هلالويا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-29-2024, 09:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-19-2006, 10:52 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هلالويا

    هلالويا

    إن المسيحية كما هو معروف إحدى الديانات السماوية المعتبرة السابقة زمانياً للإسلام. وسميت هذه الديانة بالمسيحية نسبة إلى المسيح الذي يعتبر هو الأب الروحي لفكرة المسيحية وتتشابه المسيحية مع اليهودية والبوذية من حيث نسبة التسمية إلى الأب الروحي للفكرة أو الديانة حيث تنسب اليهودية إلى يهودا والبوذية إلى بوذا بينما يختلف الإسلام عن هذه الديانات بعدم نسبتها إلى مؤسسها. فلم يعرف الإسلام بشكل رسمي بأنه ديني محمدي نسبة إلى محمد رسول الإسلام بل عرف بأنه دين الإسلام. ونجد أن رسول الإسلام يصف نفسه دائماً بأنه عبد لله وربما كان ذلك من أجل تثبيت مبدأ العبودية المطلقة لله ، وربما من أجل منع أتباعه من المغالاة والتأليهية التي قد يقعون فيها. وقبل أن أبدأ موضوعي هذا عن المسيحية أود – بما أنني سوف أتكلم عن موضوعي ديني بشيء من الموضوعية والحيادية – أن يتقبل الجميع فكرة تجريد الشخوص الدينية المقدسة والإشارة إليهم بأسمائهم مباشرة دون إردافها أو إلحاقها بالنعوت أو الوصوف المرتبطة بها من شاكلة (صلى الله عليه وسلم) و (عليه السلام) فقط من باب تناول الموضوع بمنهجية موضوعية لا أكثر ولا أقل مع احترامي التام لجميع الرسل والديانات طبعاً. فأرجو أن يتسع صدور الجميع لما سأقول.

    وبداية فإن اسم (المسيح) ليس اسمه الحقيقي إنما هو لقبه الذي اشتهر به منذ ولادته. والكلمة المقابلة للمسيح في اللغة العربية هي (مشيحا) وتعني الممسوح وهذا هو سبب التسمية العربية (المسيح) والمسح هنا المقصود به هو مسح المولود بالزيت بغرض التبريك وهذه عادة قديمة ومعروفة عند الساميين عموماً ويوصف الشخص أو المولود بعد مسحه بهذا الزيت في العبرية بأنه مشيح أي مسيح أي المبارك أو المتبرك بالزيت. أما اسمه الحقيقي فهو (يسوع) ولا يصح ما يذهب إليه البعض من تسميته باليسوع بإضافة (أل) التعريف عليه. و (يسوع) في اللغة العبرية هو اسم مركب مثله مثل اسم (عبد الله) وهو مكون من: يهوه + شوع . وكلمة شوع هي عبرية طبعاً تعني بمعنى: ساعدأنقذأعان ...إلخ. أما (يهوه) فهم إله العبريين. واسم (عيسى) هو الاسم العربي المقابل لـ(يسوع) تماماً أن (يوسف) هو المقابل لجوزيف وإبراهيم هو المقابل لأبراهام وهكذا.

    وربما كانت القصة الأشهر هي قصة مولد المسيح من غير أب بشري أو قصة النفخ التي تناولها القرآن كذلك بالتصديق والإقرار بحصول الحمل دون مساس إنما بالنفخ ، ففي إنجيل متى نجد (لما كانت مريم أمه (أي أم يسوع) مخطوبة ليوسف (النجار) قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس) وسوف لن نتوقف كثيراً عند كلمة (مخطوبة) التي وردت في إنجيل متى – رغم أنني دهشت عندما وقعت عيني عليها- ولكن الغريب أنني في قراءاتي للأناجيل وجدت ذكراً لأخوة وأخوات يسوع بالاسم والسؤال الذي دار في ذهني مباشرة هو: هل تزوجت مريم من يوسف النجار أو غيره بعد ولادة يسوع؟

