حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 11:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2009, 01:47 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم)

    Quote: المركز العالمي لثقافة السّلام

    النّدوة الأسبوعيّة

    بعنوان: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام

    11/2/2009م

    محمّد جلال أحمد هاشم

                  

02-11-2009, 01:50 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)



    ما هي الدّيمقراطيّة؟

    جوهر مفهوم الدّيمقراطيّة يتلخّص في حرّيّة التّعبير والاختيار في القضايا الخاصّة والعامّة بما لا ينتقص من حقوق الآخرين. ولكن هذا لا يعبّر بكفاية عن الدّلالات المؤسّسيّة لمصطلح الدّيمقراطيّة. فالمصطلح يقوم على شكل (قالب) ومحتوى (مضمون) بهما يمكن التّعرّف على مؤسّسة بعينها هي الدّيمقراطيّة. وعلى هذا ينهض المصطلح على ثلاث قوائم، أوّلُها المبادئ، وهي الحرّيّات الأساسيّة التي تبلورت فيما يُعرف بوثيقة حقوق الإنسان المصادق عليها من الأمم المتّحدة؛ وثانيها الانتخاب الحرّ الذي يقوم على أساس أنّ لكلّ شخصٍ صوتاً واحداً؛ وثالثها المؤسّسات الثّلاث الأساسيّة التي يقوم عليها بنيان الدّولة، وهي السّلطة التّشريعيّة، والسّلطة التّنفيذيّة، ثمّ السّلطة القضائيّة، وما يصحبها جميعاً من قواعد تنظيميّة تنهض على مبدأ الفصل بين كلّ واحدةٍ والأخرى مع تكاملها جميعاً.

    وللدّيموقراطيّة عدّة وظائف نتناول منها إثنتين أساسيّتين، هما، أوّلاً، الوظيفة الأدائيّة، ألا وهي تنظيم الخلاف، لا القضاء عليه. فكما يمكن للنّاس أن تذهب ريحَهم بسبب الاختلاف، يمكن للاختلاف أيضاً أن يقوّي من أمرهم. ولا يجتمع النّاس إلاّ اختلفوا في أمرهم، وهذه سنّة الله في خلقه. عليه، ما يجب أن تتّجه نحوه الجهود هو تنظيم الخلاف حتّى يكون بنّاءً، لا العمل على القضاء عليه لأنّه هذا من سابع المستحيلات. وهذا بالضّبط ما تقوم به الدّيمقراطيّة، وهو ما نسمّيه بالوظيفة الأدائيّة. أمّا الثّانية فهي ما نسمّيه بالوظيفة النّهائيّة أو العليا، ألا وهي بلورة الإرادة العامّة للشّعب وفق البنى الأخلاقيّة له في فضاء زماني ومكاني بعينه، وذلك بما من شأنه أن يعود بالخير العميم لجميع أفراد الشّعب.

    ولا يظنّنّ أحد أنّ جرثومة هذه المبادئ تختصّ بها ثقافة دون أخرى، بل هي موجودة في كلّ الثّقافات إذ تعود إلى وحدة جوهر النّفس الإنسانيّة.
                  

02-11-2009, 01:53 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    تنزّلاّت الدّيموقراطيّة

    تتشكل المبادئ ـ مطلقاً ـ بالثّقافة التي تتنزّل عليها تطبيقاً. فإذا تنزّلت مبادئ وقيم الدّيموقراطيّة في ثقافة الغرب، اصطبغت بالحرّيّة الفرديّة كمناط احتجاج للحريّة مطلقاً فأصبحت ليبراليّة . أمّا إذا تنزّلت في السّودان، أصبحت تعدّديّة احتكاماً بالتّعدد الثّقافي عندنا. والدّيموقراطيّة في جانب من جوهرها الثقافي تعني احترام سلوك الآخرين بشتّي ضروبه، طالما كان في حدود حرّيّتهم الشّخصيّة مع كامل الالتزام والمسئوليّة. فدائرة الحرّيّة هذه تنداح وتتقلّص تبعاً لنظام الالتزام القيمي وما يطرحه من محدّدات سلوكيّة. في نظام الالتزام القيمي للمجتمعات الغربيّة يقوم على الفردانيّة بينما الفرد في السّودان ليس حراً في أن يفعل ما يريد خاصة ما قد يتعارض مع المعايير المجتمعيّة. والمجتمع نفسه كينونة اجتماعيّة نسبيّة، فأنت قد تثور على مجتمع العمل، دون أن تقدر على ذلك إزاء مجتمع الحيّ، أو مجتمع القبيلة. ما يهمّنا هنا في الأمر هو أنّ مناط الحياة الاجتماعيّة في السّودان هو كيفيّة تواؤم الفرد مع المعايير الأخلاقيّة الضّابطة للسّلوك داخل الإطار المجتمعي المحيط به، أو ذلك الذي ينتمي إليه.

    أمّا المبدأ الأخير (فصل السّلطات)، فهذه سنّة تطور أنظمة الحكم البشري ممثّلة في عدم جواز انفراد أيّ فرد أو جهة بالسّلطات الثلاث. ويعتقد بعض النّاس أنّ الوضع في التّجربة الإسلاميّة لا يجري وفق هذه السّنّة، وليس أخطأ منهم. ففصل السّلطات تدرّج في مضمار نضج المؤسّسيّة والممارسة البشريّة بصرف النّظر عن الدّين أو الثّقافة. فمثلاً عندما في بدايات الدّولة الإسلاميّة كانت هذه السّلطات الثلاث متمركزة في رأس الدّولة، بدءاً من النّبي (ص). ثم ما إن بدأت الدّولة تتدرّج في مدارج المؤسّسيّة والتّركيب حتى نزعت هذه السّلطات إلى الاستقلال عن التّمركز، ثم عن بعضها البعض. فقد تحاكم أكثر من واحدٍ من الخلفاء الرّاشدين أمام أحد القضاة في مواجهة مسلمٍ عاديّ، ومنهم من حُكم ضدّه. وهذا يُشير بوضوح لنزوع مؤسّسة القضاء للاستقلال عن المؤسّسة التّنفيذيّة. وعندما تطوّر الفقه وتبلورت مدارسه، استقلّت بدورها مؤسّسة التّشريع. ولكن ما يجعل الوهم يركب الكثيرين فيذهبوا إلى أنّ واقع الأمر لم يكن على هذه الشّاكلة، هو الإطار النّظري المفهوماتي Conceptual الذي أصبح هذا الأمر يُعرف به، ألا وهو مبدأ الفصل بين السّلطات الثّلاث. فالتّرميز اللغوي (الاصطلاحي) الكامن في هذه الجملة قطعاً ممّا لم ترفد به الحضارة الإسلاميّة، ولا يمكن الجزم بأنّها كانت سوف تنتهي إلى نفس التّرميز اللغوي الاصطلاحي لو قُدِّر لها أن تنهد بالمهّة. ولكن دالّة التّطوّر تُشير بوضوح إلى أنّ المسلمين كانوا يسيرون في نفس الاتّجاه. وقد حال تقاعسهم عن المواصلة في ريادة ركب الحضارة دون التّمأسس التّام لهذه البنى التّنظيميّة، شكلاً ومتوىً. فما كان إلاّ أن أتمّت المهمّة شعوب أخرى نهدت للأمر من حيث توقّف المسلمون. والآن ليس أمام المسلمين من سبيل غير الانضمام إلى قطار الحضارة من أيّ محطّة يصادفونه فيها، وليس من أوّل محطّة بدأ منها المسير.
                  

