|
Re: جدلية المرأة والرجل (تاريخ العبودية) (Re: هشام آدم)
|
توضيح لإثراء النقاش:
عندما تناولت تاريخ الرجل والمرأة في هذا البوست تناولته من المفهوم العام من أن العائلة الأبوية هو شكل العائلة القديم قدم المجتمع الإنساني نفسه. غير أن الحقيقة مغايرة تماماً لذلك. فالعائلة الأمومية هي أسبق من العائلة الأبوية تاريخياً فالمجتمع الإنساني في الأصل (في العصر الباليوتي والنيوليوتي) لم يمثله الرجل أصلاً بل المرأة ( الأم ) وكان الرجل في هذا المجتمع الأمومي يسلم قيادة الأسرة للمرأة ليس لأنها كانت متفوقة جسدياً بل لتقدير أصيل وعميق لخصائصها الإنسانية وقواها الروحية وقدراتها الخالقة وإيقاع جسدها المتناغم مع إيقاع الطبيعة. فقد كانت ترى تلك المجتمعات أن المرأة بشفافية روحها أقدر من الرجل على التوسط بين عالم البشر والآلهة. فقد كانت المرأة تتبوأ عرض العائلة بل والمجتمع كله دينياً واجتماعياً وسياسياً كذلك. وكان لدورها الاقتصادي في المجتمع ما يساعدها على تبوأ هذه المكانة كذلك. فقد اعتبرت المرأة هي المسؤولة عن حياة الأطفال وتامين سبل العيش لهم وكانت المرأة هي المسؤولة عن تحضير جلود الحيوانات وتحويلها إلى ملابس ومفارش وأغطية وكانت بذلك هي صاحبة أول حرفة فهي الناسجة وهي الخياطة وهي أول من اخترع الأواني المنزلية وبسبب قضائها أوقات طويلة في البحث عن الجذور والأعشاب الصالحة للأكل تعلمت المرأة خصائص الأعشاب السحرية في الاستشفاء فكانت بذلك أول طبيبة. وكانت المرأة هي التي تبني البيت وهي من تصنع أثاثه وكانت تاجرة تقايض بمنتجاتها منتجات الآخرين. ويرجع اكتشاف النار إلى المرأة.
وعندما تم اكتشاف الزراعة كان ذلك أكبر مساعد لها في تدعيم وضعها الاقتصادي داخل الأسرة والمجتمع بالتالي. حيث تمت النقلة النوعية بانتقال المجتمع من مجتمع الصيد والالتقاط والجري وراء الطرائد إلى الزراعة وإنتاج الغذاء. وخلال هذه التطورات الهامة جداً التي شهدتها المرأة ظل الرجل متوقفاً عن التطور في حدود صنعته التقليدية في الصيد والتنقل بحثاً عن الطرائد.
ولا أحد يستطيع أن ينكر أن سلطة المرأة في تلك المجتمعات كانت أفضل من السلطة الذكورية الحالية فحب المرأة لأطفالها كانت العاطفة التي ميزت علاقتها بالمحيط الواسع وكان هو النموذج الأساسي للعلاقات السائدة بين أفراد ينظرون إلى بعضهم على أنهم أخوة في أسرة كبيرة ومعاملة المرأة مع أطفالها دون تمييز قائم على خصائث جنسية أو قدرات هي التي أسست لروح العدالة والمساواة الاجتماعية القائمة في الجماعة الأمومية. وكانت المرأة في المجتمع الأمومي مبتعدة – رغم سلطتها المعنوية – عن التسلط والاستبداد وأعني بذلك ميلها السايكولوجي نحو النقيض من ذلك. وكان ذلك البذرة الأساسية في تولد الحريات لجميع أفراد تلك الجماعات رجال ونساء.
ولا أريد أن أقول أن الرجل كان تابعاً في تلك المجتمعات الأمومية فقدت كانت السلطة للمرأة تقديراً لها لا خنوعاً من الرجل بالضرورة. ويذكر التاريخ أن رجال المجتمع الأمومي كانوا أكثر فروسية وشهامة واحتراماً من رجال العصر الذكوري البطريكي. ولقد مر المجتمع الأمومي عبر تاريخه الطويل بمراحل متعددة انتهت بالانقلاب الكبير الذي قام به الرجل مستلماً دفة القيادة من المرأة ومؤسساً بذلك للمجتمع الذكوري البطريكي. وحتى نستطيع فهم سبب هذا الانقلاب فإننا يجب علينا أن نتتبع أشكال العائلة الأمومية ونمط العلاقة الجنسية القائم بين المرأة والرجل. ففي البداية كانت العلاقة الجنسية حرة تماماً بمعنى (كل امرأة لكل رجل) و (كل رجل لكل امرأة) ثم تطور الوضع بعد ذلك بفترة طويلة حيث حدث التغير والتنظيم في تلك المجتمعات ومن ذلك ظهور عائلات قربى الدم كأول شكل عائلي منظم بديل للفوضى الكانت موجودة سابقاً. فكانت تلك العائلات (قربى الدم) تنقسم حسب الأجيال فنجد جميع الجدود والجدات في نطاق القبيلة أزواج فيما بينهم وكذلك الأمر فيما يتعلق بأولادهم أي الأباء والأمهات بينما يشكل أولاد هؤلاء الحلقة الثالثة في حلقة الجماعات الزواجية. وبهذا نجد نوع من تحريم العلاقات الجنسية بين