    عموماً فلقد كان المسيح واحداً من القادة التاريخية ولكن ليس بالمعنى الثوري لكلمة قائد إذ لم تكن دعوته التي دعا بها تقوم على التغيير وإنما على الطبقية والمناصرة للطبقات المسحوقة والفقيرة بل وترى ان الفقر شرط أساسي للإيمان. ولكن حتى نعرف أكثر عن دعوة يسوع يجب أن نعرف الظرف التاريخي الذي خرج فيه يسوع ودواعي ظهوره في ذلك الوقت. ونجد أن ظهور يسوع تصادف مع وجود كتلتين عبوديتين في ذلك الوقت وهما: الإمبراطورية الرومانية و الكتلة اليهودية. فمن المعروف أن يسوع هو أحد الأنبياء الساميين الذي جاء – كما يقول – لإكمال ناموس النبي السامي الذي قبله كما هو الحال في جميع الشرائع السماوية التي تأتي بمفهوم نسخ الشرائع والنواميس، والناموس الذي كان موجود في ذلك الوقت هو ناموس موسى الذي كان عليه اليهود (بني إسرائيل) فنجد في إنجيل متى 5/17 أن يسوع جاء لإكمال الناموس وليس لنقضه وهذا يتوافق مع ما جاء في القرآن في الآية التي تقول على لسان يسوع: (مصدقاً لما بين يدي من التوارة والإنجيل ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) ورغم اختلاف الناس حول هوية هذا النبي أحمد. وهي الحجة اليهودية التقليدية بأنه لم يدعي أي سامي مسمى بأحمد النبوة بعد يسوع. ولكن هذه الحجة باطلة على اعتبار أن الأسماء هنا هي الأقل اعتباراً بينما يشار إلى الشخوص التاريخية والقيادية بالألقاب تماماً كما هو الحال لدى يسوع حيث اشتهر بالمسيح وليس بيسوع. وهي الحجة التي جاء بها المسلمون أيضاً من باب أن (أحمد) الواردة في مقولة يسوع هو لقب هذا النبي السامي وليس اسمه وهم على هذا لا يرون فارقاً كبيراً بين (أحمد) و (محمد) على هذا النحو. والحقيقة أن أحمد و محمد كلاهما ألقاب لرسول المسلمين بينما اسمه الحقيقي هو (قثم) بضم القاف وفتح الثاء على وزن (أمم) ومحمد هذا وصفه فقط ربما لكثرة محامده وحسن أخلاقه وهي واحدة من ألقابه أو أوصافه فمن المعروف أنه كانت له ألقاب وأسماء عديدة: طه – يس – الماحي وغيرها من الأسماء التي تدل في إطار الصفات والنعوت. ونسبة الألقاب للأسماء هذه مشهورة جداً في التاريخ فنذكر على سبيل المثال لا الحصر:

    * فلاديمير أليتش الذي اشتهر بلقب (لينين)
    * نغوين الذي اشتهر بلقب (هوشي)
    * يوسف الذي اشتهر بلقب (ستالين)

    وغيرها الكثير جداً من الألقاب التي طغت على أسماء الشخوص الحقيقية فلم تعد أسماؤهم معروفة. والشاهد من هذا كله هو أن مسألة (إكمال الناموس) في الشريعة اليسوعية والتي تقابلها (إتمام مكارم الأخلاق) في الشريعة المحمدية تعني ضمنياً التصديق بالنبوات السابقة دون الالتزام الحرفي بالتعاليم. ورغم أن المسلمين أقروا بمبدأ نسخ الشرائع وطبقوها على الديانتين اليهودية والمسيحية ونفوها عن ديانتهم إلا أن الفرقة الإسماعيلية جاءت وأثبتته في حق الإسلام كذلك. وعلى كل حال فالنسخ يعني التعديل وليس الإلغاء. ومن الأشياء أو الشرائع التي نسخها يسوع من شريعة ناموس موسى ما يلي:

    * الطلاق والزواج الضرائري: من المعروف ان الطلاق محرم تحريماً قطعياً في جميع الأناجيل على عكس القرآن الذي أباحه مع الكراهية بدليل (إن أبغض الحلال عند الله الطلاق) فهو في الآخر مباح في الإسلام ولكنه في المسيحية واليهودية محرم قطعاً على اعتبار أن المسيحية ترى أن الرابط الأسري هو رابط مقدس لا يجوز حلّه أو تفكيكه بالطلاق وكذلك الزواج الضرائي فهو محرم ضمنياً في وجوب اتخاذ زوجة واحدة وربما كان ذلك من الحسنات التي تؤخذ للمسيحية لأنه حرم كذلك اتخاذ الجواري الذي أباحه الإسلام وأباحته اليهودية.

