على ابو سن....ومصطفى سعيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 04:41 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد المنعم عجب الفيا(agab Alfaya & عجب الفيا )
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-08-2003, 06:03 AM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
على ابو سن....ومصطفى سعيد



    على أبو سن .. ومصطفى سعيد
    في ( المجذوب .. والذكريات


    على أبو عاقلة أبو سن ، من آل أبو سن زعماء قبيلة الشكرية المعروفين . عمل مذيعا بالقسم العربي بإذاعة لندن في أواخر الخمسينات ثم ألتحق بوزارة الخارجية للعمل دبلوماسيا في الستينات حتى أعفى من منصبه في أول عهد نميري وبعدها عمل بالمصرف العربي بالخرطوم ثم بالجامعة العربية . لم يكن لي سابق معرفة بعلي أبو سن ولم أشاهده إلا مرة واحدة في إحدى الندوات بدار أساتذة جامعة الخرطوم عقب انتفاضة أبريل 1985م فقد كان من الناشطين في تلك الفترة .

    أذكر عندما نزلت بأرض مصر في ربيع 1999م وجدت السودانيين يتحدثون عن كتاب " المجذوب .. والذكريات " ورسائل المجذوب إلى ديزي الامير وغادة السمان . وكان على أبو سن قد نشر كتاب " المجذوب .. والذكريات " في جزأين سنة 1997م وقد طبع الكتاب ونشر على نفقة المؤلف ولعله لهذا السبب لم يوزع على نطاق واسع . ولكنه كتاب شيق وقيم ومثير للجدل ولا أظن أنني قرأت كتابا لكاتب سوداني في السيرة الذاتية يضارع هذا الكتاب متعة وتشويقا وإثارة . وأظن أن هذا الكتاب سيفجر جدلا لا ينتهي . وسيظل مدار حديث الناس لأمد طويل . ولا عجب فالكاتب أديب ودبلوماسي وسياسي وإذا اجتمعت هذه الصفات الثلاث في كاتب ، فما يكتبه لا يكون إلا مثارا للمتعة والإثارة والتشويق . ولعل الأسلوب ذو النفس الروائي الذي اتبعه علي أبو سن في الكتابة يعد عنصرا مهما من عناصر المتعة والتشويق .

    أما عنصر الإثارة في الكتاب فيأتي من الصراحة التي تصل إلى حد التجريح والحديث عن الذات باعتداد وثقة غير مألوفة والكشف عن جوانب لم تكن معروفة في حياة المشاهير من رموز التاريخ والسياسة والأدب والفن مثل السيد الحسن وبابكر عوض الله والأزهري وجمال عبد الناصر وعوض الكريم أبو سن ومالك بن نبي ومنصور خالد وعمر مصطفى المكي والطيب صالح وغادة السمان وحسن الكرمي وليلي طنوس وأحمد قباني والجاغريو وأعضاء لجنة النصوص بالإذاعة السودانية الذين كان عضوا معهم هو والمجذوب مـن أمثـال حسـن نجيلـة والعبـادي وعبيـد عبـد الرحمن وغير هؤلاء .

    وأظن أن هذه الجرأة وهذه الصراحة المتناهية في الحديث عن الذات والآخرين هي الثغرة التي ستنفذ منها سهام النقد والهجوم على الكاتب إذ كثيرا ما يقف القارئ وهو يطالع الكتاب ليسأل نفسه عما إذا كان الكاتب محقا في الحديث بكل هذه الصراحة عن شخصية من الشخصيات ويزداد التساؤل إلحاحــــا عندمــا يطالــع

    رسائل المجذوب إلى روزماري تلك الفتاة الإنجليزية التي لم يرها المجذوب ومع ذلك يقع في حبها ويتبادل معها الرسائل في وجد صوفي غير عادي . وبالرغم من القيمة الأدبية لهذه الرسائل التي تكشف سعة إطلاع المجذوب على الفلسفة والأدب الغربي وتملكه لناصية اللغة الإنجليزية إلا أن شبح التساؤل حول أحقية الكاتب في نشر هذه الرسائل يظل منتصبا أما القارئ أثناء القراءة وبعد الفراغ منها .

