د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-19-2024, 10:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-02-2009, 11:21 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟!

    *
                  

01-02-2009, 11:28 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة .. المهدية؟!(1)

    بعد الأزمة الأخيرة ، التي أدخل فيها السيد الصادق المهدي حزبه، بتوقيعه – دون الرجوع للقاعدة - على ما عرف باتفاق "التراضي الوطني" مع الحكومة، وبالرغم مما أثاره الناشطون في الحزب، من ضرورة التمسك بالديمقراطية، والاحتكام لمؤسسات الحزب، بدلاً من تصريحات (الإمام) ، ومواقفه الإنفرادية، خرج علينا السيد الصادق المهدي، بحملة جديدة، مفادها الدعوة لإعادة المهدية من جديد!! والاتجاه في حد ذاته لم يحدث لأول مرة ، فقد اشار اليه على استخفاء في كتابات سابقة ، ولكنه لم يسفر عنه كما فعل الآن.
    ولقد بدأ تلك الحملة بخطبة الجمعة ، ثم كررها في مناسبات أخرى، وكان مما قاله، في تلك الخطبة العجيبة: (لقد آن الاوان أن يرد إعتبار الدعوة المهدية لا في نطاق أنصار الله وحدهم ولكن على النطاق الأوسع ...)(الصادق المهدي 19/9/2008م). وفي شرح موضوع المهدية قال السيد الصادق: (تقديم قيادة صاحبها معروف بالصدق والامانة أعلن أنه خوطب خطاباً غيبياً بإحياء الكتاب والسنة وانه هو مهدي الله وان المهدية قائمة بهذين المبدأين ... وأن اتباع هذه الدعوة واجب لأن الله يقول "واتبع سبيل من أناب الي"...)(المصدر السابق) . والمستمعون وان كان معظمهم من الانصار، دهشوا لتوجيهه لهم ، باتباع المهدية الآن، في القرن الواحد وعشرين، وهي حركة انتهت، في القرن التاسع عشر!! لكن السيد الصادق، لم يدعهم في هذا الإستغراب طويلاً ، وانما قال: (أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز مهما كانت إنجازات المهدية التاريخية فقد قال الإمام المهدي: في مقبل الايام، تظهر لدعوتنا كرامة أكبر، مما ظهرت حتى الآن ...) (المصدر السابق) . فهو إذاً، يهيئ جمهور الأنصار- ولا يستثني أعضاء حزب الأمة- لمهدية جديدة قائمة ، يمكن ان ينخرطوا فيها الآن .. ورغم ان السيد الصادق، قد تحدث عن هذه الكرامة، في إطار ظن كتشنر بانه قضى على المهدية في كرري، ثم ظهور حزب الامة كاكبر حزب في السودان بعد نصف قرن، إلا ان الكرامة التي يقصدها حقاً، هي عودة المهدية الآن لتحل مشاكل السودان الحاضرة!! ولذلك قال (وفي بلادنا الآن في وجه استقطاب بين اقصاء وإقصاء مضاد فان بذرة الدعوة المهدية بما استصحبت من مستجدات تسعف الوطن برفع راية السودان العريض الذي يعطي كل ذي حق حقه والكيان الذي غرسته صالح للمساهمة في جمع أهل القبلة حول دعوة وسطية للإسلام وهو كذلك صالح للمساهمة في حوار الأديان والحضارات الذي سيؤدي في نهاية المطاف لميثاق روحي وأخلاقي تدين له الإنسانية ...)(المصدر السابق).
    إن ما دفع السيد الصادق، لطرح موضوع المهدية، الآن، بعد ان انشغل عنه بغيره من الأطروحات، طوال السنين الماضية ، هو ما وجده من معارضة، داخل حزبه، من ناحية .. ثم شعوره بتورطه في "التراضي الوطني"، ومحاولته الإبتعاد عنه، من ناحية أخرى . فهو يريد ان يلبس نفسه هالة من القداسة الروحية، تمنع الشبان الثائرين داخل الحزب، من نقده أو الإعتراض على قراراته، وإن خالفت الديمقراطية، واتجهت الى تمكين ابنائه وبناته من المواقع النافذة. ثم هو يريد أيضاً، ان يبلغ المؤتمر الوطني رسالة مفادها، أنه صاحب دعوة، يريد بعثها، ولا يستمد مشروعيته فقط ، من وجوده في السلطة مثلهم، ولهذا لن يذوب فيهم. ولقد أكد اختلافه معهم، حين أعلن تأييده للمحكمة الجنائية الدولية، وإن تحفظ على توقيف السيد رئيس الجمهورية، باعتبار انه قد يؤدي الى فوضى وعدم إستقرار . ومع انه قد حاول ان يجعل رأيه موضوعياً، الا انه لم يوفق في ذلك، إذ لا يمكن ان يعلن موافقته على المحكمة، واحترامه لها، ثم يرفض قراراتها، قبل ان تصدرها، بناء على توقعاته .. ومهما يكن من امر، فان موافقته على المحكمة، إنما يقرأها المؤتمرالوطني، على أنها بداية التنصل عن الإتفاق، الذي كان يفترض الإنسجام، في المواقف، بما فيها موقف المؤتمر الوطني، الرافض تماماً للمحكمة الجنائية الدولية، وللتعامل معها بأي صورة من الصور. ولعل السيد الصادق إختار أن يركز على المهدية، لأن شخصية المهدي، شخصية مقبولة لدى كثير من المثقفين السودانيين، حتى خارج حزب الأمة، باعتبار دوره الوطني، في مقاومة وهزيمة الإستعمار التركي. ولكن السيد الصادق لا يقبل بذلك، بل يريد من كل السودانيين، ان يعتقدوا معه في المهدي!! ولذلك يقول: (فالمهدية الآن تدرس في مدارسنا بلا أدنى اعتراف للمهدية بصدق الدعوة بل يصّور المهدي كأحد الابطال الوطنيين ...) (المصدر السابق).
    والسيد الصادق يعلم ان الناس ، لو اعترفوا بصدق دعوة المهدي، فإن هذا لا يعني بالضرورة قبول المواقف المتضاربة، والمتخبطة ، للصادق التي يتأرجح فيها بين المعارضة والتراضي!! ولهذا فهو لم يطرح المهدية كحدث تاريخي، مر وانتهى ، وانما يرمي من وراء طرحها، الى ان الإعتقاد فيها، يجب ان يتبعه انتظار لظهورها، بصورة جديدة، على يد قائد جديد .. ولهذا ظل يؤكد كثيراً، ان الإسلام يحتاج الى بعث ، وان المهدية هي التي سوف تبعثه، فقد قال (إذاً سواء نظرنا من ناحية نظرية عامة أو استعرضنا وجوداً واقعياً محدداً سنجد ان كل المؤشرات تعلن حتمية البعث الإسلامي) (الصادق المهدي: يسألونك عن المهدية ص 248). ويقول عن المهدية (أعطت مثلاً وابانت وسيلة البعث الإسلامي في زمانها وفي الزمان اللاحق) (المصدر السابق ص 35) . فإذا كانت المهدية ستبعث الإسلام، في الزمان اللاحق، فإنها -حسب فهم السيد الصادق- تحتاج الى شخصية ملهمة تقوم بهذا البعث .. وعن ذلك يقول السيد الصادق (هؤلاء العمالقة يستجيب الواحد منهم لحاجة جماعية عميقة ويتحدث بالمنطق السائد في زمانه وبتعبير المعارف المتاحة له الرائجة في ذلك الزمان ومن صفة هؤلاء العمالقة ان الواحد منهم يشعر بثقة مستمدة من يقينه بأنه ملهم) (المصدر السابق ص 19). والشخص العادي، لا يمكن ان يكون لديه يقين، بأنه ملهم، الا اذا كانت لديه مسائل غيبية، غير عادية، ترسخ في نفسه هذا اليقين .. ولهذا فإن السيد الصادق يقول عن المهدي (خوطب خطاباً غيبياً بإحياء الكتاب والسنة وانه هو مهدي الله ...) (الصادق المهدي – الخطبة 19/9/2008م). فاذا كنا ننتظر بعث الإسلام، بالمهدية، من جديد ، فان المهدية لا تأتي بغير مهدي .. فمن المرشح لدور المهدي الجديد، غير السيد الصادق نفسه؟! ولما كان هذا الدور الخطير، يقتضي مسائل غيبية ، وإشارات روحية ، فان السيد الصادق المهدي، يحدثنا عن نفسه ، فيقول (فتحت عيني على الحياة على صدى بعض الاحاديث العارضة وكانت تصدر من ثلاثة أشخاص أولهم حديث عمي يحى عبد الرحمن وكان يكبرني بأربعة سنوات وهو طفل في الرابعة من عمره كان يردد "مهاجر سيأتي من كبكابية" والمعنى الذي يقصده ان شخصاً ما ذا دور ما سيأتي من كبكابية وهي مدينة معروفة في دارفور – غرب السودان- وكان بعض النساء في الاسرة من اللواتي كن على وشك وضع حملهن، يسألن يحى المهدي "هل هذا مهاجر؟" فيجيب بالنفي . وذات يوم حكت لي والدتي ان يحى قال "مهاجر جايي الخميس" .. وبالفعل ولدت يوم الخميس وكانت هذه إشارة غيبية غامضة . وثانيهم ان جدي الإمام عبد الرحمن روى أنه عندما جاءه نبأ ولادتي كان يقرأ سورة ابراهيم وكان والدي يريد ان يسميني ابراهيم ولكن كان لدى جدي الإمام ضيف وبينما هما جالسان جاء طائر القمرية واستقر فوق عمامة جدي الذي اقر بأن هذا نبأ وخلال حديثه مع الضيف أخبر بمولدي ورد عليه الضيف لماذا لا تسميه بأحد أسميك؟ وكان أسم جدي الإمام عبد الرحمن الصادق .. الحديث الثالث ان جدتي السيدة سلمى بنت المهدي رأت رؤيا وحكت لبنتها بحضوري وقالت لها: إنها رأت في رؤياها أنني أقف على مئذنة وأقول "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق" وقالت لوالدتي: إبنك هذا سيكون له شأن) (مجلة الوسط العدد 126 بتاريخ 26/6/1994م).

    إن المسألة الأساسية، التي يعتمد عليها السيد الصادق المهدي، في إدعاء المهدية الجديدة ، هو ظنه ببداهة صحة مهدية جده الإمام محمد احمد المهدي، حتى انه يريد لكل الناس، ان يعتقدوا في ذلك بما فيهم الشيعة!! فقد ذكر انه تحدث عن فكرة المهدي، في سمنار (أقامته هيئة الاعمال الفكرية بالتعاون مع المستشارية الثقافية لسفارة جمهورية إيران في 6 سبتمبر 2006م بحضور علماء من أهل السنة والشيعة والصوفية فاستحسنوا الرأي ....) (الصادق – الخطبة 19/9/2008م). هذا مع ان عقيدة الشيعة، هي ان المهدي لم يأت بعد ، وهو عندهم السيد محمد الحسن العسكري، الذي إختفى في "سر من رأى" قبل حوالي ألف عام ، وهم ما زالوا ينتظرونه كل يوم ليعود!! ولقد سبق ان نبهنا لهذا التناقض، وذلك حين إفتتح السيد الصادق المهدي، مع القائم بالأعمال الإيراني بالخرطوم ، في اواخر السبعينات ، معرض الثورة الإيرانية بجامعة الخرطوم .. وقلنا يومها، أن حفيد المهدي الذي جاء ومضى لربه، يحتفل بثورة المهدي الذي لم يجئ بعد ، مع ان المهدي المبشر به في الحديث ، شخص واحد!! على انه من المعلوم، ان كثير من أهل السودان إعترضوا على مهدية السيد محمد أحمد بن عبد الله ، فخالفه العلماء، والصوفية ، و عدد من زعماء العشائر، ولم يسلموا له، حتى اخضعهم بحد السيف .. وذلك لأن مسألة المهدية ، مسألة جدلية ، تعتمد على أحاديث نبوية ، أدخل في التأويل ، من مجرد معناها الظاهر، وهي لهذا قابلة للأخذ والرد .. والسيد الصادق، يعطي من الناحية النظرية، الفرصة في الإختلاف، فيقول (قلنا ونقول للآخرين من إخواننا في الإسلام لكم ان تعتقدوا ما تشاءون في أمر المهدية ...)!! ومادام هو قد أثارها، ومادام يقبل من الآخرين الإعتقاد المختلف، ومادام قد قال ان الوقت قد حان لرد الاعتبار للمهدية ، فقد فتح الباب على مصراعيه ، للنظر فيها، والحوار حول تجربتها، وما يمكن ان يستفيده الناس من عبرها، ثم إمكانية إعادتها ، لتخدم غرض توحيد هذا الشعب، إن كانت تملك حقاً تلك القدرة، كما يزعم ، أو تجاوزها لمفاهيم ، اقدر على الاستجابة، لمقتضيات المرحلة الحاضرة، التي تعيشها بلادنا، بما فيها من تنوع في الأفكار، والثقافات ، والأديان .

    د. عمر القراي
                  

01-02-2009, 11:31 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة.. المهدية؟!(2)

