السلفيون العرب ومأساة غزة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 02:52 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-05-2009, 01:20 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السلفيون العرب ومأساة غزة



    علي عبدالعال



    تباينت وسائل التعبير عن غضبة أصحاب المنهج السلفي، مما يتعرض له المستضعفون من أهل غزة، ولعل مرجع هذا التباين إلى عدد من الأسباب، أهمها: الظروف السياسية التي تحكم الأوضاع في كل قطر عربي، وموقف السلفيين من المشاركة السياسية، والضوابط الشرعية الحاكمة التي يلتزمها السلفيون تجاه بعض وسائل التعبير.



    فقد لوحظ تنوع إن لم يكن تباينا واضحا بين ردود الفعل السلفية التي اختلفت من بلد عربي لآخر، مما عكس تعددا في المدارس السلفية بالعالم العربي، وربما تعدد داخل المدرسة الواحدة، لكنه تعدد ظل وقفا على الوسائل والآليات ولم يتخطها إلى بنية الخطاب السلفي.



    سلفيو مصر.. الخطابة في الصدارة



    ففي مصر، وبينما نظم الإخوان المسلمون مظاهرات حاشدة في معظم المدن تقريباً لم يتجاوز السلفيون وسائلهم المعروفة في الدعوة والتعبير عن مواقفهم كالمحاضرات والخطب في المساجد، فضلا عن المقالات التي كتبها كبار شيوخهم ونشرتها مواقع إلكترونية قريبة منهم، إلى جانب بعض المطويات والملصقات.



    وبأقلام عدد من شيوخ ورموز السلفية في مصر نشرت مجموعة من المقالات التي تناولت العدوان وما ينبغي تجاهه، وقد تنوعت بشكل لافت وجاءت جريئة في بعض الأحيان، ففي مقاله "الهجوم على غزة" هاجم الشيخ سعيد عبد العظيم المبررين للعدوان، معتبراً أنه: "لا يتعاون مع الكفرة الفجرة على إبادة المسلمين وحصارهم وإضعافهم إلا من كان على شاكلتهم ممن أسلم قياده لشياطين الإنس والجن، وباع دينه بدنيا غيره، وصار أداة طيـِّعة لأعداء الإسلام والمسلمين"، وهو ما قد يفهم على كونه ردا غير مباشر على من يتهمون السلفيين بالسكوت على مواقف الحكام وتوجهات الأنظمة السياسية المتخاذلة، بل والمناقضة لمقتضيات الأخوة الإسلامية.



    وخاطب الشيخ ياسر برهامي حكام العرب مباشرة بالقول: "اتقوا الله فيما في أيديكم من أمانات، واتقوا الله في أرواح المسلمين التي تُزهق كل ساعة جوعا ومرضا وحبسا وفقرا وضعفا.. اتقوا الله واصنعوا شيئا فبأيدكم إمكانات لو اجتمعتم وأحسنتم استغلالها لأثَّرتم في العالم". ففي مقاله "أحداث غزة وحقيقة الأعداء" يشير برهامي إلى أن أحداث حصار غزة فضحت "ما يسمونه "بالشرعية الدولية"، وشعارات "حقوق الإنسان"، و"الديمقراطية"، و"حرية الشعوب"، فضيحة لا تدع لعاقل شبهة في أن هذه الشعارات ليست إلا أصنام عجوة حين جاع الغرب الحاقد أكلها".



    ركز السلفيون كثيرا في كتاباتهم على كون الهجوم الإسرائيلي على غزة بدأ يوم السبت، "وهو اليوم الذي يمتنع اليهود عن العمل فيه"، بحسب الشيخ سعيد عبد العظيم، ولكن يبدو أن شهوة اليهود لدماء المسلمين "يُستباح لها كل اعتبار، وتتقدم في تحليل الحرام".وحول القضية ذاتها أفرد الشيخ عبد المنعم الشحات مقاله "غارات السبت من أصحاب السبت"، واعتبر فيها أن قصة أصحاب السبت تلخص السمات النفسية لليهود: التمرد على أمر الله، والحرص على الحياة، والتظاهر على المنكر، والاحتيال على أمر الله فضلا عن البَشَر؛ إذ "ظل اليهود كلهم أصحابا للسبت عبر العصور، يلزمون الدنيا بأسرها أن تغلق يوم السبت -لاسيما البنوك الربوية- بينما لا يتركون هم في دولتهم اللقيطة التنزه والتسوق"!.



    كما نظم الدعاة السلفيون عددا كبيرا من المحاضرات والخطب من أجل إيقاظ النفوس، تنوعت في عناوينها فشملت كافة أطراف وتفاصيل الأزمة: "آلام غزة"، "واجبنا تجاه غزة" لياسر برهامي، و"محرقة غزة وجهاد الدفع" لسعيد عبد العظيم، و"نصيحة وتحليل لما يحدث في غزة" لأحمد النقيب، و"حول الانقسام الفلسطيني" لسعيد عبد العظيم، و"غزة لن تنكسر" لأبي إسحاق الحويني، "بشائر وأمل" للشيخ سعيد الروبي، "غزة وطريق النصر" لأحمد فريد، وكلهم رموز سلفية مصرية معروفة تحظى بكثير من القبول لدى السلفيين والإسلاميين بشكل عام.كما كان الشيخ أبو إسحاق الحويني من بين 40 داعية إسلاميا مصريا أصدروا بيانا طالب بنصرة المقاومين، وفيه طالب الشعب المصري والعالم الإسلامي بالقيام بـ"واجبهم الشرعي الذي يفرضه الإسلام"، وهو الجهاد في سبيل الله، وتقديم العون المادي للشعب الفلسطيني، وإعلان المقاطعة الاقتصادية والسياسية والثقافية لإسرائيل ومن يساندها.



    وقد طرأ تحول لافت على الفضائيات السلفية، التي طالما كانت تكتفي بالجانب الوعظي، إذ تفاعلت قنوات "الناس" و"الرحمة" مع الحدث فبثت عددا من اللقطات المؤثرة من المأساة، وأذاعت عددا من الأناشيد الحماسية التي يدعو بعضها للجهاد، وزادت في عدد البرامج التي تتناول مأساة غزة بما فيها برامج الأطفال.



    وحيث يبدو أن الخطاب السلفي الذي يستحضر العداء الأزلي بين اليهود والمسلمين قد أثار انتباه، بل وانزعاج دوائر صهيونية، فاتهم معهد الشرق الأوسط للأبحاث (ميمري) المعني بمراقبة الإعلام العربي والإسلامي الداعية السلفي المصري محمد حسان وآخرين من بينهم صلاح سلطان وصفوت حجازي، بالتحريض على قتل اليهود وكراهية الولايات المتحدة، بعد أحاديث متلفزة، تناولوا فيها العدوان الإسرائيلي. وبث المعهد الأمريكي على موقعه على الإنترنت مقاطع فيديو لبرامج بثتها "الرحمة" و"الناس" ونصوصا مترجمة لأحاديث وحوارات مأخوذة من القناتين تتكلم عن الإرهاب اليهودي، وكراهية اليهود وعدائهم للإسلام.



    السلفيون السعوديون.. البيانات المشتركة



    وفي السعودية التي تفرض السلطات فيها حظراً على المظاهرات اختار السلفيون -إلى جانب الخطب والمحاضرات- إصدار البيانات الموقعة بأسماء عدد كبير من كبار دعاتهم وشيوخهم، وتحت عنوان "مجزرة غزة"، أصدر عدد من الدعاة والمفكرين السلفيين تجاوز عددهم 66 داعية ومفكراً بياناً اعتبروا أن ما يحدث بغزة "لا يجوز للمسلمين السكوت عنه وخذلان إخوانهم"، معتبرين أنه لا يكفي في النصرة مجرد الشجب والاستنكار، بل "لابد من أفعال تبرهن على صدق المناصرة؛ ومن ذلك: فتح الحكومة المصرية لمعبر رفح بصفة دائمة"، معتبرين أن إغلاقه سيكون من الخذلان وتحقيقا لأهداف العدو.



    وكان من بين الموقعين: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك، والشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، ود.عبد الله بن حمود التويجري، ود.عبد الله الدويش، وفيصل بن عبد الله الفوزان، ود.محمد بن سعيد القحطاني، وسليمان بن عبد الله الماجد، وهم جميعا قضاة ومفكرون ودعاة وأكاديميون ينتمون إلى التيار السلفي، إلى جانب انفتاحهم على المكونات الدعوية والفكرية الإسلامية الأخرى في المملكة، من إخوان ومستقلين.



    بجانب ذلك برزت أنشطة أخرى قام بها دعاة سلفيون وعلماء من ذوي الشهرة، أبرزهم الشيخ سلمان العودة -المشرف العام على مؤسسة "الإسلام اليوم"- الذي تنوعت الأنشطة التي تفاعل بها مع الأحداث، فإلى جانب البيانات شارك العودة في عدد من اللقاءات المتلفزة تناول عبرها القضية وواجب المسلمين تجاهها، فضلا عن مبادرته مع الشيخ يوسف القرضاوي من خلال "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" للقيام بجولة تشمل عددا من الدول العربية الرئيسة لوقف العدوان ورفع الحصار.



    وفي نداء توجه به إلى الرؤساء والملوك العرب وفي مقدمتهم العاهل السعودي والرئيس المصري، قال العودة: إنه لا يُعذر أحد في التخلي عن غزه والوقوف موقف المتفرج، موضحا أن فلسطين هي معركة المسلمين الفاصلة حتى قيام الساعة، ومؤكدا أن العالم العربي مشترك في الحصار من حيث يريد أو لا يريد؛ لأن مجرد التجاهل والصمت يعد مشاركة غير مباشرة.



    ومن بين أبرز الدعاة السلفيين السعوديين الذين عرفوا بتحركاتهم ونشاطهم من أجل نصرة أهل غزة، الشيخ الدكتور ناصر سليمان العمر -المشرف العام على موقع "المسلم"- الذي تميز بدفاعه عن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" كحركة جهادية تعمل من أجل تحرير أراضي المسلمين المغتصبة فضلا عن المقدسات الإسلامية، وفي محاضرة له بعنوان "غزة ألم وأمل" اعتبر العمر: "أن هؤلاء المجاهدين كانوا وما زالوا من أشد الناس انضباطا، وحرصا على ألا ينتقل الصراع ليكون مع دول الجوار، بخلاف شأن بعض المنظمات العلمانية، التي أساءت لفلسطين، بل باعوا قضيتها بأبخس الأثمان"، كما اتهم من يلاحق المقاومة ويمالئها العداء بالخيانة.



    سلفية الكويت.. مظاهرات وتحرك سياسي



    وكان السلفيون الكويتيون الأكثر تفرداً بين التيارات السلفية، فقد نظموا مظاهرات حاشدة نزلت الشارع تنديداً بالعدوان الإسرائيلي، وقد فاجأ النائب السلفي وليد الطبطبائي المتظاهرين برفع حذائه منتقداً رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في حين رفع عقاله احتراماً وتقديراً لدور رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية.وقال الطبطبائي : "إن أمريكا والأنظمة العربية الحاكمة وعلى رأسها سلطة عباس تتقاسم المسئولية عن العدوان الوحشي (...) وإن آلة القتل الإسرائيلية لم تكن لتقدم على ذلك لولا الضوء الأخضر" من هذه الجهات.



    وذهب النواب السلفيون في البرلمان الكويتي أبعد من ذلك حين تقدموا بمشروع قانون يحظر كل أشكال التعامل مع "العدو الصهيوني"، كما يحظر على جميع الجهات الحكومية والخاصة، والأفراد والأشخاص الطبيعيين والاعتباريين عقد أي اتفاقيات أو بروتوكولات أو لقاءات، أيا كانت طبيعتها مع الكيان الصهيوني.كما طالب الأمين السابق للحركة السلفية الشيخ حامد العلي بفتح مكتب سياسي لحركة المقاومة الإسلامية في الكويت على الفور ودون مقدمات، وجاء ذلك ضمن عدد من الأنشطة التي تتوافق مع الأوضاع السائدة في الكويت كبلد يحظى فيه السلفيون بوجود سياسي معترف به، وتمثيل كبير بالبرلمان ومشاركة في الفعاليات العامة، وهو وجود غير متحقق لدى السلفيين في معظم البلدان العربية والإسلامية تقريبا.



    سلفية الجزائر.. الدعوة للجهاد



    وبالاتجاه غربا، نجد صوتا أعلى للسلفيين الجزائريين جاء أشد لهجة حين طالب عدد من أقطابهم بفتح أبواب الجهاد أمام الجماهير المتعطشة لرد بيت المقدس والأقصى الشريف من أيدي العدوان الصهيوصليبي؛ حيث قال الشيخ عبد الفتاح زيراوي إنه: "لا يعقل أن يتفرج المسلمون في بقاع العالم وفي الجزائر، خصوصا على إخوانهم في غزة وهم يذبحون"، مؤكدا أن موقف علماء السلفية في العالم لا خلاف فيه، حول الدعوة إلى الجهاد، وإحياء هذه الفريضة ضد المحتلين الصهاينة، وإنه من الواجبات التي لا يختلف رأيهم في المشرق عن نظرائهم في الدول المغاربية.



    ولم ينس السلفيون الجزائريون أن يذكروا بالأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعانيها سكان القطاع في ظل العدوان والحصار المطبق؛ حيث قال الشيخ زيراوي: إنه "لا يعقل أن يأكل إخواننا في غزة لحوم البهائم وأعلافها، ونحن ننعم في بلاد الأمن".كما اعتبر الشيخ يحيى صاري -أحد كبار الدعاة في العاصمة- أن التنديد والشجب أصبح لا يأتي بجدواه، في الوقت الذي استباحت فيه إسرائيل الأعراض والدماء، مضيفا أن هذا العدو "لا يمكن أن يكون بيننا وبينه إلا ما أمرنا به الله، وهو القتال والدفاع عن الأنفس والأعراض المعصومة".



    وكان لافتا أن الشيخ صاري رفض الاقتصار في النصرة على النداءات الجماهيرية والخطابات الحماسية فقط، بل دعا إلى أن تكون تحت لواء عمل منظم.وبعد محاولته قيادة مظاهرة بنفسه عقب صلاة الجمعة انطلاقا من مسجد "الوفاء بالعهد"، والتوجه بها نحو السفارة الأمريكية في العاصمة الجزائر، اعتقلت أجهزة الأمن الشيخ علي بلحاج القيادي البارز في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، والذي ينظر إليه على اعتباره أحد رموز السلفية هناك.



    هل ثمة تطور؟



    يمكن القول إن قضية غزة وما يجري فيها قد فرضت نفسها بقوة على الحالة السلفية، فأخرجتها من الركن الذي دائما ما حصرت فيه خطابها واهتماماتها، فلم تغب المأساة عن الخطاب السلفي، ولا عن فاعلياته، بل اشتبكت قطاعات واسعة منهم مع القضية، برغم أنها ظلت زمنا تتحاشى الاقتراب من أمور السياسة، وقضايا الرأي العام.



    لكن وبالرغم من ذلك، بقيت بنية الخطاب السلفي تدور في الفلك العقائدي، فكل الكوارث والمآسي التي تعيشها الأمة سببها (البعد عن دين الله) أو (الفساد الخلقي)، ومن ثم فالحل هو العودة إلى الله؛ وهو ما لخصته مقالة الشيخ عبد المنعم الشحات، في هذا الشأن؛ حيث كتب يقول: "إذا كان اليهود يستأسدون اليوم على هذه الفئة المستضعفة من المسلمين، فلا أقل من أن نجتمع على اليهود بدعائنا عليهم، ودعائنا لإخواننا، وقنوتنا في صلواتنا، وعودتنا إلى ربنا، فبالطاعات يُستجلَب النصر، وتُستمطَر الرحمات". ولعل ذلك يعود إلى ما نشأت من أجله الدعوة السلفية ألا وهو تعبيد الناس لرب الناس، وصفاء العقيدة.



    إلا أن ذلك ربما حمل بعض منتقدي الخطاب السلفي إلى الزعم بأن الخطاب السلفي يخلو من الرؤية للتعامل مع الواقع وتعقيداته، فضلا عن السعي لبناء إستراتيجية لإصلاحه. وانسجاما مع هذا يمتنع التيار الغالب بين السلفيين عن المشاركة في الاحتجاجات والمظاهرات، كما يتجلى بوضوح في الحالة المصرية، ولعل الرد على ذلك يتضح من قول الشيخ ياسر برهامي: "إن هذه الوسائل (المظاهرات والاحتجاجات) يختلط فيها الحابل بالنابل، ويحرك الدهماء فيها من لا يرتضيه الإسلاميون (..) ويدخل فيها أهل الإفساد والغصب والسرقة، ويهتف فيها أهل الزندقة والنفاق بالشعارات المنكرة التي ينساق وراءها الناس، تحت ضغط العاطفة وسلطان الجماهير الحاشدة، التي لا تنضبط بضوابط الشرع".



    وإذا كانت المظاهرات والاحتجاجات وما فيها من "صراخ وهياج" ليست الحل الأمثل عند السلفيين، فإن الدعوة للجهاد ليست بالسهولة، على الرغم من التأكيد السلفي على أنه لا يمكن التفريط في الجهاد كفريضة، كما يوضح الشيخ سعيد عبد العظيم في محاضرته "حول اتهام السلفية بالسلبية تجاه أحداث غزة"، فالجهاد باق إلى يوم القيامة، لكن لا بد من الالتزام بضوابطه الشرعية -حسبما يقول الشيخ ياسر برهامي- والمطلوب ممن يسر الله لهم سبل الجهاد في سبيله أن يلتزموا بأحكام الشرع، وأن يلزموا غرز علماء الأمة المعتبرين، وأن يعلموا أن الجهاد إنما شرعه الله رحمة للعالمين من ظلمات الكفر والبغي، وليس وسيلة للعلو في الأرض والانتقام من الخلق.

    http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA...ic-Daawa%2FDWALayout
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    / علي عبدالعال
    صحفي مصري
    Ali Abdelaal
    Egyptian journalist
    .............
    تعقيب
    وماذا عن سلفيين السودان؟؟
    عايزين واحد يدينا تحليل علمي لرد فعل اسلاميين المؤتمر الوطني لاحداث غزة وتوظيفها لنشر الدخان امام ما ستقره المحكمة الجنائية الدولية لاحقا..
    الصحفي المصري ده ما شغال بالسودان على ما يبدوا رغم الضجيج المدوي الذى احدثه السودان فضائية الجزيرة
                  

01-06-2009, 01:23 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    مشكلة الشرق الاوسط
    محمود محمد طه


    محمود محمد طه
    رئيس الحزب الجمهورى

    يقدم


    مُشكلة الشََّرق الأوسط
    تحليل سياسي
    استقراء تاريخي
    حل علمي




    ام درمان – سودان
    اكتوبر 1967م – رجب 1387 هـ



    الإهداء

    إذا كنت مؤمنا باللّه، ثم بكرامة الإنسان – كرامة الفكر – فإن هذا الكتاب لك.. وإن لم تك مؤمنا فمن الخير لك أن تؤمن، بل لا بد لك من أن تؤمن وسيكون هذا الكتاب لك.

    بسم الله الرحمن الرحيم
    (ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)
    صدق الله العظيم


    مقدمة

    إنّ الهزيمة العسكرية التي منيت بها الجيوش العربية في صحراء سيناء في مستهل يونيو الماضى لهى هزيمة لا ضريب لها في تاريخ العرب القديم ولا الحديث .. وبحسبك منها أنّها هزيمة عرّضت العرب لزراية الأعداء، وإشفاق الأصدقاء، وأنت لا تجد بين قرنى زراية العدو وإشفاق الصديق موضع كرامة لنفس الكريم.
    ومع ذلك فان هذه الهزيمة ليست نهاية الدنيا.. انما هى نهاية عهد، وبداية عهد.. هى بداية عهد يدخل به العرب التاريخ الحديث كما دخل أوائلهم التاريخ القديم، وهو مدخل سيؤرخ تحولا في مجرى تطور الحياة البشرية على هذا الكوكب أكبر، بما لا يقاس، من ذلك التحول الذي صحب دخول أوائلهم التاريخ القديم، وذلك قبل ما يشارف الأربعة عشر قرنا من الزمان.
    أنّ العبرة البالغة التي انفرجت عنها أذيال الحرب العالمية الثانية تجد تعبيرها في الحقيقة الكبرى وهى أن القافلة البشرية، في كل صقع من أصقاع هذا الكوكب، قد أقتلعت خيامها، وأخذت في السير، وهى، في كل خطوة من خطوات هذا السير، تصنع التاريخ وتصنعه على هدى جديد، فبعد أن كان التاريخ يمليه في أغلب الأحيان على تلاميذه ومسجليه الملوك، والسلاطين، وقواد الجيوش، ودهاقن السياسة، وأرباب الثروة، وهم يتصرفون في مصير الانسان، أصبح يمليه عليهم الآن رجل الشارع العادى، المغمور، وهو يبحث عن كرامة الانسان حيث وجد الانسان.
    والعرب اليوم – شأنهم في ذلك شأن البشرية التي تعمر هذا الكوكب – يقفون في مفترق الطرق.. فهم اما أن يدخلوا التاريخ الجديد بفكر جديد، كما دخل أوائلهم التاريخ بفكر كان على عهدهم جديدا، أو أن يخرجوا من التاريخ، كما خرجت شعوب من قبل، طال عليها الأمد، ففقدت حيويتها، وعجزت عن المواءمة بينها وبين بيئتها.
    انّ الأخطاء العسكرية، والسياسية، والفكرية، التي اتسمت بها مواقف العرب في أعوام 1948، 1956، 1967، اذا اٌخذت في حد ذاتها، تشكل نذيرا خطيرا بسوء المنقلب، ولكنها، لحسن الحظ، لا يمكن أن تؤخذ بمعزل عن السلسلة التي هى حلقة فيها، وهى، في ذلك، حلقة لا تمثل داء الأمّة العربية، وانما تمثل أعراض ذلك الداء.
    وهذه الأخطاء البشعة، التي هى أقرب الى نزوات المراهقين منها الى أفكار الرجال الأسوياء هى التي تدلنا، أبلغ الدلالة، على ان العرب يواجهون اليوم تحدي التاريخ وانهم يقفون بذلك على مفترق الطرق، وليس هناك طويل وقت ليصرف في المحاولات التي لا تتسم بميسم الحذق، والذكاء. فأن علينا ان ندخل التاريخ منذ اليوم كما دخله أوائلنا، أو أن نخـرج من التاريخ، لبقية التاريخ.
    وأوائلنا! هل دخلوا التاريخ كعرب؟؟ كلا! وألف كلا!.. انما دخلوه بعد أن منّ الله عليهم فأصبحوا مسلمين.. وعلمهم الاسلام ما طامن من غلوائهم، ومن اعتزازهم بعنصرهم، فقال: ((الناس لآدم، وآدم من تراب، انّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم)) وقال: ((ليس لعربى فضل على عجمى الا بالتقوى)) وقال: ((يا أيها الناس انّا خلقناكم من ذكر وانثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل، لتعارفوا، انّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم، ان الله عليم خبير)).
    ها هنا أصل الداء! ان العرب يريدون أن يقيسوا قامتهم، كعرب، الى تحديات عصرهم الحاضر، وليس لقامتهم تلك، ههنا، غناء، فان تحديات العصر ارتفعت الى صراع الأفكار والمذاهب، وخلفت وراءها، بأمد بعيد، العنصريات..
    ليت شعرى! متى يخرج العرب من التيه الذي يضربون فيه الآن؟ متى يعلم العرب أنهم مسلمون، وأنّهم ورثة المصحف الشريف، وأنهم، من ثم، أصحاب رسالة كتب الله على نفسه ألا ينجى الانسانية بمفازتها الا بها؟
    انا زعيم بأنّ الهزيمة المنكرة التي تعرضنا لها أخيرا في ميداني الحرب والسياسة انما جاءت بصورة حادة لأن اللّه قد كلمنا بحوادث عام 1948 فلم نفهم، ثم كلمنا بحوادث 1956 فلم نفهم، وها قد كلمنا بحوادث 1967 بصورة بليغة، وفصيحة، واني لأرجو أن نفهم الآن عن ربنا فهما يغنينا عن اعادة كلامه علينا بهذا الاسلوب مرة رابعة.
    وما ينبغى أن نفهمه عن اللّه، من كلامه هذا هو أنّ العرب لن ينتصروا على عدوٍ الا اذا رجعوا اليه تعالى – اذا انتصر الناس بغير طريق الاسلام فان العرب لن ينتصروا بغير طريق الاسلام – ذلك بأنّ الدلائل تدلّ على أنّ موعود اللّه قد دنى، وأظلّ الناس أوانه... موعوده حيث يقول، تبارك من قائل، ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى باللّه شهيدا)). وفى وقتنا الحاضر فان الآية التي صدرنا بها هذا السفر تبحث عن ظهـورها، وهى تبحث عن ظهورها عند العرب أولاً، ريثما تبحث عن ظهورها على الأرض كلها، وتلك الآية هى قوله تعالى:
    ((ومن يبتـغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه، وهو، في الآخرة، من الخاسرين)) وقد ابتغى العرب غير الاسلام، والتمسوا النصر عند غير اللّه، فما نجعت حيلة، ولا أسعف صديق، فانقلبـوا في الآخـرة خاسرين، وقـد أنى لهـم أن يفهمـوا، وأن يتعظـوا، وأن يرجعـوا الى دينهـم، والى ربهـم.
    ان اللّه غيور على العرب في القرن العشرين، كما كان غيورا عليهم في القرن السابع، فهو قد حمّلهم رسالة الاسلام يومئذ فلقحوا بها المدنية الفارسية في الشرق، والمدنية الرومانية اليونانية في الغرب، وهو سيحمّلهم رسالة الاسلام اليوم ليلقحوا بها المدنية الشيوعية في الشرق، والمدنية الرأسمالية في الغرب.
    ان العرب سيدخلون التاريخ كما دخله أوائلهم، وبأفضل مما دخله أوائلهم، وهم في يومهم هذا كأمسهم ذاك، لن يدخلوا التاريخ كعرب، وانما سيدخلونه كمسلمين، يحملون رسالة الاسلام – رسالة السلام – الى عالم لا تتجسد حاجته في شئ كما تتجسد في ابتغاء السلام – وهذا العالم هو أيضا يقف اليوم في مفترق الطرق، وليس هناك طويل وقت ليصرف في المحاولات القواصر.. فان أمام الانسانية اليوم احدى اثنتين: اما أن تسلك الطريق الصاعد الى درجات السلام فتعيش عيشة الانسان، أو أن تسلك الطريق الهابط الى دركات الحرب فتعيش عيشة الحيوان، أم هل عساها أن لا تظفر حتى بعيشة الحيوان؟؟
    الهزيمة الأخيرة، رغم بشاعتها، هى هدية اللّه للعرب!! هى نعمة في ثوب نقمة!! سيجد العرب الآن أنفسهم مضطرين ليجلسوا، وليفكروا في أخطائهم الكثيرة، وسيحدثون توبة نصوحا، بها تتم، ان شاء اللّه، رجعتهم الى اللّه، ورضاهم به، وتقبلهم عنايته.. فانه رب ضارّة نافعة، ولو قد خيّر العرب لاختاروا أن ينتصروا على دولة اسرائيل، وأن يلقوا بها في البحر، ونحن نفضل لهم هذه الهزيمة، لان النصر، بالطريقة التي تروقهم، كان سيمد لهم في الضلال، ويباعد بينهم وبين رسالتهم، ويصرف نظرهم عن عدوهم الحق، فان دولة اسرائيل ليست عدوة العرب.. وانما العرب أعداء أنفسهم بما انصرفوا عن اللّه، وبما التمسوا العز والنصر – عند غير اللّه، وبما استطابوا من اضطجاع في مراقد الجهل والغفلة. ومن يدري فقد تكون دولة اسرائيل صديقا في ثياب عدو؟ قد تكون بمثابة الكرباج الذي يوقظ العرب من هذا الغطيط الثقيل الذي لبث أحقابا طوالا؟
    كما قلنا، فان هزائم العرب أمام دولة اسرائيل ليست الداء، وانما هى أعراض الداء.. هى كالألم يشكوه المريض.. فليس الألم هو المرض، وانما هو دلالة عليه.. وكما أنّ الطبيب الماهر لا يسكن الألم بتخدير المريض، الا اذا زاد عن طوق الاحتمال، وانما يسترشد به الى جذور الداء، ليطب له طبا شافيا وافيا، فكذلك نحن، لا نريد أن نخدر الألم، وانما نريد ان نسترشد به الى تشخيص أصل الداء الذي نهك جسم الأمّة العربية طوال هذه الحقب السوالف من تاريخها الطويل.
    ان كتابنا هذا لن يكون، اذن وصفة لدواء يخدر المرض، وانما سيكون، بعون اللّه وتوفيقه، وصفة لدواء يجتث المرض من جذوره. وعند اللّه نلتمس التسديد الى التي هى أقوم، في الفكر، والقول، والعمل.
    الفصل الاول


    صور الأشياء

    هناك ثلاثة أمور لا بد من استيقانها:-
    * أولها أنّ حكم الوقت يقضى على هذه البشرية، التي تعمر هذا الكوكب، في هذا العصـر، أن تتوحّد.
    * وثانيها أن هذه البشرية، لكى تتوحد، لا بد لها من السلام.
    * وثالثها انها، من أجل السلام، لا بدّ لها من المدنية التي تنشر حكم القانون العادل.

    * فأما الأول فلأنّ التقدم التكنولوجى في وسايل نقل الناس، والأشياء، والأخبار، قد ألغى الزمان والمكان، أو كاد، وقد توحد هذا الكوكب، وأصبح أى جزء من أجزائه على مدى ساعات، وتقل هذه الساعات كل يوم جديد. ووحدة هذا الكوكب المكانية تواجه البشرية اليوم ببيئة مكانية جديدة، وهذه المواجهة تشكل تحدّيا على مدى لم يسبق للبشرية أن عرفته في تاريخها الماضى، ذلك أنه مطلوب اليها ان توائم، مواءمة تامّة، بين حياتها وبين بيئتها هذه الجديدة، بأن تحدث وحدة تامّة، تنصهر فيها عناصرها المختلفة، وألوانها المختلفة، وعقائدها المختلفة، ولغاتها المختلفة أيضا، أو، ان عجزت عن ذلك، فقد مضت سنة الأوّلين بالأحياء الذين عجزوا عن أن يوائموا بين حياتهم وبين بيئتهم.
    ان العلم التجريبى الحاضر قد خدم البشرية عل هذا الكوكب خدمات لا تحصى، ولكن هناك خدمة لم نتفطّن، الى الآن، الى حقيقة عظمتها، وتلك هى أنّه باطلاقه للطاقة الذرية، بتفتيته للذرّة، قد لفت نظرنا الى أنّ البيئة التي عاش فيها الأحياء قبلنا، ونعيش فيها نحن اليوم، ليست في حقيقتها ماديّة، وانما هى روحية ذات مظهر مادّى.. بل أنّ المادة كما نعرفها ونألفها، ليست هناك، وانما هى وهم من أوهام الحواس، وعندما ردّها العلم الحديث الى أصولها الاولية أنقلبت الى طاقة تدفع وتجذب في الفضاء، والعلم الحديث قد عرف خصائص هذه الطاقة، ولكنه عجز عن معرفة كنهها، ووقف عند عتبة الكنه عاجزا لا يبدى، ولا يعيد، ولا يدّعى، لانه أحق من يفهـم أن ّ مقامـه عنـد هـذه العتبـة، وأنـه لا يستقيـم، مـع كرامـة نفسـه عنـده، أن يدّعى لها ما لا يكون أبـدا.
    البيئة التي نعيش فيها الآن، اذن، قد برهن العلم المادى التجريبى الحديث نفسه على أنها ليست مادية وانما المادة مظهر لشئ وراء المادة وهذا الشئ الذي وراء المادة يعبّر الاسلام، عن أدنى منازله من المادة، بالروح، أو ان شئت التعبير الحديث، قل بالفكر.. فالبيئة التي نعيش فيها فكرية، تجسدت فيها الأفكار، فاتخذت مظهرا نسميه نحن المادة. ومن ثمّ فالوحدة البشرية التي تطلب البيئة الجديدة الى الانسانية تحقيقها انما سبيلها الفكر.. فالناس يختلفون في اللون، وفى الاقليم، وفى اللغة، وفى العنصر، وفى العقيدة، ولكنّهم، كلهم، يلتقون في العقل. فان الانسان في أدنى مراتبه من منازل الحيوان، قد تميّز عنه بالعقل، وهو لا يدخل حظيرة الانسانية الا به – فيما عدا حالات العلّة الطارئة.. والقول المشهور بأنّ الانسان حيوان ناطق قول لا يروقني فان كل الحيوانات ناطقة، بل أنّ كل الأشياء ناطقة، والقول الذي يروقني حقا هو أنّ الانسان حيوان مفكر.. فليس هناك انسان لا يفكر – في الحالات السوّية – وان كان هناك اناس قليلو التفكير.. وآفة التفكير في شيئين: في قلته وفى التوائه..
    والانسان كحيوان مفكر هو أيضا حيوان كسول في ذلك، فهو لا يريد أن يفكر، وهو ان فكّر انما يجعل فكره خادما لهوى نفسه، ومن ثمّ يجئ التواء تفكيره.. وأندر شئ في الوجود التفكير المستقيم، ذلك بأنّ التفكير المستقيم لا يتبع هوى النفس وانما يحمل هوى النفس على اتباعه، وهو بذلك التزام يطلب مظهره في وحدة القول، ووحدة العمل، وتلك مسئولية لا ينهض بأعبائها غير الرجال، والناس، كل الناس، لا يريدون أن يكونوا رجالا، فهم قد طاب لهم التقلب في مهاد الطفولة، ولن يدرجوا منها الى مناشط الرجولة تحت حوافز أقلّ الحاحا من حوافز التحدي التي تواجههم بها هذه البيئة الكوكبية الجديدة.
    ومفترق الطرق الذي قلنا أنّ البشرية تقف عنده اليوم، انما هو مفترق طريقين، ان أردت الدقّة... هما طريقا الرجولة والطفولة، فان أصرّت البشرية الحاضرة على التشبث بطفولتها فان منطق البيئة الكوكبية الموحّدة الحاضرة سيلفظها، وسيجئ لفظه اياها في صورة انقراضها لتخلى مكانها لفصيلة جديدة تنهض بالتزامات البيئة الجديدة، وان شبت البشرية الحاضرة عن طفولتها، ودرجت في مدارج رجولتها، فانها تكون قد أصبحت فصيلة جديدة يهديها اللّه سبل السلام بسلامة قلوبها وصفاء عقولها – برجولتها.
    * وأما الثاني فان السلام مقدّمة للفكر ونتيجة.. فهو كمقدّمة انما يمليه الخوف من الحرب، وذلك أمر قد توفر الآن، وتوفر بما يكفى، والسلام في هذا المستوى ليس سلاما وانما هو ضرب من الحرب، كأنّ الناس فيه من خوف الحرب في حرب.. وهو مع ذلك، ضروري لنصل الى السلام السليم الذي يكون نتيجة للتفكير المستقيم.
    * واما الثالث فان القانون العادل لا يجئ الا عن التفكير المستقيم، وهو لا يطبق، ولا ينفذ، الا بالعمل وفق التفكير المستقيم، لا يجئ بالتمنّى، وانما يجئ نتيجة العيش وفق منهاج لم يتوفر على تقديمه، في أوجه، فكر، ولا فلسفة، ولا دين، كما توفر الاسلام.


    الوحدة

    وحكم الوقت الذي يقضى على البشرية أن تتوحد في يومنا هذا لا يحتاج ادراكه الى كبير ذكاء، بل أنّ البشرية قد شعرت به، وأخذت تستجيب له بعمل لا ينقصه الحماس، وان نقصته دقّة الادراك، وها قد بلغت البشرية اليوم مرحلة الثنائية، وهى أدنى منازل التعدد من مقام الوحدة، ومن غير أدنى شك ان القافلة البشرية في سيرها الطويل من التعدد الى الوحدة لم تنزل منزلة الثنائية هذه الا في هذه الايام التي تلت الحرب العالمية الثانية. فانه قد خرجت البشرية بعد هذه الحرب منقسمة الى كتلتين اثنتين: الكتلة الشرقية، وهى الدول الشيوعية بزعامة روسيا، والكتلة الغربية، وهى الدول الرأسمالية بزعامة أمريكا وقد برز أخيرا ما سمى بالعالم الثالث، أو دول الحياد الايجابى، ولدى النظرة الأولى قد يشكك الحديث عن العالم الثالث هذا في صحة انقسام العالم الى كتلتين اثنتين، كما سبق أن قررنا، ولكن، اذا دققنا النظر، يظهر لنا جليّا أن ليس هناك عالم ثالث، وليس هناك دول محايدة، بله أن تكون محايدة حيادا ايجابيا.. وما تسمى بدول الحياد الايجابى في طليعتها يوغسلافيا، والهند، ومصر، ونظرة بسيطة تريك أن يوغسلافيا دولة شيوعية صرفة، وأن الهند دولة رأسمالية، وأن مصر أخذت تسير أخيرا في ركب الشيوعية، وأن نظاما واحدا لا يمكن أن يضم هذه الدول، ويصمد للامتحان، حتى في حالة السلام، وأما في حالة الحرب فان دولة في عالم اليوم لا تستطيع أن تقف على الحياد، ثم يحترم الفريقان المتحاربان حيادها، الا اذا كان دخولها الحرب لا يخدم غرضا لا يهمهما، وما هكذا مصر، ولا أى دولة من دول الشرق الأوسط، مثلا.. هذا فيما يخص الحياد، وأما الحياد الايجابى فكيف يكون محايدا حيادا ايجابيا من لا يملك فكرة ايجابية تعصمه عن السير في ركاب الشيوعية كما تفعل يوغسلافيا، أو في ركاب الرأسمالية كما تفعل الهند أو عن الخط ذات الشمال وذات اليمين كما تفعل مصر؟ اذن فالتقرير العلمى الصحيح هو أن العالم قد برز بعد الحرب العالمية الثانية مقسوما الى كتلتين.. ليس هذا فحسب بل أنّ الكتلتين ظلتا على مدى النيف والعشرين سنة الماضية، ولا تزالان، كفرسى رهان، تحاول كل منها بسط نفوذها على العالم بأكمله، ونحن لا نحتاج، في أمر الشيوعية، الى كثير تذكير بهذه المحاولة، ذلك أنّ الشيوعية بطبيعتها دعوة الى ثورة عالمية، ترمى بكل الأساليب التي لديها، لتبسط نفوذها على العالم، وان كانت أساليبها المفضّلة هى الثورة والحرب.
    وأمّا الرأسمالية فهى صاحبة السيطرة الاستعمارية التقليدية المعروفة على العالم، وقد أصبحت سيطرتها تنازع كل يوم، بفضل اللّه، ثمّ بفضل يقظة الشعوب المستعمَرة، والشعوب الأخرى الصغيرة التي لا مطمع لها في استعمار أحد، ولا تحب أن ترى غيرها يستعمر الآخرين، وما من شك أن الصراع بين الكتلتين قد لعب دورا رئيسيا في هزيمة الاستعمار الرأسمالى، وفى اضطراره ليتوارى خلف صور مختلفة تقوم على الحيلة، والخدعة، أكثر مما تقوم على القوّة التي طالما لجأ اليها في الماضى. والناس كثيرا ما يتحدثون عن الاستعمار القديم، والاستعمار الجديد، وهم يعنون بالاستعمار القديم الاستعمار الغربى المباشر، الذي عرف قبل منازعة الشعوب له، وذلك في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ويعنون بالاستعمار الجديد الاستعمار الغربى أيضا، ولكن في الصور التي اضطرته مقاومة الشعوب له أن يتخفى وراءها. وفى الحق أنّ الاستعمار القديم لم يكن جامدا على صورة واحدة وانما كان متطورا وملتمسا للأساليب التي تغنيه عن الاعتماد على القوة دائما، وكل ما يمكن أن يقال هنا هو أنّ تطوره قد كان بطيئا فيما مضى لأنّ المعارضة له من الداخل قد كانت قليلة، وعندما اشتدت المعارضة اضطر هو للاسراع في التماس الثياب التي يستر بها عريه عن أعين الأذكياء من الناس. وقد ظنه بعض الناس، لفرط ما يغير من ثيابه، ويفتن في التغيير، استعمارا جديدا، وما هو بذاك.
    وغرض الاستعمار الغربى الاستغلال الاقتصادى، وقد ظهر قبيل ظهور الآلة، ولكنه قوى وانتشر، وتنظم مع ظهور الثورة الصناعية. ذلك بأنّ الصناعة بالآلة كانت تحتاج المادة الخام وتحتاج المجال لتسويق الادوات المصنوعة، وقد بدأ الاستعمار كعمل تجاري في أسواق مفتوحة، ثمّ الجأته المنافسة الى احتكار الأسواق، فدخل النفوذ السياسي بالحكم المباشر في الميدان، وكان لا بد من أجل بسط النفوذ السياسي من العمل العسكري.
    وهكـذا ظهر الاستعمار وأصبح حملة عسكرية لهزيمة المنافس أو لهزيمة الحكومات الوطنية، ثم حكما سياسيا مباشرا، غرضه تنظيم البلاد المستعمرة لتكون أرضها مزرعة للمادة الخام، وبشريتها سوقا مستهلكة للبضائع المصنوعة. ومع أنّ الاستعمار بدأ بالحملة المسلّحة الا أنّه لم يشأ أن يعتمد على السلاح في طول بقائه، فجنح الى الحيلة، وذلك ببث أفكاره، وتعاليمه، وثقافته، واسلوب حياته، وعاداته بين المستَعمرين، فكأنّه لم يكتف باستعمار الظاهر فأراد أن يزحف الى الباطن، لم يكتف باستعمار الأجساد بتسخيرها بالخوف، فأراد أن يستعمر العقول بتسخيرها بالثقافة، التي تجعل الناس مشدودين اليه، يتخذون حكامه، ومفكريه، أساتذة، ومثلا يحتذى.. وهو لم يكن يعلّم المستعمَرين الا بالقدر الذي يجعلهم مقدّرين لاستاذيته، ومفتونين بأساليب معيشته، ومتعاونين معه لاطالة مدته، ومن لطف اللّه على الناس أن جعل الذين يخرجون الاستعمار من بلادهم هم الذين تعلموا ثقافته، وأفكاره، ولكنهم لم يقفوا في تعلمها عند الحد الذي كان يريد لهم ألا يتعدوه.. ومع ذلك فان فكرة الاستعمار في التركيز على استعمار العقول لم تخطئ تماما، فهم في كل بلد قد خلقوا فريقا ممن قـد استعمروا عقولهم مقيمين على الولاء لسادتهم، وأساتذتهم الذين قد مكّنوا لهم من الخيرات مما جعلهم أجانب عن بني جلدتهم. فالاستعمار القديم يتلوّن ويتفاوت في تلوّنه بين الفتح العسكري والاستعمار الثقافى وبين الحكم السياسي المباشر والحكم عن طريق الحكومات الوطنيات يقوم عليها الذين كان قد استعمر عقولهم، ومن هؤلاء من بلغ استعمار العقول بهم مبلغا جعلهم يحاربون الاستعمار بأقوالهم، ويمكنون له باعمالهم، وهم لا يعلمون. وغرض الاستعمار الغربى من كل هذا التلون انما هو الاستغلال الاقتصادى.. ومع ذلك فان هناك استعمارا جديدا لم يتفطّن له الناس، لأنّهـم لم يعرفوه، ولم يألفوه، وانما هم مشغولون عنه بالاستعمار الغربى، الذي عرفوه وأصابهم منه من الشر ما شغلهم عن كل ما عداه، وما جعلهم لا يصرفون كلمة الاستعمار، حين يسمعونها، الا اليه.. هذا الاستعمار الجديد هو الاستعمار الشيوعى الذي يسعى جاهدا اليوم لبسط نفوذه على العالم.. وهو استعمار يسعى من الوهلة الاولى الى استعمار العقول بأفكار هى غاية في السوء، وغاية في الخطورة، وليس غرضه المباشر الاستغلال الاقتصادى، وانما غرضه المباشر النهى، والأمر، والسيطرة، والاستغلال الاقتصادى يجئ من بعد ذلك بالتبعية.. ويخطئ كثيرا من يظن أنّ المادة هى أقصى ما تطلب النفس البشرية.. ذلك بأنّ التذاذ النفس البشرية بالسلطة يفوق التذاذها بالثروة.. بل أنّ السعى وراء الثراء انما يحفذه ما يكفله الثراء للثري من نفوذ سياسي ومن جاه أدبى ولقد أصاب في هذا الباب الشاعر الذي قال:
    يقولون سعـدُ شكّت الجـن قلبه * ولكنّ سـعـدا لم يبـايع أبا بكرِ
    لقد صبرت عن لذة العيش أنفسُ * وما صبرتْ عن لذة النهى والأمرِ
    ومما لبس أمر الشيوعية على الناس، وأذهلهم عن خطرها تلبسها بالدعوة الى الاشتراكية، والاشتراكية حبيبة الى كل النفوس الحرّة، وما ينبغى أن يعرف بوضوح هو أنّ الشيوعية، ونعني بها هنا الماركسية اللينينية، ليست هى الاشتراكية، وانما هى مدرسة من مدارس الاشتراكية، لها حسناتها وعليها سيّئاتها، والأمر المحقق هو أنّ كارل ماركس لم يكن أوّل اشتراكى، ولن يكون آخر اشتراكى.. والماركسية اللينينية خطأها أكبر من صوابها، وهى اذا ما حللت الى عواملها الأوّلية يتضح أنّها دين ودولة.. فهى تحاول أن تقيـم دولتها، اقتصاديا، على الاشتراكية، وسياسيا، على الدكتاتورية، وان كانت يطيب لها أن تسمى الدكتاتورية، مغالطة، ديمقراطية، ولكن هذا لا ينطلى الا على البسطاء، وهؤلاء لحسن التوفيق، يقلون كل يوم.. وأما دينها فهو انكارها الأديان.. فانها قد اتخذت من انكار الأديان دينا، ومن انكار الالوهية الهاً.. و ماركس ولينين و استالين و ماوتسى تونغ ليسوا آلهة دينها، وانما هم أنبياؤها، ولكنها اولتهم من التقديس ما ألحقهم بالآلهة.. وهذه الردة الى الوثنيات الاوليات هى التي جعلت استعمار الشيوعية لعقول من يتورطون فيها أسوأ، بما لا يقاس، من استعمار الافكار الغربية لعقول من يتعرضون لها.. وليس ههنا مجال حديثنا عن الشيوعية فأن لنا موعدا بذلك صدوركتابناعن ((الاسلام ديمقراطى اشتراكى)) الذي هو الآن تحت الاعداد، وما يهمنا هنا هو التنبيه الى خطر الاستعمار الشيوعى وهو ما يجب ان نصرف له عبارة ((الاستعمار الجديد)) التي نطلقها خطأ اليوم على تلون ((الاستعمار القديم)).