02-11-2009, 01:55 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)



    الدّيموقراطيّة الليبراليّة والنّظام الرّأسمالي

    ليس هناك شكل واحد للدّيموقراطيّة، إمّا أن تجري وفقه وإلاّ فهي مطعونة في أصالتها وصدقيّتها. فكما أشرنا أعلاه، تتشكّل الدّيموقراطيّة وفق الواقع الثّقافي التي تتنزّل فيه. وهي إذ تفعل ذلك، إنّما لإيجاد الحلول العمليّة لمشكلات عالقة لا بدّ من استشراف الحلول لها، وإلاّ فإلى مزيد من الفشل. فقد أنتج لنا بروز الطّبقة البرجوازيّة الفلسفة الليبراليّة التي عملت على تحقيق تحرّر الفرد من ربقة نظام الأقنان والإقطاع الذي كانت تسيطر عليه الطّبقة الأرستوقراطيّة. وعندما سيطرت هذه الطّبقة على النّظام الاقتصادي، وببروز الرّأسماليّة، كانت الليبراليّة قد أصبحت بمثابة الإنجيل الثّقافي للطّبقة البرجوازيّة. وقد كان ذلك فتحاً عظيماً، به نحرّر ملايين الأقنان من النّظام الإقطاعي الذي تهاوى تحت سنابك رأس المال المتنامي في يد ملايين الأفراد ممّن ليست لهم أيّ خلفيّة نبيلة، أيّ من رعاع النّاس (الرّجرجة والدُّهماء). ولهذا عمدت الرّأسماليّة إلى الاستفادة التّامّة من الفلسفة الليبراليّة لتكريس نفسها، وقد حُقّ لها ذلك، فالفلسفة الليبراليّة بنت الثّقافة البرجوازيّة وصانعتُها في نفس الوقت. وعلى هذا تشكّلت لنا قوالب تنظيميّة ذات ترميز لغوي اصطلاحي بعينه به أصبحت الدّيموقراطيّة التي تبلورت في ظلّ الفكر البرجوازي تنماز به عن غيرها: هذه هي الدّيموقراطيّة الليبراليّة تحديداً، وليس الدّيموقراطيّة مطلقاً. وقد طغى وفشا هذا الفكر حتّى أصبح من الصّعب، إن لم يكن من المستحيل، التّعرّف على الدّيموقراطيّة بدون مسوحها الليبراليّة.

    وفي الحقِّ فإنّ الليبراليّة، من حيث جوهرها المتعلّق بتحقيق أكبر قدر من الحرّيّة الفرديّة، ذات جاذبيّة طاغية. فهل أجمل من أن يكون الفردُ حرّاً لا سيّدَ له غير خُلقٍ قويم وضميرٍ حي؟ والإنسان نزوعٌ إلى الحرّيّة، وإلاّ فيم قولُ عمر (رض) لعمرو بن العاص: "متى استعبدتم النّاسَ وقد ولدتهم أمّهاتُهم أحرارا؟". فالحرّيّةُ حقّ إنساني أصيل، ولا يجوز الانتقاص من حرّيّة الإنسان إلاّ لمصلحةٍ عليا تتعلّق بالفائدة العامّة. ولكن هذا لا يعني أنّ الفرد في حقيقة أمره يظلّ حرّاً في النّظام الرّأسمالي؛ ذلك لأنّ وجود أيّ نظام يعني في حقيقة الأمر التّقليل من حرّيّة الفرد مقابل مصلحة الجماعة. كما عُرف عن النّظام الرّأسمالي استغلاله للفرد لدرجة تغريبه عن إنسانيّته. ومع كلّ هذا تبقى مقولة إنّ الليبراليّة، من حيث ارتباطها بالحرّيّة، ذات جاذبيّة طاغية، مقولة صحيحة إلى حدٍّ كبير. ولكن، أحد أكبر الحجج ضدّ الدّيموقراطيّة الليبراليّة أنّها تّتيح للرّأسماليّة أن توظّف الإحساس الظّاهري للفرد بأنّه حرّ لسلب نفس الفرد من حرّيته، وذلك بتحويله إلى أداة من أدوات الإنتاج التي يسيطر عليها الرّأسمالي، بدلاً من كونه إنساناً منتجاً يستحقّ ثمار إنتاجه. وبهذا يفقد الإنسان إنسانيّتَه. وهذا يعني شيئاً جدَّ خطير، ألا وهو أنّ الدّيموقراطيّة الليبراليّة نفسها تضع حدوداً وضوابط للحريّة الفرديّة في نظامها، مع فارق بسيط يكمن في أنّ هذه الضّوابط تصبّ في مصلحة النّظام الّرأسمالي القائم على القوّة الشّرائيّة في السّوق، لا من حيث آليّة العرض والطّلب البسيطة، بل من حيث القدرة الاقتصاديّة على اختلاق حالات طلب بغية إشباعها بعرض مخصوص.

    وعلى هذا يمكن القول بأنّه لا يمكن تطبيق الدّيموقراطيّة الليبراليّة بدون نظام رأسمالي. وعليه، لا يمكن تطبيق الدّيموقراطيّة الليبراليّة في أيّ دولة خارج المنظومة الرّأسماليّة. وبما أنّ المنظومة الرّأسماليّة قد قفلت على نفسها باب الرّأسماليّة من حيث هي نادي كبير يضمّ بصورة عامّة دول الشّمال في مواجهة دول الجنوب بدرجة أصبح من المستحيل أن تُقبل أيّ دولة من مجموعة الجنوب في هذا النّادي مهما بلغ تطوّرها الرّأسمالي والصّناعي والتّكنولوجي، جاز الخلوص إلى النّتيجة التّالية، وهي استحالة تطبيق الدّيموقراطيّة الليبراليّة في أيّ مكان خارج إطارها الزّمكاني المعروف بأوربّا الغربيّة.

                  

02-11-2009, 01:57 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    فما الحلّ؟

    يكمن الحلّ لهذه المسألة الدّائريّة Tautological في أن نعرف أيَّ ديموقراطيّة نريد، انظلاقاً من أنّه لا سبيل لتطبيق الدّيموقراطيّة الليبراليّة ولو شدّ منّا العزم لذلك. وهذا يعني أن تنهض الدّيموقراطيّة التي نُريد في فضاء زمكاني بعينه وفق المعطيات الخاصّة بهذا الفضاء. فبجانب الاختصاص بخصائص الواقع الذي تنهض فيه الدّيموقراطيّة، ومن ثمّ التّشكّل بهذا الواقع، ينبغي للذين ينظّرون لهذه الدّيموقراطيّة أن يكونوا على قدر عالٍ من الوعي بمحدوديّات الحرّيّة في الدّيموقراطيّة التي ينشدون.

                  

02-11-2009, 01:59 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    هل كانت تجاربُنا الدّيموقراطيّة ليبراليّة أم تعدديّة؟

    لم تكن الدّيموقراطيّة التي عشناها، والتّي نبشر بها، ليبراليّة، ذلك لأنّ الليبراليّة ليست مكونّاً أساسيّاً للدّيموقراطيّة. فالليبراليّة في حقيقتها ليست سوى واحدة من خصائص ثقافات المجتمعات الغربيّة. فمناط الاحتجاج والإرتكاز في مفهوم الليبراليّة هو الفرديّة أو الفردانيّة. لذلك عندما نشأ الفكر الليبرالي في الغرب توجه بكلياته للدفاع عن حقوق الفرد إزاء سلطة الدولة. لقد كان الهمّ الأكبر هو كيفيّة تأمين الحريّة الفرديّة. لذلك قام فهمهم لليبراليّة في جوهره علي حريّة الفرد. إذن فاللبيراليّة خصيصة من خصائص الثّقافة الغربيّة، ولذلك عمدت إلي تشكيل ديمقراطيتها بما يخدم واقعها الاجتماعي والثقافي، وبالتّالي الليبراليّة ليست من لوازم الدّيموقراطيّة، خاصّةً إذا ما انبثقت الدّيموقراطيّة وتولدت في مجتمعات أخري خلاف المجتمعات الغربيّة.

    وتعني الدّيموقراطيّة في جوهرها الثقافي البسيط احترام سلوك الآخرين بشتي ضروبه، طالما كان في حدود حريتهم الشّخصيّة، وهذا هو بيت القصيد. فدائرة الحريّة هذه تنداح وتتقلص تبعاً لنظام الالتّزام القيمي وما يطرحه من محددات سلوكيّة. يقوم نظام الالتّزام القيمي في المجتمعات الغربيّة علي الفردانيّة، بينما الفرد في السّودان ليس حراً في أن يفعل ما يريد، خاصة ما قد يتعارض مع المعايير المجتمعيّة. والمجتمع نفسه كينونة اجتماعيّة نسبيّة؛ فأنت قد تثور علي مجتمع العمل، دون أن تقدر علي ذلك إذاء مجتمع الحي، أو مجتمع قبيلتك. المهم في الأمر أن مناط الحياة الإجتماعيّة في السّودان هو كيفيّة تواؤم الفرد مع المعايير الأخلاقيّة الضابطة للسلوك داخل الإطار المجتمعي المحيط به، أو ذلك الذي ينتمي إليه ... إلخ. وبالتّالي يمكننا الزّعم بأنّ ثقافاتنا ليست ليبراليّة، بدالّة سيطرة الجماعة التي من خلال الانتماء لها يستمدّ الفرد إحساسَه بنفسه.

    نخلص لنقول إن الدّيموقراطيّة التي عليها واقع حالنّا ليست لبراليّة، وهيهات أن تكون كذلك حتى لو جهدنا من أجل ذلك. إذاً ماهو نوعها؟ إنها الدّيموقراطيّة التّعدديّة. ولفظة التّعدديّة لا نعني بها تعدّد الأحزاب فحسب، بل نعني بها التّعدد الثقافي. إنها ديمقراطيّة تختص بخصائصنا الثقافيّة، وعلي رأسها التّعدديّة الثقافيّة. فالمركزيّة الثقافيّة وسياسات الأحاديّة الثقافيّة تصب جميعها في مجري التّيار النّازع نحو الدكتاتوريّة. فجميع فترات الدّيموقراطيّة التي عشناها ـ إن لم نقل: والتّي سوف نعيشها ـ منذ الاستقلال كانت مسممة بالديكتاتوريّة ممثلة في سياسات المركزية والأحاديّة الثقافيّة. وفي واقع الأمر، فقد ظل المركز الإسلاموعروبي، كما ذكرنا، يسيطر على جميع ديناميكيات وميكانيزمات الحكم في بلادنا منذ عهود طويلة، ومنذ الاستقلال تخصيصاً. وكما علمنا فإن أوضاع السّودان قد ظلت تتدهور يوماً بعد يوم، ونظام حكم إثر آخر في فشل مستمر منذ الاستقلال وحتى اليوم لدرجة أن كل نظام حكم (ديمقراطيّاً كان أم ديكتاتوريّاً) انتهى بوصفه أسوأ من سابقه. وعليه يمكن تلخيص كلّ تلك الفترات بالقول: إن تجربة الحكم في سودان ما بعد الاستقلال تمثل فشل الأحاديّة والمركزية الثقافيّة في بلد متعدد الثقافات. وعليه ينبغي للديمقراطيّة في بلد كهذا أن تكون تعدديّة في معنى أنها تعبير عن التّعدد الثقافي.

                  

02-11-2009, 02:02 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    هل تصلح ديموقراطيّة ويستمنستر؟

    محقون تماماً أؤلئك الذين يقولون إن ديموقراطيّة ويستمنستر لا تصلح في السّودان، ذلك طالما كاانوا يقصدون مفهوم وروح الليبراليّة؛ بيد أنّهم مخطئون، مخطئون إذا ما قصدوا بذلك الحكم النّيابي القائم على الانتخابات الحرة، ومبدأ فصل السّلطات. فديموقراطيّة ويسمنستر هي الليبراليّة عينها، وهذه لا علاقة لها بما عليه واقع الحال عندنا حسبما بيّنّا أعلاه. هذا صحيح! ولكن ينبغي للذين برفضون الدّيموقراطيّة جسماً ومعنىً ـ ليبراليّة كما في ويستمنستر، أم تعدديّة كما هي عندنا ـ أن يكونوا شجعاناً ويعلنوا ذلك. فهم يقولون "إن الليبراليّة لا تصلح في السّودان"، ويقصدون في الواقع الدّيموقراطيّة إجمالاً، والتّعدديّة تحديداً.

    فالديمقراطيّة في جوهرها تقوم على العديد من المبادئ التي يمكن تلخيص عناصرها الأساسيّة في: حريّة التّعبير، حريّة التّنظيم، حريّة الاعتقاد، الحق في التّشريع والانتخاب، والمساواة وعدم التّمييز، ثمّ الحقّ في الملكيّة، فضلاً عن التّمتّع بالرّفاهيّة مقروناً بالحماية من العوز والمرض والجوع، ثمّ الإحساس بالأمن؛ كلّ هذا في إطار سياسي تنفيذي يقوم على مبدأ فصل السّلطات الثلاث: التّشريعيّة، والتّنفيذيّة والقضاء. ولا تختص بهذه المبادئ ثقافة دون أخرى، ذلك كونها تعود إلى وحدة جوهر النّفس الإنسانيّة.

    نختم هذا الجزء فنقول: إن المبادئ ـ مطلقاً ـ تتشكل بالثّقافة التي تتنزل عليها تطبيقاً. فإذا تنزلت مبادئ وقيم الدّيموقراطيّة في ثقافة الغرب، اصطبغت بالحريّة الفرديّة كمناط احتجاج للحريّة مطلقاً فأصبحت ليبراليّة. أما إذا تنزلت في السّودان، أصبحت تعدديّة احتكاماً بالتّعدد الثقافي عندنا .

                  

02-11-2009, 02:04 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    الحزبيّة ليست بالضّرورة هي الدّيموقراطيّة!