    قال السيد الصادق: (فالمهدية الآن تدرس في مدارسنا بلا أدنى إعتراف للمهدية بصدق الدعوة بل يصور المهدي كأحد الأبطال الوطنيين...) (الصادق المهدي ، خطبة الجمعة 19/9/2008م).
    والحق ان صورة المهدي كبطل وطني، ثائر، استطاع ان يهزم الإستعمار التركي البغيض، رسخت في وجدان الشعب، لأنه شعب تواق للحرية ، وحريص على الكرامة ، وشديد الوفاء للذين يدافعون عنه ، بصدق، وتجرد.. ولقد كان الإمام محمد أحمد المهدي، من هؤلاء الصادقين الشجعان. فقد بدأ بالزهد، والتقشف ، وتجويد العبادة على نهج التصوف. ثم أنه عندما حارب، كان يقود الجيوش بنفسه ، ويكون في مقدمتها ، فلا يخاف، ولا يتراجع ، من شدة إيمانه بدعوته.. الأمر الذي انتقل الى أتباعه ، وهم يرون نموذجه أمامهم ، مما زاد اعتقادهم فيه ، وتصديقهم لكل ما يقول. ولعل كل هذه الإيجابيات ، بالإضافة الى الانتصارات المتتالية ، التي توجها بهزيمة الترك ، وطردهم ، جعل الحس الوطني يتعلق به ، كزعيم ، وكبطل ، دون الوقوف عند موضوع المهدية الجدلي ، الذي يحتاج الى مستوى من المعرفة ، لم يتوفر لعموم أهل السودان ، في ذلك الوقت.
    ولقد أدى تشكل الحس الوطني، تجاه المهدية بهذه الصورة ، لإحجام المؤرخين عن الحديث عن سلبيات المهدية.. ولهذا لم ترد في مناهج التعليم ، أي إشارة لما يمكن ان يعتبر نقصاً ، مما يعد قصوراً مزرياً، من الناحية العلمية ، التي تفترض الحياد الصارم. كما أدى وجود حزب الأمة في أول حكومة وطنية ، الى التأثير على كتابة التاريخ ، وتدريس المهدية بالصورة التي استمرت حتى الآن. وبطبيعة الحال ، كان ابناء المهدي واحفاده ، أحرص الناس ، على تصوير المهدية ، وكأنها كاملة ، لا عيب فيها ، حتى يعتمدوا عليها ، في جمع الأتباع ، وتبرير زعامتهم المتوارثة للطائفة وللحزب. على أنهم جميعاً ، لم يطالبوا كل الناس ، ان يعتقدوا في المهدية ، ولم يشيروا الى عودتها مرة أخرى ، كما فعل السيد الصادق المهدي ، كما ذكرنا في الحلقة الأولى من هذا الموضوع.
    على ان السيد الصادق المهدي ، وقد درج على التناقض ، والإضطراب،ً كما اوردنا مراراَ ، ربما صرّح في حديث آخر، بما يمكن ان يفهم منه ، أنه لا يعتقد ان محمد أحمد جده هو مهدي آخر الزمان ، الذي وردت به البشارات الدينية!! وانما يعتبره مهدي بالمعنى الحرفي للكلمة، أي رجل إهتدى وسعى في هداية الآخرين!! وبطبيعة الحال ، فإن هذا لم يُقبل من الأنصار، بل يشق عليهم ، ان يأتي من أحد احفاد المهدي ، وهم أولى الناس بتصديقه واتباعه.. ولهذا قامت هيئة شئون الأنصار، بالرد على السيد الصادق المهدي ، وكان مما جاء في ذلك الرد: (في ليلة السابع عشر من رمضان القى السيد الصادق المهدي خطاباً احتفالياً بمناسبة الإحتفال بغزوة بدر الكبرى ومعركة الجزيرة أبا الاولى ، وقال: أما بالنسبة للإمام محمد المهدي في السودان فقد تناولت جدل العلماء حول الموضوع في كتابي يسالونك عن المهدية ، ولكنني هنا أتناوله من زاوية جديدة الى ان يقول: وبنص أقواله وافعاله فهو ليس مهدي آخر الزمان بدليل أنه رفض مقولات الوقاتين وأنه مع كثرة النصوص الواردة عنه لم يذكر انه جاء في آخر الزمان ، وقال إنه أسوة بالصدر الأول الإسلامي عين خلفاء لخلفاء رسول الله ويقول ان مهديته هي مهدية بالمعنى الاصلي للكلمة شخص هداه الله وهدى به)(آخر لحظة 29/9/2008م).
    إن المرجع الاساسي لفكرة المهدية ، هو الأحاديث النبوية.. فقد جاءت في عدة احاديث، قيل انها زادت قليلاً على العشرين حديثاً ، عند أهل السنة ، وأكثر من ذلك عند الشيعة. ومع ان ألفاظ الأحاديث متباينة ، ومختلفة بين الرواة ، الا أنها جميعاً ، تقرر انه قبل قيام الساعة ، سيظهر رجل من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فيملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً. ولقد أدت هذه الاحاديث ، المتفق على صحتها ، على رواج الفكرة ، وانتشارها في كثير من البلاد، خاصة عندما ينتشر الظلم والفساد ، ويعجز الناس عن مقاومته ، فينتظرون الفرج من الله ، ويربطونه بظهور المهدي ، الذي يخلصهم من الظلم ، وينشر العدل، و الأمن في ربوع أوطانهم.. وعندنا في السودان ، قد راجت فكرة ظهور المهدي ، مع اشتداد قبضة الأتراك وتفشي ظلمهم ، (فقد روى بابو نمر الناظر السابق لقبيلة المسيرية عن جده علي الجلة الذي اصبح فيما بعد من قادة المهدية ، ان رجلاً جاءهم من الغرب واتصل بهم قبل محمد أحمد بسنوات. وكان ذلك الرجل يخرج الى العراء ويأخذ في استنشاق الهواء. وعند سؤاله قال انه يستنشق رائحة المهدي القادم. وتحدث يوسف ميخائيل في مذكراته عن رواج الفكرة في كردفان وفي الأبيض بالذات حتى كان يتداولها الأطفال في ألعابهم. وظهر على أيام المهدي من إدعاها. فهناك على سبيل المثال فخر الدين حسن معلاوي الذي قال بأنه المهدي المنتظر (1844م) وكاتبه محمد أحمد المهدي في هذا الشأن راجياً هدايته. وظهر بعد وفاة المهدي من رفع لواءها. وابرز مثلين هما أبو جميزة في الغرب ومحمد آدم البرقاوي في منطقة القلابات) (محمد سعيد القدال: الإمام المهدي لوحة لثائر سوداني. مطبعة جامعة الخرطوم. ص21). أما شهادة يوسف ميخائيل وهي قبل المهدية بسنوات فهي (وما تسمع الا السخط على الحكام وعلى كل من هو متولي على مصلحة في مصالح الحكومة وسبحان الله تعالى من ما جعله في قلوب خلقه صارت أغلب الناس من رجال الى نساء يقولو "ليس لنا مهدي؟ ما قالوا هذا اوان المهدي!" يعلم الله سمعت هذه الكلمة بأذني من أولاد الحارة وبعد كم يوم وما نشعر الا الاولاد بالحارة قاموا مع بعضهم البعض وعملوا لهم رايات: أهل فريق النوبة واولاد فريق حسن أفندي الصول ، أولاد النوبة المواليد قالوا: "نحن راياتنا رايات المهدي" واولاد حسن افندي الصول قالوا: "نحن راياتنا رايات الترك") (مذكرات يوسف ميخائيل. دار النصيري للنشر. ص 15).
    في هذا الجو، وعلى خلفية من التصوف ، ظهر محمد أحمد ، واشتهر بالتقوى والصلاح ، وهو سالك على نهج السمانية ، حواراً مجداً للشيخ محمد شريف نور الدائم، حفيد الشيخ أحمد الطيب البشير مؤسس الطريقة السمانية في السودان. ولقد كان محمد أحمد يشدد على نفسه كثيراً، ويأخذ بالاتجاه المعروف في التصوف ، الذي يرمي الى كسر النفس ، بل قتلها تماماً ، بكثرة المجاهدات حتى لا تتحرك فيها شهوة. فقد روي انه كان في البرد يجلس على صخرة في النهر، يتلو اذكاره وفي الحر يدخل الى غار، في باطن الأرض ، يصلي فيه!! (وقد حكى محمد أحمد لعبد المحمود نور الدائم قائلا: كنت إذا زرت سيدي الشيخ أحمد الطيب رضي الله عنه فإني أطرح رأسي على عتبة قبته واكلم الناس أن يطأوا على ظهري عند مرورهم الى زيارته ، وقاية للعتبة ، وذلك من ضحوة اليوم الى الظهر) (محمد سعيد القدال: الإمام المهدي لوحة لثائر سوداني. مطبعة جامعة الخرطوم. ص41-42). ومع ان مثل هذه المجاهدات ، قد ترفع صاحبها درجات عاليه من السمو الروحي ، إلا ان خطورتها تكمن في ان النفس تحتال على صاحبها ، كي يريحها من عناء هذه المجاهدات، بأن تصور له بكل سبيل، انه وصل الى مقام أكبر من كل الناس ، لتشغله بمهام أخرى، تبعده من المجاهدات الكبيرة ، التي كان يرهقها بها.. ولقد يظن السالك أنه متواضع ، ويلتصق بالأرض إمعاناً في تحقير نفسه، كما فعل السيد محمد أحمد ، ولكن العبرة بالتواضع الفكري وليس المظهري.. وعندهم ان المقامات التي تطالع السالك، انما هي إختبارات لمدى صبره على الإستقامة ، فعليه ان يصرفها عنه ، ولا يقف معها ، والا أضلته.. ولهذا كان كبار المرشدين من السادة الصوفية ، يوصون تلاميذهم بالاعتدال، ويقولون "النفس كالطائر إذا قبضت عليه بيدك بشدة قتلته واذا فتحت يدك طار". ولقد كان الشيخ محمد شريف نور الدائم، من كبار مشايخ الصوفية ، المسلكين ، ذوي المعرفة بدسائس النفس.. ولهذا قام بترشيد محمد أحمد على نهج الطريقة ، وعرف له ما حققه من الفضل والصلاح، وحين أخبره بانه المهدي ، لم يوافقه ، بل حذره ، ودعاه الى الصبر، على منهاج الإستقامة ، وحين سئل عن مهديّة محمد أحمد قال في ذلك ، ابياتاً من الشعر منها:
    لقد جاءني في عام زع لموضع * على جبل السلطان في شاطئ البحر
    يروم السراط المستقيم على يدي * فبايعته عهداً على النهي والامر
    فقام على نهج الهداية مخلصاً * وقد لازم الاذكار في السر والجهر
    أقام لدينا خادماً كل خدمة * تعز على أهل التواضع في السير
    كطحن وعوس واحتطاب وغيره ويعطي عطاء من لا يخاف من الفقر
    وكم صام كم صلى وكم قام * كم تلا من الله لا زالت مدامعه تجري
    وكم بوضوء الليل كبر للضحى * وكم ختم القرآن في سنة الوتر
    لذلك سقي من منهل القوم شربة * بها كان محبوباً لدى الناس في البر
    وكان لدينا عيشه صدقاتنا * وخادمنا عشرين عاماً من العمر
    الى الخمس والتسعين أدركه القضا * على ما مضى في سابق العلم بالشر
    فقال انا المهدي قلت له استقم * فهذا مقام في الطريق لمن يدري
    (راجع القصيدة كاملة في جغرافية وتاريخ السودان لنعوم شقير ص 642).
    ولعل هذا الخلاف الاساسي ، بجانب خلافات أخرى، هو ما حمل السيد محمد أحمد لترك الشيخ محمد شريف نور الدائم ، والتحق بالشيخ القرشي ود الزين ، وهو ايضاً ، من كبار مشايخ السمانية ، ولازمه حتى وفاته ثم شرع بعد ذلك في نشر الدعوة المهدية.
    وكان أول من استهدفهم محمد أحمد بدعوته ، اصحابه في الطريقة السمانية ، وكان حريصاً على ان يخبرهم بأن كل مشايخهم ، قد وافقوا على مهديته ، في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ففي خطاب له الى محمد الطيب البصير قال (ومن البشاير التي حصلت لنا بعدك: انه حصلت لنا حضرة نبوية حاضر عليها الفقيه عيسى فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويجلس معي ويقول للاخ المذكور: "شيخك هو المهدي" ، فيقول: اني مومن بذلك. فيقول صلى الله عليه وسلم: من لم يصدق بمهديته كفر بالله ورسوله قالها ثلاث مرات.... فيقول الشيخ الطيب: ان شيخك حين ولادته عرفوه أهل الباطن والحقيقة انه المهدي. فلما تم أربعين يوماً عرفته النباتات والجمادات بأنه المهدي... ثم يأتي الشيخ التوم ويقري على السلام بالمهدية .... ثم يأتي جدنا الشيخ البصير ويقري على السلام بالمهدية.... ثم يأتي الشيخ القرشي فيقري علي السلام بالمهدية... ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الشيخ عبد القادر الجيلاني لابس جبة وعليها سيور ، فيقول الشيخ عبد الله: ياسيدي يا رسول الله الناس منكرون الجبة ويتعففون عنها، افهي سنة واردة عنك أم لا؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: وذات الإنسان رقع في راسه رقعة زرقاء وباطن شفتيه رقعة حمراء واسنانه رقعة بيضاء واظافره رقعة صفراء... ويقول صلى الله عليه وسلم: لو لا اني خشيت عليك ان تصير مغشياً لاريتك جبب الخلفاء الاربعة. وأمر صلى الله عليه وسلم عزرائيل ويقول: من هذه الليلة اصحب المهدي لا تفارقه... ثم تلى لنا جميع الاحوال الى دخول مكة ومنازعة أهلها ومبايعة الضعفاء والغرباء أولاً وثم مبايعة الشريف ملك مكة وجميع اشرافها معه...) (محمد ابراهيم أبو سليم: منشورات المهدية ص 14-18). ولسائل ان بسأل ، إذا كان المهدي قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وشهد الجيلاني الذي توفي قبل حوالي ألف عام ، وشهد كل اشياخه السمانية ، وتحدث معهم جميعاً ، ولم يقع مغشياً عليه ، فلماذا يقع كذلك لو أراه النبي ، جبب الخلفاء الأربعة؟! ولقد يلاحظ ان المهدي قد صرح في هذه الحضرة النبوية ، ان النبي صلى الله عليه وسلم ، بشره بانه سيفتح مكة ، ويبايعه اشرافها ، وهذا لم يحدث له ولا لكل من زعم انه المهدي من قبله وبعده.. ويروى في التاريخ الشفاهي ، ان محمد أحمد قد مر وهو في طريقه لفتح الخرطوم بالنيل الابيض، والتقى بالشيخ برير في شبشه ، وكان يعرفه كزميل في الطريقة السمانية. فامسك بيده وقال له: "تاني غير مكة ما في فكة" فسحب الشيخ برير يده منه وقال: " أنا شجرات أبوي ديل ما بفوت منهن.. وانت مقرن البحرين ماك فايتو!! ". وبالفعل دفن الشيخ برير قرب تلك الشجرات ، ودفن محمد أحمد قرب مقرن النيل الأبيض والأزرق بأمدرمان.

