماعيل الطيب
    [email protected]
                  

02-15-2009, 04:21 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)


    أحمد الطيب زين العابدين : مؤسس البنية التحتية للنقد التشكيلي
    بقلم: محمد عبد الرحمن حسن (بوب)

    عرف استأذنا الراحل أحمد الطيب زين العابدين في أوساط المثقفين السودانيين ككاتب موسوعي تغطي بحوثه ودارساته عدة حقول تشمل تاريخ الفن وأنثريولوجياه والنقد الفني.. كما كتب في القصة والشعر والأدب الشعبي. وقد اختار لي في البدء الأخ محمد إسماعيل أن أكتب تحت عنوان ( أحمد الطيب ناقدا تشكيليا)؛ وقد قبلت العنوان لأنه يتوجه للكشف عن إسهام استاذنا الراحل في مبحث هام ظل على الدوام يفتقر للمساهمات المنهجية العميقة من قبل الباحثين في شأن الثقافة السودانية ، وخاصة المعاصرة منها ،وهو مبحث (النقد التشكيلي) . وكما تعودنا في محاولتنا لإضافة نوع من الضبط المنهجي على كتابتنا، اعتمدت على النصوص التي استطعت الحصول عليها من كتابات الراحل، وبدأت في وضع الأفكار الرئيسية حول الملامح المميزة لإسهامه النقدي . لكن وردني رأي آخر من أستاذنا الكاتب التشكيلي صلاح حسن الذي يشارك أيضا في هذا الملف ، بأن أحمد الطيب " الكاتب" متوفر للقارئ في أرشيف معظم الدوريات والصحف السودانية ، وأن ما نفتقد التعرف عليه هو أحمد الطيب الأستاذ والأكاديمي الذي علم ودرب عدة أجيال من الفنانين التشكيلين خلال فترة عمله بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية كأستاذ ورئيس لقسم الدراسات العامة. كما عمل عميداً للكلية لفترة من الزمن لم يتخل فيها عن العمل بالقسم المذكور الذي قام بالتخطيط له وإنشائه فعليا، وقد نبهتني إشارة الأستاذ صلاح إلى أمر هام وهو أن الكتابة عن أحمد الطيب الناقد يجب أن تسبقها الكتابة عن احمد الطيب الذي كان أول من اعتنى بإقامة بنية تحتية للنقد التشكيلي ، فغياب القسم الذي يضطلع بتدريس النقد في كلية الفنون لممارسة النقد مثل تاريخ الفن وعلم الجمال والفلسفة وعلم النفس .

    فالناقد الذي يتقن المنهج التحليلي للشكل الفني ، يفتقد للمعارف المذكورة أعلاه يقدم على الدوام نقداً شكليا بلا محتوى ، لان المنهج النقدي الذي لا يستطيع أن يربط العمل الفني التشكيلي بما يحيط به من سياقات لا يزيد ابد عن أن يكون وصفا لطيبولوجيا للوحة مثلا، أو المنحوت أو التصميم أي لن يتجاوز وصف العلاقات المكانية وترتيبها ، ولهذا فإن المعرفة بالمنهج النقدي التحليلي تعتبر عندنا مجرد بناء فوقي لا بد أن يقوم على بناء تحتي يعطيه الأرض التي يثبت ويرتفع فوقها . هذه الأرض (أو هذا البناء التحتي )، هو العلوم التي تنتج للناقد الكشف عن دلالة العمل الفني – دلالته الثقافية والنفسية والاجتماعية – وهذه العلوم هي التي أهتم استأذنا الراحل بتوفير الكادر الأكاديمي القادر على تدريسها للطلاب منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ، لقد شكل هذا الانجاز انتصاراً لإرادة عبرت عن هذا المطلب خلال النقاشات الخصيبة التي أدارها عدد من الكتاب التشكيلين في سنوات منتصف السبعينات .. طالب أولئك الكتاب بتدعيم منهجي وأكاديمي لثقافة طلاب كلية الفنون بتدريس علم الجمال وتاريخ الفن والفلسفة وعلم النفس .. الخ .

    لقد كانوا على حق واضح حينما اعتبروا أن الوعي ركيزة الموهبة. ومنذ أن عمل الراحل رئيسا لقسم الدراسات العامة بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية وإلى أن عاد مرة أخرى لرئاسة هذا القسم بعد فترة توليه عمادة الكلية، كان قد تمكن من تحقيق عدة إنجازات كبيرة ، بعضها في حجمه وبعضها في آثاره الناتجة عنه. ويمكننا أن نلحظ عدة سمات هامة في كل جهود الراحل التي تحققت ، وهي إنها تتصف بصفتين هامتين ميزتا أيضا إسهامه الفكري، هما وضوح الرؤية والمنهجية . كان يملك هدفا واضحا حينما يتوجه لإنجاز مهمة ما، ويعي تماما ما ينبغي أن ينتهي إليه ذلك الجهد؛ وكان يخطط بدقة ويتحرك ضمن مسار مدروس لتحقيق ذلك الهدف ، ولقد كانت هاتان السمتان الهامتان هما المفقودتان على الدوام في كل الجهود المبذولة في الحقل الثقافي سواء كانت نظرية أو عملية ، رسمية أو صادرة عن المثقفين أنفسهم . كان ومازال مقتل كل إسهام يكمن في غموض الأهداف وضعف التخطيط . لم يكتف أحمد الطيب في مجال تأهيل طلابه بساعات المحاضرات التي كانت تقرر عليهم ، بل حاول تعميم النشاط البحثي على مختلف أنماط الخبرة والأنشطة التي كانت تمارس ضمن المنهج الدراسي ، ومن ذلك أن ما يعرف بالرحلات السنوية في كلية الفنون كان يتوجه فيها الاهتمام إلى اكتساب خبرات جديدة ومتنوعة مع البيئات الجغرافية والاجتماعية التي يزخر بها السودان ، وقد ساد الظن لدى الطلاب وبعض الأساتذة بان التدرب على استخدام الألوان المائية يجب أن يستغرق جل الاهتمام ، لكن الأستاذ أحمد الطيب الذي كان يرى أن عملية الإبداع الفني نفسها هي ( عملية بحثية ) كان قد عمل على تحويل هذا المفهوم المحدود لخبرة للرحلات السنوية إلى شيئ أكثر شمولا فبجانب نشاط الرسم كان يعقد لطلابه جلسات نقاش جماعي في الأمسيات ، كما كان يكون بعض المجموعات التي تقوم بجمع المادة التشكيلية المحلية المتوفرة بالمنطقة. وقد استفاد أكثر الطلاب من قدراته على قراءة وتحليل رموز الثقافات السودانية في تلك الفترة التي أسعدهم الحظ بان يكون مشرفا على رحلاتهم ، لقد كانت هذه المعارف هي الأساس لكثير من طلابه الذين توجهوا في ما بعد لتوسيع معرفتهم بأدوات تحليل الرمز التشكيلي ، وولجوا مجال الكتابه النقدية من هذا الباب.

    ومن أهم الخبرات التي حرص على توفير البيئة المناسبة لاكتسابها، خبرة التذوق الفني وسعة القاموس التشكيلي لدى طلابه. ففي فترة عمادته نشط لبناء قاعة عرض بكلية الفنون. وهدف من وراء ذلك لاستضافة المعارض من خارج كلية الفنون ومن خارج السودان أيضا، ولإقامه الورش المشتركة وتعريف الطلاب بتجارب الفنانين المحترفين. وقد استضافت تلك القاعة عدة معارض في السنة الأولى التي أعقبت افتتاحها، بعضها من خارج السودان . وكان يرى أن خبرة المشاهدة هي التي تعين الطالب على تمييز مساره واكتسابه الروح الخلاقة. وفيما بعد، تحت ضغط تزايد أعداد الطلاب المقبولين بالكلية وعدم توسيع مبانيها ، اضطرت إدارة الكلية لتحويل تلك القاعة إلى قاعة دراسية وسميت ( استوديو الرسم ) لكنها ما زالت تستضيف بين الحين والآخر بعض المعارض ، كانت آخرها المعارض التي أقامها الاتحاد العام للتشكيلين. وفي ذات الفترة التي ذكرناها تم تزويد مكتبة كلية الفنون الجميلة بالكثير من الكتب التي تغطي مختلف المجالات والحقول المتاخمة للحقول العلمية التي تدرس في قسم الدراسات العامة ، بحيث أصبح ممكناً أن ينجز الطلاب بحوثهم النظرية من داخل مكتبة الكلية ، كما أصبح من الممكن الاطلاع على بحوث الطلاب المتخرجين بعد أن أقام الأستاذ صلاح الجرف بإنجاز بيبليوغرافيا بحوث التخرج المتوفرة بالكلية.

    لم يكتف الراحل بتوسيع قسم الدراسات العامة ليشمل علم النفس والفلسفة إلى جانب التاريخ وعلم الجمال ، بل حرص على اختيار عدد من الأساتذة الذين تميزوا بعمق المعرفة والإحاطة التامة بالمواد التي يدرسوها. ولقد أسهمت جهودهم في توسيع مجالات الاهتمام لدى الطلاب لتشمل معظم مجالات العلوم الإنسانية بعد أن كانت تتركز فقط، لدى غالبيتهم ، على مجالات تخصصهم من الجهة التقنية فقط. كان استاذنا الراحل أيضا مهتما بتنشيط الحوارفي أروقة كلية الفنون . ونتذكر كيف عادت ( جمعية الرسم ) في سنوات عمادته - أي في النصف الأول للثمانينات - لتعمل كقوة دافعة للحركة الثقافية التي قادها الشباب آنذاك عبر تنظيم الجماعات الثقافية مثل جماعة (تجاوز) التي كانت تعقد أمسياتها بمعهد الموسيقى والمسرح رغم إنها ضمت في عضويتها الكثيرين ممن لم يكونوا طلابا بالمعهد.

    في ذلك الوقت كان معهد الموسيقى مؤقتاً بقصر الشباب والأطفال ، ومنها جماعة الصحوة بجامعة الخرطوم وجماعة التراث بجامعة القاهرة ،وكانت جمعية الرسم في تلك الفترة قد استطاعت استقطاب اهتمام النقاد الشباب حيث ساهمت في طرح الأفكار الجديدة لدى المعنيين بإدخال مناهج النقد البنيوي وما بعد البنيوي كالسيميلوجيا والتفكيك؛ وكان الراحل يتابع كل ما يدور ، وإن لم يتمكن من حضور كثير من هذه الأمسيات، لكنه كان الداعم الرئيسي لحرية الحوار في وقت كانت فيه أية واحدة من هاتين الكلمتين تكفي لإضاعة المستقبل الأكاديمي لأي طالب ناهيك عن جمعهما معاً . كانت تلك هي السنوات الأربعة الأخيرة في عمر النظام المايوي الممقوت.

    ومع بداية الديمقراطية أسهم الراحل في دعم الحراك الثقافي بالبلاد فاجتهد مع الدكتور عبد السلام نور الدين في تأسيس دار نشر ( النسق ) التي عملت على طبع وإعادة طبع عدة مؤلفات سودانية هامة كما قامت بدعوة عدة دور نشر عربية كبرى لإقامة المعارض بالبلاد وربما كان أهمها معرض ( دار التنوير) الذي أقيم بمباني دار اتحاد الكتاب السودانيين. وما زالت الكتب الهامة التي اقتنتها المكتبات العامة والجامعية من ذلك المعرض تقف شاهدة على تأثير الراحل في مختلف جوانب الحركة الثقافية، حيث كان حريصاً على تقديم الكتب بأقل الأسعار لتلك الجهات والمؤسسات المهتمة بالكتاب .

    حاول استأذنا الراحل أن يكسب بعض طلابه المقربين له بعض الصفات النادرة التي كانت تميزه و أهمها أن ( يتوجه جهدك كله نحو هدف رئيس تحشد له كل طاقاتك الذاتية).

    وقد تمكن من غرس هذه القدرة في بعضهم وسعي لتعميمها على كل طلابه بإحداث تغيير هام في طريقة تعليم الطلاب للفنون، وبالإصلاح في طريقة ممارسة الطلاب للبحث أثناء تعلمهم الفنون فكما أسلفنا كان الراحل يرى أن الفن عملية بحثية ، وانطلاقا من مفهومه هذا نظر لعميلة تعلم الفنون على أنها مشروع بحث يمتد طوال سنوات الدراسة. وقد تم إدخال فكرة مشروع البحث على المقرر الدراسي وعمم على أقسام الفنون الجميلة والتطبيقية في تلك الفترة فأصبح لزاما على الطالب أن يتركز عملة على موضوع واحد بعد أن يدرس الطالب كافة جوابنه ويتطلع على كل المعلومات التي تتعلق به ؛ وبذلك فقد سعى لتخليص الطلاب من الفكرة الخاطئة التي تعتبر الإبداع مربوطا بالإلهام، ودعم فكرة أن البحث الواعي هو الذي يغذي الإبداع .

    لا يسعنا أبدا أن نعدد ما أنجزه أو ما أسهم فيه استأذنا أحمد الطيب ، ويمكننا فقط أن نشهد على ما كان وثيق الصلة بفترة دراستنا التي امتدت لخمس سنوات بكلية الفنون كطلاب بكالوريوس ، وهناك من طلابه من هو اقدر على تقديم شهادة أوسع من هذه الشهادة المحدودة لان البعض قد درس تحت إشرافة عدة سنوات أخرى للحصول على الدبلوم والماجستير، وبذلك كانوا أقرب إليه مني ولفترة أطول أيضا . ويعتبر إصراره على فتح باب للدراسات العليا لطلاب الفنون من أهم ما تحقق أيضا في فترته ؛ فقد اطلع هو بصورة رئيسية بهم تصميم الكورسات ومتابعة تنسيقها والتدريس أيضا ، وخاصة في كورسات الدبلوم ، رغم أن المرض قد إعاقة كثيراً عن الاطلاع بتلك المهام ، لكن الزملاء من الأساتذة والعاملين معه كانوا عوناً كبيرا له في إتمام تلك المهام، ومره أخرى أقول أن كل ما أنجزه الراحل كان بمثابة البناء التحتي الذي حمل جهود طلابة والأجيال التي تخرجت على يده في مجال الكتابة والتنظير التشكيليين سواء كان ذلك في مجال النقد أو في المجالات الأخرى .
                  