    * العقوبات الأخلاقية: ورد في الأناجيل تحديد عقوبات على الجرائم الأخلاقية (الخطيئة) كالزنا وهي كذلك محرمة في الديانة اليهودية بل وأنها تعتبر كبيرة من الكبائر. غير أن الأناجيل كلها لم تذكر أي عقوبات واضحة تجاه الجرائم الأخرى كالقتل والسرقة وربما كان السكوت عنها إقراراً ضمنياً بها ، رغم أن المسيح يعتبر القتل من الكبائر كذلك لكن السرقة ليست ذات أهمية لديه ربما كان ذلك بسبب موقفه من الأغنياء وهذا لا يعني طبعاً إباحية السرقة في المسيحية.

    * الطقوس : جعل يسوع هذه الطقوس تابعة للفرائض الاجتماعية فنقرأ في إنجيل متى (إن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك) كما أن المسيح دعا إلى تخفيف الصلاة والتخفيف من الأدعية وفي ذلك يقول يسوع (لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه) وهم بذلك عكس المسلمين الذين يرون ضرورة الإلحاح في الدعاء والتضرع بل والتذلل في السؤال إلى الله. وبالمناسبة فقد ألغى المسيح شعائر يوم السبت وأجاز العمل فيه على أنه لم يحدد يوم عطلة بدلاً عن يوم السبت ويبدو أنه أقر يوم السبت أن يكون هو نهاية الأسبوع ولكن عطلة الأحد فلم تكن من تشريعات المسيح وربما هي (بدعة) ومسألة إلغاء شعيرة السبت كانت واحدة من أسباب نقمة اليهود على المسيحية وعلى المسيح في شخصه.

    أما فيما يخص جانب الامبراطورية الرومانية فمن المعلوم كذلك أن النظام الروماني في ذلك الوقت كان نظاماً عبودياً فجاءت المسيحية بدعوات مناهضة للعبودية والاستعباد ونجد في إنجيل لوقا تحديد (روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين وأرسلني لأشفي منكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية) ومما لا بد من ذكره هنا هو أن الثورة المسيحية أو الدعوة المسيحية في عمومها كانت تتميز ببروز المشاعية بصورة طاغية جداً. ونجد مثلاً في مرقس ولوقا حول قصة دخول يسوع إلى الهكيل وطرد تجار اليهود منه (ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم: مكتوب بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص.......) وهكذا نراه المقابل في الإسلام ما جاء في ذكر المسجد واستخداماته ( .... رجالاً لا تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ). كما نجد ان المسيح حرم كنزل الأموال فجاء في إنجيل متى (لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ....) وكذلك نجد نفس التوجه في الإسلام فيما يخص كنزل الأموال وفي القرآن نجد آية تقول ( إن الذين يكنزون الذهب والفضة .... ) إلى آخر الآية. والغريب أن المسيح يرى أن جمع الأموال شكل من أشكال الشرك حيث يتعارض – حسب رأيه – مع الإقرار بوجود الله كرب واحد يجب عبادته دون سواه لذا فهو يرى الغنى من الكبائر بمعنى أن الغني مشرك بدلالة أنه عني بغض النظر عن الطريقة التي جمع بها المال. غير أن المسيح لم يوضح ما إذا كانت هنالك طريقة شرعية لجميع المال أم لا وهي تطلب التدين المسيحي الفقر أو في أحسن الأحوال عدم الحرص على المال ولو بطريقة مشروعة؟ (أرجو من الأخوة المتداخلين تذكيري في آخر البوست لأتحدث عن تفسير الإسلام أو بعض الطرق الإسلامية للغنى والحد الملزم له) ولكن كل ما أعلمه هو أن المسيح كان يرفض دخول الأغنياء في جماعته وهذا ما وجدته في رد المسيح على أحد الأغنياء الذين كانوا يريدون اتباعه فقال له ( إن أردت (والقول هنا للمسيح) أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني) وأغلب الظن أنه ذهب ولم يعد. وهذا المفهوم الذي يجعل معيار الغنى بمقدار ما يكفيك دون أن يفيض عن حاجتك وما فاض فهو ملك الفقراء هو مفهوم قريب مما هو موجود في الإسلام وكذلك مسألة مقايضة مافي الدنيا بما في الآخر (التجارة الرابحة) موجودة في الإسلام أيضاً رغم أن رسول الإسلام لم يحرم الغنى ولم يدخله مدخل الشرك بل فرض زكاة تؤخذ من الأغنياء وتؤدى للفقراء وربط الزكاة بشروط: بلوغ النصاب وحلول الحول. بينما المسيحية أو المسيح يرفض مسألة الغنى كليةً ويرى أنه يوجب الطرد من ملكوت الله وليس أدل على ذلك من قول يسوع في إنجيل لوقا (كل واحد منكم لا يترك (جميع) أمواله لا يقدر أن يكون تلميذاً)