    د. عمر القراي
                  

01-02-2009, 11:35 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة.. المهدية؟!(3)

    إن السيد محمد أحمد بن عبد الله، لم يقل بأنه المهدي المنتظر فحسب، ولم يصف الذين أنكروا مهديته بأنهم ضالين، أو جاهلين بالدين، كما يفعل بعض المتصوفة، حين يتحدثوا عن مقامات روحية، ومشاهدات غيبية، لا يقبلها العامة.. وإنما قال ان من يشك، مجرد شك، في انه المهدي المنتظر يعتبر كافراً!! ولقد أصر على تكرار هذه الإتهام العظيم، الذي وصم به مخالفيه، في معظم نشراته، فمن ذلك مثلاً: (وقد أخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بأن من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله وكررها صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وجميع ما اخبرتكم به من خلافتي على المهدية الى آخره فقد اخبرني به سيد الوجود صلى الله عليه وسلم يقظة في حال الصحة خال من الموانع الشرعية لا بنوم ولا جذب ولا سكر ولا جنون) (أبو سليم:الآثار الكاملة للإمام المهدي – الجزء الاول ص 137) والمهدية ليست من أركان الإيمان، فما الذي يجعل من يشك فيها ، أو ينكرها كافراً؟! والمسلمون الذين يعتقدون بصحة الاحاديث النبوية، التي اشارت لها ، يؤمنون بصورة عامة، بان المهدي سيجئ في آخر الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ولكن لديهم الحق، في ان يشكوا في كل مدع لهذا المقام، حتى يثبت صحة ادعائه، بتحقيق كل البشارة النبوية بملأ الأرض عدلاً.. فإذا ظن أحدهم ان المهدي هو السيد الحسن العسكري، كما يظن الشيعة ، أو ظن انه هو السنوسي ، كما يعتقد بعض المغاربة فهل يجعلهم هذا كفاراً لأنهم لم يروا محمد أحمد أهلاً لذلك المقام؟!
    لقد بنى السيد محمد أحمد مهديته على رؤى نبوية ، ومشاهدات، ذكر انها تأتيه في النوم، وأحياناً في اليقظة.. وما دام الناس لم يحضروا معه هذه المشاهد، وانما مصدرها الوحيد بالنسبة لهم محمد أحمد نفسه ، فكيف يتوقع منهم ان لا يشكوا فيما أخبرهم به؟! أليس من المعلوم ديناً، ان الرؤيا مهما كانت، لا تلزم غير صاحبها؟! وهي حتى بالنسبة لصاحبها قد تحتاج الى تأويل، لأن الرؤى عبارة عن رموز من حديث النفس، وخطراتها، ولهذا لا تؤخذ بها بظاهرها ولا تترتب عليها أي أحكام شرعية؟!
    والرؤيا قد تكون من الوضوح، والدقة ، حتى يظن رآئيها انها يقظة، وليست مناماً.. وقد يكون النوم لأقل من دقيقة، ويرى فيه النائم ، رؤى تشمل أحداثاً، لو كانت في الواقع، لامتدت ساعات طويلة.. وقد يرى النائم شخصاً يحدثه بكلام ، وبمجرد استيقاظه ، يتذكر كل تفاصيل الرؤية، الا ذلك الكلام ، فيحاول استرجاعه ، فتأتيه من داخل نفسه، المعاني التي استقرت فيها ، فيظن انها مما قاله له الشخص، الذي رأه في الرؤيا ، فيلحقها بالرؤية، وما هي في الحقيقة منها ، وانما هي من رغبة نفسه الملحة، فيختلط الأمر عليه.. لكل ذلك، وأكثر منه بكثير، في إشكالات الرؤى، ولكونها مزج بين صور العقل الواعي والعقل الباطن ، فإن السادة الصوفية كانوا يعتبرونها أدنى مستويات العلم، فلا يبنون عليها شئ من أمرهم ، وان قدروها كإشارات للمعاني، لو توفر لها التأويل الصحيح..
    ثم ان الشك في المهدية ، أو في غيرها ، لا يجعل صاحبه كافراً ، لأن الشك طرف من إيمان كل مؤمن.. ولا يتخلص الإنسان من الشك في مرحلة الإيمان ، وانما في مرحلة أرفع هي مرحلة اليقين.. قال تعالى يحكي عن ابراهيم الخليل عليه السلام (وإذ قال ابراهيم ربي أرني كيف تحيي الموتى!! قال: أولم تؤمن؟! قال: بلى!! ولكن ليطمئن قلبي...) فابراهيم قد كان مؤمناً، ولكن في قلبه شك، يريد ان يتخلص منه ، ويبلغ تمام اطمئنان القلب.. ولما كان ذلك لا يتحقق الا بالرؤية (قال خذ اربعة من الطير فصرهن اليك، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً، ثم ادعهن يأتينك سعياً ، وأعلم ان الله على كل شئ قدير). فلما ذبح ابراهيم الطير وقطعه، ووضعه على رؤؤس الجبال، ثم دعاه فالتأمت اطرافه، وطار الى ابراهيم، زال شكه وبلغ اليقين.. ولذلك قال تعالى (وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين).. الشاهد انه عندما كان شاكاً في كيفية أحياء الله الموتى، لم يخرجه الله من الإيمان، ولم يغضب عليه، وانما ساق له من البراهين ما أزال شكه.. وهذا مالم يفعله المهدي، لمن شكوا في مهديته، حين وصمهم بالكفر، مع انه لم يسق اليهم الأدلة التي تزيل شكوكهم..
    ولقد حاول المهدي، ان يجد أدلة على مهديته، متشبهاً فيها بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فكما كان من علامات النبي، خاتم النبوة على كتفه، فان المهدي قد قال (وقد أعلمني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم: ان الله جعل لك على المهدية علامة وهي الخال على خدك الأيمن وجعل علامة أخرى: تخرج راية من نور فتكون أمامي)(أبو سليم: الآثار الكاملة للإمام المهدي – المجلد الاول ص 98). ولكن الفرق هو ان علامة النبي صلى الله عليه وسلم ، كانت معروفة لأهل الكتاب، قبل ظهوره، ولم يذكرها هو.. فقد جاء في السيرة، أن سلمان الفارسي، قد تنقل من المجوسية الى اليهودية الى النصرانية، وكان كل رجل صالح ، يحوله عندما يقترب أجله ، لمن بعده.. ولما كبر القسيس الذي كان يخدمه سلمان، اخبره بان يذهب للمدينة ذات النخيل، حيث يظهر النبي القادم، ومن علاماته انه لا يأكل الصدقة ، ويقبل الهدية، وعلى كتفه خاتم النبوة. وبالفعل قدم سلمان المدينة، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم له تمر على انه صدقة ، فلم يأكله. وفي اليوم التالي، قدم له تمر، وذكر انه هدية فأكل منه.. فصحبه سلمان حتى كشف كتفه فرأى خاتم النبوة فأسلم. (راجع سيرة ابن هشام – المجلد الاول). ولكن محمد احمد المهدي ، بعد ان ذكر انه المهدي ، بحث عن علامات ، فوجد ان لديه خال في خده، فقال ان النبي اخبره بان هذا علامة مهديته!! ولم يذكر أي من معاصري المهدي أو اتباعه أو معارضيه ، بانه رأى راية من نور تخرج أمامه ، فإن كان يراها المهدي وحده، ولا يراها خصومه واتباعه ، فما العبرة بها؟!
    ومع أن وصف أناس يشهدون ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله بالكفر، لمجرد شكهم في مهدية السيد محمد أحمد أمر خطير، في ميزان الدين، إلا أن الأخطر منه، ان السيد محمد أحمد عاملهم بالفعل، مثل معاملة الشريعة الإسلامية للكفار، فقتلهم ، وأخذ اموالهم ، وممتلكاتهم غنائم، وسبى نساءهم ، واستحل أعراضهم ، وهو لا يتردد في تلك الأفعال، ويخبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أجازها له!! يقول المهدي في رده على يوسف الشلالي: (وقولكم انا قتلنا جملة من المسلمين المتوطنين بهذا المكان ظلماً وعدواناً باطل ، لأنا ما قتلنا الا أهل الجرادة بعد ان كذبونا وحاربونا. وقد اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم واخبر جميع أهل الكشف بأن من شك في مهديتنا وانكر وخالف فهو كافر ودمه هدر وماله غنيمة ، فحاربناهم لأجل ذلك وقتلناهم وبعد ذلك لما انقاد باقيهم لحكمنا رجعنا لهم جميع امتعتهم التي بأيدي اصحابنا رفقاً بهم مع انها حلال لنا) (المصدر السابق ص 123). على ان المهدي احياناً يفقد هذه الوثوقية الشديدة، ويتجه الى تبرير قتاله للمسلمين، بآراء بعض الفقهاء!! فقد قال (وقولكم ان الذين قتلناهم من العسكر مسلمون ومتبعون ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ونسأل عن دمائهم بين يدي الله تعالى باطل لأن القطب الدرديري قد نص في باب المحاربة على ان أمراء مصر وجميع عساكرهم واتباعهم محاربون لأخذ أموال المسلمين منهم كرها فيجوز قتلهم...)(المصدر السابق ص 123). وفي خطاب من المهدي لعساكر ابوكلام (إنه ياحبيبي اول وصول جوابنا اليك قم بنفسك وابحث متروكات جبر الدار الحميدي واظبتها جميعاً واحضرها لدينا سريعاً لأنه مات كافراً فتركته غنيمة للمسلمين. وقد جعلناك نائباً عنا في هذا الامر واخترناك له فلا تتهاون فيه. وان تعرض عليك احد في تركت "تركة" المذكور فقد ابحنا لك دمه وماله ... وان اولاده ونساءه وجميع ما احتوى عليه ملكه غنيمة للمسلمين...)(المصدر السابق ص 133). ويبدو من هذه القصة المحزنة، ان المدعو جبر الدار الحميدي، قد كان مسلماً ، ولما اعترض على المهدية ، اعتبر كافراً، واستحلت امواله ونساءه!! وأعجب من هذا، ان من يعترض على ابو كلام وهو يقوم بهذه المصادرة ، يباح دمه وماله أيضاً، حتى لو كان مسلماً غير معترض على مهدية محمد أحمد، أو كان حتى من الانصار، فإن توجيه المهدي لم يستثن أحداً!!
    وهكذا بدأت المهدية كثورة على ظلم الأتراك، ولكنها أثارت كثيراً من الحروب، كان وقودها السودانيون المسلمون، من الذين كانوا جنوداً يتبعون أمر الاتراك، أوغيرهم من القبائل، والمجموعات، والأفراد، الذين إختلفوا مع محمد أحمد في انه المهدي المنتظر، فقتلهم دون رحمة، وأخذ اموالهم غنيمة دون تردد.. وكان يرسل الحملات بقيادة أتباعه، فيخضعون القبائل والمجموعات، التي تبدي أدنى تباطؤ في إطاعة اوامره، لينكلوا بأصحابها، أبشع تنكيل. حتى جأر الناس بالشكوى للمهدي، مما يفعله بهم أنصاره، ولكنه بدلاً من التحري ، ثم معاقبة اتباعه ان كانوا مخطئين، يؤكد لهم ، انهم استحقوا ما حدث لهم ، فقد كتب (من خليفة رسول الله محمد المهدي بن السيد عبدالله الى جماعة الشيخ منة وجماعة الشيخ عبد الرحمن سليمان وجميع الأهالي والعمار المتضررين من شرذمة سرايا أخوانهم المشهورين بالأنصار.... وأما ما أصاب من ما ذكرتموه من الموت والضرب والوثوق بالحديد ونتف اللحية وغيره ، وكله بسبب اساءتكم الادب معي ، وعدم مناصحتكم في الله ، وتواطئكم على الخلاف. فكان حقكم طاعتي وسماع قولي وامتثالكم للشيخ موسى الأحمر. فجميع ما نالكم مما ذكرتموه فبما كسبت أيديكم....) (المصدر السابق ص 350).
    ولما كانت مثل هذه التوجيهات، وهذه المعالجات ، تشجع اعتداء الناس على بعضهم، وليس هنالك قانون يحكمها، ويمكن للقوي ان يأخذ حق الضعيف، بحجة مخالفته للمهدية، ولما كان أمر الغنائم نفسه، مغرياً للنفوس الضعيفة ، التي لم تجد فرصة في التربية ، فقد خرجت بعض القبائل، التي كانت موالية للمهدي، على اوامره، وأنكرت مهديته ، وانفردت بالغنائم، وقطعت الطريق ، فكتب اليهم (فمن عبد ربه محمد المهدي بن السيد عبد الله الى طائفة الحرانية والطريفية والسريحات والحيادية المعدودين لنصرة الدين ومحاصرة اعداء الله الكافرين. أما بعد ، وكان ظننا بكم ذلك ، والآن بلغني عنكم انكم تركتم الجهاد والمحاصرة في سبيل الله وخرجتم حاملين الاسلحة الغنيمة هاربين من الله ورسوله والجهاد في سبيله وقتلتم ما قتلتم وسلبتم ما سلبتم ونهبتم ما نهبتم وقطعتم الطريق لكافة المهاجرين الينا ولبستم لباس اعداء الله الترك وتشبهتم بهم ، فاننا لم نرضى لكم ولم نأذن لاحد في لبسهم. وما حملكم على مخالفتي مع تكرار جواباتي اليكم...) (المصدر السابق ص 457-458). ومع انه لا يمكن لأحد ان يتصور ان يفعل الاصحاب رضوان الله عليهم مثل هذه الأفعال، والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم ، إلا ان المهدي قد كتب (وقد بشرني صلى الله عليه وسلم بأن اصحابي كأصحابه ، وان ادناهم له رتبة كرتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني...) (المصدر السابق ص 107).
    ولقد إهتم المهدي كثيراً بأمر المقامات ، ودرج في معظم كتاباته، للإعلاء من قدره، وقدر اصحابه ، ربما بغرض كسب ثقة الناس، وارهاب خصومه دينياً.. على ان ذلك، يعتبر مفارقة لنهج التواضع ، الذي هو أصل الخلق الرصين، الذي يهدي اليه العلم الصحيح. وفي هذا الاتجاه، إعتبر خلفاءه خلفاء الخلفاء الراشدين، كما إعتبر نفسه، خليفة للنبي صلى الله عليه وسلم. وحين سمع بحركة السنوسي في ليبيا، والتفاف أهل المغرب حوله، واعتقاد بعضهم بأنه المهدي، كتب اليه قائلاً (فمن عبد ربه الفقير اليه محمد بن السيد عبد الله الى حبيبه في الله الخليفة محمد المهدي بن الولي السنوسي... وأعلم يا حبيبي ، قد كنا ومن معنا من الأعوان ننتظرك لاقامة الدين قبل حصول المهدية للعبد الذليل.... ولا زال التاييد يزداد من الله ورسوله وأنت منا على بال حتى جاءنا الاخبار فيك من النبي صلى الله عليه وسلم انك من الوزراء لي. ثم لا زلنا ننتظرك حتى أعلمنا الخضر عليه السلام باحوالكم وبما انتم عليه. ثم حصلت حضرة عظيمة عين النبي صلى الله عليه وسلم فيها خلفاء اصحابه من اصحابي فأجلس أحد أصحابي على كرسي ابي بكر الصديق واحدهم على كرسي عمر واوقف كرسي عثمان فقال: هذا الكرسي لابن السنوسي الى ان ياتيكم بقرب أو طول ، واجلس احد اصحابي على كرسي علي ، رضوان الله عليهم أجمعين. ولا زالت روحانيتك تحضر معنا في بعض الحضرات مع اصحابي الذين هم خلفاء خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.) (المصدر السابق ص 335-337).
    ولم يحضر السنوسي للمهدي، ولم يحفل بثنائه عليه، أو اخباره بان النبي صلى الله عليه وسلم عينه خليفة له، بل لم ير فيما أرسل اليه المهدي، ما يستحق الرد، أو التعليق فأهمله تماماً!! بل يروى انه قال ساخراً (من هذا المسكين من دنقلا ، الذي يريد من هم أمثالنا ، ان يتبعوا من هو مثله؟!) (راجع أحمد محمد البدوي: مسكين من دنقلا).

