واحدة من الأسباب التي جعلتني أقاطع مناشط الجالية السودانية في البحرين ذلك المشهد المُؤلم حقيقة وهو مشهد عدد من أصحاب الدرجات العلمية الكبيرة ومن اساتذة الجامعات ومن الخبراء السودانيين في البحرين وفي مجالات مختلفة يتحلقون حول طاولات (الكتشينة) في منظر لا يسر إلا العدو، وفي زمن التميز والإبداع العلمي والتسابق الحضاري علمائنا على طاولات اللعب، نعم لعب (الكتشينة) نوع من أنواع الترفيه لا جدال في ذلك، لكن أن تكون بالساعات الطوال ويتنادى إليها الناس يومي الخميس والجمعة من كل حدب وصوب، لا طاولة واحدة قد تكون اثنتان أو ثلاثة، وذات الحال في أندية جاليات سودانية آخرى.
قبل ايام شاهدت على قناة (الجزيرة) الفضائية أحد العلماء المصريين يُكرم في أكبر المحافل الدولية كونه باحث علمي عامل ومُجتهد، فتذكرت طاولة الكتشينة في النادي السوداني، وأصبح هذا المشهد مُلازم ليّ كلما رأيت مشهد تكريم عالم عربي في الفضائيات، فيرتبط ذلك عندي بالكسل والخمول الاكاديمي لدينا، وللأسف عندما يذكر آخرين بأن الكسل ماركة سودانية تقوم الدنيا ولا تقعد، وقبل اسبوعين أو أكثر أيضا تم تكريم عالم مصري أبدع في مجال ما كرمته الأمم المتحدة على مستوى العالم، أما نحن السودانين البركة في البروفسيور العالم الأديب الشاعر المعز عمر بخيت والله لولا ابداعاته وجهوده العلمية المتواصلة لمتنا من القهر، نعم هناك عدد قليل جدا جدا من المبدعين في المجالات العلمية والاكاديمية ويحظون بالتكريم العالمي ومنهم العالمة السودانية ليلى زكريا عبدالرحمن التي تم تكريمها من قبل ولي عهد البحرين قبل أكثر من عام. وكثيراً ما يأتي السؤال في ذهني متى نتعلم من الآخرين ونترك عنا الكسل والخمول الأكاديمي، وإذا كنا داخل السودان نشكي ونبكي على غياب امكانيات التفرد والابداع العلمي وعدم توفر الأجواء الملائمة والامكانيات التي ظلت من أكثر من خمسون عاماً شماعة نُعلق عليها كل أسباب فشلنا، فلماذا نكسل ونحن في بلاد تُوفر كل متطلبات البحث العلمي والابداع الاكاديمي بل وتُكرم العُلماء المُجدين والمُبرزين وتعتز بذلك. لماذا لا يتعلم أصحاب الشهادات الكبيرة من تجربة العالِم الشاب البروفسيور المُعز عمر بخيت والذي حسب علمي بلغت بحوثه العملية التي يستفيد منها الطلبة على مستوى العالم أكثر من 120 بحثاً موجودة على كبرى مكتبات الجامعات في العالم، وللأسف غالبيتنا عندما نحصل على شهادة الماجستير أ و الدكتوراة نشعر بأننا قد بلغنا الثريا ولا مجال للبحث بعد ذلك..!!.
وللأسف هذه العادة السيئة أصبحت تنتقل إلى جيل الشباب من أبناءنا ففي إحدى المنابر الالكترونية السودانية المشهورة شاب تقني من مواليد 1974م مقيم في إحدى الدول الأوربية موجود على المنبر بكثرة ويكاد يكون طيلة ساعات اليوم، ويدخل ويشارك في المناقشات بشكل كثيف وبلغة عربية ركيكة للغاية كتب أكثر من 6 ألف مداخلة قضت معه شهوراً عِدة، لا يُمكن حصر الساعات التي ضيعها في الكتابة على الكمبيوتر جلها مُهاترات لا تغني ولا تسمن من جوع في حين كان بإمكانه الاستفادة من هذا الوقت الذي ضاع سدى في نيل مراحل متقدمة من المستويات في مجالات التقنية المختلفة، لكنه في الغالب لم يجد القدوة الحسنى التي تأخذ بيده إلى آفاق التطور والتميز والابداع التقني في مجال أضحى هو سيد الساحة العالمية بلا منازع. ونحن عندما نعتقد بأن نيلنا لشهادة الدكتوراة أو الماجستير هو نهاية الطريق هذا فهم خاطئ بل متخلف للغاية ونحن نقراء حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد"، لماذا لا يتوقف هؤلاء وأولئك في جاليات سودانية آخرى عن هذا اللهو غير المفيد ومن ثم الاهتمام بالبحث العلمي وتجويد العمل الاكاديمي من أجل خدمة البشرية أين ما وجدت.
وفي ختام هذه المقالة لا بد أن أحيي القُدوة الحسنة الدكتور العالم الأديب الاجتماعي الفنان الرمز السوداني الأصيل المعز عمر بخيت على ما قدمه للبشرية من جهود علمية خالصة للإرتقاء بها إلى آفاق رحبة من العيش بسلام وبكرامة رافعاً راية السودان في كل المحافل الدولية، وأسأل الله تعالى صادقاً أن يبارك لنا فيه وفي جهود الخيرة والمباركة، هذا الرجل الذي أصبح رمزاً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان لم تغُره جوازات سفر كبرى دول العالم، لكنه آثر الاستمساك بالجواز (الأخضر) والذي يُعبر عن قيم ومعاني يجهلها كل ساساتنا وولاة أمرنا والذين يسعون لنيل جوازات سفر أخرى أوربية كانت أو عربية، كما أحي في هذا المقام كل الجهود العلمية السودانية المُخلصة التي تعمل في ظروف صعبة وتمسك على جمر الصبر من أجل انسان السودان..وبارك الله في كل الأعمال المخلصة والتي تنفع البشرية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة