فــوزى بشــرى

Quote: ابدأ من حيث انتهى اشهر كاتب تقارير تلفزيونية في قناة الجزيرة، الصحافي السوداني القدير فوزي بشرى، في تقرير كتبه امس حول فوز باراك اوباما بالرئاسية الامريكية: «بعد اليوم على كل امة ان تبحث عن اوباماها»، سياسيا وثقافيا ومدنيا ودينيا واخلاقيا، بالطبع. وبشرى يؤسس لمدرسة فريدة في الكتابة التلفزيونية او الكتابة للصورة، لو تعلمون. طابعها قوة الفكرة، وسلاسة العبارة، ووسامة المفردة، والجرأة في التفكيك، و«مهنية سحرية»، ان جاز التعبير. تلك قصة اخرى! هذا وقد كان شىء ما، اكثر إلحاحاً من فضول صحافي يتنفس الاخبار، جعلني أتابع عمليات فرز نتائج الانتخابات الامريكية، حتى وقت متأخر من الليل، مع علمي بأن النتيجة الفعلية، لن تعلن الا في السابعة صباحا بتوقيت السودان، وذات الشىء وخزني، وانا هاجع على سرير النوم، فانتفضت في الصباح الباكر، وتسمرت امام الشاشة لاكثر من الساعتين، الى ان اعترف ماكين من «اريزونا» بفوز اوباما، وظهر اوباما وخاطب اهل شيكاغو بـ «التغيير»، الذي حدث فعلا. حينها تكلب شعر رأسي، واعتراني شعور بـ «التنميل»، فما هو ذلك الشئ؟ سؤال لا املك اجابته، ولكن في قول«بشرى» بعض اجابة! ولا شك، ان مثل حالتي انتابت الكثيرين، بل اغلب العالم، ودونكم ردود الفعل الرسمية والشعبية، التي صاحبت الفوز التاريخي.حتى ايران وروسيا وحماس وحزب الله، كان ردود فعلهم يحمل بعض التفاؤل والامل، ويترك الابواب مواربة مع «الشيطان الاكبر»، املا في عهد جديد في العالم. وحتى شافيز جنح الى السلم مع عدوه اللدود، ويساورني يقيني بأنه حين فعل ذلك كان يبحث ان اوباماه ! قلت من قبل ان الفكرة الامريكية في الممارسة الديمقراطية والحقوق المدنية داخل حدودها ملهمة للحد البعيد. لا شك ان الجميع يفكر الآن في «الفكرة»بحقائقها الجديدة، التي بدت اكثر إلهاماً مما كانت عليه، عندما سمحت لامريكا بتغيير لونها، بشكل موغل، وصل كرسي الرئاسة في البيت الابيض. وجلعت «السادة» يتيحون الفرصة لـ «السود» ان يقودون العالم الجديد:امريكا! وفتحت الفكرة الابوب لامكانية الاجابة على الكثير من اسئلة الديمقراطية والحقوق المدنية في بقاع العالم. وقبلا، وضعت الفكرة الملهمة «النقطة» الاخيرة على كتاب كبير يحكي عن فصول التطور في دولة المؤسسات والحقوق والحريات، منذ انفجار حركة الحقوق المدنية على يد مارتن لوثر كينج، قبل نحو نصف قرن من الزمان، حين نطق:«لدي حلم»، فكلفه النطق روحه، ولكنه رسم خريطة الطريق للزحف النبيل. كان لوثر يحلم، فقط ، بعالم امريكي «تسود فيه العدالة والحرية، يعيش فيه هو وأطفاله في مجتمع آمن، يرفع شعار الحرية». والآن قد بلغت العدالة والحرية في بلاد لوثر مداها الاقصى، حين بلغ البيت الابيض رجل «اسود»، لتبلغ امريكا ذروة مصالحاتها الداخلية مع انقساماتها التاريخية السوداء. ثم لا شك ان ما حدث في امريكا، من خلال «الفكرة»، وفر مادة سياسية وثقافية ثرة يحتذى، وبعث برسالة «توعية وارشاد» لمن يعتمدون «البتر»، وفصل الجزء عن الجزء، والرأس عن باقي الجسد، ونصب حوائط للالغاء، ادوات لادارة التنوع والتعدد واعلاء القيم الفاضلة، في الحدود الداخلية لدولهم، مثلما يروج الانفصاليون، بدلا عن اعتماد قوة الارادة، وتوسيع المعالجات، وتتفيه العرق، واتاحة الفرص، وتقديم الافكار الخلاقة، مثلما قالت لنا الانتخابات الامريكية، منذ بداية الحملة، وحتى فوز اوباما!