    فيما يخصّ الممارسة الحزبيّة لما بعد الاستقلال تبيّن أن جميع الأحزاب التي تنافست على قيادة الشعب، اليمينيّة منها واليساريّة على حدٍّ سواء، لم تكن تتعامل مع الديموقراطيّة باعتبارها الوسيلة المثلى للحكم. فالأحزاب العقائديّة، اليمينيّة منها واليساريّة، لم تكن تؤمن بالديموقراطيّة مبدئياً، حيث كانت الديموقراطيّة غائبة في جميع مؤسساتها الداخليّة. ولكنها كانت تتعامل بالديموقراطيّة باعتبارها واقعاً يتيح قدراً من الحريات لا لزوم لها، لكن لا بأس من الاستفادة منها للاستقواء ريثما يتمّ الإجهاز على الديموقراطيّة التي لم تكن تعدو أكثر من فوضى سياسيّة بالنّسبة لهم. وقد تجسّد هذا في تدبير الجبهة الإسلاميّة لانقلاب الإنقاذ. أمّا حال الأحزاب الطائفيّة إزاء الديموقراطيّة فلم يكن أحسن من رصيفاتها العقائديّة. فهي أيضاً لم تكن تؤمن بالديموقراطيّة باعتبارها الخيار الأمثل للحكم، بدليل أن مؤسساتها الداخليّة القائمة على التّوريث ومفهوم العرق النّبيل والأرستقراطيّة الزّائفة خلت من الديموقراطيّة. ومع أن الأحزاب الطائفيّة بدت وكأنها أشدّ حماسةً وتمسّكاً بالديموقراطيّة، إلاّ أن هذا لم يكن أكثر من ذرائعيّة ميكيافيليّة، ذلك لتأكّدها من أن مجيئهم للحكم عبر الانتخابات أمر مضمون بالنّظر إلى الجماهيريّة الطائفيّة الجاهزة. إلاّ أن مجافاتهم المؤسسيّة والمبدئيّة عند المحك العملي للديموقراطيّة كانت أشدّ إيذاءً لها من رصيفاتها العقائديّة. إذ ما إن تصل هذه الأحزاب إلى دست الحكم عبر الانتخابات، حتّى وتشرع في التّعامل مع مختلف مؤسسات الدولة باعتبارها امتداداً لمؤسسات الطائفة التي ينتمي إليها الحزب الحاكم. ولذا كان مجمل هذه السلوكيات المعاديّة مبدئياً للديموقراطيّة، من الأحزاب العقائديّة والطائفيّة معاً، يؤدّي سريعاً إلى تسميم الديموقراطيّة الوليدة، فإن هي إلاّ أشهر قلائل وتتحوّل الممارسة السياسيّة (وليس الديموقراطيّة) إلى فوضى حقيقيّة. ولأن ثقافة الديموقراطيّة من حيث كونها تكنيكاً للحكم (وليس من حيث كونها جوهراً مؤسسياً لقيم الحريّة) لم تكن (وحتّى الآن) قد تمّ توطينها في بنيّة الثّقافة السودانيّة، فإن كل هذا كان يتمّ النّظر إليه باعتباره فشلاً ذريعاً للديموقراطيّة. ولكن فات على القوم الفاشلين التّفريق بين الأحزاب وبين الديموقراطيّة؛ فالأحزاب ما هي إلاّ بنيّة سياسيّة، بينما الديموقراطيّة كيفيّة سياسيّة. والبنيّة السياسيّة متغيّر (بمعنى يمكن لحزب بعينه أن يختفي في ظلّ الدّيموقراطيّة ليحلّ آخر في مكانه) بينما الكيفيّة ثابتة (لأن اختفاء أي حزب وظهور آخر يتمّ من خلالها). فات على القوم أن فساد المتغيّر لا يقدح أبداً في صلاحيّة الثابت. وليتهم اكتفوا بالجهل فقط بل نظّروا له، حيث تفتّقت عبقريتهم عن مفهوم "الحزبيّة" والذي يجمع ما بين البنيّة السياسيّة والكيفيّة السياسيّة في قالب واحد.
                  

02-11-2009, 02:06 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    الدّيموقراطيّة ما بين الانغلاق والانفتاح

    ذهبنا في الحلقة الماضية إلى أنّه لا توجد ديموقراطيّة مطلقة، ذلك لأنّ الدّيموقراطيّة في جوهرها مقيّدة بواقع بعينه تسعى لمعالجة قضاياه. ولكن داخل محدوديّة الواقع هناك انفتاح ديموقراطي يوازيه انغلاق ديموقراطي. والفرق بينهما ليس سوى فرق مقدار لا فرق نوع. وهو فرق البداية والنّهاية، فرق الطّفولة والكهولة في عمر التّجربة الدّيموقراطيّة. فالتّجربة الدّيموقراطيّة النّاضجة تنحو إلى الانفتاح، بينما تنكفئ الدّيموقراطيّات الوليدة على محدوديّات واقعها. وهذا قد يكون مدخلاً صائباً للقدح في الانضباط الأخلاقي لديموقراطيّة أيّ من التّجارب الدّيموقراطيّة المعنيّة. فالانغلاق الدّيموقراطي، وإن كان مرحلة طفوليّة من مراحل نموّ الدّيموقراطيّات، قلّما يخلو من هضم لحقوق بعض المجموعات التي تعيش في كنف الدّولة. ولكن توضّح التّجارب بأنّ دالّة التّطوّر تتّجه دائماً نحو الانفتاح.

    ويمكن التّمثيل بالدّيموقراطيّات المنفتحة بتلك التي ترفد بها التّجربة الغربيّة، جانباً عن ليبراليّتها. وهنا ننبّه إلى أنّ الفصل المفهومي بين الليبراليّة من جانب والانفتاح الدّيموقراطي من جانب آخر يقوم في بعض جوانبه الخفيّة على شعرة كتلك التي تفصل بين البيع الحلال والرّبا. ولكن، مع كلّ هذا تبقى حقيقة تمايز الليبراليّة عن الانفتاح من حيث المفهوم والممارسة.

    إذن فالانفتاح في هذه الدّيموقراطيّات غير المنغلقة ليس مطلقاً؛ خذ مثالاً لانفتاحها ما رفدت به تجربة فوز باراك أوباما الذي ليست له أيّ جذور في الولايات المتّحدة، وفي نفس الوقت أَعِدِ التّأمّل في روعة هذا الفوز ترى أنّه يعود لتغلّبه على أحد أخطر محدوديّات هذه الدّيموقراطيّة ألا وهو كامل انغلاقها العرقي في اللون الأبيض إلى ما قبل أوباما.