    إذاً ربما كان للمسيح توجهات طبقية بروليتارية ومشاعية متفردة تتضح فيما جاء من وصف دقيق لحياة الحواريين التي تتسم بالمشاعية ومن يقرأ (أعمال الرسل) يجد روايات وقصص تصف حال حياتهم بصورة دقيقة ولقد جاء في إنجيل متى (مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً فغي مناطقم ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين و أحذية ولا عصا لأن الفاعل مستحق طعامه) والفرق بين هذا الكلام وما يبيحه الإسلام ويحرمه واضح ولا يحتاج لسوق أدلة ولكن فقط أريد الإشارة إلى أن المقصود بـ( أعمال الرسل ) هي مجموعة مقالات أو رسائل كتبت عن الحواريين وهم (الرسل) المقصودين. وفي شريعة يسوع فإن الدعاة لا يجوز لهم أخذ المال بأي شكل من أشكاله وإنما يكتفون بأخذ الطعام بدلاً عن المال. وأذكر أن الإمام الغزالي قد ذكر في كتابه (إحياء علوم الدين) - وهو كتاب شيق يحتوي على بعض المعلومات القيمة وأنصح بقراءته – أن المسيح لم يكن يملك من حطام هذه الدنيا غير: مشط وكوز ماء. وحتى هذين الاثنين استغنى عنهما لاحقاً فعندما رأى رجلاً يشرب من النهر بيديه رمى كوزه ، وعندما رأى أحدهم يمشط لحيته بأصابعه رمى مشطه. والمحصلة أن يسوع لم يكن يملك شيئاً على الإطلاق. كما نجد أن الجاحظ ذكر في إحدى مؤلفاته –لا أذكر اسم الكتاب- أن المسيح كان يتوسد الحجر ويلبس الخشن ويأكل الشعير. طيب نستنتج من ذلك أن أتباع المسيح كانوا من عامة الناس ومن الفقراء والعبيد. وبذلك لا نستطيع أن نقول ان المسيح كان له برنامج يقوم على تحرير العبيد وإلغاء الرق. لأنه أدخل العبيد في ملكوت الله بدلاً من سادتهم. وكل ما فعله يسوع هو أنه أطلق على هؤلاء العبيد وصف (بشر) بعد أن كان النظام الروماني الإمبراطوري يرى أنهم مجرد عبيد وحيوانات أو بهائم. والأمر الأكثر غرابة أن هؤلاء العبيد كانوا أحراراً متساوين مع بقية الأتباع داخل مجموعة (الرسل) رغم أنهم كانوا لا يزالون عبيداً مملوكين بحسب نظام الرق بمعنى أنه كانوا (أحرار في مجتمع الدعوة و عبيد في مجتمع الدولة) وهناك إصحاحات غريبة تتحدث عن إنعدام النظافة في مجتمع الرسل فقد ذكر في إنجيل متى ومرقس أن تلاميذ المسيح لا يغسلون أيديهم ويعللون ذلك بأن الإنسان لا يكتسب النجاسة بما يتناوله من فمه من طعام ولكنه يكتسب النجاسة بما يحمله من أفكار شريرة وكما نعلم فالفقراء لا يعرفون أصول النظافة لأنهم في الأصل لا يملكون وسائلها. ولكن يسوع يبرر مسألة النظافة وعدمها هذه بعقيدته الروحانية التي تقوم على تهميش مطالب الجيد ولكن الحق يقال فالمسيح لم يقل بشرعنة اللانظافة.

    ومن المعروف أن الدعوة المسيحية لم يكن الغرض منها بناء حضارة كتلك التي قام بها رسول الإسلام محمد فالمسيح ترك ما لقيصر لقيصر بل وأكثر من ذلك دعا أتباعه إلى دفع الجزية المفروضة عليهم من قبل الإمبراطورية الرومانية. وتنزيهاً لهذا النبي فإنه لم يفعل ذلك بدافع الخوف أو الجبن ولكن ربما اقتضت ضرورة المرحلة لحركته الدعوية الرضوخ لفكر السائد كما هي عادة كل قيادة جديدة في تعاملها مع القوى السائدة في محيطها.

    ونجد أيضاً أن يسوع يرفض فكرة (أبوة الدولة) لأنه يرى– وكما ورد في بعض الأناجيل – أن هنالك أباً واحداً وسيداً واحداً هو الذي في السماوات أما الأرض فلا يوجد فيها سيد ولا أب. وربما يعرف المسيحيون عن الخطة المشتركة بين الرومان واليهود التي هدفت إلى تنصيب يسوع ملكاً وهروب يسوع إلى منفاه بعد ذلك وربما كان المنفى جبلاً أو صحراء أو شيئاً من هذا القبيل وهذه الخطة التي دبرها المعارضون الأساسيون له تقتضي أن يتوج يسوع ملكاً حتى يتخلصوا من دعوته التي تقوم أساساً على رفض الملوكية والسيادة وفي نفس الوقت إعادة يسوع إلى الناموس القديم (ناموس موسى) ووجه الشبه كبير جداً بين هذه الخطة والخطة التي وضعها زعماء قريس لمحمد والتي تقوم في الأصل على تبادل المصالح: الزعامة مقابل السكوت عن الدعوة. غير أن محمد لم يهرب بل كان يجد من يعاضده في دعوته وهو عمه الذي كان يقابل بنوع من الاحترام والتقدير من قبل قادات قريش. وهروب يسوع وفكرته الدعوية تدل على أنه لم يكن ينوي إقامة دولة بل كان يعمل فقط على التقليل من شأن ذوي السلطة وفي الوقت ذاته حاول أن يجد علاقات مجتمعية لا تراعى فيها الأصول المتبعة في الدولة. وهذا ما يؤكد على أن يسوع كان يفرق بين المجتمع والدولة لأنه فكرته كانت تقوم على أساس خلق مجتمع داخل دولة ويكون هذا المجتمع محكوماً بأصول مشاعية وهذا هو ما جعل القوى العظمى تفكر جدياً في التخلص منه لبتر شأفة الفكر الشيوعي أو المشاعي اليسوعي وبالطبع فلقد استعانت الامبراطورية الرومانية بحليفها من اليهود لأن اليهود كانت تربطهم مع الإمبراطورية مصالح مشتركة متمثلة في تجارة الرقيق. وعلى هذا يمكن القبول بجملة ان اليهود كانوا عملاء للرومان في خطتهم لقتل يسوع وكانوا هم اليد التي بطشوا بها على يسوع لأن اليهود كانت لهم أحقاد قديمة مرتبطة بذكرى طردهم من الهيكل وغير ذلك فإن الدعوة اليسوعية كانت تهدم مصلحتهم المباشرة مع الإمبراطورية والمتمثلة كما قلت في تجارة العبيد. كل ذلك كان كافياً لتوفر الدافع الحقيقي لقتل يسوع وصلبه. ولكن الدعوة اليسوعية استمرت حتى بعد موت يسوع ثم بعث فيها الروح من جديد مع ظهور نبي جديد هو النبي بولس.