02-15-2009, 04:32 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)


    شهادة حسين جمعان عن أحمد الطيب زين العابدين

    1
    عندما طلب مني الكاتبة عن الأخ أحمد الطيب زين العابدين ، تذكرت تلك الأيام القديمة التي كانت بكلية الفنون . كانت الكلية أسرة واحدة والتنافس إحدى محركات تلك الحالة الجميلة الحميمة.
    كنا كزغي الطير نتحلق حول الأساتذة ولا نعرف للراحة مكانا بيننا، نعمل ، نتفاكر، نتناقش، .. هذه الالفة هي الأسرة التي أعنيها – هي من محبة المكان والزمان .
    2
    أتي البناء أحمد من قرى الجزيرة ( ود الحداد).. هذا موطنه وأن كانت ( أم كدادة) بغرب السودان تلك القرية الصغيرة التي فاز فيها في الانتخابات الأميرلاى عبدالله بك خليل بعد أن زهد من أصوت أهل العاصمة المثلثة ، هي مجموعة من البيوت القليلة تقف على حافة الصحراء .
    وخبر أحمد الحياة في البادية والمدن وتعلم في أم المعاهد ( بخت الرضا) والتي بموتها مات التعليم في السودان . من محي الدين صابر في عهد العسكر وبرنامج ( السلم التعليمي ) الذي أشرف على تخطيطه وتنفيذه خبير مصري .
    واشتغل معلماُ ثم التحق بكلية الفنون – لكورس العامين والخاص بتطوير قدرات الأساتذة للمراحل الأولية وأثناء ذلك جلس لامتحان الشهادة السودانية وتخرج بدرجة الكبالريوس في مجال التلوين .
    3
    يقرأ أحمد قراءة متأنية ومختارة .. كان مرتب الفكر . شديد الحميمية. بعد البكالوريوس عمل بالتدريس ثم بمكتب النشر بالخرطوم وتقدم والتحق بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية قسم الدراسات الإنسانية ، وتدرج إلى أن رشحه بروفيسور أحمد محمد شبرين عميدا للكلية خلفا له وافترقنا ..

    ذهبت للسعودية – جامعة الملك فيصل بالمنطقة الشرقية وكنت كلما زرت السودان في إجازتي السنوية أذكره بأن يكتب عن ( قبائل الأنقسنا بالنيل الأزرق وخاصة في مجالات ( الحفر على القرع ) وعن ( المسيحية في السودان ) و ( النوبة ) – ( آثار كنائس فرس ) – فلقد كان الرجل مولعا بتلك الأشكال من الكتابة والتأمل بدلا من هدر طاقته في ( الشعر) و (القصة) وعموده المشهور عن ( السودانوية ). كانت ستكون تلك الكتب مرجعا مهما للمشتغلين بالتاريخ الفني لتلك المناطق- ولكن أضاغ زمنا عظيما وتحرك في اتجاهات عدة – ليس من حقي أو مقدرتي الكتابة عما تركه من آثار في تلك الأشياء- فهي ليست من اختصاصي وتترك الآن لأهل الشأن من النقاد والمختصين لمعرفة وصفها – وكنت أتمنى لو تفرغ للتاريخ التشكيلي متمثلا في الكنائس وغابات الأنقسنا . كان هذا أجدى.. والذي أعلمه أننا فقدنا رجلا متخصصا .. مات وفي صدره علما.. هذا ما يحزن .
    4
    كان في مجال الكتابة عظيما وإن لم ينظمها ليعلم قدر الذي فات منها! لكنه أثرى الجانب الفكري وإن ضاع في متاهات متفرعة – قضى جل وقته في القراءة ولم يتح مجالا للتشكيل في حياته . فهو متحدث لبق مرتب الحقائق ، أكاديمي قح تتخلله نزعة الكتابة الأدبية في سنواته الأخيرة . من جبلة أم المدارس - مبروكة ) وأعتقد أنه لا يستطيع التحدث عن التشكيل أو نقده بصورة معاصرة؛ أقصد بالقيم الجديدة لا التقليدية ، ولكنه في مجال التربية والتاريخ والاجتماع كان متفرداً !
    ولأحمد أسلوبه في الكتابة والحديث والارتجال , فهو يجيد العربية والإنجليزية على نحو قل أن تجده بين أترابه !
    5
    حاول أن يدخل في مجال تصنيع الكتاب – دار النسق – محاولة منه لإيجاد كتاب مكتمل من الناحية العلمية والفنية. ويقينا ظننت أنه سينجح في جمع الكتابة المتفردة؛ وأشك كثيراً في الحسن الجمالي للعمل، وأقصد هنا دور اختيار النص المرسوم مع النص المكتوب.. ومن هنا فشل المشروع لأنك لا تستطيع الاعتماد على الآخرين في كل شيء ! هذا بجانب عوامل أخرى، مادية - وإن كانت ستذلل لو كانت دار النسق نجحت في استقطاب أهل التشكيل الراشدين !
    6
    الكتابات التي كتبها أحمد في مجال التشكيل بقلتها ! تعتمد على الحس الأدبي ولا تدخل في أمشاج العمل التشكيلي- تحليلا كتحليل بيت الشعر! أكثر زخرفاً ويتحسس الأشياء برفق خوف المتاهة وما بين أيدينا من أعماله التشكيلية طوال حياته لا يتعدى الإثنين أو الثلاثة قطع بحس لا يطاول الكتابه .
    7
    لست ادري لماذا نبالغ في تمجيد الموتى ! ونطلق عليهم العظمة في كل شيئ - وأن عادوا للحياة مرة أخرى لأصابتهم الدهشة ! هل هي من الوازع الديني – أذكروا محاسن موتاكم – أم تقمصنا روح الفراعنة بتخليد من فارقونا ! إننا لا نقلل من قيمة الإنسان ولكن علينا أن نتوخى الصدق بعيدا عن مزالق العطف فتختلط علينا الأشياء ونرى كل شيئ برؤية تحجبها الحقيقة وتزوقها الانطباعات التي تعيش على طاولة الاحزان والترحم !

    بموت الأستاذ أحمد نفقد زميلا كنا نتوخي الكثير من علمه وإن تشعبت به الطرق – ولا تقلل من مكانة الرجل – إنضاف لم نتعود عليه ونحن نتحدث عن الغائبين والذين سنلحق بهم - نكون كمن يداوي المريض بكية نار لا جرعة عسل - وإن كان العسل مغشوشاً فهذه نكاية أخرى لا تشفي المريض من عسر المرض وأن تعددت الأسباب ! رحم الله أحمد رحمة واسعة ، في الطلع النضيد والظل المديد .. هي رحمة المولى الواسعة لعباده وما الرحمة إلا من عنده.

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 02-16-2009, 11:26 AM)

                  

02-16-2009, 11:44 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ]
    قصص أحمد الطيب زين العابدين وثقت لتاريخ اجتماعي وكشفت عن نشاط الإنسان الزراعي والرعوي
    دراسة ..
    بقلم / عبد العزيز مختار دهب

    ليس هناك شك في أن تجربة السودانوية، والتي يمثل الأستاذ / أحمد الطيب زين العابدين أهم رموزها الإبداعية، تمثل تياراً جديراً بالوقوف والتأمل الفلسفي والنقدي . لأن هذه التجربة والتي شارك فيها الكثيرون من السودانيين مثل د. أحمد الزين صغيرون والذي يعتبر من مؤسسيها ، أو قل هو الذي أشار إليها كمعالجة للتراث الحضاري السوداني ، واختلاطة بالتراث الحضاري المصري. وأن هذه التجربة التي يواصل في عجلة مشروعها د. سليمان يحيى . ود . يوسف محمد مدني، وتسستهوى الكثيرين وتجمعهم إليها بعمق دراستهم الفكرية وتنظيرها للهوية في السودان من الصمت الضارب في الجذور الحضارية لهذا الإنسان المعاصر المحتمل.

    فالسودان الزاخر بالثقافات والحضارات هو هدف أحمد الطيب زين العابدين .
    هذا الكاتب الذي بالكتابة على مستوياتها المختلفة ، نقد نظري، نقد تطبيقي ، إبداع قص، بالإضافة إلى أعماله التشكيلية.. فهو كتب عن الرموز التشكيلية في السودان، التمساح، النخلة، العيش ، كتابة امتدت من الجذر القديم إلى المفعول الحاضر المستمر ، ونقد التشكيل في السودان.
    وكتب القصة القصيرة التي اختلفت عن غيرها في إنها ... أرخت وأبانت جغرافية مجتمع دارفور بكل روائحه الاجتماعية والتاريخية ، ونشاطه الثقافي والديني والفلكوري..
    فاحمد الطيب زين العابدين استطاع عن طريق الكتابة القصصية التي تتوحد فيها الأبعاد الزمنية والمكانية داخل منطقة دارفور . وترصد الكتابة التحولات الاجتماعية للهجرة من غرب إفريقية إلى هذه المنطقة. كما تعكس الكتابة هجرة جهينة العربية ودخولها أيضاً هذه المنطقة . وبالتالي تؤثر هذه القصص التأثير المتبادل بين هذه الفئات.
    - أولاً الهجرة العربية
    - ثانياً الهجرة من غرب إفريقيا

    وعلاوة على ذلك يقف الإنسان المحلي بين الاثنين باعتباره هو المستهدف من كل هذه الفئات. والتي بقصد واعي أو غير واعي، ساهمت وعمقت وشكلت وجدان هذا الإنسان. وكل هذا يتجسد من خلال طرح هذه القصص. لهذا الإنسان وبيئته.
    .. فالقصص وثقت لتاريخ اجتماعي و كشفت عن نشاط الإنسان الزراعي و الرعوي. ومختلف المهن . كما أوضحت الأبعاد الجغرافية للمنطقة.. لكن ما يهم هذه الكتابة هو فلسفة السوادنويه التي شكلت دليل الكتاب في مجمل مشروعها النقدي والإبداعي...
    وكتاب "دروب قرماش" الذي يشتمل على معظم القصص التي كتبها الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين... و التي جاءت تحمل رائحة الهوية دون أي تسمى صراحة، تجسد تاريخاً اجتماعيا حياً إذ أن هذه الهجرة امتدت لفترة تاريخية بعيدة نسبة للتغيرات الحضارية في وسائل النقل. إلا أننا نجدها رحلة عامورية باقية ... فأبناء هذه المناطق تجذروا في وراثة الفعل الديني وممارسته بشكل تلقائي وطبيعي بكل ثقل الأجداد مما جعلهم يحملون الفعل في وجدانهم والأجداد في سحناتهم و أشكالهم .

    والقصص إذ توصف التغيرات أو العادات الاجتماعية في المنطقة بكل رائحتها قد أبرزت التغير اللساني والثقافي عبر السرد والحوار. و يختلف السرد عن الحوار في هذه القصص ، ويحدد مقصودنا تماماً . لذلك تم فرز السرد عن الحوار في هذه الدراسة لإستنطاق الهدف المقصود .
    و الذي تسعى هذه الدراسة للكشف عن مخبوء النص القصصي ... ونتخذ من قصة ( دبيب يايا ) نموذجاً ... على أن هذه القصة يمكن تطبيق نموذجها على كل القصص الواردة في مجموعة ( دروب قرماش).

    أولاً: السرد القصصي :
    يتخذ السرد القصصي في قصة دروب قرماش الحرف العربي الفصيح المنضبط ثقافياً و أكاديمياً ليعبر عن المسرود عنه في حالة الوصف الجغرافي، والتعبير عن الشخصية من قبل السارد أو التعبير عن مواقف و أحداث سابقة، وتنحصر حدود استخدام الفصحى في هذا المجال . و السارد ليس بريئاً ولا مشاركاً في الأحداث .. ولكنه يمتلك دقة عالية على الوصف وتموضعه في مجال السرد لان المخاطب وهو المسرود له ، يمتلك خاصية المقدرة على استيعاب السرد يقف وهو الآخر في مشهد المسرود له في حالة الأفعال و التي تتميز بالروح الدرامية بكل محمولاتها .

    ولكي نؤكد هذا السارد يتخذ هذا المدلولات في إطارها الصحيح الذي رشحناه، نجده منذ البداية يكشف عن الموقع الجغرافي للأفعال بلغة ليست (عالية) أكاديميا... فقط بل تتشرب معها روح الأدب لتمنح النص القصصي بعده الفني من صدق، ودقة ووضوح، فها هو الوصف :
    ( للوصول إلى سرف الحسين عليك الخروج من الديم الكبير من اتجاه الشمال تماما .
    ما أن تسير مسافة ساعة حتى ترى أمامك الجبل الأسود الضخم يغيب مرات خلف الغمام ويظهر مرات ، تتقدم قليلا فيظهر لك المنحدر الطيني تحت إقدام الجبل الرابض، يظهر المنحدر مخضرا اخضراراً شديداً، ينصفه جدول عميق ينتهي عنده قاعدة الجبل حيث العين الجارية صيفاً وشتاءً. لا تجف ولا تنضب. . يميل المنحدر كأنه كتاب أخضر مفتوح منمنم نمنم’ خضراء داكنه جميلة ).

    هذه اللغة التي أبرزت لنا الموقع الجغرافي الذي تدور فيه أحداث وأفعال القصة، استخدم فيها السارد مهاراته اللغوية والأدبية بلغة عربية فصحى، وهذا الاستخدام هو محاولة لاستقطاب المسرود له إلى الموقع، وذلك عن طريق المخيلة فإذا كان القاص تشكيلياً فها هو عن طريق السارد يستخدم مقدرته في رسم الصورة بشكل اشبة ( بالمرئي) عن طريق المفردة كما أورد الأستاذ عبد الباسط الخاتم في نقده لقصة دروب قرماش؛ والسارد ليس بريئا كما قلنا لأنه لم يكتف بالوصف بل حدد موقعه الوجداني منه ، فورود كلمة ( خضراء داكنة جميلة ) ...
    هذا الموقف خارج الوصف الجغرافي ،إلى الوصف الشعوري الخاص بالسارد ؟ ونقصد بالتحديد كلمة ( جميلة ) .

    وتستمر اللغة في الوصف من ( G.S ) في لغة السينما ( اللقطة العامة ) إلى الوصف الدقيق مما يعني أن السارد لا يقف في منطقة بعيدة .... يوصف لنا النباتات ( تتسلق النباتات العالقة قطاطيها ... عرائسها ... وأسوارها ... نباتات مثل الليف ... والقرع المر . والشعلوب . والفقوس . والنوت . والعليق وتضفي على المكان جواَ اسطورياً).

    لا يكتفي السارد بالوصف البيئي كما ذكرنا بل يدلف إلى وصف الشخصيات ويتدخل في أن يرجع اللغة الدارجة أو العامية إلى مستواها الفصيح فها هو يقول ( وشيخ القرية يايا ولعل المقصود يحي، ولكن هكذا يناديه أهل القرية بدين – مهزار.. كثير الضحك تبدو علية الدعة وراحة البال واليسار، وهو نادراً ما يعمل.. يوزع نفسه بين زوجاته الثلاث وهن وأطفالهن يرعون كل شيئ.. يشغل نفسه بالصيد بعض الأحيان ..يجمع الجلود ويبيعها في الديم الكبير . حيث يقيم العمدة خصمه الأول وشريك طفولته وصباه) . ولكن يتوقف السارد في لحظة الفعل الدرامي والتي تبدو بغناء أليم.