    أمّا إذا جئنا للدّيموقراطيّات المنغلقة فيمكن التّمثيل لها بما عليه واقع الحال في كلٍّ من دولتي إيران وإسرائيل. فكلا الدّولتين تتمتّعان بنظامٍ ديموقراطي يقوم على الفصل بين السّلطات الثّلاث، بجانب استناده على الانتخابات، والتي تقوم بدورها على مبدأ لكلّ شخصٍ صوتٌ واحد. وعلى هذا فهي أنظمة حكم ديموقراطي وعلماني في نفس الوقت مع انغلاقه، أي انحصاره، على مذهب فكري وديني، أو إثني، بعينه. ووجه الانغلاق يكمن في انحصار هذه الدّيموقراطيّة على غلبة الدّين اليهودي ومعتنقيه في حال دولة إسرائيل، وغلبة الدّين الإسلامي ومعتنقيه في حال دولة إيران. فالدّيموقراطيّة في إسرائيل تقوم على مبدأ تكريس يهوديّة الدّولة، وكذلك تقوم ديموقراطيّة إيران على تكريس إسلاميّة الدّولة. وقد يحتّج البعض بأنّ غلبة كلا الدّينين في هذين البلدين تحقّق كأمر واقع، وذلك لغلبة معتنقي كلّ دين على حدة في أيٍّ منهما. ومع صحّة هذا الادّعاء تبقى حقيقة أنّ غلبة أيٍّ من الدّينين في أيٍّ من البلدين قد تحوّل إلى واجب دستوري على مؤسّسة الدّولة أوّلاً أن تقوم عليه، ثمّ على مؤسّسة الحكومة أن تعمل على حمايته وتكريسه، مهما تغيّر واقع الحال. بالتّأكيد تطعن هذه المحدوديّة والانغلاقيّة في حقوق من لا يدينون بأحد الدّينين في أيٍّ من الدّولتين. فانغلاق هويّة الدّولة في إسرائيل دستوريّاً على الدّين اليهودي ينتهك من حقوق المسلمين والمسيحيّين وغيرهم على حدٍّ سواء؛ وبالمثل ينتهك انغلاق هويّة الدّولة في إيران دستوريّاً على الدّين الإسلامي من حقوق المسيحيّين واليهود وغيرهم.

    وعلى أيٍّ، تبقى حقيقة أنّ الدّيموقراطيّات المحدودة تقتضيها ظروف وأوضاع خاصّة كان ينبغي أن يجري فيها الأمر وفق ديكتاتوريّة غشيمة وباطشة، إلاّ أنّها تجمّلت بنيويّاً بالدّيموقراطيّة. ومناط قبول مثل هذه الأوضاع، على ما فيها من ظلم وجور بيّن، يكمن في أنّها، نسبيّاً، توفّر لنا أشكالاً من عدم العدالة الدّستوريّة الرّاشدة، إذ تقوم على قدر عالٍ من الشّفافيّة تسمح لمثل هذه الدّول أن تستشرف عهداً أكيداً من الحكم العادل الرّاشد والذي لن يقوم إلاّ بتفكيك الانغلاق المؤسّسي الذي قامت عليه أوّل أمرها. وأهمّ ما في هذه النّقلة أنّها لا تأتي إلاّ عندما يتهيّأ لها غالبيّة النّاس في الدّولة المعنيّة، وذلك أغلب الظّنّ عندما تثبت لهم الأيّام إثباتاً عمليّاً بطلان ما استدبروا من أمرهم. ويعني هذا، عندما يستيقنوا بالتّجربة استحالة أن يحافظوا على الوضع القديم، فينزعوا بالتّالي إلى الرّضوخ والقبول بالتّغيير الذي تكون رياحه العاتية قد بدأت في الهبوب منذ زمنٍ ليس بالقصير. في هذا علينا بتدبّر تجربة الحكم الدّيموقراطي في جنوب أفريقيا إبّان انغلاقه واستغلاقه على البيض، أي على أساس عرقي بحت.

    إذن، فمثل هذه الدّول كمن يعوم في نهر الدّيموقراطيّة، وهو نهر وإن كان يجري هادئاً، إلاّ أنّ تيّارَه غلاّب ما في ذلك شكّ. ولهذا تعمد بعض القوى الطّبقيّة المحافظة في هذه الدّول إلى جعل الدّولة والحكومة والشّعب يعيشون باستمرار في حالة استثنائيّة تكون فيها هويّتُهم مهدّدة. ففي حالة إسرائيل هناك التّخويف الدّائم بأنّ العرب ومن خلفهم المسلمون لا يعيشون إلاّ من أجل اليوم الذي يقذفون فيه بيهود إسرائيل إلى عرض البحر؛ وفي حالة إيران هناك التّخويف المستمرّ بأنّ دول الاستكبار (الغرب وعلى رأسه الولايات المتّحدة الأمريكيّة) لا يعملون إلاّ لإزالة جمهوريّة إيران الإسلاميّة من على الوجود. وهذا لا يعني انتفاء مثل هذه المهدّدات، بل يعني استغلالَها إلى هذا الغرض في حال وجودها، واصطناعها في حال عدم وجودها.

                  

02-11-2009, 02:09 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    ديموقراطيّات السّودان من حيث الانفتاح والانغلاق

    آفّة الدّيموقراطيّات الثّلاث في السّودان أنّها تزيّت بزِيٍّ لا يناسب مقاسها ولم يُخلق لها أبداً، ألا وهو الليبراليّة وما زامل ذلك من تطبيق إجرائي للانتخابات وفقما رفدت به تجربة الدّيموقراطيّات في الغرب. وقد كان من جرّاء أن التبس أمر انفتاحها من انغلاقها على من مارسوها. وفي الحقٍّ، فقد غابت أيّ رؤية تطويريّة لمن مارسوا تلك الدّيموقراطيّة. ولكن هذا لم يمنع وجود تيّارات ونزعات سعت إلى تغليق تلك الدّيموقراطيّات. ويمكن التّمثيل لهذه التّيّارات باتّجاهين أساسيّين، هما حصر الدّيموقراطيّة في مستعربي وسط السّودان كأمر واقع، وحصرها في مسلمي السّودان كأمر واقع أيضاً. ولكن ممّا يؤسف له أنّ هذين التّيّارين لم يملكا أيّ رؤية تنظيريّة بهذا الشّأن. فما كان عليه حال القائمين بهما لا يعدو كونه شهوة سلطانيّة تعمل بجدّ لحرمان من هم خارج خباء الاستعراب والأسلمة من التّمتّع بثمار ديموقراطيّتهم الكسيحة العرجاء. على هذا، فقد كان جلّ ما شاهدناه نزعات ديكتاتوريّة تتمسّح بمسوح الدّيموقراطيّة إلى حين أن تنفرد بالحكم. وليس أدلّ على هذا أنّ أحد أقوى هذه التّيّارات (التّيّار الإخوان المسلمين) عجز عن استشراف أيّ أفق ديموقراطي عندما تمكّن من السّيطرة على مقاليد الحكم في يونيو 1989م. ومن سخريّة الأقدار أنّ نفس هذا التيّار، فشل في أن يتعلّم أيَّ درس ديموقراطي من تجربة إيران، بالرّغم من أنّه سلخ سنوات من عمره في فترة ما بعد الثّورة الإيرانيّة، وهو يتغنّى: إيران .. إيران .. في كلّ مكان؛ وكذلك: الخميني إمام الأمّة الإسلاميّة.