    د. عمر القراي
                  

01-03-2009, 06:20 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    up
                  

01-03-2009, 06:39 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة.. المهدية؟! (4)

    لقد نتج من إعتقاد المهدي في مهديته ، واعتبار ان من يخالفه هذا الإعتقاد كافر، أن قتل عدد من السودانيين المسلمين، وعدد من الاتراك المسلمين، الذين انتصر عليهم ، ووقعوا في الأسر، فقد جاء: (المهدي جاته حضرة نبوية في حقهم بقتلهم ارسل الى الشيخ اسماعيل بقتل محمد سعيد باشا والى المك عمر بقتل علي بك شريف والى ابراهيم المليح بقتل احمد بك دفع الله ومحمد آغا ياسين واصدر لهم الاوامر بذلك وصار قتل الجميع) (مذكرات يوسف ميخائيل. دار النصيري للنشر. ص 37). ولعل تكرار مثل هذه الحوادث، وتفشي القتل ، هو الذي جعل الجو السائد، يتقبل هذا الامر بيسر ، فينتقل بعد وفاة المهدي، بزيادة كبيرة تجعله ظاهرة ، الى الخليفة عبد الله.. فلو أن المهدي توقف عند هذا الامر، وحرص على عدم قتل المسلمين من معارضيه، إعتباراً لحرمة الإسلام ، ولعظم أمر أزهاق الروح عند الله ، لسار الخليفة على نفس المنوال، ولما قتل كل من يخالفه دون رحمة، كما سنرى، ولتغير تاريخ السودان الحديث.
    ولقد إلتحق السيد عبد الله ، بالمهدي، وآمن به ، قبل ان يدعو المهدي نفسه لمهديته!! فقد جاء عن أول لقاء بين الرجلين: (قيل انه لما رآه وقع مغشياً عليه ولم يفق من غشيته الا بعد ساعة أو اكثر. ولما افاق عاد فنظر الى محمد أحمد، وتقدم لمصافحته ، فأغمى عليه مرة ثانية ثم أفاق وتقدم الى محمد أحمد حبواً على الأرض، فأخذ يده وشرع يقبلها وهو يرتعد ويبكي. فقال له محمد احمد: من انت يا رجل وما شأنك؟ قال: يا سيدي أنا عبد الله بن محمد تورشين من قبيلة التعايشة البقارة وقد سمعت بصلاحك الى دار الغرب فجئت لأخذ الطريق عنك. وكان لي أب صالح من أهل الكشف وقد قال لي قبل وفاته انك ستقابل المهدي وتكون وزيره. وقد اخبرني بعلامات المهدي وصفاته، فلما وقع نظري عليك رأيت فيك العلامات التي أخبرني بها والدي بعينها، فابتهج قلبي لرؤية مهدي الله وخليفة رسوله ومن شدة الفرح الذي شملني أصابني الذي رأيته...) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان. دار عزّة للنشر والتوزيع. ص643-644).
    على ان هذا الموقف، نفسه ، قد تكرر من قبل ، فقد روى الزبير باشا، عن مقابلته مع السيد عبد الله ، قبل ذلك بعدة سنين، فقال (وبعد فتح دارفور طلب مني أرضاً في قيجة غرب الكلكة فاعطيته إياها، على ان يكف عما كان به من التدجيل فرضي. ولكن لم يمض الا القليل حتى اتاني منه كتاب وانا في داره يقول فيه: "رأيت في الحلم انك المهدي المنتظر واني احد اتباعك فاخبرني ان كنت مهدي الزمان لاتبعك" .. فكتبت له في الجواب: "استقم كما امرتك انا لست بالمهدي وانما انا جندي من جنود الله احارب من طغى وتمرد") (المصدر السابق ص583). فإذا صحت هذه الروايات ، فانها تعني ان السيد عبد الله، كان يبحث عن زعيم قوي ، يمهد له الطريق للزعامة بعده ، وهو أمر يدخل في باب الكياسة و السياسة، ولا علاقة له بالدين..
    ولقد رأى البعض، ان السيد عبد الله، هو الذي أقنع محمد احمد بالمهدية!! ولعل في ذلك قدر من المبالغة، ولكن ما لا شك فيه، هو ان إيمان السيد عبد الله المبكر بالمهدي، واظهاره التسليم التام له - ولو انه ربطه بالاحتفاظ لنفسه بالخلافة - قد وقع موقعاً حسناً في نفس المهدي، جعله يفضله على سائر اتباعه.. ولما كان اتباع المهدي ، لا يرون في السيد عبد الله كفاءة كبيرة ، تجعلهم يذعنون له، بل ان أهل الشمال ينظرون بتعال للقادمين من الغرب ، ولما كان متوقعاً من أهل المهدي، ممن عرفوا بالأشراف، الطمع في ان يرثوا أمر المهدية من بعده، فقد حرص المهدي، على تقريظ عبد الله، ومطالبة الانصار بطاعته والتسليم له، حتى اسرف في ذلك على نفسه، وعلى الدين.. فقد كتب الى اتباعه: (أعلموا أيها الاحباب ان الخليفة عبد الله خليفة الصديق المقلد بقلائد الصدق والتصديق فهو خليفة الخلفاء وأمير جيش المهدية المشار اليه في الحضرة النبوية ، فذلك السيد عبد الله بن محمد ، حمد الله عاقبته في الدارين.
    فحيث علمتم ذلك يا احبابي ان الخليفة عبد الله هو مني وأنا منه وقد اشار اليه سيد الوجود صلى الله عليه وسلم فتأدبوا معه كتأدبكم معي وسلموا له ظاهراً وباطناً كتسليمكم لي وصدقوه في قوله ولا تتهموه في فعله. فجميع ما يفعله بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أو بإذن منا لا بمجرد اجتهاد منه ولا هو عن هوى بل هو نايب عنه في تنفيذ امره صلى الله عليه وسلم والقضاء باشارته. فان فعله بكم وحكمه فيكم بحسب ذلك.
    واعلموا يقيناً ان قضاءه فيكم هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً ان تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" فمن كان في صدره حرج لأجل حكمه فذلك لعدم ايمانه وخروجه من الدين بسبب غفلته وذلك بشاهد قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" ولا شك في شرك من استنكف عن حكم الله ورسوله سيما بقول صلى الله عليه وسلم: "ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الخفي" الخ الحديث. مع انه خليفة الصديق واول المصدقين في المهدية. فانظروا لمكانة الصديق عند الله ورسوله بنص القرآن العظيم وانظروا لمن اورثه الله مكانة الصديق واوزره بالباطن بالخضر عليه السلام. فهو مسدد مؤيد من الله ورسوله ويد من ايادي الله لنصرة دينه باشارة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في فضله كثير. فحيث فهمتم ذلك فالتكلم في حقه يورث الوبال والخزلان وسلب الايمان. واعلموا ان جميع افعاله واحكامه محمولة على الصواب لأنه أوتي الحكمة وفصل الخطاب ولو كان حكمه على قتل نفس منكم أو سلب اموالكم. فلا تعترضوا عليه فقد حكم عليكم بذلك ليطهركم ويزكيكم من خبايث الدنيا لتصفى قلوبكم وتقبلوا على ربكم. ومن تكلم في حقه ولو بالكلام النفسي جزماً فقد خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين ، ويخشى عليه من الموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله ، لأنه خليفة الصديق الذي قال الله في حقه "إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا" وقال صلى الله عليه وسلم "ان آمن الناس علي في الصحبة أبوبكر" وقال أيضاً عليه السلام "ما طلعت الشمس على أحد بعد النبيين أفضل من ابي بكر". وحيث علمتم ذلك فهو بمنزلته الآن لأن اصحابنا كأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وهو المذكور خليفتنا في الدين وخلافته بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم. فمن كان منكم مؤمناً بالله واليوم الآخر ومصدقاً بمهديتي فليسلم للخليفة عبد الله ظاهراً وباطناً. واذا رايتم منه أمراً مخالفاً في الظاهر فاحملوه على التفويض بعلم الله والتأويل الحسن واعتبروا يا أولي الابصار بقصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام حكاها الله في كتابه العزيز كحكم داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام لتسلموا من الشكوك والأوهام.
    وانما انذرتكم بهذا رحمة لكم وشفقة عليكم. وليبلغ الشاهد منكم الغائب لئلا تسبوه وتنسبوا له الظلم والجور فتهلكوا...) (منشورات المهدية: أبو سليم ص66-68).
    أول ما تجدر الإشارة إاليه ، هو ان هذا المنشور العجيب ، إعتمد على مسائل غيبية، وافتراضات لمقامات روحية ، ليبني عليها سلطة دنيوية لا تنازع.. فهو يمكن لحكم الخليفة كسلطة مطلقة، لا تقبل المعارضة ، حتى لو كانت بالخاطر!! ثم هو يقوم على التهديد والوعيد بغضب الله ، لمن يعترض على الخليفة ، ولا يتوعد الخليفة بشئ ان هو مارس المفارقة الدينية ، التي ضرب لها المثل ، باخذ اموالهم وقتلهم ، مما يجعل ميزان العدل يسقط تماماً في دولة يفترض انها دينية.
    والحجة الاساسية ، التي يعتمد عليها المهدي ، في ان الناس يجب ان يطيعوا الخليفة ، مهما فعل بهم ما يخالف الشريعة، هي ان النبي صلى الله عليه وسلم ، هو الذي عينه خليفة.. وهذه هي نفس الحجة ، التي اصبح بها هو المهدي.. ولكن الناس لم يشهدوا ساعة تنصيبه مهدياً ولم يشهدوا ساعة جعل عبد الله التعايشي خليفة ، فكيف يسلمون لهذا الأمر دون إعتراض؟! فإن كان المهدي قد اقام من نفسه نموذجاً، يمكن ان يقبله سائر اتباعه ، فان الخليفة قد قصّر عن ذلك النموذج تقصيراً كبيراً، مما اثار كافة الخلافات ، والحروب ، التي اندلعت مباشرة بعد وفاة المهدي.. كما بنى المهدي مطالبته اتباعه بالطاعة المطلقة للخليفة على انه مثل ابي بكر الصديق رضي الله عنه. ولكن الصدّيق نفسه ، لم يخلفه النبي صلى الله عليه وسلم بنص صريح، حتى لا يمنحه قدسية ، تمنع الناس من الاعتراض عليه، كما فعل المهدي.. بل ان الصدّيق حين ولي الخلافة قال (وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتموني على حق فاعينوني وان رأيتموني على باطل فقوموني.. اطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم فان عصيت فلا طاعة لي عليكم) (راجع تاريخ الطبري). وهكذا جعل الصدّيق الاكبر نفسه تحت القانون لا فوقه ، ورد الطاعة الى الحق لا الى شخصه ، واعطى الجماهير مشروعية المعارضة ، وحق تقويم الحاكم ، وعدم طاعته في الباطل.. ولكن المهدي قال: (واذا رأيتم منه أمراً مخالفاً في الظاهر فاحملوه على التفويض بعلم الله والتأويل الحسن واعتبروا يا أولي الابصار بقصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام)!! والعبرة من قصة موسى والخضر، هي ان هنالك فرق بين علم الشريعة وعلم الحقيقة.. ويجب على كل صاحب علم ان يتقيد بعلمه، ويكون صادقاً في ذلك. ولهذا لم يقبل موسى عليه السلام ما فعل الخضر، واستنكره ، وكرر ذلك ، حتى شرحه له الخضر، واتضحت حكمته فقبله عقله.. ولما كان الخضر يتصرف في منطقة، لا تظهر حكمة الفعل فيها، لمن غابت عنهم الحقيقة، فانه كان وحيداً، ورفض ان يتبعه موسى، حتى لا يرى ما لا يستطيع ان يتحمله.. ولقد قص الله علينا من خبرهما (قال له موسى هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا * قال انك لن تستطيع معي صبرا * وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا).. فإذا كان المهدي يرى ان الخليفة صاحب علم باطن مثل الخضر ، فان هذا لا يؤهله لأن يحكم الناس، إلا ان يتنزل اليهم بما تطيق عقولهم ، ويتقبل اسئلتهم ، ونقدهم ، ويملك القدرة على إقناعهم. وموقف الناس يجب ان يكون مثل موسى، ما داموا في مرحلة الشريعة الأدنى، ولهذا من حقهم ان يستنكروا اذا رأوا أمراً مخالفاً لما علموا من ظاهر الشرع.. فالقصة إذاً ليست في مصلحة المهدي ، هذا فهم بديهي ، لا يغيب عن كل من له نظر في أمر الدين ، فكيف بمن هو مهدي ، يريد ان يملأ الارض عدلاً؟!
    وأبعد من هذه عن مقاصد الدين ، ان يطلب المهدي من الناس، ان يسلموا للخليفة ظاهر وباطناً!! وذلك حيث يقول (فمن كان منكم مؤمناً بالله واليوم الآخر ومصدقاً بمهديتي فليسلم للخليفة عبد الله ظاهراً وباطناً). ويقول أيضاً (ومن تكلم في حقه ولو بالكلام النفسي جزماً فقد خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين).. ومعلوم إن الله قد تجاوز للناس في الشريعة ما جال في خواطرهم، وما حدثوا به نفوسهم ، فقد جاء في الحديث (إن الله قد غفر لأمتي ما حدثوا به نفوسهم ما لم يقولوا أو يعملوا).. فلماذا يريد له المهدي ان يحاسبهم على ما غفره الله لهم من خواطرهم ضد الخليفة؟!
    ومن الإسراف، والتزيد الذي لا يليق بالعلماء ، قول المهدي عن الخليفة (واعلموا يقيناً ان قضاءه فيكم هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمراً ان تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً" فمن كان في صدره حرج لأجل حكمه فذلك لعدم ايمانه وخروجه من الدين بسبب غفلته وذلك بشاهد قوله تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" ولا شك في شرك من استنكف عن حكم الله ورسوله سيما بقول صلى الله عليه وسلم "ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الخفي" الخ الحديث. مع انه خليفة الصديق واول المصدقين في المهدية. فانظروا لمكانة الصديق عند الله ورسوله بنص القرآن العظيم وانظروا لمن اورثه الله مكانة الصديق واوزره بالباطن بالخضر عليه السلام. فهو مسدد مؤيد من الله ورسوله ويد من ايادي الله لنصرة دينه باشارة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم. وقد ورد في فضله كثير)!! فليس هناك رجل من الأمة إذا قضى أمراً، كان قضاؤه قضاء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يقرأ الناس في حقه الآيات التي نزلت في حق الطاعة للنبي الكريم. وذلك لأنه ليس هناك من اطاع الله مثله، حتى يطيعه الناس بصورة مطلقة. وكيف يخرج مسلم من الدين، لو شعر بحرج من حكم حكمه عليه الخليفة عبد الله، وكأن الخليفة هو النبي الكريم؟! هل يحدث كل ذلك لأن الله أورثه مكانة الصدّيق؟! فما ظن المهدي بمن اعترضوا على الصدّيق نفسه، من كبار الأصحاب؟! ألم يعترض عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وغيره من كبار الأصحاب، جهرة ، حين عزم على قتال المرتدين؟! ألم تعترض عليه السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، حين منعها ميراثها في النبي من أرض فدك؟! ألم يعترض عليه الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويمتنع عن البيعة ، حتى توفت فاطمة؟! (راجع تاريخ الطبري). فاذا لم يخرج هذا الخلاف، والإعتراض الصريح ، هؤلاء الأصحاب ، من الدين، فلماذا يخرج من الدين من خالف الخليفة عبد الله التعايشي؟! ولماذ لا يعرف المهدي هذه الأمور، وهي من بديهيات الإسلام؟!