    الثنائيـة

    قلنا ان القافلة البشرية قد نزلت منذ نيف وعشرين سنة بمنزلة الثنائية، وهو أمر لم يتفق لها من قبل في سيرها الطويل، وقلنا أنّ منزلة الثنائية هى أدنى منازل السير من مقام الوحدة، ولن تلبث البشرية طويلا في هذه المنزلة لأنّ تحديات البيئة الجديدة تحفزها حفزا الى مواصلة السير الى مقام الوحدة حيث يتم التناسق، والتواؤم، بين البيئة الموحَدة مكاناً، والانسانية الموحَدة فكرا، فيحل بذلك في الأرض السلام، كان ذلك بفضل اللّه، على الانسانية ضربة لازب ولقد أسلفنا القول الى أنّ منزلة الثنائية التي نزلت بها القافلة البشرية منذ نيف وعشرين سنة تمثل أحد معسكريها الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتى، وتمثل المعسكر الثاني الرأسمالية بقيادة أمريكا.. ويحلم كل من الاتحاد السوفيتى وأمريكا انه سيقود القافلة البشرية، الى مقام الوحدة، وهيهات!! ذلك بأنّ البشرية لن تحقق وحدتها الا عن طريق الفكر الحر، وليس للفكر الحر كبير كرامة في أى من المعسكرين، على تفاوت بينهما في ذلك.. ويحاول كل من المعسكرين الآن تحقيق حلمه في قيادة القافلة البشرية، ويحتدم الصراع بينهما في تلك المحاولة، والاسلوب المحبب للشيوعية في الصراع هو الثورة والعنف والاسلوب المحبب للرأسمالية هو الحرب.. الحرب في مقابلة الثورة وفى مقابلة العنف.. ولكن هناك اعتبارات جدّت في تجارب البشرية جعلت الحرب غير ذات موضوع، ذلك بأنه قد ظهر جليّا أنها لا تحل مشكلة، في عالم اليوم، وانما تعقد المشاكل. ودلّت تجربة بريطانيا أنّ من يكسب الحرب قد يخسر السلام فكأنه حارب لغير هدف.. هذا ولقد كانت الحرب العالمية الثانية بالأسلحة التقليدية، ولم تستعمل الأسلحة الحديثة الا في صورة القنبلة الذرّية التي أسقطت على هوريشيما فكانت بها نهاية الحرب على الفور، وذلك لما أحدثت من أضرار لا قبل للبشرية بمثلها، هذا مع أنّ هذه القنبلة، بالنسبة لما جدّ بعدها من أسلحة ذرّية وهايدروجينية كأنّها لعبة الاطفال.. مما وكّد في الأذهان أنّ الحرب اذا نشبت بالأسلحة الحديثة، فلن يكون فيها منهزم ومنتصر وانما سيتم بها تحطيم الحضارة الحاضرة تحطيما تاما، ومن يدرى، فقد يتم بها تحطيم الحياة البشرية على هذا الكوكب برمته؟؟ وأمر هام يضاف الى كل أولئك وهو أن هناك توازنا في القوى بين الكتلتين يجعل كل منها تخشى عواقب الحرب ضد الأخرى ويمكن القول، على التحقيق، بأن السلام الحاضر، غيـر الطبيعى، الذي تعيش في ظله البشرية اليوم انما يرجع الفضل فيه، بعد اللّه، الى توازن القوى بين الكتلتين..
    ولما كانت الشيوعية اليوم تعيش متنازعة بين خوفها من الحرب العالمية وبين ولائها لمذهبيتها في الثورة والعنف، فقد هدتها الحيلة الى أن تقسم برنامجها لغزو العالم واخضاعه الى مرحلتين.. فأما المرحلة الأولى فغرضها اخلال توازن القوى القائم بين الكتلتين اليوم، وترجيح كفتها هى على كفّة الرأسمالية الغربية، وسلاح هذه المرحلة المهارة الدبلوماسية باستعراض المذهبية بصورة جذّابة، وباستعراض التقدم العلمى، والفنى، والتكنولوجى، في ميدان اختراع الآلة، ووسائل الحرب، من الأسلحة الرهيبة الحديثة وسلاحها أيضا الدجل، والخداع، وتضليل الشعوب، واستغلال عواطفها نحو السلام، وخوفها من الحرب، وسلاحها الارجاف، وتشويه الحقائق، ورشوة الكتّاب، والعلماء، أو ارهابهم، وشراء الصحف، والسيطرة على المطابع وتبني التكتلات الاقليمية واطارة الشعارات البرّاقة، الجوفاء، المحبوكة، المسبوكة، التي تخدع السطحيين المتحذلقين، انصاف المثـقـفين، فيظنوا أنّهم حين يرددوا هذه العبارات في الكتابة وفى النقاش انما يدخلون في زمرة المثـقـفين المفكرين الأحرار، وهكذا يستعيضون عن التفكير السليم الحر الذي يعوزهم بالعبارات الجوفاء التي يأخذونها تلقينا ممن يظنونهم سادتهم، وأساتذتهم، ويظلون يرددونها في الصحف، وعلى حيطان المنازل، وفى الأحاديث، وفى شتّى المجالات حتى تشيع بين طبقات الشعب، وتعمل عملها في التضليل المنظّم. وأمّا المرحلة الثانية فغرضها انهاء المؤامرة الكبرى المدبرة لاغتيال حرية البشرية، وهى تبدأ حين يصبح، بفضل نجاح المرحلة الاولى، واضحا جليّا أنّ كفة الشيوعية قد رجحت بكفّة الرأسمالية بصورة تجعل المغامرة المسلّحة ضد الدول الغربية تنتهى بهزيمة الغرب، من غير أن تخرج منها الشيوعية الدولية محطمة تحطيماً يعجـزها عـن الإنتشاء بنتائج النصـر.
    فالمرحلة الاولى، وتسمى بالحرب الباردة، مقدمة للمرحلة الثانية وهى الحرب الساخنة، وما يقال عن أساليب الشيوعية في الحرب الباردة يقال قريب منه عن أساليب الرأسمالية فيها، وكل مشاكل العالم اليوم، في كل دولة من دوله، سواء كانت في داخليتها أو مع جيرانها، وسواء كانت هذه المشاكل دبلوماسية، أو سياسية، أو اقتصادية، أو حربية، فان مردها الى هذه الحرب الباردة، فانقسام ألمانيا، وانقسام برلين، وانقسام وحرب كوريا، وانقسام وحرب فيتنام، ومشاكل كوبا، ومشاكل الكنغو، والأخطار التي تهدد نيجريا، كلها وغيرها يمكنك أن تضعها عند عتبة دار هذه الحرب الباردة، وحين تدخل مصلحة دولة صغيرة في حلبة هذه الحرب الباردة، تهدر هذه المصلحة، ولا تعار أدنى اهتمام، وتصبح هذه الدولة الصغيرة كالنملة تحت أقدام الفيَلة المتصارعة، لا تبالى الفيَلة بمصيرها. وهذا يوجب على كل زعيم، يستحق لقبه، من زعماء الدول الصغيرة أن يسير مفتوح الذهن ليكسب لأمته مكانا تحت الشمس من غير أن يجرّها الى حلبة هذه الحرب المجنونة.. فاذا كان هذا الزعيم زعيما عربيا مسلما فقد وجب عليه، زيادة عمّا تقدّم، ان يرتفع بامته الى مستوى النزاع المذهبى ليشارك فيه بوصفه صاحب رسالة هى أوْلى بغد الانسانية على هذا الكوكب من الشيوعية، ومن الرأسمالية الغربية بآماد بعيدة. والمشاركة في النزاع المذهبى تلقى على الزعيم المسلم واجبين: أولهما الا ينضوى الى كتلة من الكتلتين المتنازعتين حتى لا يضيع وقته في صراع لا مستقبل له، وثانيهما ان يحافظ، بكل ما اُوتى من ذكاء، ونفوذ، على توازن القوى الحاضر، ولا يعمل أى عمل من شأنه أن يخل به، حتى ولو كان هذا العمل سيعود على بلده بكسب اقليمى.. فاذا توفر على هذين الواجبين، فأوفى بهما، فقد تفرغ لواجبه الأساسى.. وهو بعث الكتلة الثالثة بين الكتلتين، وهى كتلة تجمع في جهاز واحد بين الاشتراكية والديمقراطية، وذلك أمر لا تطيقه الشيوعية من جانبها، ولا الرأسمالية من جانبها الآخر، ثم هو أمر لا يتحقق السلام على هذا الكوكب الا به، لأن قانون العدل الموزون لا ينبني الا على المساواة الاقتصادية، والمساواة السياسية، فالمساواة الاجتماعية في آن معاً.. وأنت لا تظفر بابتغاء هذا العدل الموزون في غير الاسلام، وأما في الاسلام فان أدنى مراتبه العدل، وأوسطها التسامح، وأعلاها المحبة: ((ان اللّه يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى)) والقربى هنا تعني الرحم الموصول بآدم وحواء. ونحن لن نبحث، في سِفرنا هذا، مقدرة الاسلام على الجمع، في تشريعه، بين الاشتراكية والديمقراطية، في حين تعجز عن هذا الجمع الرأسمالية الغربية، والشيوعية الماركسية اللينينية، عجزا تاماً، وسنترك هذه الدراسة المستفيضة للسفر الذي هو الآن تحت الاعداد باسم ((الاسلام ديمقراطى اشتراكى)).
    وثنائية الكتلة الشرقية والكتلة الغربية لم تظهر بعد نهاية الحرب مباشرة، وبكل قسماتها، وذلك أمر بديهى، لأن الاتحاد السوفيتى، أثناء الحرب ضـد المحور، قـد كان حليفا للدول الغربية، ومع أنّ طبيعة الانقسام موجودة الا أنّ ظهورها العملى اقتضى بعض الوقت، وبعض العوامل. فمن ذلك مثلا أنّ الحلفاء كانوا قد أقدموا على احتلال ايران بصورة مؤقتة لضمان وصول الامدادات الى الروس، وعندما انتهت الحرب تباطأت القوات الروسية في الجلاء عن المناطق الايرانية التي تحتلها، فلم يرق هذا التباطؤ الدول الغربية حيث أنّ ايران ((تشغل مركزا هاما في الاقتصاديات والاستراتيجية البريطانية)) وذلك لقربها من العراق، والقسم الخاضع لبريطانيا من ساحل الخليج، حيث منشآت الشركة البريطانية، ومنابع البترول. فمارس الغرب بعض الضغط على الروس لينسحبوا من ايران، ولكنهم لم يفعلوا الا بعد أن اضطرت ايران الى عقد اتفاق تجاري معهم بشأن استنباط البترول في المناطق الشمالية.
    ثم تداعت سلسلة من حوادث المواجهة بين الاتحاد السوفيتى والدول الغربية يحفزها احتمال نشوب حرب جديدة بين الشيوعية والرأسمالية، وقد أوضح الأمريكيون هذه المواجهة بقولهم ((لقد وقفت قوة كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وجها لوجه في الشرق الأوسط ولهذا الالتقاء مغزاه بالنسبة لصراع المصالح بين الدولتين والذي يمتد، بدرجات متفاوتة، خلال العالم، ونتيجة لهـذا لا يمكن فصل الأمن في الشرق الأوسط عـن مشكلة الأمن العالمية التي تواجه الولايات المتحدة، ولكنه عنصر هام في تلك المشكلة))
    وعدم بروز الانقسام بين الكتلتين في وقت مبكر يفسر لنا، مع عوامل أخرى، وقوف الاتحاد السوفيتى مع الولايات المتحدة صفا واحدا في جميع المراحل التي عارضها العرب في قضية فلسطين في الامم المتحدة، والتي بدأت منذ أبريل من عام 1947، ومن ذلك مشروع التقسيم، وفى هذا يحدثنا الاستاذ خيري حمّاد، مؤلف ((قضايانا في الامم المتحدة)) فيقول في صفحة 156 ((وتعاقب المتكلمون في الجلسات التي استمرت عدة أيام. وكان من أوّلهم الممثل الأمريكى الذي تباكى على حالة اليهود وما يعانونه من اضطهاد، ومنّ على العرب بما لهم من دول مستقلة أصبحت أعضاء في الامم المتحدة، وقال ان حكومته تؤيد مشروع الأكثرية، وان كانت تطالب ببعض التعديلات عليه لصالح العرب ليكون أكثر واقعية. وتحدث المندوب السوفياتى، ولأول مرّة يتفق والمندوب الأمريكى على اتجاه واحد، فعرض ما عاناه اليهود من آلام على أيدى النازية، وأشار الى استحالة الاتفاق والتفاهم بين العرب واليهود، وانتهى الى القول بأنّ حكومته تؤيد مشروع الأكثرية.
    ((وتعاقب الوفود على الكلام. وبان ضعف العرب في المنطقة الدولية لا بالنسبة الى حقهم، فقد كان هذا الحق صارخا في وضوحه، وانما بالنسبة الى نفوذهم، أمام النفوذ الأمريكى والسوفياتى مجتمعين، لا سيما وأنّ أمريكا قد أعلنت جهارا أنها ستكافح وتناضل لاقرار التقسيم واقامة الدولة اليهودية، مما دفع ظفر اللّه خان مندوب الباكستان الى الوقوف ليحذر أمريكا من هذا الموقف الذي سيقضى على كل ما لها من صداقات بين العرب والمسلمين. وتحدث المندوبون العرب فناشدوا الضمير العالمى العدل والحق وأن يرعوى عن ارتكاب أبشع جريمة في حق الأوطان والحقوق الانسانية، وأن لا يسير في ركاب الصهيونية التي تريد تسخيره لخدمة أغراضها، ولكنهم لم يشددوا في هجومهم على الاستعمار نفسه الذي كان أساس القضية وخالقها، بل حصروا نطاق هجومهم في الصهيونية)).
    كان ذلك في سبتمبر من عام 1947 وهو، كما هو واضح، تاريخ مبكر بالنسبة لفترة ما بعد الحرب التي أنتهت في أواخر عام 1945، ولذلك لم تظهر القسمة بين الكتلتين بصورة واضحة، كما أصبحت فيما بعـد، وقـد يظن انسان أنّ قضية العرب في فلسطين، في الأمم المتحدة، أصبحت أقوى حيـن وقفت الى جانبها روسيا، بعـد أن كانت تقف فيها الى جانب اسرائيل، في فجر تاريخها، ومثل هذا القول من أصدق الدلائل على سطحية التفكير عند من لا يستطيعون الوصول الى جذور المشاكل العالمية.. فان مفتاح معالم السياسة الدولية، في وقتنا الحاضر، كله في هذا الصراع بين الكتلتين، وكل سياسي تغيب عنه هذه الحقيقة لا تجئ أفكاره السياسية الا فجّة، ضحلة، متهالكة..
    الفصل الثاني


    قضية فلسطين

    أما قضية فلسطين فاننا سنعالجها في فصل لاحق، ولكننا نحب أن نقول هنا انها، في اطارها العام، كانت موضع التقاء سياسة الدول الكبرى، كما ظهر ذلك في الفصل الأول، وقد كانت المواجهة الاولى بين العرب واليهود، وذلك في 15 مايو 1948، على هذا الاساس، ثم استمرت المواجهة الى أن فرضت الهدنة بين الفريقين، وذلك في منتصف عام 1949، والأمر على ما هو عليه.. ثم حدث شئ هام، في تاريخ الدول العربية المعاصرة، أخرج قضية فلسطين، من هذا الاطار، الى وضع جديد، ذلك الشئ الهام هو تأميم قناة السويس عام 1956.


    تأميم قناة السويس

    أول ما تجب الاشارة اليه أننا لسنا ضد التأميم، اذا اتخذ وسائله الصحائح، ولكننا ضده اذا جاء عن طريق خاطئ، ولقد سبق لنا أن قررنا انه، في يومنا هذا الذي نعيش فيه، يجب على كل زعيم ماهر، من زعماء الدول الصغيرة، أن يكسب لاُمته مكانا ً تحت الشمس، وهو مفتوح العينين الى دقائق الحرب الباردة، حتى لا يزج بأمته في حلبتها وهو لا يشعر.. وهذه المهارة المطلوبة لم يوفق اليها السيد جمال عبد الناصر حين أقدم على تأميم قناة السويس بصورة فيها من التحدي للغرب ما لا يقوى عليه من الدول الصغيرة الا دولة تأوى الى ركن شديد.. وقد كان السيد جمـال عبد الناصر ياوى الى روسيا، ينتظـر منها الحماية، والمساندة.. وقد كان الغرب يدرك ذلك.. ويدرك أمراً آخر، لعله لم يخطر للسيد جمال على بال.. وهـو أن نفوذ الاتحاد السوفيتى سيحل محل نفوذه هـو، في المنطقة العربية، التي أخذ جمال عبد الناصر يجليه عنها، في عداوة وقطيعة.. ان أسوأ ما يمكن أن يقال عن القوانين الوضعية هو أنّها انما سنّها القوى ليحفظ بها حقه، وفرض، بالقوّة، رعايتها على الضعيف.. ومع هذا، ورغم هذا، فان كل القوانين أفضل من قانون الغابة. فليس للضعيف مصلحة في قانون الغابة على الاطلاق وقد يكون له في كثير من القوانين الناقصة، المعيبة، مصالح جليلة، ولذلك فانّ تحدي القوانين الجائرة، باللجوء الى القوة، من جانب الضعيف، الذي لا ينهض بقضيته، فيه، من قصر النظر، ما يوجب أشدّ التعنيف ذلك بأنه يعطي القوى الفرصة لينقل التقاضى من ساحة المحكمة الى ساحة الحرب، وهو عمل فيه نكسة من مقام الانسانية الى مقام الحيوانية، وانما يقع وزره، وغرمه، في آنٍ معا، على الضعيف أكثر مما يقع على القوى.
    ولنفرض أنّ قانون شركة قناة السويس كان من هذا النوع المعيب من القوانين فان التزام مصر بالوفاء به، وهى في تلك الحالة من الضعف أمام الدول الغربية، كان لمصلحة مصر بصورة لا يحتاج ادراكها الى كبير ذكاء. لا سيما وأن مدة امتياز الشركة قد اوشكت على النهاية.. فانه مما هو معلوم ان شركة قد تأسست باسم ((الشركة العالمية لقناة السويس البحرية)) بموجب فرمان الامتياز المؤرخ 30 نوفمبر 1854، ثم تايّد هذا الفرمان بعقد الامتياز المؤرّخ في 5 يناير 1856 وكلاهما من والى مصر، يومئذٍ، محمد سعيد باشا، وقد نصّ في الفرمان الأول، ((مادة 3)) على ما يلى:-
    ((مدة الامتياز تسع وتسعون سنة تبتدئ من التاريخ الذي تفتتح فيه قناة البحرين)).
    وفى ((المادة 10)) ورد الآتى:-
    ((عند انتهاء الامتياز تحل الحكومة المصرية محل الشركة.. وتنتفع بكافة حقوقها دون تحفّظ، وتستولى على قناة البحرين وجميع المنشآت التابعة لها، ويحدد مقدار التعويض الذي يمنح الى الشركة مقابل تنازلها عن المهمات والأشياء المنقولة باتفاق ودّى، أو بطريق التحكيم)).
    وقد تم الافتتاح على يد اسماعيل باشا في اكتوبر من عام 1869، فتكون، على ذلك، نهاية مدة الامتياز اكتوبر عام 1968، تعود بعدها ملكيتها لمصر، بصورة قانونية، وتلقائية، ولا يبقى على مصر، بعد ذلك، الا مراعاة حرية الملاحة، وذلك وفق النظام الذي قررته معاهدة قناة السويس في عام 1888 ((معاهدة القسطنطينية)) وذلك أمر لم تجد فيه مصر مشقّة، وهى، على كل حال، قد التزمت به للامم المتحدة في تصريح لها في شهر مايو عام 1957، وذلك حين وعدت ((أن تسمح بحرية الملاحة، وأن تكفلها لجميع الدول دائما ودون توقف، في حدود المبادئ التي نصّت عليها معاهدة القسطنطينية، ووفق شروطها)).
    لقد كان، اذن، من الميسور على السيد جمال عبد الناصر، من غير ابداء الشعور بالمرارة، ومن غير تحد، ولا خصومة، ان يدعو شركة قناة السويس الى الدخول في مفاوضة بغرض تاميم قناة السويس، على أساس تعويض الشركة، عن المدة المتبقية لها من الامتياز. أو ان تعذّر الاتفاق على ذلك، وهو أغلب الظن سيتعذّر، لقد كان الانتظار الى نهاية مدة الامتياز، تهاية عام 1968، أفضل، وأعود بالخير على مصر، وعلى الدول العربية، من تأميم يدخلها جميعها في حلبة الحرب الباردة.


    العدوان الثلاثي الأول

    ذلك بان كل ما لقى العرب، وما يلقون، الى اليوم، انما مردّه الى أنهم قد أصبحوا، من جرّاء قصر النظر في تأميم قناة السويس، غرضا من أغراض الحرب الباردة بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية. ولقد خرجت قضية فلسطين من أطارها القديم الذي كانت عليه أعوام 1947، 1948، 1949 حيث كانت روسيا تقف مع أمريكا في صف واحد ضد العرب، الى وضع جديد، أصبحت فيه تحتل زاوية صغيرة من مسرح الحوادث. بل لقد أصبحت دولة اسرائيل والدول العربية مخالب قطط لخدمة أغراض الكبار، فاسرائيل تستغلها الدول الغربية لخدمة أغراضها في المنطقة، والدول العربية يستغلها الاتحاد السوفيتى في خدمة أغراضه في المنطقة. مع اختلاف بينهما في ذلك، حيث أنّ مصالح دولة اسرائيل مخدومة اثناء استغلال الغرب اياها في خدمة أغراضه في منطقة الشرق الاوسط، بينما مصالح العرب مهدرة، بل أنّ ضررا قد جلب، أثناء استغلال الشرق اياهم في خدمة أغراضه في منطقة الشرق الاوسط.
    والسبب في هذا الاختلاف ذكاء الاسرائيليين وغفلة العرب. فان الاسرائليين قد أدركوا أن ليس هناك صداقة بين الدول، وانما هناك مصالح مشتركة، اذا التقت عبر عنها بالصداقة، وأدرك معناها الاذكياء، ولذلك، فعندما التقت مصالح الغرب بمصالح اسرائيل في المنطقة، أصبح النفع متبادلا، وأصبحت اسرائيل تستغل الدول الغربية، كما تستغلها الدول الغربية،.. ولكن العرب لفرط غفلتهم، وسذاجتهم السياسية، ظنوا أن ليس للاتحاد السوفيتى أغراض في منطقة الشرق الاوسط، وانما هى الصداقة، والنخوة، والمروءة.. ولذلك فقد استغلوا أشنع استغلال، وهم في غفلتهم وسذاجتهم، يتغنون بصداقة الاتحاد السوفيتى البريئة من كل غرض، والصحيحة من كل مرض. ولو قد كان للعرب حظ من البصر بخفايا الأمور لاختلف حالهم، من جميع الوجوه، عمّا هو عليه اليوم.
    ومهما يكن من الأمر فأن تأميم قناة السويس بالصورة التي جرى بها قد وجه لطمة مهينة الى كبرياء الغرب، والى هيبته، والى مصالحه ولما كان قد بدا له ان كل اولئك تخف به كفته هو، وتثقل به كفة خصمه في صراع توازن القوى، في حلبة الحرب الباردة، فانه قد فقد صوابه، وأقدم على حبك مؤامرة العدوان الثلاثي الاول.
    ((يعاقبوننا (الامريكان والانجليز) بقطع ال 70 مليون دولار على خمس سنوات، يعاقبوننا بتعطيل رفع مستوانا، ويقولون في جرائدهم ان الشعب المصري يعرف أنّ جمال عبد الناصر ضده ولا يعرفون أنني أرفض لأنّ الشعب المصري لا يوافق على طلباتهم)). هكذا افتتح السيد جمال عبد الناصر خطابه الذي ألقاه في مؤتمر الاسكندرية الشعبى في مساء يوم 26 يوليو من عام 1956، ثم استطرد في ذلك الى ان قال ((هذه القناة ملك لمصر فهى شركة مساهمة مصرية، حفرت بواسطة المصريين، 120 ألف مصري ماتوا أثاء حفرها. هذه الشركة التي مقرها باريس مغتصبة مثل دلسبس ومثل بلاك عندما جاء. سنبني السد العالى وسنحصل على حقوقنا، سنبنيه كما نريد، وسنصمم على هذا، 35 مليون جنيه كل عام تأخذها شركة القناة، فلنأخذها نحن)) وبلاك هذا الذي ورد ذكره في الفقرة الماضية قد كان مدير البنك الدولى وقد تحدث عنه السيد جمال عبد الناصر في خطابه الآنف الذكر على النحو الآتى:-
    ((ولمّا قررنا تأجيل مشروع السد العالى تكلموا هم وطلبوا التنفيذ لما وصل بلاك مدير البنك وقال اننا بنك دولى وليس بنكا سياسيا وليس لى دعوة بأمريكا ولا أقول الا الرأى الذي أؤمن به، فقلت له ان مجلس الادارة يتكون من الدول فهو على هذا الاساس بنك سياسي. وكنت أنظر الى مستر بلاك وأتصور ان الذي يجلس أمامى فرديناند دلسبس. عادت بى الذاكرة الى الكلام الذي كنا نقرأه عام 1854 عندما وصل الى مصر وذهب الى الخديوى وقال له نريد حفر قناة السويس الذي سيفيدك، وهو مشروع ضخم سيعيد لمصر الكثير. وكان كل بلاك ما يقعد يتكلم أحس بالعقد في كلامه ويعود بى التفكير الى دلسبس. وقلت له أننا لا نريد ان نعيد كرومر آخر الى مصر فأرجوك في كلامك معى ان تضع هذا الاعتبار في نفسك، لدينا عقدة من كرومر ومن دلسبس)) وبعد خطاب السيد جمال عبد الناصر هذا أخذ كبار الكتّاب والمتخصصين يجلون للناس الجوانب المختلفة لقضية التأميم وقد قال الدكتور مصطفى الحنفاوى في ذلك كلمة تحت عنوان ((سلام العالم في تأميم الشركة المنحلّة)) نقتطف منها مقدمتها، قال ((يحدثنا التاريخ دائما عن أخلد أيامه وأعظم رجاله، ويقص علينا سير الشعوب الجديرة بالحياة والمجد. وتظل جلائل الأعمال ناطقة بفضل أصحابها حتى تشهد لهم يوم الحساب.
    ((وفى تاريخ العالم الحديث نقطة تحوّل كبرى مكتوبة في جبين الدهر بأحرف من ذهب وكلمات من نور، في هذا السجل الخالد كلمات مدوّية:
    ((مصر الثورة – مصر الجمهورية – جمال عبد الناصر – 26 يوليو 1956. ولقد طوى الرئيس بقراره التاريخى صفحات سوداء سلخت من حياة العالم سبعة قرون وسبعة أعوام.
    ((فى سنة 1249 ميلادية، كتب الغرب اول وثيقة سياسية في تاريخ قناة السويس، اثر هزيمته في الحرب الصليبية، وهى وثيقة تنطق بأن المشروع حينما نبت في العقلية الغربية، لم يستهدف عمارة الأرض أو سعادة بني الانسان، فصاحب تلك الوثيقة يقول في تعصب جنوني ان السبيل الوحيد للقضاء على دولة المسلمين، وطاب له ان يسميهم الكفار، وهو قيام دولة اوربية باحتلال مصر: على ان تتكتل اوروبا كلها وراء المحتل الذي يشق قناة ببرزخ السويس تصير ملكا مشتركا للعالم المسيحى ويبدد به شمل المسلمين)) هذا بعض ما قاله الدكتور مصطفى الحنفاوى، وقال غيره كثير من كبار الكتاب، ورجال الاختصاص مما نشرته وزارة الارشاد القومى في كتيب خاص باسم ((أضواء على قناة السويس)). ففى مثل هذا الجو النفسى والفكري (ان صح أنّ فيه فكرا) تمت مباشرة تأميم قناة السويس.. وذلك جو اتسم بالمرض، لا بالصحة النفسية.. ((العقد النفسية)) تعطى تعبيرا صحيحا عن ذلك الجو، وقد عبّر عنها السيد جمال عبد الناصر في خطابه الذي سلفت الاشارة اليه، وذلك حين قال ((وكان كل بلاك ما يقعد يتكلم أحس بالعقد في كلامه، ويعود بى التفكير الى دلسبس وقلت له أننا لا نريد ان نعيد كرومر آخر الى مصر، فأرجوك في كلامك معى ان تضع هذا الاعتبار في نفسك، لدينا عقدة من كرومر ومن دلسبس)) والرجال الكبار لا يفكرون بالعقد النفسية، وانما يحاولون التخلص من العقد النفسية ليصفو لهم الفكر، لئلا تضار مصالح أقوامهم، وأى خير يمكن ان ينتظر من تصرف زعيم معقد نفسيا؟
    ومهما يكن من الامر فان هذه المواجهة المريضة قد بعثت تصرفا مريضا، اذ ازداد التوتر بين بريطانيا وفرنسا من جهة، ومصر من جهة أخرى، فبيتتا أمرا، وأعلنتا غيره، حين رفعتا المشكلة الى مجلس الأمن، باعتبارهما من حملة الاسهم الرئيسيين، وكان ذلك في شهر سبتمبر، وقد طلبتا اليه ان يبحث ((الموقف الذي خلقته الحكومة المصرية، نتيجة تصرفها من جانبها هى وحدها، تصرفاً أدى الى أنهاء نظام العمل الدولى لقناة السويس، وهو النظام الذي أكدته معاهدة قناة السويس في عام 1888 (معاهدة القسطنطينية).)) وانما وضعتا القضية بهذه الصورة لتبررا العدوان المبيت باعتباره دفاعا عن حق دولى استباحته الحكومة المصرية، ولتجدا ذريعة لدولة اسرائيل للتدخل، لأنّ مصر، بما تعتبر نفسها في حالة حرب معها، وهو اعتبار لا يجد عندهم ما يبرره، ستمنعها حق المرور بالقناة، ومن غير أدنى ريب، فان الدولتين قد اوعزتا، من هذا المنطلق، الى دولة اسرائيل ان تبدأ العمل المسلح ضد مصر. وكذلك عبرت القوات الاسرائيلية الحدود المصرية في طريقها الى شبه جزيرة سيناء، وسارت في اتجاه قناة السويس وذلك في يوم 29 اكتوبر من عام 1956، وفى اليوم التالى أخطرت بريطانيا وفرنسا مجلس الأمن بأنهما قد ناشدتا مصر واسرائيل ايقاف العدوان في سيناء، كما طلبتا من مصر السماح للقوات البريطانية والفرنسية باحتلال المواقع الرئيسية في منطقة السويس، وقد صرحتا أن هدفهما من ذلك هو، ((فصل الجيوش المتحاربة بعضها من بعض، وضمان حرية العبور في قناة السويس)) كما أنذرتا بأنه في حالة عدم الاستجابة لمطلبهما فانهما على استعداد للتدخل.
    ولما كانت الدولتان الاوربيتان لم تقدما على هذه الاجراءات في مجلس الأمن الا من قبيل ذرّ الرماد في العيون، لتغطية العدوان المبيت فقط، فانهما قد عارضتا كل اتجاه الى حلول تنبع من داخل المجلس، حتى أنهما قد عارضتا، وأسقطتا، قرارا تقدمت به أمريكا الى مجلس الأمن يطالب بجلاء القوات الاسرائيلية عن الأراضى المصرية فورا، ومعارضتهما انما تعني استعمال حق((الفيـتو)). وكان من ضمن قرار أمريكا، هذا الذي اُسقط، الا تتدخل أية دولة أخرى، أو تسهم، في تلك العمليات الحربية التي شرعت فيها دولة اسرائيل ضد مصر، لئلا تزداد وتنتشر، وبالطبع فان في مثل هذا القرار، لو اُتخذ من جانب مجلس الأمن، قضاء على مؤامرة العدوان المبيتة، ومن أجل ذلك استعمل حق ((الفيتـو)) في اسقاطه. ولقد اقترحت في مجلس الامن، في تلك الايام، اجراءات أخرى كانت تجد المعارضة من الدولتين، مما اضطر معه مجلس الامن، ان يطلب عقد دورة استثنائية للجمعية العامة لبحث هذه المشكلة. ولقد عارضت بريطانيا وفرنسا دعوة الجمعية العامة وشرعتا من توهما في عملياتهما الحربية ضد مصر ابتغاء احتلال قناة السويس.
    وفى ليلة 1/2 نوفمبر وافقت الجمعية العامة، بأغلبية كبيرة، على قرار تقدمت به الولايات المتحدة يقضى بايقاف اطلاق النار، ويوصى بامتناع جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة عن تقديم أية معدات حربية في تلك المنطقة، ومع ذلك استمر القتال، واستمرت قوات اسرائيل تتقدم، كما اخذت القوات البريطانية والفرنسية تواصل دك منشآت القناة وسفنها بقاذفات القنابل الثقيلة.
    هنا تدخل الاتحاد السوفيتى فوجه انذارا بانه سيعمل منفردا لايقاف هذا العدوان البشع، وذلك باطلاق الصواريخ الموجهة من الأرض على قواعد الدول المعتدية، ان لم تنصع هذه الدول لقرار ايقاف اطلاق النار، وتسحب قواتها من الأرض المصرية على الفور.. ولم يكن الانذار الروسى، يومئذٍٍ، قد تعرض الى ما تعرض اليه فيما بعد في مواجهة كوبا المشهورة.. كان يومئذٍ يحمل وزنا كبيرا، ولذلك فقد اصاب دوائر الغرب الذعر عند سماعه، فنشطت الولايات المتحدة، ونشط الرأى العام الغربى، يزيد كل منهما من ضغطه على بريطانيا وفرنسا حتى استجابتا لرغبة الامم المتحدة فأوقفتا اطلاق النار، وشرعتا في سحب قواتهما من أرض مصر وذلك في شهر ديسمبر من عام 1956، وقد حذت حذوهما دولة اسرائيل، بيد أنها تلكأت في سحب قواتها، ففى حين تم سحب القوات البريطانية، والفرنسية، من الأراضى المصرية، قبل نهاية شهر ديسمبر، فان القوات الاسرائيلية لم تنسحب تماما الا بعد ذلك بمدة طويلة. والا بعد أن اتخذت الجمعية العامة عدة قرارات تطالب بسرعة الانسحاب.
    وفى أثناء جلاء القوات المعتدية كانت القوة الدولية، التي تشكلت بناء على القرار الذي اتخذته بتشكيلها الجمعية العامة، تتخذ موقعها في منطقة القناة. وقبل حلول شهر مارس من عام 1957، كانت القوة الدولية قد احتلت مواقعها في قطاع غزّة، في الجانب المصري على الحدود المصرية الاسرائيلية، وعلى طول خليج العقبة. وقد رفضت اسرائيل ان تسمح لقوات الأمم المتحدة باحتلال بعض المواقع على خط الحدود داخل أراضيها.
    وقد خولت قوة الطوارئ الدولية التابعة للامم المتحدة، وهذا هو الاسم الذي اصبحت تعرف به هذه القوة الدولية المشكلة من قوات عسكرية من عشر دول، السلطة الكاملة في حفظ الامن والنظام في تلك المنطقة.
    ولقد تدخلت أمريكا لايقاف عدوان حليفتيها لاسباب عدة، منها ان العدوان لم يكن له من الاسباب ما يكفى لتبريره في نظر الرأى العام البريطاني، والفرنسى، والامريكى. بله الرأى العام العالمى. ومنها ان أمريكا لم تكن تعرف يومئذٍ حقيقة القوة السوفيتية، وهى لم تكن بعد قد تكشّفت عما تكشّفت عنه فيما بعد من الوهن، وذلك في المواجهة الكوبية المشهورة، فظنت أمريكا ان روسيا قد تعني التهديد، وانها قد تنفذه، وان تنفيذه قد يجر الى حرب عالمية شاملة لا تؤمن عواقبها.. ومنها ان امريكا كانت تسعى لتوكيد زعامتها على الكتلة الغربية، والى ترسيخ قواعد تلك الزعامة، وذلك بجلاء بريطانيا، وفرنسا من مواقعهما منها.. لاسيما وانهما قد امكنتا من نفسيهما باقدامهما على تلك المؤامرة الضعيفة الحبكة.


    العدوان الثلاثي الثاني

    والعدوان الثلاثي الثاني الذي جرى في الخامس من يونيو عام 1967 يرجع سببه أيضا الى قصر النظر في تأميم قناة السويس فهو لا يختلف، لا في دوافعه، ولا في أهدافه عن العدوان الثلاثي الاول، الذي دبّر في في التاسع والعشرين من اكتوبر عام 1956، وان اختلف عنه في جودة حبكته، وفى مهارة اخراجه.. وقد تولت امريكا بنفسها حبكته واخراجه، بعد ان ظهر لها، بتجربة كوبا المشهورة، ان الاتحاد السوفيتى يخشى الحرب أشد الخشية، وان تهديداته الكثيرة ليس لها، لدى التحليل الاخير، أية قيمة عملية يحسب لها حساب. وقد أعان أمريكا على النجاح في اتقان وضع خطة هذا العدوان وتنفيذها العرب أنفسهم وذلك بغفلة زعمائهم وبقلة حنكة هؤلاء الزعماء السياسية والدبلوماسية، والعسكرية.