    وفي الحقيقة، فقد أثبتت التّجربة الماثلة للعيان، أنّ انغلاق الدّيموقراطيّة في السّودان، أيّ ديموقراطيّة، في الأسلمة أو في الاستعراب دون خرط القتاد. ذلك لأنّ السّودان، فيما نعلم جميعاً، بلد متعدّد الأعراق والدّيانات. ومن عجبٍ أن الحركات الدّينيّة الأصوليّة بالسّودان (وتسير في ركبها الطّائفيّة) احتاجت لأن تحكم البلاد لعشرين عامّاً كيما تعي تماماً الدّلالات العمليّة لهذه المقولة. ثمّ لتعي استحالة تحديد الحكم في السّودان وفق الأسلمة والاستعراب. وإلاّ ففيم اتّفاقيّة نيفاشا؟

    وبعد، تُرى ما هي آفاق محدوديّة الدّيموقراطيّة في السّودان؟

    في رأينا أنّ آفاق تحديد الدّيموقراطيّة في السّودان هو التّصالح مع الوضع الإثني، أي أن تتصالح ديموقراطيّتُنا مع الإثنيّة. وليس أخطر من مثل هذا القول، ذلك لأنّ الإثنيّة هي أحد المتّهمين بتقويض الدّيموقراطيّات في السّودان. وهناك إمكانات كبيرة وضخمة تشي بوضوح بإمكانيّة تحقيق هذا التّصالح، ولا مجال للخوض فيها في هذه العجالة.
                  

02-11-2009, 02:12 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    الدّيموقراطيّة والعلمانيّة وإسلاميّة فصل الدين عن الدولة

    يقوم فهمنا في هذا الشأن على استقراءٍ جديد للمصطلح وذلك تحريراً له من ربقة العوامل الخاصّة بأوروبا والتّي لعبت دورا كبيراً في تشكيله. هذا الاستقراء يقوم في أساسه على دمقرطة المفهوم؛ أي اشتراط الديموقراطيّة لتحقيق العلمانيّة. فقد جرى التّقليد أن يضع النّاس الدين ودعاة الحركات الدينيّة مقابل العلمانيّة ودعاتها، باعتبار أنهما يمثّلان طرفي نقيض، ولا شيء أوغل خطأً من هذا. فالعلمانيّة هي الدعوة إلى فصل مؤسسات الحكم عن أي مؤسسة اجتماعيّة، دينيّة كانت أو غير ذلك، بحيث لا يتمّ تشغيل دولاب مؤسسة الدولة من خلال تراتبيّة المؤسسة الاجتماعيّة المعنيّة كامتيازٍ لها. إذن فالمقابل للعلمانيّة من حيث التّضاد هو عدم العلمانيّة، وليس الحكم بأفكارٍ دينيّة. فمؤسسات الحكم هي، مثلاً، رئيس الدولة، رئيس الوزراء، الوزارات بوزرائها، ووكلاء الوزارات، ثمّ دواوين الدولة بأقسامها المختلفة وأجهزتها العدليّة من بوليس وقضاء ... إلخ، ثمّ البرلمان. لتداول السلطة لا بدّ من أن تشغل مجموعة من النّاس مؤسسة الدولة هذه. مجموعة النّاس هذه قد تكون حزباً سياسياً، أو خليطاً من أحزاب سياسيّة، أو مجموعة من التّكنوقراط. فإذا أصبح حزب بعينه يشغل مؤسسة الدولة لأنه فاز في الانتخابات، حتّى لو كان حزباً ذا أفكار دينيّة، فهذا لا يجعل من الدولة دينيّة، أي غير علمانيّة. لكن لو أن حزباً بعينه أصبح يشغل مؤسسة الدولة بناءً على التّراتبيّة التّنظيميّة الداخليّة بوصف أن ذلك امتياز لهذا الحزب، فإن الحكم يكون غير علماني حتّى لو لم يكن هذا الحزب دينياً، كالحزب الشيوعي مثلاً. والآن فلنتصوّر أن طريقة صوفيّة بعينها قد استولت على مؤسسة الدولة باعتبار أن ذلك امتياز يخصّها وحدها، ومن ثمّ شرعت في تشغيل مؤسسة الدولة عبر تراتباتها التّنظيميّة الداخليّة، بمعنى أن مرشد الطريقة بحكم رتبته أصبح يشغل منصب رئيس الجمهوريّة، كما أصبح كبير خلفائه يشغل منصب رئيس الوزراء بحكم ترتيبه في الطائفة. بعد ذلك جاء دور عموم الخلفاء الذين حَكَم ترتيبُهم في الطريقة أن يشغلوا مناصب الوزراء ... وهكذا دواليك، حتّى نأتي إلى رؤساء الأقسام الحكوميّة المختلفة من تكنوقراط وخلافه والتّي سيشغلها أناس من هذه الطريقة حسب موقعهم داخل هيكليّة الطريقة، أي تراتبات الطريقة. بهذا لا تكون الدولة علمانيّة، ولا عبرة بالتّوجّه الأيديولوجي للمجموعة التي تسيطر عليها، دينيّة كانت أم إلحاديّة. من البدهي أن يشهد وضعٌ كهذا غياباً تامّاً للديموقراطيّة.
                  

02-11-2009, 02:13 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    إذن ما هو المحتكم الحاسم لتحديد أن النّظام المعمول به علماني أو غير علماني: المحتكم هو إذا كان اختيار الحاكم وباقي أجهزة الحكم يتمّ عبر الانتخاب الحر القائم على قاعدة "لكل فردٍ صوتٌ واحد" ( One person, one vote ) دون اعتبارٍ للمعتقد أو العرق أو النّوع، إذن فالحكم علماني ولو كانت المجموعة الحاكمة ذات توجّهٍ ديني. أمّا إن كان بخلاف ذلك، فالحكم إذن غير علماني حتّى لو لم يكن للمجموعة الحاكمة أي دين. بهذا يتضح أن فهمنا يقوم على إعادة قراءة العلمانيّة ديموقراطياً، وذلك تحريراً لها من أوشاب التّجربة الذاتيّة للغرب. بهذا لا يوجد شيئ اسمه "الإسلاميون" يقابله كيان اسمه "العلمانيون" بل هي الديكتاتوريّة مقابل العلمانيّة، أي مقابل الديموقراطيّة. فالعلمانيّة بهذا الفهم تصبح كلمة مرادفة للديموقراطيّة، إذ لا ديموقراطيّة بلا علمانيّة ولا علمانيّة بلا ديموقراطيّة. فمثلاً بخصوص النّظام الحاكم حالياً، لا يجوز النّظر إليه باعتباره إسلامياً لمجرّد أنه يرفع شعارات وشارات الإسلام، وذلك إذا كان مخالفاً للديموقراطيّة (أي للعلمانيّة)، بل ينبغي النّظر إليه باعتباره ديكتاتورياً لا علاقة له بالإسلام. والعلمانيّة في ثوبها الديموقراطي هذا ليست ضد الحكم عبر وجهة نظر دينيّة بعينها كما هي ليست ضد أي دين؛ وما اشتباكها مع الدين فيما أُثر عنها إلاّ ناجمٌ عن ملابسة تاريخيّة تكمن في أن الكنيسة (بوصفها مؤسسة دينيّة) كانت في العصور الوسطى الأوروبيّة تسيطر على مؤسسة الدولة. ولذا لا نجد غضاضةً في ظلّ الديموقراطيّة العلمانيّة أن تنشأ أحزاب دينيّة التّوجّه طالما كان ذلك محكوماً بالاقتراع وتواضع الجميع على الالتّزام بالديموقراطيّة فكراً ومبدأً.
                  