    ولعل جرأة الكاتب في نشر رسائل المجذوب إلي روزماري هي التي دفعت برجاء النقاش إلى الكشف عن رسائل المجذوب إلى الكاتبة ديزي الامير . كما شجع غادة السمان علي التصريح ببعض مراسلاتها مع المجذوب .
    ولعل أكثر فصول الكتاب تشويقا وإثارة للجدل الفصل الذي يتحدث فيه عن ذكرياته مع الطيب صالح في لندن وعلاقته بمصطفى سعيد كشخص حقيقي ربطته به علاقة صداقة وزمالة أثناء عمله كمذيع بهيئة الإذاعة البريطانية ال بي بي سي . وتارات أخري كثيرة يتحدث عن نفسه وعن علاقاته بالمجتمع الإنجليزي ونسائه وكأنه مصطفى سعيد الذي جاء وصفه في الرواية بل أنه يشير صراحة إلى أن الطيب صالح أتخذ من علاقاته النسائية مادة لصياغة بعض ملامح سيرة مصطفى سعيد بطل رواية موسم الهجرة ، يقول : " .. أصبح الطيب صالح يتصيد قصص مغامراتنا – أحمد قباني وأنا – ويطلب منا أن نحكي تفاصيلها له يوميا بطريقة مملة وكأنه يكتب مذكرات عنها " ويواصل قائلا " كان ينظر إلينا باعتبارنا وجهين لعملة واحدة فنشأت في ذهنه رؤية روائية لنا " .. طبعا العبارة الأخيرة ( رؤية روائيـة ) هي بيت القصيد ..

    وكان على أبو سن قد ألتحق بالعمل مذيعا بهيئة الإذاعة البريطانية سنة 1959 حيث التقى بالطيب صالح الذي سبقه للعمل هنالك بقسم الدراما بالإذاعة مند سـنة 1953 . وبعد فترة انضم إليهما المذيع السوداني اللامع في زمانه أحمد قباني وكان الشاعر والإذاعي صلاح أحمد محمد صالح قد سبقهم جميعا إلى هنالك . وقد وصف الطيب صالح على أبو سن في إحدى خواطره التي كان يكتبها بالصفحة الأخيرة بمجلة " المجلة " بقوله : " .. من أرومة باسقة في السودان . متوقد الذهن ، كان يقرأ نشرة الأخبار وكأنه يتفضل بها على الإنجليز . " وفي كتاب .. ( على الدرب .. ملامح من سيرة ذاتية ) يقول الطيب صالح عن علي أبو سن : " عمل معنا فترة في ال بي بي سي وهو أديب مرهف الحس ، وراوية للشعر إلى جانب ذكاء شديد ودقة ملحوظة وهو من أوائل من اطلعوا على محاولاتي القصصية . "


    وفي هذا السياق يذكر على أبو سن أن الطيب صالح قال له ذات مرة أنه كتب قصة قصيرة ويريد رأيه فيها . كان ذلك سنة 1961 وكانت القصة هي ( دومة ود حامد ) أعجبته القصة وطلب من الطيب صالح نشرها لكنه رفض فكرة النشر وحاول نزع الورقة من يد علي أبو سن ، ولكن أبو سن رفض إعادة القصة إليه إلا إذا وافق على نشرها ، وبعد ثلاثة أيام جاءه الطيب صالح ضاحكا وقال : " يا سيدي خلاص أنا وافقت لكين منو البينشرها لينا ؟ "

    ونشرت القصة أول ما نشرت في العدد الأول من مجلة " حوار " وبعد فترة من نشرها وصل خطاب من جمال محمد أحمد وكان وقتها سفيرا في أديس أبابا يقول له فيه : " قل للطيب صالح أن قصته أعجبتني بقدر ما غاظتي " فأنبسط الطيب صالح لرأي جمال وأطمئن لموهبته القصصية وقال لعلي أبو سن الآن أستطيع أن أواصل الكتابة ونشر ما أكتب . وقد أكد الطيب صالح هذه الرواية في مقاله في تأبين جمال محمد أحمد . نشرت بكتاب ( في سيرة جمال ، كاتب سرة شرق . )