    الله اروى لي سابي تولي
    الله خلي لي أبكر ديى
    جوه شاشا لعب محاشا
    جوه شاشا لعب محاشا

    .... ويبدأ الأطفال بعدها في صناعة قاعدة القصة درامياً في لحظة ( دخول ابنه من زوجته الثانية) :
    - شالا شالا .. شالا يا ( يايا)

    فاعتدل يايا في جلسته وقد قطب جبينة قائلاً:

    - شنو الشالا
    - التيس ... دابي شالا
    - دابي شالا؟ دابي شنو؟.. قالها واقفا
    - دابي الكبير داك ... أصلة شالا
    - وانت وين وقت شالا؟
    - أنا قاعد.. لكن خفتا منه .. أصلة كبير .. من الله ما خلقني ما شفتا أصله قدر دا...
    -
    ....يتدخل السارد ليقطع الفعل الدرامى كحالة ويقدمه كوصف فها هو يقول ( وبهدوء وبطء شديدين وهو ما يزال واقفا مقطب الجبين.. جلس ( يايا ) على السرير الخشبي العاري واضعا كلتا يديه على رأسه.. لم يسأل ولده الذي يقف بعيداًعنه خشية أن يناله الأذى – ياتوا تيس شالا؟
    - التيس الأبيض . ال أنت بعت أخوه في السوق الفات
    - قريب محلو ولا بعيدد؟
    - ارح وريني

    يتضح من هذه المقاطع الحوارية لأفعال الشخصيات ومنطوقها بأن هذه المجموعة البشرية القاطنة في هذا الموقع الجغرافي في حدود ولايتي غرب وشمال دار فور . إن منطقة ( سرف الحسين) تمتزج فيها القبائل العربية والإفريقية التي اكتسبت لهجة عربيه مكسرة وانها فقدت لغتها الأم . أو أن هذه اللغة الأم في طريقها للاندثار بعد خضوعها لسلطة الثقافة العربية الإسلامية طوعا لأن اللغة لا تؤتى إلا بالتلاقح والتمازج ؛ وأن اللغة العربية باعتبارها لغة (القرآن الكريم) - ودارفور كلها لا تنتشر فيها ديانة غير الإسلام - وإذا وجدت فان نسبة أي ديانة أخرى لا تتعدى 1% ، مما يعني أن اللغة العربية صارت هي اللغة المطلوبة للعلم والدين.

    وبما أن مشروع القاص أحمد الطيب زين العابدين هو السودانوية. وأن البيئة والشخصيات تعبر عن هذا، إلا أن لغة السرد ولغة الدراما تعبر عن هوية أخرى هي (العروبة). فالسارد في منطوقه الفصيح والمسرود عنه في لغته التي تتجه نحو التبلور في اللسان العربي المتبين، والمسرود له في مقدرته على استيعاب الإثنين يكون كتاب ( دروب قرماش) كله تعبيراً عن هذه العروبة التي يختزنها اللسان في حاضرة وممكنة بحثاً عن قيم أنبل في اللغة المفترضة والتي يجسدها القرآن الكريم.

    الأحد 7 / يوليو /2003
    المصادر:
    دروب قرماش
    الناشر بيت الثقافة
    قصة دبيب يايا – صفحة 50، 56.

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 02-16-2009, 02:43 PM)
    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 02-16-2009, 02:44 PM)

                  

02-16-2009, 11:50 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ]
    دبيب يايا
    نص قصصي : بقلم الأستاذ / أحمد الطيب زين العابدين


    للوصول إلى (سرف حسين)عليك الخروج من الديم الكبير من أتجاه الشمال تماما، وما أن تسير مسافة ساعة حتى ترى أمامك الجبل الأسود الضخم ، يغيب مرات خلف الغمام ويظهر مرات . تتقدم قليلا فيظهر لك المنحدر الطيني ، تحت أقدام الجبل الرابض.

    يظهر المنحدر مخضراً اخضراراً شديداً ، ينصفه جدول عميق ينتهي عند قاعدة الجبل ، حيث العين الجارية ، صيفاً وشتاءً ، ولا تجف ولا تنضب .. يميل المنحدر كأنه اخضر مفتوح منمنم نمنمة خضراء، داكنة جميلة ، وعندما تقترب من أول المنحدر صاعداً من نهايه السهل المنبسط، تلاقيك (البلدات) مزارع الذرة الكبيرة تليها ( الجباريك) وهي بساتين الخضر الصغيرة في الطرف الجنوبي للقرية تماما، بعدها تدخل قرية منظمة واسعة الطرقات تتسلق النباتات العالقة قطاطيها، عرائشها وأسوارها ، نباتات مثل الليف والقرع المر، والشعلوب، والفقوس، والتوت، والعليق. وتضفي على المكان جواً أسطورياً باهر الجمال ، تجوس خلال القرية فترى حظائر الحيوان خلف البيوت ولصقها تماما، وصغار البهم مطلقة بين الدور ، تستمر بالسير تجاه الجبل حيث بداية السرف فتلقاك بساتين الفاكهة، أشجار الجوافة ... أشجار المانجو والبرتقال ...جنة لا يزيد عدد القاطنين فيها صغاراً وكباراً عن المائة.

    وشيخ القرية هو( يايا) ولعل المقصود يحي ؛ ولكن هكذا يناديه أهل القرية ، رجل في الأربعين ، بدين مهزار كثير الضحك ، تبدو على الدعة وراحة البال واليسار، وهو نادراً ما يعمل ، يوزع نفسة بين زوجاته الثلاث وهن وأطفالهن يرعون كل شيء .. يشغل نفسه بالصيد بعض الأحيان ، يجمع الجلود النادرة ويبيعها في الديم الكبير، حيث يقيم العمدة خصمه الأول وشريك طفولته وصباه، والذي كان خاطباً لزوجته الأولى أم أولادة الكبار (اليما) التي تزوجها هو فقط لأنها قريبته ، ولضغط الأهل عليها للقبول به زوجاً . فقد كان شأنها وأبكر (العمدة) معلوماً آنذاك .... وقد كان رجلا شجاعا ماهراً بالزرع، ذا همة واقتدار، صار بحزمه وعزمه عمدة ثرياً قويا، يحكم الديم الكبير.

    لهذا السبب حرم ( يايا) على ( اليما) نزول الديم واضطرها للبقاء الدائم في برد الجبل . كما حرم عليها حتى نداء الأطفال في الطريق ممن يدعون أبكر.
    حدث ذلك بالذات عندما دخل عليها ( جبراكه) وهي ما تزال زوجة جديدة في عامها الثاني فوجدها تعزق الأرض وتغني وتقول وهي لا ترى :

    الله اوري لي سابي تولي
    الله خلي لي أبكر دبي
    جوه شاشا لعب محاشا
    جوة شاشا لعب محاشا

    ضربها كما تضرب الحمارة ، وأقسم لوأنه سمعها تقول ( أبكر) مرة ثانية لطلقها . ومن يومها وهي لا تشير إليه إلا بقولها ( العمدة ) ، وحتى هذا لا يرضيه.

    وفي يوم شات كان يجلس في بيت ( اليما) عصراً يستدفئ بشمس (السحريا) الفاترة الدافئة يحجبه من وراء ظهره (صريف) دقيق يمنع عنه الرياح الشمالية الآتية من الجبل ، فإذا بابنه من زوجته الثانية وراعي غنمه يقتحم عليه خلوته صائحاً :

    - شبالا شبالا ... شالا يا ( يايا)
    فاعتدل ( يايا) في جلسته وقد قطب جبينه قائلا:
    - شنو الشالا؟
    - التيس ... دابي شالا
    - دابي شالا؟ دابي شنو؟... قالها واقفاً
    - دابي الكبير داك ... أصلة شالا

    صمت وهو يحلق في الغلام ... يوشك أن يضربه فتدخلت (اليما) قائلة وهي ما تزال جالسة تنقض شعرها القصير.

    - وانت وين وكت شالا؟
    - أنا قاعد، خفتا منه .أصلة كبير .من الله ما خلقني ما شفتا أصلة قدر دا.

    وبهدوء وبطء شديدين وهو ما يزال واقفا مقطب الجبين جلس (يايا) على السرير الخشبي العاري واضعا كلتا يديه على رأسه.. سأله ولده الذي يقف بعيدا عنه خشية لن يناله أذى.

    - ياتو تيس الشالا؟
    - التيس الأبيض . الانت بعت أخوه السوق الفات.
    - قريب محلول ولا بعيد؟
    - قريب في طوف الجبل لكن دخلا كركور
    - أرح وريني

    خرج ( يايا) مع ابنه وهما يتحدثان . هذا وقد بدأت كلمه (شالا) تتردد في جميع أنحاء القرية. الأطفال يصرخون في الطرقات شالا... شالا... مما خلق عند( يايا) شعورا بأن هدوءه الرائق تحول إلى شعور فضائحي ومناخ تحريضي مستمر، وإحساس بحنق عميق غير محدد.

    عاين ( يايا) المكان وآثار المعركة بين التيس والثعبان والمغارة التي زحف إليها الثعبان الضخم .

    وعاد لداره وقد أوقفه العشرات يسألون. فمن قائل إنها حيه (حقارة) لماذا تيس الشيخ دون الآخرين. ومن مذكر له بهول أعظم حجبه الله عنه – ( بركة الما بقت في الوليد) وقد تجرأ يوسف ليقول أن الأصلة صبورة ما بتعرف الهزار. وتعرف وين تأكل وتعرف وين تأكل بأمان . فهم ( يايا) معناه وشعر بمهانة شخصية عظيمة .
    وفي الصباح خرج إلى الديم الكبير .. ومعه سيف أسود قصير قديم لم يستعمله طوال عمره. وقد مات عنه أبوه . وقف في أول السوق عند شجرة (سبيل) الحداد، وهو من أبناء سرف حسين رفيق صباه وصديقه.

    - سبيل .. السيف دا دكم .... أدي المبرد
    - سيف؟ يا ساتر يارب الله يستر ... وانت مالك ومال السيف؟
    - أمسك منه السيف العاري – واستمر سبيل يقول : دا يا شيخنا ما سيف دا جوقودى، داير نار قبال المبرد... شنو ؟.... داير تطهر بيهو العمدة ولا شنو؟ . ضحك ( يايا ) ملء أشداقه . وقال وهو ما يزال راكبا على حماره.
    - هو العمندة هناى ولا شنو ؟
    - واتا ماك عارفو هناى؟

    دلف إلى السوق ليشتري بعض حوائجة من التاجر إبراهيم، وكان أيضا صديقا قديما .وبعد أنس قليل قال له إبراهيم : الناس الجو من حلتكم قالوا الأصلة كانت دايرة تخطف ولدك؟ وفي غيظ عظيم أخبره شيخ ( يايا) بالقصة وأن الأصلة لم تخطف إلا أخو التيس الذي اشتراه هو، وأن الأصلة ستأتيك في سوق الجمعة القادم جلداً تشتريه.
    فضحك إبراهيم ضحكة متهكمة لما يعلمه من عظم هذا الأمر على ( يايا) . وفي عفوية وصدق ذكر أن جلود الأصلة يحضرها له العمدة أبكر فهو الذي يخرج لاصطيادها، أما أنت فلو خرجت لها لاصطادتك.. صمت يايا ملياً وقام غاضبا ليركب حماره ...دون أن يحس إبراهيم كيف تبدل صديقه ... غشى (سبيلا) ليأخذ سيفة . فأخبره (سبيل) أن العمدة قد مر علية لنفس الغرض ، وقال أن الأصلة ستكون خلال اليومين الأولين من التهام فريستها في (أمر ضيق) وقال أنه خارج إليها في اليوم الثالث من اليوم.

    - يكضب .... هو أرجل مني ؟.. خطفت تيسه ولا تيسي ؟ والله ما بيشوفها بعينه.
    - تمنعه كيف ؟ دي صيدة في الخلاء
    - دي صيدتي .... والله ما بيشوفها بعينه

    صعد الشيخ (يايا) إلى سرف حسين وقد تملكته على طول الطريق فكرة واحدة هي أن تعرض العمدة أبكر للأصلة هو طعن في رجولته، ومهانة لا تغتفر وفضيحة لن يسمح بها.
    وقر راية على مداهمة الثعبان الضخم قبل يوم من موعد العمدة غداً عصراً. وصل الشيخ يايا إلى منزل زوجته الكبرى (اليما)، دون أن يرى شيئاً على طول الطريق لم يشعر إلا وهو هناك .. ترجل يسلمها الحاجيات. وفي مهابة وحذر وضع السيف الأبيض اللامع على راحتيها الممدودتين. أخذت (اليما) السيف وهي تتأمله. وعند باب القطيه وقد عرفت نيته من الوهلة الأولى وقفت هنيهة ثم التفتت إليه لتقول :
    - يا أبو محمد الديب خليه غادي ... الشغل دا عنده ناسوا البعرفوا ليهو.. التيس كرامته وفدايتك .. الله يهديك الديب خليه.
    - (اليما) خلي عندك أدب .دا كلام عوين؟!
    - أنا نخاف عليك أنتا.. الشغل دا لا صبرة ولا بعشوم . يقدروا ليه المولفنه مثل العمد أبـ...
    - (اليما) ... على الطلاق خلي الأصلة ..أنا الزول نكتله.. ضحكت ضحكة خبيثة مكتومة.
    لم ينم ليلته تلك عند(اليما) ... وفي عصر اليوم الثاني حضر ليأخذ سيفه. أعطته السيف وهي تحدق في عينيه .

    كان صامتا وقورا وقاراً لم تعهده فيه - لا يبدو علية الجزع وإن كان مهموما. وبعد خروجه وجهت أبناءها الثلاثة الكبار بمتابعته من بعيد... وفي وقت أقصر مما وصل المغارة، خلع جلبابه وتركه بسرج الحمار الذي ربطه عند الحرازة الكبيرة، وأخذ السيف واتجه إلى فوهة المغارة.

    إنها المرة الأولى التي يواجه فيها الثعبان . لقد سمع كثيراً عما ينبغي فعله؛ ولكنه ما فعل ذلك قط ، ولكنه كان ثابت الجنان وكانت فوهة المغارة ضيقة جداً، فانبطح على بطنه ينجر تماما كما تفعل الأصلة يدب دبيبا .. يقدم سيفه. كان المكان مظلما جداً ولم ير شيئا في البداية؛ ولكن رائحة المكان كانت كرائحة الكنيف .. فضلات الأصلة الوطواط وغيرها.

    فرأى أمامه الجسم الأملس اللامع ممددا على المغارة بلا تعاريج ولا التواءات ، بقي حيث هو زمنا، رغم ارتفاع المغارة في الداخل فقد دب وزحف إلى أن صار بمحاذاة رأسها. فجلس القرفصاء .. وعند جلوسه أحس برجليه ترتعشان. بدا يغني بصوت خفيف كأنه يطمئن نفسة.