02-11-2009, 02:15 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    بالطبع أسوأ نظامٍ ديكتاتوري ذلك الذي يحكم باسم الدين، لأنه لا يقوم على الإقصاء فحسب، بل عادةً ما يملك رصيداً ضخماً في مجال التّبرير الأيديولوجي لأيّ فظائع أو فساد قد يرتكبه. فمثلاً الحركات الإسلاميّة طيلة القرن العشرين جاءت كمحاولة لجذب الأنظار للدور الخطير الذي يمكن أن يلعبه الدين. ما دفعهم إلى هذا علمانيّة رواد الطبقة المثقفة (بالمعنى القديم) والتّي كانت قائمة في أساسها على تجاهل الإسلام ليس عداوةً له بل جهلاً به. تلك كانت علمانيّة قاصرة لم يدُر في ذهنها توطين المفهوم (في حالتّنا توطينه سودانوياً)، وهو أمر ما كان يمكن أن يتمّ إلاّ بإزالة التّناقض المفهومي بين العلمانيّة والإسلام، أي الدين الذي تُدين به غالبيّة شعوبهم. وهذا التّناقض في الواقع يعود إلى العوامل الذاتيّة لتجربة الدولة الدينيّة الثيوقراطيّة بالغرب عندما كانت الكنيسة تسيطر سيطرةً تامّة على مؤسسات الدولة. في حالتّنا المسألة بدأت بعكس ذلك حيث دخلت معظم البلدان التي يشكّل الإسلام فيها الدين الغالب مرحلة الاستقلال عبر العلمانيّة القاصرة بمعناها القديم الذي أشرنا له. وهذا ما أعطى الحركات الإسلاميّة قوّة جاهزة لم يبنوها مدماقاً بعد الآخر. ولهذا نفسه انحصر شغلها أيضاً في رفع الشعارات وضخ الانفعالات دون الانشغال بالوسائل العمليّة المؤديّة لتحقيق تلك الشعارات. وهذا هو الذي أدّى بهم إلى السقوط في الامتحان العملي عندما سيطروا هنا وهناك على الحكم سقوطاً لم يكن يتصورونه. وما هذا إلاّ لأنهم في سورة اندفاعهم العاطفي نحو الدين، جهلوا الدين نفسه كقيمة أخلاقيّة دع عنك كقيمة فكريّة. لكن هذا يكشف ما ينطوي عليه أمر الدين من خطورة خاصّةً عندما يُترك أمره للعاطفة بدلاً من النّظر إليه كضرورة حياتيّة نظريّة وعمليّة.
                  

02-11-2009, 02:18 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    علمانيّة الإسلام ـ هل من مصالحة فكريّة؟

    تُرى، هل يمكن إجراء مصالحة بين الدين مطلقاً والإسلام تخصيصاً من ناحية وبين والعلمانيّة من النّاحية الأخرى؟ وذلك انتقالاً من دمقرطة العلمانيّة إلى شيئ أقرب إلى أسلمة العلمانيّة (أو قُل: أسلمة الديموقراطيّة) مع تحفّظنا على هذا المصطلح الذي ابتُذل؛ هل هذا ممكن وجائز؟ في الحقيقة لا نسعى في مقاربتنا الإجابة على هذا السّؤال إلى ابتسار المفهوم، بل نسعى إلى القيام بحفر أركيولوجي في مراحل تطوّر المفهوم وآلياته، فضلاً عن قيمه الأخلاقيّة والمعرفيّة العامة.

    وفي الحقيقة ليس أكبر من الإمكانات الفكريّة في توطين العلمانيّة والديموقراطيّة في الإسلام ؛ من ذلك، مثلاً، حصريّة الآيّة "وشاورهم في الأمر ... إلخ" باعتبارها نزلت على سيدنا محمد (ص) في حال كونه معصوماً. عليه، فهي شورى ليس الغرض منها الاستهداء برأي عند أصحابه لم يلهمه إيّاه الله، بل هي شورى الغرض منها تربيتهم وتهيئتهم (رضي الله عنهم أجمعين) لممارسة السلطة. أمّا الآيّة "وأمرهم شورى بينهم ... إلخ" فتمثّل مدخلاً رحباً للديموقراطيّة. فمثلاً سيدنا محمد (ص) لم يحدد طريقة بعينها لاختيار من يخلفه، وأبو بكر قام بترشيحه عمر بن الخطّاب، ثمّ قام أبو بكر بتسميّة عمر بن الخطّاب كخليفةٍ له. وعندما حانت ساعتُه قام عمر بتسميّة عددٍ قليل من الصحابة ككليّة انتخابيّة لاختيار من يخلفه، مع إعطاء ابنه صوتاً ترجيحياً إذا ما انقسم الفريقان. بعد أن انحصرت ترشيحاتهم بين عثمان، وعلي قامت هذه المجموعة بعمل أول استطلاع للرأي العام الإسلامي، إذ شرعوا في استبيان آراء المسلمين وبعض المسلمات بخصوص الرجلين. في تلك المرحلة لو أن أحدهم اقترح أن يأتي كل واحدٍ من المسلمين بحجر فيلقيه إمّا في وعاء كُتب عليه "عثمان" أو آخر كُتب عليه "علي"، لكانوا قد قبلوا به في أغلب الظن ولكانوا قد وضعوا لنا اللبنات الأولى لديموقراطيّة تشكّلت عبر الإسلام، ولكان ذلك قد أصبح من الشريعة الآن. وفي ظنّي لو أن الحكم في الإسلام لم يتحوّل إلى مُلكٍ عضوض، كما تنبّأ بذلك سيدنا محمد (ص)، لكان المسلمون قد طوّروا من ممارساتهم الديموقراطيّة التي بدأت بسيطة متمثّلة في ذلك الاستطلاع، صاعدين بها في مدارج التّركيب والتّعقيد والمؤسسيّة.
                  

02-11-2009, 02:21 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    ومن الأمثلة التي تشير إلى قدرة الدّيموقراطيّة لاحتمال أحكام الشّريعة الإسلاميّة التّجربة الفريدة التي ترفد لنا بها ديموقراطيّات أوربّا وتبنّيها لنظام المحلّفين Jury System في إجراءاتها القضائيّة، وهو نظام يقوم في أهمّ وجوهه على التّجربة الإسلاميّة الأندلسيّة واشتمال القضاء فيها على هيئة شوريّة، مُحلّفة، كان من واجبها تحديد ما إذا كان المتّهم مداناً أم لا (قارن تصويت صيغة النّسبة في كلمة "شُورِي" مع تصويت كلمة " jury ")، هذا مع صريح مجافاة هذه الدّول عامّةً لكلّ ما هو إسلامي. وقد ذهب العلاّمة عبد الله الطّيّب في محاضرة مشهودة له بقاعة الشّارقة بالخرطوم أوائل تسعينات القرن المنصرم إلى أنّ دلالة الكلمة ربّما اقتصرها الأوروبّيّون على معنى ونطق كلمة التّحليف في اللغة اللاتينيّة وكلمة "شورِي" ("يُستحلف" jurati ، أو الفعل الماضي التّام للفعل "يحلف" jurare )، عندما تبنّوا هذا النّظام، خاصّةً وأنّ الهيئة الشّوريّة في النّظام القضائي الأندلسي كانت تُستحلف أيضاً. وفي الحقيقة كانت هيئة المحلّفين بادئ ذي بدءٍ، عندما صدرت بشأنها المراسيم في عهد الملك الإنكليزي هنري الثّاني عام 1116م، تتكوّن من 100 شخصٍ، ربّما اتّساقاً مع ما تستلزمه الشّورى من اشتمالٍ على أكبر قدر من النّاس. وفيما بعد أخذ المفهوم بعده المقاضاتي على يد الملك جون في عام 1215م، وذلك عندما أرغم على قبول وثيقة الحرّيّات الكبرى Magna Carta .
                  

