|
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -7 (Re: Agab Alfaya)
|
نهاية مصطفي سعيد بداية الراوي :
موت مصطفى هو تقدم ماضيه الذي هو تاريخه وتاريخ علاقة وطنه بالاستعمار في اتجاه النور . يتقدم السر في زمن الحاضر ويغزو وعي الراوي كمثقف فيخلخل هذا الوعي الماضوي وهذا الإحساس بالتملك الذي هو تملك وهمي . يفضح هوية الزمن الحاضر من حيث هو تكرار وتماثل بالماضي ويطرح مسألة التملك من جديد.
مع هذه الخلخلة يقترب الراوي داخلياً من مصطفى . يصير مصطفى مرآة لإمكانية فيه ، لا تعود الطفولة هي مرآة الراوي الصافية . مصطفى هو الذي يقدم الانعكاس . يقول الراوي مع تقدمه في معرفة سر مصطفى : " هل كان من المحتمل أن يحدث لي ما حدث لمصطفى سعيد..." ثم يتساءل : " فهل أنا أيضا أكذوبة ؟ " . تسقط الحدود أكثر فأكثر بين الشخصيتين حتى ليلتبس الأمر على القارئ ويسأل : هل الراوي هو مصطفى أو هل أن مصطفى هو الراوي ؟ يحكي الراوي وقد تقدم في قراءة أوراق مصطفى فيقول : " وخرج من الظلام وجه عابس زاما شفتيه اعرفه ولكنني لم أعد أذكره . وخطوت نحوه في حقد . إنه غريمي مصطفى سعيد . صار للوجه رقبة ، وللرقبة كتفان وصدر ثم قامة وساقان . ووجدتني أقف أمام نفسي وجها لوجه . هذا ليس مصطفى سعيد ، أنها صورتي تعبس في وجهي من مرآة " (ص 136) .
بهذا ينبت شعور الغربة عند الراوي من حيث علاقته بوطنه ، ومن حيث أن علاقته هذه هي تملك ماضوي . يصير الراوي آخر ، يصير ما كانه مصطفى . شعور الغربة مصدره العين المبصرة . وعي يكشف الزمن . يكشف بنتين فيه : الماضوية والمستقبلية وبينهما زمن الحاضر الروائي الغريب . غريب ومتخيل . غريب ومحتمل . يقول اراوي من موقع العين المبصرة التي يرى بها الآن (المقطع الثاني من الرواية طبعا) :
" لا مكان لي هنا ، لماذا لا أحزم حقيبتي وأرحل ؟ هؤلاء القوم لا يدهشهم شيء . حسبوا لكل شيء حسابه . لا يفرحون لمولد ولا يحزنون لموت . حين يضحكون يقولون : استغفر الله وحين يبكون يقولون : استغفر الله . لا يقولون : وأنا ماذا تعلمت ؟ تعلموا الصمت والصبر من النهر والشجر . وأنا ماذا تعلمت ؟ " (ص 131)
الراوي يرى الآن إلى قومه محاصرين في ما يقولون ويشعرون . يتراجعون إلى دائرة الاستغفار . الاستغفار استنكاف للقول أو استنكاف ضده . جمود في الزمن أو جمود الزمن في القول . لا سؤال يتقدم بالزمن لا سؤال غير هذا الذي يطرحه الراوي حول ما ظنه ، قبلاً ، تعلماً . الزمن المغلق . الزمن الديني المقدس ، المنتهي سلفا ، اللا تاريخي والمكتفي بذاته ، بماضويته ... يرى إليه الراوي الآن ، أنه غريب عنه تغيرت نظرة الراوي إذا لأهله . اختلف موقفه عن موقفهم في النظر إلى أمور عدة : (فهو يدافع مثلا عن أرملة مصطفى في رفضها الزواج من ود الريس بينما يؤيد أهل القرية هذا الزواج) .
ولكن هل هذه هي الحدود التي تصل إليها الرواية . وهل أن محور تملك الوطن الذي تنمو به رغبة مصطفى يتحدد بزمن وصول وعي مصطفى إلى الراوي ؟ .