    ولكن ما هي العلاقة بين مصطفي سعيد بطل رواية موسم الهجرة إلى الشمال وبين علي أبو سن صاحب كتاب ( المجذوب .. والذكريات ) ، هل حقا أفاد الطيب صالح في رسم شخصية بطله من حكايات علي أبو سن في المجتمع الإنجليزي ؟ أو بعبارة أخرى هل يجوز لنا نظريا ومن حيث المبدأ القول بأن هذه الشخصية الروائية أو تلك فيها شئ من الواقع ؟

    للإجابة على هذه التساؤلات لابد من الحديث أولا عن العلاقة بين الفن والواقـع . الفن القصصي والروائي تحديدا . لا جدال أن الواقع الذي يحياه الناس في مختلف بيئاتهم وأوضاعهم الاجتماعية وطرائق تفكيرهم هو المادة الخام التي يستمد منها الفنان عالمه القصصي والروائي هذا الواقع بالنسبة للقاص كالحجر بالنسبة للنحات واللون بالنسبة للرسام . قد يلتقي العالم القصصي والروائي الذي يخلقه الفنان مع الواقع هنا وهنالك وقد يتقاطع معه في أغلب الأحيان وذلك حسـب ( الرؤيـة الفنيـة ) للكاتب .

    وقد عبر الطيب صالح عن رؤيته لطبيعة العلاقة بين الواقع والفن تعبيرا رائعا حينما علق على رواية ( عرس الزين ) بقوله أن الغرض من كتابة الرواية أصلا هو أن يرد الجميل لمجتمع قريته الذي أحبه .. " الغرض الاحتفاء بمجتمع أعرفه وعشت فيه . الشخصيات فيه أهلي كما عرفتهم إلى حد كبير . بيد أن في العمل طبعا عنصر الفن المتعمد ، أي الدفع بالشخصية إلة أقصى مدى ممكن ، أقصى حدود تحملها . "
    هنا يقرر الطيب صالح أنه يستمد رسم شخصيات رواياته من صور الناس الذين عرفهم وعاش معهم لكنه يضيف عبارة في غاية الأهمية تلخص القضية كلها وهي عبارة ( الفن المتعمد ) أي الدفع بالشخصية الواقعية إلى أقصى مدى ممكن . وهذا ما يطلق عليه النقاد ( الرؤية الفنية ) وهي التي ترسم الحد الفاصل بين الشخصية في الرواية والشخصية في الواقع . عليه يمكن من حيث المبدأ ومن الناحية النظرية وصف شخصية روائية ما بأنها فيها شئ من الواقع مع الأخذ في الحسبان مسألة ( الفن المتعمد ) والدفع بالشخصية إلى أقصى مدى ممكن التي أشار إليها الطيب صالح . فكأنما علي أبو سن عندما وصف الطيب صالح بقوله : " فنشأت في ذهنه رؤية روائية لنا " كان مدركا لطبيعة العلاقة بين الواقع والفن ، بين مصطفى سعيد خارج الرواية ومصطفى سعيد داخل الرواية .

    ولقد عبر الطيب صالح في كتاب ( على الدرب .. ملامح من سيرة ذاتية ) عن فلسفته في الكتابة الروائية بقوله : " تجدني دائما أقول أنني أعتمد على أنصاف الحقائق والأحداث التي يكون جزء منها صحيحا والآخر مبهمـا .. هـذا يلائمنـي تمامـا .. بمعنى آخر يكفيني جملة سمعتها عرضا في الشارع لأستوحي منها فكرة للكتابة ، ليس بالضرورة أن أجلس مع صاحب الجملة لأستمع إلى قصة كاملة … تكفي جملة واحدة أسمعها وأنا في الطريق ، فقد تثيـر فـي نفسـي أصـداء لا حـدود لهـا " .

    حديث الطيب صالح هذا عن اعتماده على أنصاف الحقائق والأحداث في الكتابة الروائية كأنما يعزز حديث علي أبو سن عن تصيد الطيب صالح لقصص مغامراتهما النسائية وهو وأحمد قباني وإصراره على أن تحكى له تفاصيلها وكأنه يكتب عنها مذكرات حتى " نشأت في ذهنه رؤية روائية " لهما ..

    أذكر أنني نشرت مقالا قبل فترة عن تداخلات سيرة الطيب صالح الذاتية وشخصية بطل ( موسم الهجرة إلى الشمال ) مصطفى سعيد ، اعتمدت فيه على ما ذكره الطيب عن نفسه من سيرة في كتاب ( على الدرب ) وخلصت فيه إلى أن الطيب أضفى بعض من ميوله الفكرية والأدبية على شخصية بطله مصطفى سعيد مثل ميوله إلى الاشتراكية الفابية ودراسته الاقتصاد بالمدرسة التي أنشأها حزب العمال وانضمامه إلى أحد أندية الكويكرز وحبه لشعر ألي نواس ومسرح شكسبير . فإذا كان الطيب صالح قد استمد بعض ميول مصطفى سعيد الفكرية والأدبية من تجاربه وميوله الشخصية فهل استمد مغامراته وغزواته النسائية من حكايات ومغامرات علي أبو سن التي كان يلح في الاستماع إليها ؟ هل كانت هذه الحكايات والمغامرات تمثل أنصاف الحقائق والأحداث التي صاغ منها جزء من شخصية مصطفى سعيد ؟ ا

    يروى صاحب ( المجذوب .. والذكريات ) الكثير من التجارب والأحداث التي حدثت له في لندن والتي تشبه إلى حد كبير تلك التي حدثت لمصطفى سعيد في رواية موسم الهجرة إلى الشمال . حتى قصص الانتحار التي تسبب فيها مصطفى سعيد لثلاث فتيات في موسم الهجرة يحدث بعضها لعلي أبو سن مع صديقته سو دينزديل والتي يقول عنها : " سو المرأة الجميلة بنت التاسعة عشرة ، لدهشتي ، لم تعرف في حياتها رجلا غيري ، التي قاتلت من أجلي ، تنتحر ؟؟ "

    حدث ذلك عقب عودة الكاتب إلى الخرطوم سنة 1963 للالتحاق بالخارجية وكان قد وعد صديقته سو أنه سوف يعود إلى لندن بعد أسابيع قليلة ولما تأخر وصلته برقية من صديقة عربية في ال بي بي سي تقول فيها أن " سو " ترقد في المستشفي في حالة خطرة أنها حاولت الانتحار ، ويقول أن قصة محاولة انتحار سو أصبحت حديث ال بي بي سي لفترة طويلة وقد نسجت حول علاقته بها قصص كثيرة .

    ومن المواقف المثيرة التي يرويها الكاتب عن علاقته بسو ، أنه عندما هجرها مرة في صيف عام 1962 خوفا من جنون إلحاحها على الزواج منه مرضت وغابت عن العمل . وذات يوم فوجئ بوالديها يطرقان باب شقته ويطلبان منه العودة إلى سو ، قالت له والدتها : " لقد وافقنا أن تعود إليك سو ، أرجوك أعتني بها . إنها طفلتنا الوحيدة ، لقد حاولنا فعلا إبعادها عنك ولم ننجح ، وهي الآن مريضة جدا ونحن قلقون عليها جدا . أرجوك أعتن بها " . " .. ولم ينبس الرجل المهيب ، مدير دار ماكميلان بكلمة ا استدارا وغادرا ولمرة واحدة التفتت الأم وابتسمت لي بعينين باكيتين " .

    أن موقف والدي سو مع الكاتب يذكرنا بذلك العطف المسيحي الذي قوبل به مصطفى سعيد بطل الرواية من المجتمع الإنجليزي رغم اتهامه بالتسبب في انتحار ثلاث نساء وقتل امرأة . فزوج ايزابيلا سيمور جاء إلى المحكمة شاهد دفاع لا اتهام : " كان رجلا نبيل الملامح والخطو ، رأسه الأشيب يكلله الوقار ، وتجلس على سمته مهابة لا مراء فيها . قال في الصمت الذي خيم على المحكمة . الإنصاف يحتم على أن أقول أن ايزابيلا زوجتي كانت تعلم أنها مريضة بالسرطان كانت في الآونة الأخيرة قبل موتها تعاني من حالات انقباض حادة ، قبل موتها بأيام اعترفت لي بعلاقتها بالمتهم قالت إنها أحبته وأنه لا حيلة لها ، كانت طول حياتها معي مثال الزوجة الوفية المخلصة وأنا بالرغم من كل شئ لا أحس بأي مرارة في نفسي ، لا نحوها ولا نحو المتهم إنني فقط أحس بحزن عميق لفقدها " .

    وبالرغم من أن الكاتب تخذله صراحته أحيانا فيستعمل ضمير الغائب في الإشارة إلى مصطفى سعيد بحسبانه صديقا أو زميلا له حتى يخيل إليك أنه يقصد بذلك أحمد قباني إلا أنه لدى التدقيق يتكشف لك أن مصطفى سعيد المقصود هو الكاتب نفسه ولا أحد سواه ، فالكاتب ينسب وقائع معينة إلى مصطفى سعيد ثم ينسى أنه سبق أن نسب ذات الوقائع إلى نفسه ، كقصة البارونة التي استأجر منها شقة في منطقة وست همستيد والتي أصر المجذوب على زيارتها عندما زار لندن سنة 1968 لارتباطها بحديث الذكريات . وقصة الفتاة انجيلا التي ورد ذكرها في سياق قصة البارونة باعتبارها صديقة لمصطفى سعيد مع أنه سبـق أن أشـار إليهـا كصديقة لــه و كمثال على المكانة الاجتماعية السامية ( الأرستقراطية ) لصديقاته من ذوات العيون الخضر .

    وإذا كانت قصة محاولة انتحار صديقة الكاتب سو دينزديل تنطوي على الإشارة إلى قصص انتحار صديقات مصطفى سعيد بطل رواية الطيب صالح فإن حكاية إحدى صديقات الكاتب التي تطلب منه أن يقتلها بالسكين لتفنى فيه ولتصعد إلى السماء في ذلك الجو السحري المضمخ برائحة البخور والصندل والدلكة ، يتماثل مع مشهد محوري من مشاهد ( موسم الهجرة إلى الشمال ) إلا وهو مشهد ليلة مقتل جيـن مورس على يد مصطفى سعيد . يقول صاحب " المجـذوب .. والذكريـات " : " .. أما الجانب الآخر من حكاية غادة السمان فهو حكايتها مع الصديق الزميل مصطفى سـعيد فإذا كانت قد رأت لون يدي كعود صندل أشعلت فيه النار فقد قررت صديقة لها أن تطلب الفناء في مصطفى سعيد . طلبت فيها منه أن يشعل النار فيها بالسكين ا طلبت منه أن يقتلها ا كان ذلك في ليلة عاصفة اختلط فيها عصير العنب بقصائد نزار قباني .. حبلي ، القصيدة الشريرة ، رسائل لم تكتب لها ، أوعية الصديد ا حينما أكتشف نزوع غادة وصديقتها إلى ال EXOTIC أعد لها سهرة سودانية أصيلة بالبخور والصندل والدلكة وبعض الديكور السوداني . ظنتهما أول الأمر طقوس ممارسة السحر كما في أوربا وأمريكا . لم تكن هي وحدها التي اكتشفت أن ذلك هو السحر بعينه ، هو أيضا اكتشف ذلك لأول مرة . وحينما سألها مصطفى سعيد لماذ1 تصر على أن تموت في ذلك الحال بالذات ، قالت أنها تريد أن تصعد إلى السماء مع دخان الصندل وصوت فيروز " .

    امتزاج الحب واللذة بالموت والألم هو ما يوحد بين مشهد علي أبو سن وصديقته ، ومشهد مقتل مصطفى سعيد لجين مورس . يصف الطيب صالح المشهد على لسان بطله بقوله : " .. وضعت الخنجر بين نهديها وشبكت هي رجليها حول ظهري .. ضغطت ببطء ببطء .. قالت بألم : يا حبيبي ، ظننت أنك لن تفعل هذا أبدا وضغطت الخنجر بصدري حتى غاب كله بين النهدين . أحسست بدمها الحار ينفجر من صدرها . أخذت ادعك صدرها بصدري وهي تصرخ متوسلة : تعال معي ، لا

    تدعني أذهب وحدي .. قالت أحبك وقلت لها أحبك ونحن شعلة من اللهب ، حواف الفراش السنة من نيران الجحيم ورائحة الدخان أشمه بأنفي وهي تقول لي : أحبك يا حبيبي ، وأنا أقول لها أحبك يا حبيبتي ، والكون بماضيه وحاضره ومستقبله اجتمع في نقطة واحدة ليس قبلها ولا بعدها شئ " .