02-11-2009, 02:23 PM

عاطف عبدون
<aعاطف عبدون
تاريخ التسجيل: 02-27-2008
مجموع المشاركات: 3701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    وحتّى الشريعة في بعدها غير الجزائي المستند على الآيات (الحدود) ومجمل الأحكام الاجتماعيّة من زواج وميراث ما هي إلاّ مجموعة من الأحكام التي تواضع عليها علماء المسلمين فيما يحقق مصلحة المسلمين حسب ما توفّر لهم من فهم وإدراك لآي القرآن الكريم، وهو فهم محكوم بمعايير الزمان والمكان. وما جمود الشريعة إلاّ حالة عرضيّة ناجمة عن تقاعس المسلمين عن قيادة ركب الحضارة والبشريّة. فلو أنهم كانوا لا يزالون على قيادة الركب، لكانت قوانين حركة المرور وقوانين البحار وقوانين الفضاء ... إلخ، جزءاً من الشريعة. أمّا القوانين الحدّيّة فلا مناص من تأويلها وذلك من قبيل أن يعني قطعُ يد السارق قطعاً للعوامل المؤدّيّة للسرقة ... وهكذا. إن توجّهاً ذكيّاً وشجاعاً كهذا كان مما ينبغي أن يرفد به من تسنّموا قيادة الحركات الدينيّة في زمن النّظام الحالي في السودان، خاصّةً عندما عجزوا عن تطبيق هذه الحدود إلاّ ما كان منها تعزيراً كالجلد إذلالاً للشعب وترصّداً لأحرار المثقفين المناوئين لهم اغتيالاً لشخصياتهم، ولكن هيهات. فالتّاريخ لا يُصنع بالمخاتلة والمراوغة، بل بالصدق مع النّفس ومع الآخرين صدقاً مع الله. ولعمري هذا ما يسمّونه بالمصداقيّة، فأين هم منها؟

    نخلص من كلّ هذا إلى أنّ فرص المسلمين في تحديث دينهم لاستيعاب متغيّرات القرون كبيرة، وهي تحديث إن هم نجحوا فيه قمين بأن يجعلهم مرّة أخرى مؤهّلين لقيادة ركب البشريّة
                  

02-11-2009, 05:27 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حول العلمانيّة، الدّيمقراطية والإسلام ( د.محمّد جلال أحمد هاشم) (Re: عاطف عبدون)

    شكرا يا عاطف على ورقة الأستاذ محمد جلال هاشم، وقد تعودنا منه على سعة المعلومة ودقة الطرح.

    لم اتعرف على إنتاج الأستاذ محمد جلال الفكري إلا قريبا (ما لا يزيد عن العامين)، لكني أقول بثقة إنه اليوم في نظري من أبرز المفكرين السودانيين الأصلاء في الساحة (والمفكرون الأصلاء قلة عموما، والسودانيون منهم أقل).

    من الاطلاع العام على محتوى الورقة أعلاه، ومن النظر لنقاطها الأساسية، أرى تشابه ملامح كبير بين أطروحة الأستاذ محمد أعلاه وبين أطروحة الأستاذ عبدالله أحمد النعيم، وهذه الثانية صدرت في كتاب باللغة الانقليزية العام الماضي، بعنوان:
    Islam and the Secular State: Negotiating the Future of Shari’a
    كما صدرت في كتب مترجمة للغات أخرى في مجتمعات إسلامية حول العالم، وما زالت الترجمة جارية للغات أخرى، وكذا النسخة العربية منه قريبة الظهور (كما نأمل).

    يمكن الاطلاع على ملخص الكتاب من مطبعة جامعة هارفارد هنا:
    http://www.hup.harvard.edu/catalog/ANNISL.html

    وهنا الصفحة العربية للمشروع:
    http://sharia.law.emory.edu/node/14

    وهنا مقدمة الكتاب:
    http://sharia.law.emory.edu/system/files/u2/AR_Preface.pdf

    يقول النعيم في تقديمه للكتاب:
    Quote: يمكن إجمال ما أدعو إليه في هذا الكتاب كما يلي:

    -1 إن للشريعة الإسلامية مستقبل جوهري في المجتمعات الإسلامية لكنه ليس بمعنى تطبيق أحكامها كشريعة من خلال القانون والسياسة العامة التي تتطلب التسبيب والتأسيس الموضوعي الذي يمكن قبوله عند جميع المواطنين، المسلم منهم وغير المسلم وعلى تفاوت معتقداتهم الدينية والفلسفية. إذ يجب أن يكون أساس أعمال الدولة جميعها هي المواطنة الكاملة بلا أدنى تمييز على أساس الدين أو الجنس أو العنصر.

    -2 يمكن تضمين بعض قواعد الشريعة الإسلامية في التشريعات المدنية الحديثة على شرط أن يكون أساس القانون دائما صدوره من السلطة التشريعية للدولة وليس استنادا على القداسة الدينية للشريعة. فطالما كان أساس الحكم والإدارة العامة هو قبول عامة المواطنين للتشريعات والسياسات المقترحة، فسيكون من الممكن تغييرها إذا أراد عامة المواطنين ذلك، من غير أي شبهات أو اتهامات حول صحة عقائد الناس ولا حتى مجرد الإشارة لذلك.

    -3 ومع أن الشريعة لا تطبق بواسطة الدولة على أساس أنها شريعة، إلا أن استمرارية تأثير الشريعة على السياسة ودورها في تأسيس قيم المجتمع وتنشئة الأطفال ومسار العلاقات الاجتماعية، يقتضي تطوير فهم المسلمين لأحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بأمور السياسة والاجتماع في إطار المجتمعات المعاصرة. إلا أن هذا الكتاب لا يعالج هذا الجانب من الموضوع.

    -4 رغم مخالفة هذه الأطروحة للفهم الشائع عن علاقة الدين بالدولة (سواء بجمعهما كما يقول الإسلاميون أو إقصاء الدين عن الحياة العامة آما يقول دعاة المرجعية اللادينية) فإني أهتم كل الاهتمام بالتأسيس الإسلامي لهذه الأطروحة. كما أنى أرى أن العلمانية بالفهم الذي أقدمه في هذا الكتاب هي حقيقة ما كان عليه حال المسلمين منذ انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، وأن فكرة الدولة الدينية الإسلامية هي بدعة ظهرت في مرحلة ما بعد الاستعمار منذ أواسط القرن العشرين وعلى أساس الفهم الأوروبي للدولة والقانون.

    قصي همرور
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de