لنسمع إلى هذا الذي يقوله الراوي : " أنني ابتدئ حيث انتهى مصطفى سعيد " (ص 125) . النهاية هي بداية وبينهما ينهض انكشاف سر مصطفى ، خروجه إلى النور . بنية وعي تاريخي يتسع حضورها ويستمر . الراوي استمرار لنضال مصطفى ، لصراعه حول موضوع تملك الوطن الذي يطرح :
مسألة الغربة. ومسألة الماضوية. مسألتان ترتبط الواحدة منهما بالأخرى وتلخصان مشكلة تبقى مطروحه في الرواية على الزمن الآتي . مشكلة يلخصها السؤال التالي : كيف يمكن تملك الوطن بوعي تاريخي في إطار العلاقة بالغرب (الاستعمار) وفي إطار العلاقة بالماضي (الأهل) ؟
تنفتح " موسم الهجرة إلى الشمال" على هذا الزمن الآتي في صفحاتها الأخيرة (168- 171) التي اعتبرناها مقطعا ثالثا. تنفتح على هذا الزمن وقد هيأت له في مسارها كله . تنفتح عليه من بنيتها الناهضة بزمنين للسرد فيها ، لكل منهما حيزه المكاني في الرواية وإن تداخلا . زمنان يولدان زمن الرواية المتخيل . فضاءها الواسع والعميق . فضاءها الذي يحتضن الما قبل والما بعد بل الذي هو بنية لهما ومكان نرى الخارج فيه داخلا . أو نرى إلى هذا الخارج من داخل هو المكان الروائي المحدد بالزمن فيه . إن " الكون بماضيه وحاضره ومستقبله اجتمع في نقطة واحدة ليس قبلها ولا بعدها شيء " (ص 167) . هكذا تبدو الأشياء في نهاية المقطع الثاني ، في نهاية زمن الوقائع ، في اللحظة الأخيرة ، التي تسبق الانتقال إلى زمن جديد هو زمن المقطع الثالث . اجتماع الزمن في نقطة واحدة هي آخر عبارة من المقطع الثاني . لحظة الانصهار المشحو بالولادة.
من هذه اللحظة تنفتح الرواية على زمن حاضر روائي آخر ، هو غير زمن الحاضر الروائي في المقطع الأول : زمن له نكهة الآتي . يدخل الراوي ماء النهر عاريا كما ولدته أمه ، وحين يلامس الماء البارد يحس برجفة ، ثم ، وكما يقول ، تحولت الرجفة إلى يقظة " (ص 16 .
تحمل اليقظة شعوراً بالتملك ختلفا . لم يعد التملك زمنا يستمر بالماضي ، لم يعد هجرة من الشرق إلى الغرب ، وصراعا يحمل اليأس والموت . لم يعد استسلاما لمجرى النهر بل غدا اختيار للحياة . يقول الراوي : " طول حياتي لم اختر ولم أقرر . أنني أقرر الآن أنني اختار الحياة " (ص 170) .
اليقظة حالة صفاء ذهني يصل إليها الراوي . مقدرة على الرؤية الواضحة والاختيار . يصل الراوي إلى ذلك بعد خلخلة علاقته بالماضي ، كتكرار وتماثل ، وبعد دخوله في زمن تاريخي هو زمن مصطفى الذي حكاه الزمن الوقائعي في الرواية. زمن التغير والسؤال عن هوية العلاقة بالغرب والبحث عن السياسي وتحصيل الثقافة علما ومعرفة . بمعنى التملك الحقيقي للوطن . يصل الراوي إلى اختياره بعد أن تمكن من رؤية " تباشير الفجر " تلوح في الشرق (ص 16 وبعد أن رأى أن " الهدف" أمامه لا تحته (الأمام مسافة في الزمن وإن اشترطت المكان) . وبعد أن أقام الفارق بين الهجرة والرحلة . (الهجرة تغليب لطابع المكان – الرحلة تغليب لطابع الزمان ) .
يحدد الراوي علاقته بالنهر . يستجمع قواه في نهاية الرواية ، ويحتفظ بقامته فوق الماء . وهو في كل ذلك يتطلع إلى الحياة ويشعر بصعوبة مقاومة التيار . ربما كان صراخه الذي يطلب النجدة ، والذي هو الكلام الأخير في الرواية ، هو صراخ الفرد للجماعة كي لا يبقى وحيدا ، وكي يكون أكثر قدرة على مقاومة التيار الذي يشده إلى القاع . ربما كان الراوي وجها لمصطفى يطل على الآتي بصرخته (الصراخ يستطيعه الجميع) وقد أطل عليه مصطفى بمدوناته ! (والتدوين لا تستطيعه إلا الأقلية) .