    قلّة حنكة الزعماء العرب السياسية

    وقلة حنكة الزعماء العرب لا يعييك التماسها أنّى اتجهت.. في أقوالهم وفى أفعالهم، وخطاب السيد جمال عبد الناصر الاخير الذي ألقاه بعد الهزيمة، بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري وحده يطفح بالأخطاء التي تدل على قلّة حنكة السيد جمال وهو يعتبر زعيم الزعماء العرب.. قال السيد جمال في معرض الرد على تساؤل من تساءل لماذا انصاع لنصيحة الرئيس الامريكى فلم يبادر باطلاق النار؟ قال ((المسألة الثالثة اننا بتحركنا وأخذْنا المبادرة لدفع الخطر عن سوريا كنا ندرك أننا، خصوصا من وجهة النظر الدولية، لن نبدأ بالضربة الاولى في معركتنا المسلحة. ولو كنا فعلنا ذلك لكنا قد عرَضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله. ولقد كان اول ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكى مباشر ضدنا يجد الحجة والعذر من أننا أطلقنا الرصاصة الاولى في المعركة. وأريد في هذا الصدد أن ألفت نظركم الى نقطة هامة. أول نقطة التحذيرات الامريكية ويمكن قرأتم عن هذه التحذيرات الامريكية في الصحف ولكن مستشار الرئيس الامريكى جونسون طلب سفيرنا في وقت متأخر من الليل في واشنطن وقاله انه فيه معلومات عند اسرائيل انكم حاتهجموا. وقال ان ده يعرضنا لوضع خطير وناشدنا ضبط النفس)) وفى موضع آخر من هذا الخطاب نفسه يقول السيد جمال ((فى هذا الاجتماع محدش أبدا اتكلم على الهجوم على اسرائيل مكنش في ابدا اى فكرة ان احنا حنقوم بعمل هجومى على اسرائيل. وزى ما وضحت من الاول اللى كان باين من كل تحليلاتنا أن أى عمل هجومى على اسرائيل حيعرضنا لمخاطر كبيرة اول هذه المخاطر هجوم أمريكى علينا نظرا للتصريحات اللى أعلنتها أمريكا وقالت فيها انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة وكان باين لينا ان امريكا لما تقول انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة ولا تسمح بأى تغييرات في هذه المنطقة مكنش أمريكا تقصد بهذا أبدأً الدول العربية ولكن امريكا كانت تقصد بهذا اسرائيل كانت تقصد انه اذا حصل عدوان على اسرائيل ان أمريكا حتنفذ التصريح اللى قاله الرئيس كنيدى قبل كده ان أمريكا تضمن للجميع الحدود في هذه المنطقة على هذا الاساس مكنش في ابدا أى بحث عن موضوع البدء بالهجوم على اسرائيل ولكن عمليتنا كلها في القيادة المشتركة كانت عملية دفاعية وكان حشدنا في تقديرنا في هـذا الوقت هـى عملية ردع حتى لا تقـوم اسرائيـل بالعـدوان على سـوريا)).
    هـذا وذاك هو ما قاله السيد جمال عبد الناصر في هذا الخطاب الذي ألقاه بعد الهزيمة بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصرى، ونحن نرجو أن يتعمق القراء هذه الاقوال، وبخاصة قوله، ((كنا ندرك اننا، خصوصا من وجهة النظر الدولية، لن نبدأ بالضربة الاولى في معركتنا المسلحة. ولو كنا قد فعلنا ذلك لكنا قد عرضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عمّا كان في مقدورنا احتماله. ولقد كان اول ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكى مباشر ضدنا يجد الحجة والعذر من أننا أطلقنا الرصاصة الاولى في المعركة)) لماذا؟ يحدثنا السيد جمال فيقول ((نظرا للتصريحات اللى اعلنتها امريكا وقالت فيها انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة وكان باين لينا ان امريكا لما تقول انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة ولا تسمح بأى تغييرات في هذه المنطقة مكنش امريكا تقصد بهذا أبداً الدول العربية ولكن امريكا كانت تقصد بهذا اسرائيل كانت تقصد انه اذا حصل عدوان على اسرائيل أن أمريكا حاتنفذ التصريح)).
    والسؤال الآن هو، أليس غرض العرب المعلن على العالم دائما، والقائم خلف عدم الاعتراف باسرائيل، وعدم الصلح معها، وعدم التفاوض معها، هو ان يمحو العرب دولة اسرائيل من الوجود في أرض فلسطين؟ فاذا كنا نحترم ضمان امريكا لحدود اسرائيل او كنا نخاف امريكا الى حد نشعر معه اننا اذا خالفناها نكون ((قد عرضنا انفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله)) فهل ننتظر يوما تتخلّى فيه امريكا عن هذا الضمان لحدود اسرائيل؟ أم هل ننتظر يوما يكون لنا فيه من القوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية ما يمكننا من مناهضة امريكا ومن تحدي ضماناتها لحدود اسرائيل؟ ام أن ضمان امريكا لحدود اسرائيل لا يكون ملزما لامريكا الا اذا كنا نحن البادئين بالهجوم على اسرائيل، فنحن اذن ننتظر ان تبدأنا اسرائيل بالهجوم لنقوم بمباشرة محوها من الوجود في فلسطين، ونحن في عذر مديد أمام امريكا؟ فاذا كان التصريح الذي أشار اليه السيد جمال عبد الناصر، والذي ظهر انه يخشاه كل هذه الخشية، لم يكن جديدا من جانب امريكا، وانما يرجع الى العام 1950، أفليس من الحق ان نتساءل هل كان السيد جمال عبد الناصر فعلا يعنى التهديد الذي يذيعه على العرب كل عام مرة أو مرتين ضد دولة اسرائيل؟ أم هل كان يريد به الى بسط زعامته على العرب، وذلك باشاعة جو الخوف حولهم، واستغلال روح القطيـع فيهـم؟.
    ولقد يظن ظان من أشياع السيد جمال عبد الناصر انه انما قصد عدم البدء بالهجوم على اسرائيل في الوقت الحاضر فقط، وهو وقت لم يكتمل فيه استعداد العرب للقيام بمباشرة محو اسرائيل من الوجود الفلسطينى، وانما اضطروا للتحركات العسكرية لان اسرائيل أصبحت مهددة لسوريا بالغزو، فكان غرضهم من ثم غرضاً دفاعيا لا هجوميا ً.. قد يقول أحد الاشياع هذا القول ونحن لا نملك الا ان ندعوه الى ان يقرأ تصريح السيد جمال عبد الناصر الذي ادلى به يوم 29 من شهر مايو من عام 1967، أى قبل بدء العدوان بأقل من اسبوع، وذلك حيث قال، ((اذا هاجمتنا اسرائيل في أى مكان فسوف نهاجمها في كل مكان وسوف نقوم بتدميرها تدميرا كاملاً ولن تكون المعركة محدودة)) قال السيد جمال قوله هذا وهو يتحدث عن انسحاب قوة الطوارئ الدولية، وعن اعادة السيطرة المصرية على خليج العقبة، ثم استرسل في القول فتحدث عن ظروف العمل العربى منذ عام 1956، واهتم بالذات بموضوع قوات الطوارئ الدولية، وخليج العقبة، وحملات التشكيك التي وجهت الى الجمهورية العربية المتحدة، وقال، ((لقد قلت دائما اذا أردنا اخراج قوات الطوارئ الدولية فانها تخرج في نصف ساعة وهذا ما حدث)).
    ((وكان اعتقادنا دائما ان موضوع خليج العقبة هو موضوع حرب شاملة، لا نواجهها الا اذا كنا على استعداد لها ولا نتحدث عنها الا اذا كنا على استعداد للمواجهة)).
    ((ولقد كانت الجمهورية العربية المتحدة تستعد وتنتظر)) وقال السيد جمال عبد الناصر ان الانتظار وصل مداه بالتهديد الاسرائيلى الذي وجه الى سوريا.
    فقد كانت مصر اذن مستعدة ((لحرب شاملة)) حين طلبت من السكرتير العام لهيئة الامم ان يسحب قوات الطوارئ الدولية وحين باشرت السيطرة على خليج العقبة وقفلته في وجه الملاحة الاسرائيلية.
    ثم ان السيد جمال عبد الناصر يحدثنا عن هذا التهديد الذي صدر عن دولة اسرائيل ضد سوريا، وذلك في خطابه الذي ألقاه بمناسبة الاحتفال بالعيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري فيقول، ((المسألة الاولى التي يجب ان تكون واضحة أمامنا جميعا اننا لم نكن البادئين بتأزيم الموقف في الشرق الاوسط. كلنا نعرف ان هذه الازمة بدأت بمحاولة اسرائيل غزو سوريا. من المؤكد لنا جميعا ان اسرائيل في هذه المحاولة مكنش بتعمل لحسابها وانما كانت تعمل ايضا لحساب القوى التي ضاقت ذرعا بحركة الثورة العربية)).
    هذا هو الموقف كما يراه السيد جمال ويصوره للشعوب العربية، ولكن امريكا تراه بصورة اخرى، وعندما تنقل رأيها للسيد جمال يرد عليها بخلاف ما يكلم العرب. ففى مذكرة من حكومة الولايات المتحدة الى حكومة الجمهورية العربية المتحدة عن حالة التوتر في منطقة الشرق الاوسط مؤرخة 23 مايو 1967 قالت حكومة الولايات المتحدة ان ثلاثـة امـور تسبب لهـا قلقا خاصاً: ((أولها أعمال الارهاب المستمرة التي تجري ضد اسرائيل بموافقة سوريا، والتي تقوم، في بعض الحالات على الاقل، من الاراضى السورية، وهذا يتنافى مباشرة مع اتفاقات الهدنة العامة التي تنادى الدول الموقعة عليهـا ان تضمن الا يرتكـب عمل شبيه باعمال الحرب، او من أعمال العـدوان، من ارض احدى هذه الدول ضد الطرف الآخر او ضد المدنيين في أرض يسيطر عليها هذا الطرف الآخر. ونحن نعتقد ان اتفاقات الهدنة العامة ما زالت تشكل القاعدة المثلى لأن تسود الاحوال السلمية على امتداد الحدود، ونحن نأمل ان تشاركنا الجمهورية العربية المتحدة، هى والحكومات الاخرى، في مناشدة كل أطراف اتفاقات الهدنة ان تحترم مواد هذه الاتفاقات بحذافيرها)).
    والهدنة التي تشير اليها مذكرة حكومة الولايات المتحدة هذه هى الهدنة التي اجريت اتفاقاتها في منتصف عام 1949 تحت رعاية الامم المتحدة ووقعتها كل الدول المعنية وهى مصر، وسوريا، ولبنان، والاردن، واسرلئيل.
    فماذا قال السيد جمال فيالرد عل هذه المذكرة؟ في جواب له مؤرخ 2 يونيو عام 1967 الى الرئيس جونسون قال ((ولقد اشرتم في رسالتكم الى نقطتين: أولاهما ما اشرتم اليه من اننا ينبغى ان ننحى الماضى جانبا، وان نعمل على انقاذ الشرق الاوسط، بل والعالم كله، بتجنب الاعمال العسكرية.. فبالنسبة لهذه النقطة اود ان أشير الى ان سياسة الجمهورية المتحدة لا تكتفى باتخاذ السلام العالمى هدفا، بل اننا، في سبيل هذا الهدف، نأخذ دورا ايجابيا لا أرى الاستطراد في بيانه تجنبا للوقوع في دائرة التمجيد الذاتى، أما بالنسبة للقيام بتجنب الاعمال العسكرية فيكفى ان اكرر ما سبق ان اعلنت من ان كافة ما قمنا به هى اجراءات فرضتها قوى العدوان، ومع ذلك فان قواتنا لم تبدأ باى عدوان، ولكننا بلا شك سندافع ضد أى عدوان يقع علينا، او على أى بلد عربى بكل ما نملك من قدرات وامكانيات)).
    ((وثانيهما: هو ما اشرتم اليه من ان مشاكل العصر لا يمكن حلها عن طريق اختراق الحدود بين الدول بواسطة الرجال والسلاح، وأنا اتفق معك في هذا الرأى، ومع ذلك فينبغى ان ننظر في كيفية تطبيق هذا المبدأ على كل حالة، فاذا كان قصدكم هو عبور بعض أفراد شعب فلسطين خطوط الهدنه فأننى اود هنا ان اشير الى ضرورة بحث هذا الجانب في نطاق النظرة الشاملة لقضية شعب فلسطين، وهنا ايضا اتساءل عن مدى قدرة أية حكومة في ان تسيطر على مشاعر أكثر من مليون فلسطينى فات ما يقرب من العشرين عاما دون أن تهتم العائلة الدولية - ومسئوليتها هنا مسئولية لا يمكن الفرار منها – باعادتهم الى وطنهم وتكتفى الجمعية العامة للامم المتحدة في كل دور من أدوار انعقادها بتأكيد هذا الحق. ان ما يقوم به بعض أفراد الشعب الفلسطينى من عبور خطوط الهدنة ان هو في الواقع الا مظهر من مظاهر الغضب الذي أصبح – عن حق – يتملك هذا الشعب أزاء الأنكار الكامل لحقوقه من جانب العائلة الدولية ومن جانب القوى التي تقف مع اسرائيل وتعاونها ماديا وادبياً)).
    ((وفى الواقع اننا مهما حاولنا ان نفصل بين جوانب المشكلة فلا بد ان نعود في النهاية الى جوهرها وأصلها الذي يتمثل في حق شعب فلسطين في ان يعود الى بلاده ومسئولية العائلة الدولية في ان تكفل له ممارسة هذا الحق)).
    هذا ما قاله السيد جمال عبد الناصر في الرد على الرئيس جونسون، وفى هذا القول تضليل، وفيه التواء.. ولقد يظهر التضليل في هذا التنصل من أعمال الفدائيين العرب، وجعل نشاطهم في التسلل، والارهاب، والتخريب داخل اسرائيل كانما هو تعبير عن غضبة شعب خرج عن سيطرة الحكومات العربية.. ((وهنا أيضا أتساءل عن مقدرة أية حكومة في ان تسيطر على مشاعر اكثر من مليون فلسطينى فات ما يقرب من العشرين عاما دون أن تهتم العائلة الدولية – ومسؤليتها هنا مسئولية لا يمكن الفرار منها – باعادتهم الى وطنهم)) كما ورد في هذا الخطاب.. هذا في الوقت الذي يعلم فيه العالم اجمع ان عمل الفدائيين في اسرائيل انما هو عمل منظم تشرف عليه منظمة التحرير الفلسطينية وهى منظمة رسمية، تجد الاعتراف و التأييد و المعونة من الحكومات ومن الشعوب العربية، و يعتبر عمل الفدائيين العرب الذي يقومون به في داخل اسرائيل طليعة الغزو العربى الذي ستباشره الجيوش العربية بغرض محو اسرائيل من الوجود. فاذا ما تحدث عنهم السيد جمال بالصورة التي وردت في خطابه هذا فانه يكون قد عزلهم عن الخطه المتكاملة للعمل الحربى الموحد، و يكون بذلك قد انصرف، في الخارج، عن المواجهه الحربيه لاسرائيل التي يحدث بها، في الداخل، الشعوب العربيه دائما.. و يكون قد مارس تضليلا، بل كذبا لا يليق بزعيم يتولى الحديث باسم العرب كلهم، ذلك بان مثل هذا المسلك يقلل من الاحترام الذي يجب ان يلقاه العرب في الدوائر العالميه، و لدى مختلف الحكومات.
    ويظهر الالتواء في هذا النكول عن مواجهة الاتهام الامريكى بتفنيد في مستواه، او بالاعتراف به، و الدفاع عنه بجراءة و صدق.. ذلك بأن الاتهام الامريكى يقول ((اولها اعمال الارهاب المستمرة التي تجري ضد اسرائيل بموافقة سوريا، والتي تقوم، في بعض الحالات على الاقل، من الاراضى السورية ألخ ألخ،)) وواضح ان أهم عبارة في حديث امريكا هذا هى عبارة ((بموافقة سوريا)) فهل من الصدق والرجولة ان يكون ردنا على هذا الاتهام أن سوريا لم تكن راضية عن أعمال الفدائيين العرب، ولكنها عاجزة عن ((السيطرة على مشاعر أكثر من مليون فلسطينى الخ الخ)) كما يفهم من رد السيد جمال عبد الناصر؟ وهل تعتذر حكومة عن مخالفة رعاية الحقوق الواجبة الرعاية بتقصيرها عن السيطرة على مايجري في أرضها؟


    عدم صدق الزعماء العرب

    الحق ان وصف زعماء العرب بقلّة الحنكة السياسية اقل مما يجب في حقهم. فأن هناك ما هو أخطر من ذلك.. هناك ان جمال عبد الناصر، على الاقل، يتحدث بلسانين.. لسان للشعوب العربية في الداخل، ولسان للرجال المسئولين في الخارج، ولا نحتاج لالتماس البرهان على ذلك للبحث في مكان جديد، غير جوابه للرئيس الامريكى جونسون الذي نحن بصدده الآن.
    فاقرأوا ان شئتم قوله منه ((وفى الواقع اننا مهما حاولنا ان نفصل في جوانب المشكلة فلا بد ان نعود في النهاية الى جوهرها وأصلها الذي يتمثل في حق شعب فلسطين في أن يعود الى بلاده ومسئولية العائلة الدولية في أن تكفل له ممارسة هذا الحق)).
    فاما الشعوب العربية كلها فأنها قـد فهمـت عـن السيد جمال عبد الناصر، وعلى طـول المـدى، ان مشكلة فلسطين انما ((جوهرها وأصلها)) وجود دولة اسرائيل غير الشرعى في ارض لا شبهة حق لها فيها. وان حل هذه المشكلة انما هو باقتلاع دولة اسرائيل من جذورها، والقذف باليهود في البحر ليعودوا من حيث أتوا، لتخلو الارض الفلسطينية العربية لاهلها العرب. وهذا حل لا يمكن ان يكون إلا بالحرب وبحد السلاح!!
    واما الرجال الرسميون في الخارج فان السيد جمال يخبرهم ان مشكلة فلسطين ((جوهرها وأصلها)) حق شعب فلسطين في ان يعود الى بلاده، ثم هو يجعل تمكين شعب فلسطين من ممارسة هذا الحق مسئولية العائلة الدولية.. ومعلوم ان العائلة الدولية قد اعطت دولة اسرائيل وجودها الشرعى، وذلك باقرار مبدأ التقسيم عام 1947، ومعلوم أيضا ان العرب قد رفضوا ولا يزالون يرفضون، مبدأ التقسيم هذا.. فماذا عسى يعنى السيد جمال بهذا القول؟ هل يعنى، او يمكن أن يعنى، ان مسئولية العائلة الدولية ان تمحو اسرائيل من الوجود الفلسطينى، ثم تعيد شعب فلسطين الى تلك الارض ليمارس حق البقاء فيها، واسرائيل نفسها عضو في العائلة الدولية منذ عام 1949؟ أم انه يعنى بمسئولية العائلة الدولية في اعادة شعب فلسطين الى أرضه تنفيذ مبدأ التقسيم، وهو مبدأ، كما قلنا، رفضه العرب، ولا يزالون يرفضونه، والسيد جمال في طليعتهم في ذلك؟ أم ان هـذا قول قيل من أجـل الظهـور بمظهـر المعقولية امام الرجال المسئولين في الخارج، مع الحرص على الظهور بمظهر الثورة والتحدي، امام الشعوب العربية في الداخل؟
    والسيد جمال في جوابه للرئيس جونسون يقول ((اولاهما ما اشرتم اليه من اننا ينبغى ان ننحى الماضى جانبا وان نعمل على انقاذ الشرق الاوسط، بل والعالم كله، بتجنب الاعمال العسكرية، فبالنسبة لهذه النقطة اود ان اشير الى ان سياسة الجمهورية العربية المتحدة لا تكتفى باتخاذ السلام العالمى هدفا، بل اننا، في سبيل هذا الهدف، نأخذ دورًا ايجابياً لا ارى الاستطراد في بيانه تجنباً للوقوع في دائرة التمجيد الذاتى)) هذا ما قاله السيد جمال للرئيس جونسون وان المرء ليحار كبف يجوز ان يقول مثل هذا القول رجل بنى مجده السياسي على معاداة اسرائيل، وهو لا يكاد يطلق تصريحا سياسيا، او يلقى خطاباً قومياً الا يتوجه اليها بالوعيد بحرب قريبة تلقى بها في البحر؟ أليس واجب الزعامة، والرجولة، والوضوح، والصدق مع نفسه ومع شعبه كان يوجب على السيد جمال عبد الناصر ان يقول للرئيس جونسون بدلا من القول السالف الذكر.. قولا مثل هذا؟ ((اولاهما: ما أشرتم اليه من اننا ينبغى ان ننحى الماضى جانبا وان نعمل على انقاذ الشرق الاوسط، بل والعالم كله، بتجنب الاعمال العسكرية، فاني ما أدري هل نملك، انا وانت، ان ننحى الماضى جانبا وقد ارتكبت فيه من الاخطاء ما سلبت الحقوق من ذوى الحقوق ونحلتها غير أهلها؟ وهل نملك، أنا وأنت، ان نجود، وان نتجاوز عن حقوق لا ينام عن نشدانها أصحابها الشرعيون؟ وما ادري ايضا كيف يمكن تجنب الاعمال العسكرية في وقت لا تبدو لنا فيه بارقة أمل في تطبيق العدالة؟ أليست الاعمال العسكرية هى، في جميع حقب التاريخ، الاسلوب الذي يلجأ اليه طلاب الحقوق المهدرة كلما أدركهم اليأس من عدالة الضمير البشرى؟ اننى، يا سيدي الرئيس، استطيع ان أعدك بشئ واحد هو السعى الى رد حقوق شعب فلسطين الى أهلها بأساليب السلم حيث أمكنتنى الفرصة من ذلك – فان العدالة هى وحدها القادرة على ان تغنينا عن اللجأ الى الاعمال العسكرية، وهى من ثم وحدها القادرة على انقاذ الشرق الاوسط وانقاذ العالم كله من شرور ما يتهدده من حروب)).
    الا ترون ان مثل هذا القول يكون أقرب الى طبيعة تفكير السيد جمال عبد الناصر الذي يعلنه على العرب في الداخل في كل مناسبة؟


    قلّة حنكة الزعماء العرب الدبلوماسية

    واما قلة حنكة زعماء العرب الدبلوماسية فهى أيضا بادية، وما يحوجنا التماسها الى كبير عناء. وما الفشل الذي منى به العرب في الدورة الاستثنائية للجمعية العامة ببعيد.. ومن طبيعة ضعف التفكير السياسي ان يورث ضعفا في المقدرة الدبلوماسية، اذ ما الدبلوماسية، في حقيقتها الا النهج الذي به يتم توضيح السياسة الخارجية بغية ان يكسب لها التأييد.
    ويمكن ان يلتمس الضعف الدبلوماسي حتى في جواب السيد جمال عبد الناصر للرئيس جونسون هذا الذي لا نزال بصدده، قال: ((اود ان اشير الى ان سياسة الجمهورية العربية المتحدة لا تكتفى باتخاذ السلام العالمى هدفا، بل اننا، في سبيل هذا الهدف، نأخذ دوراً ايجابياً لا ارى الاستطراد في بيانه تجنبا للوقوع في دائرة التمجيد الذاتى)) فمنذا الذي يسلم للسيد جمال بان سياسته تأخذ دوراً ايجابياً في النظرة الى السلام العالمى مما يغنيه عن الاستطراد في البيان؟ أليس مما يعرفه العالم عن السيد جمال استعراضاته العسكرية، كل عام مرة أو مرتين، وخطبه المشهورة في تهديد اسرائيل؟ أليس مما يعرفه العالم عن السيد جمال يقود العرب في طريق الحرب لاسترداد أرض فلسطين، ولمحو دولة اسرائيل من الوجود؟ فاذا كان من يقف مثل هذا الموقف في نظر العالم لا تحتاج سياسته لتوضيح وشرح وتبرير فمنذا الذي يحتاجه؟ أم هل يظن بالعالم ان ينظر الى دولة اسرائيل كما ينظر اليها العرب؟ او يظن به ان ينظر الى حق شعب فلسطين، في فلسطين، كما ينظر اليه العرب؟
    إن ضعف الدبلوماسية العربية يمكن، بإيجاز، أن يلتمس في ضعف الإدراك العام للقضية العربية، وفى العجز عن النظر الى الامور من وجهة النظر المعارضة.


    قلة حنكة الزعماء العرب العسكرية

    واما قلة حنكة زعماء العرب العسكرية فهى تتحدث عن نفسها بهزائم عام 1948 و1956 و1967 ويكفى فيها ان الاخطاء العسكرية في صحراء سيناء عام 1956 تكررت بحزافيرها في هزيمة عام 1967، وما دمنا بصدد عدم حنكة زعماء العرب فمن الخير ان نخصص الفصل المقبل للنظر في بعض الاخطاء التي يرجع اليها السبب في هزيمة العرب.
    الفصل الثالث


    أخطاء الزعماء العرب

    وما دمنا نتحدث عن غفلة القيادة العربية في ميادين السياسة والحرب فلعل من الخير ان نستعرض بعض أخطاء الزعماء العرب مما يؤيد القول بقلة حنكة هؤلاء الزعماء، ومما يوجب المحاسبة التامّة، بغية تصحيح الاوضاع، وبغية اقلاع الشعوب عن السير خلف زعامات ليس لها من الزعامة الا المظهر الكاذب، والا الثرثرة الرعناء، التي لا تنم على عقل ولا خلق.. مما كبّد الامة العربية خسائر في السمعة، والانفس، والاموال من العسير تعويضها.. ومن المؤسف حقا ان كثيرا من هذه الاخطاء لا تزال خافية على هؤلاء الزعماء وعلى كثير من حملة الاقلام العرب. وأسوأ هذه الاخطاء فكرة القومية العربية.


    القومية العربية

    وخطأ دعوة القومية العربية لا يجئ فقط من كون القومية دعوة عنصرية، وانما يجئ أيضا من كون وقتنا الحاضر وقتا ارتفع فيه الصراع الى مستوى المذهبيات والافكار. ولما استشعر العرب هبوب رياح الافكار لم يزدادوا هدى، وانما ازدادوا ضلالاً، فزعموا ان العنصرية العربية ليست فكرة عنصرية، وانما هى دعوة الى وحدة الثقافة والتاريخ واللغة. وزادوا، فزعموا ان هناك اشتراكية عربية تطبقها القومية العربية على العرب، وارتفع بذلك صوت السيد جمال عبد الناصر، في كل تصريحاته وكل خطبه. وانما هى الشيوعية الماركسية ينقلها السيد جمال عبد الناصر عن السيد يوسيب بروز تيتو في يوغسلافيا ليطبقها على العرب في مصر، وليدعو الى تطبيقها، تحت اسم الثورة العربية، والتقدمية العربية، على حد تعبيره، والقومية العربية في بلاد العرب الاخرى.
    والقومية العربية ليست فكرة حديثة برزت مع أيام السيد جمال، وانما هى حركة قديمة انبعثت في اوائل هذا القرن ضد السيطرة العثمانية في سوريا، وضد سياسة التتريك، وهى سياسة العنصرية التركية، التي كانت تميل الدولة العثمانية الى اتباعها في البلاد العربية، ثم ضد الفرنسيين، بعد اقامة الانتداب الفرنسى سنة 1919. ويحدثنا الدكتور فليب حتّى في كتابه ((تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين)) الجزء الثاني الصفحة 353 طبعة ((دار الثقافة بيروت)) فيقول تحت عنوان ((والقومية والنضال من أجل الاستقلال)) ما يلى:- ((بدأت هذه اليقظة القومية العربية حركة فكرية خالصة، مركزة على درس لغة العرب وتاريخهم وادبهم، وكان روادها في الغالب من المفكرين السوريين، وبنوع خاص، من نصارى لبنان الذين تثـقفوا في الجامعة الامريكية في بيروت. فهؤلاء هم الذين شرعوا في تطويع العربية الفصحى لتغدوا أداة جديدة صالحة للتعبير عن الفكر الحديث. على ان القومية العربية ومما استتبعته من تشديد عل الشئون المدنية والقيم المادية، جرت في اتجاه معاكس لارفع المثل، وأعز التقاليد الاسلامية، التي لا تقر ولو مبدئيا بأية رابطة غير رابطة الدين، ثم ان اختيار الشعوب الناطقة بالعربية لهذا الطراز الجديد من القومية، وثورة الحسين شريف مكة سنة 1916 على الاتراك العثمانيين، صدّعا البقية الباقية من الامل بقيام وحدة اسلامية شاملة، واقاما في مكانها وحدة عربية جامعة، اساسها اللغة والثقافة العلمانية لا العقيدة الدينية الخالصة)).
    فالقومية العربية دعوة الى تكتل العنصر العربى في مواجهة العثمانيين اولا ثمّ الفرنسيين، فيما بعد، وهى تقوم على ((اتجاه معاكس لارفع المثل، واعز التقاليد الاسلامية)) فهى دعوة عنصرية بلا فلسفة، ولقد استعار لها السوريون حين نشأت الافكار الغربية. ((وقد غدت لبنان أسرع استجابة الى المؤثرات المسيحية الغربية، بعد نزوح الالوف من ابنائه الى العالم الجديد)).
    وفى أيامنا الحاضرة استعار لها السيد جمال عبد الناصر الافكار الشيوعية وسماها ((الاشتراكية العربية)) وزعم انها فلسفة القومية العربية، وكل هذا باطل، والحق ان ليس للعرب فلسفة الا فلسفة تقوم على أديم الاسلام، فاذا زعم دعاة القومية العربية لها انها وحدة الثقافة ووحدة التاريخ ووحدة اللغة فقد وجب ان يذكروا ان العرب لم يكونوا شيئا مذكورا قبل الاسلام، فهم لم يكن لهم ثقافة، ولم يدخلوا التاريخ قبل ان يكونوا مسلمين، و كانت لغتهم لهجات قبلية متفرقة لم تتوحد الا بعد ان جاء القرآن بلغة قريش فوحدها – فالاسلام هو الذي أعطى العرب الثقافة، وهو الذي أعطاهم اللغة، وهو الذي جعل لهم تاريخا يذكر، اذا ذكرت تواريخ الامم، وأمجادها، فاذا نصح العرب ناصح بان يلتمسوا العزّة عند غير الله بالاسلام اليه، فهو ناصح ((متهم النصيحة، اشأم الطلعة، مزور في الكلام)).
    هذا وستكون لنا عودة للكلام عن القومية العربية فيما بعد، فلنكتف هنا بهذا القدر مما يؤكد خطأها في الاذهان، ويهدى المفتونين بها الى مظان الهدى.


    ما يسمى بالنظم الثورية العربية

    فى البلاد العربية اليوم حكومات تسمى نفسها قيادات ثورية، وتسمى الحكومات التي ليست على شاكلتها رجعية.. فالقيادات الثورية هى الحكومات العسكرية التي تبنت دعوة القومية العربية، ودعوة ما أسمته بالاشتراكية العربية، وهذه القيادات الثورية، أو قل الحكومات العسكرية، كانت في غالبها الاعم نتيجة انقلابات عسكرية قام بها ضباط من الشباب الثائرين الذين آذى نفوسهم الفساد الذي كانت حكومات العهود الماضية تتمرّغ فيه، وتجره على شعوبها، فأرادوا بالانقلابات العسكرية تسلم السلطة لاصلاح الفساد، واسعاد العباد. وقد تم لهم تسلم السلطة ولكنهم عجزوا عن اصلاح الفساد، وذلك لانهم ظنوا ان سبب الفساد قد كان الحكام التقليديين، فهو يزول بزوالهم. وفاتهم ان يعلموا ان جذور الفساد أعمق من ذلك، وان ازالة الفساد تقتضى عملا علميا شاملا يحتاج الى عمق في الفكر، وقوة في الادراك، وسعة في الثقافة.. وتلك أمور لم يكن حظهم فيها موفورا، فهم لم يكونوا يملكون غير حسن النية، وحسن النية وحده لا يكفى لاسعاد الشعوب، أو السير بها في طريق السعادة.. فانه قد قيل ان الطريق الى النار محفوف بالنوايا الحسنة.
    وقد سبق للحزب الجمهوري ان نبه قادة ثورة الجيش المصري الى ذلك في ابان حركتهم وكان ذلك في جواب ارسل للسيد محمد نجيب بتاريخ 18 أغسطس عام 1952 ولم يكن قد مضى على ثورتهم الشهر بعد، ولقد جاء في ذلك الخطاب قولنا ((والفساد في مصر ليس سببه الملك، وليس سببه الساسة، والاعوان الذين تعاونوا مع الملك، بل ان الملك وأعوانه هم أنفسهم ضحايا لا يملكون ان يمتنعوا على الفساد، فاذا كنت تريد أسباب الفساد فالتمسها في هذه الحياة المصرية، في جميع طبقاتها، وفى جميع أقاليمها، تلك الحياة التي أقامت أخلاقها اما على قشور الاسلام او على قشور المدنية الغربية، أو على مزاج منهما، وانت لن تصلح مصر، أو تدفع عنها الفساد، الا اذا رددتها الى أصول الاخلاق، حيث يكون ضمير كل رجل عليه رقيبا)) هذا ماجاء في ذلك الخطاب، الى جملة آراء أخرى أخرى تنفذ الى جذور المشكلة، ولكن الضباط المصريين كانوا منتشين بظفرهم بالملك الى حد لم يترك لهم مجالا لسماع نصائح الناصحين. والآن، وبعد مضى خمس عشرة سنة من توليهم الحكم، نسمع، في اعقاب هزيمة عام 1967، كما كنا نسمع في اعقاب هزيمة 1948، على عهد الملك فاروق، ان اسباب الهزيمة الخيانة في صفوف المسئولين في قمة المسئولية.. والاتجاه اليوم، كما كان بالامس، الى ازالة المسئولين هؤلاء واستبدالهم بمسئولين جدد، من غير ادراك، ولا تصور، لجذور الفساد والخيانة، وتظل بذلك مشاكل العرب تدور في حلقة مفرغة تكرر نفسها كل حين. وزعماء ((النظم التقدمية))، كما يطيب لهم ان يسموا أنفسهم، لا يفكرون، ولا يحبون المفكرين، وانما قامت نظمهم ((التقدمية)) على تكميم الافواه ومحاربة حرية الفكر.
    الدكتاتورية العسكرية

    ((النظم التقدمية)) نظم دكتاتورية عسكرية. ومع أن أسلوب الحكم الدكتاتوري أسلوب سئ، من حيث هو، فان أسوأه ما كان منه دكتاتوريا مسيطرا عليه الجيش.. ذلك بان تربية الجيش بطبيعتها لا تؤهل رجاله ليكونوا حكاما مدنيين، يتجاوبون مع طبيعة المدنيين، في الاسترسال والحرية، وانما هم ينشأون على الضبط والربط والطاعة العمياء.
    ثم ان الجيش في الاوضاع الصحيحة، يجب الا يكون له تدخل في السياسة، لان السياسة تفسده، وتصرفه عن تجويد فنه العسكري، وتجعله، بما يظن لنفسه من حق في التطلع الى السلطة السياسية، يرى نفسه حاكما على الشعب، وانه، من ثم، من حقه الاستمتاع بامتياز الحاكم وهو عندهم الترف والدعة.
    ثم ان الدكتاتور العسكري، وهو قد وصل الى السلطة بفضل اخوانه الضباط، وابنائه الجنود، لا بد ان يرى حقهم عليه مما يوجب تمييزهم عن بقية الشعب.. وهناك أمر هام وهو أن هذا الدكتاتور العسكري، زيادة على ما تقدم، لا بد ان يرى انه مما يؤمنه ضد الانقلابات العسكرية ان يرضى اخوانه الضباط باعطائهم من الامتيازات ما يلهيهم عن التطلع الى منافسته، وما يجعلهم اعوانا له ضد كل محاولة تستهدف انهاء حكمه، سواء كانت هذه المحاولة من الشعب عامة، او من أفراد مغامرين.. هذا، على أيسر التقدير، ما يكون في بداية أى حكم عسكري.. فاذا أتفق للدكتاتور العسكري، وقليلا ما يتفق، ان يكسب حب شعبه، وان يصبح، من ثم اعتماده على حماية الجيش اياه أقل، في اخريات الايام، مما كان عليه في أولياتها، فانه يصعب عليه ان يسحب امتيازات الجيش التي تكون قد اصبحت يومئذٍ حقاً مكتسبا ومسلما به.. والامتيازات تفسد الجيش، كما يفسد الترف أخلاق الرجال في جميع الاماكن وجميع الازمان.. وأسوأ من هذا! فان الشعب لا بد ان يدرك ان هذه الامتيازات، من الدكتاتور العسكري لبقية رجال الجيش، انما هى بمثابة رشوة، ولمثل هذا الشعور سود العواقب على اخلاق الشعب وقيمه..
    والحكم الدكتاتورى، سواء كان من ملك وارث للعرش عن آبائه، ويجمع في يديه السلطات، أو من متسلط، مستبد مطلق، انما يفسد الشعب بما يفرض عليه من وصاية تحول بينه وبين ممارسة حقه في حكم نفسه كما يفعل الرجال الراشدون.. وأسوأ من ذلك!! قد يكون المتسلط – وهذا هو الغالب الاعم – جاهلا بأساليب الحكم الصالح، وخائفا من انتقاض الشعب عليه، فهو لذلك يعتمد على الارهاب، والبطش، والتجسس الذي يحصى على الشعب كل كبيرة وصغيرة، وينشر عدم الثقة بين أبنائه.. فمثل هذا الحكم انما يربى المواطنين تربية العبيد لا تربية الاحرار.. وأنت لن تجد العبد يدفع عن حوزة ما يدفع الحر.. وجميع العرب بين تربية تشرف عليها الدكتاتورية العسكرية، وهى التي تسمى نفسها ((بالتقدمية)) و((بالثورية)) وبين تربية تشرف عليها الدكتاتورية المدنية، وهى التي تسميها الدكتاتورية العسكرية ((بالرجعية العربية)).. والشعوب العربية، بين هؤلاء واولئك، مفروضة عليها الوصاية، من قادة قصّر، هم، في أنفسهم، بحاجة الى أوصياء..
    ونحن لن نتحدث هنا عن قصور القيادات المدنية بين العرب، لان هذه القيادات ليس لها كبير أثر في الحوادث العنيفة التي تعرضت لها البلاد العربية في الآونة الاخيرة، وانما سنتحدث عن القيادات العسكرية، وبوجه خاص عن القيادة المصرية – قيادة جمال عبد الناصر – لانها فرضت زعامتها على العرب كلهم – بالترغيب وبالترهيب – حتى اصبحوا تبعا لها، فقادتهم من هزيمة الى هزيمة، وجرت عليهم من العار ما ان خزيه ليبقى على صفحات التاريخ، الى نهاية التاريخ.


    الشيوعيون يورطون جمال عبد الناصر في الاخطاء

    يحدثنا السيد جمال عبد الناصر من خطابه الذي ألقاه بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري بالملك فاروق فيقول ((من المؤكد لنا جميعا ان اسرائيل في هذه المحاولة مكنتش بتعمل لحسابها وانما كانت تعمل ايضا لحساب القوى التي ضاقت ذرعا بحركة الثورة العربية))، ويحدثنا المستشار الصحفى للسيد جمال عبد الناصر، السيد محمد حسنين هيكل في مقالة له بعنوان ((ماذا تريد أمريكا منا؟)) نشرت بالاهرام يوم 4/ 8 / 1967، فيقول ((الهدف الاول: تريد به الولايات المتحدة ان تحطم النظم الثورية في العالم العربى اليوم وفى مقدمتها النظام الثوري المصري – وباعتبار ان هذه الانظمة هى الخطر على مصالح الاستعمار القديم الذي ورثته الولايات المتحدة الامريكية، والاستعمار الجديد الذي تمثله هى اليوم)).
    وتحدثنا الهيئة البرلمانية للحزب الشيوعى السوداني في كتيب لها أصدرته في يونيو عام 1967 باسم ((العدوان الانجلو أمريكى الاسرائيلى)) فتقول، ((ان تواطؤ أمريكا وبريطانيا في العدوان الاخير يجب النظر اليه من زاويتين لتظهر أبعاده الحقيقية: -
    أولا – هدف التواطؤ وهو كما أسلفنا القضاء على النظم التقدمية في العالم العربى وبصفة خاصة في مصر)).
    هذه النظرة الخاطئة مصدرها الشيوعيون في روسيا وخارجها، وقد تورط في الاخذ بها السيد جمال عبد الناصر فأنطلق في الطريق الخطأ، وأصبح يصدر في تصرفه مع الدول الغربية عن عقدة من يشعر انه مضطهد، وانه مقصود بالعداوة، ولقد ظهرت هذه العقدة في خطاب الاستقالة المشهور، الذي ألقاه السيد جمال عبد الناصر في مساء يوم 8/6/1967 وذلك حيث يقول ((لقد قررت ان أتنحى تماما ونهائيا عن أى منصب رسمى، وأى دور سياسي، وان أعود الى صفوف الجماهير أودى واجبى معها كأى مواطن آخر)). لماذا؟ أسمعوا! ((ان قوى الاستعمار تتصور ان جمال عبد الناصر هو عدوها واريد ان يكون واضحا أمامهم انها الامة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر.
    ((والقوى المعادية لحركة القومية العربية تصورها دائما بانها امبراطورية لعبد الناصر وليس ذلك صحيحا لأن أمل الوحدة بدأ قبل جمال عبد الناصر وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر))
    هذا هو السبب الذي من أجله استقال السيد جمال عبد الناصر من منصبه في زعامة الامة العربية!! فهل سمع الناس بزعيم يستقيل من أجل اعتبار أعدائه، وأعداء أمته، أياه؟؟ اللهم لا!! الا ان يكون زعيما يعيش في عقول أعدائه، قبل ان يعيش في عقله هو، أو، بالاقل في عقل أمته.. وذلك شأن الزعماء الذين يتصرفون عن عقد نفسية، لا عن فكر سليم.. هذا اذا لم نقل شيئا عن توقيت الاستقالة نفسها.. ذلك بأنها قد أذيعت، و شغلت بها الامة العربية، ولا تزال النيران تطلق، والعدو يتقدم في جبهة سوريا..
    وامتدادا لتلك النظرة الخاطئة التي يروج لها الشيوعيون، وانطلاقا منها يرى الشيوعيون ان التحول في علاقات السيد جمال عبد الناصر مع الدول الغربية يرجع الى قرارات يوليو عام 1661، وشيوعيو السودان، في كتاب هيئتهم البرلمانية الذي سبقت الاشارة اليه، يحدثوننا تحت عنوان ((الخلفية التاريخية للتآمر الاستعمارى)) فيقولون، ((كانت قرارات يوليو 1961 التاريخية ايذانا بدخول الثورة العربية مرحلة جديدة في تطورها، هى مرحلة التحول الاجتماعى، فقد وضعت تلك القرارات الثورة العربية وجها لوجه مع الاقطاع ورأس المال، وفتحت الطريق أمام الصراع الحاسم بين شقى الرحى في المجتمع المصرى: الطبقات الطفيلية المستغِلة من جهة، والجماهير العاملة من جهة أخرى)) والشيوعيون يعتبرون ان عملا نحو الاشتركية لا يمكن ان يتم، في عالم اليوم الا اذا ((وضعت الشعوب العربية وجها لوجه امام الاستعمار الحديث باعتباره المعوق الاساسى لعملية التقدم الاجتماعى)) ولعمر الحق ان الاستعمار ليعوق التقدم الاجتماعى ولكن يجب ان نكون دقيقين في فهم مقاصد الشيوعية من هذه العبارة.. فالشيوعيون يعتقدون ان الاشتراكية هى الماركسية، وانك لن تستطيع أن تكون اشتراكيا الا اذا صرت ماركسيا.. والحق ان الماركسية اللينينية انما هى مدرسة من مدارس الاشتراكية، وجدت فرصة التطبيق في روسيا، وهى مدرسة لها من الانحرافات، عن سواء الاشتراكية، ما يوجب على الناس ان يأخذوها بحذر شديد، حتى يتقوا تلك الانحرافات الخطيرة، وسنترك تفصيل تلك الانحرافات لكتابنا الذي يجري الآن اعداده باسم ((الاسلام ديمقراطى اشتراكى)) ونكتفى هنا بأن نقرر ان الدول الصغيرة، في يومنا الحاضر، يمكن ان تكون اشتراكية بدون ان تكسب عداوة الغرب، بل انها قد تجد معاونة الغرب في سبيل اشتراكيتها، اذا كانت تدرك الخطر الذي تتعرض له من تضليل الاتحاد السوفيتى أياها، فتبذل مجهودا ذكيا في ان تصبح اشتركية غير تابعة للاتحاد السوفيتى.. بمعنى آخر، اذا كان زعماؤها من الذكاء، وسعة الادراك للصراع العالمى، بحيث لا يورطون بلادهم في ميدان الحرب الباردة الناشبة بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية.. فلقد كانت يوغسلافيا، وهى دولة شيوعية، تتلقى معونة امريكية عند ما كانت تناصب استالين العداء، وترفض ان تخضع للاتحاد السوفيتى، أو تسير في ركابه.. واليوم عندما أعلنت رومانيا، وهى دولة شيوعية، استقلالها عن الاتحاد السوفيتى، أخذ الغرب يتسامح معها، ويشجعها، ولاول مرة، منذ نشأة هيئة الامم، أمكن ان يكون للجمعية رئيس شيوعى، هو وزير خارجية رومانيا.
    ولو قد كان للسيد جمال عبد الناصر من الوعى السياسي وسلامة التفكير، والمقدرة القيادية بالمستوى المطلوب لامكن ان يصبح اشتراكيا من غير ان يكسب عدواة الغرب بالصورة التي جرها على البلاد العربية اليوم.. بل لامكن، في الظرف العالمى الحاضر، ان يصبح اشتراكيا بمعاونة، وبصداقة، من الشرق والغرب في آن معاً.
    ومن أجل هذه الاعتبارات فان التحول لم يحصل بقرارات يوليو 1961، وانما حصل بقرارات 26 يوليو عام 1956، وذلك بالهيئة غير المسئولة التي بها باشر السيد جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، وعن ذلك أسلفنا التفصيل..
    ان الشيوعيين ليَضلون عن الحق، وُيضلون: هم يضلون عن الحق لقصورهم عن التفكير الدقيق، ولتورطهم في الغرض دائما، والغرض مرض كما يقولون.. وهو مرض فكري ومرض خلقى.. وهم يُضلون كل من يتعرض لهم، او يتعرضون له، ولقد أضلوا السيد جمال عبد الناصر ولا يزالون يباشرون اضلاله، وعن طريقه يضلون العرب جميعا، ومع ذلك، او لعله من اجل ذلك، يحدثنا السيد هيكل في جريدة الاهرام الصادرة يوم 25/8/1967 فيقول ((الحقيقة الاولى – ان الصداقة العربية – السوفيتية، وازالة العوائق المصنوعة التي كانت تعترض سبيلها تعتبر من أهم المنجزات التي حققتها حركة الثورة العربية المعاصرة)).
    فالعرب يعتبرونها صداقة مع الاتحاد السوفيتى! ليس هذا فحسب، بل ليعتبرونها، كما يخبرنا السيد هيكل، ((من أهم المنجزات التي حققتها حركة الثورة العربية المعاصرة)) وفى الحق ان حركة الثورة العربية المعاصرة لم تنجز شيئا وانما نصب الروس لها شركاً فمشت اليه مغمضة العينين، وورطت معها العرب جميعا، فهم اليوم يستغلهم الاتحاد السوفيتى أشنع الاستغلال، ويظنون ان لهم ارادة ((اننا نحتفل اليوم بانتصار القومية العربية، وفى نفس الوقت نشعر ان القومية العربية أصبحت لها ارادة نافذة تقاتل في سبيل وجودها وفى سبيل كيانها، فقد مرت القومية العربية بمراحل متعددة، اذ بدأت تجابه الضغط والسيطرة الاجنبية وكانت تحاول دائما ان تتحرر من السيطرة الاجنبية لتكون لها مشيئتها الخاصة وارادتها الحرة، ولكن السيطرة والاستعمار كانا دائما يعملان ما في وسعهما بكل الطرق وبكل الوسائل للقضاء على يقظة القومية العربية. ثم تطورت هذه القومية من مرحلة الجمود الى مرحلة كفاح الاستعمار كافحت وقاتلت واستطاعت ان تنهى سيطرة الاستعمار)) هذا ما قاله السيد جمال عبد الناصر في يوم 26 /2/1958 في احتفالات اعلان الوحدة بين مصر وسوريا. وقد فشلت هذه الوحدة وانتقضت بعد تجربة اربعة أعوام، ولكن فشلها لم ينبه السيد جمال عبد الناصر الى ان افكاره اوهام، وأعماله القائمة عليها سلسلة اخطاء، وان غفلته عن حقيقة نوايا الاتحاد السوفيتى، وتوهمه أياه صديقاً للعرب، قد جرت على العرب من المآسى ما سيقترن باسم جمال عبد الناصر لبقية تاريخ العرب.. اما عن وهم جمال الذي يسميه ((ارادة القومية العربية)) فيكفى ان العرب اليوم لا يخاطبون في مصيرهم، وانما يخاطبون في ذلك زعماء الاتحاد السوفيتى، فلكأنهم هم الاوصياء على العرب، وقد اصبح العالم يعرف اليوم ان السلام لا يستقر في الشرق الاوسط اذا لم ترض عنه روسيا.