    وفي إشارة إلى هذا المشهد قال الطيب صالح أنه عندما كان يكتب موسم الهجرة إلى الشمال كان واقعا تحت تأثير فرويد . فالبنسبة إلى فرويد ، كما يقول ، الصراع في الحياة يقوم بين ايروس ( الحب ) وثاناتوس ( الموت ) ولعل هذا الصراع لا ينتهي إلا لحظة التقاء الايروس والثاناتوس وامتزاجهما معا حيث السعادة الكاملة واللذة الكاملة وهو ما تمنته كل من صديقة علي أبو سن عندما طلبت الفناء فيه وجين مورس التي لم تحس بالحب الحقيقي لمصطفى سعيد إلا لحظة قتله لها . ولكن مأساة الوجود تكمن في أن لحظة انحلال الصراع بين الحياة والموت ، لحظة امتزاج اللذة بالألم هي لحظة انتهاء الحياة ذاتها في هذا العالم .

    وذات الرغبة ، رغبة الفناء بنار الحب كانت قد تمنتها ايزابيلا سيمور في لحظة من لحظات النشوة النادرة التي جمعتها بمصطفى سعيد قائلة : " أنت إلهي ولا إله غيرك ، أحرقني في نار معبدك أيها الإله الأسود ، اقتلني أيها الغول الأفريقي . دعني أتلوى في طقوس صلواتك العربيدة المهيجة " . وهذه الطقوس التي ظنتها صديقات صاحب " المجذوب والذكريات " سحر وظنتها صديقات مصطفى سعيد في " موسم الهجرة إلى الشمال " بأنها صلوات ما هي إلا بخور الصندل والند والدلكة وبعض الديكور السوداني .

    وعن حكاية الديكور السوداني هذه يقول الطيب صالح على لسان بطله واصفا ديكور غرفته بلندن : " … الصندل والند وريش النعام وتماثيل العاج والأبنوس والصور والرسوم لغابات النخل على شطآن النيل ،أشجار التبلدي في كردفان وفتيات عاريات من قبائل الزاندي والنوير والشلك ، المعابد القديمة في منطقة النوبة .. السجاجيد العجمية والستائر الوردية " .. نفس الأساليب والحيل للإيقاع بالفريسة . " .. شيلا غرينود .. دوختها رائحة الصندل المحروق والند .. كانت تبتسم في الصورة وفي جيدها عقد من العاج … كانت تقول له : أمي ستجن وأبي سيقتلني إذا علما أنني أحب رجلا أسود ولكني لا أبالي . كانت تقول له أروع لونك الأسود ، لون السحر والغموض والأعمال الفاضحة … "

    ولا يتردد صاحب " المجذوب والذكريات " في الحديث عن افتنان النساء بوسامته وجاذبيته والمعاملة الخاصة التي كان يعامله بها الإنجليز حتى أطلق عليه زملاءه في ال بي بي سي THE HAPPIEST FOREIGNER IN ENGLAND ، وفي إشارة إلى ذلك النجاح الذي أصابه في إنجلترا يقول إن العبارة المفضلة للطيب صالح عندما يتحدث عنه أمام الآخرين كانت : " نحن في السودان نصدر ثلاثة أشياء … القطن ، والصمغ العربي ، وعلى أبو سن … "

    كانت صديقاته كلهن من الطبقة الأرستقراطية … سو دينزديل ، أبوها مدير دار ماكميلان ومن أقرباء هارولد ماكميلان رئيس وزراء بريطانيا ، انجيلا كلارك ، والدها مدير أحد البنوك الكبرى والتي دعته ذات مرة إلى حفل أقامه والدها في ناد خاص لم يكن في ذلك الحفل أجنبي واحد غيره . هذه القصة التي رسمها الكاتب لقصة نجاحه في المجتمع الإنجليزي تستدعى إلى الذاكرة المكانة التي حظي بها مصطفى سعيد في رواية الطيب صالح في ذلك المجتمع ، : " .. يظهر أنه كان زير نساء ، خلق لنفسه أسطورة من نوع ما .. الرجل الأسود الوسيم المدلل . كما كان يبدو واجهة يعرضها أفراد الطبقة الأرستقراطية الذين كانوا يتظاهرون بالتحرر ، يقل أنه كان صديقا للورد فلان كان أيضا من الأثيرين لدي اليسار الإنجليزي … ".