جدول بالمكان المرئي من قبل الراوي :
الصفحة المكان ما يخصص المكان 5 غرفة في البيت في السودان الفراش . الجردان 6 البيت في السودان مجلس الأهل. 8/9 الطبيعة في السودان السواقي . طلمبات الماء على النيل. 49 النيل الحقول . البيوت . الشاطء . القوارب . دار مصطفى. 50 الشوارع في البلد في السودان قناديل الذرة . أشجار الليمون. 51 بيت ود الريس الطاقة الصغيرة. مكنات الماء. 52 القرية الرمل 53 الخرطوم مصلحة المعارف. 58 خزان سنار مرور القطار به. 65 البوادي الظمأ. العرق . مُغني الركب . حلقات الرقص. 66 النهر (في السودان) طيور بيضاء . سواقي . الشاطئ . مكنة ماء . الباخرة.... 67 الطريق إلى الحي الحمارة السوداء... 68 بيوت من الطوب . اللوري . ضفة النيل.
73 بيوت القرية من الطوب والطين . البرسيم والعلف . الطيور. الحيوانات. طقطقة مكنة الماء... 74/75 دار الجد الباب الضخم . الأسرة الوطنية. فناء الدار . غرف . نوافذ... 91 بيت مصطفى الحوش الكبير . المصطبة أمام الديوان. الغرفة المستطيلة. 108 الطريق الصحراوي أشواك . الظل الساخن. 118 النهر الباخرة . الشاطئ . القوارب. 119 الخرطوم أخبار الفضائح والرشاوي وفساد الحكام. 120/121 قاعة الاستقلال في الخرطوم الرخام . الزجاج الملون. شمعدانات. خشب الأبنو. لوحات.
= نلاحظ من هذا الرصد أن المكان الذي يصفه الراوي يخص السودان وأن لا حضور للغرب أو للندن كمكان أمضى فيه 7 سنوات."
- انتهي .
_______
* هذا الجدول لم يظهر هنا كما يجب .
نهاية الدراسة - انظر الهوامش
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:22 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -2 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:26 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -3 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:30 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -4 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:35 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -5 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:39 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -6 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:42 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -7 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:48 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -7 | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:48 AM |
Re: الهوامش | Agab Alfaya | 02-11-05, 09:50 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | kamalabas | 02-11-05, 09:53 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | Agab Alfaya | 02-11-05, 08:22 PM |
Re: يمني العيد في سطور | Agab Alfaya | 02-11-05, 08:19 PM |
Re: منظور التملك للوطن | Agab Alfaya | 02-12-05, 06:41 PM |
Re: الراوي شخصية مركزية | Agab Alfaya | 02-13-05, 10:08 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | kamalabas | 02-12-05, 07:47 PM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | عبداللطيف خليل محمد على | 02-13-05, 00:15 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | Agab Alfaya | 02-13-05, 10:14 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | Agab Alfaya | 02-13-05, 10:13 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | انور الطيب | 02-13-05, 10:48 AM |
Re: نص دراسة يمني العيد : زمن السرد الروائي في انتاجه دلالات التملك للوطن في موسم الهجرة -1 | Agab Alfaya | 02-13-05, 05:43 PM |
Re: سنة ولادة مصطفي سعيد سنة الغزو الانجليزي للسودان ! | Agab Alfaya | 02-13-05, 11:59 AM |
Re: سنة ولادة مصطفي سعيد سنة الغزو الانجليزي للسودان ! | Agab Alfaya | 02-13-05, 12:00 PM |
Re: رمزية الجد في تملك الوطن | Agab Alfaya | 02-13-05, 12:17 PM |
Re: رمزية الجد في تملك الوطن | munswor almophtah | 02-13-05, 12:49 PM |
Re: رمزية الجد في تملك الوطن | Agab Alfaya | 02-14-05, 08:48 AM |
Re: الخطا في الفهم! | Agab Alfaya | 02-13-05, 08:09 PM |
Re: الخطا في الفهم! | Agab Alfaya | 02-13-05, 09:17 PM |
Re: اقرا! فانت لم تقرأ موسم الهجرة !! | Agab Alfaya | 02-14-05, 09:02 PM |
Re: اقرا! فانت لم تقرأ موسم الهجرة !! | Agab Alfaya | 02-15-05, 09:48 AM |
Re: لمزيد من النقاش والاطلاع | Agab Alfaya | 03-27-05, 08:55 AM |
|
|
|