    د. عمر القراي
                  

01-03-2009, 06:42 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة.. المهدية؟! (5)

    نسبة للتوقف الذي حدث لصحيفة اجراس الحرية، لم يستطع كثير من القراء، متابعة هذا الموضوع بالقدر المطلوب. ولربما غاب لبعد الشقة ، الدافع وراء التعرض لنقد المهدية، في هذا الوقت بالذات. فلقد بدأت هذه السلسلة، بسبب خطبة قدمها السيد الصادق المهدي عن المهدية، دعا فيها الى ان يصدق الناس بمهدية محمد أحمد بن عبد الله، ولا يعتبرونه مجرد بطل وطني، فقد قالفالمهدية الآن تدرس في مدارسنا بلا أدنى اعتراف للمهدية بصدق الدعوة بل يصّور المهدي كأحد الابطال الوطنيين...) (خطبة السيد الصادق المهدي يوم الجمعة 19/9/2008م). ولم يكتف بذلك، بل اوجب علينا جميعاً اتباع المهدية، فقال (تقديم قيادة صاحبها معروف بالصدق والامانة أعلن أنه خوطب خطاباً غيبياً بإحياء الكتاب والسنة وانه هو مهدي الله وان المهدية قائمة بهذين المبدأين... وأن اتباع هذه الدعوة واجب لأن الله يقول "واتبع سبيل من أناب الي"...)(المصدر السابق). ولقد اقترح علينا السيد الصادق، بأن الوقت قد حان، لرد الاعتبار للمهدية: (لقد آن الاوان أن يرد إعتبار الدعوة المهدية لا في نطاق أنصار الله وحدهم ولكن على النطاق الأوسع...) (المصدر السابق). وعندنا ان رد الاعتبار، لا يتم بغير تقييم، ولهذا شرعنا فيه. ولقد رأينا ان حديث السيد الصادق عن المهدية، انما هو محاولة تمهيد لإدعاء مهدية جديدة، وذلك بدلالة قوله (أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز مهما كانت إنجازات المهدية التاريخية فقد قال الإمام المهدي: في مقبل الايام، تظهر لدعوتنا كرامة أكبر، مما ظهرت حتى الآن...) (المصدر السابق). ولهذا فضلنا ان ننظر في المهدية القديمة نفسها، وهل نحتاج الى تكرار تجربتها، فكانت هذه السلسلة من المقالات.
    ذكرنا في الحلقة الماضية، ان المهدي قد ذكر ان الخليفة عبد الله التعايشي، قد جعل خليفة في الحضرة النبوية.. وانه خليفة الصدّيق رضي الله عنه، ولذلك يجب الا يعترض الناس على أي شئ يفعله، ولو قتلهم، وأخذ أموالهم، واوضحنا مبلغ المفارقة في ذلك. ولعل اول من تضرر من هذا التفويض، وهذه السلطة الروحية الممنوحة بغير حساب، هو الخليفة عبد الله نفسه. فقد اتجه الى التمديد فيها، متبعاً نفس أسلوب الرؤى والحضرات، وجاعلها مصدره ، ومرجعه الرئيسي، والمبرر لكل ما يفعله. ولقد خشى الخليفة ، ان يظن الناس ان الكرامات قد انقطعت بوفاة المهدي، فلا يعطونه المكانة التي يتطلع اليها. ولذلك كتب في أول منشوراته (واعلموا ان المدد الإلهي الذي أيد الله به مهديه عليه السلام لم ينقطع بانتقال المهدي عليه السلام الى الدار الآخرة. فلازال عزرائيل عليه السلام حامل راية النصر ولا زال المصطفى صلى الله عليه وسلم مقدم الجيش. وكذلك امداد الله تعالى للمؤمنين بملائكته وجنه واوليائه لم ينقطع كما ان سيف النصر بيد العبد لله آيل الي من المهدي عليه السلام بمقتضى حضرة نبوية في حياته عليه السلام وكذا عمامة الخليفة الرابع كما هو مدروك عند الاصحاب وغير ذلك مما لا يحيط به الدفاتر)(منشورات المهدية – أبوسليم ص 93). ولعل الأنصار أنفسهم لم يصدقوا ذلك، لأن الخليفة لم يكن في حروبه منتصراً مثل المهدي، حتى يقوم أدنى لبس، بأن عزرائيل وسيف النصر والأولياء معه، وقد منوا جميعاً بالهزائم المنكرة، التي حدثت لجيوشه، في حروبه الداخلية والخارجية.
    ولقد كان الخليفة ، شديد الحرص على كرسيه ، لا يحتمل أدنى معارضة او اختلاف، ولعل هذا سبب معظم خلافه مع الأشراف، وحروبه الداخلية، وقتله للبطاحين، والشكرية، والجعليين، وقتله، وحبسه، لقادة المهدية الكبار أمثال الزاكي طمل، وابوقرجة، وأحمد ود سليمان، وغيرهم. ولكنني هنا لست بصدد المواقف السياسية، وخطئها من صوابها، وانما بصدد استغلال الدين، في هذه الخلافات.. فلقد كان الخليفة يتهم أحمد ود سليمان، الذي كان المهدي قد قربه، وجعله أمين بيت المال، بالتواطؤ مع الاشراف ضده. ولقد علم ان احمد يحتفظ بشعرة من رأس المهدي، خشي ان تجمع حوله، وحول الأشراف بعض الناس، فسأله ان يحضرها ليراها، فلما اعطاها له بلعها. ولعل همهمة سرت، تنتقد هذا الفعل، ولا ترى فيه التقدير الكافي للمهدي، أو الصدق المطلوب للتعامل. ولهذا كتب الخليفة ، عن حضرة حدثت له، قال فيها: (وبعد ان سلم الخضر عليه السلام قال لي ربك يقريك السلام والملائكة يقروك السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يقريك السلام والمهدي عليه السلام يقريك السلام ويقول لك: بارك الله فيك فيما صنعته في الدين. ويقول لي الخضر عليه السلام: قال لك المهدي عليه السلام ان الله اخبر جبريل وجبريل عليه السلام اخبر النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم اخبر المهدي والمهدي عليه السلام اخبرني انا بأن اخبرك بأن الله قد جعلك هدية في الأرض من مشرقها الى مغربها، ويقول الحباك وقبل قولك قبل منا الهدية والذي يقبل منا الهدية قبلناه وآمن من مكر الله والذي لم يحبك ولم يسمع قولك صار من الفاسقين والفاسق مأواه النار.... ثم سألت الخضر عليه السلام عن سبب انقطاعه مني منذ انتقل المهدي عليه السلام فقال لي: سبب ذلك انه منذ انتقل المهدي عليه السلام كنت غافراً على شعرة من شعر المهدي عليه السلام أمنها لأحمد سليمان وولد سليمان حافظها بمحل ومرات في وقت انتقال المهدي عليه السلام يفتحها ويبكي ، وفي الخرطوم كذلك فتحها وأنا أخشى ان تقع منه في الهبوب أو تقع منه في محل وسخ وتروح فيه. واذا وقعت في الهبوب انا لا تضيع مني والوسخ لا يغيبها عني فلذلك مغفر عليها ليلاً ونهاراً وبعد ان بلعتها أنت أمس استرحت انا. واصل الشعرة المذكورة أمانة بطرف احمد ود سليمان لك فالآن اذا رضي ببلعك لها له ثواب حفظ الامانة من وقت أعطاها له الى الآن وان لم يرض لا ثواب له. ثم قال الخضر عليه السلام: ان القلب الذي تدخله هذه الشعرة آمن من النفاق وانها تدخله بنور. وجميع هذه الحضرة سببها هذه الشعرة. وأما السر في هذه الشعرة التي بلعتها في ضريح المهدي عليه السلام وقال الدنيا جميعها إذا هاجموها لا توازن هذه الشعرة..... يقول الخضر عليه السلام أخبرني المهدي عليه السلام بان اخبرك ان في ساعة الحرب النبي عليه الصلاة والسلام معك والمهدي عليه السلام معك والخضر عليه السلام معك والملايكة معك. فقلت له: الملايكة الذين معي من هم؟ فقال: جبريل ومكائيل واسرافيل وعزرائيل ومنكر ونكير ورقيب وعتيد ومالك ورضوان وارواح جميع المؤمنين من أبينا آدم الى الآن معك وابينا آدم بذاته معك وكذلك جميع المؤمنين من الجن والله ناصرك وناظرك... وكيفية هذه الشعرة انها كانت طرف الحبيب أحمد ود سليمان جاعلها في ورقة لافيها وانه بيوم الاثنين أمس 27 ذو القعدة الذي يبين فيه التابوت الحبيب احمد من محبته لنا وارادته لنا الخير اراد ان يكشفها لنا من الورقة للتبرك بها ، فلما حضر لنا بها قبل انكشافها شممت رايحة عجيبة وأول ما بدى لي رأس الشعرة حصل لي انشراح قلبي وشيئاً لا يعلمه الا الله فتناولتها وقصدت ان اشمها فاراد الله ادخالها في فمي وابتلعتها حينئذ فطلبها الحبيب المذكور ففتحت له فمي فلم يجدها ولله الحمد على ذلك وجميع ذلك بمراد الله وقدره ....) (المصدر السابق ص 100-101).
    في هذه الواقعة العجيبة، يخبر الله تبارك وتعالى، عن طريق النبي صلى الله، وجبريل عليه السلام والمهدي، الخليفة انه هدية الله لأهل الأرض!! وهي هدية غريبة، من لا يقبلها بالطاعة التامة للخليفة يعتبر فاسق ويدخل النار!! ثم ظهر ان سبب انقطاع الخضر عليه السلام من الخليفة، هو انه كان مشغول بحراسة شعرة واحدة، من شعر المهدي كانت محفوظة لدى احمد ود سليمان.. وان الخضر يخشى ان تقع وتضيع في الهبوب!! فإذا كان المهدي نفسه مدفون تحت التراب، فما الخوف ان يدفن الغبار شعرة من شعره؟! وهل الخضر وهو من يعلم ما خفي على نبي الله موسى، ونبأه بما سيحدث لكل الاشياء المذكورة في قصة موسى والخضر، لايعرف ما اذا كان احمد ود سليمان سيضيع الشعرة أم لا؟! وهو يستريح لأن الخليفة بلع الشعرة ، وكأنه لم يكن يعرف ان هذا سيحدث!! وما قيمة هذا الخضر لنصرة المهدية ، وهو منزعج على شعرة؟! ولعل الخليفة قد لاحظ خلل منطقه، فيما يخص الخضر، وقدراته ، فبعد ان قال على لسان الخضر: (وأنا أخشى ان تقع منه في الهبوب أو تقع منه في محل وسخ وتروح فيه.) حاول ان يستدرك، فقال على لسانه ايضاً (واذا وقعت في الهبوب انا لا تضيع مني والوسخ لا يغيبها عني)!! فلماذا الإنزعاج إذاً؟! أما الشعرة نفسها، فقد بالغ الخليفة في وصفها، حتى قال ان الدنيا جميعها لا توزنها!! هل حقاً يصدق الخليفة نفسه، دع عنك غيره من الناس، ان شعرة من رأس المهدي توزن كل الدنيا؟! وان من تدخل في قلبه آمن من النفاق!! وكيف تدخل الشعرة في قلبه؟!
    وحين سأل الخليفة الخضر عليه السلام عن الملائكة ، الذين معه، ذكر له كل الملائكة، الذين ورد ذكرهم في القرآن والحديث. فالخليفة نفسه، لا يعرف أكثر من هذه الأسماء المعروفة، فلماذا لم يقل كل الملائكة ويختصر الأمر.. أليس هذا منطق مقلوب، لا يجوز الا على البسطاء ، ان يكون الملائكة معك وانت لا تعرف من هم وتسأل عنهم غيرك؟!
    لقد وجد الخليفة صعوبة في تبرير ما عمله اخلاقياً، فهو قد ذكر انه يريد ان يرى الشعرة، ولما احضرها صاحبها احمد له، أخذها وبلعها ، وحين طلب منه ارجاعها له ، فتح له فمه، ليريه انه بلعها!! ولم يجد ما يبرر به ذلك غير قوله (فتناولتها وقصدت ان اشمها فاراد الله ادخالها في فمي وابتلعتها حينئذ فطلبها الحبيب المذكور ففتحت له فمي فلم يجدها ولله الحمد على ذلك وجميع ذلك بمراد الله وقدره ....) (المصدر السابق ص 100-101). ولو كان الاحتجاج بالقدر يعفي من المسئولية ، فلماذا قتل الخليفة معارضية ، وعذبهم، ومن ضمنهم احمد ود سليمان نفسه؟!
    إن العجز عن تحقيق نموذج مقنع، والدخول في العديد من الخلافات، والمؤامرات، والحروب، هو الذي دفع الخليفة الى ان ينسب لنفسه، قدرات خارقة، ومكانة روحية سامية، تستوجب التسليم له والخضوع التام.. وتهدف الى تجريد المعارضين له، من اتباعهم من البسطاء، الذين يتأثرون بالاحاديث الروحية، التي نقلها الخليفة عن المهدي. وربما فعل الخليفة أشياء، كقتل بعض الزعماء الموالين للمهدي ، خوفاً منهم، ثم شعر بسخط عام على قتلهم، فإنه في هذا الحالات، يلتمس التبرير من الحضرات النبوية، ومشاهد الخضر، وغيرها. فلقد جاء مثلاً (إنه قد حصلت لي حضرة نبوية مبشرة: حضر لي سيد الوجود صلى الله عليه وسلم ومعه المهدي والخضر عليهما السلام فجلس سيد الوجود صلى الله عليه وسلم عن يميني واستقبلني بوجهه الشريف. وجلس المهدي عليه السلام مطرقاً أدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجلس الخضر عليه السلام من خلفي.... ثم اخبرني صلى الله عليه وسلم ان كافة الاجراءات التي صدرت مني، كقتل صالح الكباشي، وولد ابروف، ودارفور، وما فعلته مع الشكرية، والبطاحين، وما اجريته بالبقعة، وغيرها فهو صواب.)(المصدر السابق 105-106). ولقد علق البروفسير محمد ابراهيم ابو سليم، محقق هذه المنشورات بقوله (يعدد الخليفة هنا القرارات الخطيرة التي التي اتخذها: فصالح الكباشي زعيم الكبابيش قتل في مايو سنة 1887م وقتل المرضي ابوروف ومن اجتمع معه في سنة 1304هـ وقمعت حركة الأمير يوسف بن السلطان ابراهيم في دارفور في يناير 1888م وقتل مادبو زعيم الرزيقات في سنة 1304هـ ، ونكل بالشكرية تنكيلاً. ونكل الخليفة بالبطاحين لاعتدائهم على الانصار. ويبدو من اشارة الخليفة ان الرأي العام لم يكن معه في هذه الإجراءات)(المصدر السابق 106). ولم يكتف الخليفة بذلك، بل قال (اخبرني ايضاً ان الله تعالى قد كان ملكني زمام الكون جميعه والآن قد جعله في قبضتي...ثم اخبرني صلى الله عليه وسلم بمدة اقامتي في الدنيا ومفارقتي لها وما سيصير في الكون بيدي وبالوقت الذي ينزل فيه نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام وبانتهاء مدته وما سيصير بعده من التصرفات وبمدة بقاء الإسلام في الأرض انه لا يبقى بعد انتهائها على وجه الأرض مسلم... واخبرني صلى الله عليه وسلم بأني أفضل من كل من كان على وجه الأرض الآن بعد المهدي عليه السلام ...) (المصدر السابق 106-107).
    لقد اعتمد الخليفة عبد الله، في كل ما ذهب اليه من اقوال، وافعال، على منشور المهدي الذي اشرت اليه في الحلقة الماضية، والذي طلب فيه من الناس، ان يصدقوا الخليفة، في كل ما يقول، وان يطيعوه، ويتقبلوا حكمه مهما فعل بهم. (جمع الخليفة هذه المنشورات و طبعها بمطبعة الحجر واشهرها منشوره عن مكانة الخليفة) (منشورات المهدية – ابو سليم ص 93). فهل يظن أحد، بعد كل هذا، ان المهدي غير مسئول عن ما حدث في عهد الخليفة؟!

    د. عمر القراي
                  

01-03-2009, 06:45 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة.. المهدية؟! (6)

    قال السيد الصادق المهدي: (وفي بلادنا الآن في وجه استقطاب بين إقصاء وإقصاء مضاد فان بذرة الدعوة المهدية بما استصحبت من مستجدات تسعف الوطن برفع راية السودان العريض الذي يعطي كل ذي حق حقه والكيان الذي غرسته صالح للمساهمة في جمع أهل القبلة حول دعوة وسطية للإسلام وهو كذلك صالح للمساهمة في حوار الأديان والحضارات الذي سيؤدي في نهاية المطاف لميثاق روحي وأخلاقي تدين له الإنسانية...)(الصادق المهدي: خطبة الجمعة 19/9/2008م). فهل حقاً كانت المهدية دعوة وسطية للإسلام، تجمع أهل السودان دون إقصاء، ويمكن ان تقيم بينهم ميثاق روحي، يمكن ان يقدم للانسانية على اختلاف الأديان والأعراق؟!
    كان الخليفة عبد الله ، يشعر بعدم قبول الانصار، من أهل الشمال، له كخليفة، قبل وفاة المهدي، وبخاصة أهل المهدي المعروفين بالاشراف. وبمجرد وفاة المهدي، شاور أخاه يعقوب وكان يسميه (جراب الرأي)، فاشار عليه باستدعاء البقارة من غرب السودان، ووضع اقرباءهم منهم، في أرفع المناصب. ورغم ان المهدي أبعد أهله ، وولى الخليفة، الا ان الخليفة لم يتبع هذا النهج ، إذ جعل أكبر مواقع القيادة لأخيه يعقوب، وابنه شيخ الدين. وحين شعر الاشراف بالخطر، وكان منهم قادة من كبار قواد المهدية، بدأوا الإجتماعات والتذمر. وحاول الخليفة ان يحيط بهم، لكنهم قاوموا بالسلاح، وصدوا الهجوم عليهم. ولقد أرسل اليهم الخليفة طالباً الصلح لكنهم رفضوا ذلك، ولكنه (ارسل وفداً آخراً للاشراف معرضاً عليهم الصلح واجابة مطالبهم، وفي هذه المرة استجاب الاشراف لعرض الخليفة عبد الله، ولكنهم طالبوا أولاً بمعرفة الشروط التي سيتم بموجبها الصلح. وحرصاً من الخليفة على تحقيق الصلح، لم يضع شروطاً للصلح وانما أعطى الاشراف الفرصة أو الحق في وضع الشروط التي يريدونها، وبذلك تم الوصول الى اتفاق يوم الاربعاء 20 نوفمبر. وتعهد الخليفة بتنفيذ شروط الصلح كما طلبها الاشراف، وهي العفو عن جميع المشتركين في التمرد، وان يجعل للخليفة محمد شريف راتباً شهرياً من بيت المال. وقد استجاب الخليفة لكل هذه المطالب، ولكنه اشترط شرطاً واحداً ، كان بالنسبة له مهماً وضرورياً وقد تردد الاشراف في الاستجابة الى هذا المطلب، وهو ان يسلم الاشراف سلاحهم ويطيعوا الخليفة عبد الله طاعة عمياء. ورغم اجازة الوفاق، فإن الخليفة ترك الملازمين في ساحة المسجد مسلحين، لمقابلة أي انتكاسة من جانب الاشراف. وبعد عشرين يوماً من ابرام الصلح، إطمأن الخليفة للموقف فالقى القبض على أحمد ود سليمان أمين بيت المال ومحمد فوزي ومحمود وأخيه أحمدي وآخرين. ثم ارسلهم للزاكي طمل في فشودة وامره بالقضاء عليهم فقتلهم شر قتله. وبرر الخليفة عدم التزامه بشروط العفو بحضرة نبوية أصدرها في منشور جاء فيه "ثم قال لي – أي المهدي – إن احمد سليمان واحمد النور واحمد محمد خير وسعيد محمد فرح وفوزي واحمدي وصالح سوار الدهب فليكن حبسهم. فقلت للمهدي عليه السلام إن أهل الظاهر ينكرون علي ذلك ويقولون عفا عنهم ثم حبسهم، فقال لي المهدي عليه السلام ان الحق معك واهل الباطن معك فأحبسهم واتل على الاصحاب المنشور المحرر منا في حقك" ومن الجدير بالملاحظة، ان الحضرة تشير الى حبسهم، وليس الى قتلهم، وتم القتل بعيداً عن امدرمان خوفاً من الإثارة) (محمد محجوب مالك: المقاومة الداخلية لحركة المهدية "1881م-1898م". دار الجيل. ص 219-220). وهكذا استعمل الخليفة الغش والخداع، ونقض العهد، والخيانة ، ليصل الى غرضه. ولم يمنعه إسلام الأشراف ولا سابقتهم في المهدية ولا رحمهم مع المهدي ان يخوض في دمائهم. ولم يتردد في قتل غيرهم من الابرياء المسلمين، ويبرر فعلته النكراء ، بان ينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للمهدي!! ومن عجب ان كل مؤرخينا، عندما يتناولوا هذه الأحداث ، يسمونها فتنة الاشراف، مع انها فتنة من فتن الخليفة ، راح الاشراف ضحيتها ، لولا ان تاريخنا لم يكتب بحياد.
    ولم يقتصر الخليفة على تقتيل الاشراف ففي (كردفان عصى الكبابيش أمر المهدي والخليفة عبد الله بتنفيذ الهجرة وكان لهم موقف من المهدية إذ قتل زعيمهم التوم فضل الله والمهدي لم يزل بالابيض وتولى المقاومة والعصيان فضل الله صالح الذي نشط بعد مغادرة زقل لدارفور ولكن الخليفة شن عليه حملات من ثلاث جهات وقضى على حركته. وفي أرض البطانة تعرض الشكرية للتنكيل من جانب الخليفة.... وفي جنوب شرق الجزيرة تعرضت قبائل الحميدة وبني حسان والقواسمة والعقليين والعلاطين والبطاحين لحملات للانصار نتيجة لعدم انصياعهم لاوامر الخليفة برفض الهجرة الجماعية والمجاهرة بالعصيان للحركة المهدية) (المصدر السابق ص92).
    ومن قواد المهدية البارزين، المنة اسماعيل، جاء عن ذكر بلائه (وكان في جملة الذين عاهدوا المهدي على الجهاد في كردفان المنة اسماعيل شيخ قبيلة الجوامعة فحشد نحو عشرين ألف من عربانه وهاجم قاعدة الطيارة ... فاخذها عنوة وأعمل في أهلها السيف والحربة فلم ينج منهم الا اليسير... وفي اليوم التالي انقلب المنة على العساكر الآتين من الابيض فقتلهم عن آخرهم وارسل البشائر الى المهدي في قدير) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص687). ولا يعرف على وجه التحديد، لماذا انقلب المهدي عليه، ولقد قيل انه ادعى انه خليفة المهدي، بدلاً من عبد الله.. أو ادعى انه الخليفة الثالث، الذي اعطى المهدي مقامه للسنوسي ورفضه، المهم (ارسل المهدي جيشاً بقيادة عبد الرحمن النجومي وعبد الله النور وحمدان ابوعنجة وفرق من الجهادية وراية حاج خالد وراية ود ابو صفية.... وعندما رأى الجوامعة هذا الجيش الكبير تفرقوا عن المنة ودخل عليه رسل المهدي فرفض مقابلتهم بحجة انه متمكن او مشغول بذكر الله. فدخلوا عليه وأوثقوه كتافاً هو وابنه ووالده وأمين بيت ماله وساروا به نحو الابيض وفي الطريق تسلموا أمر المهدي بقتلهم ونفذ فيهم حكم الإعدام. ويقال ان الخليفة عبد الله هو الذي اصدر الأمر بقتلهم دون استشارة المهدي وتهدئة للخواطر قيل ان المهدي قال بان الفكي المنة طهره القتل وعفا عنه) (محمد محجوب مالك: المقاومة الداخلية لحركة المهدية "1881م-1898م". دار الجيل. ص 171-172). ولقد كثرت الشواهد، على ان الخليفة، كان في حياة المهدي، يسارع بقتل بعض المعارضين، ثم لا يملك المهدي، وقد قال فيه ما قال، ان يخطئه علناً فيما فعل، فحياة اولئك الناس، كانت عند المهدي أسهل من مخالفة الخليفة وإغضابه. ومن تلك الاحداث، ما حدث بعد فتح الأبيض، فقد سلم محمد سعيد باشا حاكم الابيض، وبايع المهدي، هو وكبار ضباطه، فأمنهم المهدي على ارواحهم وممتلكاتهم. ولكن (اتي الخليفة عبد الله الى معسكر الاسرى وجلس في خيمة الحاج خالد العمرابي المار ذكره فدعا اليه سعيد باشا وعلي بك شريف ونظيم أفندي والصاغ محمد جمعة من رجال نظيم واحمد بك دفع الله ومحمد ياسين ناظر قسم خورسي وعثمان أغا سليمان ومشلي آغا حسين وكلاهما من سناجك الابيض وجعل كل اثنين منهما في عهدة شيخ من مشايخ العربان المخلصين لهم وأوعز اليهم سراً ان يقتلوهم فجعل سعيد باشا ومحمد جمعة في عهدة الشيخ اسماعيل ود الأمين شيخ الغديات. وعلي بك شريف ونظيم افندي في عهدة الشيخ نواي شيخ الحوازمة. واحمد بك دفع الله ومحمد ياسين في عهدة الشيخ مادبو شيخ الرزيقات. وعثمان سليمان ومشلي حسين في عهدة الشيخ مكي ود ابراهيم شيخ عربان حمر فذهب كل شيخ بفريستيه الى بلده وقتلهما) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص705).
    ولم يستقر حكم الخليفة، لكثرة الحروب الداخلية، التي خاضها.. ففي غرب السودان خاض حروباً في جبال النوبة، قادها حمدان ابو عنجة، قتل فيها الكثير من أهل الجبال. وكان محمد خالد زقل، وهو من الأشراف، اقرباء المهدي، قد استولى على كل دارفور عام 1884م واصبح حاكماً لها، تحت إمرة المهدي.. فلما توفى المهدي، اراد الخليفة عزله، فدعاه للحضور لأمدرمان. فتحرك بجيشة نحوها، ولكن الخليفة خاف ان يصل بسلاحه، ويدعم الاشراف، فارسل الى حمدان ابو عنجة، فقابله في كردفان وجرده من سلاحة، وارسله مكتوفاً بالسلاسل الى الخليفة. ومن القواد الذين ابلوا بلاء شديداً ، في نصرة المهدية، الشيخ مادبو.. فبعد وفاة المهدي أمره الخليفة بالحضور لامدرمان ، لتجديد البيعة ، وزيارة قبر المهدي. فلما لم يحضر اهدر الخليفة دمه، وكلف كرقساوي بالقبض عليه. وبمساعدة الأمير يوسف تم القبض عليه. وبينما هو في طريقة لامدرمان، التقى بهم حمدان ابوعنجة (وامر بارساله للسجن وفي اليوم التالي أمر فعقلوه وقطعوا رأسه فارسل الى الخليفة في امدرمان فعلقه في الجامع....) (المصدر السابق 1046-1047). ومن الوقائع ما حدث في دارفور والذي قتل فيه بعد عدة وقائع الأمير يوسف سلطان الفور نفسه عام 1888م ، رغم انه من أول من ناصر المهدية في الغرب. ومن الوقائع ايضاً حروب الخليفة مع ابي جميزة، الذي ادعى انه خليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وهزم جيوش الخليفة مرتين، وتوجه نحو الفاشر لاسقاطها، لولا ان الجدري اصابه في الطريق فقضى عليه. وكان الخليفة قد كتب اليه (فان من كان متصفاً بخلافة عثمان رضي الله عنه على الحقيقة لا يكون بهذه المثابة بل يكون مقتفياً لاثره وسالكاً لنهجه. وهل بلغك ان عثمان رضي الله عنه جرد سيفه على مسلم أو سعى في الارض فساداً أو حارب احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) (المصدر السابق ص1052 -1053). والخليفة عبد الله يعتبر نفسه خليفة ابي بكر الصديق/ ويمكن ان توجه له نفس الاسئلة، فيما يخص ابي بكر، فإن الخليفة خلافاً لابي بكر، قد قام بقتل المسلمين وقتل اصحاب المهدي الذين كان يعزهم ويحترمهم.
    (وخلاصة القول ان الخليفة عبد الله استطاع ان يقضي على المقاومة الداخلية لحكمه من جانب القبائل المعادية، كما استطاع تنفيذ الهجرة الجماعية بالقوة واستمر في عمليات الجهاد التي لم تلق نجاحاً الا في الجبهة الشرقية ضد الأحباش. ان هذه الحروب الداخلية والهجرات الجماعية، قضت على الزراعة التي كان بها قوام الاقتصاد السوداني. واقفرت اماكن كثيرة من أهلها أما بسبب الهجرة او باسباب عدم الاستقرار، واعتداءات جيوش الانصارالتي كانت منتشرة في جميع انحاء السودان. وتعرضت البلاد لمجاعة كبرى اشتهرت بمجاعة سنة ستة " 1306ه – 1889م") (محمد محجوب مالك: المقاومة الداخلية لحركة المهدية "1881م-1898م". دار الجيل. ص 93).
    وبعد كل هذا الظلم ، والفجور في الخصومة، والعداء ، والاقصاء المتعمد، والعرقية البغيضة، إذا جاء السيد الصادق المهدي، ونصحنا باستعادة المهدية، حتى توحد بيننا، وتحقق لنا الوسطية المعتدلة، والمساواة بين كافة السودانيين،ثم نحملها للعالم فتسهم في حوار الاديان، فهل يمكن ان نصدقه؟!