    كايو مدتقايو كايو مدتقايو

    ولكن.. هذه أغاني الأطفال يغنونها وهم يجرون وراء الجراد.. وهذه مصيبة .. هذه أصلة وبدأ من جديد:

    كايو دبيبايو- أميكي اليمايو
    ضغت ليكي شغلايو.
    قال تمشي تشربايو
    كايويتي دبيبابيتي – أمكي اليمايتي
    ضعفت ليكي شفولاتي
    قال تمشي تشربايتي

    بدأها بصوت خفيف رخيم .. يعلو قليلا قليلا وهو يمسح على رأسها بأصابعه البدينه اللينة باتجاه ظهرها . . كانت هناك رعشة ناعمة لا يعرف إن كانت في يديه أم في عنق الثعبان الذي بدأ نائما. التفت إلى داخل المغارة ليرى بطنها المنتخفة حيث يرقد التيس الابيض .. وفي لحظة .. وكأنما قد سئم هذه المداعبة المرعبة ثبت قدميه على الأرض تماما وهوى بكلتا يديه والسيف الحاد على عنقها.. وبعدها كان الطوفان وهاجت المغارة وماجت ، كانت كسيل عرم يحمل الحجر والشجر والدم والبعر وتركزت رائحة الزرنيخ والبول . فزحف ودب يريد المخرج في جنون ... شعر كأن أكياسا من الرمل البارد المبلل تلقى عليه تباعاً على صدره وظهره.
    جعل يصيح والمغارة تردد صياحه .. وإذا بأبنائه الثلاثة عند الفتحة يصيحون جميعاً : (يايا .... يايا....). صارت الفوهة أضيق من سم الخياط وكانت المغارة ماتزال تمور عندما سحبه أبناؤه إلى الخارج يغطيه الدم والتراب، كأنما قد رضت عظامه رضا .. سحبوه سحبا إلى حيث الحمار ... رفعوه فوقه دون أن يلبسوه جلبابه . ركب خلفه محمد يسنده ... انحدروا إلى القرية وقد بدأ آذان المغرب.. سألوه عضاك؟ لا.. لولوت فوقك؟ لا ... عصراك؟... لا .. ثم أمرهم بالصمت وأن يأخذوه إلى بيت (اليما).. ثلاثة أيام لم يخرج فيها من بيت (اليما)، ولم يذكر أنه غادر السرير .. ما انقطعت عنه رائحة المغارة الزرنيخ.

    هاجمته في أحلامه الحية ثلاثة مرات ، اعتصرته مره حتى تكسرت ضلوعه وتقاطر دما حاراً... أيقظته ليلها حليمة لتقلب المرتبة وتعيد ترتيب الفراش ... ولكنه عاد لنفسه وقد امتلأت الدار بالمهنئات والمباركات وسأل عن الأصلة.. فأراه أبناؤه جلدا طريا امتد من سريره إلى خارج القطيه.. فأشرق وجهه إشراقة لم تنطفئ إلى يوم الجمعة القادمة.

    غسلت له (اليما) جلبابه الخاص وعمامته البيضاء. طبق الجلد الضخم الطويل تطبيقا ناعما.. وضعه على السرج وجلس على قمة حماره الأبيض باتجاه الديم الكبير، ولأول مرة سارت خلفه ممسكة بالسرج (اليما) وعلى رأسها (ريكة) مملوءة ثماراً يانعة - انحدرا إلى المدينة يتآنسان ويضحكان ... اقتلعت له عنكوليبة من زرعه عندما مرا عليه ، كسرت القصبة نظفتها وأعطتها له.. قضمها وما ذاق في عمرة أحلى منها.

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 02-16-2009, 02:49 PM)

                  

02-16-2009, 11:55 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ]
    الأستاذ أحمد الطيب كما عرفته
    بقلم : التشكيلي/ محمد عبد الله عتبي


    تظل حياة الراحل المقيم الأستاذ احمد الطيب زين العابدين زاخرة بشي ضروب العلم والمعرفة والفنون، وعاملة لترقية حياة المجتمع والسمو به بين المجتمعات البشرية .

    ترجع معرفتي به إلى أواخر الستينات من القرن الفائت وكنت حينها طالبا بكلية الفنون بالخرطوم عندما جاء إليها من بخت الرضا يحمل بين جنبيه كل معارف وأخلاق وتربية تلك المؤسسة العريقة.. فكان مليئاً بالحيوية قريباً من الطلاب بروحه الساخرة المرحة وقدرته على النفاذ إلى عقول وقلوب من حوله على مقاعد الدرس في قاعات المحاضرات أو الندوات، وفي الرحلات الدراسية للطلاب في داخل البلاد وخارجها.

    وفي زيارتنا لمصر ونحن طلبة، كان الأستاذ من بين الأساتذة الآخرين هو المقدم دائما للتحدث باسم الوفد في لقاءاتنا مع المسئولين وزيارتنا للكليات النظيرة في القاهرة أو الإسكندرية .. فكان المتحدث البليغ المعبر عن ثقافة وأخلاق أهل السودان .

    من الأنشطة التي كانت في كلية الفنون الجميلة المختلفة وقتها جمعية باسم (جمعية أصدقاء المسرح )، كان الأستاذ أحمد مشرفا عليها وموجها ومخرجا وتشرفت أنا برئاستها وأذكر انه في أول اجتماع للجمعية العمومية أن كان من بين الأعضاء الأساتذة محمد حامد شداد، وكان طالبا مشاغبا متمردا على كل الأطراف آنذاك ، فرفع أصبعه وسألني : هل تعتقد أن هناك مسرح سوداني ؟ فأجبته بالإيجاب وفي ذهني أعمال العبادي وخالد أبو الروس والنصيري وعمر براق وعايدابي وغيرهم.. فما كان منه إلا أن غادر مكان الاجتماع صافعا الباب بحركة دراميه غاضبة، فتدخل الأستاذ أحمد بحكمته وكياسته وعمل على تهدئة الموقف، وقد علمت فيما بعد أن هذا سؤال محوري هام لا يخص السودان وحده وإنما طرح في عديد من الدول العربية باعتبار أن المسرح قد نشأ وترعرع في بيئة غربية واختلفوا حوله كثيرا، هذا السؤال أيضا أثاره الدكتور سعيد يوسف في كتابه عن المسرح (هل هناك مسرح سوداني أم هناك مسرح في السودان ؟ وقد أجاب عنه بالاستفاضة :

    لقد ظل الأستاذ احمد يرفد الصحف والمجلات الدورية بمقالات جاذبة وغنية في مجالات مختلفة في الفنون الأدب والاجتماع وعموم الثقافة السودانية؛ تشهد على ذلك مجلات (الخرطوم) و(الحروف) و(الثقافة السودانية) و(سنابل) ، ومعظم الصحف السيارة التي أثرى ملاحقها الثقافية بقلمه الأديب الأريب في بابه الشهير (منظور سودانوي) وهو المصطلح الذي نحتة ليعبر به عن رؤيتة للفنون والثقافة السودانية، والتي نجد أن أصدق تعبير عنها كتابه في القصة القصيرة ( دروب قرماش) وهو مجموعة من القصص الممتعة العميقة المليئة بالرموز والدلالات والمستوحاة من منطقة دار رفور( التي ينتمي إليها الأستاذ أحمد) في تمازج موفق بين الفصحى والعامية البسيطة المحببة إلى النفس، وهو كتاب جدير بالقراءة ومعبر عن فلسفته وحكمتة.

    كنت أستمتع بحديثة الشيق في (البرنامج الثاني) من إذاعة أم درمان مطوفا بنا في التاريخ والأدب والفنون في هدأة أليل ينساب صوته عبر الأثير.

    كان مجادلا قوي الحجة .. يحكي أنه في إحدى المناسبات الفنية التشكيلية في قاهرة المعز أن دار نقاش حول التاريخ والحضارات والفنون، فكان رأي الأستاذ أحمد أن الحضارة قد انسابت إلى شمال الوادي عبر النيل في إشارة للحضارة النوبية والفرعونية ، كما أثبتت الدراسات الحديثة؛ فرد علية الأستاذ الفنان التشكيلي صلاح طاهر بأن هذا القول غير صحيح وأن (مصر أم الدنيا).. فرد علية بأنه فنان كبير ورمز من رموز الثقافة المصرية وحري به أن يدعم رأيه المضاد بالبراهين العلمية .. أما هذه العبارة فهي تشبه البسطاء من أهلنا الطيبين في شمال الوادي.

    وقد كان معجباً بالمعماري المصري حسن فتحي ، بأفكاره وأعماله .. وله كتاب من القطع المتوسط قرأته عدة مرات وكان يحمله دائما في حقيبتة كما حدثني .. وإعجابه امتد أيضا إلى الكاتب النيجيري الشهير شنو أشيبي، والذي التقاه وحاورة في لندن ونشر ذلك في مقالات في الصحف.

    احمد الطيب كان رجلا بشوشا كريما التف حوله كثير من الناس على اختلاف أحوالهم وألوانهم وعقائدهم . ما جئت إلى مكتبه ذاك الصغير في كلية الفنون إلا وجدته عامراً بالضيوف من طالبي العلم والمعرفة والفن.. وكان يتسع لكل ذلك.

    حدثني مرة بأن الدكتور محمد خير عثمان وزير التربية والتعليم الأسبق وقد أصبح مسئولا في جامعة السلطان قابوس بمسقط قد عرض عليه العمل بتلك الجامعة هو والبروفيسور عبد الله الطيب ، فرد العرض شاكرا بأنه قد آلى على نفسه أن يؤسس قسماً للدراسات العليا بكلية الفنون وقد كان.

    عندما ضربه الفالج زرته في منزله فوجدت رجلا قويا صلبا لم تزده محنة المرض إلا إصرارا على الحياة ولعمارها ؛ وظهر ذلك بعد أن تماثل للشفاء إلا قليلا وملأ قاعات المحاضرات والمنتديات والصحف بحيوية هائلة ونشاط جم حتى انتقل إلى رحاب الله .

    الا رحم الله أستاذنا احمد الطيب .. وأرفع صوتي مرة أخرى أن هلموا إلى ما تركه من أعمال مشاهدة ومقروءة ومسموعة، لتصنيفها وإخراجها للناس إحياء لذكره ولفائدة الأجيال اللاحقة.
    أم درمان / يونيو 2003[
    /U]

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 02-16-2009, 02:52 PM)

                  

02-20-2009, 05:52 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ]
    جوهر إسهامه يتبدى من خلال صياغة الإشكلات الجمالية والثقافية
    ( رباعيات الخيام ) تعتبر اهم ترجمة له عن فيتزجرالد من الإنجليزية
    بقلم : الأمين محمد عثمان

    *****

    "أغلق الغيب تماما ماله قط انفتاح ... ودجى الماضي ظلام ما بدا فيه صباح
    وهناك بعض قول عن كلينا في يطول ثم نمضي في انحسار كلنا يفني يزول"
    (رباعيات الخيام – ترجمة احمد الطيب زين العابدين – من الانجليزية).

    تعود معرفتي للأستاذ أحمد الطيب زين العابدين للعام 1976م عندما عاد من بريطانيا ليواصل دراسته في كلية الفنون أستاذا لمادة تاريخ الفن ، وقد درسنا هذه المادة قبل مجيئة على الأستاذة (آن البريطانية ) وقد كانت اقرب إلى تدريس المصطلحات الفنية أكثر منها أستاذه لتاريخ الفن.

    وما أتيح لنا أن نشارك فيها بالمناقشة وإبداء الرأي، كانت هناك فرصة كبيرة للتعرف على الدوافع والظروف الاجتماعية والثقافية التي صاحبت إنتاج تلك الأعمال العظيمة في تاريخ الفن . كان اهتمامه ينصب على قراءة العمل الفني في إطاره الزمني والمكاني وطبيعة الواقع الاجتماعي والثقافي اللذين أنتجاه مع الاهتمام ببنية اللوحة ومكوناتها البصرية.. ويستشهد كثيراً بالفن المسيحي في شمال السودان - وهو موضوع دراسته وأطروحته بجامعة ليدز؛ وكان مما يعزز مكانته في نفوسنا إجادته للغتين العربية والإنجليزية بما جعله سلس الحديث ودقيق العبارة؛ وكنا نلاحظ محاولاته المستمرة أثناء التدريس في تقريب المصطلحات الفنية بصياغة فيها من البلاغة والمعنى جهد كبير.
    ولد أحمد الطيب زين العابدين بود الحداد بالجزيرة وتعود جذوره إلى أم كدادة بولاية دارفور، والتي تعد من أكثر مناطق دارفور وعيا وتعليما؛ وقد قدمت للبلاد رهطا من المعلمين والموظفين الكبار في كل المستويات. تلقى دراسته الباكرة بها ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين – مبروكة – ببخت الرضا ... تلك القرية الطوباوية التربوية الموبوءة بالملاريا والواقعة على السهول المنبسطة التي غمرها فيضان النيل الأبيض، أو محطة التوليد التربوية، والتجربة المحسوسة كما يقول عنها روبن هودجكن، هناك حيث كان يوجد بها أفضل المعلمين السودانيين ، عبد الرحمن علي طه، ونصر الحاج علي، وسر الختم الخليفة، ومكي عباس، وجمال محمد احمد، وعبد اللطيف عبد الرحمن، وعبد الله الطيب، واحمد الطيب عبد الحفيظ ؛ هناك حيث تم تدريب آلاف المعلمين. كان لبخت الرضا النصيب الأكبر في خلق شخصية المثقف المهتم بقضايا بلاده وقضايا الفن والإبداع عموماً . تابع احمد الطيب دراسته وهو معلم، وتحصل على الشهادة السودانية ليلتحق بكلية الفنون وجامعة القاهرة حيث درس علم الاجتماع، وبذلك توفرت له أدوات متعددة تعينه على طرح رؤيته ومشاريعه الكبرى المتعلقة بخصوصيات وطنه وهويته الثقافية المستمرة. بعد تخرجه ثم تعيينه معيدا لتاريخ الفن .. وغادر لبريطانيا حيث تحصل على شهادة MPhil. في تاريخ الفن من جامعة ليدز. ويذكر أحمد في أحاديثه أنه مدين بتجربته المعرفية لوسط جامعة ليدز المكتظ بمجموعة ثاقبة من السودانيين وأصدقائه الأفروكاريبيين.

    عاد احمد في عام 1976م ليواصل التدريس بكلية الفنون، وقد أعاد ترتيب الأمور بشكل جيد فيما سمي بعد ذلك بقسم الدراسات الإنسانية؛ ثم عمل عميدا لكلية الفنون، وقد تم في عهده ترفيع شهادة الكلية من درجة دبلوم إلى درجة البكالوريوس .. ثم اتسمت فترة عودته بنشاط مستمر في مجالي الكتابه والبحث، حيث كتب عدة مقالات في الدوريات الثقافية والصحف، وقام ببحث ميداني في منطقة الأنقسنا حول الفنون التقليدية وبنية الرمز عند الأنقسنا.

    إما مشروعه الأساسي (السودانوية) فقد جاء في أعقاب كتابات حول أهمية التشكيل في الثقافة السودانية والرموز الحيه في الثقافة السودانية، (أهمية التشكيل في الثقافة هي حساسيته المفرطة تجاه النظام القيمي لدى الجماعات، وقدرته العالية على اختزان المضامين الروحية والوجدانية المحلية، وذلك مع قدرته الاستشهادية ، فهو وسيط جيد يمكن من خلاله توضيح المفاهيم على عكس اللغات مثلا، والتي قد تندثر مرة واحدة مثل اللغة المروية) ( إن اثراً فنياً متكاملاً - فخار- نحت - عماره أو صورة، يكمن فيهما إطاران متكاملان قابلان للدراسة والتحليل، ويحملان في التحامهما رساله ثقافية كاملة، وهي الإطار الفيزيائي والإطار المعنوي للعمل الكامل) .