    ولعل قصة الكاتب مع تلك الممثلة الهندية واحدة من نوع تلك الأساطير النسائية التي خلقها مصطفى سعيد أو قل علي أبو سن ، لنفسه . جاءت تلك الممثلة الفاتنة في زيارة إلى البي بي سي تحفها حاشية من الحرس كأنها ملكة ، لم تسلم على أحد ولم تلتفت ولكنها لمحت ( مصطفى سعيد ) توقفت والتفتت ناحيته وألقت إليه بالتحية ودخلت في حديث معه ثم أخرجت قلما من حقيبتها وكتبت عنوانه ، وبعد فترة فوجئ بها تزوره في شقته في وست هامستد ، رحب بها وأكرمها ، راودها فلم تستجب ، وعندما سألها عن سبب زيارتها إليه أجابت : " أردت فقط أن أعرف ما هو هــذا السـر الـذي فيـك والـذي يجعـل جميـع الفتيـات فـي البـي بـي سـي يتحدثـن عنـك " .

    ولكن رغم هذا النجاح الخرافي الذي أصابه علي أبو سن في لندن إلا أنه يقول كان يخشى من الذوبان الكامل في المجتمع الإنجليزي فبدأت تراوده فكرة العودة إلى السودان . وحاول مرات كثيرة أن يقنع الطيب صالح بفكرة العودة إلا أن الطيب كان يتهرب من مناقشة موضوع العودة ويغير مجرى الحديث ليطلب من علي أبو سن أن يحكى له قصص غزواته النسائية ثم يقول له ضاحكا : " أنت هنا تعيش في مملكتك ، أنت ملك وليس هناك ملك مثلك " . ويقول أن فكر العودة إلى السودان ظلت تلح عليه حتى جمعته الصدفة ذات مرة هو والطيب صالح بذلك المذيع الباكستاني العجوز عندما ذهبنا لتناول الغداء بنادي الإذاعة والتفت المذيع اللامع ناحية علي أبو سن وقال له في حضور الطيب صالح : " .. إنني أشاهدك كل يوم محاطا بالمعجبات والمعجبين ، يشعرونك الآن بأنك واحد منهم ، وأنت تشعر أنك واحد منهم ، أنت الآن سادر فــــــي أوهامك كما سدرت أنا في أوهامي في سنوات الأولى هنا ، ولكن ستصحو بعد فوات الأوان كما صحوت أنا وستحاول الانتماء إلى بلدك من جديد ولن تستطيع سيكون العمر قد مضى وتكون أيام الحب والمتعة قد تولت فتواجه وحدتك وتبحث عن انتمائك فلا تجده . إنني اسمع كل يوم ما يقال عنك ، الجميع ، كل النساء في البوش هاوس يحاولن الاقتراب منك وكثير من الرجال يصادقونك ليقتربوا من النسـاء ، أنا أعرف هذه التجربة جيدا ، أنني أحذرك من المصير الذي ينتظرك . أدرك نفسك وانج بها قبل فوات الأوان " .

    ويبدو أن هذه الموعظة قد تركت أثرها على الفور في نفس علي أبو سن فغادر لندن سنة 1963 للالتحاق بوزارة الخارجية ولكنه عاد إلى لندن مرة أخرى كدبلوماسي .

    وفي ختام حديث ذكرياته مع الطيب صالح لا يخفي الكاتب عتابه الملطف للطيب صالح بسبب تكتمه الشديد على هذه الذكريات وتجنبه الحديث عنها ويقول أن هذه الذكريات قد صارت " تابو " بقرار صامت من الطيب صالح . فبالرغم من أنهما ظلا يلتقيان باستمرار وفي أماكن مختلفة حتى لحظة صدور كتاب المجذوب والذكريات إلا أنه يقول أن الطيب صالح لم يحدث أن أثار حديث الذكريات قط وقاوم هو رغبته في الحديث عنها كلما التقيا احتراما لرغبة الطيب صالح وحتى يرى إلى أي مدى سيذهب الطيب صالح في تجنب الإشارة إليها ولكنه يقول قد ذهب بعيدا جدا حتى الآن .