    عداوة الغرب للعرب ليس سببها الاشتراكية

    وفيصل القول ان عداء الغرب للعرب اليوم ليس سببه ان بعض الدول العربية، مثل مصر، ارادت ان تصبح اشتراكية، وانما سببه ان مصر، حين ارادت ان تصبح اشتراكية، لم تعرف كيف تصبح اشتراكية بدون ان تصبح ماركسية، وخاضعة للنفوذ الروسى. بمعنى آخر بدون ان تدخل في حلبة الحرب الباردة، وتصبح عظم نزاع بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية. وهو ما تحدثنا عنه عند الحديث عن تاميم قناة السويس.


    كبش الفداء

    والنظم الثورية، في مصر وفى غيرها، راضية عن نفسها، ويزيد شعورها بالرضا كلما فكرت في ان الاستعمار الغربى يخشاها ويعتبرها عدوا عنيدا. وهى لذلك لا تمارس نقدا ذاتيا ولا تقبل من غيرها غير الثناء، وقد أنشات، وربت طائفة من المطبلين المسبحين بحمدها، تستعين بهم على تنويم الشعوب، وتغفيلها. فان حصلت غلطة جلى مما لا يمكن تغطيته، او تبريره، بحثت لها عن كبش فداء حملته المسئولية، وذهبت في طريقها، تفتن في اصطناع المجد الزائف، بارتكاب الاخطاء البشعة التي لا يعود وبالها الا على الشعوب العربية اما هى فانها لا تفكر الا في استمرار زعامتها. عن هذا الكبرياء الكاذب حدث ما حدث عقب العدوان الثلاثي الاول، ذلك بانه عندما اوقف تدخل مجلس الامن، والجمعية العامة، وتهديد الاتحاد السوفيتى، وضغط امريكا على حلفائها ذلك العدوان قبل ان يبلغ اهدافه ادعى المصريون انهم هزموا الاستعمار الغربى، هذا بالرغم من الحقائق العسكرية الدامغة التي تؤكد هزيمتهم هم، حين لم يكن انسحابهم في الميدان الا جرياً، مخلّفين ورائهم السلاح، والعتاد، بصورة لا يرضاها الفن العسكري، ولقد كان من الممكن للعالم كله ان يعقل انسحابهم ذلك، وبتلك الصورة، امام قوى العدوان الثلاثي الهائلة لوانهم اعترفوا بالهزيمة العسكرية في صحراء سيناء يومئذٍ، ولكنهم لم يفعلوا، وانما ذهبوا يتغنون ببطولتهم في نصر لم يحرزوه، وطفقوا على تلك النشوة الكاذبة طوال عشر سنوات، ذهلوا خلالها، وقد ذهل معهم العرب، عن حقيقة امرهم، وعن مقدرة عدوهم، وقد فوتت عليهم هذه النشوة الكاذبة الاعتبار بالدرس الذي جرى للجيش في صحراء سيناء في شتاء عام 1956 فلم يستفيدوا من التجربة، وكل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها، وهذا بعينه هو الذي جعل انسحاب الجيش المصري في صحراء سيناء اثناء العدوان الثلاثي الثاني في يونيو من عام 1967 اعادة لانسحابه في نوفمبر من عام 1956، مع اختلافين اثنين: أولهما ان انسحاب يونيو خلف وراءه من عدد القتلى، والجرحى، والاسرى، ومن كثرة الاسلحة، ما لم يخلفه انسحاب نوفمبر. وثانيهما ان احداً من الناس لا يعذر القادة المصريين، عسكريين، وسياسيين، في انسحاب يونيو بقدر ما كان يمكن ان يعذرهم في انسحاب نوفمبر، لو انهم واجهوه بالاعتراف الذي يليق بكبار الرجال.


    خطب جمال من أسباب هزيمة العرب

    وعن طبيعة هذه النظم الثورية كان يصدر السيد جمال عبد الناصر في خطبه واستعراضاته المشهورة. ويمكن القول، وبكل تأكيد، ان خطب السيد جمال عبد الناصر هى التي جرت على العرب الهزيمة العسكرية، والهزيمة السياسية، والهزيمة الدبلوماسية.. فقد كان، في كل عام، حين يحتفل بثورة الجيش المصري على نظام الملك فاروق، يستعرض أسلحته البحرية، والجوية، والارضية، بما في ذلك الصواريخ الموجهة من الارض، المصنوعة في روسيا (وجميع اسلحته الثقيلة مصنوعة في روسيا) ثم يخطب على مسمع العالم كله متوعدا اسرائيل برميها في البحر، ومخبرا العالم واياها، انه ليس بينه وبين تنفيذ وعيده عليها الا ان يفرغ من تصفية الصفوف العربية مما أسماه الرجعية العربية وعنده انما تكون تصفيتها بتصدير ((النظم الثورية)) الى شعوبها.. وكانت اسرائيل، في صمت وفى ذكاء، وفى دهاء، تفزع الى اصدقائها (وهم يتزايدون عقب كل استعراض من استعراضات جمال عبد الناصر) تبين لهم مبلغ الخطر الذي يتعرض له كيانها، وهى دولة صغيرة لا يكاد يبلغ عدد سكانها المليونين مثلاً، تحيط بها دول عربية يبلغ تعداد سكانها المائة مليون، كلها لها عدو، ويستعرض زعيمها اسلحته على مستوى من الكفاءة، والكفاية، يقلق بالها، ويجعلها غير مطمئنة على سلامتها، فيفعل قولها هذا فعله في استدرار العطف من الرأى العام العالمى، ويكسب لها الى حظيرة الصداقة، أصدقاء جددا، ممن لم يكونوا يعيرون هذه القضية الاسرائيلية كبير اهتمام من قبل.. ويترجم كل هذا العطف، وعقب كل استعراض من استعراضات جمال، الى مزيد من هجرة الشباب اليهودي الى فلسطين، والى مزيد من تصدير المال والسلاح والعتاد اليها، وأهم من كل اولئك يبعث هذا الشعور بالخطر المزيد من تصميم الشباب الاسرائيلى، من الجنسين، على النصر، ومن ثم الاقبال على التدريب على حياة الجندية، وعلى استعمال جميع الاسلحة الحديثة بمهارة واقتدار. كل هذا يجرى في اسرائيل في صمت، والعرب يصفقون ويهتفون لخطب جمال عبد الناصر، في مطلع كل عام، ثم ينصرفون ليستمعوا في بقية العام الى الاذاعات وهى تضللهم عن حقيقة أمرهم ـ وتلهيهم بالخطب العنترية الجوفاء، وبالاناشيد الفارغة.
    ويحدثنا في هذا الباب السيد جمال نفسه في خطابه الذي ألقاه في العيد الخامس عشر من أعياد ثورة الجيش المصري فيقول: ((من سنتين جالى يقابلنى وكيل الخارجية الامريكية ومعاه رسالة من جونسون وقالى بما انكم ما قبلتوش الحاجات اللى احنا طلبناها منكم قبل كده، حق التفتيش وانا قلت لكم القصة دى قبل كدة انهم طلبوا حق التفتيش بالنسبة للاعمال الذرية حق التفتيش بالنسبة للصواريخ وتحديد الجيش المصري بحد معين واحنا كنا رفضنا هذا وقلنا لا يحق لامريكا ان يكون لها حق التفتيش.
    ((جالى تالبوت وكيل وزارة الخارجية الامريكية وقالى بما انكم رفضتم هذا فاحنا شايفين اننا في حل ندى اسرائيل ما تطلبه من السلاح. وانكم اذا شهرتم بنا وقلتم ان احنا بندى اسرائيل سلاح حنديها سلاح اكثر فانا قلت له وانتم اذا اديتم اسرائيل سلاح احنا ايضا نشتري سلاح ولا يمكن ان احنا نترك العملية بهذا الشكل.
    فى الوقت ده هم قرروا انهم يدوا اسرائيل اعداد من الدبابات واعداد من الطيارات يمكن اعلنوا هم في الاعداد الاعلنوها شئ، الشئ الادوه لاسرائيل شئ آخر ده كان تهديد من أمريكا وكان تهديد واضح انهم حايدوا اسرائيل ويساعدوا اسرائيل ويعاونوا اسرائيل اذا لم نقبل نحن حق التفتيش ونقبل طلباتهم في تحديد الجيش المصري بعدد معين وسلاح معين)).
    هذا ما قاله السيد جمال عبد الناصر، وهو، في حد ذاته، كاف في الدلالة على مستوى الفهم الذي يوجه مصير العرب في الآونة الحاضرة.
    غرور الزعامة

    ان السيد جمال يريدنا ان نعرف انه قال لامريكا ((لا)) عندما طلبت حق التفتيش، ولكنه لا يحدثنا ولا يريدنا ان نعرف لماذا طلبت امريكا حق التفتيش؟ ولماذا طالبت امريكا بتحديد الجيش المصرى؟
    لقد قال بعض الخبراء العسكريين، قبيل الهزيمة التي حلت بالجيوش العربية، وبعيد اندلاع النار، ان الجيش المصري العامل يقدر بمائة وستين الف جندي، وان الجيش الإسرائيلي العامل يقدر بستين الف جندي، ولكن الاسرائيليين في ظرف ثلاثة او أربعة أيام يمكن ان يرفعوا الجيش الى مليون جندي، وذلك لانهم كانوا يمرنون، ويسرحون، كل شاب وشابة قادر على حمل السلاح على مدى العشرين سنة التي هى عمر دولة اسرائيل. وكان يجري كل هذا الاعداد، في التمرين، و التسريح، والتسليح في صمت شديد، في الوقت الذي فيه تجري تلك الجلبة و ((المفاشرة)) والمباهاة الفارغة، كل عام مرة، أو مرتين، في مصر.. مما جعل العالم يعتقد ان الجيش المصري هو أقوى جيش في العصر الحاضر في الشرق الاوسط، وان اليهود في دولة اسرائيل، يتعرضون لخطر حقيقى اذا ما نشبت الحرب بينهم وبين العرب، وهذا هو السبب الذي جعل امريكا تطالب بحق التفتيش!


    الرضا عن النفس وتحقير شأن العدو

    وزيادة على ان خطب جمال عبد الناصر قوت اسرائيل وأكسبتها عطف العالم، وجرّت على العرب الزراية، والخزى في كل المجالات، فانها ايضاً غفلت العرب عن حقيقة أمرهم، وحقيقة أمر عدوهم وجعلتهم راضين عن انفسهم كل الرضا.. ولماذا لا؟ أليسوا قد أمموا قناة السويس؟ أليسوا قد هزموا الاستعمار الغربى في عدوان عام 1956؟ أليسوا قد اسقطوا حكومة ايدن في بريطانيا؟ أليسوا قد اكتسبوا صداقة الاتحاد السوفيتى العظيم والدول الاشتراكية التي تدور في فلك الاتحاد السوفيتى؟ فماذا عسى تكون اسرائيل بازائهم؟ وكذلك تورط العرب في خطا لا يتورط فيه عادة الا الاغبياء، وذلك هو الرضا عن النفس والتقليل من شأن العدو.. فقد درج الاذاعيون، والكتاب، والشعراء والصحفيون على تسمية اسرائيل ((بدويلة العصابات الصهيونية)) أو كما يطيب لبعضهم ان يردد ((دولة كل فاجر وفاجرة)) وهم لا يعرفون لها أى فضيلة ولا أى حق في البقاء، أو شبهة حق، في أرض فلسطين، حتى ولو كان هذا الحق باطلاً قائماً في اذهان الاسرائيليين مما يوجب التصحيح. هم لا يعرفون لها غير انها قامت لخدمة أغراض الاستعمار الغربى في الشرق الاوسط.. فلا حظ لها من وجودها، ومن جهود ابنائها غير ذلك.. وفاتهم ان أبسط الذكاء يقضى عليك، لكى تتمكن من عدوك، ان تعرف نفسيته، وطبيعة تفكيره، وحقيقة دوافعه، ومدى تصميمه على الاستقتال في سبيل الاستجابة لتلك الدوافع. اليست صحائف التاريخ مليئة بهزائم الاغبياء الذين يعظمون من شأن أنفسهم ـ ويقللون من شأن عدوهم؟


    المفارقة بين القول والعمل

    ومن أشنع ما يبدو من الزعامات العربية، وفى مقدمتهم الزعامة المصرية المفارقة الكبيرة بين القول والعمل: فالزعماء العرب لا يعنون ما يقولون، ولا يشعرون بضرورة مطابقة ما يقولون لما يعملون.. والشعوب العربية، لغلبة الجهل عليها، وقوة روح التبعية فيها، ولقلة المعلومات الوافية عندها، لا تستطيع محاسبة زعمائها، ثم ان الزعماء، في غالب البلاد العربية، حكام مستبدون لا يستمدون تأييدهم من الشعوب وانما يفرضون أنفسهم أوصياء على الشعوب. وحيث وجدت أوضاعا ديمقراطية، كما هى عندنا في السودان، وجدتها قائمة على تبعية غير واعية تقوم على التكتيل الطائفى الدينى، او السياسي.. وكلاهما يفوت على الناس فرص الوعى والمراقبة، وفى جميع البلاد العربية تجد السلطة قد نظمت وسائل الاعلام، لا لتوصيل المعلومات الصحيحة للشعوب، وانما لالهاء الشعوب عن المعلومات الصحيحة، وصرفها عنها بالخطب الجوفاء، والاناشيد التافهة.. واما الاخبار الصحيحة والتعليقات الواعية فلا تكاد تظفر بها.. والحوادث التي تجري في البلاد العربية، مما ليس للحكومات فيه هوى، فلا مكان لها في الاذاعات. حتى انك تستطيع ان تسمع ما يجري في بلادك من اذاعات العالم الخارجى، بما فيها اذاعة اسـرائيـل، وقـد تسمعـها معتـدلة اعتـدالاً تطمئـن اليـه نفسـك، وانـت علـى كـل حال لا تملك الا ان تسمعها.


    الزعماء العرب هم سبب هزيمة العرب

    والآن فان خزى الهزيمة الذي جلل الشعوب العربية يبوء به الزعماء.. ونصيب السيد جمال عبد الناصر منه نصيب الاسد، ولكن السيد جمال مشغول بتبرير نفسه في نظر الشعوب ليخرج من هذه النكبة النكراء بزعامته وقد كتب لها عمر جديد.. وهيهات!! فان التاريخ وراءه وستطلع الشعوب على الحقائق قريبا، ويومها قد يكون الحساب عسيرا.
    ان اعمال جمال عبد الناصر الآن، وكتابات محمد حسنين هيكل جميعها، تستهدف تبرير زعامة جمال بايجاد كباش الفداء الذين يحملون وزر الهزيمة، ثم يمضى جمال زعيما كما كان.. فان جاز هذا التضليل فان العرب مقبلون على نكبة رابعة، ما من ذلك بد.. ولكن هذا التضليل لن يتم، ولن يجوز، لان جمال عبد الناصر قد أنى له ان يذهب.. وهو ذاهب، ما في ذلك ريب، مهما شق هذا الامر على الشيوعية الدولية، ومهما حاولت هذه الشيوعية ان تضلل الشعوب العربية عن حقيقة قصور زعامة جمال عبد الناصر.. جمال ذاهب لان حكم الوقت الحاضر يتطلب ذلك.. فلا بد من الاسلام لحل مشكلة البشرية منذ اليوم، وذلك أمر سنوضحه في موضعه من هذا الكتاب، وجمال عبد الناصر، و هو داعى، ومفلسف القومية العربية، يقف اليوم كأكبر عقبة في سبيل عودة الاسلام الى الامة العربية – ذلك بان باطل القومية العربية يشبه الحق، ولا يسهل كشفه ولا الاحتراز منه وجمال بنى مجده، وبطولته، وشعبيته على باطل القومية العربية، ومن أجل ذلك اصبح ذهابه ضرورة تمليها مصلحة العرب خاصة، في المكان الاول ومصلحة البشرية عامة، في المكان الثاني. فليذهب، وليبارك الله له وللعرب في ذهابه وفى عواقب ذهابه.. فقد كان حسن النية ولكن حسن النية وحده لا يكفى لاسعاد الشعوب. ولا بد من سعة الثقافة، ودقة الفكر، وقوة الخلق.

    الفصل الرابع


    الغفلـة

    نعيد في مستهل هذا الفصل ما سبق ان قررناه وهو ان الذي يحقر من شأن عدوه ويعظم من شأن نفسه غبى أحمق، وهو يستحق الهزيمة، وسيلقى الخزى. ولقد درج الزعماء العرب على تجنيد وسائل الاعلام في بلادهم للتحقير والتقليل من شان دولة اسرائيل بصورة متصلة وملحة.. فهى عندهم دويلة العصابات الصهيونية، وهى دويلة شذاذ الآفاق، وهى دويلة لا نصيب لها من قيامها في أرض فلسطين غير خدمة أغراض الاستعمار، وهى دويلة لا تعيش الا على الشحذة، والاستجداء. وهكذا الى آخر هذه العبارات التي لا تدل على ذكاء، ولا على خلق، ولا على بصر بالامور.
    ولقد دخلنا مع دولة اسرائيل في صراع مسلح ثلاث مرات في عشرين سنة، فلم نخرج من ايتها الا بالخزى، ولقد خرجت دائماً بما يزيد في رقعتها، ويؤمن من وجودها.. حتى اذا كانت الحرب الاخيرة الحقت بنا هزيمة عسكرية وهزيمة دبلوماسية.. وكان كسبها في المجال الدبلوماسي عظيما حقا، ذلك بأنها كسبت عطف الرأى العام العالمى، وكسبت اعجاب الشعوب.
    ومن عجب انك لا تجد عند زعماء العرب، عقب كل هزيمة، الا المعاذير.. المعاذير ان سبب هزيمتنا خيانة داخلية في الصف العربى، وان سبب هزيمتنا تدخل الاستعمار لمعاونة اسرائيل، او ان سبب هزيمتنا ان اسرائيل استدرجت العرب الى الدخول في حرب لم يكونوا قد استعدوا لها، كما قال السيد اسماعيل الازهري في خطاب ألقاه عقب عودته من القاهرة بعد لقائه مع زعماء القومية العربية، جمال والاتاسى، وبومدين، وعارف، في يوليو من هذا العام.
    ولقد بلغ السوء بزعمائنا حدا جعلهم يعتذرون بالقدر، ونحن جميعا نعلم انهم لم يتخذوا من الاحتياطات الواجب عليهم اتخاذها ما يسوغ لهم الاعتذار بالقدر. فهذا السيد جمال يقول من خطابه الذي ألقاه على الشعوب العربية بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصرى.. ((بعدين المسألة السادسة. بعد ما حدث انه من الضروري ان نسلم بأمانة، وكرامة، ان المعركة المسلحة لم تسر كما كنا نتوقع وكما كنا نتمنى، ولقد جاءت مصداقاً للحكمة القائلة بأنه لا يغنى حذر من قدر)).
    والامر الذي نعرفه لم يكن هناك حذر، وانما كانت هناك غفلة، وغباء، ورضاء عن النفس، واستصغار لأمر العدو. ولقد ((كنا نتوقع)) ما لا نستحق، ((وكنا نتمنى)) ما لا يكون أبدا.. تمنى العاجز، المغرور، الذي لا يقوم بواجبه ويتمنى على الله الاماني.
    ألم يأن لهذه الشعوب العربية المنكوبة ان تعلم ان زعماءها يضللونها عن حقيقة واقعها ليظلوا زعماء؟ ألم يان لهذه الشعوب ان تشعر هؤلاء الزعماء انها انما تنتظر منهم نتائج لا معاذير؟
    بلى!! قد أنى!! وأول ما تبدأ به هذه الشعوب هو ان تصل الى المعلومات الوافية، وان تعلم حقيقة أعدائها، وحقيقة نفسها، وحقيقة التحدي الذي تواجهها بها الحياة المعاصرة، وان تحذف من هذه المعلومات المبالغات، من طرفى التقليل والتهويل، حتى تتضح الرؤيا، وحتى يرى الناس البصيرة، ويضعوا أقدامهم على سواء السبيل.
    ونحن الجمهوريين، اسهاما منا في رد الشعوب العربية الى سواء السبيل ليضطلعوا بدورهم في التاريخ المعاصر رأينا ان نخرج هذا السفر وسيكون نحونا فيه نحو من يدرس الحقائق على هدى مستبصر، ثم يسير في دروب الحياة مفتوح العينين، يعرف ما يأتى وما يدع من امره ان شاء الله وعلى الله قصد السبيل.


    اليهود في التاريخ

    ما عرف التاريخ عنصرية كعنصرية اليهود في تماسكها، واستعصائها على التطور، واكتفائها بنفسها، ولعل أهم أسباب صلابة هذه العنصرية قيامها على عوامل دينية، فانه قد ورد في التوراة ان اليهود ((شعب الله المختار)) وهم، فيما ينتظرون من موعود الله، انهم رغم التشريد والسبى، سيعود لهم السلطان على كل الخلائق، فهم ينتظرون تحقيق موعود الله أياهم طال الزمن أم قصر.
    وقد وردت التوصية في التلمود تقول ((أيها اليهودي، اعتزل باقى الامم، وابق على شخصيتك بينها، واعلم انك انت الوحيد عند الله.. آمن بالنصر على العالم أجمع. آمن بان كل شئ سيخضع لك.. فاستغل.. وعش.. وانظر.. وانتظر)) والتلمود هذا هو كتاب وضعه حكماء صهيون استنادا على فهمهم للتوراة، وهو يحوى معتقدات وعواطف، وآمال، وقصص، وتقاليد، وقواعد دينية، ووصايا سلوكية يسترشد بها اليهود فيما بينهم، وفيما بينهم وبين الغرباء.
    وعندنا نحن المسلمين ان الله فضل بنى اسرائيل على العالمين وفى ذلك يقول الله تعالى من سورة البقرة، ((يا بنى اسرائيل اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين)) ولكنا فهمنا ولم يفهموا!! فهمنا انهم انما فضلوا على عالمى زمانهم وذلك لظهور دين التوحيد فيهم يومئذٍ... وفهمنا ايضاً ان التفضيل مشروط بالاستمرار على الطاعة لله.. وفهموا انهم انما فضلوا تفضيلا مطلقا، لانهم من طينة غير طينة بقية البشر وانه تفضيل غير مشروط بشرط على الاطلاق. ومن أجل ذلك تورطوا فيما حدثنا عنهم به القرآن، وذلك من سورة المائدة، ((وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يعذبكم بذنوبكم؟ بل انتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والارض وما بينهما واليه المصير)).
    فليس للخلق مع الله نسب الا نسب الطاعة.. فمن أقام عليها فهو القريب، ومن أحدث فيها أمراً فهو البعيد.. واليهود: وهم العبرانيون، شعب سامى، ويقال ان جدهم الاول، ابراهيم الخليل، نبى الله وأبا الانبياء، قد كان في أول أمره في بلاد الرافدين، وكان يدعو الى دين التوحيد، وقد جرى له مع قومه من جراء دعوته هذه، ومن جراء تسفيهه لعبادتهم ولآلهتهم ما أوجب هجره اياهم، وهجرته الى سوريا الجنوبية. وكانت تسمى كنعان فأقام فيها، وكان معه في هجرته تلك قليل ممن آمن له، ومنهم زوجته وابنة عمه سارة التي ولدت له، بعد يأس، أبنه اسحق، وكان له، قبل اسحق، اسماعيل من جارية سارة، هاجر المصرية، ولقد أقام ابراهيم اسماعيل وأمه هاجر بالحجاز، في موضع الكعبة، وأقام اسحق وأمه سارة معه بسوريا.. ثم ان اسحق خلف يعقوب، وأخا له أكبر منه، يقال له عيسو، ولقد وقع الاصطفاء على يعقوب ليكون صاحب الشأن تفضيلا له على أخيه عيسو، وقد سمى يومئذٍ اسرائيل، واليه يرجع نسب بنى اسرائيل، فهو أبوهم.
    كان ليعقوب اثنا عشر ولداً، وكان يوسف الصدّيق الحادى عشر بينهم. وهو الى ذلك الابن الاكبر لراحيل، زوجة يعقوب الثانية، التي كان يؤثرها بحبه، وليوسف أخ شقيق يدعى بنيامين.. وكان أخوة يوسف العشرة لابيه أبناء خالته في نفس الامر، ولقد تخلصوا منه بدافع الغيرة، كما هو وارد عندنا في القرآن. ولقد بيع في مصر، وارتفع شأنه في الدولة المصرية حتى أصبح وزيرا للملك، اليه يرجع الامر في خزائن الارض المصرية. وفى احدى سنى القحط التي جعلت مصر منتجعا لجيرانها تم الاتصال بين يوسف واخوته، وانتهى به الامر الى ترحيلهم وترحيل والديه الى مصر، ومن يومئذٍ بدأت علاقة بنى اسرائيل بارض مصر، بعد ان لبثوا بأرض سوريا زمناً قد لا يتجاوز المئتى سنة، من لدن هجرة جدهم ابى الانبياء اليها.
    ولقد كان ابراهيم الخليل معاصراً لحمورابى صاحب الشريعة المشهور في بابل، وكان ذلك حوالى الالفى سنة قبل الميلاد، وكان يعقوب حفيد ابراهيم الاول، ولقد نزح بأبنائه الى مصر بفعل القحط الذي ألم بأرض سوريا كما قلنا آنفاً.. ويمكن ان نقرر ان نزوح بنى اسرائيل من أرض سوريا الجنوبية الى مصر قد كان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر قبل الميلاد.. وقد جرى ذلك في زمن لم يكن فيه دين التوحيد معروفاً في مصر، وان لم يكن فرعون ذلك الزمن معبوداً بالصورة التي أصبح يطالب بها، فيما بعد، فرعون عهد موسى. ولقد يخبرنا القرآن على لسان يوسف الصديق، عندما امتحنه الفتيان اللذان كانا سجينين معه، ((قال لا يأتيكما طعام ترزقانه الا نبأتكما بتأويله قبل ان يأتيكما، ذلكما مما علمنى ربى، اني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون * واتبعت ملة آبائى ابراهيم، واسحق، ويعقوب، ما كان لنا ان نشرك بالله من شئ، ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس، ولكن اكثر الناس لا يشكرون)).
    فلقد كان بنو اسرائيل على دين التوحيد في مصر، وكانوا من ثم يتعرضون لالوان الاضطهاد والاستعباد، في بلد يدعى ملوكه الربوبية.. ولقد يحدثنا القرآن عن فرعون موسى ((فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الاعلى)) ثم هو قد قال لموسى عندما دعاه الى توحيد الله فيما يقص علينا القرآن ((قال لئن اتخذت الها غيري لاجعلنك من المسجونين)) وبلغ من تعذيبه بنى اسرائيل ان كان يذبح أبناءهم الذكور ويستبقى الاناث.. ((واذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، يذبحون أبناءكم، ويستحيون نساءكم، وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم)) ولقد عاش بنو اسرائيل في الوان العذاب بين عهدى يوسف وموسى، وهى حقبة تنيف على الخمسمائة سنة وفى قمة هذا العذاب، وهذا الاضطهاد، ولد موسى الكليم. ونجى من القتل الذي كان حظ الاطفال الذكور من اترابه بحيلة انتهت به الى ان ينشأ في بيت فرعون نفسه، كما هو وارد في القرآن.
    ثم انه ارسل، حين بلغ أشده، الى فرعون، وارسل معه ردئا له، أخوه هارون. قال تعالى في ارسالهما، ((فأتياه فقولا انا رسولا ربك، فارسل معنا بنى اسرائيل، ولا تعذبهم. قد جئناك بآية من ربك، والسلام على من اتبع الهدى)). وقد خرج موسى بعد لاى شديد، ببنى اسرائيل في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، فتكون مدة اقامتهم بمصر قد نيفت على الخمسة قرون، وقد بلغت عدتهم يومئذٍ ما يقرب من المليون نفس، بعد ان كانوا، في اول عهدهم بمصر، لا يكادون يبلغون المائة.


    الخروج من مصر

    وخرج موسى بجمعهم يريد أرض فلسطين – سوريا الجنوبية – لانه مكتوب عندهم في التوراة ان الله قد وعدها أباهم ابراهيم لتكون لذريته من بعده، والقرآن يحدثنا في هذا المعنى فيقول ((واذ قال موسى لقومه يا قومى اذكروا نعمة الله عليكم اذ جعل فيكم أنبياء، وجعلكم ملوكاً، وآتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين ٭ يا قومى ادخلوا الارض المقدسة التي كتب الله لكم، ولا ترتدوا على ادباركم، فتنقلبوا خاسرين * قالوا يا موسى ان فيها قوماً جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها، فان يخرجوا منها فانا داخلون * قال رجلان من الذين يخافون، أنعم الله عليهما، ادخلوا عليهم الباب، فاذا دخلتموه فأنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين * قالوا يا موسى انا لن ندخاها ابداً ما داموا فيها، فاذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون * قال رب اني لا أملك الا نفسى، وأخى، فأفرق بيننا وبين القوم الفاسقين * قال فأنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض، فلا تأس على القوم الفاسقين)).
    فظلوا في صحراء سيناء أربعين سنة يتيهون في الارض، مات خلالها هارون، ثم مات موسى، وأقام الله، على بنى اسرائيل، مقام موسى، فتاه يوشع ابن نون، وآتاه النبوة، وأمره ان يقود بنى اسرائيل ضد عدوهم في أرض فلسطين.. وكان قد نشأ في الصحراء جيل جديد منهم، فساروا مع نبيهم ضد عدوهم ففتح الله عليهم ارض فلسطين، وبدأ من يومئذ عهدهم بها وكان ذلك في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
    فتح فلسطين

    ولم يكن الفتح ميسورا، وقد بدأوا بفتح المرتفعات الوسطى، واستقروا فيها بعض الوقت، وكان يسيطر على البلاد الساحلية في تلك الآونة الفلسطينيون، وهم احدى المجموعات الخمس لشعوب البحر الذين وفدوا من منطقة بحر أيجة، فهم وافدون أيضا، شأنهم في ذلك شان بنى اسرائيل. وكان الكنعانيون يشكلون معظم السكان على ذلك العهد. ثم توسع الفلسطينيون فتوغلوا في الداخل، واستولوا على عدد من المدن الكنعانية، الى ما كان عندهم من أرض الساحل، وقد امتد الساحل الذي استولوا عليه بصورة دائمة من غـزة حتى جنوبى يافا. وكانت ذروة قوة الفلسطينيين في النصف الثاني للقرن الحادى عشر قبل الميلاد حيث هزموا بنى اسرلئيل، في بعض ملاحمهم معهم، وأخذوا منهم تابوت العهد، وحملوه الى احدى مدنهم المحصنة، وقد كانت لهم خمس مدن نظمت بشكل ممالك مدن، وظلت لهم الغلبة على بنى اسرائيل الى ان ظهر فيهم نبى لهم يقال له صموئيل، فطلبوا اليه ان يعين لهم ملكاً يقاتلون معه عدوهم ويحدثنا القرآن في ذلك فيقول ((ألم تر الى الملأ من بنى اسرائيل، من بعد موسى اذ قالوا لنبى لهم أبعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله. قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا؟ قالوا وما لنا الا نقاتل في سبيل الله وقد اُخرجنا من ديارنا وأبنائنا؟ فلما كُتب عليهم القتال تولوا، الا قليلا منهم، والله عليم بالظالمين؟)) ثم ان نبيهم هذا قال لهم ان الله بعث لكم طالوت ملكاً، فقبلوه بعد لجاجة، وما كادوا يفعلون، وساروا معه للقاء عدوهم، فقص الله علينا من أخبارهم في سورة البقرة. ((ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا افرغ علينا صبرا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم باذن الله، وقتل داود جالوت، وآتاه الله الملك، والحكمة وعلمه مما يشاء، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض، ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين)). وكان داود شابا حدثا، يومئذٍ، وكان دقيق القامة، نحيل الجسم، شديد الاسر. واما جالوت فقد كان ملك الفلسطينيين، وكان عملاقا رهيبا، مدججا بالسلاح، فخذله الله وأسلمه الى داود فقتله. وفى تلك الموقعة جرح طالوت ملك بنى اسرائيل جرحاً بلغياً لم يلبث ان قضى عليه، فخلفه على بنى اسرائيل داود ملكاً نبياً، كما قال تعالى عنه ((وقتل داود جالوت، وآتاه الله الملك، والحكمة، وعلمه مما يشاء)).


    مملكة اليهود

    وكان عهد داود (نحو 1004 – 963 قبل الميلاد) هو عهد تأسيس مملكة بنى اسرائيل. ويبدو ان الموقعة التي قتل فيها داود جالوت الفلسطينى لم تكن حاسمة في نصرة بنى اسرائيل وهزيمة الفلسطينيين وانما بدأ بها التحول الحقيقى في ميزان القوى بين الشعبين المتنازعين، وبدأت الدولة تدال لبنى اسرائيل من عدوهم. ويحدثنا الدكتور فيليب حتّى في كتابه ((تاريخ سورية ولبنان وفلسطين)) الجزء الاول صفحة 203 فيقول، ((وقد بدأ حكمه تحت سيادة الفلسطينيين ولكنه نجح في النهاية ليس في تحقيق الاستقلال فحسب بل أيضاً في توسيع حدود المملكة الى أبعد مما بلغته في أى وقت آخر. قام داود بسلسلة من العمليات الحربية أدت الى التخلص من نير الفلسطينيين وجعل آدوم ومؤاب وعمون تحت حكمه وحققت له ما هو أغرب من ذلك وهو حكم سوريا المجوفة الآرمية حتى حدود مملكة حمأة كما يظن، ووصلت جنوده الى دمشق، وكانت المملكة التي أسسها أقوى دولة محلية ظهرت في فلسطين في أى عصر)).
    ويقال ان عدد بنى اسرائيل على عهد داود كان نحو الستمائة أو السبعمائة ألف نفس، وانتقى داود حصن أورشليم ليكون عاصمة له، وفى هذه المدينة أقام قصره الملكى، وقد بناه من الحجارة وخشب الارز المجلوب من لبنان، وأقام الى جانب قصره معبداً وطنياً لقومه في هذه العاصمة الجديدة، ((وهكذا جعل اليهودية الديانة الرسمية في الدولة الموحدة. وأصبح داود الملك الثاني بالنسبة للعبرانيين)) وهم بنو اسرائيل.
    ثم لم يلبث داود ان لحق بربه بعد ان وطد اكناف المملكة، وخلفه على عرشه أبنه سليمان الحكيم، وقد كان كوالده ملكاً نبياً، ((وورث سليمان داود، وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير، وأوتينا من كل شئ، ان هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون)).
    ولقد وصلت المملكة في عهد سليمان (963 – 923 قبل الميلاد) ذروة عالية من المجد، والقوة، والعمران. وبنى سليمان في أورشليم الهيكل المشهور باسمه. وفى ذلك يقول الدكتور فليب حتّى من كتابه آنف الذكر، ((وكان الهيكل الذي بناه أكثر أهمية من الناحية القومية. ويعتقد ان موقعه هو الموقع الذي فيه قبة الصخرة اليوم. وقد بنى هيكل سليمان في الاصل ليكون معبداً ملكياً ملحقاً بالقصر واستغرق بناؤه سبع سنوات فقط، ولكنه أصبح فيما بعد مركزاً عاما لعبادة العبرانيين)).


    .....
    تعقيب
    ونواصل لاحاقا حتى لا يحسب علينا العالم والعرب هؤلاء المتنطعين في القضائيات السودانية...العاجزين عن الفكر والعاطلين عن السياسة...
                  

01-06-2009, 07:19 PM

محمد على النقرو
<aمحمد على النقرو
تاريخ التسجيل: 06-29-2006
مجموع المشاركات: 1070

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    يا أخى نشكرك على الكلام الدسم
    لكن بس أتنمى تقبل اقتراحى
    نزل الكلام الفوق دا شوية شوية
    عشان يتقرى
    make it short and sweet
                  

01-07-2009, 12:36 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: محمد على النقرو)

    بناء على رغبة الجمهور
    نشكر الاخ محمد علي النقرو


    ساستخدم العناوين الجانية كل عن حدة


    Quote: انقسام المملكة والسبى

    ولبث سليمان ما شاء الله له ان يلبث ثم لما لحق بربه خلفه على المملكة ابنه. وفى زمنه انقسمت المملكة الى قسمين: قسم انشقت به القبائل العشر من قبائل بنى اسرائيل الاثنتى عشرة، وكان يسمى مملكة اسرائيل، وكانت عاصمته شكيم اولاً، ثم تزرة، ثم السامرة.
    والقسم الآخر من المملكة أقامت عليه قبيلتا يهوذا وبنيامين، وكان يسمى مملكة يهوذا، وكانت عاصمته اورشليم.. ولقد كانت هاتان المملكتان في حالة تنافس، وفى بعض الاحيان، تبلغ بهما المنافسة درجة العداوة بينهما.. ولقد تعرضتا للحروب من الممالك الاخرى.
    فاما مملكة اسرائيل فقد لاقت نهايتها في نحو عام 721 قبل الميلاد، حين انهزمت امام مملكة أشور، فسبى من رجالها اعداد كبيرة، لم تقم لها بعدهم قائمة.
    وبعد سقوط مملكة اسرائيل أصبحت مملكة يهوذا عرضة للغزو المستمر من امبراطورية أشور، وظلت تدفع الجزية لاشور، وفى مرة عصى مليكها مملكة أشور، ورفض دفع الجزية، فحاصرته جيوش أشور، وأوقعت به الهزيمة، واضطرته الى الرجوع لدفع الجزية من جديد، ودفع متأخراتها أثناء فترة العصيان أيضاً، وفوق ذلك فرضت عليه ارسال بناته وغيرهن من نساء القصر الى قصر سنحاريب الملكى في نينوى، ولقد ظلت في الثلاثة الارباع الاولى من القرن السابع تابعة خاضعة لنينوى، وعند سقوط نينوى على يدى بابل الجديدة الكلدانية وذلك في عام 612 قبل الميلاد تبعت لبابل.
    وأقامت على ذلك حتى عام 597 حين عصى ملكها الشاب اوامر بابل فسيرت اليه جيشا هزمه، وكان على رأسه ملك بابل نبوخذ نصر الذي سبى هذا الملك الإسرائيلي الشاب، مع نسائه، وأمه، وموظفيه، وسبعة آلاف من جنوده، وألف من مهرة الصنّاع. ثم أقام على مملكة يهوذا ملكا جديدا عهد اليه بالطاعة ومواصلة دفع الجزية لبابل وظل سبايا اليهود في بابل وسارت الحياة بمملكة يهوذا تحت الخضوع لبابل حتى اذا كان عام 586 قبل الميلاد قام فيها ملك سولت له نفسه عصيان بابل، تحت تحريض بعض الزعماء ورجاء مساندة مصر اياه. فجرد عليه نبوخذ نصر جيشاً جراراً ضرب الحصار الطويل على عاصمته أورشليم حتى سقطت في يدى نبوخذ نصر فهدمها، وهدم هيكلها، وهدم زيادة على ذلك، كل مدينة مهمة في مملكة يهوذا. ثم سبى العظماء من سكان أورشليم ومن سكان المملكة. ويقدر عددهم بخمسين ألفا كلهم قد حملوا الى بابل مع ملكهم. وقد ظل بنو اسرائيل في السبى ببابل حتى ظهر في مسرح التاريخ دولة عالمية جديدة هى الامبراطورية الفارسية.