    كتب أحمد حول الهوية نافذا إليها من باب التشكيل وعلاقته بالثقافة .. إن ثقافة الأمة هي واقع تلك الأمة، والفن مثل اللغة هو وسيلة للتعبير عن ذلك الواقع. وبالنظر المتأمل لفنون الأمة تكون معرفتنا لهذه الأمة ، فإن اختار بعض الناس النظر إلى الثقافة السودانية من الخارج، فاننى من آثروا النظر إليها من الداخل . إن عروبة السودان هي إسلاميته، وسودانويته هي إفريقانيته العتيقة؛ وكلا الرافدين إنما هما تياران يتمازجان يصبان في نهر واحد.. وقد قدم عدة حلقات في راديو أم درمان حول هذا الموضوع .

    يعتبر احمد الطيب زين العابدين أحد أهم المؤرخين المهتمين بتاريخ دراسة الفنون في السودان الحديث.. قدم عدة أوراق حول هذا الموضوع ، وشارك في مهرجان إفريقيا 95 بلندن بورقه حول تعلم الفنون في السودان، وأخرى شارك بها حول الثقافة في إفريقيا ؛ وقد قام بعدة ترجمات تم نشرها، ولكن أهم ترجمة له هي رباعيات الخيام التي ترجمها عن فيتزجرالد من الإنجليزية ولم تنشر حتى الآن. وصدرت له مجموعة القصص القصيرة ( دروب قرماش) والتي ربما تنال حظها في الدراسة والتعليق ممن هم أقرب منى لهذا الضرب في الإبداع .

    استطاع أحمد أن يحاضر ويكتب ويتحدث ويشارك، فهو من الأعضاء المؤسسين لاتحاد الكتاب السودانيين، وقد سبق إلى الدار الآخرة من المؤسسين جمال محمد أحمد، وعلى الملك، وعبدا لهادى الصديق؛ وقد كان لاتحاد الكتاب السودانيين في ذلك الزمان بهاؤه وعظمته كصوت حر يعبر عن تطلعاتنا الثقافية وعن الديمقراطية التي تنشدها بلادنا ؛ لقد كان الاتحاد ثمرة طيبة في نضال شعبنا ضد ديكتلتورية جعفر نميري.

    أسس أحمد الطيب، وبالمشاركة مع صديقه الدكتور عبد السلام نور الدين (دار النسق للنشر والتوزيع)، وقد كان أول إنتاجها معرضا ضخما للكتاب بدار اتحاد الكتاب وبعض المنشورات بالتضامن مع اتحاد الكتاب، أذكر منه رسالة لقريكو- سيد احمد بلال ، وديوان (الساقية) لعمر الطيب الدوش.

    ولختام سيرته الطيبة فليس هناك أفضل مما قاله الدكتور محمد عبد الرحمن أبو سبيب حيث تميز أحمد بثلاث ملامح في كتاباته ومشروعاته، أولهما أصالة فكرية لا يمكن إغفالها في اجتهاداته، وثانيهما اتساق أكاديمي في تناول المسائل الرئيسية التي أثارها في كتاباته عبر السنين، وثالثهما صياغة الإشكالات الجمالية والثقافية التي أفرزتها الحركة التشكيلية.. وهذا الملمح الأخير هو جوهر إسهام احمد الطيب ومصدر حيويته. وهنالك ثلاث خطوط بارزة في منهجه، أولا، ربط بشكل ضروري بين البنية الثقافية القائمة بين الحركة الفنية، ونظر إلى هذا الرباط كأمر حاسم في تحديد خصوصية الحركة الفنية؛ ثانيا التزامه منهجا تاريخيا اجتماعيا في معالجته لهذه الصلة تجلى في تبنيه مبدأ الاتصال والعمق التاريخي للثقافة السودانية؛ ثالثا مازج بين تاريخية الظاهرة الثقافية والفنية وبين بنيتها الراهنة التي تستبطن ماهية تلك الثقافة وطبيعة تلك الحركة الفنية
                  

02-20-2009, 12:28 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ]
    لولا أنه ليبرالى ..

    لم يكن احمد الطيب سعيدا بهذا المثقف (الأسطى) الذي يجيد تخصصه

    يتمتع بقدرة لاتبارى في ابتكار المصطلحات الفكاهية الساخرة

    بقلم : محمد عثمان مكي


    - أنه مثقف رائع ... لو لا انه ليبرالي التفكير.. هكذا غمغمت لنفسي متأسيا بالحكمة المصرية الخالدة( الحلو ما يكملش)؛ فقد كنا في السبعينات في القرن الماضي حيث شكلت شعارات الثورية الشمولية جداراً سميكاً قادراً على حجب كل أضواء التنوير والعقلانية ... وحيث لم تكن اليبراليه دليلا على تفتيح العقل والسماحة تجاه الآخرين ، بل كان لها معنى آخر هو انعدام المبدئية والتردد والفوضى الفكرية ... الخ.

    ولكن .......... لنبدأ القصة من أولها ..
    في نهاية السبعينات تم قبول طلبي لتدريس علم الفلسفة في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية . ذهبت لاستلام العمل - ولم أكن اعرف أي شخص من العاملين في الكلية. وكان أول من قابلته أستاذا لم يرحب بي كثيرا (علمت فيما بعد انه من الصنف الذي كان الطلاب يطلقون عليه لقب الديناصورات)، كان رده جافا وعدوانياً: اذهب إلى قسم الدراسات الاجتماعية، ستجد شخصاً لابد أن يعجبك، فهو مثقفاتي يجيد الكلام ، ونحن كما ترى كلية عملية !) .
    ذهبت إلى قسم الدراسات الاجتماعية والذي لم يكن أكثر من غرفة صفيره جداً (يبدو إنها كانت في يوم من الأيام مخزنا لأدوات الرسم) . سألت عن رئيس بقسم المثقافتي) . . وجدته، صافحني بابتسامة واسعة، مقدما نفسه:
    احمد الطيب زين العابدين..
    وأنا أمد يدي لمصافحتة ، تأكدت من أن عدد أصدقائي قد زاد واحداً.
    وكان هذا مكسباً.. كان بشوشاً ، لصوته رنين متميز ومحبب ، ضحكته مجلجلة، يتمتع بقدرة لا تبارى في ابتكار المصطلحات الفكاهية الساحرة التي ما أن تستطعم حلاوتها ، حتى تحس مباشرة بطعم مر لاذع للسخرية الناقدة التي يستنبطها المصطلح.

    كان احمد الطيب فنانا تشكيلياً، ناقد فنياً، قاصاً ، مؤرخاً ... وفوق كل هذا وذاك مفكراً ليبرالياً ... يناقش، ينتقد، يهاجم، يسخر - ولكنه ابداً لم يدع احتكار المعرفة، لم يرفض لفكر الآخر المناقض له ، بل كان دائما يدعو للتعايش معه.
    لم تعجبني ليبرالية احمد الطيب في ذلك الوقت ، بالطبع السبب لم يكن كامنا في مفهوم اليرالية نفسه، بقدر ما كان نتاجا لخاصية في سباق استيعابي الخاص لمراحل تطوير الفكر الإنساني (هذا بالطبع موضوع آخر ومعقد ليس هذا مكانه - ولكن المهم فيه ، أن ليبرالية احمد الطيب كانت امتيازاً ، كنا محرومين من القدرة على تقويمه بصورة ايجابية).

    أحمد الطيب زين العابدين هو مؤسس قسم الدراسات الاجتماعية في كلية الفنون الجميلة ( فلسفة، تاريخ ،فنون، علم جمال، علم نفس، ...) يل وأتجرأ على القول بأنه احد المناضلين القلائل في جبهة تخليص المثقف السوداني من أسر عقلية (الأسطوات) التي غرستها وبعمق الفلسفة الإنجليزية التجريبية في رؤوس مثقفينا من خلال المناهج الدراسية،منذ مرحلة الأساس وحتى الدراسات العليا.
    لم يكن احمد الطيب سعيداً بهذا المثقف ( الأسطى) الذي يجيد تخصصه، ولكنه يجهل علاقة هذا التخصص بباقي مجالات الحياة الأخرى. واختار أحمد الطيب ميدانا لمعركته ... كلية الفنون الجميلة والتطبيقية.

    كانت الكلية – مثلها مثل المؤسسات الأكادمية وغير الأكاديمية الأخرى في البلاد – ترفع راية التخصص الضيق المعزول عن باقي المعارف الإنسانية.
    وكان شعار العداء للعلم الإنسانية يعلن عن نفسه بلا حياء وبتبجح .
    الفنان... هذا الكائن نصف المقدس، ليس له سلاح سوى الفرشاة أو الإزميل، وهو أصلاً موهوب ... لماذا تزعجه بخطرات أرسطو وكانط وهيجل وغيرهم .. هل حاول احدهم أن يرسم؟ وحتى الفنانين أنفسهم ... ماذا يهم منهم غير لوحاتهم ... ثم ها..ها.. ها .. سمعتكم تحاضرون عن كافكا وديستيوفسكي وغيرهم من الأدباء ... لم يبق لا أن تدرسوهم الاقتصاد السياسي .. أيها المثقفاتية، اتركوا الفنانين في حالهم... هكذا لخص أحد الديناصورات الرؤية (العلمية) الرسمية في الكلية .

    وسط هذه الأجواء كان أحمد الطيب بثبات وصبر وجلد ، أساسا جديداً للفنان المثقف المرتبط بعصره وكل العصور السالفة بل واللاحقة .
    كان يلاحق الأكاديميين والمثقفين للعمل معه في الكلية لتدريس العلوم الاجتماعية المختلفة، ويعمل على مكتبة الكلية البائسة بجلب المزيد من الكتب في مختلف المصادر حتى الشخصية، وهو أول من أدخل في الكلية نظام كتاب البحوث والدراسات، بل وجعل منها شرطاً أساسيا للحصول على شهادة التخرج (والتي ارتقت بفضل قسمه هذا من مجرد الدبلوم إلى شهادة البكالوريوس).

    كنت أقوم بالتدريس في أخرى، لم أجد فيها تلك الأجواء التي وفرها أحمد الطيب إلى كليته. ولذلك كنت أفرغ سريعاً من عملي في تلك الكلية لأذهب إلى كلية الفنون لأقضي أكبر وقت ممكن في مكتب رئيس القسم ، تلك الغرفة الضيقة المعتمة (ليس بها نوافذ) والتي تتحول في كثير من الأحيان إلى صالون فكري، أو قاعه للمحاضرات واسعة بفضل رحابة صدر صاحبنا.
    كنت حينها ضد التفكير الليبرالي، ومن أنصار(الفكر الوحيد السليم) ، ولكنني كنت أرى في نفسي نزوعا كامنا( يشوبه التوجس) نحو احترام الرأي الآخر، بل وإمكانية أن تتسلل منه آراء سليمة تهدد احتكار (الفكر الوحيد السليم) للمعرفة. وهذا ما حبب إلى المناكفة مع ذلك الليبرالي المتمرد على كل شئ . وكثيراً ما كان يداعبني بسخريته اللاذعة: (ياخي أنا عندي مشكلة . عاوزك تديني روشتة ماركسية قوية أحل بيها مشكلتي) .. لم أكن أرى في هذه المداعبات أي نوع من خشونة؛ إذ كان احمد نفسه دارسا للماركسية، معجبا بثرائها الفسلفي وإمكانياتها الضخمة في رؤية الواقع ، وإمكانية المساعدة في تغييره ، ولكنه لم ير فيها نهاية المطاف للفكر الإنساني، وعند هذه الملاحظة الأخيرة كنا نختلف في ذلك الوقت .

    كان معجبا إعجابا شديداً بالمفكر الماركسي/ الفرويدي أريك فروم ، وكنت في ذلك الوقت - لسوء الحظ أترجم كتابا لفيلسوف سوفيتي يمرمط فيه فروم ويكيل له ما قدره الله عليه من اتهامات بالذاتية و التحريضية و(الليبرالية) و العمالة ... الخ، القائمة إياها.
    وكنت أتبنى مواقف الفيلسوف السوفيتي. تناقشنا في هذا الأمر كثيراً، و لكن جملة قالها أحمد الطيب أبت أن تترك ذاكرتي على الإطلاق : (شوف طالما أنت بتفكر بطريقة علمية وموضوعية، لا بد في يوم من الأيام ستعيد تقويمك لأريك فروم ولهذا الفيلسوف السوفيتي الجربان).

    وقد كان ... صحيح أن مراجعتنا لبعض ما كنا نعتقده في الماضي لا تعني التنكر لذلك التراث الفلسفي و الفكري الضخم الذي كنا نقتات عليه والذي أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن ... وصحيح أيضا أن كل ما كان يقال سابقا من نقد ضد الأحادية والجمود، ليس كله سليماً وموضوعياً. فالحياة أكثر تعقيداً من هذا التبسيط المخل.
    ولكن الصحيح أيضا و المهم هو أن تراثنا الفكري المعاصر يتكون من منابع ومجهودات متعددة، و بمساهمة من رموز مستنيرة من أفراد من مجتمعنا قد تكون ضحية للطابع الأساسي الأحادي الحاد للصراع بين قوى الاستنارة وقوى التخلف.
    وقد أهملت القوى السياسية في كل من الجبهتين جيشها الاحتياطي من المثقفين، لان المثقف يطبعه ينفر من الصرامة التنظيمية والتي - وإن كانت ضرورية في المراحل السابقة لتطورنا الاجتماعي- إلا إنها لم تعد الآن الوسيلة المناسبة لإدارة الصراع في الحياة.

    أحمد الطيب زين العابدين، رمز من رموزنا الثقافية، لكل منا حق الاتفاق معه أو مخالفته، ولكل منا حق تقويمه بالصورة التي يراها. ولكن كل هذا لا يلغى حقيقة مساهماته الثرية في مجالات التشكيل و النقد الفني والقصة والسودانوية (والتي تجلت الآن، في الدعوة السائدة حالياً لاحترام التعددية الثقافية في بلادنا والعمل على خلق وحدة تعمل على أساس قانون التعددية).
    وفوق كل هذا وذاك، رحابة صدره و احتماله للآخرين وعدم أنفته من الاستفادة من كل منبع فكري يصادفه ... باختصار ليبراليته، و التي لم أرتح لها سابقاً، ولكنني أعتبرها الآن من أجمل خصائص هذا الشخص النبيل.

    تحية لذكرى أحمد الطيب الصديق العزيز.
                  

02-20-2009, 12:55 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ]
    قراءة التاريخ من وجهة نظر داخلية

    أحمد الطيب زين العابدين والسودانوية


    كان تعرفي فكريا للمرة الأولى على أحمد الطيب زين العابدين، من خلال مقالتين لفتتا نظري إليه بصورة لم أحسها مع أي كاتب آخر، وأنا في بداية طريقى مع عالم الكتابه ... وما جذبني إلى تينك المقالتين، وضوح المعالجة النقدية للموضوع وعمق التحليل وأعتقد - إن لم تخني الذاكرة- المقالة الأولى كانت دراسة في أدب الروائي إبراهيم اسحق ، نشرت مطالع الثمانينات على صفحات ملحق الأيام (للآداب والفنون) الذي كان يشرف عليه القاص عيسى الحلو... وفي تلك الدراسة قدم زين العابدين وفق تحليل نصى مقارن- ما بين الأدب والفلكلور- استنتاجات بارعة في الكيفية التي وطن بها إبراهيم اسحق بنية الحكاية الشعبية المتمثلة في قصة (ود الملك وود الحطاب) وفي نص روايته القصيرة المعروفة (أخبار البنت مياكايا) وهو نص وعر استلف له إبراهيم أكثر من خطاب لمعالجة دلالاته ومرموزاته المضمونية التي سعى لتجسيدها في سياق أسئلة قضايا التكوين الثقافي والعرقي للمجموعات السودانية إبان القرن السادس عشر على تخوم المنطقة الواقعة على ضفتي النيل الأبيض مابين فاشودة والجزيرة أبا... وأبان احمد زين العابدين في تلك الدراسة التجرية البلاغية لإبراهيم إسحاق في استلهام بنية الحكاية الشعبية وإخضاعها لمقتضيات الكتابه الفنية الروائية.....