    د. عمر القراي
                  

01-03-2009, 06:47 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة .. المهدية؟! (7)

    كنت في المقال السابق، قد ذكرت طرفاً من سياسة الخليفة عبد الله التعايشي الداخلية ، وحروبه ليس مع خصوم المهدية فحسب، بل مع بعض قادتها وزعمائها، وتعليق رؤوس بعضهم في فناء المسجد، إمعاناً في العنف ، والإرهاب، والتشفي، والإقصاء التام للقيادات التي اختلفت معه، مما ليس له علاقة من قريب أوبعيد باخلاق الدين وقيمه. ولقد أدى اشتعال الحروب، في كل مكان ، وانتقال الوشايات، للتخلص من الخصوم والمجموعات، التي كانت تتخذ من عداء الخليفة ذريعة لنهب أموال الناس، وانتشار الفقر والمجاعة، وما تسببه من نهب وسلب، مع ازدياد ضعف الأمن، لإهتمام الخليفة بحماية نظامه عن حماية المواطنين البسطاء، الى ان عاشت البلاد حالة من الإضطراب والفوضى.. ولقد ارتبطت حالة الفوضى، وغياب سيادة حكم القانون بالمهدية، للحد الذي جعل المواطنين البسطاء، يتجاوزون كافة ولاءاتهم العقائدية، ويسمون كل حالة من الفوضى مهدية ، حتى شاع التعبير (اصلوا الدنيا مهدية!) كناية عن الظلم وغياب سيادة حكم القانون.
    سأتعرض في هذا المقال، الى ملامح السياسة الخارجية للخليفة، والتي تمثلت في حملته لغزو مصر، وحروبه مع الحبشة، وما حدث فيها من اخطاء، أدت الى ذهاب المهدية، غير مأسوف عليها ، بعد ان زالت عن قلوب السودانيين، الذين كانوا قد استبشروا بها خيراً، حين ظنوا انها خلاصهم، من نير العسف التركي البغيض.
    لقد اتخذ الخليفة ، منذ البداية، سياسة الفتوحات كأستراتيجية. وهو في ذلك انما يحاول جهده اتباع المهدي، وتحقيق رغبته بنشر المهدية في ارجاء المعمورة. وكان اول ما فكر فيه غزو مصر ومن ورائها بريطانيا.. وكعادة المهدي ، بدأ الخليفة بارسال منشورات، فكتب الى أهل مصر منشوراً معنوناً الى (احبابنا في الله أهل الريف والجهات البحرية كافة) جاء فيه (واعلموا انه ما حملنا على نصحكم ولا دعاني الى بسط العنان في عظتكم الا مزيد الشفقة عليكم والخوف من ان لا تنجع فيكم المواعظ غروراً بالأماني الكاذبة وركوناً الى راحة الدنيا الفانية الذاهبة فتدور عليكم الدوائر كما دارت على من قبلكم في بلاد السودان) (مكي شبيكة: السودان في قرن – الطبعة الثانية ص 260). كما كتب الى خديوي مصر خطاباً طويلاً جاء فيه (واعلم ان ما دعوناك اليه هو الدين الحق القويم والمنهاج الواضح المستقيم فلا تعرض عنه الى نزعات الباطل فان الحق جدير بالاتباع والباطل حري بالتلاشي والضياع. ولو كان قصدي من هذا الأمر ملك الدنيا الزائل وعزها الفاني الذي ما تحته طائل لكان في السودان وملحقاتها كفاية كما تعلم من اتساعها وتنوع ثمراتها. ولكن ما القصد كما يعلم الله الا احياء السنة المحمدية والطريقة النبوية بين اظهر عامة البرية) (المصدر السابق ص 261). ولقد يلاحظ في هذه الخطابات، جنوح الخليفة للتعميم، فهو لا يطلب منهم شيئاً محدداً، وانما يريد فقط ان يدمغهم بالكفر، او المعارضة ، حتى يجد مبرراً لقتالهم. وفي خطابه للخديوي لم يدعوه للمهدية، لأن المهدي نفسه غير موجود، ولم يطرح الخليفة على نفسه، او اتباعه، اشكالية الدعوة للمهدية في غياب المهدي.. ولذلك ذكر في هذا الخطاب عبارات معممة مثل (احياء السنة المحمدية والطريقة النبوية)!! ويمكن للخديوي بطبيعة الحال ان يرد، ويشكر الخليفة على خطابه، ثم يذكر له ان اهل مصر تحت حكمه يحيون السنة المحمدية والطريقة النبوية، وعندهم من كبار العلماء في الازهر من يقومون بتنظيم هذه العمل. عند ذلك سيضطر الخليفة ان يفصح عن غرضه، في ضم تلك البلاد لحكمه، بغض النظر عن تطبيقهم او عدم تطبيقهم للاسلام. ولكن الخديوي تجاهل امر الخليفة ولم يرد عليه.
    ومع ان الخليفة دعا الخديوي للسنة المحمدية، الا انه دعا الملكة فكتوريا ملكة انجلترا، الى اتباع المهدية!! فقد كتب اليها ( ولما كان المهدي المنتظر عليه السلام هو خليفة نبينا محمد الذي اظهره الله لدعوة الناس كافة الى احياء دين الاسلام وجهاد اعدائه الكفرة اللئام وانا خليفته القافي اثره في ذلك فاني ادعوك الى الإسلام فان اسلمت وشهدت ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله واتبعت المهدي عليه السلام واذعنت لحكمي فاني سأقبلك وابشرك بالخير والنجاة من عذاب السعير) (المصدر السابق ص261). وواضح من لهجة الخطاب، واسراعه لذكر الجهاد ونعت خصومه بالكفر، انه لم يكن يعلم بمقدرة بريطانيا في ذلك الوقت، لذلك تحدث في جرأة لا يملكها العارفون. ولقد كتب الخليفة خطابات مماثلة ، لقبائل نجد والحجاز وملك الحبشة والسنوسي وسلطان ودّاي.
    في مايو 1889م تحرك عبد الرحمن النجومي بجيشه من دنقلا شمالاً بغرض غزو مصر. وكان كلما تقدم أخلى أهل القرى قراهم، وحملوا معهم مؤونتهم، حتى لا يجد الجيش ما يأكله. وكان ذلك من ضمن المقاومة الداخلية ، لحكم الخليفة ، ومن اكبر دلالات ضيق الناس به. وكان اثر ذلك على جيش النجومي كبيراً، إذ عرضه للمجاعة ، حتى كتب النجومي للخليفة ، وهو يطمع في الإذن له بالرجوع ، او ارسال مدد له ، ولم يظفر بشئ من ذلك. وقد جاء في ذلك الخطاب الغريب (سيدي وملاذي بعد اهداء مزيد السلام نرفع الى مكارمكم عن احوالنا واحوال الأنصار الذين معنا انه قد مسهم الضرر الشديد الذي ما عليه من مزيد واشتد بهم الحال وضاق الأمر جداً وان الجوع الحال بهم أضر بهم واذهب قواهم فورّم اجسامهم وغير احوالهم لأنه قبل دخول بلد العدو كان قوتهم التور الأخضر المر ونواه وانقطع عنهم من مدة. ولطول الطريق وكثرة المشقة ضعفوا فدخلوا البلد على حال ضعيفة ولشدة الضرر جلسوا جميعاً على الأرض وكثيرون منهم ماتوا جوعاً. أما ضعفاء اليقين منهم فلعدم صبرهم على البأساء والضراء رغبوا في الأعداء الجهادية والعبيد والخدم لحقوا أيضاً بالعداء وارتدوا عن الدين ولم يبق منهم الا النادر. ثم ان الجهادية الذين ارسلوا معنا طوبجية للمدافع من طريق سيدي يونس كانوا خمسة وثلاثين الجميع رغبوا في الكفرة وهربوا اليهم ولم يبق معنا منهم الا ثلاثة. أما بوابير الكفرة فما زالت سائرة معنا بالبحر تبيت معنا حيث بتنا وتقيل حيث قيلنا وعساكرهم ماشية بالشرق في خيل وجمال لمنع الأنصار ماء البحر. ولم يكن شرب الماء الا بقتال ومضاربة واستشهاد وجراحات) (المصدر السابق 270). إن المرء ليحزن، ويشعر بالاسى، لما لقى هؤلاء البسطاء المضللون، فبالرغم من ان الخليفة يتحدث عن الدنيا الفانية والزائلة، فانه لم يقم بقيادة أي من الجيوش، في حروبه الداخلية او الخارجية، حرصاً على تلك الحياة التي يكثر من ذمها. ورغم ما لحق بالجيش من الجوع والضرر، حتى انهم عجزوا عن الوقوف، فان النجومي يلوم من التحقوا منهم بالبعثات التي تمثل مناورات الغزو الإنجليزي، لالتحاقهم بجيش الاعداء الكفرة، وذلك بالرغم من انهم ضحوا حتى بلغوا الحالة التي وصفها، مع انهم وسط جيشه يعتبرهم من (العبيد) و (الخدم)!! فاذا كان رفقائهم في جيش الجهاد يعتبرونهم كذلك، فانهم لم يروا لهم ميزة ،على الجيش الغازي، ولذلك التحقوا به وانقذوا انفسهم من الهلاك، غير آسفين على جيش المهدية، الذي كان يسومهم المهانة. وكان السردار غرانفيل القائد الإنجليزي على صعيد مصر، قد التقى ببعض الفارين، وعلم منهم سوء حالة جيش النجومي، فكتب اليه يدعو للاستسلام. وكان مما جاء في خطابه (وقد بلغني انتهابك لممتلكات الناس المساكين الذين لا طاقة لهم بالدفاع عن انفسهم واخذك نساءهم واولادهم وتخريبك بلاداً كانت بالأمس عامرة مطمئنة. وكنت قد صممت على سحقك ومحو اثرك واثر انصارك عن وجه البسيطة بلا انذار ولكن عند مجيئي الى هنا وجدت انكم قوم مستضعفون مساكين تموتون جوعاً وعطشاً. وانا عالم سوء حالك انت وعالم انك فريسة لغيرة ذلك الخليفة الكذاب الذي جعل ابن عمه يونس عاملاً في مكانك وجعلك تحت طاعته وارسلك انت والأعراب الذين يخشى شرهم بحجة فتح مصر وهو انما يريد هلاككم فانه يعلم ان الذي ارسلكم اليه لمستحيل عليكم بل انتم ايضاً تعلمون ذلك ولكنكم لعماوة قلوبكم تظنون ان طاعة ذلك الكذاب واجبة... وعليه فاذا تقدمت الى الأمام فانت هالك لا محالة واذا رجعت الى الوراء فان جيوش حلفا واقفة لك بالمرصاد. واذا بقيت حيث انت مت جوعاً وعطشاً فاصبحت كالطائر في القفص لا منفذ له ولا معين. ولما كانت حكومتنا السنية مجبولة على حب الشفقة والانسانية ولا تريد قتل النفوس ولا سيما النساء والاولاد فقد جئتك بهذا ادعوك الى التسليم فاذا سلمت سلمت انت ومن معك من الأمراء والأعوان. واعلم انك تأخذ هذا الوعد من جنرال انجليزي. وأما اذا ابيت التسليم فليس امامك الا الهلاك كما بينّا لك. فاختر ارشدك الله الى الصواب أحدى الطريقين واني في انتظار الجواب على كتابي هذا مع رافعيه والسلام) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص 1116-1117). ولقد رد عبد الرحمن النجومي في اليوم التالي، ومع نفس الرسول، بخطاب جاء فيه (ثم نعلمك بان جوابك المرسل منك باعلامنا بحضورك وما جئت لاجله وصلنا ولآخر ما ذكرته فيه وزعمته من الأقاويل التي لا طائل تحتها قد علم لدينا ونقول لك أنا ما بعثنا من طرف السيادة الا لدعوة الناس والمسلمين وادخالهم في سور الرحمة والهداية اجمعين....أما ما ذكرته من كثرة عساكرك وقرب وصولها الخ فذلك لا يهولنا ولا يخيفنا بل لا نخشى احداً الا الله تعالى ولو الثقلين الانس والجن... فاعلم انا باقون على قتالكم وجهادكم واستئصالكم حتى لا ندع على وجه الارض منكم داعياً ولا مجيباً أو يفوز بالشهادة من يفوز ويلاقي الله تعالى.... فان اسلمت وسلمت جميع المدافع والجبخانات والأسلحة سلمت وعليك امان الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومهديه عليه السلام وخليفته عليه الرضوان والا فهذا حجة عليك وذنبك وذنب من معك مطوق في ذمتك.) (المصدر السابق ص 1118). ولم تكن معركة توشكي التي وقعت في 3 أغسطس 1889م معركة متكافئة، فقد سحق جيش عبد الرحمن النجومي في ساعات، لقلة عتاده ، ولما لحق به من وهن قبل المعركة.. ومع ذلك ابدى النجومي واتباعه شجاعة وجلد. ورغم ان خطاب غرانفيل قد حوى صلفاً استعمارياً ، وكان خطاب النجومي مثلاً في الشجاعة والثبات على المبدأ ، الا ان غرانفيل قد اشار الى نقطة موضوعية. وهي ان النجومي كان والياً على دنقلا ، فارسل اليه الخليفة ابن عمه يونس الدكيم والياً ، وامره بطاعته ، رغم ان بلاء النجومي في وقائع المهدية لا يقارن بيونس الدكيم.. وحين جاء موضوع غزو مصر، لم يرسل اليه ابن عمه، وانما ارسل النجومي، في مهمة ، يصعب تصديق ان الخليفة كان يرى نجاحها.
    أما في الجبهة الشرقية ، فقد نجح حمدان ابو عنجة في حربه مع الأحباش، وانتصر عليهم واوغل في ارضهم، وكتب الى الخليفة (فدخلنا يوم الاثنين وجلنا فيها يميناً وشمالاً فاعجبنا بما شاهدناه من القصور الشامخات وأحرقنا فيها 45 كنيسة ما عدا الكنائس التي احرقناها بالديار المذكورة عند مرورنا بها وهي تزيد على 200 كنيسة) (مكي شبيكة: السودان في قرن ص 267). ولقد اخلى يوحنا ملك الحبشة بعض المناطق ، لإنشغاله بحرب الطليان ، الذين احتلوا مصوّع. وكتب الى ابي عنجة ، يدعوه للصلح وللإتفاق في وجه الاجانب، وكان مما ورد في خطابه (والآن فاذا حضرت الى بلادكم واهلكت المساكين ثم جئتم انتم واهلكتم المساكين فما الفائدة في ذلك.. والواقع ان الافرنج اعداء لنا ولكم فاذا غلبونا وهزمونا لم يتركوكم بل يخربوا دياركم واذا ضربوكم وكسروكم فعلوا بنا كذلك فالرأي الصواب ان نتفق عليهم ونحاربهم ونغلبهم... فاذا صار كذلك فهو غاية المنفعة لنا ولكم لأنكم انتم ونحن في الاصول السالفة اولاد جد واحد فاذا قاتلنا بعضنا بعضا فماذا نستفيد؟ فالافضل والأصوب لنا ولكم ان نكون ثابتين في المحبة جسداً واحداً وشخصاً واحداً متفقين مع بعض ومتشاورين بالشورى الواحدة ضد اولئك الذين يحضرون من بلاد الأفرنج والترك وغيرهم الذين يريدون ان يحكموا بلادكم وبلادنا مزعجين لكم ولنا اولئك أعداؤكم واعداؤنا) (المصدر السابق 267-268). ولقد قابل ابو عنجة، هذه الدعوة الاقليمية المتقدمة، للتعاون المشترك، بمستوى بعيد عن مستواها. فقد كتب اليه رداً جاء فيه (وأما طلبك الصلح منا وانت باق على كفرك فبعيد بعد المشرقين ودليل على ضعف عقلك وفراغ ذهنك فيالك من سفيه وياك من جاهل أتريد منا صلحاً ومؤاخاة ولم تدخل في الدين الحق وكتاب الله ناه عن ذلك؟ فان رمت الصلح فقل مخلصاً من قلبك أشهد الا اله الا الله واشهد ان محمداً رسول الله وال فانا نقاتلكم ونخرب دياركم ونيتم باذن الله اطفالكم ونغنم اموالكم كما وعدنا الله ذلك في كتابه العزيز) (نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان ص 1076). ولقد توفى حمدان ابو عنجة وخلفه الزاكي طمل، الذي اعتقله الخليفة، نتيجة وشاية، وسجنه.. ثم رجعت الجيوش عن احتلال الحبشة ، حين انشغل الجميع بالغزو الانجليزي المصري للسودان. والذي اكتمل بهزيمة الانصار في توشكي، وفرار الخليفة من ميدان المعركة في امدرمان، ونهاية المهدية بمصرعه في ام دبيكرات في 24 نوفمبر 1899م.

