|
حوار ممتع مع محمود درويش
|
مقتطفات:
* ما دمنا في القراءة، أتشعر بأن حساسيتك للشعر الذي تقرأه وانفعالك بهذا الشعر يقلان مع الزمن؟
هذا يتوقف على أي شعر أقرأ. إذا تكلمت بشكل عام عن الشعر العربي فالجواب نعم، حساسيتي تقل، وكذلك دهشتي، ذلك لأن تطلباتي تزيد، ولأن إنجاز الشعر العربي لا يقدم مفاجآت كبرى. هناك شيء من النمطية يكاد يسود كتابتنا الشعرية. الأمر يختلف عندما أقرأ شعراً أجنبياً وخاصة في شعر بدايات القرن العشرين. أجد دائما عند ذاك جهوزية للاندهاش والفرح بالعمل الشعري. أحس بأننا نحن العرب ذاهبون إلى مكان تركه الآخرون منذ قرن.
* هل هناك بين الشعراء الأجانب الكبار من فقدت مع الزمن الانفعال بهم، وكانوا مدهشين لك ومؤثرين فيك خلال صباك؟
كنت أظن ذلك، حسبت أن علاقتي ببابلو نيرودا خفت، وكذلك علاقتي بناظم حكمت، لكني قرأت حكمت ونيرودا من جديد، فوجدت العكس وخاصة حكمت فهو مظلوم إذ صُور عند القارئ العربي على أنه شاعر سياسي مباشر وأن شعره لا يحمل إلا البعد النضالي. وأنت حين تدقق فستكتشف أن جماليات شعره تجعله قابلاً للقراءة في أي زمان. نيرودا لم يتعرض لهذا الاتهام، فقد بقيت له مكانته الشعرية وخاصة في شعر الحب، هو الذي اشتهر عند العرب كشاعر نضالي كانت عبقريته الشعرية أساساً هي في شعر الحب والنشيد الشعري. لوركا أيضا أثر بي كثيراً في فترة معينة ثم تراجعت علاقتي به، لكن أعود لقراءته فأجد أن غنائيته لا تزال تحركني، غرائبية صوره وسورياليتها ومفارقاتها وتبدل وظائف الحواس فيها. الشاعر الكبير يظل كبيراً. من ليس كبيراً يختفي. ماياكوفسكي لا أشعر بالرغبة في إعادة قراءته ولكني قرأت مؤخراً كتاباً عن سيرة حياته وأدركت إلى أي حد كان مسكوناً بالهاجس الشعري وبإجراء تفجيرات حقيقية في اللغة الروسية وبالإيقاع الشعري الروسي. هو بهذا المعنى بقي شاعراً كبيراً.
مشكلتنا نحن العرب أننا وضعنا الشعراء تحت لافتات، كان على اليساريين أن يحبوا نيرودا وماياكوفسكي وعلى غير اليساريين أن يحبوا ت. اس. إليوت مثلاً، مع أن إليوت شاعر لا يستطيع أن ينجو من سحره وتأثيره أي يساري. الآن انتفى المقياس الأيديولوجي تماماً في علاقتنا بالنصوص الشعرية فأصبحنا أكثر حرية في قراءة النص، وكذلك أصبح النص أكثر حرية في اختراقنا. أي أصبح عندنا إلى حد ما قراءة بريئة أكثر منها وظيفية، فقد كنا نقرأ قراءة إلى حد ما قراءة غرضية لكي نخدم انحيازنا إلى مفهوم محدد للشعر. الشعر العظيم لا يتوقف عند هذه الحدود والحواجز الأيديولوجية. حساسيتي تتغير فعلاً من وقت إلى آخر، وليس لها علاقة بهذا الشاعر أو ذاك. كذلك هو الأمر أيضاً بالنسبة إلى الشعر القديم. لم أكن أحب دائماً أن أقرأ المعري. أقرأه اليوم وأكتشف فيه شيئا غير الحكمة... علاقتي بأبي نواس هي كذلك. أبو نواس لا تتوقف أهميته على انه جدد في الموضوعات، هذا تعليم مدرسي، بل أهميته في كم هو شاعر، في كم غيّر في اللغة الشعرية وكسّر جهامتها وكلاسيكيتها بالمفهوم الزمني ذاك. أمتلك الآن حرية قراءة أكثر من السابق.
علاقتي بالشعر الحديث تغيرت، فلي الآن نظرة مختلفة تجاه شعر ما يسمى بشعر الرواد الذي طالما احتفينا به، كثير منه لا أستطيع أن أقرأه اليوم. لا تطلب مني أن أسمي. معظمه حتى لا أستطيع أن أقرأه، وإذا قرأته أحاسب نفسي وأسألها ما الذي أعجبها من قبل فيه. عمري الشعري ومستوى تطور الشعر العربي الحديث سمحا يومذاك بأن تكون هذه النماذج هي الأفضل، لكن الآن وبعد مرور حوالي 50 سنة من الشعر العربي الحديث صار من حقنا أن نعيد النظر في كثير من شعر الرواد.
النص الكامل للحوار الطويل http://www.jehat.com/arabic/shear.htm
قراءة ممتعه
|
|
|
|
|
|
|
|
|