    أحدث النبي بولس ثورة حقيقية في مفهوم المسيحية كدين ورغم أن بولس في بدايته كان معادياً للفكر اليسوعي إلا إنه في مرحلة لاحقة عاد ليصبح المؤسس الحقيقي لحركة اليسوعية الدينية (المسيحية) وبولس لقب أيضاً ولا علم لي بمعنى بولس بالعربية ولكن اسمه الحقيقي هو (شاؤول) ولقد توفرت لبولس الأسباب التي تؤهله للنهوض بالمهمة الجديدة حيث كان يتميز بالذكاء والشخصية القيادية والقدرة على التنظيم وتقوم ديانة بولس على المبادئ التالية:

    * جعل الكنيسة محور النشاط الديني لأن الكنيسة لم يكن لها ذكر أو أثر في الأناجيل الأربعة زمن يسوع وحتى أنها لم تذكر في (أعمال الرسل).

    * يعتبر بولس مخترع العقيدة الثالوثية المقدسة المعروفة الآن ورغم أن جذور هذا الثالث كانت موجودة في الأناجيل السابقة لعهده إلا أن وجودها كان مختلفاً عما دعى إليه بولس. حيث نجد أن الأناجيل تفرق بين (الله) و (الرب) فكانت تقول أن الله هو ذلك الإله الواحد المعبود والرب هو يسوع ابنه الروحي وعلى هذا فالأناجيل اليسوعية موحدة وديانة بولس ثالوثية.

    * اعترف بولس بالأغنياء وفي حقهم في الإيمان ولم يكن معادياً لهم كم كان يسوع ويقول بولس أن الأغنياء يمكنهم الدخول في ملكوت الله شرط أن يكونوا أسخياء وكرماء ولقد نص بولس على ضرورة أن يدفع الأغنياء أو يتنازلوا عن نسبة من أموالهم للفقراء على سبيل الصدقة دون الضرورة لأن يجعلهم فقراء.

    * كما أن العهد اليسوعي تميز بالأناجيل فإن العهد البولسي تميز بالـ(رسائل) وهي أشبع التشريعات الجديدة. ومن أجمل الرسائل التي قرأتها لبولس هي الرسالة التي يقول فيها ( واحد يؤمن أن يأكل كل شيء ، أما الضعيف فيأكل بقولا فقط ، لا يزدري من يأكل من لا يأكل ، ولا يدين من لا يأكل من يأكل ، لأن الله قبله (من القبول) من أنت حتى تدين عبد غيرك؟ ……. ) إلى آخر الرسالة.

    * ومن الأشياء المفصلية كذلك في دعوة بولس هو تثبيت العبودية ودعوة العبيد إلى الرضوخ لمالكيهم أو أسيادهم وذلك يتنافى طبعاً مع ما دعا إليه يسوع وربما كان غرض اليسوع من ذلك هو كسب القوى المهيمنة في ذلك الوقت أو على الأقل عدم كسب عدائها حتى يتمكن من نشر دعوته ، وهذا يذكرني بقصة صلح الحديبية والتنازلات التي قدمها رسول الإسلام في سبيل كسب بعض الوقت لنشر دعوته في جو سلمي.