    مرتان فقط يقول أن الطيب صالح أشار فيهما إلى تلك الذكريات أو بالأحرى إلى علاقة علي أبو سن بمصطفى سعيد ، المرة الأولى عندما أشرف علي أبو سن على ترجمة موسم الهجرة إلى الشمال إلى الفرنسية حينما كان يعمل في باريس في السبعينات وقام بإرسال نسخا منها إلى الطيب صالح فأعاد إليه الطيب نسخة منها وعليها إهداء يقول : " إلى الأخ علي … فهو أحق الناس بهذا الكتاب " .

    والمرة الثانية كانت دعابة من دعابات الطيب صالح حيث دعاه ذات مرة إلى حفل عشاء أقامه على شرفه بالقاهرة عدد من ممثلي السينما المصرية الذين كانوا يحضرون إلى القسم العربي بإذاعة لندن وربطتهم علاقة مودة عميقة بالطيب صالح . يقول بينما كان عزت العلايلي منهمكا في محاولة إقناع الطيب صالح بأنه مصر على أن يلعب دور مصطفى سعيد في موسم الهجرة دخلت الممثلة ماجدة الخطيب وهجمت على الطيب صالح في عتاب غاضب ، كيف يهملها ولا يتصل بها وهو في
    القاهرة ، حاول أن يرد وهي لا تسمح له بكلمة . كيف يخرج من هذا المطب ؟ فجأة نظر ناحية علي أبو سن وإذ به يقول لها : " هنالك مفاجأة يا ماجدة اسمحي لي أن أقدم إليك هذا الشخص . أنت عارفة دا مين ؟ صمتت . كرر مرة ثانية .. أنت عارفة دا مين ؟ قالت : لا قال دا مصطفى سعيد الأصلي " ….

    ومهما يكن مصطفى سعيد الأصلي ومهما تكن المصادر الواقعية التي استلهم منها الطيب صالح تصوير عوالم موسم الهجرة إلى الشمال ستظل هذه الرواية فريدة في تاريخ الرواية العربية والعالمية . وستظل شخصية بطلها مصطفى سعيد علامة من علامات عبقرية الطيب الروائية . فقد نجح في أن يخلق من هذه الشخصية شخصية أدبية خالدة تقف جنبا إلى جنب مع الشخصيات الأدبية الأكثر شهرة في تاريخ الأدب العالمي مثل : أوديب و هاملت وعطيل ودون جوان ودون كيخوت وفاوست وغيرها . وقد كانت هذه الشخصية وسوف تظل بغموضها الساحر وتركيبها المعقد مثار التفسيرات والتأويلات المختلفة إلى ما شاء الله .

    أما كتاب المجذوب والذكريات فسيظل علامة فارقة في سجل كتابة السيرة الذاتية . فقد استطاع هذا الكتاب أن يتجاوز حاجز الخجل ونكران الحديث عن النفس الذي أقعد بالذات السودانية عن تقديم ذاتها للآخرين في ثقة واعتداد . ومهما اختلف حوله الناس فقيمة أي كتاب تأتي من اختلاف الناس وتعدد الآراء حوله .


    عبد المنعم عجب الفيا








    (عدل بواسطة Agab Alfaya on 06-05-2003, 04:52 AM)
    (عدل بواسطة Agab Alfaya on 03-04-2005, 01:52 AM)
    (عدل بواسطة Agab Alfaya on 03-04-2005, 01:55 AM)
    (عدل بواسطة Agab Alfaya on 03-04-2005, 01:55 AM)
    (عدل بواسطة Agab Alfaya on 03-09-2005, 01:12 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
على ابو سن....ومصطفى سعيد Agab Alfaya05-08-03, 06:03 AM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد Tariiq05-08-03, 07:42 AM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد AbuAla05-08-03, 08:27 AM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد Agab Alfaya05-08-03, 02:11 PM
    Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد خالد عويس05-08-03, 04:21 PM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد Yassir Mahgoub05-08-03, 04:28 PM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد AnwarKing05-09-03, 02:13 AM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد Agab Alfaya05-09-03, 05:56 AM
    Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد هدهد05-10-03, 01:13 AM
      Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد Agab Alfaya06-04-03, 04:15 AM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد AlRa7mabi06-04-03, 02:10 PM
  Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد haleem06-04-03, 02:32 PM
    Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد Agab Alfaya06-04-03, 03:37 PM
      Re: على ابو سن....ومصطفى سعيد Agab Alfaya06-05-03, 04:43 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de