|
محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان
|
في احدى رحلات الخطوط الجوية السودانية من الخرطوم الى لندن في نهاية التسعينات، وقفت المضيفتان تتهامسان خلف الستارة في نهاية مقاعد الدرجة السياحية و لم تنتبهان لصديقي الذي كان واقفاً خلف الجانب الآخر من الستارة .. صديقي كان يعاني من مرض الباسور ولا يستطيع الجلوس لفترة طويلة وكان في رحلة إستشفاء الى لندن ولذلك كان يبقى واقفاً في نهاية الممر كلما احس بالألم من الجلوس خلال ساعات الطيران الطويلة و شاءت الظروف ان يسمع صديقي جزءاً من حديث المضيفتين دون ان يقصد التلصص عليهن .. احداهن: يلا نبدأ تقديم الوجبات المواعيد جات الأخرى: احيييييييي ياكلو السم و الله كرعيني واجعني فذهب صديقي الى مقعده وعندما بدأ طاقم الضيافة بتقديم الوجبات حرد صديقي الأكل و رفض تناول اي طعام او شراب طوال الرحلة ..
بدأت بهذه القصة الحقيقية التي حدثت لأحد اصدقائي لأوضح ان ازمة سودانير ليست ازمة طائرات او صيانة او اجهزة ارصاد او اجهزة سلامة و غيرها، بل في واقع الأمر ازمة سودانير هي ازمة شاملة و سودانير – كغيرها من المرافق الأخرى – تعاني من مرض عضال استشرى في كل جسدها من رأسها وحتى اخمص قدميها وصار المواطن السوداني المغلوب مؤخراً يدفع ثمن فشل هذه المؤسسة من عمره فأصبحت حوادث سقوط الطائرات متكررة و سخيفة بل أصبحت رحلات سودانير مؤخراً اقصر الطرق للدار الآخرة .. قبل ان اتعرض لأسباب الفشل لابد من تحديد الجهات التي تتحمل مسئولية فشل هذه المؤسسة، و دعوني اشملها في الجهات الآتية:
1- الحكومة لا نعفي الحكومات المتعاقبة منذ الإستقلال من تحمل جزءاً من فشل قطاع الطيران في السودان و لكن تبقى الحكومة الحالية هي المسئول الأكبر من هذا الفشل، ببساطة لأنها صاحبة اكبر سجل في حوادث سقوط الطائرات و في عهدها وصلت سودانير و خدمات الطيران الى اسوأ حالة يمكن ان نتصورها و وصلت المحسوبية و الإختلاس الى اعلى درجاتها ولذلك يقع عليها الجزء الأكبر من المسئولية .. الحكومة هي الجهة التي تصدر القرارات بتعين المسئولين في رئاسة هيئات الطيران و هي الجهة التي باعت نصف اسهم شركة سودانير للكويتيين و هربت من مسئوليتها تجاه موظفيها و عمالها في هذا القطاع الحيوي و هي الجهة التي فشلت في تقديم الدعم اللازم لكل المرافق العامة حتى تقوم بواجباتها تجاه الوطن و المواطن، كما فشلت في محاسبة المقصرين في واجباتهم للأسباب التي تعرفونها جميعاً .. 2- الهيئة العامة للطيران المدني هذه ايضاً تتحمل جزءاً كبيراً من الفشل لأن اهم واجباتها هو تنظيم الطيران و التأكد من سلامة الطائرات و خضوعها للفحص و الصيانة الدورية ..
3- شركة سودانير كانت شركة سودانير كغيرها من شركات القطاع العام مملوكة للدولة و تخضع لإدارة تحت إشراف الدولة قبل ان تبيع الحكومة نصف اسهمها للكويتيين لتصبح شركة مساهمة في إطار سياسة الخصخصة التي اتبعتها هذه الحكومة للعديد من المرافق العامة تم بموجبها تشريد الآلاف من العمال و الموظفين و اهدرت حقوقهم، و بالرغم من دخول الكويتيين كشريك للحكومة في سودانير إلا ان مسلسل الفشل ظل متواصلاً بل وصل لأقصى مدى مؤخراً .. سودانير فشلت على مدى اكثر من ستين عاماً في تقديم خدمات معقولة لركابها إبتداءً من خدمات الحجز مروراً بخدمات المطار و حتى خدمات الضيافة الجوية ولا تزال هذه الخدمات متواضعة جداً واصبح السائد و العادي ان تتأخر مواعيد الرحلات و الإستثناء ان تقلع الرحلات في موعدها..