    والقصة الشعبية نفسها كان إبراهيم اسحق قد أخرجها في كتاب للأطفال حمل ذات العنوان(ود الملك وود الحطاب) . أما المقالة الثانية فارتبطت بالتباسات مناخ الكتابات المستثارة بتجربة النميري في تطبيق قوانين الشريعة عقب تشريعات سبتمبر (1983)،وما شهدته تلك الفترة من اتجاهات في الكتابه العاطفية للموضوعية التي نادت بإعادة فهم وقراءة ظواهر التاريخ السوداني على ضوء مستجدات المرحلة.. فكتب أحمد الطيب زين العابدين مقالته التي نشرت بمجلة (الخرطوم) ووسمها بعنوان(التاريخانية السودانية ومسألة الاستمرارية الحضارية كما تبين في كتابات المثقفين السودانيين) عالج فيها بالنقد الموضوعي المنهجي ما أثارته مقالات بعض الكاتبين في ذاك المناخ من دعوى جنحت نحو إنكار سودانية المتحف القومي بسبب ما يحتويه من مظاهر للثقافة المادية التي لا ترى فيها تلك الأقلام إلا تراثا وثنيا وتمجيداَ لثقافات نصرانية مسيحية.. فتصدى كاتبنا الراحل المقيم لمثل تلك الكتابات في مقالته الآنفة الذكر وفق تحليل عميق شرح فيه عبر تعقيدات نظرية ومصلحيه مفهوم الاستمرارية الثقافية الذي ظل احد أهم المرتكزات النظرية في المشروع الثقافي الفكري لأحمد الطيب زين العابدين انطلاقا من عبارة العنوان التي احتوى على كلمة (التاريخانية) وهي مصطلح أسهب في شرحه في صلب مقالته مبينا الفروقات الدقيقة بين ما يمكن أن نسميه (تاريخي) من وقائع التراث الإنساني للمجتمع وما يمكن أن نسميه ( تاريخاني) ...وقد قدم حججه المعرفية الدامغة على مثل ذلك التدليس الثقافي في خطابات أولئك المنكرين لسودانية المتحف القومي، والتي بلغت - ربما - مقاما صريحا من الجهل الفاضح بوقائع التاريخ والتجربة الإنسانية والحضارية الذاخرة للإنسان السوداني على تخوم حوض النيل الخالد وأرض فجر الحضارة الإنسانية.

    لم اقصد بذكري لهذين النموذجين من كتابات أحمد الطيب زين العابدين ، تقديم دراسة وافية عن منهجيته وطرائقه في التفكير والكتابة ... فتلك غاية لا يدعى كاتب هذه السطور القدرة على تجشم مشاقها، وإنما أوردنا ما ذكرناه لكي ندلل على أساسبة في ما يتعلق بتراث احمد الطيب زين العابدين الثقافي والفكري، وهي قدرته البليغة على التنظير والاجتراح النظري في معالجة قضايا الواقع الثقافي السوداني من بوابة النقد، وكذلك من جهة قدرته الفذة على الإنتاج المعرفي بإشكالات هذا الواقع الملحة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا، فأحمد الطيب من هذه الناحية كمثقف منتج للمعرفة في حقل الدراسات السودانية المعاصرة يمثل أحد ألمع الأسماء في ذلك التيار الذي رسخ الآن وتحددت معالمه واتجاهاته، ونعني به تيار مدرسة( السودانوية)؛ وللكلمة في ما حدث من تطورات على المستوى السياسي- مؤخراً - أبعاد ودلالات قد تنطبق على مفهومها (الثقافي) الذي نادت به جماعة أو تيار السودانوية في الحقل الثقافي والدراسات السودانية بشكل عام، أو قد لا تتطابق مع محددات المصلحة أو في بعده السياسي. والذي يعنينا هنا من هذه المسألة، المرتكزات النقدية والتنظيرية الحديثة للسودانويين ومنهجيتهم لتلافي نواحي القصور في خطاب الدراسات السودانية ومرجعياتها المؤسسة لها على اعتبار أنها كتبت ودرست في معظمها من الخارج أو من إسهام علماء أجانب من شاكلة الرحالة، وملفات ومباحث الإدارة الاستعمارية...

    ولذلك نجد زين العابدين يشير لمثل هذه العقبات التي يواجهها الباحث السوداني في مقالة الموسم بـ ( الرموز التشكيلية الحية في الثقافة السودانية – مجلة الخرطوم عدد11- أغسطس 1994م) ما يلي (إن الباحث في الآداب السودانية، قد يعاني من مشكلات منهجية حقيقة، خاصة إذا ما كان مشغولا بمثل مانحن به مشغولون من مسائل التواصل الحضاري، مثل محاولة الربط ما بين الحديث والقديم، لرؤية شكل الاستمرار الأدبي، فقد يواجه بتقاطعات لغوية، واندثار اللهجات وثنائيات العامي والفصيح ، مما لا يواجه الباحث في الثقافة المادية والتشكيل... ويشير زين العابدين في ذات المقال إلى أن الحلول المتوقعة لمثل هذه العقبات (مرتهن حلها بحلول مشاكل علوم إنسانية أخرى مثل علوم الآثار والانثروبولوجيا والتاريخ العام وهي علوم معاصرة). وعلى ضوء هذا التشخيص للمعضلات التي يواجهها الباحث والأدبي في ميدان التاريخ الثقافي توسل كاتبنا مداخل منهاجية مختلفة لقراءة الظاهرة الثقافية السودانية وذلك بهدف واضح وهو إعادة قراءة هذه المنظومات والظواهر التراثية القارة في صلب هذه الثقافة بعيون سودانية ترى إليها في نمط اتساقها واستمراريتها وتحوراتها التاريخية، أو بكلمة واحدة قراءة للحيثيات التاريخية السودانية (من وجهة نظر داخلية) وذلك لتعزيز التفرد، والقضاء على حالة الدونية التي قد تتلبس الفرد السوداني إزاء ثقافة الآخرين.. فمعرفة الخصوصية الحضارية كما يقول زين العابدين(يبعد شبح الدونية الثقافية – ويجعلنا أنداداً بالآخرين).

    وختاماً نقول إن أية دراسة حقيقية تود أن تقدم مقاربة واقعية لإسهام أحمد الطيب زين العابدين النظري والفكري في خطابنا الثقافي المعاصر لا يمكن لها أن تحقق مثل هذا المسعى الا من خلال تقدير جهده العميق الأصيل في إثراء البحث المعرفي وتطوير الصياغة المصطلحية لما عرفناه لتونا بمدرسة أو تيار (السودانوية) داخل حقل الدراسات السودانية المعاصرة
    .
                  

02-23-2009, 09:30 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)


    ][

    ظل استاذنا احمد الطيب زين العابدين ينادي:

    سنكتب للناس ونفصح عن آرائنا فالمطابع ملك لكل الناس

    بقلم : علي الأمين


    *******

    رؤية عين

    المبشر ... إمام التشكيليين
    لماذا لا تأبه للفراق ؟
    أتنام على أرض المساكين .....
    إنعتاق!
    والحزن قيدنا، وأضحت مراقدنا عذاب
    فاسق أوردة الحق
    في جذور العشب والأشجار، وقامات الهضاب
    من بين الصخور السود والأحداق
    دفق قديم، يسوقك النتوق للآفاق
    تناهزك الأرض في عمارها .. تتغشى ممالك الأحقاب
    تغطى الشاطئين خضرة والمقام لك استطاب
    أنت والشمس صنوان، تغسل وجهها وتدير نخبها الرقراق

    علي الأمين - يناير 1998م

    مضت خمس أعوام ونصف على رحيل الأستاذ/ الفنان/ احمد الطيب زين العابدين ، وأنه لعصى على أي من كان أن يعدد مآثره، فالراحل معلم قل أن يوجد له نظير، وهو كاتب ومفكر أدى رسالته بتجرد واقتدار وجدية تليق بتاريخ أمه عتيقة .

    انه لم يقتصر على فصول وحجرات الدراسة في المدارس وقاعات الجامعات ، فقد عرفته المنابر العامة خطيباً، والمنتديات محاضرا، والصفحات كاتبا وباحثا ومنقبا ، وناقدا ، ودارساً ؛ كما عرف قاصاً وشاعراً ومترجماً ؛ كما عرفته جلسات الأنس رفيقا طلي الحديث وفكها محبا وبشوشا، وهذا ما جذب نحوه من عرفوه من طلاب وزملاء عمل من الاساتذه موظفين وعمال فأحبوه وأحبهم.

    توجه الأستاذ الراحل أحمد الطيب زين العابدين في كافة مساعيه لخير جميع الناس، البسطاء ، والمساكين ، الفقراء في الأرياف والبوادي والأقاليم النائية البعيدة التي تنقل بينها وعرفها أشجارا وأنهاراً، أودية وخيرانا، قيزانا، ورمالا، أحجارا وجبالا.. وفوق كل ذلك مدنا وقرى وأناسا. وحين استقر في الخرطوم أصبح يداً تعاونهم ولسانا لأحوالهم ، يحزن لما يحزنهم بصدق ويواسي أتراحهم، ويبتهج لما يبهجهم .

    لقد اعتنى استاذنا من كل ضروب التعليم بتعليم الفنون والإبداع، وبالمساكين والطبقات الشعبية وأمر رقي حياتهم وتوثيق ثقافاتهم وتراثهم. وتجلي ذلك في مشاركاته النشطة في كثير من مؤسسات المجتمع ومنظماته الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية ، فقد بادر في كثير من الأحايين منفرداً، وبتعاون زملائه وأصدقائه، في تأسيس منظمات وهيئات لها آثر واضح على الحياة السودانية. وبالأخص في وجهها الثقافي والاجتماعي ، كتضامن قوى الريف الذي جمع عدداً من الاتحادات والمنظمات العربية الشعبية حول أهداف عزيزة على كل وطني مخلص ؛ كما شارك في تأسيس اتحاد الكتاب السودانيين، وفي تنشيط اتحاد الفنانيين التشكيليين، وتبوأ في كل منهما مناصب قيادية ومواقع مؤثرة،كما تشهد له مضابط كثير من اللجان الرسمية والجمعيات الطوعية بحسن محاورته ورجاحة رأيه وعلو همته للعمل المتواصل ، كل ذلك في هدوء ودون ضجيج وتعالى. ومثال على ما ذكرنا فقد قدم الراحل الجليل من (دار النسق للطباعة والنشر) التي أسسها وصديقة الدكتور عبد السلام نور الدين للمكتبة السودانية أكثر من خمس كتب في زمن قياسي في مختلف المعارض لكتاب سودانيين حارت بهم سبل النشر. والتجربة في مجملها تعد درسا في تجاوز العقبات الكئودة التي تحول دون نشر المعرفة والفن والفكر، إذ قهرا بعزم ومثابرة كافة العراقيل، غير آبهين بالقاعدين المتحجبين بالأباطيل وهزيل المعاذير.

    في مطلع الثمانينيات قبلنا طلابا في كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، وكانت أجواء الكلية تعايش حدث تلك الأيام ، وتفاعل معه طلاب الكلية وعمالها وموظفوها وأساتذتها، وهو ترفيع كلية الفنون لتمنح درجة البكالوريوس بدلا عن الدبلوم، وقد انتهت حينها دورة عمادة البروفيسور / أحمد محمد شبرين التي كانت قد تكونت خلالها لجان تقويم المناهج، وأجريت الاتصالات اللازمة بالجهات الأكاديمية والعلمية داخل معهد الكليات التكنولوجية حينها والمجلس القومي للتعليم العالي، وخارج السودان مع الكليات الشبيهة في كل من مصر وبريطانيا. وزارت وفود اللجان والخبراء الكلية واستوديوهاتها واطلعت على مستوى الأداء فيها وإبداع طلابها ، فأثمر ذلك ترفيع كلية الفنون لتمنح درجة البكالوريوس في الفنون.

    في أعقاب انتهاء فترة عمادة بروفيسور شبرين عين أستاذنا الراحل أحمد الطيب عميدا لكلية الفنون؛ وقد شهدناه يدخل حجرة الدراسة هذه ليخرج بعد ساعة ليدخل أخرى ،من فصولنا الأولى حتى النهائية.. من استديو لآخر ومن قسم لآخر ، طائفا . سمعناه يبشر بالمعنى العميق لهذا الترفيع، خاصة وأن طلابه وزملاءه الأساتذة قد بذلوا جهدا لتحقيق هذا الهدف.

    عرفنا استأذنا في إيجاز دقيق تاريخ ونشأة كلية الفنون الجميلة والتطبيقية، ودور معهد التربية يبخت الرضا في إرساء الأسس لمناهج التربية والتعليم، وضمنها مناهج تعليم الفنون في السودان. ويذكر أبكار معلمي التربية الفنية بعد مستر قرينلو ، ويذكر أساتذته بسطاوي بغدادي، والجنيد، وعبد الرازق عبد الغفار، واحمد حامد العربي بتقدير كبير وإعزاز لدورهم التاريخي .. ويذكر الصلحي وشبرين، ويقول مشايخي الفنانيين أشداء يجيدون صنعتهم.

    فتح لنا الأستاذ أحمد الطيب نافذة شهدنا خلالها المصاعب التي تعترض مسيرة الإعداد الجيد للطلاب لتأهيلهم ليكونوا مصممين ومعلمين للتربية الفنية؛ وفوق هذا وذاك فنانين تشكيليين. ويقطع الشك باليقين ويثبت أن مصاعب تدريب الطلاب وصقلهم في الغالب الأعم تعترضها القدرات المالية ، إذ تكلف المواد والمدخلات الخاصة لتعليم الفنون من ورق وألوان وأدوات وأجهزة وتجهيزات مختلفة متعددة مالاً ليس بالقليل، تدخل بموجبه العملية التعليمية في صلب السياسة الاقتصادية للدولة تجاه التعليم وتوفير العملات الصعبة بنوع من التعليم يعد باهظا ومكلفا حتى بالنسبة للدول الغنية، فكيف إذا ما قورن ذلك ببلاد مثل بلادنا .