الأباء والأبناء من دون الأخوة والأخوات طبعاً. ولكن تم تحريم زواج الأخوة والأخوات في المرحلة المتطورة اللاحقة للعائلى (ذوي القربى) فقد كانت مجموعة من الأخوة من أم واحدة تدخل في علاقة زواج مشترك مع عدد معين من النساء لا يوجد بينهن أخوات لهم والعكس صحيح. وهكذا استمر التطور بهذه المتوالية الهندسية في بناء العائلات والأسر ولكن بالطبع فإن هذا التطور كان بطيئاً وبالضرورة فإنه كان من الصعوبة بمكان معرفة والد الأطفال فإن الأطفال كانوا ينسبون لأمهاتهم وهذا ما يعرف بـ( حق الأم ) والذي يشمل انتساب الطفل للأم وليس للأب وهو بالتالي يتولد عنه علاقات اجتماعية واقتصادية مختلفة. وفي مرحلة لاحقة كذلك تطورت هذه العائلات لتصبح عائلات (ثنائية) حيث كان لكل رجل زوجة رئيسية داخل مجموعة الزوجات. ثم تطور الأمر من تعددية زواجية إلى ثنائية مفردة تكتفي بزواج واحد وزوجة واحدة وأبناء مباشرين لهم. وفي ظل هذه المجمعات الثنائية حافظت المرأة على وضعها المميز السابق فكانت حرة في فصل الزواج متى شاءت. وعند الانفصال كان الأولاد يعودون إليها لا إلى الزوج. وبالتالي فإن البيت بعد هذا الانفصال كان من حقها كذلك. وبناء على (حق الأم) لم يكن الأبناء يرثون آبائهم بل يرثون أمهاتهم على قدم المساواة مع بقية أقربائهم بالدم. أما تركة الأب وممتلكاته فقد كانت تذهب إلى أخوته وأقربائه بالدم. وبطبيعة الحال فإنه مع تزايد الثروات بتأثير حياة الاستقرار والزراعة كان مركز الزوج الاقتصادي يتدعم باستمرار على حساب مركزية الزوجية وكانت ثروته وممتلكاته تتزايد الأمر الذي أدى بجماعة الذكور إلى التفكير جدياً بقلب نظام الوراثة القديم لصالح أولادهم. وفعلاً فقد أفلح الرجال في القضاء على (حق الأم) وإحلال (حق الأب) وظهرت العائلة الأحادية التي تقوم على سيادة الرجل مع الرغبة الصريحة في ولادة أولاد تكون أبوتهم ثابتة لا جدال فيها من اجل تملكيهم وتوريثهم فكان إسقاط (حق الأم) هزيمة تاريخية للمرأة ابتدأ معه تاريخ استذلال المرأة واستعبادها. ومن هذه النقطة يبدأ هذا البوست وليس من النقطة السابقة.
ملاحظة صغيرة: لا أرجو أن يعتبر الجميع أن مجتمع المرأة انهزم هكذا بكل بساطة ودون مقاومة. بل على العكس كانت هنالك مقاومة ومقاومة عنيفة ولكن ولأن التاريخ لم يذكر ذلك صراحة فإننا نجد الأساطير هي التي توضح لنا كيف كان نضال المرأة ومقاومتها ضد استبداد الرجل أو إذا صح التعبير ضد (انقلاب الرجل) فنجد أسطورة (نساء الأمازون) وتقول الأسطورة بأن مجموعة من النساء الأمازونيات كن عبارة عن محاربات أتين من شواطئ البحر الأسود تقريباً وأسست عدداً من المدن وكانت حاكمتهم امرأة بالطبع. وتقول الأسطور أنه بسبب عداوة النساء الأمازونيات للرجل كان مجتمع الأمازونيات وقفاً على النساء وحدهن. وإذا أردن الانجاب فإنهن يقمون بالإغارة على البلاد المجاورة لمضاجعة رجالها ومن ثم يعودوا إلى مدنهم وإذا وضعوا ذكوراً قاموا بقتل الذكور والإبقاء على المواليد الإناث. وتقول الأسطورة أن هؤلاء النساء كن يعلمن الأطفال (الإناث) فنون الحرب حتى أنه يقال أنهن كانوا يقطعن إحدى الأثداء حتى تتمكن الأنثى من الإمساك بالقوس وربما كانت نهاية هذه القبيلة النسائية على نهاية البطل (هرقل) ولكنني غير متأكد من ذلك. واعتمد في ذلك على فيلم يحكي قصة النساء الأمازونيات أو مشابه له. وفي الفيلم يستنجد رجال هؤلاء القرى الصغيرة - التي تتعرض لهجوم النساء في فترة الخصوبة – بهرقل الذي قام بهزيمتهم ليس بالقتل ولكن بالحب كما ورد في الفيلم والقصة طويل. وعلى كل حال ما أردت أن أصل إليه أن أؤكد (وهو حق مؤكد بالطبع) على أقدمية المجتمع الأمومي النسائي والتاريخ يشهد بأن تلك المجتمعات لم تكن مجتمعات مستبدة ولا ظالمة ولكن انقلاب الرجال على هذا المجتمع يجعلنا نطرح السؤال الكبير: لماذا انقلب الرجال على النساء إذا لم يكن هنالك ظلم واقع على الرجل؟ وفي كل الأحوال فإنه مما لا شك فيه فسيطرت الرجل على المرأة يوقع الظلم بالمرأة وسيطرت المرأة على الرجل يوقع الظلم على الرجل.
|
|
|
|
|
|
|
|
|