    * وأسوأ ما جاء به بولس هو تثبيت أو إقرار العائلة أو الأسرة الأبوية التي تخضع فيها المرأة والأبناء لسلطة الرجل. وهذا يظهر لنا بولس وتوجهه الذكوري المبالغ فيه حيث يرى أن الرجل هو رأس المرأة والمرأة من الرجل وليس العكس. لأن المرأة خلقت من أجل الرجل ويظهر ذلك كذلك في رسالته إلى أنسس ولكنه أقر تعليم المرأة دون السماح لها بالعمل لا سيما في مجال التعليم. كما فرض الحجاب على المرأة ويقول في إحدى رسائله (المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها) فكان يحلق رؤوس النساء اللواتي لا يلتزمن بالحجاب ، كما ألزم المرأة بالقرار في البيت ومنعها من الكلام في الكنيسة. ويمكن الرجوع إلى رسائل بولس إلى كورنثوس وتيماثوس بخصوص هذه النقاط التي تتعلق بالمرأة واضطهادها.

    ومن هذا نخلص إلى أنه ليس في الأناجيل شيء مما في رسائل بولس فقط هناك لغة دينية طاغية تغلف النصوص الأصلية وهو أمر طبيعي في الكتب المقدسة جميعها. كما أن هنالك نصوص لا تتوافق مع شخصية النبي. ويعمد رجالات الدين إلى دس هذه النصوص لمصالحة طبعاً فنجد مثلاً في إنجيل متى ومرقس (كان يسوع راجعاً إلى المدينة فجاع في الطريق فنظر إلى شجرة تين وجاء إليها فلم يجد فيها ثمرة (أو شيئاً) إلا الورق فقال لها: لا يكن منك ثمر إلى الأبد. فيبست الشجرة في الحال) ولا بد أن يكون هذا من وضع الاكليروس الكنسي لأنه يعكس أنانية رجال الدين. إن معدة المسيح لم تكن تعدل عنده شيء حتى يغضب على التينة لأنها لم تطعمه فيدعو عليها. وهناك قصة لطيفة وردت في إنجيل متى 26/6 يحكى ان امرأة سكبت على رأس يسوع قارورة طيب من النوع الغالي فغضب أتباع يسوع من هذا التصرف ورأوا في ذلك نوعاً من الإسراف حيث كان يمكن أن يباع ويعطى ماله للفقراء ، فقال لهم يسوع: لماذا تزعجون المرأة؟ فإنها قد عملت بي عملاً حسناً لأن الفقراء معكم في كل حين ، أما أنا فلست معكم في كل حين. والشاهد من هذه القصة هو: نزعة الإسراف في الملذات الحسية لدى رجال الدين على حساب رعاياهم وهذه القصة وردت في إنجيل يوحنا 12/1

    وأغلب الكتاب المسلمين عرفوا أن بولس بدل وغير شريعة يسوع إلا أنهم استمروا في المبالغة والطعن في الإناجيل كلها والإدعاء بأنها كلها محرفة تبعاً للمأثور الإسلامي طبعاً وفات عليم أن يتبينوا الفروقات الكبيرة بين مضمون رسائل بولس والأناجيل. فالأناجيل الموجودة غير محرفة وهي حقيقية وفيها صورة المسيح الحقيقي أما رسائل بولس فهي التي يمكن التشكيك فيها. وبطبيعة الحال فإن بولس هو الذي نشر المسيحية إلى اليونان ثم إلى إيطاليا ومنها إلى أوروبا وجميع أنحاء العالم فيما بعد.


    وللحديث بقية...........
                  

العنوان الكاتب Date
هلالويا هشام آدم01-19-06, 10:52 AM
  Re: هلالويا Albino Akoon Ibrahim Akoon01-20-06, 05:18 AM
    Re: هلالويا هشام آدم01-20-06, 09:26 AM
      Re: هلالويا Albino Akoon Ibrahim Akoon01-20-06, 06:21 PM
  Re: هلالويا يوسف السماني يوسف01-20-06, 01:14 PM
    Re: هلالويا showgi idriss01-21-06, 01:33 AM
      Re: هلالويا هشام آدم01-21-06, 08:42 AM
        Re: هلالويا هشام آدم01-21-06, 08:52 AM
          Re: هلالويا Albino Akoon Ibrahim Akoon01-21-06, 07:08 PM
    Re: هلالويا هشام آدم01-21-06, 08:36 AM
      Re: هلالويا هشام آدم01-22-06, 09:56 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de