    احتفى الأستاذ احمد الطيب بكلية الفنون كبوابة تفضى للوطن الكبير، وأنها ظلت مفتوحة ومشرعه الأبواب لأكثر من خمسين عاما تقدم نفرا مؤهلا من خيرة أبناء الوطن تستوعبهم مختلف المرافق الحيوية ، في حقل التعليم ذاته في المدارس وتعليم الكبار وابتداع طرق ووسائل محو الأمية، تستوعبهم وحدات التثقيف والإرشاد الصحي والزراعي وهيئات الإعلام والمعارض والصحف والمسارح والتلفزيون و مصانع النسيج وورش تصميم الأثاث وسك النقود واستوديوهات التصوير والإعلان والمطابع وتصميم المنشآت والمباني والمسابك ،هذا غير جانب له أهمية قصوى لتعلقه بالدراسات والبحوث في تاريخ السودان القديم والحديث، في كافة جوانبه المدون الرسمي والثقافي الشعبي، ومن خلال مخلفاته المادية والأثرية والفلكلورية ، نحتا وخزفا وحرفا فأدوات، غناء وموسيقى وآلات، أزياء وزينة ، لغات، ولهجات، تحراً وأساطير وطقوسا.

    ربط أستاذنا احمد الطيب في استعراض كل ذلك بمنهج وحكمة تدرس العلائق بين القديم والجديد ، بين الحديث المنطوق والقديم المرموز، بين الإشارات والدلالات في علوم ودراسات المجتمع، إذا بناء نكتشف لاحقا أنه من أنشط أساتذة هذا الصرح العريق، ومن الذين عملوا بدأب ومثابرة لترسيخ وتثبيت الدراسات العامة، كشعبة ضرورية هامة في منهج التعليم بكلية الفنون؛ إذ عمل على استقطاب أساتذة مؤهلين وذوي خبرة بالتدريس فيها ، وأصبح بالنسبة لنا كطلاب اجتياز امتحانات العلوم الاجتماعية من فلسفة وتاريخ فنون وعلم نفس بكافة أفرعها الضرورية للتأهل أمراً مسلما به، بل تجاوز كثير من طلاب الكلية حدود الدراسة الأكاديمية لمقتضيات الشهادة الدراسية والتأهيل إلى البحث المعمق في قضايا الفكر الفلسفي وعلم الجمال وضرورة الفنون وتأثيرها الاجتماعي.

    إن صوته الآسر لا يكاد يفارق آذان طلابه وهو يقر بأن هذا النوع من التعليم وإن كان يكلف خزينة الدولة باهظا، فإنه في ذات الوقت ذو مردود ثقافي عال لا يمكن أن يخضع للمقارنه بما أنفق فيه، ولا خيار غيره إن اتصف أي من مخططي السياسات التعليمية بالجدية.

    لقد غاب عنا أستاذ الفكر والجمال / أحمد الطيب زين العابدين وكلية الفنون قد بلغت من العمر عامها السابع بعد الخمسين، فتية وناضجة، وقد عمل ومن بعد أن أكمل دورته في كرسي عمادتها ، عمل على ترفيعها لدرجه أعلى، مؤسسا في سبيل ذلك قسم الدراسات العليا بالكلية لتستوعب طاقات الطلاب الباحثين في هذا الجانب من العلوم الاجتماعية ولتمنح درجة الدبلوم العالي( فوق الجامعي) والماجستير والدكتوراة ، وعكس كل ذلك إيمانه العميق بان هذه اضرب من التعليم ضرورية وحيوية لتقدم هذه الأمه ولرفعتها و رفاهيتها و لسبقها و ريادتها المؤثلة المجيدة.

    لقد اهتم استاذنا بمناهج تعليم الفنون في بلادنا منذ وقت مبكر وقد كتب في سبيل تطويرها وتمتين ارتباطها بالمجتمع في المراحل الدراسية الباكرة منذ مرحلة التعليم قبل المدرسي وحتى مرحلة الأساس (الأولية سابقا) ومرحلة ( الوسطى والثانوية العامة سابقا) ومرحلة الثانوية العليا وحتى التعليم العالى. وقد كتب في صفحات الصحف السيارة والمجلات الثقافية في بخت الرضا وفي كافة إصدارات وزارة التربية والتعليم حينها، ثم في مجلة (الخرطوم) و(الثقافة السودانية) ومجلة (حروف) وكافة الصحف والإصدارات اللاحقة. فأن مقالاته ببيوغرافيا جديرة بالوقوف عندها والتعمق في دراستها ، فقد خاض خلالها مناقشات غنية وثرة لازالت موضوعاتها تحتاج مزيدا من البحث والدراسة.

    خص الفقيد النوبيين في شمال السودان وغربه بعشق خاص واهتم بتاريخهما وحاضرهما، ووله بثقافات جنوب السودان وجنوب النيل الأزرق وشجع على الاهتمام بكل ما يكتب عنها، وحض على البحث فيها وتابع بدقه فريدة ما كتب وما أبدع من فنون ودراسات تخص تلك البقاع بلغات أخرى داخل السودان وخارجة. وفي ذات القلب عشق كتابات العلامة ابن خلدون وابن سليم الأسواني ومآل تغريبة بني هلال في السودان.

    لقد شكل لنا أستاذنا العظيم من تاريخ الفنون مفتاحا للعقول والقلوب ، وشد من انتباهنا إليه، لأنه مفتاح أصيل لدراسة تاريخ الإنسان على الأرض، ودراسة تاريخ أعرق الشعوب والأمم التي ما ساوره شك قط في أن السودان هو أحداها، سبيله في تأكيد ذلك المزج الشفيف بين فروع المعارف وتقسيمات العلوم، يفاضل ويكامل بينهما في وقت ذهبت فيه المعارف الدقيقة بكل علم على حدة للتفريق بينهما، ويقول ( السودان هو آخر المطاف).

    أستاذنا ينادي ( بأن سنكتب للناس ونفصح عن آرائنا فالمطابع ملك لكل الناس ولم يولد أي منهم ومعه مطبعة في المهد). وبالفعل فقد اتنزع حقه في أن يعبر عن آرائه عن جدارة وشجاعة وسط غابة من التشريعات المقيدة للحرية وحرية النشر في البلاد ، التي بموجبها صودرت (دار النسق للنشر) مثلها وعشرات المنابر الأهلية الأخرى؛ وذلك لإيمانه العميق بحرية التعبير التي عمل لأجلها حتى آخر رمق بصدق وحكمة ، فيها يكتب مؤازراً كل جديد ومبدع. وقد شاهدنا كيف يتجاوز عن الاخفاقات والهفوات فيما يعرض عليه من عمل ويضيئ مكامن الإيجابية والقوه والجمال، ويقرط النجاح ، ويشد على الأيدي مؤازراً الشباب من المبدعين، يبتسم في وجه من لا يعجبهم ذلك ويقول (ده ماعجبكم، غيره في، أولادنا فنانيين خلاص) هكذا كان معلمى قديراً وإماما قائداً، يتابع نبض ميلاد الجديد للبلاد وبالخير العميم مبشراً.

    سيذكر له الفنانون في البلاد، وبقدر كبير من الإجلال والوفاء، بعد نظره وصدق حدسه.. سيذكر له الباحثون والعلماء جديته وسلامة منهجه ، وعمق رؤياه وجليل مثابرته، ويقدرون نصيحته وما عاناه .. سيشكر له أهل بلدي تبشيرهم بالخير ومحبته ورأفته بهم وجمال عطائه.

    تصمت الألسن تنطبق الشفاه ، تنكفئ الأقلام ، تنسدل الجفون تظلم الدنيا وتنحني الرؤوس ، لا عاصم من مطر البكاء ، إنها ذكرى الفراق الأليمة لابن من أبناء هذه الأمة العظيمة. ومثلما كابد وتشجع وصبر واحتمل أحمد الطيب نبتهل لله أن يمنحنا ويلهمنا وأبناءه وأهله ومحبيه صبرا جميلا، ونتضرع لله العلي أن يغفر له سيئاته ويرزقه الجنة في رحاب الخالدين .
    الخرطوم – المركز القومي للبحوث

    (عدل بواسطة عبد القادر الرفاعي on 02-23-2009, 09:32 PM)

                  

02-23-2009, 09:38 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ][

    كان شهابا توهج، اضاء وبقي فكراً وانطفأ جسدا
    بقلم : صلاح إبراه
    يم

    العبارة أعلاه مقتبسة من عنوان كتاب شربل داغر الرائع عن الشاعر الفرنسي رامبو، لظننا أن بين الرجلين ، أحمد ورامبو بعض الوشائج، أولاها: القدرة على التأثير على الآخرين فكريا، والثانية طقس العبور السريع القصير الأمد . أحمد كان شهابا، توهج ، أضاء وامتد في الزمان والمكان وبقى فكرا ثم انطفا جسداً .

    تعود معرفتي بأحمد ، الطيب بلا حدود ... لبواكير العام 1979م حينما كنت طالبا بألسنه الأولى بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية، وأحمد كان أستاذاً بها، قدم – لسنوات قليلة خلت من مبتعثه بانجلترا.

    كان يردد ياستمراروبصبر يحوي الكثير من الأناة نظريته الثقافية الأثرية عن ثقافة المركز، والحزم والتي ولجت أخيرا إلى دهاليز الخطاب السياسي وصارت تعرف بمسكوكة المركز والهامش؛ وظل المركز ماثلا في ارتخاء وتحول الهامش إلى أطراف عديدة.

    درجت كلية الفنون ضمن منهجها ( الكولنيالي) على إقامة رحلات للطلاب حسب سنوات الدراسة، في السنة الأولى لمناطق النيل الأزرق ، وفي السنة الثانية لمناطق جبال النوبة، وفي السنة الثالثة لمناطق البحر الأحمر، وفي السنة الرابعة لمناطق جبل مره بدارفور.. وتختم بإهرامات الجيزة بمصر.

    كان الأستاذ مشرفا على رحلة السنة الأولى التي كنا ضمنها ولم نكن ندري أن الرجل كان باحثا في الثقافة المادية إلا بعد سنين عددا بعيد ذلك طيلة الرحلة التي كانت تسترسل في الزمان على مدار شهر.. كنا في كل المواقف ننصت ذاهلين للرجل .. كان الرجل أمة تحشد في فرد وكانت المعرفة تحتشد في فرد، وكانت المعرفة تحتشد فيه حتى خلناه لا يقوى على ابتلاع الطعام!
    كان الأستاذ دهقونا ذا طرفة طازجة يجيد الحكي والأنس في سماح الحبوبات بعد صلاة العشاء ورواء الماء القراح.
    كان يتحدث في الشيء واللا شيء، إذ أن المعرفة في منتهاها هي القدرة على التمييز والتكييف في آن معا.

    كرت مسبحة الأيام- والكائنات نيام – صار الأستاذ عميدا لكلية الفنون، وفرضا لذلك وكانت الليالي حوالك، ومايو تسعى نحو الانتفاضة !
    كنا أوانئذ على أعتاب التخرج ، كنا شهوداً على الكثير من مجاهدات ومكابدات الأستاذ.

    ساهم منهجيا في إدخال الكثير من المواد التي تعنى بالحضارات في السودان، والفن الإفريقي، والثقافات الإفريقية التي تعنى بكل ضروب الفنون في إفريقيا. وعرج بنا في محاضراته الرشيقة على الأدب والنحت في إفريقيا النقية وليست السوداء.

    زاد الأستاذ من معدات الحوار حول الثقافة والثقافات في السودان وخارجه !
    استقطب الأستاذ لفيفاً من الاكاديميين من جامعة الخرطوم لتدريس الفلسفة واللغة الإنجليزية ومناهج وطرق البحث العلمي الأكاديمي .

    الأيام تترى ، ونعتزنحن كدفعة بالأستاذ كثيرا، لأننا أول دفعة تتخرج في عهده بالبكالوريوس بديلا عن الدبلوم الذي امتد دهورا.

    في تقديري المتواضع أن الأستاذ أحمد قد وطن للكتابة الناقدة حول التشكيل ، إذ أن الكتابة على قلتها قبل الإنسان كانت لا تخلو من وصفية وانطباعية وسجال يتوشح بالظلال السياسية والتناحر الأيديولوجي بعيدا عن الموضوعية واحترام مشروعية الاختلاف واتيان السلوك الديمقراطي!

    كان الرجل دائبا في عطائه الإيجابي وخدمة التعليم والتربية – باعتبارهما آليتان للتغيير – ديدنه .
    فكانت كلية التربية جامعة السودان، وكانت (دار النسق)، وكان تعاونه في مجال كتب الأطفال مع شريف مطر، وكانت مجموعة من المقالات والمحاضرات عن التشكيل .... وكانت السودانوية على قمة الهرم الثقافي لديه.

    وفي واحدة من لقاءاتنا غير المتكررة بحكم الظروف، حدثني وقال لي ان الخرطوم ليست قارئة ولا كاتبة شأن العواصم رصيفاتها، والمدن التي يتمشدق أهلها بالتمدن والرقي المعرفي .
    يقصد الاستاذ - بكلامه ذاك- أنك لوتتبعت الأدبيات المنشورة في كل التخصصات ، من أدب للطفل والاقتصاد والفنون والاجتماع... الخ بأقلام سودانية لما قبضت إلا الريح.

    ملأ أحمد الخرطوم بالكتابة حتى صارت الكتابه تسعى بين الناس منتعلة حذاءاً لا بأس به، ومرتدية زيا من جميع مناحي السودان الثقافي.

    ختاما: أود أن أضع نفسي في موضع المدين للأستاذ بالعرفان لما سجله في حقي وشمس الدين بشارة وسيف لعوتة ، بان سمى اجتهادنا التشكيلي بالتيار الجديد في التشكيل في السودان، يضاف إلى ما هو موجود ويأخذ منه ويتدبر ماذا يفعل ! لقد رأىالممالك القديمة في رسوخها، والأزياء والوشم وكل ما هو سافر ومحتشم وما كنا نعي ! غير أنا كنا نود ان نكون سوادنيين مثله ، ألا رحمه الله رحمة متسعة .
    6/7/2003م الخرطوم
                  

02-23-2009, 09:58 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    ][

    سودانوية ابن زين العابدين
    بقلم :د. يوسف حسن مدني


    *****
    وإذا انتهيت اليك

    من وجع المسافة

    شب في الجوف حريق

    فاكتبيه عندك الآن علوا

    في مساحات النداء

    واجيبيني بلى

    أتقوم في تاريخ تاريخي حقيقة؟
    *****

    لم يجئنى من سويعات اللقاء الحزن

    غير الانتظار

    من جديد ضج جلدي بالسؤال

    كيف ترتج الأماكن

    كيف تختنق المحابر

    انعتاق الحرف قال

    عنصر التكوين في حنجرتي

    محال

    سكت الشعراء واستسقوا

    وقالوا

    رحم الله القصيدة
    *****

    وتأوه الحلق وأرغى من رتيب

    من طنين اللحن يسنت

    في اصفرار الحرف

    من هذى؟ أتدرى؟

    كيف لا وأنا وجيب القلب أسمعه

    هنا وهناك يحتل المقاعد في المقاهي والمنازل

    في صروح الجامعات

    اللحن يسكت في الضريح

    اللون يمسك في مساحات الصروح

    بل اصفرار الحرف قزم

    كيف تنهد الجسور اليك

    من هذى

    أتدري؟
    *****

    كورت قبلتها الأولى لنا في سابحات من أثير

    عل جرحي يندمل

    لكن جرح الجن هذا لم يغادر

    انتباه...