4- إدارات المطارات وعلى رأسها إدارة مطار الخرطوم و هذه الإدارة ايضاً تتحمل جزءاً من الفشل .. الفوضى الضاربة في مطار الخرطوم كمثال لا تخفى على عين و ما زال المسافرين و المودعين و المستقبلين يعانون من الإذدحام و عدم النظام و قذارة المراحيض و غيرها هذا بالإضافة لسوء المعاملة داخل الصالة من موظفي المطار للركاب و المسافرين .. و نحن – يا كافي البلا - بعكس خلق الله في كل بلاد الدنيا موظفي مطاراتنا دائماً عابسين و مكدرين ولا يتوانون للحظة في تفريغ شجنات غضبهم في الركاب المسافرين منهم او القادمين، مع العلم ان اي دوله تحترم نفسها و شعبها تضع اكثر الناس تحملاً للعمل تحت الضغط و اكثرهم قدرة على الإبتسام و اكثرهم رقة في التعامل مع الناس تضعهم في واجهة مطاراتها ببساطة لأنهم واجهة الدولة لأي قادم و هم الذين يرسمون الإنطباعين الأول و الأخير لأي زائر لبلادهم .. ربما تكون هناك جهات اخرى تتحمل جزءاً من مسئولية الفشل لم نتعرض لها و لكن تبقى هذه هي الجهات الرئيسة التي تتحمل مسئولية فشل قطاع الطيران في السودان على مدى عشرات السنين ..
اسباب الفشل في اعتقادي ان السبب الرئيسي في فشل قطاع الطيران في السودان هو فشل إداري بحت، إذ فشلت الإدارات المختلفة في إدارة مرافق الطيران و الشحن و المطارات، و كل مظاهر الفشل التي نراها امامنا اليوم ابتداءً من قذارة المراخيص في المطارات و حتي سقوط الطائرات ما هي إلا نتائج سياسات هذه الإدارات الفاشلة التي لا تهتم بسلامة الأنسان ولا مال الدولة ولا مظهر الوطن الحضاري فمن يزرع الحنظل لن يحصد العنب، ولكن دعوني اتعرض لخمسة من أسباب الفشل الرئيسية الأخرى و التي كان بالإمكان تداركها لو كانت الدولة و مؤسسات الطيران تهتم بالإنسان و سلامتة و لو كانت حريصة على سمعة الوطن ..
1- قلة عدد الطائرات و الأسطول الجوي كان سبباً في إرهاق الطائرات لتغطي كل الرحلات و لو ما عندنا طائرات كفاية مافي داعي ننظم رحلات أكثر من طاقتنا ..
2- عدم وجود اجهزة الإرصاد الحديثة و اجهزة التحكم الآلي، والكثير من مطارات و طائرات العالم اليوم مزودة بأجهزة الطيار الآلي القادرة على مساعدة الطائرات على الهبوط في اسوأ الأحوال الجوية و إنعدام الرؤية و تحديد سرعة الهبوط حسب سرعة الرياح و اتجاهاتها ..
3- عدم وجود الصيانة الدورية للطائرات حتى تطابق المواصفات العالمية المعروفة و إقتقارنا لورش الصيانة الحديثة ..
4- عدم التأهيل الكافي للعاملين في حقل الخدمات الأرضية من مكاتب الحجز و حتى بوابات المغادرة و عدم تعاملهم بالإحترافية المطلوبة ..
5- عدم وجود اجهزة السلامة الحديثة التي تتزود بها المطارات مثل عربات المطافئ و اجهزة اكتشاف الحريق و الإسعافات الأولية و عدم كفاءة الموجود منها بالإضافة لعدم وجود او تأهيل فرق الإخلاء السريع و السيطرة على الكوارث الجوية بالسرعة و الإحتراف الكافي .. بالطبع يمكن رصد العشرات بل المئات من اسباب الفشل و مناطق الجروح التي يجب علاجها بالسرعة القصوى و لكن ربما كانت هذه هي الأسباب الرئيسية ..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | elsawi | 07-01-08, 09:35 PM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | elsawi | 07-01-08, 09:40 PM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | Adam Omer | 07-01-08, 09:57 PM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | Adam Omer | 07-01-08, 09:57 PM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | elsawi | 07-02-08, 03:28 AM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | ابراهيم عدلان | 07-02-08, 04:47 AM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | malamih | 07-02-08, 05:13 AM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | elsawi | 07-02-08, 03:45 PM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | elsawi | 07-02-08, 03:42 PM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | Adil Osman | 07-02-08, 08:40 AM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | Adam Omer | 07-02-08, 07:49 PM |
Re: محاولة لإيجاد حلول لمشاكل الطيران المدني في السودان | elsawi | 07-03-08, 07:03 AM |
|
|
|