    .........
    ونواصل ان شاء الله
                  

01-07-2009, 12:39 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: العودة من السبى

    عندما ظهر الفرس في مسرح الحوادث وخربوا بابل عام 539 قبل الميلاد، ودخل الملك الفارسى كورش مدينة بابل، وجد فيها جالية يهودية كبيرة يعود أصلها الى أيام السبى الذي جرى لهم على يدى نبوخذ نصر، مرة في عام 597 وأخرى في عام 586 قبل الميلاد. وقد يكون لهذه الجالية اليهودية يد في مساعدة كورش على اقتحام مدينة بابل. ومهما يكن من الامر فانه قد بادر الى اصدار مرسوم ملكى يخول حق العودة لمن شاء منهم الى أرض آبائهم، ويشجعهم على اعادة بناء معبدهم. وكانت سياسة كورش هذه عكس السياسة التي اتبعها الاشوريون والبابليون من سبى الشعوب المهزومة في الحروب، ولقد اعتبر اليهود كورش هذا كمخلص أرسله الله لانقاذهم.
    ولابد ان يكون عدد غير قليل قد استفاد من هذا الحق الذي عرضه عليهم الفاتح الجديد، فعادوا الى ارض وطنهم الذي كان الحنين يساورهم اليه طيلة مدة السبى. وقد عبر شاعرهم عن هذا الحنين بكلمات مؤثرة ((المزمور 137)) وذلك حيث يقول:
    (( 1- على انهار بابل هناك جلسنا – بكينا أيضا عندما تذكرنا صهيون.
    2- على الصفصاف في وسطها علقنا اعوادنا.
    3- لانه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمه، ومعذبونا سالونا فرحين قائلين رنموا لنا ترنيمات صهيون.
    4- كيف نرنم ترنيمة الرب في ارض غريبة؟
    5- ان نسيتك يا أورشليم تنسى يمينى.
    6- ليلتصق لساني بحنكى ان لم اذكرك، ان لم افضل اورشليم على أعظم فرحى.))
    كما انه لا بد ايضا ان يكون بعض المسبيين من الذين اغتنوا، وأصبحت لهم جذور في أرض بابل قد آثروا البقاء في وطنهم الجديد. وكانوا يقيمون الى الجنوب الشرقى من بابل، وكانوا يقاومون الاندماج بالسكان الاصليين، وهم بذلك قد كانوا طليعة ما عرف فيما بعد باسم ((الدياسبورا)) وهم اليهود المقيمون خارج فلسطين. وكانت الديانة اليهودية عاملا رئيسيا في تماسك اليهود في ديار غربتهم.
    إعادة بناء الهيكل

    وكان زعيم اليهود العائدين من السبي هو ((زروبابل)) وقد ارجع معه، بتوجيه من الملك الفارسي كورش، كنوز الهيكل التي نهبها نبوخذ نصر. وقد اعترفت به الجماعة العائدة حاكما عليها. وبعد صعوبات عديدة واجهته نجح في بناء الهيكل ثانية في عام 515 قبل الميلاد. وكان ذلك على عهد داريوس ملك الفرس، وقد تم بناء الهيكل على نفقة حكومته.
    وفى منتصف القرن الخامس قبل الميلاد سمح ملك الفرس على ذلك العهد لفوجين متتاليين من أفواج المسبيين بالعودة الى وطن آبائهم. وكان على رأس احد هذين الفوجين نحميا، وهو فتى يهودي في الحادية والعشرين، وكان يعمل في البلاط الفارسي ببابل، وقد وصل على رأس فوجه في عام 444 قبل الميلاد، وكان هدفه الصريح إعادة بناء أسوار اورشليم. وقد تم له ذلك ولكن في وجه معارضة شديدة من جيرانه. وكان بين المعارضين زعيم عربى يدعى جشمو، يعتقد بعض المؤرخين انه قد يكون من قبيلة ثمود التي كانت تسكن فلسطين. وحكم نحميا شعبه في ظل السيادة الفارسية بين عامى 444 – 432 قبل الميلاد وكانت دولته دولة دينية.
    وكان على رأس الفوج الثاني من فوجي المسبيين العائدين عزرا، وهو قد يكون المذكور عندنا في القرآن باسم ((عزير)).
    وكان قد سبق نحميا الى اورشليم برخصة من ملك الفرس ليصلح دين الشعب اليهودي، وكان يرمى الى ايجاد عقيدة دينية نقية، وكان يرمى ايضا الى نقاوة العنصرية. وقد بلغ من ذلك أنه كان يأمر بطلاق النساء غير اليهوديات، ويعتبر ابناءهن غير شرعيين. فكأن عزير قد كان ممن يربطون ربطا وثيقا بين الدين اليهودي وبين عنصرية بنى اسرائيل، وهو في ذلك يختلف عما يفهم ارميا، وعما يوصى به، فقد ورد في رسالة له بالاصحاح التاسع والعشرين قوله، ((هذا كلام الرسالة التي ارسلها ارميا النبى من أورشليم الى بقية شيوخ السبي، والى الكهنة والانبياء، والى كل الشعب الذين سباهم نبوخذ نصر من أورشليم الى بابل بعد خروج بكنيا الملك، والملكة، والخصيان، ورؤساء يهوذا، وأورشليم، والنجارين، والحدادين من أورشليم بيد العاسة بن شافان وجمريا بن حلقيا اللذين ارسلهما صدقيا ملك يهوذا الى نبوخذ نصر ملك بابل، قائلا هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل لكل السبي الذي سبيته من أورشليم الى بابل. أبنوا بيوتا واسكنوا واعرشوا جنات وكلوا ثمرها. خذوا نساء ولدوا بنين وبنات، وخذوا لبنيكم نساء واعطوا بناتكم لرجال فيلدن بنين وبنات واكثروا هناك ولا تقلوا، واطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم اليها، وصلوا لاجلها الى الرب لانه بسلامها يكون لكم سلام لانه هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل لا تغشكم أنبياؤكم الذين في وسطكم، وعرافوكم، ولا تسمعوا لاحلامكم التي تتحلمونها لانهم انما يتنبأون لكم باسمى بالكذب انا لم أرسلهم يقول الرب)).
    هذا ما قاله الرسول ارميا وهو قول يحارب التعصب العنصرى، ويدعو اليهود الى الامتزاج بالمجتمع الذي يعيشون فيه، والى الاخلاص للبلد التي يسكنونها، بل ويحذر من دعاة العنصرية والتعصب، ويصمهم بالكذب على الله وان ادعوا انهم مرسلون. ولكن جرت سنة النفوس انها اكثر ميلا الى التعصب والعنصرية، وضيق الافق، منها الى ما تدعو اليه الاديان من التسامح والأخوة، وسعة الادراك. وكلما الحت عوامل الحياة على اليهود ان يعايشوا شعوبا اخرى، وان ينسوا عنصريتهم وينغمسوا في مجتمعهم المختلط الجديد، لم يعدموا من بين صفوفهم الانبياء الكذبة الذين يشدونهم الى التعصب شدا عنيفا والتطور لا يقف. فمع ان اليهود قد استمتعوا بامتياز الحكم الذاتى في عهد زروبابل ونحميا فان اللغة العبرية لم تعد الى حياتهم اليومية كما كانت من قبل، وانما اصبحت تستعمل في الحيز الدينى، وحلت محلها، في المعيشة اليومية كلغة دارجة، اللغة الآرامية.. وكذلك كلغة للمراسلات الرسمية، وأخذت اللغة العبرية تندثر، وقد تركت عند اندثارها تراثا غنيا من المفردات في اكثر اللغات المتحضرة، ويرجع أصل كثير من أسماء الاعلام عندنا نحن، في اللغة العربية، اليها، مثل اسم ابراهيم، ويوسف، واسحق، واسماعيل، ويحيى، ومريم، وداود، وسليمان، وكثير غيرها، وأسماء الملائكة.. والقرآن ملئ بهذه المفردات العبرية، أو المفردات التي أتت من لغات أخرى، كالفارسية مثلا عن طريق اللغة العبرية، ككلمة الفردوس، على سبيل المثال.
    ثم ظهر الاسكندر على مسرح التاريخ، فقوض ملك فارس، وخضعت له أورشليم. وأصبحت على عهده اللغة اليونانية هى لغة العلم.. ثم مات الاسكندر في عمر مبكر، وتمزقت امبراطوريته التي أنشأها بسرعة شديدة الى اربع دول، وقد قام على رأس كل دولة منها أحد قواده الكبار: بطليموس في مصر، وسلوقس في مرزبانة بابل، وأنتيفونس في آسيا الصغرى، وانيتياتر في مكدونيا، وانما يهمنا في موجزنا هذا سلوقس، لانه مؤسس الدولة السورية، وكان ذلك بين عامى 312 و280 قبل الميلاد. ومن اسمه يجئ اسم الدولة السلوقية وقد سار هو وخلفاؤه من بعده سيرة الاسكندر. وكانت مملكته أعظم الممالك التي قامت على انقاض مملكات الاسكندر، في قوتها واتساعها.. وبين عامى 175 و 164 قبل الميلاد خلف على عرش الدولة السلوقية أحد أحفاد سلوقس، وكان اسمه انطيوخس الرابع، وكانت عاصمة ملكه مدينة انطاكية، وكان يسير سيرة أسلافه في نشر الثقافة الهلينية، بيد انه ذهب أبعد مما يجب، وبلغ من امره ان أعلن نفسه الها وفرض عبادة نفسه على رعيته. وقد وجد الاستجابة من السوريين، ووجد أشد المعارضة من اليهود.
    ويحدثنا الدكتور فليب حتى من كتابه ((تاريخ سورية و لبنان و فلسطين)) الجزء الاول، الصفحة 267 عن ذلك فيقول (كانت الارستقراطية و الاغنياء و الطبقة المتطورة بين اليهود في اورشليم قد تجاوبت حتى الان مع العوامل الخارجية بتبنيها اللغة و العادات اليونانية، و كانت على استعداد الان للتعاون. و لم يكن لديهم اى اعتراض على تسميتهم انطاكيين. و اصبح اللباس اليوناني شائعا بين الشبان، وبدأ الجمنازيوم اليوناني بالظهور. واعتمد انطيوخس على تعاونهم فشجع اعتبار يهوه مساويا لزفس و اقام مذبحا في المعبد للاله اليوناني و كان ذلك كما جاء في دانيال ((11: 31)) و ((تجعل الرجس المخرب)).
    ثم يذهب الدكتور يسوق لنا مزيدا من الحديث عن ذلك في صفحة 268 فيقول ((ومع ذلك كان المتمسكون باصول الديانة و القوميون بين اليهود متحدين في معارضتهم الاكيدة. ونشبت الثورة سنة 168 قبل الميلاد بزعامة يهوذا وهو ابن كاهن بسيط يدعى ماتايتاس من الاسرة الهاسونية. و اتخذ بعد ذلك لقب المكابى، ووجهت الثورة في اول الامر ضد الطبقة العليا التي تستغل الجماهير اكثر منها ضد الحكومة المركزية. وقد نظم يهوذا واخوته عصابات غير نظامية تعمل في التلال وتتجنب المعارك النظامية مع القوات الملكية. وكان هناك اتقياء (حاسيديم) بين الذين ثاروا على انطيوخس ولم يقبلوا بتدنيس يوم السبت بقيامهم باعمال حربية لذلك أبيدوا بسهولة. وتعتبر هذه الحادثة من أقدم حوادث الاستشهاد الدينى في التاريخ المدون، وقد احتلت اورشليم بجهود الاخوة المكابيين، فظهر الهيكل، واعيدت الذبائح اليومية. ولتخليد هذه الذكرى أقيم عيد هونكة (التكريس) ولا يزال يحتفل به سنويا منذ ذلك الحين)) هذا ما قاله الدكتور فيليب حتى.


                  

01-08-2009, 06:46 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)


    عادل

    تحياتي


    ما زلنا في انتظار البقيه


    واصل
                  

01-08-2009, 12:13 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: ahmed haneen)

    سلام احمد حنين
    ما اتقابلنا للاسف في زيارتي الاخيرة والقدم ليه رافع ويا حليل بربر


    Quote: جمهورية يهودية

    وقد كانت حركة الاخوة المكابيين في بدايتها ثورة دينية، ثم تطورت الى ثورة قومية تستهدف تحرير البلاد، ولم يكن الصراع ضد قوات الحكومة فقط. بل كان ايضا صراعا بين هؤلاء القوميين اليهود وبين قومهم من انصار الثقافة الجديدة، الذين كانوا قد ألفوا حزبا باسم الحزب الهلنستى (حزب الاصلاح) وقد انتصر القوميون اليهود على قوات الحكومة كما انتصروا على انصار الثقافة الجديدة من قومهم. واضطر الملك السلوقى ديمتريوس الثاني الى منح اليهود المنتصرين الاستقلال، وانتخب سمعان، وهو شقيق يهوذا، في عام 141 قبل الميلاد كاهنا اعظم وحاكما على الجمهورية اليهودية الجديدة. واخذ سمعان يضرب النقود ودخلت اورشليم عهدا جديدا، وأخذت تؤرخ منذ ذلك الحين فصاعدا كما يلى: ((فى السنة الاولى من حكم سمعان الكاهن الاعظم والحاكم)). وقد دامت هذه الجمهورية اليهودية الجديدة الى ظهور الرومان في مسرح التاريخ خلفا لليونان. وذلك بعد ثمانين سنة من بدء ظهور هذه الجمهورية اليهودية.
    وبظهور الرومان في مسرح التاريخ، وحلولهم محل اليونان في السلطة، اصبحت سوريا ولاية رومانية، ونقضت من يومئذ سلطة الجمهورية اليهودية وجرد الكاهن الاعظم من السلطان، وفرضت على السكان الضرائب الباهظة، وكان ذلك حوالى 60 قبل الميلاد.. وأصبح بذلك الكاهن الاعظم مجرد رئيس طائفة دينية تعينه الاستقراطية اليهودية. واما عامة اليهود فقد انبثوا في جاليات في سائر المدن السورية يعايشون في تحفظ، السكان المختلفين، ويحتفظون بالعبرية كلغة مقدسة.
    كان المجتمع السورى، عقب الفتح الروماني، قد أخذ يستجيب لتأثير الحضارة الرومانية، ما عدا اليهود فان ارستقراطيتهم كانت قد انصبغت بالصبغة اليونانية، وعامتهم قد اقامت على نقاوة دينية، وعلى تعصب موروث من عهد الاخوة المكابية التي وردت الاشارة اليها آنفا.
                  

01-08-2009, 12:14 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: نهاية اليهود كدولة

    يحدثنا الدكتور فليب حتى في كتابه آنف الذكر صفحة 375 عن نهاية اليهود على أيدى الرومان، فيقول ((عومل اليهود منذ عهد بومبى كجماعة متميزة بسبب الوحدانية الشديدة لدينهم. فكانوا في عهد الاباطرة معفيين من الخدمة في الجيش ومن الطقوس الواجبة نحو الامبراطور. فلم يطلب منهم المساهمة في عبادة الحاكم الروماني المقرونة بتقديم القرابين له. وكانوا بممارستهم سياسة الانطواء والعزلة يغذون شعورهم القومى. وأدى هذا الى اصطدامات اتسعت فأصبحت ثورة قومية بين 66-70 ميلادية في عهد نيرون وبين 132-134 تحت حكم هادريان. ونتج عن هاتين الثورتين الانفصام النهائى بين اليهود والمسيحيين وحلت بالمجتمع اليهودي كارثة دائمة)).
    ففى الثورة الاولى عهد نيرون بقمعها الى أحد قواده الذي أخضع الريف والحصون المنعزلة ودمر بعض المدن ومنها مدينة يافا. ثم قام قائد روماني آخر على راس جيش جرار فحاصر اورشليم مدة خمسة شهور سقطت بعدها في أيدى الرومان، وكان ذلك في سنة 70 ميلادية، وقد حل بالمدينة من الخراب ما تقشعر له الابدان، ويكفى في تصوير هذه الفاجعة الميثاق المتبادل بين اليهود الذين تعهدوا فيه بابادة أنفسهم حين كان الرومان يفتحون المدينة. وكانت الخطة التي اتفقوا عليها ان يقتل كل منهم نساءه وأطفاله ثم يلقى سلاحه ويقدم رقبته ليتلقى الضربة القاضية من الذي جعلته القرعة منهم يباشر هذه المهمة الكئيبة. وقد كتب الوصف التالى مؤرخ ساهم بنفسه في هذه الحرب، قال:
    ((كان الازواج يضمون زوجاتهم بحنان ويحملون أطفالهم بين اذرعهم ويتعانقون عناق الوداع والدموع تترقرق في مآقيهم، ولكنهم نفذوا في الوقت ذاته ما اعتزموا عمله كأنهم يعملون ذلك بأيد غريبة. وقد جعلوا عزاءهم لضرورة ما قاموا به تفكيرهم بالمصائب التي سيقاسونها فيما لو سقطوا بأيدى أعدائهم. وكانوا رجالا تعساء بالحقيقة بسبب الضرورة التي وجدوا فيها وهم الذين بدا لهم ذبح زوجاتهم وأطفالهم بأيديهم أهون الشرور التي تنتظرهم)).
    هذا ولقد أجبر كثير ممن بقى من هؤلاء ووقع في الاسر ان يقاتل بعضهم بعضا، او يقاتل ضد الحيوانات المفترسة في المدرجات. ومنعت البقية الباقية منهم من الاقتراب من عاصمتهم اورشليم التي كانت قد دمرت تدميرا تاما واحرق معبدها، ولقد قدر عدد من لقى حتفه في هذه الكارثة بمليون يهودي.
    ثم اذا كان موعد الثورة اليهودية الثانية على الرومان تعرض اليهود لقصة موت أخرى، وذلك بين عام 132 و عام 134، حين قام قائد غامض يسمى سيمون باروخبا بثورة سحقها هادريان الروماني، ودمر في سحقها من القرى ما قدر بتسعمائة وخمس وثمانين قرية، وقدر عدد القتلى من السكان بخمسمائة وثمانون الفا، وحول اورشليم الى مستعمرة رومانية وانتهت بذلك الامة اليهودية كأمة لها وطن، ومن يومئذ ((تفرق اليهود في مختلف انحاء العالم فلم يكن لهم بيت أو وطن، واينما حلوا كانوا يعاملون معاملة الغرباء غير المرغوب فيهم)) كما يحدثنا جواهر لال نهرو في كتابه (لمحات من تاريخ العالم) ويمضى نهرو في حديثه ذلك فيقول ((فاضطروا ان يسكنوا في أماكن خاصة في المدن منفصلة عن باقى الاحياء، حتى لا يدنسوا بقية الناس. وكانوا في بعض الاحيان يجبرون على ارتداء ألبسة خاصة تميزهم عن غيرهم. لقد أذلوا، وعذبوا، وذبحوا، حتى ان كلمة يهودي أصبحت مرادفة للبخل والربا، ومع ذلك فقد استطاع هذا الشعب العجيب ان يعيش ويحتفظ بكل مقوماته وينجح وينجب رجالا يعتبرون من أعظم رجال العالم. فترى منهم اليوم العلماء والسياسيين والادباء ورجال الاعمال والمال، غير ان أغلبيتهم لا تعتبر غنية، فترى كثيرا منهم يتجمعون في مدن شرقى اوروبا ويتعرضون من آن لآخر لمذبحة من المذابح.فهؤلاء الناس الذين يعيشون بلا بيت ولا وطن يحلمون دائما بالقدس التي تتراءى لهم أحسن وأعظم مما هى بالحقيقة. يسمون القدس ((صهيون)) والارض الموعودة ومنها كلمة ((الصهيونية)) التي تعني نداء الماضى للعودة الى القدس)). هذا ما يحدثنا به نهرو في نهاية اليهود كدولة على ايدى الرومان، عام 134 م.

                  

01-09-2009, 03:40 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: [U]العنصرية الاسرائيلية

    لقد ورد في بعض الكتب قولهم ((ان روما سحقت الدولة اليهودية ولكنها لم تنل من العنصرية اليهودية)).
    وفى الحق ان الناس ما عرفوا عنصرية كعنصرية اليهود في شدة تماسكها، وفى تعصبها، ويرجع السبب في ذلك الى عدة عوامل أهمها الدين.. فقد كان اليهود من سحيق الآماد طليعة ديانة التوحيد. وقد عايشوا امما عدة فلم يكن دين التوحيد الا عندهم هم. فقد عايشوا القبائل المختلفة في فلسطين قبل عهدهم بمصر وبعد خروجهم من مصر، وعايشوا من الامم المصريين، والآشوريين، والكلدانيين، والفرس، واليونان والرومان فما وجدوا عندهم غير الوثنية والمجوسية وعبادة قوى الطبيعة والحيوان والبشر، أحياء وأمواتا. وكانوا هم بفضل هذا التوحيد شعب الله المختار بحق. وقد تقرر هذا عندنا في القرآن كما تقرر عندهم في التوراة.. اما عندهم ففى أشعياء، الاصحاح الثالث والاربعين يقول ((لا تذكروا الاوليات، والقديمات لا تتأملوا بها. هأنذا صانع أمرا جديدا. الآن ينبت. الا تعرفونه. اجعل في البرية طريقا في القفر انهارا. يمجدنى حيوان الصحراء. الذئاب وبنات النعام لاني جعلت في البرية ماء انهارا في القفر لاسقى شعبى مختارى. هذا الشعب جبلته لنفسى. يحدث بتسبيحى)).
    واما عندنا فعن الاصطفاء يقول تعالى ((يا بنى اسرائيل أذكروا نعمتى التي انعمت عليكم واني فضلتكم على العالمين)) وذلك من سورة البقرة، ويقول في آل عمران ((ان الله اصطفى آدم، ونوحا وآل ابراهيم، وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم)) واما عن التوحيد فقد قال تعالى ((أم كنتم شهداء اذ حضر يعقوب الموت؟ اذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى؟ قالوا نعبد الهك، واله آبائك، ابراهيم، واسماعيل، واسحق، الها واحدا ونحن له مسلمون)).
    وفهم اليهود الخاطئ لعبارة ((شعب الله المختار)) هو الذي جر ولا يزال يجر عليهم المصائب، ويمنعهم من الاستجابة لنداء الحياة الملح بالتطور، وبالاندماج في ركب البشرية السائر بوسائل العلوم، وبوسائل ديانات التوحيد الى الوحدة، وكما بدا آنفا فقد كان اليهود طليعة دين التوحيد بهذه الصورة الجماعية، ولكنهم عندما ظنوا ان دين التوحيد يخصهم وحدهم أخطأوا، وانعزلوا، واستكبروا، فرفضوا المسيح عندما جاءهم بما لا تهوى أنفسهم، ورفضوا محمدا. وما كان ينبغى لهم ان يفعلوا ذلك لو تفطنوا، ذلك بان أتجاه التطور حتى في تعاليم أنبيائهم كان يستهدف أعدادهم لقبول دعوات التوحيد المتجددة، حين تظهر، وكلما ظهرت، وعلى يدى من تظهر على يديه. فرسالة ارميا التي وردت الاشارة اليها، وقول اشعياء في الاصحاح الثالث والاربعين الذي أوردناه آنفا يقومان دليلا على الا عذر لهم حين رفضوا المسيح ومحمدا. اللهم الا عذرا يقوم على العجز عن دقة الفهم عن النصوص المرنة، التي تحمل عديد الوجوه، يمد في هذا العجز، ويمهد له، تعصب عنصري لا يرى ان الخير يمكن ان يجئ من غير عنصر الاسرائليين.. ففى أشعياء الاصحاح الحادى عشر يرد قوله ((ويخرج قضيب من جزع يسى وينبت غصن من أصوله ويحل عليه روح الرب. روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب ولذته تكون في مخافة الرب فلا يقضى بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه بل يقضى بالعدل للمساكين ويحكم بالانصاف ولبائسى الارض ويضرب الارض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه ويكون البر منطقة متنيه والامانة منطقة حقويه.
    ((فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدى والعجل والشبل والمسمن معا وصبى صغير يسوقها والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معا والاسد كالبقر يأكل تبنا ويلعب الرضيع مع سرب الصل ويمد الفطيم يده على جحر الافعوان لا يسوءوه. ولا يفسدون في كل جبل قدسى لان الارض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطى المياه البحر ويكون في ذلك اليوم ان أصل يسى القائم راية للشعوب أياه تطلب الامم ويكون محله مجدا)).
    ومثل هذا القول يمهد الطريق لقبول المسيح، ولقبول محمد، اذا وقع على اذن واعية، هذا مع ان كل الموعود به لم يتم على يدى المسيح، ولم يتم على يدى محمد، وانما يبقى منه ما يتم على يدى المسيح الاخير، الذي بمجيئه تتحقق الخلافة البشرية على الارض، كما تحققت يوم خلق الله آدم قبل ان يخطئ، فيزل، فيطرد. ولكن اليهود لم يفهموا فانتظروا المجئ الاخير (ولا يزالون ينتظرونه) ورفضوا الخطوات المؤدية اليه. ومن ههنا جاء انعزالهم، وجاء بعض ما يلقون من عنت، برفضهم المسيح، وبرفضهم محمد.
    وفى اشعياء أيضا، في الاصحاح الرابع والخمسين يقول ((ترنمى أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدى بالترنيم أيتها التي لم تمخض لان بنى المستوحشة أكثر من بنى ذات البعل قال الرب. اوسعى مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك لا تمسكى. أطيلى أطنابك وشددى أوتادك لانك تمتدين الى اليمين والى اليسار ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربة. لا تخافى لانك لا تخزين. ولا تخجلى لانك لا تستحين. فانك تنسين خزى صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد. لان بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه. ووليك قدوس اسرائيل اله كل الارض يدعى. لانه كأمرأة مهجورة، ومحزونة الروح، دعاك الرب، وكزوجة الصبا اذا رذلت قال الهك. لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة وباحسان ابدى ارحمك قال وليك الرب. لانه كمياه نوح هذه لى. كما حلفت الا تعبر بعد مياه نوح على الارض هكذا حلفت الا أغضب عليك ولا أزجرك. فان الجبال تزول والاكام تتزعزع أما احساني فلا يزول عنك وعهد سلامى لا يتزعزع قال راحمك الرب)).
    هذا القول يعنى، فيما يعنى، هاجر في مقابلة سارة. وهو بذلك اشارة الى العرب في مقابلة بنى اسرائيل. ومن ثم فهو يبشر اليهود بمحمد ((ترنمى ايتها العاقرالتي لم تلد)) يعنى لم تنجب نبيا غير اسماعيل في حين ان الانبياء كلهم من ولد سارة. فحين قال ترنمى ايتها العاقر التي لم تلد)) اشار الى أنجاب نبى من ولد هاجر، جدة فريق من العرب، وقد كان محمدا. ولكن الاسرائليين قد أعمتهم عنصريتهم عن تقبل الحق الذي جاءهم به. وفى هذه الآيات يرد قوله تعالى، ((وويلك قدوس اسرائيل اله كل الارض يدعى)) ولكن اليهود لا يريدون ان يفهموا الا انه تعالى الههم وحدهم، وهم وحدهم شعبه. ومن ثم فأن ضلالهم بعيد، بعيد.
    وفى ملاخى، الاصحاح الرابع يقول تعالى قولا واضحا، ((هانذا أرسل اليكم ايليا النبى قبل مجئ يوم الرب، اليوم العظيم، والمخوف، فيرد قلب الآباء على الابناء، وقلب الابناء على آبائهم، لئلا آتى واضرب الارض بلعن)) ((فأيليا النبى)) معرفا بالالف واللام هو محمد النبى الامى وخاتم النبيين. ولكن اليهود لا يعلمون. وهم لا يعلمون لانهم ظنوا ان التوراة، وان اليهودية خاصة بقوميتهم الاسرائيلية، وان الله الههم وحدهم، وليس لامم الارض فيه مشاركة. ومن ثم جاء ضلالهم، وبعدهم، وتعاليهم على الامم، مما جر عليهم، وعلى الامم الويلات والمصائب.
                  

01-09-2009, 03:42 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: الحركة الصهيونية

    بعد تخريب الرومان لاورشليم عام 134 ميلادية تفرق اليهود في وجه الارض وبقى منهم من بقى في فلسطين، وممن بقى المعلم يهوذا، وقد كتب حوالى عام 200 ميلادية القسم الاول والاهم من التلمود وهو ما يسمى (المشنا) ويتضمن تقاليد زعماء اليهود السماعية وفتاواهم. واما القسم الثاني من التلمود فقد كتب فيما بين عام 200 وعام 500 ميلادية وقد كتب خارج فلسطين.. كتب في بابل، وهو عبارة عن شرح وتفسير لما جاء في ((المشنا)) ولقد اوردنا آنفا نموذجا لما جاء في التلمود من وصايا يهودية هى من الدلائل على مدى التعصب العنصري ولا باس من اعادتها هنا.. تقول ((أيها اليهودي.. اعتزل باقى الامم وابق على شخصيتك بينها واعلم أنك أنت الوحيد عند الله.. آمن بالنصر على العالم.. آمن بأن كل شئ سيخضع لك.. فاستغل.. وعش.. وانظر.. وانتظر))
    ومن أسوأ ما يوحيه التلمود لبنى اسرائيل ان يعتقدوا ان كل الارض ميراث لهم يجب ان يستولوا عليها من الخوارج (ويعنون بذلك كل من عدا اليهود) ويجب ان تؤول اليهم السلطة على هذه الارض بكل وسيلة. كما ظهر لك من الفقرة الماضية، ولقد كان من دواعى هذا الشعور ان اليهود انعزلوا عن الشعوب التي عاشوا بينها، ولم يرتبطوا بولاء للارض ولا للسلطة التي عاشوا تحتها، وكثيرا ما اتهموا بالخيانة، اما للشعوب التي يعايشونها أو للسلطة.. فعندما ظهر الوعى الطبقى والثورات الشعبية في غرب اوربا في القرن السابع عشر ناهضها اليهود، وضلعوا مع السلطة يومئذ، وعن ذلك يحدثنا الاستاذ عبد الستار البدري في مقالة له بعنوان ((الصهيونية والعالم العربى)) ظهرت بمجلة القلم بعددها الخاص بحرب فلسطين وفيها يقول ((ولقد ظهرت حركة يهودية في القرن السابع عشر عرفت باسم حركة (الهاسكالا) نتيجة لظهور الوعى الطبقى والثورات الشعبية في غرب اوروبا وقامت على أساسين أولهما الولاء المطلق لرجال الكنيسة ورجال الحكم القائم حينئذ – وثانيهما العداء السافر للحركات الشعبية التي استهدفت هدم النظام الاقطاعى الذي كان سائدا في اوروبا – كما اهتمت هذه الحركة باحياء اللغة العبرية القديمة وخلق وعى يهودي والارتفاع بالمستوى الثقافى والاجتماعى للجموع اليهودية وابعاد الطبقة العاملة من اليهود عن الاندماج في الحركات الشعبية والثورية)). فهم، في هذه المرة، حين ساندوا السلطة، انما ساندوها ليعارضوا الحركات الشعبية التي، اذا انتصرت، لا تستقيم مصالحهم مع مصالحها، بالقدر الذي به تستقيم مع مصالح السلطة المتمثلة في الكنيسة، وفى اصحاب الاقطاع.
    وبظهور الحركات القومية في اوروبا في منتصف القرن التاسع عشر ظهرت الحركة الصهيونية بين اليهود كحركة قومية، وقد كان من ضمن أغراضها جذب الطبقة العاملة اليهودية، وملء فراغها، والابتعاد بها عن الانغماس في الحركات الشعبية. هذا الى جانب الغرض الرئيسى بالطبع، وهو انشاء الدولة اليهودية في فلسطين. على ان تبدأ الخطة بالدعوة الى اقامة وطن قومى لليهود في فلسطين وذلك باستعمارها وامتلاك أرضها، وبمواصلة الهجرة المنظمة اليها. وظهور الحركة ((الصهيونية)) لا يعنى انها حركة جدت في حياة اليهود. فقد سبق ان قلنا في هذا الكتاب ان اليهود يسمون القدس ((صهيون))، والارض الموعودة، وجاءت من ذلك كلمة ((الصهيونية)) وهى تعني نداء الماضى للعودة الى القدس، وبذلك فلا تكون الحركة ((الصهيونية)) نشأت في أواخر القرن التاسع عشر، وانما انبعثت من جديد، بشكل تنظيمى جديد، على أثر ظهور كتاب الصحفى اليهودي النمسوى تيودور هرتزل عن الدولة اليهودية، ذلك الكتاب الذي أثار حماس اليهود، ونشر الدعوة الى عقد مؤتمر للحركة ((الصهيونية)) فانعقد في عام 1897، واتخذ قرارات بتنمية حركة الاستعمار اليهودي في أرض فلسطين، وكان بذلك البعث الحديث لحركة القومية اليهودية الهادفة الى استعادة أرض فلسطين لاقامة دولة اسرائيل عليها.
    وليس هناك شك في ان بعض اليهود ليسوا صهيونيين، وانما هم يعتقدون تعليم انبيائهم في الله، وفى دين التوحيد، ويفهمون معنى ((شعب الله المختار)) على نحو يمكن ان يكون بداية لقاء بين اليهود وبقية البشر، ولكن حركة الصهيونية أقوى من هؤلاء، وذلك لان ميول النفوس البشرية تجد يسرا في الاستجابة لدواعى العنصرية، والتعصب، أكثر مما تجد في الاستجابة للنقاوة، وحرية الضمير. ومن أجل ذلك، فان حركة الصهيونية تمثل خطرا جسيما، ليس على العرب فحسب، وانما على العالم أجمع.. وعلى اليهود أنفسهم. وليس هناك سبيل لدرء خطر الصهيونية عن طريق الحرب، والسلاح، حتى وان استهدف السلاح افناء اليهود، ذلك بأن ما حصل من عنف، وبطش، وتقتيل، وسبى في عصور البشرية المظلمة لا يمكن ان يسمح له بأن يعاد في أيامنا هذه. ومع ذلك فأن العنصرية اليهودية لم تزدد به الا تمسكا بتعصبها، وعمائها الشديد، ولقد استعرضنا في الصفحات السوالف طرفا مما جرى لليهود من يوم دخولهم الى ارض مصر في عهد الفراعين والى عام 134م حيث تم تحطيمهم، كأمة، على أيدى الرومان وبدأ تشتيتهم في أطراف الارض، وغرضنا من هذا الاستعراض توكيد ضرورة اللجوء الى أسلوب غير أسلوب الحرب لدرء خطر حركة الصهيونية، وذلك أمر سنعرض له فيما بعد ان شاء الله.
                  

01-11-2009, 12:27 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: [U]الانتداب وهجرة اليهود

    تعهدت بريطانيا اذن للحركة الصهيونية بانشاء وطن قومى لليهود في فلسطين، وأعلن ذلك وزير خارجيتها آرثر بلفور في نوفمبر عام 1917. ولقد أعطيت بريطانيا الانتداب على أقليم فلسطين في عام 1919 بقرار من القوات المتحالفة المنتصرة. ثم ان عصبة الامم في عام 1923 أقرت انتدابها على فلسطين رسميا، واقرت وعد بلفور بالوطن القومى لليهود، وكلفت بريطانيا بالقيام على انشاء هذا الوطن القومى، وقد جاء هذا التكليف الرسمى من عصبة الامم على النحو التالى:-
    ((ان الانتداب سيكون مسئولا عن وضع الدولة في ظروف سياسية وادارية واقتصادية تساعد على انشاء وطن قومى لليهود في تلك البلاد.. كما انه سيعمل على تطوير منظمات الحكم الذاتى، بالاضافة الى مسئوليته عن حماية الحقوق الدينية والمدنية لجميع السكان في فلسطين دون مراعاة للاختلافات العنصرية او الدينية)).
    وقد كان من ضمن توصيات وتوجيهات عصبة الامم لبريطانيا وهى دولة الانتداب ((ان تيسر هجرة اليهود بشروط مناسبة)) وان تشجع استيطان اليهود ببعض ارض فلسطين سواء أكانت ((أرض الدولة او الارض القاحلة التي لا تحتاج اليها الدولة للمنافع العامة)).
    وفى ابان قطع البريطانيين بوعد بلفور اصرت الصهيونية على ان تدخل امريكا في الالتزام بهذا الوعد، وسعى زعماء الصهيونية في بريطانيا وفى امريكا سعيهم حتى اهتم الرئيس الامريكى ودرو ولسون فكون لجنة ارسل بها الى فلسطين لتوافيه بتقرير بعد دراسة الحقائق على الطبيعة، وقد كان ذلك عام 1919، ولقد تقدمت هذه اللجنة بتقرير تقول فيه ((ان مؤتمر السلام ينبغى الايغمض عينيه عن حقيقة هامة هى ان الشعور المضاد للصهيونية في فلسطين وسوريا شعور عنيف لا يجب ان نغض من شأنه او نأخذه مأخذ السخرية والتهكم. وقد أجمع الضباط البريطانيون الذين استشارهم اعضاء اللجنة على اعتقادهم بأن البرنامج الصهيونى لا يمكن تنفيذه الا عن طريق القوة المسلحة.)) ومع ذلك فان امريكا قد التزمت للصهيونية، وباشرت الوفاء بالالتزام بصورة هى ظاهرة كل الظهور في موقفها الحاضر من دولة اسرائيل.
    ولقد كان بفلسطين في ذلك الوقت 84.000 يهودي 650.000 عربى ومساحة فلسطين نحو8000 ميل مربع، ولكن الهجرة اليهودية في استمرار، وتجد التشجيع الرسمى. وكلما أزدادت هجرة اليهود كلما ازدادت مخاوف العرب، وكان رأيهم ((ان الصهيونية صنو للاستعمار الانجليزى، وان الزعماء الصهاينة المسئولين قد نادوا دائما بفائدة ايجاد وطن قومى يهودي قوى يعتمد عليه الانجليز لحماية طريقهم الى الهند والوقوف في سبيل نمو القومية العربية)).

                  

01-13-2009, 12:36 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: معارضة وعد بلفور

    وهب في معارضة وعد بلفور كل سكان فلسطين من غير اليهود – العرب وغير العرب - المسلمون والمسيحيون، وكانت المشكلة تتمثل لهم على صعيدين: الصعيد الاقتصادى والصعيد السياسي: فأما من الناحية الاقتصادية فان سكان فلسطين كانوا يشعرون ان هؤلاء اليهود سينافسونهم في معيشتهم، وانهم بثرواتهم الضخمة، ومقدرتهم الاقتصادية المعروفة، وباتجاههم الى أمتلاك الارض من أصحابها باغرائهم بالمال سيصبحون، عما قريب، سادة البلاد الفعليين. واما من الناحية السياسية فقد كان الفلسطينيون يشعرون بأن اليهود سيكونون عقبة أمام تحرير البلاد من نير الاستعمار. لانه قد عرف عنهم دائما انهم يعارضون كل اتجاه وطنى لتحرير البلاد التي يعيشون فيها وانهم يفضلون ان يتعاونوا مع الدولة الحاكمة الاجنبية ضد العناصر الوطنية. فكأنهم بذلك يمهدون ليوم يستولون فيها على السلطة منفردين بها عن بقية السكان، فان لم يجئ ذلك اليوم فلا بأس في حسبانهم من استمرار الحكم الاجنبى. ولعل هذا العامل السياسي قد كان من أكبر الاسباب التي جمعت على مقاومتهم كل سكان البلاد من مسيحيين ومسلمين. وقد بلغت هذه المقاومة في عام 1922 حدا من العنف جعل البريطانيين يصرحون في ذلك العام بأن وعد بلفور لم يقصد به ان تصبح ((فلسطين كلها يهودية)) وهو لم يقصد به الى استبدال السكان العرب، أو الثقافة العربية بسكان آخرين أو بثقافة اخرى. وانما هدفه توطين اليهود في بلاد يعتبرونها وطنا قوميا لهم باعتبار تاريخهم الماضى، وكان زعماء الصهيونية يوافقون على تصريح بريطانيا هذا ويعلنون قبولهم أياه.
    ومع ان هجرة اليهود الى فلسطين كانت متصلة، ومنظمة تنظيما رسميا من قبل دولة الاحتلال، الا انها كانت في نطاق ضيق في خلال العقد الثالث من القرن العشرين. ثم أخذت في نهايته تزداد ازديادا ملحوظا، ويرجع السبب في ازديادها الى ما وقع من اضطهاد لليهود من النازية في المانيا، ومن الدول المشايعة للنازية في اوروبا. ولقد بلغ الامر بهجرة مضطهدى يهود اوروبا الى فلسطين، في الفترة التي تلت عام 1930، مبلغا أظهر عجز بريطانيا عن السيطرة على تنظيم الهجرة، كما هو من واجبها أن تفعل، وأثار شكوك العرب ودفعهم الى التفكير في حل عربى لمشكلة فلسطين.
    ثم نشبت الحرب العالمية الثانية، وقد شمر فيها اليهود يبذلون مجهودا كبيرا من أجل نصرة الحلفاء، وهم يشعرون ان انتصار الحلفاء الثاني في الحرب الثانية لا بد أن يبلغ بهم ما يرمون اليه من هدف. وكانت العلاقات بين المهاجرين اليهود والمقيمين العرب تزداد سوء كل حين، حتى اذا وضعت الحرب أوزارها في عام 1945 بدأ سوء هذه العلاقات يتصاعد نحو قمة الازمة.. وفى تلك السنة كونت الاقطار العربية المستقلة الجامعة العربية (وهى مصر والسعودية، واليمن، وسوريا، ولبنان، والعراق، والاردن).
                  