    د. عمر القراي
                  

01-03-2009, 06:48 AM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    عودة .. المهدية؟! (8)

    لقد ذكرنا ان هذه المقالات، تستهدف مواجهة محاولة السيد الصادق المهدي لإعادة المهدية بصورة جديدة، يكون هو بطلها ، وقلنا في بداية هذه الحلقات ، ان السيد الصادق قد قال (أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز مهما كانت إنجازات المهدية التاريخية فقد قال الإمام المهدي: في مقبل الايام، تظهر لدعوتنا كرامة أكبر، مما ظهرت حتى الآن...) (الصادق المهدي – خطبة الجمعة 19/9/2008م). ولقد كرر السيد الصادق هذا القول مؤخراً ، وذلك حيث قال (روي عن الإمام المهدي انه قال في مقبل الايام تكون لنا كرامة تفوق ما تحقق الآن. وأي كرامة أكبر من ان تقدم دعوته بديلاً هو الأجدى لاستنهاض الامة بعد أكثر من قرن على وفاته؟)!! (خطبة صلاة عيد الاضحى بمسجد ودنوباوي 8/12/2008م) والسؤال هو: هل حقاً قدمت دعوة المهدي، وتجربة حكم المهدية ، بديلاً هو الأقدر على استنهاض الأمة؟! أم انها قسمت الأمة ، واعتدت على افرادها ، في ظلم ظاهر، وعسف بيّن، جعل أهل السودان يطلبون الخلاص ، ولو على يد المستعمر الاجنبي؟!
    وليس هناك حركة تغيير، يمكن ان تنسب بحق للدين ، ثم تقوم بتقتيل قياداتها، وزعماء البلد ، كما فعلت المهدية.
    فلقد سجن الخليفة عبد الله السيد محمد شريف، ابن عم المهدي، وابقاه في الحبس، ولم يخرجه الا لواقعة كرري. ثم ارسل في اثر الدناقلة ، وقبض منهم نحو ألف رجل، ليس لهم جريرة الا انهم من قبيلة الدناقلة ، التي ينتمي اليها السيد محمد شريف، حبسهم جميعاً بتهمة مساندة الاشراف. كما حبس ابناء المهدي: الفاضل ومحمد والبشرى ، بمنزل جدهم أحمد شرفي ومنعهم من مغادرته. ومن الأشراف أيضاً ، قبض الخليفة على القائد محمد عبد الكريم، وعبد القادر ساتي، طبيب المهدي ، وقيدهما، وارسلهما الى الزاكي طمل في فشودة، فقتلهما ضرباً بالفؤوس، وكان ذلك في أغسطس 1892م. ولقد كان الزاكي طمل من ابرز قواد المهدية.. وقد تولى قيادة الجيوش في حرب الحبشة بعد حمدان ابي عنجة، واخضع عدد من المتمردين على حكم الخليفة في غرب السودان ، وقاد حروب الخليفة ضد الشلك.. ومع ذلك استدعاه الخليفة ، وزج به في السجن ، ومنع عنه الأكل حتى مات جوعاً في 16 سبتمبر 1893م. كما استدعى الخليفة محمد عثمان ابي قرجة ، الذي كان يلقب بأمير البرين والبحرين ، لدوره المشهود في فتح الخرطوم ، وكان عاملاً على كسلا، واخبره بانه قد عينه حاكماً للجنوب، وكتب لحاكم الرجاف باعتقاله وحبسه. ولقد ترك ابوقرجة مكتوفاً لتأكله الضباع ، لولا ان الحملة الفرنسية قد اطلقت سراحه. ولقد الحق بابي قرجة ، القائد الذي اخضع دارفور للمهدية محمد خالد زقل، وهو مقيد ليحبس في سجن الرجاف. وكان من ضمن المقربين للمهدي اسماعيل عبد القادر الكردفاني، الذي كتب سيرة للمهدي، واثنى فيها عليه ، وذكر كراماته وانتصاراته. ولقد اتهمه الخليفة اثر وشاية بالخيانة ، ونفاه مغلولاً الى الرجاف، حيث ترك حتى مات في اوائل عام 1897م. أما أحمد علي الذي ولي منصب قاضي الإسلام ، فقد اختلف مع يعقوب أخ الخليفة ، فجرده الخليفة من امواله، وحبسه في السجن، ومنع عنه الأكل حتى مات في 1894 م. أما الشيخ الحسين الزهراء ، فقد كان من الفقهاء الذين درسوا في الأزهر، ولقد ولي القضاء بعد أحمد ود سليمان، الذي تقدم ذكره. فسجنه الخليفة حتى مات في سجنه عام 1895م. أما ود جار النبي، فقد كان من القواد البارزين ضمن راية علي ود حلو، فاختلف معه، وتحول الى راية يعقوب، فاشتكاه علي ود حلو للخليفة فعزله وقتله في 15 سبتمبر 1893م. ومن الانصار الذي قتلهم الخليفة، محمد نور الفادني.. فقد إعترض على قتل الخليفة للابرياء، ولما ذكر له ان المهدي قتل مثلهم، ادان ذلك، وندد بقتل المهدي للناس في فتح الخرطوم. ثم امتنع عن الصلاة خلف الخليفة، ولما قيل له ان يتبع ولي الأمر، ذكر بان الله هو ولي الامر. فقبض عليه الخليفة وشنقه في سوق امدرمان في فبراير 1887م.
    ومن الزعماء الذين اعتدى عليهم الخليفة خوفاً من مكانتهم، محمود ود زايد شيخ الضباينة.. وقد اشتهر بالشجاعة والقوة ، وحين حاول الخليفة قبضه ، وجده مستعداً باتباعه وسلاحه، فهادنه ، وخادعه ، ودعاه للتفاوض في معسكره ، فلما جاء قبض عليه وزج به في السجن. كما سجن الشيخ عوض الكريم أبوسن زعيم الشكرية ، وتركه به حتى ساء حاله ومات في سجنه في عام 1304هـ. وفي عام 1305هـ قتل الخليفة المرضي ابوروف ، شيخ الحسانية ، ومعه محروس شيخ العلاطين ، وابراهيم ود صابون شيخ العقليين ، والفقيه ابراهيم ود خالد. ولقد استدعى الخليفة محمد البشير علي طه ، شيخ الأحامدة الى أمدرمان ، فلم يحضر لما رآه من ما يحدث للزعماء ، فارسل اليه وقتله ، ونكل بأهله تنكيلاً في عام 1304هـ. وقتل الخليفة عبد الله ود سعد زعيم الجعليين، ومعه كل رجاله الذين بلغ عددهم حوالي 300 حين امر جيش محمود ود أحمد - وقوامه حوالي 10000 - وقد كان متوجهاً لمقابلة الجيش الغازي، ان يبدأ بقتل الجعلين، فكانت مجزرة المتمة في 1 يوليو 1897م. ولقد كان الأنصار في كل هذه المواقع والحروب، يرتكبون فظائع التقتيل، والتعذيب ، وقتل الابرياء، وقتل الأطفال، وسبي الحرائر من النساء. (راجع : شبيكة - أبو سليم - نعوم شقير - ضرار صالح ضرار).
    ولقد عزى كثير من المؤرخين، الفظائع التي احدثتها المهدية، الى فظاظة اتباع المهدي، وبداوة اطباعهم، ووعورة اخلاقهم، فقد جاء (وفي رواية أخرى ان أحد الانصار سأل المهدي "كيف اتبعك هؤلاء الأعراب الاجلاف؟" فتبسم المهدي وقال له: "يا أخي ان هؤلاء الاعراب الى الآن لم يتبعوني على ما أطلبه من إقامة الدين. وقد حضرت لي جوابات في هذا اليوم من أبا بأن منهم جماعة قتلوا سبعة من المسلمين ظلماً وعدواناً. ولكن يا أخي انا لما ألزمت بأمر المهدية، وتحتم علي، ولم اجد منه خلاصاً، كاتبت أهل المكانة وأهل الدين وطلبت منهم إجابة دعوتي، والقيام معي في تأييد أمر المهدية، على حالة مقبولة عند العقلاء. فمنعهم الجاه من اجابة دعوتي، فدعوت هؤلاء الأعراب الأجلاف، فاجابوني في الحال وهاجروا معي في الحال ، فلزمني لهم حق الصحبة القديمة. وجاءت المهدية على هذه الحالة المشوشة عند العقلاء حسب طباعهم وحسب مراد الله فعلى الناس ان يصبروا على جفوتهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا) (مكي شبيكة: السودان في قرن – الطبعة الثانية ص 247). هذا هو رأي المهدي في اتباعه، وتبريره ، لما ذكره ، من تقتيلهم للناس ظلماً، وعدواناً!! ألم يسمع المهدي قوله تعالى (من قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً)؟! فهل رفض العقلاء لدعوته ، مبرر لقبول الجهلاء المعتدين على الابرياء، باسم الدين وباسم المهدية؟! وإذا كان المهدي قد جاء ليملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، ثم يعجز ان يغير أصحابه ، ويطلب من الناس ان يصبروا على جفوتهم ، بدلاً من ان يحملهم هم، على ان يصبروا على أوامر الدين ونواهيه، فهل يمكن ان يكون هذا هو المهدي المنتظر؟! ومادام أهل المكانة والدين، قد رفضوا المهدية ، فلماذا لم يصبر على حوارهم وجدالهم ، بدلاً من التحول السريع ، لمن اسماهم الأجلاف ، وكأن الغاية هي انتشار أمره ، لا ان يكون ذلك الأمر هو الحق؟!
    ومهما يكن من أمر، فان تحقير المهدي لاتباعه، وتصريحه علناً ، بما يقلل من شأنهم ، رغم ما بذلوا في نصرة مهديته ، لا ينسجم مع القامة الدينية السامقة التي ادعاها.. ذلك ان الذين بذلوا حياتهم من اجل أي جماعة، حري بتلك الجماعة ، ان تكرمهم وتقدرهم. ولقد استنكر الناس مؤخراً، رفض السيد أحمد المهدي إمام الأنصار، ان يدفن السيد عبد النبي علي أحمد الأمين العام لحزب الأمة ، رحمه الله، في قبة المهدي، بحجة انه لا يستحق هذا الشرف، رغم بلائه في الحزب وكيان الانصار، لأنه ليس من آل بيت المهدي!! ولكن السيد احمد المهدي، كان فيما ذهب اليه ، متبعاً وليس مبتدعاً ، وقد اعاد سيرة المهدي، في تقييم بعض اتباعه.
    لقد درج كثير من المهتمين بالتاريخ، وتقييم احداثه، على إدانة الخليفة عبد الله التعايشي، وعدم ادانة المهدي. ولعل السبب في ذلك، ان الخليفة واجه مرحلة التطبيق، واقامة الدولة ، التي تظهر فيها الأخطاء ، ويسهل فيها، وقوع المظالم بسبب الخوف على السلطان. أما المهدي، فانه عاش مرحلة الثورة على الظلم، وتحقيق آمال الشعب في هزيمة الأتراك. ولم يعش المهدي بعد فتح الخرطوم، ليمتحن في مجال الحكم والسياسة. ويرى بعض المؤرخين، انه بعد فتح الخرطوم، إكتشف خلل المهدية ، وسأل الله ان يموت، حتى لا يواصل فيها، وكان له ما اراد. جاء عن ذلك (وهناك أخبار وردت عن ثقات عن المهدي يرى فيها ان المهدية وردت على نهج يختلف عما كان يرجوه لها. فقد روى عن الشيخ محمد ود البصير انه قال "ذات يوم بعد فتوح الخرطوم طلبني المهدي نصف النهار وقال لي ان أمر المهدية كان طويلاً ولكن الأخوان غيروا وبدلوا ونحن اخترنا الآخرة فقلت كيف وانك كنت وعدتني بفتوحات كبيرة. فأجاب بأنها كلها نسخت لأنه لا يخفى ان القرآن ينزل من عند الله بواسطة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون فيه الناسخ والمنسوخ) (المصدر السابق ص 247). فان صحت هذه الرواية ، فلا بد ان يكون الخليفة عبد الله التعايشي ، على علم بها، لمكانته المقربة لدى المهدي.. ثم لا بد انه تجاوزها ، ولم يحفل بها ، لانه استمر في استغلال المهدية ، وسعى لنشرها ، فلماذا لم يتخذ المهدي موقفاً أشد صرامة، وشفافية ، في اعلان نسخ مهديته ، بنفس القوة التي أعلنها بها في البداية ، وقاتل عليها الناس؟!
    ومهما يقال عن الروايات العديدة ، التي تسعى لتبرئة المهدي ، او الخليفة ، أو إعذارهما ، فان ما لا شك فيه هو ان حقبة المهدية ، قد كانت فترة سوداء في تاريخنا الحديث. فقد قامت على مفاهيم خاطئة ، ومغلوطة ، تنقصها المعرفة بالدين ، وتوجهها الأطماع السياسية ، التي ادت الى ارتكاب فظائع ومظالم، تستوجب الاستغفار لله ، والاعتذار للشعب السوداني، من جراء ما لحق به من فتنة المهدية. وعلى المؤرخين السودانيين، وكافة المثقفين، ان يقفوا وقفة صادقة، بغرض تصحيح تاريخنا الذي ندرسه لابنائنا، ونشيد فيه بالمهدية، وهو كله محض تزوير، وتلفيق ، لا يليق بأمة تنشد الحرية ، وتسعى لتحقيق الكرامة لافراد شعبها.. وليعلم السيد الصادق المهدي ، بأن محاولات ترقيع اخطائه السياسية العديدة، ومحاولة تلافي سوأة "التراضي الوطني" ، باعادة المهدية من جديد ، لن تفيد.. فأولى من الرجوع للمهدية، الاحتكام للمؤسسية ، والتقيد بالديمقراطية ، فليس في المهدية خير، يمكن ان يقدمه لنا اليوم، فانك لا تجني من الشوك العنب!!
    د. عمر القراي
                  

01-03-2009, 08:30 AM

Saifeldin Gibreel
<aSaifeldin Gibreel
تاريخ التسجيل: 03-25-2004
مجموع المشاركات: 4084

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    الاخ العزيز صلاح كوسى....تحايانا للاخ والصديق دكتور عمر القراي....فلقد اوفى وافاض ولقد قلنا وتطرقنا لهذا الموضوع من قبل وقامت قائمة احبابنا من حزب الامة.... وهذه بمثابة دعوة لمراجعة تاريخنا الذى كتب بغير امانة وصدق.
                  

01-03-2009, 02:48 PM

Salah Musa
<aSalah Musa
تاريخ التسجيل: 03-29-2004
مجموع المشاركات: 891

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Saifeldin Gibreel)

    ألأخ سيف مؤكد دراسة جديرة بالقراءة أسهب وأفاض فيها عمر القراي ورمي سهمه وأصاب في مقتل أتمي أن تجد الأهتمام من أذكياء حزب الأمة بالأخص شبابهم المتعلمين
                  

02-27-2009, 05:48 PM

Seif Elyazal Burae

تاريخ التسجيل: 01-14-2008
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Salah Musa)

    .
                  

02-27-2009, 10:15 PM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8270

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: عودة .. المهدية؟! (Re: Seif Elyazal Burae)

    شكراً، د. صلاح موسى!
    لم انتبه للموضوع إلا قبل قليل.
    والقراي لا ينطق إلا بالحق.
    أرجو أن توالي رفع الخيط.
    وسأفعل أيضاً، متى تيسر لي ذلك.
    تحياتي لإلهام والاسرة
    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de