    فرية الخلق تجلت في محاجر مقلتيها

    من جديد كورت أخرى لنا في سابحات من اثير

    تحمل البشرى

    تواترت الإفادة عشبة تهب التداوي

    الحاملى جرح السرى

    القى يفئ

    بيارق الرؤيا ترف حمامة زيتونة مشكاة تاريخ

    تفى بالمنذر

    من هذى أتدرى؟
    *****

    اللون لؤلؤة التجلي

    يا ابن زين العابدين الزاهدين

    السالكى درب الكتابة

    كيف لا أبكي وأنا وجيب القلب أسمعه

    هنا وهناك يحتل المقاعد في المقاهي

    والمنازل في صروح الجامعات

    وإذا انتهيت اليك من وجع المسافة

    ألقيت عندك قامة الشيخ الطريقة

    حبري الصفحات في ثقة التجلي

    خر حرفى شاهدا

    بخلود روحك مرتقى

    يختط للناس طريقا في حديقتنا الكلام

    فاكتبوها عندكم فصلا

    فصولا في مساحات المدارس

    قد عرفناها أتدرى؟
    *****

    هي معبر لمحاط خيل الليل ... كلا

    هي صرخة في واد لا

    هي اسمنا هي رسمنا
    هي رمزنا

    هي أمنا هي كلنا

    هي متلقى وعد مسيد
    *****

    يا وريف القلب

    مسدار وطمبور وطبل الاستواء

    وسافانا مطيرة وفقيرة

    وصحارى

    وشراع ودميرة بنقولو وإزار

    وطار

    كل بوستة قونشمن

    دمزوقة في قلب ريرة ومهيرة

    وحريرة وضريرة

    نبضهم في قلب مريم

    فارس الغرب تحزم

    من بلاد الفور حمحم

    زينب تجر النم نم نم

    هانئا في صدر مريم

    ذكر صوفي يزيد الكم كما. . حلق الشيخ

    وترجم

    يرتشف من ماء زمزم ومن النيل الحياة

    ضاق ماعوني فزيدوا ... سكت الشعراء

    واستسقوا وقالوا...

    رحم الله القصيدة
    *****

    الأربعاء 4/2/1998م
    الخرطوم بحرى
                  

02-16-2009, 12:02 PM

Mohamed Elgadi

تاريخ التسجيل: 08-16-2004
مجموع المشاركات: 2861

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: عبد القادر الرفاعي)

    Dr. Rufa3i wrote:
    Quote: إن منطقة ( سرف الحسين) تمتزج فيها القبائل العربية والإفريقية التي اكتسبت لهجة عربيه مكسرة وانها فقدت لغتها الأم . أو أن هذه اللغة الأم في طريقها للاندثار بعد خضوعها لسلطة الثقافة العربية الإسلامية طوعا لأن اللغة لا تؤتى إلا بالتلاقح والتمازج ؛ وأن اللغة العربية باعتبارها لغة (القرآن الكريم) - ودارفور كلها لا تنتشر فيها ديانة غير الإسلام - وإذا وجدت فان نسبة أي ديانة أخرى لا تتعدى 1% ، مما يعني أن اللغة العربية صارت هي اللغة المطلوبة للعلم والدين.
    ¡ 56.


    I wonder why ustaz/عبد العزيز مختار دهب
    considered this way of language 'disappearnce'a voluntary one?
    When the oppressed find themselves forced to use/adopt another language, and may be another religion, too, !we should not call it Voluntary

    What do you think?

    mohamed elgadi

    P.S. Thanks, Dr. Rufa3i, for sharing this important file..
                  

02-16-2009, 12:42 PM

Abdlaziz Eisa
<aAbdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: Mohamed Elgadi)


    الأستاذ الأديب الراحل/ أحمد الطيب زين العابدين

    طيب الله ثراه..

    لا زلت أذكر كلماته في أول يوم حط بينا فيه بكلية الفنون الجميلة.. ذلك الصباح من أوائل اكتوبر 1982م
    كانت كلماته ممزوجة بدفء الترحاب والتوجهات والمرتكزات الهامة في دنيا التشكيل.. كان يوقد فينا صبح
    الزمن القادم والجاهزية للولوج في عوالم الإبداع والوعي..
    ولحق بنا في جبال الأنقسناأخا زميلا وصديقا.. بعيدا عن عباءة العمادة والأستاذية.. جلس معنا في تراب الأرض
    حاورنا ونورنا وأتحفنا بمفاهيم التشكيل.. وبماهية الفنان ورسالته..
    رحم الله أستاذنا أحمد الطيب..

    نواصل

    عبدالعزيز
                  

02-16-2009, 12:58 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ملف الأديب الراحل / أحمد الطيب زين العابدين (Re: Abdlaziz Eisa)

    يا سلام يا الرفاعي

    هذا انسان نبيل له الرحمه انتهج السودانوية التي قالها


    فهو عظيم في داخلي وقامة فكرية وثقافية عالية
    له الرحمه والمغفرة
                  

02-16-2009, 02:05 PM

سيف اليزل الماحي

تاريخ التسجيل: 12-26-2006
مجموع المشاركات: 2909

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تحياتي ... (Re: عبد القادر الرفاعي)

    .


    الاستاذ عبد القادر الرفاعي ..
    أخلص تحياتي ..

    وفاء لروح أستاذنا أحمد الطيب زين العابدين
    هل تم فتح هذا الملف على موقع ملتقى التشكيليين السودانيين؟
    فهنالك الكثير من تلاميذه وأصدقائه وعارفي فضله وعلمه وإسهامه الكبير الباذخ
    فقد كنا لا نمل الجلوس اليه .. حتى يطردنا مازحا، وهو يلوح بعصا كانت تعينه على الحركة
    لتتنزل على قبره شآبيب الرحمة والمغفرة .. بقدر ما قدم للفكر وللثقافة .


    سيف اليزل

    .
                  

02-20-2009, 05:57 AM

Elbagir Osman
<aElbagir Osman
تاريخ التسجيل: 07-22-2003
مجموع المشاركات: 21469

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
صاحب السودانوية (Re: عبد القادر الرفاعي)

    صاحب السودانوية

    له الرحمة ما أضاء فكره دروب مستقبل السودان

    وتجاوز مشاكله المزمنة



    الباقر موسى
                  

02-20-2009, 07:46 AM

kh_abboud
<akh_abboud
تاريخ التسجيل: 01-16-2003
مجموع المشاركات: 508

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: Elbagir Osman)

    رحم الله العالم الفنان ، أستاذنا ، الطيب زين العابدين...
    تعلمنا على يدية أن نكون أبناء بيئتنا الافريقية ...
    ولأن الحديث يطول ، لى عودة .
                  

02-23-2009, 10:06 PM

الطيب شيقوق
<aالطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: kh_abboud)

    الاخ عبد القادر الرفاعي

    تحياتي

    دعني احيي عبركم الدكتور عبد المنعم خليفة الخبير الاقتصادي بوزارة التجارة والصناعة بسلطنة عمان والذي جمعتني به الصدفة نهار اليوم في مكتبه بالوزارة . سالني الدكتور منعم عما اذا كنت متابعا كتابات شخصكم عن الاستاذ التشكيلي احمد زين العابدين واجبته بكل اسف لا يا دكتور . حديث الدكتور عن روائع الراحل المقيم احمد زين العابدين جعلتني ابحث عن كتاباتكم حوله.

    خالص امتناني لكم ولدكتور منعم وساظل حاضرا ومتابعا كتاباتكم في هذا البوست .


    خالص الود
                  

02-23-2009, 10:16 PM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: kh_abboud)

    الأعزاء :

    محمد القاضي
    عبد العزيز عيسى
    صبري الشريف
    سيف اليزل الماحي
    الباقر عثمان
    خلف الله عبود

    لكم المودة والإعزاز.. مع عظيم التقدير لكلماتكم المضيئة عن الراحل العزيز .. الانسان والأديب الشامل والفنان المبدع أحمد الطيب زين العابدين .. وفي انتظار المزيد منكم..

    د. عبد القادر الرفاعي
                  

02-24-2009, 05:48 AM

عبد القادر الرفاعي

تاريخ التسجيل: 06-06-2008
مجموع المشاركات: 239

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: عبد القادر الرفاعي)




    الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين

    من أعمال التشكيلي / نصر الدين الدومة
                  

02-24-2009, 06:56 AM

Emad Abdulla
<aEmad Abdulla
تاريخ التسجيل: 09-18-2005
مجموع المشاركات: 6751

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: عبد القادر الرفاعي)


    واحدٌ هو من رموزنا الوضّاءة ..
    رجلٌ علمٌ موسوعي .. و مبدعٌ فريد الطراز .
    توهج كثيرا و أضاء .. ثم رحل في هدوء .


    لأستاذي و معلمي أحمد الطيب زين العابدين الرحمة و المغفرة ..
    شكراً أخي الرفاعي على هذه الجرعة التوثيقية في حق رجلٍ يستحق أن تسود له و لفكره و سيرته و أبداعه مئات المؤلفات .

                  

03-06-2009, 02:21 AM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: Emad Abdulla)

    up
                  

03-06-2009, 06:20 AM

عبدالله الشقليني
<aعبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: عبد القادر الرفاعي)



    الأكرم : الرفاعي

    قرأت له ، كان يكتُب ، ولديه حياة فكرية تحملها روح خلاقة .
    ذهن متفتح ..
    و ددت أن ألقاه وهزم الرغبة سيف الرحيل .
    أنت خير موثق ،
    ليتنا جميعاً نوثق لمبدعينا .
    لم يذهب من يُبدع وينقل لنا إبداعه .
    وهنالك الكثير الذي يتعين تناوله بالمباحث :
    لغته ، نهجه ، والتراث ،....الخ

    شكراً لك ولأضيافك الكرام وللذين كتبوا عن الراحل : الأستاذ / أحمد الطيب زين العابدين
    ملف رائع بحق




    .
                  

03-06-2009, 10:52 AM

Mamoun Ahmed
<aMamoun Ahmed
تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 922

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: عبدالله الشقليني)

    تحية لذكرى الرجل العظيم
    تماما كما ذكر استاذنا الامين محمد عثمان
    كون المرحوم رائد في تدريس العلوم الانسانيه ذات العلاقة بالفنون
    كنا محظوين اذ تولانا في ذلك منذ السنه الاولى
    وتحولت مسز آن الي تريس المصطلحات الفنية واللغة الانجليزية
    واظن ان هذا مجالها!
    وادخل مادة علم الجمال عبر الفلسفة بجلبه استاذا كبير
    كالراحل محمد عثمان مكي
    وكذلك الاستاذ صلاح الجرق

    معه ومعهم لم تعد المسالة اجتهادات بل منهج واضح يدرس للطلاب
    وقد استفدنا منهم غاية الفائدة

    احمد الطيب باحث وليس ملقن
    كاتب اصيل ومساهماته لاتزال مطروحة بقوه اتفقنا ام اختلفنا معه

    له الرحمة مضى كالحلم
                  

03-06-2009, 11:38 AM

محمد سنى دفع الله
<aمحمد سنى دفع الله
تاريخ التسجيل: 12-10-2005
مجموع المشاركات: 10986

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: Mamoun Ahmed)

    كنا اصحاب
    تجمعنا هموم الفنون
    واحلام الإبداع بغد افضل
    والبحث في الهوية الفنية
    على مدى الدهور
    كنا ثلاثة
    عصام عبد الحفيظ
    وعادل كبيدة
    ,وشخصي الذي تتلمذ على استاذ الجمال السودانوي شيخي وابي احمد
    كبيدة ،
    ووعشق للفنون في تلاحمها الملحمي والأسطوري
    عصام وحب للمخرج الفني واهميته في وجودهفي كل الأعمال
    كبيدة وتعلقه بالفنون المسرحية وبدياته الفنية في بورسودان .وبعد دراسته الفنون بصورة احترافية
    كان شغله الشاغل التناغم الإبداعي في العمل الفني من ازياء وديكور وسينوغرافيا ومكياج
    واخذت اعماله منحى اخر تجريبي في اعمال مسرحية ومعارض تمتزج فيها كل الفنون بصورة بديعة تثسر الكثير من الجدل
    الجدل الفلسفي الذي يتيح لنا قدر كبير من التجاوز .,
    كان الأستاذ العبقري احمد الطيب
    مملكة المعرفة التي جعلتنا نتجاوز مقدراتنا
    في القاهرة واستاذنا احمد الطيب طريج الفراش في احدى مستشفيات القاهرة الكبرى
    حدثت اكبر عملية خروج لمريض يتلقى العلاج
    ولكن احمد الأستاذ كان لايؤمن بالمرض وانما بالفن
    قرر وهو في سرير المرض ان يكتب مطوية لمعرض الفنان ضياء الدوش والفنان عادل كبيدة
    بل وبعد الإفتتاح يقدم محاضرة عن الفن التشكيلي السوداني
    وفعلا اخذني عادل الفنان المجنون بعربته الروسية ( نيفا )
    وانطلقنا الى المستشفى التي اكد لنا اطبا ئها بان خروج الأستاذ فيه ترويح وتغيير له
    وقال د احمد لو كان كلامهم غير كده برضو بنطلع
    وخرجنا بعد عملية صعبة في فن التعامل مع الكرسي المتحرك في الخروج والدخول للسيارة
    وذهبنا معنا زوجته الوفية لها تحياتي واحترامي
    الى المعرض في مصر الجديدة
    وكانت محاضرة قدمها الأستاذ محكمة وموثقة بالصور والشرائح
    كانت معدة بصورة مدهشة جعلت الفنانيين من كل العالم ومن مصر في حالة من الذهول
    من هذا الفنان الناقد الباحث المفكر وهو على كرسيه المدولب يحلق بنا في سماوات
    الفن الخالد من ازمان الأنسان الأول في منطقة السودان الى الفنون الحديثة
    بصورة مهنية احترافية ومبدعة
    وبعد هذا الأنفتاح على اهمية الفنون راينا ولوج المسرح الى عالم اخر
    وكانت السودانوية وكانت مسرحية
    (( حكاية الطاهر ))
    التي كتب عنها أستاذنا وعبر من خلالها عن مسرح البراح
    وكان الهم الذي اخذناه عهد وبدانا البحث فيه
    البحث عن مسرح سودانوي
    له جمالياته وروح الوطن المتعدد الأعراق المتنوع الثقافات المتوحد بمحبتنا
    كنا ثلاثة احببناه ومازلنا نعشق افكاره وتجاوزه الإبداعي ..

    (عدل بواسطة محمد سنى دفع الله on 03-06-2009, 01:15 PM)

                  

03-06-2009, 12:34 PM

shahto
<ashahto
تاريخ التسجيل: 02-17-2006
مجموع المشاركات: 4394

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب السودانوية (Re: محمد سنى دفع الله)

    شكرا
    اخي و الله كان اكثر من اب بالنسبة لي

    لا اجد شئ غير ان اطلب من الله ان يحفظك دخرا لنا

    لانك حافظ للجميل و هذا العالم الجليل السودانوي ارث لعلماء السودان و العالم

    انه رجل عصامي بني نفسه بنفسه واصبح ابا لنا جميعا... انه ابا للسودانوية الحقة التي نحن اليوم في حوجة لقراءة افكاره بصوت عالي

    نحن ابناء تضامن اهل الريف و الحضر



    شحتو
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de