01-14-2009, 01:06 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: قرار التقسيم

    وعجزت بريطانيا عن السيطرة على الهجرة وعجزت عن وضع حل يرضى العرب واليهود. وأصبحت تستعد للتخلى عن الانتداب. وفى 2 ابريل من عام 1947 طالبت بعقد دورة خاصة للجمعية العامة للامم المتحدة لمناقشة هذه المشكلة الفلسطينية. ولقد كان اعلان بريطانيا عجزها على لسان وزير خارجيتها المستر آيرنست بيفن، وذلك حين قال من خطاب له ألقاه أمام مجلس العموم البريطاني ((مشكلة فلسطين قضية معقدة كل التعقيد بسبب ما فيها من تناقض في موضوع حقوق الفريقين: العرب واليهود، بموجب صك الانتداب)) ثم يمضى في خطابه ذاك الى ان يقول، ((لقد عجزت بريطانيا عن التوفيق بين السماح لليهود بغزو فلسطين وبين مراعاة صك الانتداب في عدم الاضرار بمصالح سكانها الآخرين. ولقد اصدرت بريطانيا الكتاب الابيض الذي حدد الهجرة لفلسطين ليوقفها فيما بعد، وأقر المجلس الموقر هذا الكتاب الذي أثار معارضة اليهود، وتشدد العرب واصرارهم على الاستقلال الناجز. ومما زاد في تعقيد القضية ان امريكا قد حشرت نفسها فيها وأخذ الرئيس ترومان يوالى تصريحاته عنها. ولو وقف أمر هذا التدخل الامريكى عند حد ادخال مائة ألف مهاجر يهودي الى فلسطين لكان في الامكان معالجته، ولكن الحدبث يدور حول المجئ بالملايين، وليس من العدل المساواة بين مصالح العرب أصحاب البلاد وبين اليهود الطارئين على فلسطين. الا ان بريطانيا لا تستطيع ان تفرض حلا نهائيا بالقوة، لانها دولة منتدبة، ولذا فقد أصبح من واجبها ان ترفع الامر الى الامم المتحدة لتقرر وتفرض الحل الذي تراه)).
    لجنة تحقيق

    واجتمعت الجمعية العامة في دورة خاصة كطلب بريطانيا وقررت تأليف لجنة خاصة للتحقيق في قضية فلسطين تضم ممثلى احدى عشرة دولة من الدول الاعضاء هى ايران، وبيرو، والسويد، وأرغواى، وهولندا، والهند، وغواتيمالا، ويوغوسلافيا، وتشيكوسلوفاكيا، واستراليا، وكندا. وانتقلت هذه اللجنة الى الشرق الاوسط وأجرت اتصالات في القدس بممثلى الحكومة البريطانية، والوكالة اليهودية، وقررت الهيئة العربية العليا مقاطعتها، ولكنها اجتمعت في بعض العواصم العربية، برؤساء دولها وحكوماتها، كما اجتمعت بالامين العام للجامعة العربية. ثم رجعت الى مقر الامم المتحدة لتضع تقريرها، الذي قدمته للجمعية العامة في ابان دورتها العادية لعام 1947، وهى الدورة الثانية. وقد انقسم أعضاء اللجنة الى فريقين: ضم احدهما ممثلى كندا، واستراليا، وبيرو، وتشيكوسلوفاكيا، وغواتيمالا، والسويد، وأرغواى، وقدم مشروعا سمى بمشروع الاغلبية. واما الفريق الآخر وفيه ممثلو الهند، وايران، ويوغسلافيا، وهولندا فقد قدم مشروعا آخر سمى بمشروع الاقلية. ((ويتفق المشروعان اللذان يقضى اولهما بتقسيم فلسطين الى دولتين أحداهما عربية، والاخرى يهودية. ويقضى ثانيهما بانشاء دولة اتحادية فلسطينية تشمل البلاد كلها، على قواعد وأسس اهمها وجوب انهاء الانتداب على فلسطين. واعطائها الاستقلال بعد فترة انتقال قصيرة، على ان ينتهى الانتداب، والجلاء عـن البـلاد، قبـل اليوم الاول من آب (أغسطس) عام 1948، وعلى الا يتعدى قيام الدولة الاتحادية، او الدولتين اليوم الاول من تشرين الاول (اكتوبر) عام 1948، وان تتولى لجنة خماسية تختارها الامم المتحدة من الدول الاعضاء، ويراعى في اختيارها التوزيع الجغرافى، ادارة البلاد بالتعاون مع السلطات المحلية تحت اشراف مجلس الامن الدولى، وان تقوم اللجنة باقامة حكومة اتحادية مؤقتة، او حكومتين مؤقتتين في الدولتين، تقوم، او تقومان باجراء الانتخابات العامة في غضون شهرين من جلاء قوات الدولة المنتدبة))
    ((وتنص القواعد المشتركة في التقريرين أيضا على الاحتفاظ بالحقوق الراهنة في الاماكن المقدسة، والابنية الدينية، والمواقع الاخرى، وعلى تأمين حرية المرور والزيارة الى هذه الاماكن المقدسة بالنسبة الى جميع الطوائف، وعلى اعتماد الوسائل السلمية لاقرار أى حل بالنسبة الى أية مشكلة من المشاكل وعدم اللجوء الى القوة أو التهديد باستعمالها)) نورد هذا القول عن كتاب ((قضايانا في الامم المتحدة)) لمؤلفه الاستاذ خيري حماد. ويمضى الاستاذ خيري حماد فيحدثنا من كتابه هذا فيقول ((ويقع تقرير الاغلبية الذي أقرته الجمعية العامة في نحو من اربعين صفحة من القطع الكبير، ويتضمن بعض القواعد العامة واربعة اقسام. يتناول القسم الاول منها الدستور المقبل وشكل الحكومة في كل من الدولتين العربية واليهودية، وقد جاء في عدة أجزاء فرعية، منها: انهاء الانتداب، والخطوات التمهيدية للاستقلال، والاماكن المقدسة، والابنية والمواقع الدينية، والحقوق الدينية، وحقوق الاقليات، والرعوية، والمواثيق الدولية، والالتزامات المالية، والاتحاد الاقتصادى، وحرية المرور، والزيارة، وموجودات الحكومة، والعضوية في الامم المتحدة. ويتناول القسم الثاني منها الحدود، وقد نص على ان تشمل المنطقة العربية، الجليل الغربى ولواء نابلس، والسهل الساحلى الممتد من قرية أسدود حتى حدود مصر، ولواء الخليل، وجبل القدس، وغور الاردن الجنوبى. وتبلغ مساحة هذه المنطقة (12) ألف كيلو متر مربع يقطنها ((661)) ألف نسمة منهم ((11)) ألف يهودي و (650) ألف عربى ويملك اليهود فيها مائة ألف دونم بينما يملك العرب ما تبقى من أراضيها. وتشمل المنطقة اليهودية الجليل الشرقى، ومرج ابن عامر، والقسم الاوسط من السهل الساحلى، ومنطقة النقب. وتبلغ مساحة هذه المنطقة، (14.200) كيلو متر مربع يقطنها ((991)) ألف نسمة منهم ((496)) ألفا من اليهود و ((495)) ألفا من العرب ويملك العرب ثلثى مجموعة مساحة هذه المنطقة. وتشمل المنطقة الدولية مدينة القدس.
    ((ويتناول القسم الثالث مدينة القدس وقد نص على اقامة نظام دولى خاص بها تتولى الامم المتحدة الاشراف عليه عن طرق مجلس وصايتها، على ان تمتد المنطقة من شمال قرية شعفاط شمالا الى جنوب بيت لحم، وبيت ساحور جنوبا، ومن شرق العيزرية شرقا الى غرب عين كارم ودير ياسين غربا. وتضمن هذا القسم طريقة الحكم في المنطقة وأهدافه، واجراءات الامن، وحرية النقل، والزيارة، والرعوية، وحماية الاماكن المقدسة. على ان يستمر هذا النظام بصورة اولية مدة عشر سنوات. تعود بعدها الامم المتحدة الى إعادة النظر فيه. وتناول القسم الرابع قضية الامتيازات، والحصانات، وما شابهها.
    ((اما تقرير الاقلية فيقترح قيام حكومتين: احداهما عربية، والاخرى يهودية، تتمتعان بالاستقلال الذاتى، على ان تتألف منهما دولة اتحادية باسم دولة فلسطين، ويتولى ادارة الشئون السياسية والعسكرية والاقتصادية فيها مجلس اتحادى يتولى انتخاب رئيس الدولة الاتحادية ويضع الدستور الواحد ويقرر الرعوية الفلسطينية الواحدة، ويعالج شئون الهجرة الى المنطقة اليهودية فقط.
                  

01-15-2009, 09:18 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: اللجنة السياسية الخاصة

    ((وبدأت الجمعية العامة في الثالث والعشرين من أيلول (سبتمبر) مناقشة التقرير بشقيه، وقررت احالته الى اللجنة السياسية الخاصة التي قررت السماح، في مستهل جلساتها، لمندوبين: احدهما عربى والآخر يهودي، بالكلام ومناقشة التقرير. وقد ألقى ممثل الهيئة العربية العليا خطابا مطولا، شرح فيه القضية الفلسطينية من أصولها، وما طرأ عليها من تطورات، وبيّن جوانب العدالة في حق العرب في بلادهم، وانتهى الى رفض التقسيم، ورفض الهجرة، وقيام دولة يهودية في أى جزء من فلسطين، وأكد مطالبة العرب بقيام دولة فلسطينية واحدة، على أسس ديمقراطية سليمة. وتحدث مندوب الوكالة اليهودية فشرح القضية من وجهة النظر الصهيونية، وأعلن قبوله بمشروع الاكثرية على ان تجرى بعض التعديلات عليه: بضم الجليل الغربى، ومنطقة القدس، الى حدود الدولة اليهودية. وأعلن استعداد القوات اليهودية المسلحة لملء الفراغ الذي سيحدثه جلاء الانجليز فورا عن فلسطين.
    ((وتعاقب المتكلمون في الجلسات التي استمرت عدة أيام. وكان من أولهم الممثل الامريكى الذي تباكى على حالة اليهود وما يعانونه من اضطهاد، ومنّ على العرب بمالهم من دول مستقلة أصبحت أعضاء في الامم المتحدة، وقال ان حكومته تؤيد مشروع الاكثرية وان كانت تطالب ببعض التعديلات عليه لصالح العرب ليكون اكثر واقعية. وتحدث المندوب السوفياتى، ولاول مرة يتفق والمندوب الامريكى على اتجاه واحد، فعرض ما عاناه اليهود من آلام على أيدى النازية، وأشار الى استحالة الاتفاق والتفاهم بين العرب واليهود، وانتهى الى القول بان حكومته تؤيد مشروع الاكثرية.
    ((وتعاقب الوفود على الكلام. وبان ضعف العرب في المنظمة الدولية، لا بالنسبة الى حقهم، فقد كان هذا الحق صارخا في وضوحه، وانما بالنسبة الى نفوذهم امام النفوذ الامريكى، والسوفياتى مجتمعين. لا سيما وان امريكا قد أعلنت جهارا انها ستكافح، وتناضل لاقرار التقسيم، واقامة الدولة اليهودية)).
    وعندما رأى العرب موقفهم هذا الضعيف، وانهم لا يقف بجانبهم غير ممثلى الدول الاسلامية، والهند، وهم قليلون، تقدموا (بمشروع قرار الى اللجنة الخاصة، يقضى بانشاء حكومة مركزية واحدة تتولى مؤقتا ادارة فلسطين كلها، على ان يتم الجلاء البريطاني عن البلاد بعد سنة واحدة من قيام هذه الحكومة، التي تتولى اجراء انتخابات عامة لجمعية تأسيسية تقوم بوضع دستور ديمقراطى للبلاد بكاملها على أساس وحدتها، واستقلالها.))
    ولكن مندوب بريطانيا أصر على القول بأن الجلاء سيتم في موعده المقرر وأن حكومته لا توافق على استخدام جيوشها بأية صورة من الصور في تنفيذ أى مشروع. واقترعت اللجنة الخاصة على المشروع العربى المتقدم ذكره، وتحت اصرار بريطانيا على اتمام الجلاء في موعده المقرر، وامام اصرار امريكا على تنفيذ خطة التقسيم، سقط الاقتراح العربى، ولم يؤيده غبر اثنتى عشرة دولة هى الدول العربية وافغانستان، وايران، وباكستان، وتركيا، وكوبا، وليبريا، ورفضته (29) دولة في مقدمتها الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتى.
    وعندما شرع رئيس اللجنة في عرض مشروع الاغلبية على اللجنة السياسية الخاصة دفع المندوبون العرب بعدم صلاحية المنظمة لفرض حل على شعب فلسطين دون مراعاة رغبته، وطالبوا باحالة القضية على محكمة العدل الدولية لابداء رأيها القانونى فيها. فجرى الاقتراع في اللجنة على هذا الاقترح العربى فسقط بالاغلبية. ثم اقترح العرب مجرد استشارة المحكمة في صلاحية المنظمة لفرض التقسيم دون استفتاء لاهالى فلسطين، فأقترع على اقتراحهم هذا من جديد فسقط أيضا.
    ثم اُقترع في اللجنة على مشروع الاغلبية ففاز وبذلك انتقل الى الجمعية العامة، ولما كان فوزه هناك يقتضى أغلبية الثلثين فأن امريكا بدأت مناوراتها مع الوفود المختلفة، محاولة كسب هذه الاغلبية لمشروع التقسيم، يوم ان يعرض للاقتراع. وأخيرا جاء اليوم الموعود، وذلك في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947، حيث التأم شمل الجمعية العامة، وطرح مشروع التقسيم على الاقتراع، فقبل بأغلبية (33) صوتا مقابل (13) دولة عارضت، وامتنعت عن التصويت عشر دول. وكان من الدول التي أيدت التقسيم الولايات المتحدة، وفرنسا، وكندا، واستراليا، وجنوب افريقيا، ونيوزيلنده، وفنزويلا، وارغواى، وبوليفيا، والبرازيل، واكوادور، وهايتى، وغواتيمالا، وجمهورية الدومينكان، ونيكاراغوا، وبناما، وبيرو، وبلجيكا، ولكسمبورج، وهولندا، والسويد، والنرويج، والدنمارك، وليبريا، والاتحاد السوفيتى، وروسيا البيضاء، وتشيكوسلوفاكيا، واكرانيا، وبولندا، وهذه الخمس الاخيرة من دول الكتلة الشرقية، ثم الفلبين.
    ولقد لعب نفوذ الولايات المتحدة دورا بارزا في احراز هذه النتيجة، حتى لقد علم ان مندوبى بعض الدول التي صوتت الى جانب التقسيم كان يشعر بوخز الضمير لقيامه بعمل يعتقد في خطئه. فقد نسبوا الى مندوب كندا قوله،((لقد ايدنا المشروع بقلوب مثقلة بالالم، مفعمة بالشكوك)) وهكذا صدر قرار التقسيم وقد تحدثنا عن تفاصيله قبل قليل، ونورد هنا ديباجته اتماما للفائدة، واكمالا للصورة: الديباجة تقول ((ان الجمعية العامة للامم المتحدة، بعد ان عقدت دورة خاصة بناء على طلب من الدولة المنتدبة، لتأليف لجنة خاصة تتولى، بناء على تعليماتها، اعداد العدة لدرس قضية الحكومة المقبلة لفلسطين في الدورة العادية الثانية.
    ((وبعد ان شكلت هذه اللجنة الخاصة، واوعزت اليها بتحري جميع القضايا والمسائل المتعلقة بمشكلة فلسطين، واعداد الاقتراحات اللازمة لحلها.
    ((وبعد ان تلقت ودرست تقرير اللجنة الخاصة الذي تضمن توصيات اجماعية ومشروعا للتقسيم مع اتحاد اقتصادى أقرتهما غالبية أعضاء اللجنة.
    ((تعتبر ان الوضع الراهن في فلسطين قد يعرقل السعادة العامة، ويضر بالعلاقات الودية بين الدول.
    ((وتأخذ علما بالبيان الصادر عن المملكة المتحدة، والمتضمن خطتها في انهاء جلائها عن فلسطين قبل الاول من آب (أغسطس) عام 1948.
    ((وتوصى المملكة المتحدة، بوصفها الدولة المنتدبة على فلسطين كما توصى جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة، بتبنى مشروع التقسيم مع الاتحاد الاقتصادى، وتنفيذه لتأمين حكومة فلسطين المقبلة على الشكل المذكور:
    ((وتطلب..
    1- من مجلس الامن ان يتخذ الاجراءات اللازمة المنوه عنها في المشروع للعمل على تنفيذه.
    2- وان يقرر المجلس ما اذا كانت الحالة في فلسطين في الفترة الانتقالية، اذا اقتضى الامر، تشكل تهديدا للسلام، فاذا ما قرر وجود مثل هذا التهديد فعلا، فان عليه، للحفاظ على السلام والامن الدوليين ان يكمل تفويض الجمعية العامة، الممنوح للجنة الامم المتحدة، بموجب المادتين (39) و(41) من الميثاق، لممارسة الصلاحيات اللازمة لها للقيام بالاعمال الملقاة على عاتقها في فلسطين.
    3- من مجلس الامن ان يعتبر كل محاولة ترمى الى تغيير التسوية التي حققها هذا القرار، عن طريق القوة، تهديدا للسلام وخرقا له، وعملا عدوانيا بموجب المادة 39 من الميثاق.
    4- ابلاغ مجلس الوصاية بالمسئوليات الملقاة على عاتقه بموجب هذا المشروع.
    ((وتدعو جميع سكان فلسطين الى اتخاذ الخطوات التي يرونها ضرورية من جانبهم لتنفيذ هذه الخطة، وتناشد جميع الحكومات، والشعوب الامتناع عن القيام بأى عمل قد يعرقل، أو يؤخر تنفيذ هذه التوصيات، وتخول الامين العام دفع نفقات أعضاء لجنة الامم المتحدة، وأجور سفرهم، وفق ما يراه مناسبا في الاوضاع الراهنة وان يؤمن لها العدد اللازم من الموظفين لتنفيذ الواجبات التي عهدت الجمعية العامة اليهم بتنفيذها)).
    هذا عن كتاب ((قضايانا في الامم المتحدة)) لمؤلفه الاستاذ خيري حماد.
    واللجنة التي وردت الاشارة اليها قد تضمن القرار تأليفها من بوليفيا، وتشيكوسلوفاكيا، والدنمارك، وبناما، والفلبين.
    ويلاحظ ان هيئة الامم، تحت حماس امريكا المتطرف لمشروع التقسيم، قد ذهبت فيه مذهبا مشتطا، حتى لكأنها تنوى تنفيذه بالقوة، أو، على ايسر تقدير، بكل وسائل الضغط التي تحت يدها.
    وما ينبغى ان نظن ان امريكا كانت متطوعة بهذا الحماس، فأنها في الحق كانت واقعة تحت ضغط شديد من الصهيونية العالمية ومن أصدقائها. ولقد ذكر الرئيس ترومان في مذكراته التي نشرتها مجلة لايف الامريكية، بعددها الصادر بتاريخ يناير عام 1956 ما نصه: ((أعتقد ان البيت الابيض لم يتعرض، في أية لحظة من اللحظات في تاريخه الطويل، لما تعرضت له أنا من ضغط، ودعاية في ذلك الحين. ولقد أزعجنى، وضايقنى، ذلك الاصرار الذي بدأ من عدد قليل من الزعماء الصهيونيين المتطرفين الذين تحفزهم الدوافع السياسية، والذين لم يتورعوا عن التهديد السياسي))
    وقال الشيخ فلبرايت، أثناء مناقشة تتعلق بفلسطين، في مجلس الشيوخ الامريكى: ((ان هذا المشروع يعتبر بمثابة اكراه لامريكا للوقوف الى جانب أحد الفريقين في النزاع العربى الإسرائيلي. ويعود السبب الرئيسى في تقديم هذا المشروع الى وجود فئات ((تضغط)) في الولايات المتحدة، وهى تحاول ان تقحم النزاع العربى الإسرائيلي في سياستنا الداخلية.. وفى مثل هذا الوضع الدولى الدقيق الذي يسود العالم اليوم يجد مائة وثمانون مليونا من الامريكيين ان سياسة بلادهم الخارجية واقعة تحت تأثير جماعات غير مسئولة تمثل الاقلية. ولا يمكن للرئيس ان يسير بسياستنا في الشرق الاوسط في مثل هذه الظروف. ولقد شهدنا في السنوات الاخيرة نشوء منظمات، لم تكرس نفسها لامريكا وانما الى الدول والجماعات الاجنبية. وقد تردى سير السياسة الخارجية الامريكية بسبب هذه التطورات ترديا خطيرا. ولا ريب في ان سياستنا الخارجية أكثر اهمية بالنسبة الى امننا القومى الشامل، من أن تغدو أداة مسخرة في أيدى أقليات يقوم رجال الكواليس من أبنائها بالوقوف امام قاعات الكونغرس لحث أعضائه على اتباع اجراءات ذات نفع للمصالح الخاصة، ومؤدية الى نتائج مفجعة للبلاد كلها)) هذا ما قاله فلبرايت عن مشروع التقسيم وموقف بلاده منه، وفى الحق ان أقوال المسئولين الامريكيين في ضغط الصهيونية العالمية على ساستهم، وتلوينها لسياستهم الخارجية والداخلية كثيرة. وهى في جملتها تعبر عن نفوذ الصهيونية العالمية، وعن مبلغ الخطر الذي تتهدد به أمن العالم أجمع وسلامه.
                  

01-20-2009, 12:41 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: ترسيخ قواعد اسرائيل

    فى ليلة الرابع عشر من شهر مايو عام 1948 أعلنت دولة اسرائيل قيامها في الجزء الذي خصصه لها قرار التقسيم من أرض فلسطين، ولم يمض على هذا الاعلان الا دقائق قلائل حتى ابتدرت الولايات المتحدة الاعتراف بها، وتابعها في ذلك معظم الدول، وفى مقدمتها الاتحاد السوفيتى، وبريطانيا، ومن يومئذ أصبح كل وقت يمر، وكل عمل يعمل، سواء كان من جانب المقاومة العربية، او من جانب المساعدة الغربية، يساعد في ترسيخ قواعد دولة اسرائيل في ارض فلسطين..
    كل اشتباك تم بين العرب واسرائيل لا يكاد يبدأ حتى يتوقف، ويتوقف بتدخل من مجلس الامن يصادف ترددا من العرب، وضعفا وميلا الى الهدنة. وكل اشتباك يتوقف يقوى اسرائيل. فلكأنه يكون لها بمثابة المبيد الذي يعطى في مقادير أقل من الجرعة القاتلة فهو يقوى ولا يقتل، ويعطى مناعة، فوق ذلك.. وكل هدنة تعقب أى اشتباك تستثمرها اسرائيل في زيادة التدريب، وزيادة التسليح، وزيادة استدرار العطف الانساني العام، ويبددها العرب في التنابز بالالقاب، وفى توزيع الاتهامات بينهم، ثم ان بقى وقت سعى بعض عقلائهم فاقترح ايقاف الشتائم، من أجل ضم الصف العربى.. فاذا تم اشتباك جديد بخرق الهدنة من جانب اسرائيل، وهو امر كثيرا ما يحدث، او من جانب العرب، تقدمت اسرائيل في أرض جديدة من أرض العرب. وعندما يتوقف القتال، بعد زمن قصير في العادة، تكون اسرائيل قد وقفت فوق الارض الجديدة التي اكتسبتها في آخر جولة.. وهذه صورة تضطرد ولا تتخلف، حتى بلغت مداها في الحرب المشئومة الاخيرة.. وحتى أصبح العرب يتحدثون طوال وقتهم عن ازالة آثار العدوان، بجلاء قوات اسرائيل عن ارض العرب، وقد اصبح الآن بينهم وبين قضية فلسطين، في اطارها الحقيقى مرحلتان: مرحلة ازالة آثار العدوان، ثم مرحلة اللاجئين، الذين ظلوا، لمدة طويلة، هم المظهر الوحيد الذي يطالع العالم من قضية فلسطين، كما أسلفنا القول في ذلك..
    أما قضية فلسطين المتمثلة في وجود اسرائيل في ارض فلسطين، كما كانت في اول عهدها، فذلك أمر قد غاب حتى عن أذهان العرب حين تبدههم الحقائق فتخرجهم عن أحلام اليقظة.. والدليل على هذا القول يلتمس في ان العرب اليوم ينتظرون الحل السياسي من مجلس الامن تارة، ومن الجمعية العامة تارة اخرى، وفى الجمعية العامة فان دولة اسرائيل عضو، مثلها في ذلك مثل اى واحدة من الدول العربية، وقد ختمنا الفصل الخامس من هذا الكتاب بالقرار الذي اتخذته الجمعية العامة بقبول اسرائيل في العضوية، بعد عام واحد من قيامها، وفى ذلك القرار تذكير((بقرار التقسيم)) و ((قرار إعادة اللاجئين)).. وفى الحق ان كل قرارات مجلس الامن منذ ذلك اليوم الذي اتخذ فيه قرار التقسيم كانت ترمى الى ترسيخ قواعد دولة اسرائيل.. ففى اليوم الحادى عشر من شهر اغسطس من عام 1949، اى بعد ثلاثة أشهر من قرار قبول اسرائيل في هيئة الامم، أتخذ المجلس قرارا يقضى ((بحث الفرقاء المعنيين على التفاوض لتحقيق تسوية نهائية للصلح، اما مباشرة، او عن طريق لجنة التوفيق)). فالحديث عن المفاوضة المباشرة التي تتحدث عنها اسرائيل في هذه الايام ليس جديدا وانما هو شطر من قرار صدر منذ ما يقرب من العشرين عاما.
    ثم أصدر مجلس الامن قرارا في اليوم الثامن من ديسمبر عام 1949، وهو ينص على ((اقامة وكالة للامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، مع ايجاد مجلس استشاري لها، يتولى تقديم المشورة الى المدير العام للوكالة. ونص القرار على ان مهمة الوكالة القيام بأعمال أغاثة اللاجئين وأعداد المشاريع لتشغيلهم بالتعاون مع الحكومات المحلية، كما طلب من المدير العام تقديم تقارير سنوية الى الجمعية العامة)) فكأن هذا القرار يرمى الى امتصاص اللاجئين في المواطن التي يكونون بها بعد ان ظهر واضحا العجز عن اعادتهم الى وطنهم وتعويضهم عن ممتلكاتهم مع ان قرارا قد اتخذ بذلك. وفى الاتجاه الى تشغيل اللاجئين ((بالتعاون مع الحكومات المحلية)) بالطبع مساعدة لاسرائيل التي أصبحت ترفض الاذعان لقرار الإعادة هذا. وتربط بين الإعادة والحل النهائى للمشكلة..
    يحدثنا السيد خيري حماد من كتابه ((قضايانا في الامم المتحدة)) عن هذا الامر فيقول ((تألفت لجنة التوفيق الدولية منذ عام 1948، وقد لجأت منذ انشائها الى كل ما وسعها من سبل، وان كنت اشك في صدقها، لتحقيق قرارات الامم المتحدة، وقد بدأت عقد جلساتها في آذار (مارس) عام 1949 فاستمعت الى ممثلى اللاجئين والى مندوبى الدول العربية، ثم سافرت الى تل ابيب حيث اجتمعت الى السلطات الاسرائيلية، وانتقلت بعد ذلك الى لوزان حيث طلبت الى الفرقاء المعنيين ايفاد ممثليهم اليها للشروع في المفاوضات. وتم التوقيع في 12 آيار(مايو) عام 1949 على ((بروتوكول لوزان)) الذي اتخذ من قرار التقسيم قاعدة للمباحثات، وبين ان غرضه الوصول، في أسرع وقت ممكن، الى الاهداف التي حددها قرار الحادى عشر من كانون الاول عام 1948 بالنسبة الى اللاجئين واحترام حقوقهم والحفاظ على ممتلكاتهم.
    وقد وقعت اسرائيل على هذا البروتوكول ولكنها ما لبثت ان تنكرت لتوقيعها ورفضت إعادة اللاجئين فمنى المؤتمر بالفشل.
    ((وعادت اللجنة الى الاجتماع في نيويورك في صيف العام نفسه، واتصلت بالوفود العربية ووفد اسرائيل، ولكن المحادثات منيت بالفشل أيضا، بسبب اصرار اسرائيل على موقفها من عودة اللاجئين.
    ((وانتقلت اللجنة الى جنيف، حيث دعت الفرقاء المعنيين الى الاجتماع بها من جديد، واستمرت المحادثات طيلة صيف عام 1950 دون ان تسفر عن نتيجة.
    وارتحلت الى ليك سكس في خريف العام نفسه، واتصلت بالوفود العربية ووفد اسرائيل، ولكن المحادثات لم تكلل بالنجاح، بسبب اصرار اسرائيل على موقفها.
    ((وقامت بمحاولتها الاخيرة في باريس، فعقدت اجتماعات في شهر أيلول (سبتمبر) عام 1951 استمرت اكثر من شهرين ولكن دون جدوى، بسبب تعنت اسرائيل، فرفعت في نهاية العام نفسه تقريرا الى الجمعية العامة هو العاشر من نوعه، وأعربت فيه عن اعتقادها بان الفريقين لا يرغبان في تثبيت دعائم الاستقرار في فلسطين عن طريق تنفيذ مقررات الجمعية العامة تنفيذا كاملا، واعربت عن تعذر مضيها في عملها. واكدت في ختام تقريرها انها لم تستطع احراز أى تقدم في أداء المهمة التي عهدت الجمعية العامة اليها بالقيام بها)).
    ويحدثنا في ذلك المستر هارولد كورلاندر في كتابه ((الامم المتحدة)) ترجمة الاستاذ عبد الفتاح المنياوى في الصفحة 240 فيقول ((وقد ظلت الامم المتحدة، عاجزة عن الجمع بين الطرفين في سبيل الوصول الى اتفاق دائم بينهما. وكانت اسرائيل تعبر عن رغبتها في ان تتفاوض في سبيل الوصول الى اتفاقية نهائية تقر السلم، ولكن الدول العربية ظلت تنكر وضع دولة اسرائيل من الناحية القانونية، كما كانت تطالب دائما بعودة اللاجئين الى بلادهم وبتعويضهم كشرط أساسى قبل الوصول الى أى اتفاق. ولكن اسرائيل من جانبها ظلت تعارض دائما في امكان السماح بعودة العرب الى وطنهم، عودة شاملة على أساس أن اجراء كهذا سوف يهدد كيانها وامنها وسلامتها، على الرغم من انها في الوقت نفسه كانت تشجع حركة هجرة اليهود على الدوام من أوروبا وامريكا والشرق الاوسط))
    ارجو ان يتأمل القارئ عبارات ((وكانت اسرائيل تعبر عن رغبتها في ان تتفاوض في سبيل الوصول الى اتفاقية نهائية تقر السلم، ولكن الدول العربية ظلت تنكر وضع دولة اسرائيل من الناحية القانونية، كما كانت تطالب دائما بعودة اللاجئين الى بلادهم وبتعويضهم كشرط أساسى قبل الوصول الى أى اتفلق. ولكن اسرائيل من جانبها ظلت تعارض دائما في امكان السماح بعودة العرب الى وطنهم، عودة شاملة على اساس ان اجراء كهذا سوف يهدد كيانها وامنها وسلامتها)).
    فكأن اسرائيل تدعو الى التفاوض، وهو لغة العصر والعرب يرفضونه، واسرائيل تدعو الى السلم وهو لغة العصر وحلمه، والعرب يرفضونه. حجتهم في الرفض؟ انكارهم ((وضع دولة اسرائيل من الناحية القانونية)) فأى قانون يعنون؟ أهو القانون الدولى الذي تقوم عليه دول عالم اليوم، أم هل هو قانون آخر تناهضه جميع هذه الدول؟ فان كانت الاولى فان جميع دول عالم اليوم، حتى أصدقاء العرب، لسوا ضد بقاء اسرائيل كدولة، وهم جميعا يؤيدون، ويؤكدون، ((حق كل دولة في الحياة بسلام، وامن، واحترام سيادتها، ووحدة أراضيها)) ولا يستثنون من ذلك دولة اسرائيل. وان كانت الثانية فان تطبيق هذا القانون الذي يعطيهم حق محو دولة اسرائيل من الوجود في ارض فلسطين يتطلب وضع القوة بازاء دول العالم لا بازاء اسرائيل وحدها. والعرب عاجزون عن ابداء هذه القوة، بدليل انهم انهزموا ثلاث مرات، في ثلاثة حروب، وبدليل انهم اليوم يسعون الى الحل السياسي بين مجلس الامن والجمعية العامة.. فهم اذن بموقفهم هذا لايزيدون على ان يظهروا بين دول العالم بمظهر الجهل، وعدم المعقولية، وقلة التفكير، مما يزيد في ترسيخ اقدام اسرائيل.. وقد فعل..
    ثم هم مع موقفهم هذا يطالبون ((بعودة اللاجئين وبتعويضهم، كشرط أساسى قبل الوصول الى أى اتفاق)) وترفض اسرائيل إعادة اللاجئين الى بلادهم قبل تسوية السلم بدعوى انهم قد يكونون ((طابورا خامسا)) يعمل على تهديد سلامها من الداخل، مادامت البلاد العربية في حالة حرب معها.. وهكذا تظهر اسرائيل بمظهر التعقل، وتقول كلاما يفهمه الناس، وينفرد العرب بموقف الجهالة والبعد عن المعقول.. وهم بذلك يزيدون من ترسيخ أقدام دولة اسرائيل
    وفى مؤتمر القمة الذي جمع زعماء العرب بالخرطوم، في اوائل شهر سبتمبر من هذا العام، اتخذ قرار يقول ((ثالثا، اتفق الملوك والرؤساء على توحيد جهودهم في العمل السياسي، على الصعيد الدولى، والدبلوماسي، لازالة آثار العدوان، وتأمين انسحاب القوات الاسرائيلية المعتدية من الاراضى العربية المحتلة، بعد عدوان 5 يونيو، وذلك في نطاق المبادئ الاساسية التي تلتزم بها الدول العربية وهى: عدم الصلح مع اسرائيل، أو الاعتراف بها، وعدم التفاوض معها، والتمسك بحق الشعب الفلسطينى في وطنه)) وهذا القرار وحده يكفى لدمغ الزعامات العربية بالجهل بصورة لا رجعة فيها.. فهم يتحدثون عن الحل السياسي والدبلوماسي على الصعيد الدولى، ويعلنون، في نفس الوقت، عدم الصلح مع اسرائيل. فكانهم يريدون ان يقولوا لدول العالم في المنظمة العالمية: نريد منكم ان تساندونا في مطالبة اسرائيل لتجلو عن ارضنا، التي احتلتها في حرب 5 يونيو، وترجع الى مواقعها قبل تلك الحرب، ثم تنتظرنا هناك ريثما نجمع قواتنا بالصورة الكافية، التي تمكننا من ان نرمى بها في البحر.
    بمثل هذا التفكير عجز العرب عن ان يصلوا الى حل عسكري، وعن ان يصلوا الى حل دبلوماسي.. وأسوأ من ذلك.. ظهروا في نظر العالم بمظهر الداعى الى الحرب، ومكنوا لاسرائيل من ان تظهر بمظهر الداعى الى السلام. هذا مع انها تحسن الحرب اكثر مما يحسنونها، وقد استفادت منها دائما، وخسروا فيها دائما.
    وهذا التفكير، أو قل عدم التفكير، من جانب العرب زاد في ترسيخ أقدام دولة اسرائيل، أكثر من أى عمل آخر، قامت به اسرائيل لنفسها، أو قام به لها أصدقاؤها في أنحاء العالم.
                  

01-21-2009, 01:30 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: دولة اسرائيل قديمة

    فاذا كانت جميع العوامل تعمل لترسيخ قواعد اسرائيل، حتى العرب، كما بينا آنفا، فانما ذلك لان دولة اسرائيل قديمة. وقيامها يوم 14 مايو من عام 1948 لم يكن يؤرخ بدايتها، وانما يؤرخ عودتها، في صورة حديثة، في العهد الحديث.. وهى عودة سخرت الاستعمار لخدمتها، ولم يسخرها الاستعمار، الا حيث التقت مصالحها بمصالحه. ولقد عملت على قيامها عصبة الامم الماضية، على مستوى ما.. وعملت على قيامها هيئة الامم الحاضرة على مستوى امنها ورسخها.. ووعد بلفور لم يعطها حقها في الظهور، وانما نظم حقها في ذلك الظهور.
    والحركة الصهيونية، المتمثلة في دولة اسرائيل، لم تنشأ في أواخر القرن التاسع عشر، وانما اتخذت لها شكلا تنظيميا، حديثا، في ذلك الوقت. ولقد تفرق اليهود، لآخر مرة في عام 134م، في وجه الارض، وانتهوا، كأمة ذات سيادة، في ارض فلسطين. ولكنهم عادوا الآن لان دولة اسرائيل ظلت قائمة في قلوبهم، وعقولهم، طوال هذا المدى الذي ينيف على الثمانية عشر قرنا. ولقد تعرض اليهود للتشريد، والسبي، والاضطهاد، مدى يقرب من اربعة آلاف سنة فكانوا دائما يعتصمون بعنصريتهم، وبدينهم ويحلمون بالعودة الى ارض المعاد، وكانوا، كلما نقضت سلطة دولتهم في أرض فلسطين، يسعون الى العودة، والى إعادة انشاء تلك الدولة. ولقد استقرأنا هذا التاريخ بصورة موجزة ولكنها، في حد ذاتها، كافية لتعطى صورة واضحة عن هذه المثابرة، وهذا الاصرار، وهذه المقاومة العجيبة من هذا الشعب العجيب.
    ولقد أوردنا من المزامير هذه الابيات:-
    ((هنالك على انهار بابل جلسنا، وبكينا عندما تذكرناك يا صهيون.
    وعلى اشجار الصفصاف علقنا اعوادنا، بعد ان طلب منا الذين سبونا أن نغنى لهم أغنية من أغاني صهيون.
    كيف نغنى أغنية الرب في أرض غريبة؟
    شلت يمينى ان نسيتك يا أورشليم.
    ليلتصق لساني بحلقى ان لم اذكرك يا اورشليم، وان لم افضلك على أعظم افراحى.))
    فهم يسمون القدس صهيون، ويسمونها الارض الموعودة، ومنها كلمة ((الصهيونية)) وهى تعني نداء الماضى للعودة الى القدس.
    فان كان هذا كله لا يعنى عندنا نحن العرب شيئا، وان كانت دولة اسرائيل التي قامت في أرض فلسطين منذ عشرين سنة لا يطيب لنا الا ان نسميها ((دولة العصابات الصهيونية)) أو ((دولة شذاذ الافاق)) أو ((دويلة اسرائيل)) أو ((اسرائيل المزعومة)) الى آخر هذه الاسماء التي لا يحسن حملة الاقلام، ورجال الاعلام عندنا اكثر منها، فأن هذا أمر مؤسف غاية الاسف. وهو لم يضر دولة اسرائيل، وانما نفعها، وثبت أركانها، واضر بنا نحن العرب، أبلغ الضرر.



    ولسه ناس حماس والاخوان المسلمين /شعب الله المحتال...عبر العالم
    يحتفل بنصر لطالما عبر عنه تزار قباتي
    نكذب في قارءة التاريخ
    نكذب في قراءة الاخبار
    ونقلب الهزيمة الكبرى انتصار
                  

01-21-2009, 01:41 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: الاعتراف باسرائيل من مصلحة العرب

    كان، ولا يزال، اعتراف العرب باسرائيل، بالنسبة لاسرائيل أعز امانيها، لانه يوفر عليها حالة الخوف، والتوتر، والقلق ـ التي ارقت لياليها، وشغلت أيامها، كما يوفر عليها الجهد والمال، وهى في سبيل هذا الاعتراف يمكن ان تساوم الى حدود بعيدة لا تقف عند حد إعادة اللاجئين الى ديارهم، وتعويضهم عن ممتلكاتهم، ولا عند حد الجلاء عن الاراضى العربية التي احتلتها في 5 يونيو، وانما تذهب الى الرجوع الى الحدود التي بينها قرار التقسيم الاصلى الذي اتخذته الامم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947. وهى حدود قد تخطتها اسرائيل، وتوسعت عليها عقب كل معركة من المعارك التي نشبت بينها وبين العرب منذ 15 مايو عام 1948. ولكن العرب يرفضون هذا الاعتراف بدولة اسرائيل، وهم، ان اردت الدقة، لا يرفضونه الا شكلا، ولا يرفضونه الا قولا.. ولكنهم مضمونا، وعملا، لا يرفضونه.. هذا من أشد الامور مدعاة للاسف، وهو في نفس الوقت من أدل الدلائل على جهل القيادات العربية، وقلة حنكتها، ذلك بان اسرائيل في فترة الاصرار على عدم الاعتراف بها قد تقوت ولا تزال تتقوى، عسكريا، وسياسيا، ودبلوماسيا، واقتصاديا، وبشريا. ثم هى ستنال الاعتراف الكامل بها بعد ان تفرضه وبعد ان يكون العرب كما هو واضح الآن، قد قدموه على أقساط، وبعد ان يكون على ذلك قد فقد قيمة المساومة التي كان ولا يزال يحظى بها.. فكأن اسرائيل ستحرز اعتراف العرب بها بدون ان يقبض العرب من اسرائيل ثمن هذا الاعتراف. ورفض العرب الاعتراف باسرائيل يقوم على كبرياء زائف!! كيف يجلسون ليتفاوضوا، على مائدة واحدة، مع من أغتصب أرضهم؟؟
    هل سمعتم آخر الاخبار؟ اذن فاسمعوا!! صرح الملك حسين في واشنطون انه متفق مع الرئيس جمال عبد الناصر على ان العرب مستعدون لينهوا حالة الحرب مع اسرائيل، وان يعترفوا لها بحقها في المرور البرئ بكل من خليج العقبة، وقناة السويس، ومن الدلائل على صدق ما نسب للملك حسين كونه يستقيم مع ما صرح به، قبل حين، الزعيم العمالى البريطاني السير دنقل فوت ونشرته صحيفة الاوبزيرفر اللندنية، ونشرت ترجمته صحيفة الايام بعددها الصادر يوم الثلاثاء 17/10/1967 وكان تصريح السير دنقل فوت عبارة عن مقال بعنوان (ناصر قال لى) وقد جاء فيه قوله ((ان الرئيس عبد الناصر مستعد للشروع في محادثات بين مصر واسرائيل تحت رياسة الامم المتحدة حتى قبل انسحاب القوات الاسرائيلية من سيناء.. وهذا ما يمكن ان يجري – حسب اقتراح الرئيس ناصر – ضمن هيكل اتفاقية الهدنة 1949.
    ((وهو ايضا مستعد لقبول نهاية لحالة الحرب مع اسرائيل.. ولكنه يصر على انه ما من تسوية – بما في ذلك إعادة فتح قناة السويس – يمكن ان تتم طالما كانت القوات الاسرائيلية باقية على الاراضى المصرية.
    ((وهو ايضا يربط مرور السفن الاسرائيلية بقناة السويس بمشكلة لاجئى عرب فلسطين. طبقا لقرارات الامم المتحدة التي تدعو لعودتهم أو تعويضهم)) (لعلها عودتهم وتعويضهم) هذا ما نسب قوله للسيد جمال، وهو يؤيد صحة ما نسب للملك حسين في واشنطون.. فهل بقى شئ من الاعتراف بدولة اسرائيل غير شجاعة المواجهة؟؟ وعن هذا الاعتراف يزيدنا علما ما نسب للسيد محمد الزيات، مدير الاعلام المصرية، فقد زعموا انه قال ان اتفاقية الهدنة 1949 بين اسرائيل، ومصر، وسوريا، ولبنان، والاردن، تعطى دولة اسرائيل اعترافا عمليا.


    انظرو الي هذه الرؤية السودانية المغيبة منذ 1967 ويبدو ان الذى التقطها الوحيد هو الرئيس المصري محمد انور السادات طيب الله ثراه...وانجز لمصر انجازين في الحرب والسلام...
    وبقي بقية العربان في جبهة الصمود والتصدي محور بغداد وكلنا ادركنا مألاته الان
                  

01-21-2009, 08:22 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    تحياتي، يا عادل
    وإلى حين ميسرة من الوقت.
                  

01-23-2009, 03:07 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: Haydar Badawi Sadig)

    الاخ العزيز حيدر
    تحية طيبة
    هذا الكتاب من اهم كتب الاستاذ في السياسة الدولية في شان اقليمي هام(مشكلة الشرق الاوسط)
    واضحى مسؤلية الاخوان الجمهوريين في ترجمته ونشره في امريكا كرؤية سودانية استراتيجية حصيفة سودانية ..بدل ان يحسب علينا الناس غوغاء اهل المؤتمر الوطني وشعوذتهم السياسية في الشان الاقليمي ا

    وكمان لمن تتم الحلقات سوف نعود لتحليل هذه الرؤية عبر الاحداث من 1967 تاريخ صدور الكتاب الي 2009 والنظام العالمي الجديد
    لو كان هناك مصدر فخر وحيد يفتخر به السودانيين بين الامم هي الفكرة الجمهورية ومكتبتها الثرة في كافة المجالات ... لو تفندون


    Quote: لماذا لا يواجه العرب مشكلتهم بشجاعة؟

    لماذا الوساطة؟ لماذا لا نواجه مشاكلنا بشجاعة الرجال؟ فان الواسطة قد اضرت بنا أبلغ الضرر من قبل، وأظهرتنا بمظهر القصر الذين يتحدث عنهم اوصياء.. وأوصياء مغرضون في ذلك.. فعندما حصلت هذه الهزيمة المنكرة تحدث باسم العرب الاتحاد السوفيتى على نحو ما سبقت اليه الاشارة في صدر هذا الكتاب، وتقدم المسيو الكسى كوسيغين في خطاب ألقاه في الدورة الطارئة، الخاصة، للجمعية العامة، لمنظمة الامم المتحدة، بمطالب لخصها في أربع نقط، واقترح فيها على الامم المتحدة أن:
    ((أولا – تشجب بحزم أعمال اسرائيل العدوانية، والاحتلال المستمر من جانب هذه الاخيرة لقسم من اراضى الجمهورية العربية المتحدة، وسورية، والاردن، الامر الذي يشكل عملا يعتبر عدوانا.
    ثانيا – تطالب بان تسحب اسرائيل فورا، وبدون أى شرط، جميع قواتها من اراضى الدول المذكورة الى مواقعها خلف الخطوط التي حددتها الاتفاقيات العامة للهدنة، وان تحترم وضع المناطق المجردة من السلاح، كما تنص على ذلك اتفاقيات الهدنة هذه.
    ثالثا – تطالب ايضا بأن تعوض اسرائيل بصورة كاملة، وفى أقصر وقت، عن كل الاضرار التي لحقت بالجمهورية العربية المتحدة، وسورية، والاردن، وبمواطنى هذه الدول، من جراء عدوانها. وان تعيد اليها كامل الممتلكات، والقيم المادية الاخرى، التي اغتصبتها.
    رابعا – تدعو مجلس الامن الى ان يتخذ من جانبه التدابير الفعالة والعاجلة لتصفية كافة نتائج العدوان الذي ارتكبته اسرائيل)).
    فهذه المطالب هى من الشطط، والمبالغة، بحيث يستحيل ان يقع عليها الاجماع المطلوب، وحتى لو ايدها العدد الكافى من الدول، فان تنفيذها يصبح امتحانا عسيرا على الامم المتحدة.. والاتحاد السوفيتى لا بد يعلم، حق العلم، هذا وذاك، ولكنه قدمها، لا لتكون حلا، ولكن لتكون مصدر احراج لما يسميه ((الامبريالية))، وقدمها لتعلق العرب بنقط تجعل التسوية امرا متعذرا، أو على أيسر تقدير، امرا يستغرق وقتا طويلا.. ويخطئ، أشنع الخطأ، من يظن ان الاتحاد السوفيتى – يريد للمشاكل التي تواجه الدول الغربية ان تسوى – مشكلة فيتنام، أو مشكلة الشرق الاوسط، لان عدم التسوية يظهر عجز الدول الغربية، ولانه يزيد من كراهية الرأى العام العالمى لها، ولانه يجعل الشعوب المنكوبة، والشعوب عامة، في حالة قلق تلتمس بوراق الطمأنينة في الافق، والاتحاد السوفيتى كلف دائما بأن يرفع راياته هو، ترفرف في الافق البعيد، تمنى هذه الشعوب بالصداقة، والرخاء، والسلام..
    فقد وردت الاخبار ان المسيو ليونيد بريجينيف السكرتير العام للحزب الشيوعى السوفيتى، افتتح احتفالات اليوبيل الذهبى للثورة بخطاب استعرض فيه السياسة الخارجية والداخلية للاتحاد السوفيتى، وأمام ستة آلاف شخص، يمثلون وفود خمس وتسعين دولة، اجتمعوا في قاعة المؤتمرات بقصر الكرملين، قال بريجنيف: ((ان ميزان القوى في العالم قد تغير بصورة جذرية لصالح الطبقة العاملة، وجميع قوى التقدم والديمقراطية والاشتراكية)) وهو بالطبع يعنى بهذه العبارات الدول الشيوعية، والاتحاد السوفيتى بصورة خاصة.. و((ميزان القوى في العالم)) هو ما تحدثنا عنه في صدر هذا الكتاب وقلنا انه كل ما يهم الكتلة الشرقية، والكتلة الغربية – لا مصالح الدول الصغيرة – وقد تحدث بريجنيف عن السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتى فقال،((ان المهمة الرئيسية للسياسة الخارجية للاتحاد السوفيتى هى احباط مؤامرات الامبريالية ضد الاشتراكية، وأضاف ان علاقاتنا بجميع الدول تتبع المبدأ الديمقراطى، وهو الاعتراف بممارسة المساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها)).
    فمثل هذا التضليل، ومثل هذا الكذب الصراح لا يمكن للشعوب ان تهضمه في حالاتها الطبيعية. ولكن في الحالات العصيبة التي تسود جو الازمات، والهزائم، والخوف الذي يصحب موقفا كالموقف القائم الآن في الشرق الاوسط فان تضليل الشعوب يصبح من أيسر الاشياء..
    وعن الشرق الاوسط ماذا قال بريجنيف؟ ((ان اعمال وتصرفات الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمانيا الغربية، التي شجعت عملاءها من حكام اسرائيل على العدوان ضد الدول العربية قد كشفت مرة أخرى عن طبيعة النهب التي تميز السياسة الامبريالية، وقال ان الفرصة قد سنحت مرة اخرى للشعوب العربية لتدرك بنفسها ان الاتحاد السوفيتى، والدول الاشتراكية الاخرى هم أصدقاؤهم الحقيقيون، وانهم حصن يمكن الركون اليه لصون استقلالهم)) فيالها من لحظة ((سيكولوجية)) لبرجنيف ليعرض للعرب حصنا ((يمكن الركون اليه لصون استقلالهم)) على حد عبارته. ثم تطرق للجيش السوفيتى ليطمئنهم على متانة حصنهم فقال ((انه جيش قوى وهائل وهو قوة لا تقهر اذ انه مزود بأحدث وأحسن الاسلحة في العالم.)) وبالطبع فان بريجنيف يعلم ان سياستهم في توريط العرب في الهزيمة العسكرية، وفى الهزيمة الدبلوماسية، قد نجحت نجاحا لم يدع للعرب بديلا عن ((الحصن الشيوعى)) وهذا السيد اسماعيل الازهري يحدثكم فيما أوردت الايام من خطاب ألقاه في الاحتفال الذي أقيم، بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة أكتوبر، في دار الثقافة السوفيتية بالخرطوم، فبعد ان أشاد بالثورة السوفيتية، وقائدها لينين، وبانجازات الاتحاد السوفيتى في مجالات العلم، والصناعة، الخ الخ، وهاجم المعونات الامريكية، وقال انهم يقدمون لنا الآلات القديمة، وأثنى على المعونات السوفيتية، وبعد ان انتقد موقف السوفيت من الحرب العربية الاخيرة قال ((ان مواقفهم الاخرى غطت على ذلك)) وعن اغراق الباخرة الاسرائيلية ((ايلات)) قال ((ان ذلك يعكس صدق نية السوفيت لانهم مدوا العرب بأسلحة عظيمة)) ثم أشاد بوجود قطع من الاسطول السوفيتى في المواني المصرية وقال ((ان وجودها صمام أمان)) وعبارة ((صمام أمان)) من أزهري تقابل عبارة ((حصن يمكن الركون اليه)) من بريجنيف.
                  

01-23-2009, 03:10 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: الروس يضللون العرب

    ان الروس لا يقولون ما يعلمون. أو ما يجب ان يعلموه. فحين طالب الكسى كوسيغين، نيابة عن العرب، في المنظمة العالمية بأدانة العدوان الإسرائيلي كان يعلم ان خرق العرب لهدنة 1949 ((التي أشار اليها السيد جمال عبد الناصر في حديثه مع السيد دنقل فوت اشارة اعتراف)) ذلك الخرق الذي تمثل في السماح لفدائيى منظمة التحرير الفلسطينية ان يتسللوا من أرض سورية عبر حدود اسرائيل كان يشكل حالة عدوان من العرب على اسرائيل.. وكان يمكنه ان ينصح أصدقاءه العرب في ذلك، ولكنه لم يفعل.
    وكوسيغين، الذي يطالب بأدانة العدوان الإسرائيلي على العرب، كان يعلم ان مباشرة السيد جمال عبد الناصر لقفل خليج العقبة في وجه الملاحة الاسرائيلية بعد ان ظلت تمخر فيه عشر سنوات، يشكل عملا ستعتبره اسرائيل عدوانيا، وستجد في اعتبارها هذا عطف الرأى العام العالمى، اكثر مما تلقاه مصر.. وكان يمكنه ان ينصح أصدقاءه العرب في ذلك، ولكنه لم يفعل..
    وكوسيغين، والزعماء السوفيت، الذين معه، والذين سبقوه، كانوا يعلمون ان سياسة العرب المعلنة هى رمى دولة اسرائيل في البحر وهؤلاء الزعماء السوفيت هم من اول من ناصر خطة تقسيم أرض فلسطين، وهم من اول من اعترف بدولة اسرائيل. وظلوا يبادلونها التمثيل الدبلوماسي، وظلوا، ولا يزالون يعترفون لها بحق البقاء. ولكنهم ظلوا كذلك يوافقون العرب على سياستهم هذه، وظلت صحفهم تشجع العرب وتحرضهم على المضى فيما تسميه، مكرا ((تأمين سيادتهم على أراضيهم)).
    وفى هذه الايام طلبت مصر، على لسان مندوبها الدائم في الامم المتحدة، السيد محمد عوض القونى، من رئيس مجلس الامن، وهو في هذه الدورة مندوب مالى السيد محمود كانتى، ان يعقد جلسة خاصة مستعجلة لدراسة الموقف الخطير في الشرق الاوسط.. وأمام المجلس، في جلسته هذه الخاصة، التي عقدها في الخامسة والنصف من بعد ظهر الخميس 9/11/1967، مشروعان وهما المشروع الامريكى، والمشروع الذي قدمته الدول الافروآسيوية، وهى الهند، ومالى، ونيجريا.. وهذا المشروع الاخير ((يؤكد حق كل دولة في الحياة بسلام، وأمن، واحترام لسيادتها، ووحدة اراضيها، واستقلالها السياسي، ويدعو لانهاء حالة الحرب، كما يطالب بتسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ويطالب بسحب القوات الاسرائيلية من الاراضى العربية التي احتلتها اثناء القتال الذي بدأ في الخامس من شهر يونيو الماضى، كما يطالب أيضا بارسال مبعوث خاص للامم المتحدة بغية تنسيق الجهود لتنفيذ المشروع المقترح. على ان يقدم تقريرا لمجلس الامن خلال 30 يوما)).
    واما المشروع الامريكى فيطالب بتسوية كاملة للازمة على أساس فرض الصلح بين العرب واسرائيل، ويعتمد على المبادئ الخمسة التي أعلنها الرئيس جونسون في خطاب له ألقاه قبل انعقاد الجمعية العامة، في أعقاب العدوان، وكان جونسون قد أوضح ان مقترحاته للسلام في الشرق الاوسط هى: ضرورة الاعتراف بأن لكل دولة حقا سياسيا في العيش بسلام، وحقا قانونيا في المرور البرئ في جميع الممرات المائية. وقال ان مسئولية الحرب في الشرق الاوسط تقع على عاتق العمل الخطير، التعسفى، الذي يتسم بالحماقة، والذي يبدو في اغلاق خليج العقبة.. ودعا جونسون لوضع حد لسباق التسلح بين الدول العربية واسرائيل، وقال ان اقرار السلام يستدعى حل مشكلة اللاجئين، وان على الدول المعنية أن تصل لاتفاق مباشر في هذا الصدد.. وعنده انه لدى الوصول الى هذا الاتفاق تجلو القوات الاسرائيلية عن الاراضى العربية التي احتلتها.. وجاء، على اقتراحه بأن تصل الدول المعنية لاتفاق مباشر، تمسك اسرائيل بالاعتراف، والمفاوضات المباشرة بينهما وبين العرب.. كما جاء، من رايه في مسئولية الحرب، رفض الولايات المتحدة لنقطة الاتحاد السوفيتى الاولى التي تدعو الجمعية العامة لادانة اسرائيل بالعدوان على الدول العربية.. وجرى في هذا المضمار ايضا الاقتراح الثاني الذي تقدمت به دول الحياد، اذ خلا من المطالبة بادانة اسرائيل بالعدوان، بعد ان كان مشروع هذه الدول الاول يقوم على اربع نقاط أولها ادانة العدوان.. وهذا المشروع الامريكى يتفق مع مشروع الدول الافروآسيوية على ضرورة ارسال مبعوث عن الامم المتحدة. ويختلف معه في تحديد مهمة هذا المبعوث، ويجئ هذا الاختلاف من اختلاف المشروعين نفسيهما.
    وتقول الاخبار لا المشروع الامريكي، ولا المشروع الافروآسيوى، ينتظر له ان يحظى بتسعة الاصوات اللازمة لنجاحه في مجلس الامن الذي يضم خمس عشرة دولة. وذلك لان الولايات المتحدة وحلفاؤها يعارضون المشروع الافروآسيوى لانه يعطى الاولوية لانسحاب القوات الاسرائيلية، ويترك أمر التسوية الكاملة للمستقبل، وهم يريدونها أولا.. وشرطا مقدما على الانسحاب.. ومن الجهة الاخرى فان الاتحاد السوفيتى، وحلفاؤه، يعارضون المشروع الامريكى لانه يعطى الاولوية لتسوية دائمة في المنطقة، فيربط انسحاب القوات ((المعتدية)) بالصلح بين العرب واسرائيل.
    وهذا الموقف الذي يقفه الاتحاد السوفيتى هو الموقف الذي يروق العرب، وللعرب بعض العذر في ذلك. فأنهم قد ظنوا ان في هذه المغالطة، وهذه المماحكة، تضميدا لجراح كرامة وجدت نفسها تعترف عمليا باسرائيل، بعد ان بنت سمعتها على عدم الاعتراف.. فلم يبق الا ان تغالط وتماحك.. هذا أمر قد نفهمه للعرب، وان أسفنا له.. ولكن ما عذر الاتحاد السوفيتى حين يقف هذا الموقف وهو يعترف بدولة اسرائيل، وقد أسهم في مشروع تقسيم ارض فلسطين بغرض اقامة دولة اسرائيل؟ هل تريدون ان تعرفوا دافع الاتحاد السوفيتى لهذا الموقف؟؟ اذن فاسمعوا!! ان الاتحاد السوفيتى لا يريد لمشكلة الشرق الاوسط ان تسوى!! لماذا؟ لان عدم تسويتها يشيع جو الخوف، والحيرة، والقلق، وهو جو يناسب التخطيط الشيوعى لسوق الشعوب العربية، والحكومات العربية، الى حظيرة الشيوعية، ولان حالة الحرب تزيد من عداوة الشعوب العربية، والحكومات العربية للدول الغربية وبوجه خاص للولايات المتحدة، ولان الحرب تستنزف من طاقة أمريكا، خصوصا اذا ما أضيفت الى الحرب القائمة الآن في فيتنام، والتي لا يريد لها الاتحاد السوفيتى أيضا ان تسوى – ويمكن ان يقال ان الحروب الاقليمية، على مستوى حرب فيتنام، وحرب الشرق الاوسط، تعطى الاتحاد السوفيتى فرصة تجربة أسلحته الجديدة بصورة ملفتة ودعائية، فقد حققت صواريخ (كومار) السوفيتية، التي استعملت في اغراق المدمرة الاسرائيلية ((ايلات)) سمعة عسكرية ذات أثر دبلوماسي كبير، وهذا الاثر الدبلوماسي هو ما يهم الروس، في المكان الاول، لانه يحقق اخلال توازن القوى لمصلحتهم هم ضد الكتلة الغربية، وقد فعل!! فقد اوردنا لك خطاب بريجنيف بمناسبة العيد الذهبى للثورة الشيوعية حيث قال فيه ((ان ميزان القوى في العالم قد تغير بصورة جذرية لصالح الطبقة العاملة)) وهو، بالطبع، يقصد ان يقول لصالح الدول الشيوعية.. وهو أمر معلوم، وهوأيضا امر لا يسر عاقلا، مهتما بمصير الانسان على هذا الكوكب.

                  

01-23-2009, 04:22 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)
                  

01-28-2009, 11:42 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: Haydar Badawi Sadig)

    Quote: الامم المتحدة ومشكلة الشرق الاوسط

    ان الامم المتحدة، رغم كل ما تتسم به من عجز، هى أمل الانسانية الوحيد في ايجاد حلول للمشاكل عن طريق التفاوض، بدلا عن السلاح، وهى جهاز يمثل خلاصة المجهود البشرى، على مدى القرون، في تجنب الحروب.. وللدول الصغيرة، بخاصة، فرصة فيها يجب ان تحرص عليها، وان تتمسك بها بكل ثمن.. وتعمل على ان يتطور هذا الجهاز في طريق الكفاية حتى يصبح ذا سلطة تنفيذية - سلطة تتخذ القرارات، وتملك القدرة على تنفيذ هذه القرارات – ولكن، مع الاسف، فان الاتحاد السوفيتى، جريا وراء سياسته التي يبيتها للعالم، قد استطاع ان يضلل العرب حتى تمسكوا بمطالب، في مشكلة الشرق الاوسط، عرضت هذا الجهاز العظيم لسوء القالة، ولا تزال تعرضه لسوء المنقلب.. الم ينسب لوزير خارجية السودان، وهو يتحدث، يومئذ، باسم الدول العربية انه قـال ((ان الدول العربية ستعيد النظر في عضويتها في الأمم المتحدة؟؟))
    ان الاتحاد السوفيتي، كما اسلفنا الى ذلك القول، قد إتخذ، في الجمعية العامة، مع أغلبية أعضائها، قرار تقسيم أرض فلسطين، بغرض اقامة دولة اسرائيل، وهو يعترف لهذه الدولة بحق البقاء، ولكنه في الوقت الحاضر، قد بدا له، ولمصلحة سياسته المبيتة، ان يؤيد العرب في موقفهم الذي يعارض حق اسرائيل في البقاء.. فهو يعارض الاقتراح الأمريكي لحل هذه المشكلة، لماذا؟؟ ((لأنه يعطي الأولوية لتسوية دائمة في المنطقة، ويربط بين انسحاب القوات الإسرائيلية عن الأراضي العربية وبين الصـلح بين العرب واسرائيل)) فهل سمع الناس مثل هذا المنطق من مسئول؟؟ أليس ميثاق الأمم المتحدة يتطلب مثل هذه التسوية، ان كنا نفكر بأمانة وبغير غرض؟؟
    ان العرب قد سقطوا في الفخ الذي نصبته لهم الشيوعية الدولية، وهم يتورطون كل صبح جديد معها في رباط جديد، ومع ان أباطيل الشيوعية الدولية ظاهرة، الا ان العداوة التي احتملها العرب للدول الاستعمارية، وعجزهم عن النهوض بهذه العداوة، قد حجبت عنهم الرؤية..
    جاء في حديث نشرته مجلة ((الجديد)) البيروتية في عدد لها بتاريخ 10 نوفمبر قولـها ((لخص أحد المطلعين العارفين الموقف من الحرب أو السلم على الصورة التالية: (ان أمريكا تدفع مصر للانتحار.. وهي تريد منها إما انتحارا عسكريا عاجلا في الجبهة، أو انتحارا سياسيا عن طريق فرض الصلح، ان سياسة مصر هي عدم الوصول الى حافة الانتحار))).. ثم تمضي المجلة فتقـول ((من ناحية ثانية فان استعدادت مصر العسكرية قائمة على قدم وساق، وان التعليمات الرسمية للعسكريين هي الحرب، الحرب، الحرب في أية لحظة. وهناك قناعة في بعض الأوساط المصرية ان جبهة السويس ستكون الجبهة الوحيدة القادرة على القتال أو أنها ستحمل العـبء الأكبر ـ كما كانت الحال في حرب حزيران ـ وان اشهر اختصاصيي حروب الدفاع، والتكتيك الحربـي السـريـع، فـي الاتحـاد السوفيتي يضعـون ثقلهـم كلـه لمساعـدة، ومؤازرة العسكريين المصريين)).
    لعمر الحق، ان الدول الصغيرة يجب ان تأخذ حذرها من أمريكا ولكن ما يجب أن يصيبها الذعر بهذه الصورة التي وردت في عبارة من وصفته المجلة بالإطلاع والمعرفة.. فلا أمريكا، ولا أي دولة أخرى من الدول المسئولة، تريد لمصر أن تنتحر عسكريا، أو سياسيا، ولكن مصر هي التي، بسوء تفكيرها، وجهلها السياسي، سعت الى الانتحار العسكري، والانتحار السياسي، ولا تزال تسعى، وهي تسعى سعيا حثيثا لا تملك أن تستمع معه، نصيحة الناصح الأمين.
    إن تضليل الاتحاد السوفيتي لزعيم مصر قد بلغ اليوم مبلغا يدعو لأشد الأسى.. فان السيد جمال عبد الناصر الآن يمكّن للخبراء الروس من الجيش المصري، كما تخبرنا مجلة ((الجديد)) في حديثها الذي أوردنا لك منه نبذة ـ اقرأ مرة أخرى ((وان اشهر اختصاصيي حروب الدفاع، والتكتيك الحربي السريع، في الاتحاد السوفيتي يضعون ثقلهم كله لمساعدة ومؤازرة العسكريين المصريين)).
    هناك من المراقبين السياسيين من يقول أن الإعلام في مصر في يد الشيوعيين، والجيش في يد عبد الناصر، وها قد بدأ الجيش يكون في يد الشيوعيين، بحجة خبرة الخبراء السوفيت التي لا غنى عنها.. وبحجة إبعاد الضباط الذين ينتمون الى عوائل رأسمالية، واقطاعية، لأنهم، في تعليل من ينصحون السيد جمال عبد الناصر، ويشيرون عليه، قد كانوا سبب الهزيمة العسكرية المشئومة.. ويبلغ عدد الضباط المبعدين، في تقدير بعض العارفين، ما يزيد على الألف، وهم في رتبة لواء فما فوق. ((وتقدّم، على ذلك، ضباط الصف الثاني، أي العمدة وما تحت الى الصفوف الأمامية، وغالبيتهم من الذين تدربوا في الاتحاد السوفيتي)).
    والاتحاد السوفيتي الذي يسعى الى تمكين قبضته على الشعوب العربية بتضليل سياستها نحو الكتلة الغربية، مستعينا على ذلك بجهل الزعماء العرب، وبغرور الدكتاتورية العربية، سيحاول ان يجر مصر، ومن ورائها الدول العربية، الى مواجهة رابعة، تتم فيها هزيمة العرب النهائية، على أيدي الكتلة الغربية وينتهي بهم المطاف الى القطيعة التامة مع الكتلة الغربية والاستقرار التام في خيام الكتلة الشرقية... وهذا هو السر الذي يقبع وراء معارضة الاتحاد السوفيتي للمشروع الأمريكي الذي ((يعطي الأولوية لتسوية دائمة في المنطقة.. ويربط بين انسحاب القوات الإسرائيلية عن الأراضي العربية وبين الصلح بين العرب واسرائيل))




    ونواصل الرؤية الاستراتيجية السودانية بعيدا عن غوغائية الهجين المستعرب في السودان
                  

01-28-2009, 11:44 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: شجاعة المواجهة

    يجب أن نكون واضحين، فإن الشيوعية الدولية ليست صديقة لأحد.. بل انها، لفرط جهلها، عدوة حتى لنفسها ويجب أن يكون واضحا ان الشيوعية الدولية، التي تتخذ فلسفتها من الماركسية اللينينية هي أمر غير الاشتراكية العلمية ـ وان كان كارل ماركس يسميها ((الاشتراكية العلمية)) وان عرفت في التاريخ بهذا الاسم ـ لأن صفة ((العلمية)) يجب الاّ يفوز بها الا المجهود البشري الذي يقوم على الحقائق الثوابت، التي تقف بنا على عتبة المجهول، وتترك لنا الفرصة باستمرار، لنمدد خطوط مجهودنا هذا الى الأمام، في المجهول، كلما أصبحت مواطئ أقدامنا فيه معلومة لدينا. ونحن يجب أن نعلم، كل يوم جديد، أمرا جديدا، من هذا المجهول.. وهكذا يكون عملنا العلمي تطورا مستمرا، وتجددا مستمرا، وانطلاقا مستمرا من منطقة المحدود الى منطقة المطلق.. ولم تسم الماركسية ((علمية)) بهذا المعنى، وانما سميت علمية في مقابلة الاشتراكية ((المثالية)) أو اليوتوبية الغامضة، التي كانت سائدة قبل ذلك التاريخ.. فان كارل ماركس قد عالج تطور التاريخ الاقتصادي بأسلوب سلس، واضح، لم يلجأ فيه الى الغموض، أو المثل العليا، وخاصة تاريخ الحضارة الصناعية، الناجمة عن الآلات الجبارة ووضع استنتاجات ذكية، وبعيدة المدى، عن التطور والتاريخ والتنازع بين الطبقات في المجتمع الإنساني.. ولكن سلسلة تفكيره في التطور تفقد حلقة هامة، عجز هو عن إدراكها، فلم يعترف بالعجز، فيترك، بذلك، السبيل مفتوحة لمن عساه يتمم ما نقص، وانما اتخذ من عجزه هذا فضيلة فأنكر وجود تلك الحلقة المفقودة.. وبذلك ضلّ وأضلّ كثيرا..
    وعن هذه الحلقة المفقودة في التفكير الماركسي وردت اشارة في كتيب الحزب الجمهوري ((التحدي الذي يواجه العرب)) وذلك حيث قال ((والحديث عن الماركسية كدين مستغرب بالطبع، والسبب في الاستغراب ان الناس ألفوا الماركسية كفكرة اشتراكية فقط، وما ذاك الا لأن ماركس أعطى الاهتمام الاول، في فلسفته، للاقتصاد، واختفى أصل الفلسفة، الا عن الذين يبحثون، ولهؤلاء تظهر الماركسية كفلسفة للانسان والكون.. وههنا يظهر خطلها وقصورها، ((فالمادية الديلكتيكية)) وهي فلسفتها، تقول ((ان حركة الفكر هي انعكاس للحركة الواقعية منقولة الى دماغ الانسان ومستقرة فيه)) ((والحركة الواقعية)) عندهم هي حركة العناصر، بما في ذلك الصراع الطبقي، وهي حركة حتمية ميكانيكية، وحتميتها تلقائية فيها.. فهم لا يعترفون ان هذه الحتمية تنبعث عن ارادة محيطة، في عقل كلي، هو الذي يخلق الطبقية، والتاريخ، ويصنعهما.. وههنا يجيء انفصام السلسلة.. ((وانقطاع الدورة)).

    واشتراكية كارل ماركس التي يسميها علمية تقوم على أسس خمسة وهى: ـ
    1- مجرى التاريخ تتحكم فيه القوى الإقتصادية.
    2- التاريخ ما هو الاّ سجل لحرب الطبقات.
    3- الحكومة ما هي الاّ أداة تستخدمها طبقة في اضطهاد طبقة أخرى.
    4- العنف والقوة هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق أي تغيير أساسي في المجتمع.
    وقد أضاف لينين الأساس الخامس وهو:
    5- يجب مراعاة الدقة في تدريب كبار المخططين، والمنفذين للثورة الشيوعية، في الوطن، وفي الخارج، على السواء، ليكونوا ثوريين محترفين متفرغين. وإنما أضاف لينين هذا الأساس الخامس من أسس ما أسموه ((الإشتراكية العلمية)) لأنه كان مقتنعا بأن العمال تنقصهم القدرة على التفكير، والتخطيط.. ولهذا يجب عليهم أن يخضعوا لزعامة فئة قليلة مختارة، وهي الحزب الشيوعي.. فتجدهم يتحدثون عن دكتاتورية العمال، والمزارعين، والمثقفين الوطنيين.
    وقد كتب كارل ماركس في كتابه ((رأس المال)) يقول ((ان العنف هو المولّد لكل مجتمع قديم يتمخّض بمجتمع جديد)).
    وكارل ماركس في هذه الملاحظة، وفي سابقاتها، يرصد التاريخ، ويكاد يحسب ما هو ظاهرة مرحلية في تطور المجتمع البشري، لازمة أبدية من لوازم هذا المجتمع ((هي على كل حال عنده لا تنتهي الا بإنتهاء الصراع الطبقي وذلك بأن تصفي بالعنف، طبقة واحدة بقية الطبقات.. وهذه الطبقة هي طبقة البروليتاريا، التي يجب ان يكون النشاط العملي لحزبها (مؤسسا لا على الرغبات المحدودة ((لنخبة من الأفراد)) ولا على مقتضيات ((العقل)) و((الأخلاقية الكلية)) .. الخ.. بل على قوانين التطور الاجتماعي، وعلى دراسة هذه القوانين). وبذلك، عندهم، تصبح الإشتراكية علمية. ونحن نتساءل هل يفهمون حقا قوانين التطور الاجتماعي؟
    اسمعوا ماركس يقول: ((ليس ادراك الناس هو الذي يحدد معيشتهم، بل على العكس من ذلك، ان معيشتهم الإجتماعية هي التي تحدد ادراكهم)) فهل من يقول مثل هذا القول يمكن ان يفهم قوانين التطور الاجتماعي؟ ان قوانين التطور الإجتماعي تحكيها هذه الآية ((يا أيها الإنسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه)) وملاقاة الله ليست بقطع المسافات اليه، ولكن بتقريب صفات الإنسان من صفاته، وذلك بترقي الإنسان في سلم التطوّر من الحرية المحدودة الى الحرية المطلقة، وهذا يقتضي تنظيم مجتمعه على أسس الديمقراطية الإقتصادية، والديمقراطية السياسية.. والديمقراطية الإقتصادية هي ما تسمي ((بالإشتراكية العلمية)) وشرط لازم لها ان تكون صنوا للديمقراطية السياسة فلكأنهما جناحان بهما معا ينهض المجتمع كما ينهض الطائر مستقلا في الجو.. ونحن لن نذهب في تفصيل ذلك هنا، وانما موعدنا مع القارئ بهذا التفصيل صدور كتابنا ((الإسلام ديمقراطي اشتراكي)) ولكننا نحب هنا ان نكشف بعض الشئ عن جهل الماركسية التي عليها تقوم الشيوعية الدولية، ويحاول الشيوعيون ان يوهموا الناس ان الإشتراكية العلمية لا سبيل اليها الا عن طريـق الماركسـية ـ اللينينية.. وقـد انطلى هـذا التضليل الشيوعي على العرب، وعلى غيـر العرب من الشعوب.
    والآن فان العرب، باسم صداقة الإتحاد السوفيتي، وتوهم عداوة الولايات المتحدة، والمبالغة في تصوير هذه العداوة، قد جعلوا قضية فلسطين فرصة نادرة للشيوعية الدولية لتباشر المؤامرة المبيتة لاغتيال حرية البشرية على هذا الكوكب.. وقد وجب، منذ اليوم، على العرب أن يواجهوا قضيتهم بأنفسهم، وان يتجهوا بها الى الحل السياسي، وان يقطعوا الطريق على التضليل الشيوعي للبشرية فلا يأتي عن طريقهم هم.. ومن مواجهتهم لقضيتهم ان يعترفوا باسرائيل وان يأخذوا الرأي العام العالمي الى جانبهم بالدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل لتحقيق القرارين اللذين اتخذتهما الأمم المتحدة أحدهما في 29 نوفمبر عام 1947 وهو (قرار التقسيم) والثاني في الحادي عشر من ديسمبر 1948 وهو (قرار إعادة اللاجئين).
                  

01-29-2009, 08:38 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: المفاوضات المباشرة

    كما قلنا، فان اعتراف العرب باسرائيل واقعيا، وعمليا حاصل، وكل المشاريع التي تقدم في المنظمة العالمية الآن ترمي الى تسجيل هذا الإعتراف. لا يختلف في ذلك أصدقاء العرب، أو أصدقاء اسرائيل. ولعل كل ما هناك من اختلاف بين الفريقين هو هل يكون الجلاء قبل تسجيل هذا الاعتراف أم بعده؟؟ وهناك إصرار اسرائيل على التفاوض المباشر. وأمام هذه الإصرار فان اسرائيل ستكون مستعدة لتنازل كبير، قد لا يكون ممكنا بغير قوة المساومة التي يحملها هذا الاعتراف من جانب العرب، ومن مصلحة القضية العربية الا تضيع قوة المساومة هذه بتمسك العرب بعدم الاعتراف اللفظي، مع أن الاعتراف عمليا واقع، ومع الزمن، فان اسرائيل ستحصل على هذا الاعتراف، بدون أن تدفع عليه ثمنا كافيا للعرب.
    ثم انه يجب أن يكون واضحا فان أي حل سياسي لا يمكن ان يفرض على العرب، كما هو لا يمكن ان يفرض على اسرائيل، بقوة السلاح، وذلك لأسباب عديدة، منها ان السلاح لم يعد يحل المشاكل بين الأمم، ومنها ان المنظمة الدولية، الى الآن، لا تملك سلطة تنفذ بها قراراتها. فلم يبق الا ان تكون الحلول السياسية قائمة على الموافقة المتبادلة، والتراضي بين الفريقين المتنازعين، ومن أجل ذلك، فإن التفاوض المباشر هو أسلم السبل، وأقربها الى التراضي.
    ونحن نعلم صعوبة الإعتراف على الزعماء العرب، ولكننا لا نحترمها، ذلك بأنها صعوبة تقوم على الكبرياء الزائف، وعلى المظهر الفارغ، وهي تستهدف خداع الشعوب العربية، ذلك بأن الزعماء قد ظلوا يحدّثونها، على طول المدى، عن رمي دولة اسرائيل في البحر.. وحتى في مؤتمر الخرطوم الذي التقى فيه هؤلاء الزعماء مؤخرا لم ينسوا، تمشيا مع الأوهام القديمة، المزمنة، والمعلنة على الشعوب، ان يعلنوا، من جديد، انهم سيعملون على تحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها في الحرب الأخيرة ((وذلك في نطاق المبادئ الأساسية التي تلتزم بها الدول العربية وهى: عدم الصلح مع اسرائيل، أو الإعتراف بها. وعدم التفاوض معها)).

    وقد قلنا ان هذا الإعتراف عمليا قد حصل، فهل ما يهم الشعوب العربية هو مظهر الإعتراف، أم جوهره؟؟ ان الزعماء العرب هم اليوم أسارى التضليل الذي ظلوا، ولا يزالون، يمارسمونه مع شعوبهم.. فهم، ((عمليا))، يعترفون بدولة اسرائيل، لأن الإعتراف ضروري لإحراز الحل السياسي الذي لا يجدون عنه منصرفا، ولكنهم، ((قوليا))، يرفضون هذا الإعتراف ليظل المظهر محفوظا أمام الشعوب، ريثما يعمل الزمن عمله في ذاكرتها.
    ومن سوء طالع الشعوب العربية، في الوقت الحاضر، ان الزعماء، وحملة الأقلام، ورجال الاعلام فيها، موكلون بتضليلها عن قصد، وعن غير قصد.. وهذا الصحفي الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي يعتبر ناطقا باسم السيد جمال عبد الناصر، يكتب في جريدة الإهرام فيقـول ((وحساب الإسبوعين الأخيرين على أي حال، يظهر أن الفجوة ما بين المحاولة والهدف واسعة، بل انها تزداد اتساعا مع كل يوم، وبالتالي فان المشكلة تبتعد كما يبدو عن إمكانية الحل السياسي وقدرتـه!.
    ((وحتى لو افترضنا جدلا اننا استطعنا أو استطاع أصدقاؤنا بعمل شامل ومركّز اقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة ـ بعد ان استحال التقدم تماما في مجلس الأمن ـ باصدار مشروع قرار يمكن ان يكون بالنسبة لنا أساسا مقبولا للحل.. فان مثل هذا المشروع سوف يظل مجرد مشروع ـ حبرا على ورق ـ ما لم تقبله اسرائيل برضاها، أو مفروضا عليها.
    ((ولن تقبل اسرائيل برضاها شيئا يرضى به العرب.. وهذه بدهية!.
    ((والبدهية الأخرى المكملة لها ـ وبها وليس بغيرها تتم الحلقة وتستحكم ـ هي ان الولايات المتحدة الأمريكية بالذات وبغير بديل هي القوة التي تستطيع ان تفرض على اسرائيل شيئا لا تقبله اسرائيل برضاها.
    ((أي ان الولايات المتحدة الامريكية هي التي تملك فرصة الحل السياسي المعقول – أو الذي يمكن ان يكون معقولا – للازمة كما انه في يدها ان تحول مشروع القرار الى مفتاح لباب الحل السياسي.
    ((وذلك أمر لايلوح حتى الآن ان الولايات المتحدة الامريكية على استعداد له، كما انه ليست هناك أية دلائل تومئ الى استعدادها له في المستقبل المرئي.
    ((بل ان جميع الشواهد تشير الى العكس.
    ((1_تراجعت الولايات المتحدة عن خطوط مشروع القرار الذي كانت هي نفسها قد طرحته للبحث في نهاية الدورة الاستثنائية للجمعية العامة للامم المتحدة والذي كان مضمونه أساسا ان تنسحب القوات الاسرائيلية الى مواقع ما قبل 5 يونيو في مقابل إنهاء حالة الحرب كما انها تراجعت عن الخطوط العامة التي أعلنها الرئيس لندون جونسون رئيس الولايات المتحدة الامريكية نفسه، وكان ابراز ما فيها انه لا يستطيع أي طرف من أطراف النزاع في الشرق الاوسط ان يحقق أية مكاسب إقليمية نتيجة للحرب المسلحة. كما انها تراجعت عن الفهم العام الذي كانت تدرك بـه - حسب ما جاء في تصريحات وزير خارجيتها دين رسك - انه من المستحيل على العرب ان يقبلوا التفاوض مع اسرائيل.
    ((تراجعت الولايات المتحدة الامريكية عن هذه المواقف كلها، وكانت هي التي اختارتها لنفسها قبل شهور قليلة واسابيع واصبح موقفها الآن هو موقف اسرائيل لا يختلف في كثير أو قليل:-
    ((* على العرب أن يقبلوا التفاوض مع اسرائيل.
    ((* على العرب ان يقبلوا ضم أجزاء من أوطانهم التي تعرضت لمؤامرة يونيو1967 لكي تضاف الى الارض المغتصبة في مؤامرة مايو 1948.
    ((* على العرب ان يفتحوا قناة السويس للملاحة الاسرائيلية.
    ((* على العرب أن ينتظروا بمشكلة اللاجئين الى ان يمن عليهم الاحسان الأمريكي _ أو الاسرائيلي _ بالجود والعطاء.))
    هذا ماقاله في الاهرام يوم 3/11/1967 الاستاذ محمد حسنين هيكل، الذي هو من أولى حملة الاقلام الذين ينتظر منهم الصدق، والدقة، سواء نظرت اليه من حيث انه الناطق باسم السيد جمال عبد الناصر، أو من حيث انه من ألمع، وأقدر الصحفيين العرب المعاصرين.
    ونحن لكي نظهر لك عدم الدقة، وعدم الامانة، في اقوال الاستاذ هيكل لابد ان نعرض لك ما قاله الامريكان في مجلس الامن حتى الامس القريب: ونحن هنا ننقل من صحيفة ((الرأي العام)) السودانية بتاريخ 9/11/1967، قالت: (( يجتمع في الساعة الخامسة والنصف من بعد ظهر اليوم مجلس الأمن بناء على الطلب الذي تقدّم به السيد محمد عوض القوني، الممثل الدائم للجمهورية العربية المتحدة، لرئيس مجلس الأمن، وهو مندوب مالي السيد محمود كانتي، وكان السيد القوني قد طلب عقد جلسة عاجلة للمجلس لدراسة الموقف الخطير في الشرق الاوسط، وقد بدأ أعضاء الوفود مشاوراتهم حول المشروعين المطروحين أمام المجلس، وهما المشروع الأمريكي، والمشروع الذي قدمته الدول الآفرو آسيوية، وهى: الهند، ومالي، ونيجيريا.
    ((ويتفق المشروعان في ضرورة إرسال مبعوث عن الأمم المتحدة للشرق الأوسط ولكنهما يختلفان في تحديد مهمة المبعوث، وفي مدى تأكيد كل منهما على انسحاب القوات المعتدية وارتباط ذلك بإنهاء حالة النـزاع، ويطالب المشروع الأمريكي بتسوية كاملة للازمة على أساس فرض الصلح بين العرب واسرائيل، ويعتمد على المبادئ الخمسة التي كررها الرئيس الأمريكي جونسون. ويقوم المشروع الآفرو آسيوي على أساس مشروع دول أمريكا اللاتينية، الذي لم يحصل على الأغلبية في الجمعية العامة (وكانت الدول العربية آنذاك تعتبره أقرب للمصالح الإسرائيلية).
    ((ويؤكد المشروع الأمريكي ان تحقيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة يتطلب التوصل لحالة السلام الدائم، القائم على العدل، في الشرق الأوسط، وإنهاء حالة الحرب، والدعوة اليها، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة، وينص على الإحترام المتبادل لحق كل دولة في العيش في سلام، والتمتع بالسيادة، والحرية، مع الحد من خطر استخدام القوة، أو التهديد بها. وضمان حدودها، وسلامة أراضيها، ومنحها حرية الملاحة في الممرات الدولية. كما يدعو للحد من سباق التسلح في المنطقة. ويطلب المشروع الأمريكي من السكرتير العام ارسال مبعوث خاص لتنفيذ المشروع، وتحقيق السلام الدائم في الشرق الأوسط على أن يقدم تقريرا لمجلس الأمن.
    ((أما المشروع المقدم من الهند، ومالي، ونيجيريا، فيؤكد حق كل دولة في الحياة بسلام، وأمن، واحترام سيادتها، واستقلالها السياسي، وتدعو لإنهاء حالة الحرب، كما يطالب بتسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين. ويطالب بسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها أثناء القتال الذي بدأ في الخامس من شهر يونيو الماضي، كما يطالب أيضا بارسال مبعوث خاص للأمم المتحدة بغية تنسيق الجهود لتنفيذ المشروع المقترح، على أن يقدم تقريرا لمجلس الأمن خلال 30 يوما)) هذا ما أوردته صحيفة ((الرأي العام)) ونحن الذين وضعنا الخطوط تحت الكلام لنعين القارئ على متابعة ما جاء في المشروع الأمريكي مما يظهر، بوضوح، عدم أمانة السيد هيكل، وبخاصة حين قال ان أمريكا (( تراجعت عن الخطوط العامة التي أعلنها الرئيس لندون جونسون رئيس الولايات المتحدة الامريكية نفسه)). وحين قال (وكأنه يخبرنا عما قاله الأمريكان) ((على العرب ان يقبلوا ضم أجزاء من أوطانهم التي تعرضت لمؤامرة يونيو1967 لكي تضاف الى الارض المغتصبة في مؤامرة مايو 1948)).
    ومن أسوأ أنواع التضليل زعمه أن الأمريكان يضمرون أو يقولون:((على العرب أن ينتظروا بمشكلة اللاجئين الى ان يمن عليهم الاحسان الأمريكي _أوالاسرائيلي _ بالجود والعطاء)) مع ان المبادئ الخمسة التي كررها الرئيس جونسون، والتي يعتمد عليها المشروع الأمريكي الأخير، تقول، ((ان اقرار السلام يستدعي حل مشكلة اللاجئين، وان على الدول المعنية ان تصل لاتفاق مباشر في هذا الصدد، وان أمريكا ستبذل ما في وسعها في هذا الصدد))
    والأستاذ هيكل يقول عن أمريكا (( كما تراجعت عن الفهم العام الذي كانت تدرك به - حسب ما جاء في تصريحات وزير خارجيتها دين رسك - انه من المستحيل على العرب ان يقبلوا التفاوض مع اسرائيل.)) ومن الغريب جدا ان يعتقد العرب ان أمريكا، أو أي دولة عاقلة من دول العالم، تحترم مثل هذا الموقف من العرب.. ان قول دين رسك يعني ان الزعماء العرب، وان الشعوب العربية قد عاشت، مدى العشرين سنة الماضية، وهم يحلمون أحلام اليقظة بأنهم، يوما ما، سيرمون اسرائيل في البحر، فلما أزعجهم الواقع المرير، عن حلمهم اللذيذ، بكل هذه الفجيعة، وبكل هذه الفجاءة، لم يعد من الممكن للدول ان تنتظر منهم ان يواجهوا واقعهم، وان يتجاوبوا معه بهذه السرعة.. فاذا وجد زعيم، بينهم، يستطيع ان يفيـق على هذه الحقائق المرة ((كما أفاق السيد جمال عبد الناصر الآن)) فانه لا ينتظر منه أن يملك الشجاعة ليقول للشعوب العربية، صراحة، وبدون التواء، انه من الخير لنا الآن ان نتفاوض مع اسرائيل. هذا ما يعنيه دين رسك.. وهذا هو رأي أصدقاء العرب، واعداء العرب، على السواء، وهو رأي لا يشرّف العرب على الإطلاق. بل انه رأي يظهرهم بمظهر المراهقين، القصّر، الذين يحبون ان تغلف لهم الحقائق المرّة بطلاء يلذ لهم طعمه، ويطيب مساغه.
    ولقد أوردنا لك تفاصيل المشروع الآفـروآسـيوي لتتمكن من المقارنة بينه وبين المشروع الأمريكي.. وسيظهر لك ان ليس هناك فرق بينهما الاّ في مدى اصرار الأمريكان على الاّ يتم الانسحاب الا بعد اجراء التسوية النهائية للسلام في المنطقة بالمفاوضات المباشرة، وتسامح الدول الآفرو آسيوية في هذا الأمر.. وهو تسامح لم تمله مصلحة السلام في المنطقة، وانما أملته مجاملة العرب في أمر عاطفي، وشكلى
    ان مشكلة الولايات المتحدة انها دولة، على ما بها من تقصير، تقدر مسئوليتها نحو السلام أكثر مما يفعل الإتحاد السوفيتي الذي تخلى عن مسئوليته بصورة مزرية ليمارس خدمة أغراضه المبيتة لاغتيال حرية البشرية على هذا الكوكب، وذلك بتضليل الشعوب، والزعماء السذج، وبإيهامهم انه صديقهم، وان الأمريكان أعداؤهم.. وقد انطلى هذا التضليل على رجال السياسة، ورجال الفكر العرب، حتى رأيناهم يعملون على تعميق الخلاف بين شعوبهم، وحكوماتهم، وبين الولايات المتحدة، ويتجهون نحو الإتحاد السوفيتي، يصفونه بأنه الصديق الوفي، والحصن الآمن، وبأنه ((ديدبان السلام)) في العالم.
    ان عداوة الأمريكان قد جرّها على العرب، بغير موجب، قصر نظر سياسة السيد جمال عبد الناصر، ولا تزال صحافة مصر، والبلاد العربية الأخرى، تعمل على تعميق هذه العداوة، وبغير موجب أيضا، بل بغير أمانة، كما رأينا من مقال الأستاذ هيكل.. وهذه العداوة قد دفعت بالعرب الى أحضان الإتحاد السوفيتي، فيما توهموه صداقة، وتسببت بذلك في تعريضهم لأسوأ أنواع التضليل الذي تعرضوا له في تاريخهم الطويل..
    والآن فانا نحن لا ندعو العرب الى صداقة أمريكا، وانما ندعوهم الى الرجوع عن عداوتها. ونحن لا ندعوهم الى عداوة الإتحاد السوفيتي، وانما ندعوهم الى الرجوع عما توهموه صداقته.. وانجع طريقة لهذا الإعتدال، واسرعها هي مواجهة اسرائيل في مفاوضات مباشرة تقطع الطريق على عبث من يعبث بالعرب، وبالمنظمة العالمية، وتفرغ العرب ليباشروا مشكلتهم الحقيقية، وهم معتدلون، مستقلون عن السير، لا في ركاب الكتلة الشرقية، ولا في ركاب الكتلة الغربية
                  

01-31-2009, 12:49 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: الحل العاجل

    ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور انهم، ايثارا منهم لعافية الدول، وتضحية منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة، ورعاية منهم لصالحهم هم انفسهم، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل، تحت اشراف الامم المتحدة، (ومجلس الامن بشكل خاص) وعلى ان يكون التفاوض على أساس قراري الامم المتحدة، المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947 (قرارالتقسيم)، وفي الحادي عشر من ديسمبر عام 1948 (قرار إعادة اللاجئين). وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدى دخولها هيئة الامم، وقد وردت الى ذلك الالتزام الاشارة في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في الحادي عشر من شهر مايو عام 1949، وهو القرار الذي يقضي بقبولها في الهيئة، وينص ((في ديباجته على ان اسرائيل قد تعهدت باحترام التزاماتها تجاه ميثاق الامم المتحدة منذ قيامها، أي في الرابع عشر من آيار (مايو) عـام 1948، كمـا ينـص على التذكيـر بقـراري 29 تشـرين الثـاني (نوفمبر) عـام 1947 (قرار التقسيم)، والحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1948 (قرار إعادة اللاجـئيـن).)) عن كتاب ((قضايانا في الأمم المتحدة)).. وسيكون هدف المفاوضة المباشرة مع اسرائيل تحت اشراف مجلس الأمن، الآتى:-
    1- انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل، والاعتراف لاسرائيل بحق البقاء في سلام، وامن. واحترام لسيادتها على أراضيها.
    2- احترام حق اسرائيل في المرور البريء بالممرات المائية - خليج العقبة، وقناة السويس.
    3- انسحاب القوات الاسرائيلية، والسلطات الاسرائيلية، من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل على التوالى: في حروب15 مايو عام 1948، و29 أكتوبر عام 1956، و5 يونيو عام 1967.
    4- ارجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم، أثناء هذه الحروب، أو بعدها، وتعويضهم عن جميع ما تعرضوا له من خسائر. وتوطين من لا يرغبون منهم في العودة الى داخل الحدود الإسرائيلية، في الأرض الفلسطينية، التي خصصها مشروع التقسيم الأصلي للعرب، مع تعويضهم أيضا.. وهذا يعني تنفيذ مشروع التقسيم الأصلي.
    5- ضمان مجلس الأمن (الامم المتحدة) لحدود الدولة العربية الجديدة، التي تنشأ نتيجة لتنفيذ مشروع التقسيم الاصلي، ولتأكيد هذا الضمان توقف، على الفور، الهجرة اليهودية الى دولة اسرائيل، وذلك لان زيادة السكان الناتجة عن استمرار الهجرة ستجعل اسرائيل مضطرة الى التوسع، وقد تصبح مهددة بذلك لامن جيرانها، وسلامة اراضيهم.
    6- تأخذ هيئة الامم على دولة اسرائيل تعهدا بالا تحاول أي توسع في أرض أي من الدول العربية المجاورة لها. فاذا جرت منها أية محاولة فان مسئولية ايقافها عند حدها تقع على عاتق المنظمة الدولية، مجلس الامن والجمعية العامة.
    فاذا ملك الزعماء العرب هذه الشجاعة، وهي شجاعة سيحتاجونها لمواجهة شعوبهم، (وذلك، على كل حال، أفضل من التضليل الذي يمارسونه الآن) فان موقف اسرائيل سيصبح ضعيفا.. ولكنها امام اغراء اعتراف العرب بها، وامام الرأي العام العالمي، في المنظمة وخارجها، لن تجد بدا من الموافقة. فاذا ما ابرم الحل العاجل بصورة مرضية فقد أصبح على العرب ان يباشروا الحل الآجل.

                  

02-02-2009, 01:28 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: الحل الآجل

    أول ماتجب الاشارة اليه هو ان العرب اليوم يواجهون تحديا حاسما، وليس هذا التحدي هو قيام دولة اسرائيل، في ارض فلسطين، بعد ان اقتطعتها، وشردت أهلها، واعانها، على كل اؤلئك، قوم آخرون، في طليعتهم الشيوعية الدولية التي تدعي صداقة العرب اليوم، وتتباكى على مأساتهم.. بل ان النظر العميق في حقيقة هذا التحدي ليظهر دولة اسرائيل وكأنها صديق في ثياب عدو.. أو انها نعمة في ثوب نقمة.
    واما التحدي الحاسم الذي يواجه العرب فانه يتمثل في ان منطق تطور الحياة البشرية المعاصرة في هذا الكوكب يقول للعرب ان عليكم، منذ اليوم، ان تدخلوا التاريخ في القرن العشرين، كما دخله أوائلكم في القرن السابع، فاشرقت بدخولهم على عالم يومئذ شمس مدنية جديدة.. أو ان تخرجوا عن التاريخ، لبقية التاريخ..
    وفحوى هذا التحدي الحاسم هو ان العرب اليوم لا يعيشون حاضرهم، ولا يعيشون ماضيهم. فاما حاضرهم فهو عصر الحضارة الغربية، العلمية الآلية، الذي، وان تأخرت فيه الاخلاق، وانحطت القيم، فقد بلغ فيه التقدم التكنولوجي مبلغا فاق احلام أصحاب الاحلام، وبلغ فيه تطور الآلة وتطويعها لخدمة الانسان مبلغا غير وجه الحياة.. ولكن العرب لا يعيشون الا على هامشه.. فهم لا يصممون الآلة.. ولا يصنعونها، ولا يحسنون حتى صيانتها، ولا استعمالها.
    واما ماضيهم فقد كان عهد التقوى، والايمان، والقيم الرفيعة، والسيرة المستقيمة، والخلق العبق، السجيح، والنجدة، والرجولة، والتضحية، والايثار، والصدق! الصدق! الصدق!.
    ولكن العرب اليوم لا يعيشون الا على هامشه، ايضا، فهم قد تشربوا اخلاق المدنية الغربية، وجاروا أهلها في مباذلهم، فأفقدتهم أصالة دينهم، ولم يبلغوا من اصالتها هي طائلا. فأصبحوا يعيشون على قشور من الاسلام، وعلى قشور من المدنية الغربية.. او قل، ان اردت الدقة، انهم لا يعيشون، وانما تـقوقـعوا، وتحجـروا، واصبحت حركتهم لا تنبعث منهم، وانما تنبعث عن عوامل خارجة عن محيطهم، وعن ارادتـهم.. ان العرب اليوم لا يوجهون التاريخ، ولا هم يسهمون في توجيهه وانما ينساقون خلفه ويعيشون على هامشه..
    ويزيد في حسم التحدي الحاسم الذي يواجه العرب عدة أمور: منها أولا، ان المدنية، الغربية، الآلية، الحاضرة قد أعلنت افلاسها، ووصلت الى نهاية مقدرتها التطورية، وعجزت عن استيعاب طاقـة بشرية اليوم، وتطلعها الى تحقيـق الاشتراكية والديمقراطية في جهـاز حكومي واحـد.. لان الانسان المعاصر يريد الحرية، ويرى ان الإشتراكية حق طبيعي له، ووسيلة لازمة لتحقيق هذه الحرية. ومن خطل الرأي عنده، ان يطلب اليه، ان يتنازل عن حريته لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الإشتراكية، كما تريد له الشيوعية الماركسية ان يفعل، أو ان يطلب اليه ان يحقق حريته الديمقراطية في ظل نظام اقتصادي رأسمالي لا تتوفر له فيه حاجة المعدة والجسد، الا بشق الأنفس، كما تريد له الرأسمالية الغربية. وقد عمّق افلاس هذه المدنية، وعجزها، شعور البشرية المعاصرة بالحاجة الى بزوغ شمس مدنية جديدة، تلّقح الحضارة الغربية الآلية الحاضرة، وتنفخ فيها روحا جديدا به يتسق التناسق بين التقدم التكنولوجي، والتقدم الخلقي، وبذلك تصبح المدنية الغربية الحاضرة قادرة على التوفيق بين حاجة الفرد الى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة.
    ومنها ثانيا، ان العرب يعيشون في منطقة هي سرة العالم، وعندها تلتقي القارات الثلاث: أوروبا، وآسيا، وأفريقي ا، وهي منطقة صنع فيها التاريخ، ومنذ فجر التاريخ، ولا يزال يصنع، ولقد نشأت فيها، وعلى صلة بها، والتقت على أرضها جميع المدنيات، وبخاصة تلك التي تجمع بين المادة والروح ـ بين الإشتراكية والديمقراطية ـ وتطلب للإنسان الرغيف لأنه لا يعيش بدونه، وتطلب له، وراء الرغيف، الحرية لأنه لا يعيش بالرغيف وحده.. ((ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله)) كما يقول المسيح، أو ((الدنيا مطية الآخرة)) كما يقول محمد.
    ومنها، ثالثا، أن العرب ـ دون سائر الناس ـ هم أهل الكتاب، هم أهل القرآن، والقرآن هو روح الله الذي اذا نفخ في هيكل الحضارة الغربية، الآلية، العملاقة الحاضرة عادت اليه الحياة، واستقامت فيه موازين القيم، وملك القدرة على ان يسير بالبشرية الى منازل السلام..
    ومنها، رابعا، ان الزمان قد استدار استدارة كاملة، وأصبحنا نعيش اليوم في فترة تؤرخ نهاية عهد وبداية عهد.. وأصبحت منطقة العرب مسرحا لصراع حضاري جديد، هو الصراع بين الحضارة الغربية الآلية كما يمثلها اليهود، فيحسنون تمثيلها، كل الإحسان، وبين المدنية الإسلامية ((الروحية ـ المادية)) كما يمثلها العرب، فيسيئون تمثيلها، كل الإساءة.. وستكون نتيجة هذا الصراع الحضاري، مولد المدنية الجديدة المرتقبة، ان شاء الله، ولكن على العرب ان يهبوا، وان ينهضوا، وان يحسنوا تمثيل المدنية الإسلامية في كفاءة، وكفاية، حتى يتم التزاوج والتلاقح. ولو ان العرب كانوا في مستوى كاف من الكفاءة والكفاية، لما نشأت بينهم دولة اسرائيل، بالصورة التي بها نشأت.. ولكنهم احتاجوا الى نشأة اسرائيل، بينهم لتوقظهم من غفلتهم، ولتنبههم الى تقصيرهم في حق ربهم، وفي حق أنفسهم، وفي حق البشرية عامة!.

                  

02-03-2009, 12:23 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: الإسلام

    خلاصة الحل الآجل، في كلمة واحدة؟ ((الإسلام!!)) ولكن ما هو الإسـلام؟ هو ما عبر عنه القرآن الكريم ((بدين الحق ـ الله)) وذلك حين قال ((هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، وكفي بالله شهيدا)) ولكن ما معنى هذا؟ معناه ما عبر عنه المعصوم حين قال ((الإسلام دين الفطرة)) وذلك أخذا عن قوله تعالى:((فأقم وجـهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيـم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)).. ثم قال في تفسير الفطرة: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)). تأمل!! كل مولود!! لم يقل كل مولود من أبناء المسلمين!! لأنه يعني كل مولود بشري. فان الله تبارك وتعالى قال ((فطرة الله التي فطر الناس عليها)) فالناس كلهم كفصيلة، يختلفون عن فصـائل الحيـوان الأخرى. ولكنهم يتفقون فيما بينهم في الفطرة!! فالفطرة هي العقل! فالناس حيث وجـدوا، وكيفما وجدوا، يتفقون فيما بينهم في ان لهم عقولا.. ومهما كان مستوى هذه العقول، فانها، في أدناها، تميز بها أدنى الناس عن أعلى الحيوان. ((كل مولود يولد على الفطرة)) يولد بقلب سليم، وعقل صافي. وهو ما نعرفه عن براءة الطفولة.. ولكن لا عبرة بسلامة قلبه، وصفاء عقله، لأنهما صفحة بيضاء، بلا تجارب ولا خبرة.. فاذا عايش الطفل المجتمع، مبتدئا بأبويه، بدأت تجاربه، وأخذ دينه. وهو، في الغالب، على دين أبويه، وهذا معنى قوله ((فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه)) ثم هو اذا درج حتى بلغ سن التكليف أصبح وقد اكتسب من المجتمع الصغير ومن المجتمع الكبير تجاربه، ولكن الفطرة تكون حينئذ قد أمّسخت، فانحرف القلب عن سلامته، وانكدر العقل عن صفائه.. فجاءت العادات الرديئة التي يتعلمها الإنسان من الوسط الذي يعيش فيه.. الحرص، والبغض، والجبن، والرياء، والنفاق، والكذب، والعنف، والكبرياء، والإدعاء، الى آخر هذه المذام التي جمعها قوله تعالى، ((كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)) يعني غطى قلوبهم ما اكتسبوه من سيء العادات، ولئيم الطباع أثناء خوضهم في معترك الحياة الإجتماعية التي تحيط بهم.. ((فالرين)) الطبع والدنس. فاذا ران على القلب الطبع اللئيم انشل العقل عن الفكر السليم.. وهذه هي آفة البشرية اليوم التي أغرت بينها العداوة ولا تزال تغريها.. وحاجة البشرية اليوم الى السلام على هذا الكوكب هي حاجة حياة أو موت.
    أصبح على البشرية، على هذا الكوكب، بعد أن صاروا جيرانا، ان يتعلموا كيف يتعايشون، ان لم نقل يعيشون، مع بعضهم البعض في سلام.. بعد ان ظلوا يتحاربون طوال تاريخهم، المكتوب وغير المكتوب، حتى لقد بلغوا بأسلحة الحرب مبلغا يهدد الحياة كلها على هذا الكوكب، ان لم ينتصر فيه السلام على الحرب.
    وهذه هي وظيفة الإسلام، في مستوى ما هو دين الفطرة.. لأن غرض الإسلام أن يرد الناس الى سلامة القلب وصفاء العقل، وذلك برفع الرين المكتسب في معترك الحياة كما أسلفنا: قال تعالى في حاجته الى سلامة القلوب ((واغفر لأبي إنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون * يوم لا ينفع مال ولا بنون * الاّ من آتى الله بقلب سليم)) سليم من الإنقسام الذي يسببه سوء الطبع المكتسب.. فاذا سلم القلب فقد صفا الفكر.. وصاحب القلب السليم، والفكر الصافي، قد حقق السلام مع ربه، ومع نفسه، ومع أخيه الإنسان ـ طوبى له، وحسن مآب..
    فوحدة البشرية على هذا الكوكب، وسلامها انما طريقهما التفكير المستقيم.
    والإسلام، في مستوى ما هو دين الفطرة، موكل بتحقيق التفكير المستقيم.. حتى ان جماع تكاليف الإسلام، في شريعة عبادته، وفي شريعة معاملته، انما هو التفكير المستقيم.. قال تعالى ((وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزّل اليهم ولعلهم يتفكرون)).
    ان الإسلام، في هذا المستوى، ليس دينا بالمعنى المألوف في الأديان، وانما مرحلة العقيدة فيه مرحلة انتقال الى المرحلة العلمية منه.. وليس ههنا مجال التفصيل.. فقد أفرد الحزب الجمهوري لهذه الدراسة كتابا باسم ((الرسالة الثانية من الاسلام)) هو الآن بين أيدي القراء، فليراجع.
                  

02-03-2009, 12:46 PM

Abdlaziz Eisa
<aAbdlaziz Eisa
تاريخ التسجيل: 02-03-2007
مجموع المشاركات: 22291

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)



    الأخ عادل

    سلام

    بوست رائع ومجهود جبار..

    لكن حتى اقتراح الأخ النقرو بتقسيم المقال ما ريحنا..

    الكلام كتير وطويل ومسكتونا كتير جدا..

    تحياتي
    عبدالعزيز

                  

02-04-2009, 12:04 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: Abdlaziz Eisa)

    Quote:
    عودة الإسلام

    أمام عودة الإسلام عقبات كثيرة، نذكر منها إثنتين: دعوة القومية العربية، والدعوات السلفية الى الإسلام: فأما القومية العربية فقد أسلفنا طرفا من الحديث عنها، وقلنا أنها دعوة عنصرية في وقت خلّفت البشرية فيه الدعوات العنصريات وراءها، وأخذت تستقبل عهد الصراع الفكـري، والمذهبي. ويزعم أنصار هذه الدعوة أنها ليست عنصرية بحجة أنها دعوة لا تستعلي بعنصريتها على أحد، ولا هي تدعو لاضطهاد العنصريات الأخريات. وأمرهم في هذا جد يسير، فكونها لا تذهب في شطط العنصرية الى هذا الحد البشع لا ينفي عنها كونها عنصرية.. وقد ينفي عنها كونها عنصرية متطرفة.. ونحن لا نريد الدعوات العنصريات وان كانت موزونة، ومعتدلة وذلك لأنها لا تقوم على مذهبية.. وأسوأ من ذلك، فانها تصبح مطية ذلولا حتى للدعوات الإلحاديات الفاجرات.. ويكفي ان القومية العربية هي اليوم مطية للشـيوعية الدولية متقمصة اسما جذابا للعرب، وحبيبا الى نفوسهم ((الإشتراكية العربية))
    أما القومية العربية، عند البعثيين في سوريا، فإنها دعوة بادية العداوة للإسلام. وهي، في هذا المضمار، شر من الشيوعية الدولية، لأن خطرها ملبّس على العرب. وما هكذا الشـيوعية. هذه الدعوة يجب ان تعرى ويكشف مبلغ تضليلها للعرب..
    وأما الدعوات السلفية للإسلام فان أمرها ضعيف، وهي بالطبع ستصرف الناس الى حين عن الفهم الصحيح للدين.. ولكن، لأنها لا تنطوي على فكر، ولا تملك سلطة على رقاب الناس، فلن يطول الوقت الذي تتكشف فيه جهالاتها.
    ان الإسلام لن يعود ببعث الشريعة الإسلامية، ولا بالدستور الاسلامي الذي يتحدثون عنه بغير فهم، ولا عقل، وانما سيعود ببعث ((لا اله الا الله)) لتكون خلاّقة في صدور الرجال والنساء، كما كانت أول مرة، حين انبعثت في القرن السابع الميلادي، في أرجاء الجزيرة العربية على يدي النبي، الأمي، محمد بن عبدالله، وببعثها هكذا يبعث الرجال، والنساء، من هذا الموت الذي يعيشونه..
    ويرتفع عمود التوحيد، من جديد، الى مستوى جديد، ينكره حتى الذين يدّعون اليوم لأنفسهم التوحيد. وبذلك تتحقق النبوءة العظيمة ((بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ.فطوبي للغرباء!! من الغرباء يا رسول الله؟؟ الذين يحيون سنتي بعد اندثارها!!)) ـ يومئذ يتحقق النبأ العظيم..
    سيعود الإسلام بالفهم الواعي، الرشيد للإسلام، ثم بالتبشير به!. لأن الفهم الواعي، الرشيد، سيخلص الى علومه المكنونة، والتبشير به سيعرضه في مستوى حل مشاكل البشرية المعاصرة الضاربة في التيه وقد لفتها الحيرة.. في مستوى حل مشاكل الأفراد، والجماعات، وذلك أمر قد فصلّنا فيه، نحن الجمهوريين، القول في كتب عديدة أدخلها في هذا الباب ثلاثة:
    * طريق محمد.
    * رسالة الصلاة.
    * الرسالة الثانية من الإسلام.

    وعلى الله قصد السبيل.خاتمة

    أما بعد فهذا كتاب أريد به ان يكون وصفة لعلاج شاف لداء العرب حتى يطبوا لأنفسهم، ثم ليصبحوا فيما بعد، بفضل الله ثم بفضل الإسـلام، أطباء للإنسـانية التي أنهكها المرض، وقعد بها عن منازل السلام.
    وهو بعد كتاب اتسم بالصدق، والجرأة، وصراحة المواجهة. فمن آذته، من القراء هذه الصراحة فليعلم أن أمرنا كله جد. وعندنا ان وقت التدليس، وتمويه الحقائق، وتمليق الشـعور، ودغـدغة العواطف النواضب، قد ولّى الى غير رجعة، وان على الناس ان يرتفعوا الى منازل الرجولة المسئولة التي تقوى على مواجهة المسئولية في عزيمة الأحرار.
    بإيجاز! العرب انهزموا لأن داخليتهم فاسدة.. فأخلاق الشعوب العربية قائمة إما على قشور من الإسـلام، أو على قشور من المدنية الغربية، أو على قشور من كليهما.
    وهم لن ينتصروا الا اذا اقاموا أخلاقهم على لباب من الإسلام، ولباب من المدنية الغربية ـ مدنية الإسلام الروحية ـ المادية.. وهذا لا يتأتى، على الإطلاق، بالسير وراء الزعامات الحاضرة.. جمال عبد الناصر والقومية العربية ـ فيصل والتفكير الإسلامي، السلفي، المتخلف..
    لا بد من الثورة الفكرية وسط الشعوب العربية، وذلك بعودة ((لا إله الا الله)) في بسـاطتها، ونقاوتها، وصدقها، كعهدنا بها في القرن السابع الميلادي في شعاب مكة، وأرجاء الحجاز..
    لا بد من ((لا إله الا الله)) جديدة من منجمها ـ حديثة عهد بربها.
    هذه خلاصة هذا السفر ...


    الاخ العزيز عبدالعزيز عيسى
    تحية طيبة
    هذا هو التفكير الاستراتيجي الذى يرفع الحجب عن المستقبل القريب والبعيد
    ونحن السودانيين ابتلانا الله بالاستلاب والانبطاح خلف العرب
    واتباع ايدولجياتهم السقيمة
    والان اكتمل الكتاب الذى يتناول قضية محورية ومهمة جدا في تغير الشرق الاوسط 2009
    هل ترى لهذاالكتاب هزا او ركزا حتى في دوائر الفكر السودانية الجديدة هنا وهناك
    الم اقل لكم
    الحديث ذو شجون

    ساعود لاضيف مقالاتي التي تنسجم مع هذا الكتاب ونرى
    اسهامات الواعين من ابناء السودان

    (عدل بواسطة adil amin on 02-04-2009, 12:07 PM)

                  

02-05-2009, 11:57 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: اسرائيل في مخيلة النخبة العربية
    راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

    عادل الامين
    الحوار المتمدن - العدد: 1733 - 2006 / 11 / 13


    السؤال...هل نشات اسرائيل لاسباب دينية ؟
    الاجابة ...لا...لان الخيارات كانت اقامة دولة في البحيرات الافريقية او الارجنتين ولكن ربطوها بفلسطين للتمويه
    في الحقيقة هناك مقولات لمفكرين يجب اخذها بالاعتبار بان الاقتصاد هو المحرك للتاريخ( ماركس)
    لقد مرت المنطقة العربية بثلاث مراحل خلال قرن
    1- المرحلة الاولي الاستعمار المباشر(الكلونالية)
    2- الاستعمار غير المباشر(الامبرالية/الصهيونية) وهي مرحلة الايدولجية والانظمة الشمولية
    3- الشراكة-الديموقراطية والشعوب تقرر وهذه ملامح النظام العالمي الجديد التي بدات تتشكل في كل مكان
    للاسف برزت الدولة الصهيونية في زمن الايدولجيات للاسباب الاتية
    1- قامو بتمرير المشروع الاستطاني تحت مظلة الشيوعية الاممية وبمباركة الاحزاب الشيوعية العربية والتي يكمن خلف تاسيسها اليهود انفسهم(هنري كوريل)
    2- في المرحلة الثانية قامو بصناعة النقيض وهم الاسلاميين(الاخوان المسلمين) والسلفيين لمحاربة الشيوعية..ومن عبائة الاخوان المسلمين خرجت الايدولجية القومية الناصرية...لتزيد من التناقضات في الدولة القطرية وكانت ثالثة الاسافي البعثيين..وشكلت الانظمة الشمولية التي حكمت خمس عقود عبر هذه الايدولجيات اكبر كارثة وهي تغيييب الشعوب وتشريد وتنكيل التنويريين واهلاك الحرث والنسل الموثق في كل دولة عربية ....واعاقة نشر الديموقراطية وهي العدو الحقيقى لاسرائيل..لان في الفترة الامبرالية الصهونية لا تعدو الانظمة العربية سوى موظفين للتروستات العابرة للقارات التي تنهب موارد المنطقة لصالح الدولة العبرية بشكل غير مباشر..وكلها دول بوليسية بصرف النظر عن طبيعة الايدولجية التي تصبغ الحكومة
    وللاسف ما نعاني منه الان هو ان النخبة العربية المؤدلجة تعيد انتاج نفسها في المرحلة الثالثة وتعيق نشر الديموقراطية..لانها تسقط وعي مرحلة علي مرحلة جديدة..وتغييب ثقافة المجتمع المدني التي هي ركيزة الدولة الديموقراطية الحقيقية القادرة علي القيام بالصراع الحضاري بصورة مثلى..لان الايدولجيات اعلاه اما قائمة على استعلاء طبقى او ديني او عرقي...اضحى في ذمة التاريخ في كل مكان الا في المنطقة العربية..ونحن في حاجة لمنابر حرة لتعرية هؤلاء ..مثل هذا المنبر
    ختاما: انحسرت الايدولجية الصهوينية في اسرئيل نفسها(فوز الوسط كاديما واليسار العمل.).وبدات اسرائيل تتعامل مع الواقع وخارطة الطريق المتاحة عبر الشرعية الدولية الوحيدة الممكنة...حيث نحن لا نبحث الان عن الحل الامثل بل عن الحل الممكن..والذج بالخطاب الغواغائي الاسلامي او العروبي البائس في هذه المرحلة يعقد الوضع اكثر من يحله ويكلف الكثير دون طائل...والازمة فلسطينية اكثر من ان انها عربية او اسلامية في نظرنا....ونحن نحتاج الى ترسيخ الديموقراطية في الدولة الفلسطينية اولا وبالتالي الشرعية الدستورية المستمدة من الشعب..ليس فلسطين فقط بل الدول العربية والاسلامية وعندها ستختفي دولة اسرئيل من الوجود تدرجيا لانها ظهرت في نظام عالمي قديم ونحن نعيش في نظام عالمي جديد ..الدولة فيه مدنية وليس دينية والشعوب تقرر دون وصاية زائفة من احد ..كما يتوهم الكثيرين

    والازمة السياسية الراهنة سببها فوز حماس تحت تاثير خطابها الديني واستغلال المساجد وتقبيح فتح والمزايدة بمفردة الفساد وحالةالورع الزائف التي يدعيها كوادرها وهو عموما خطاب الاخوان المسلمين الطوباوي وغير الواقعي الذى ادخل الشعب الفلسطيني في جحيم عداء اسرائيل والمجتمع الدولي.فالانتخابات اصلا لها مستويين مستوى اجرائيlegality ومستوى اخلاقيlegitamcy وحماس حققت الحالة الاولي وعجزت عن الثانية
    ولابد ان تراجع حماس حساباتها..فخطف جندي اسرائيلى عمل غير صائب او مدروس كلف الكثير والسياسة كعلم هو ان تحقق اكبر مكاسب ممكنة باقل خسائر ممكنة..ولا زال يحدونا الامل في حكومة وحدة وطنية متوازنة تعرف ماذا يجب ان تفعل مع الخارج ومع الداخل ايضا..بدون مضاعفات يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني الصابر..
                  

02-12-2009, 01:06 PM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36829

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السلفيون العرب ومأساة غزة (Re: adil amin)

    Quote: الكتاب الشهري:الفجر الكاذب
    راسلوا الكاتب-ة مباشرة حول الموضوع

    عادل الامين
    الحوار المتمدن - العدد: 1827 - 2007 / 2 / 15


    كنا ندرس في المرحلة الإبتدائية أيام زمان وفي كتاب القراءة العربية المدعم بالصور، قصة ذات تسلسل منطقي، بها عدد من صور الحيوانات في توالي منتظم تبدأ بصورة فأر وتنتهي بصورة بقرة والتعليق كالآتي: هذا هو الفار الذي أكل الدخن الذي في بيت أم الحسن وهذه هي القطة التي قتلت الفار الذي أكل الدخن في بيت أم الحسن وهذا هو الكلب الذي قتل القطة التي قتلت الفار الذي أكل الدخن في بيت أم الحسن، هذه البقرة التي رفست الكلب الذي قتل القطة التي قتلت الفار الذي أكل الدخن الذي في بيت أم الحسن.
    على ضوء هذه القصة الطويلة نبدأ مشوار بحثنا في العقل العربي والمؤثرات الداخلية التي قادت إلى تقويض وإجهاض المشروع الحضاري العربي والتقهقر إلى الوراء، حتى نتناول هذا الموضوع الشائك والمعقد لا بد من مسح شامل وكامل لبيت أم الحسن (الوطن العربي)، مهما ادعى الإنسان من خبرة ووعي لا يمكن أن يلم بكل المؤثرات التي أدت إلى ما نحن عليه اليوم من فرقة شتات. قد نجد أحيانا أن معظم الدراسات التي طرحت عن هذا الموضوع "نقد العقل العربي" تتحرك أفقيا، أي في حدود الفار الذي أكل الدخن ... ولكننا هنا نريد أن نغوص راسياً في جذور المشكلة، إلي البقرة التي رفست الكلب!!
    بعد هذه المقدمة الموجزة لنلقي الضوء أولا على طبيعة البيئة التي ينشأ فيها الإنسان العربي حتى تعرف العلة الفاعلة في تخلف العقل العربي تبدأ بمؤسسة الزواج. فمؤسسة الزواج فاشلة من أساسها تبني على أسس مادية أو طبقية أو عنصرية وليس على أسس معنوية وعاطفية قوامها المودة والرحمة...حيث يظن بعض الناس أن الزواج هو إشباع الرغبات الجنسية فقط ويحاط الزواج بطقوس وتابو وتعقيدات تجعل منه شيئا بشعا، رجل وامرأة يجدان نفسيهما مقيدين برباط ناجم من تصلب الأباء وتلعب التركيبة البابوية للعائلة العربية دور فعال في صنع هذه الأوضاع المفروضة وتمضي رحلة العمر على غرار الجحيم هو الآخرون•....ينشأ الأطفال وهم يعانون من الاضطرابات الوجدانية في ظل هذا الجو المشبع بالكراهية أو يتم الطلاق(أبغض الحلال عند الله) فيتشرد الأطفال....إن الإنسان حتى ينشأ سوياً يحتاج إلى حنان موجب من الأب وحنان سالب من الأم فيما عدا ذلك تختل شخصية الطفل، لذلك كان يجب أن تتوفر حرية الاختيار للطرفين في قضية الزواج لضمان نجاحه واستمراره.
    إذا انتقلنا إلى جانب آخر نجد التركيبة السلوكية للأسرة، ينشأ الطفل تحت قهر وتسلط الأب في المنزل ثم يمتد هذا القهر إلى المدرسة ثم إلى العمل فيقع تحت نير الرئاسة المباشرة وعندما يحاول التعاطي مع السياسة على استحياء يواجه بقمع السلطة، فتتحطم دواخل الإنسان العربي ويصاب بسايكلوجية الإنسان المقهور، يحركه في الحياة دافع الخوف والطمع ويحاول التنفيس عن هذه الأحقاد المكبوتة في شكل علاقات صداقة باهتة موبوءة بالنميمة والحسد والنفاق الاجتماعي والكذب حتى إن لم يكن له داعي، تحت ضغط هذه المباذل يضمحل الحب ويختفي من حياتنا كأسمى قيمة معنوية وروحية في الوجود، وتتصحر مشاعرنا ويتحول مشوار الحياة إلى رحلة مملة من المنبع إلى المصب دون أن يقدم الإنسان العربي بعقله المكبل بالأغلال أي شيء للحضارة الإنسانية المعاصرة، أي شيء يتجاوز الغرائز إلا من رحم ربي .. وفي الحالة الأخر غياب الأب المزمن أو الدائم لاسباب اقتصادية أو سياسية ينشأ الطفل مضطربا وجدانيا من غير انتماء للأسرة التي تعجز الأم على إدارتها بمفردها وتذلك يصاب الإنسان بالانعزالية والسلبية ويختل بالنسبة له مفهوم الوطن والانتماء، فإذا كان الإنسان فاقد الانتماء للأسرة فما بالك للوطن!! فيتحول إلي قنبلة موقوتة ولقمة سائغة لأي يد عابثة تريد أن تهدد مقدرات الأمة العربية ومكاسبها.
    في هذا المستنقع الآسن عملت الامبريالية/ الصهيونية العالمية بأصابعها الخفية على تشويه وتلويث المجتمعات العربي بصناعتها لنوعين متناقضين من العقول أولهما مصدّر تحت ديباجة صنع في الغرب وهم اللذين تلقوا دراساتهم العليا في جامعات الغرب الشهيرة السربون(فرنسا)، اكسفورد(بريطانيا)،هارفارد(أمريكا) وغيرها، والعقل الآخر مصدر تحت ديباجة صنع في أفغانستان وهم أيضا من حملة الشهادات العليا من أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية واللذين تتلمذوا على يد علماء الدين (اللاهوت) اليهود، هذا النوع من العقول كان من أبشع إفرازات الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي(أمريكا) والمعسكر الاشتراكي (الاتحاد السوفيتي)
    على ضوء ما ذكرنا آنفا انقسم العقل العربي إلى ظل ذي ثلاثة شعب النوع الأول انبهر بالحضارة الغربية المادية الزائفة(واللذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) سورة محمد. فأخذ يتمظهر بها من حيث الشكل والمضمون ويمتاز صاحبها دائما وهو من حملة الشهادات العليا بالنرجسية واحتقار المجتمع الذي نشأ فيه (القرية) ثم ادعائه الزائف بأنه يفهم قضايا العباد والبلاد، يتسلم هذا النوع المناصب العليا ولا تتجاوز إنجازاته حدود الذات المترفة، بينما أهله الطيبون في القري المظلمة يتحدثون عن أبنهم الدكتور(الوزير) بكل فخر واعتزاز تجده يمتطي الطائرات من مؤتمر إلى آخر، تلك التجمعات الشوفينية الكئيبة حيث تسمع جعجعة ولا ترى طحينا، وتكملة للديكور لا بد أن يمتلك مؤسسة ثقافية فكرية تقوم بقمع كل محاولة للنهوض بالفكر محليا وتفتح الباب للأفكار المستوردة والمعلبة من الغرب بصرف النظر إذا كانت هذه الأفكار ملفوفة بورق السولفان أو ورق التوليت. وتغرق الساحة العربية بمفردات ما أنزل الله بها من سلطان أما النص بالنسبة له هو ما قاله فلاسفة الغرب ومنظريه ويدافع عنها بضراوة ويحتقر النصوص الدينية التي لا يراها توافق هواه لذلك سمي هذا النوع جزافا بالعلمانين.. ونحن نهدي إليهم في هذه العجالة جزء مما قالته صحف الغرب الذي يعشقونه عن العرب نقلا عن مجلة روز اليوسف المصرية حيث نشرت مجلة بيلوت الفرنسية في عددها الصادر في سبتمبر 1979 م تقول فيه وصفا للعرب (يلبسون الأغطية ويضعون أكياس على رؤس نسائهم ويتجشأون أثناء الأكل، يغتسلون بالرمال ويضاجعون الأطفال. دينهم دين بليد يحاولون تمريره إلى كل السود في العالم، من شيمهم الجبن عندما يدخلون في عراك مع البيض ومع ذلك لا يترددون في ذبح بعضهم البعض وفي قطع أيادي السارقين، يضعون القنابل أينما حلوا وأرتحلوا، وفي حوزتهم ثلث نفط الأرض، يكرهون اليهود، لأن هؤلاء وحدهم يمتلكون انوفا أبشع من أنوفهم).
    ***
    النوع الثاني من العقول أختار الأنغلاق والتقهقر إلى الوراء وأعلن حربا شعواء على كل مظاهر الحداثة التي تكتنف الحياة المعاصرة ويتمظهر بأشكال ارجوزية أضحت مثار سخرية المواطنين وقد زاده صلفا وغرورا تشبيه حاله بالّمخلص وأعداءه بالجاهلية. هذا العقل المتكلس يكمن الخلل فيه لتقديسه للنصوص الفقهية ويعاني من الفصام الاجتماعي، له خطاب عاطفي غث لا يسمن ولا يغني من جوع، يدغدغ مشاعر الناس ولا يطرح أبدا حلولا منطقية أو علمية تتعلق بحياة الإنسان ويقود حرب ضد المجتمع وكل من يخالفه الرأي وهو أيضا يعاني من النرجسية وإنجازاته لا تتجاوز حدود الذات والغرائز، هذه العقلية الهلامية يصعب ضبطها تحت المجهر ومموه بعناية، بينما تجلس القيادات في الغرب تحت حماية مركزة من المؤسسات الامبريالية/ الصهيونية تقوم القواعد المتشنجة بهدم وتفتيت الجبهة الداخلية للدول العربية بضربها لاقتصاديات تلك الدول وزرعها للفتن بين الطوائف أو بين التيارات الإسلامية نفسها ويحيطون أنفسهم دائما بأجواء مرعبة وذلك لوسائل التعبير الغريبة التي يتعاطونها والتي تتراوح بين الراجمات في أفغانستان إلى القنابل في مصر إلى الساطور في الجزائر إلى الكذب الضار في باقي الدول العربية. وأكثر ما يميزها ويربطها بالدوائر الاستعمارية المشبوهة، هو هذا الأسلوب الحربائي المتلون والتبريري الذي يقود إلى قتل النفس التي حرمها الله، وهو أسلوب فيه كثير من ملامح الفلسفة البراغماتية الأمريكية وأيضا يظهر جليا في تعاطيهم مع أدوات الحضارة المعاصرة، تجد القيادات تمجدها وتقتنيها تحت شعار(سبحان الذي سخر لنا هذا) بينما القواعد تعيش حياة اقرب إلى حياة الحيوانات في الكهوف والأقبية، ولا يسعنا إلا أن نستشهد بآيات من الذكر الحكيم لتوجز لنا هذه الحالة(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)
    أن الامبريالية الصهيونية العالمية هي التي أوجدت هاتين العقليتين المريضتين و نشرتهما بصورة وبائية بالمنطقة العربية , العلمانيين و الفاسدين من جهة والأصوليين من جهة أخرى هذه هي طيور الظلام• التي خيمت بأجنحتها السوداء على امتنا العربية و تتجلى في ابشع صورها في الجزائر , هاتين العقليتين هما طرفا الرحى التي طحنت الشعوب العربية وأهدرت مكاسبها بينما يعيش على قشور الحضارة الغربية و مباذلها ومن يعيش على قشور الإسلام والتمظهر به شكلا بالكحل و الخضاب و الأثواب القصيرة و اللحى الضخمة و السحنات المقلوبة بالنسبة للقواعد البدل الغربية الفاخرة للقيادات .
    ان قابلية الإنسان العربي لتوثين الأحياء و الأشياء هي التي كبلت عقله و جعلته يحيل كل إنسان او نص إلى وثن و قد قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين* قال لقد كنتم انتم و آباؤكم في ضلال مبين ) سورة الأنبياء.
    لنأتي الى النوع الثالث من العقول المستنيرة : محطات الإنذار المبكر , رواد النهضة الحقيقية المنتشرين كالنجوم في سماء "امتنا" الحالك السواد ,تلك القوى المتجردة التي تعمل في صمت لبعدها عن مراكز القرار و تعاني من الحزن النبيل ...
    ان مفتاح الحل يكمن في الديمقراطية و حتى تتوفر هذه الجميلة المستحيلة • لابد أن يربى الناس التربية الديمقراطية الحقة ابتداء من الآسرة ثم تمتد إلى المجتمع وفقا لقاعدة ((ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) : إذا لابد من وجود الإنسان الديمقراطي والمثقف الشعبي الذي ينزل من الأبراج العاجية الى الشارع العربي ويتحمل مسؤولية اكثر من 250 مليون إنسان عربي مغيب تماما في غيبوبة شاملة : ...
    ***

    حتى الديمقراطية نفسها لا تعني شيئا بالنسبة للمؤسسات الاستعمارية، لان الديمقراطية تعمل على تهيئة جو صحي ومعافى لتوعية الشعوب العربية والغرب يستغل هذه الشعوب ولا يريدها أن توعى وتنهض لذلك يسعى لتقويضها بواسطة طابوره الخامس والسادس المذكورين آنفا باعادة انتاج مرحلة انتهت الي مرحلة جديدة قوامها الشعوب تقرر.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de