عثمــــــــــان حسين؟؟؟؟؟

Quote: التقاه ببورتسودان: محمد غلامابي هذه هي الحلقة الثانية من حوار (السوداني) مع الشاعر حسين محمد سعيد ابوبكر بازرعة، وهو حوار كم تمنيته أن يطول، فبازرعة ظل يلتزم الصمت فترة طويلة، ولا يعبأ بالمشهد الثقافي والفني، وغني عن القول هنا إنه لم يلج الى دنيا الشعر اعتباطاً، لكن ولجه بقدم راسخ، ومخزون ثقافي ومعرفي كبير أنجزه بنفسه بعيداً عن الكتب، ودواوين الدولة وأجهزتها الرسمية، وبازرعة بعد بما قدمه من تجربة ثنائية خالدة مع الفنان الكبير عثمان حسين وحدها كفيلة بهذ الاحتفاء، والتقدير. أدفع بالنص لعثمان ليلحنه، وهذه طريقتي في كتابة الشعر سألناه عن طريقة عثمان حسين في تلحين أشعاره؟ وما إذا كان يشاركهم (بروفات) العمل؟ فرد بالقول. أنا لا أتدخل مطلقاً في مسألة الألحان لعثمان، ولم أشارك مطلقاً في ما أسميته أنت بـ(الورش الفنية) وكل الذي أفعله أنني أدفع بالنص لعثمان فيقوم بتلحينه علي طريقته الخاصة، وكثيراً ما كنت أحضر عثمان وهو يقوم بالتلحين عندما كان يأتيني بجدة، فطريقته ليست واحدة، فهو أحياناً يبدأ تلحين النص من أوسطه، أو آخره، ثم يعود الى أوله، وهكذا، فلم يحدث أن طلب مني عثمان المساعدة في لحن، أما طريقتي في الكتابة أنني أبدأ القصيدة في قهوة، مكان عام، أو خاص، على ورقة أحملها في يدي، ثم أعود إلى البيت، فأعيد النظر الى البيت الذي كتبته، فإذا كتبت البيت الثاني خلاص (فتح الفتاح) كما يقال، فأكتب القصيدة مهما كانت طويلة. لكنك توقّفت عند محطة عثمان حسين ولم تتعداه إلى فنان آخر؟ لم تكن لدي الرغبة إبتداءً في أن اكون شاعراً غنائياً مطلقاً، ولم أخطط لذلك، وثنائيتي مع عثمان ربما كانت بسبب الصداقة التي بيننا، وصدقني أنا لا أعتبر نفسي شاعراً غنائياً، فقد ظلت ميولي دوماً كتابة الشعر الفصيح دون العامي، رغم أنني كتبت بهما معاً، لكني أقول لكم ولأول مرة أنني كنت أعدّل في قصائدي لأجل عثمان. هل يعني هذا أنك طرقت جوانب أخرى في الكتابة؟ (تبسّم)، وسكت لبعض الوقت كمن يستدعي الذاكرة، ثم قال: نعم، كتبت قصة الى مجلة الهلال للأطفال، وكنت وقتها طالباً بالمدرسة الاهلية، وبسببها نلت اشتراكاً مجانياً لمدة عام، ولم يكن للقصة موضوع معين أذكره الآن، لكنها رغم ذلك لم تكن قصة بالمعنى المعروف للقصص، وإنما كتبتها لأنني كنت أود أن أظهر أمام زملائي الطلاب بمظهر المتعلم، فقد كنت في ذلك الوقت اقرأ للزيات، وطه حسين، وغيرهما. هل كانت تتوافر مثل هذه الكتب بالمدرسة على أيامكم؟ لا.. لم تكن متوفرة بالمدرسة، كانت تأتيني الكتب من خارج المدرسة، ولا أظن هناك مكتبات مدرسية في أيامكم هذه؟ اجبناه بالنفي، فقال: المكتبات أمر ضروري ومهم جداً بالمدارس الأولية. والدي ختمي شاعر، وختمي كبير.. هل بأسرة بازرعة من يكتب الشعر أو أياً من ضروب الأدب؟ والدي كان شاعراً، وكتب الكثير من الشعر في مدح السيدة مريم (يرحمها الله)، فقد كان ختمياً كبيراً، وفي أحفادي عبد الرحمن، بالسعودية، و(نوفان) تكتب الشعر بالانجليزية. التلفزيون يعاني من عزلة المبدعين.. كيف يرى بازرعة الغناء السوداني؟ أشاهده، وأستمع إليه بأسف، والذي أراه بالتلفزيون شيء فقير جداً، وربما يكون مرد ذلك الى عدم تعاون المبدعين معه، وهجرهم له، ولو طلبت لحوار في هذا التلقزيون لن أفعل، فعندما يقدم المادة الجادة سأكون هناك، بل يمكنني القول إنه ليس هناك إعلام حقيقي بكافة أشكاله في السودان..فـ.. قاطعته: تعني كافة ضروب الاعلام؟! نعم، كل الاعلام، فكلمة الاعلام هذه يا ابني كلمة كبيرة، وشاملة.. ما هو المطلوب إذاً لتقديم إعلام جيد؟ فرد سريعاً: يعطوا ما لقيس لقيس، وما لقيصر لقيصر، يعني (إدوا العيش لخبازه).. قاطعته مرة أخرى.. هل تعني أن الكادر الموجود الآن ضعيف؟ يا سيدي الإعلام الموجود الآن إعلام حكومي، يسبّح بحمدها ليل نهار، وأعتقد انهم يدركون هذه الحقيقة. ظروف إيقاف أغنيتك (القبلة السكري) لعثمان حسين؟ لا اعرف شيئاً عن ظروف إيقافها، فقد أخبرني عثمان أن سبب إيقافها بسبب كلماتها، وأن به ذكر للخمر، وهم لا يدركون أن الخمر لها في قاموس العربية ألف معنى، فتقبلت قرار إيقافها بشكل عادي، فالقرارات لا توقف الاشعار. قمنا بدورنا.. وعلى الجيل الحالي أن يبرز نفسه وكيف ترى أشعار الجيل الحالي من الشعراء؟ أنا لن اقف أمام حركة التأريخ، قطعاً لهذا الجيل طريقته في التفكير، وكل الذي أرجوه ان يطوّروا من انفسهم من الجيد الى الاجود، لكن ما أستمع اليه من غناء كله رقص، وإذا كنتم ترون اننا جيدين فنحن لعبنا دورنا في وقتنا، وعلي الجيل الحالي ان يبرز مهاراته، خصوصاً وان ما يتوافر له نجده نحن، فالعالم يتطور الى الافضل. الحكومة الحالية ضد الفنون؟ صحيح أن الحكومة الحالية تقوم على عقيدة إسلامية، لكن الإسلام لم يكن ضد الفنون، لهذا أري انها (أي الحكومة) هي سبب هذا التردي في الفنون. ألا يوحي هذا بأن هجرتك عن السودان بسبب مواقف سياسية؟ هجرتي الى المملكة ليس لها علاقة بالسياسة، فأنا لا أعمل فيها، إنما كنت أودي واجبي العملي فقط. هل كنت تتابع الحركة الفنية في السودان من مهجرك؟ فسألنا بدوره: هو في حركة فنية في السودان؟ (صمتنا) فواصل أحياناً ما أشاهده من مسرحيات مثلاً في منتهى الضعف، فالحركة الفنية كأنها في الطور الابتدائي. الحقوق المادية والأدبية؟ لم آخذ من حكومة السودان، ولا من الأجهزة الإعلامية شيئاً، سوى مقابل مادي صغير منحتني له الإذاعة بمبناها جوار عمارة البن بأم درمان، عندما كنت طالباً بالثانوي مقابل قصيدة (القبلة السكري) في منصف الاربعينيات، لكن عثمان حسين كان عندما يخرج البوم يخبرني بما لدي من مال، ولم أكن في حاجة الى المال، لكنه عندما عدت الى السودان مؤخراً حمل اليّ مبلغاً من المال، رغم انني لم أطلب منه ذلك، وللتأريخ لم يحدث ان اختلفت معه، لأن أسباب الخلافات جميعها بين الفنانين بسبب المال. الوزير الصادق المليك سأله عن الطائر الذي حمّله اشواقه الى الوطن والروايات حول أي وطن يعني؟ لم أكن أقصد سنكات أو جبيت كما يقال، او أي مكان آخر إنما كنت أعني بالوطن السودان جميعه. البعض يرى في بعض أشعارك كبرياء وعناداً ظاهرين؟ الكبرياء ليس بشرط ألا يكون ضد الضعفاء، وهذه طبيعة تربينا عليها، وكنت أعبر في ما أكتبه عن الواقع. عودة الى الهجرة، هل كان بازرعة يشارك في الأنشطة الثقافية بجدة؟ كنت أشارك متى ما دعيت في كافة الانشطة للسودانيين هناك، وقد كانت لي مشاركات راتبة مع السفارة السودانية، والقي قصائد في أعياد الاستقلال، فليست لي قصيدة محببة كما يقال، فالقصيدة ادعها خلفي بعد كتابتها ولا احب الحديث عنها أو سماعها، فأنا دائماً انظر الى الامام، الى المستقبل، لكن صحيح هناك بعض القصائد لها وزن يختلف عن الاخرى. دواوينك الشعرية التي حدثتنا عنها متى ستصدر؟ لا أحدد موعداً لصدورها، لكنني اتفقت مع دار نشر بعمان عن طريق أحد أقاربي، ويتوقع أن اتفق مع تلك الدار، وتضم الدواوين أشعار من النوع الإجتماعي، السياسي، الوطني، الغزلي، وهكذا. وأول الدوايين هو(البراعم)، يضم اشعاري الاولى، والدواوين أعدها لتكون فرصة لتقييمها من قبل النقاد. قصة الوكر المهجور؟ كنت موجوداً بمنزل الصديق إبراهيم أبوشنب، وهو أحد ظرفاء مدينة سنكات، وكنت أقضي معه اوقاتاً طويلة، وقد زرته بسنكات عقب عودتي، وهو يعرف المعنية بـ(الوكر المهجور)، وليس لبيت أبوشنب علاقة بالوكر المهجور كما يقال. (ثم طلب إيقاف التسجيل)، ففعلنا. ألجأ إلى السكون والهدوء، وأهرب من سماع عثمان حسين. وعن دموعه التي زرفها وهو يلقي قصيدة (ليل الوحدة) ببرنامج أسماء في حياتنا، قال. لا أذكر بالضبط سبب الدموع، لأن الذكريات صعبة على المرء، واحياناً تكون قاسية ومرة عليه، فأحب في هذه العمر اللجوء الى السكينة والهدوء، وأهرب من سماع أغنيات عثمان حسين، لأنها تعيدني الى الماضي. أصدقاء بقوا في ذاكرة بازرعه؟ من بورتسودان الشاعر المجيد محمد المهدي المجذوب، وهو شاعر مجيد من بربر، ومحجوب عمر باشري أستاذ اللغة العربية بالمدرسة الاغريقية جوار السينما وآخرون، ومن الخرطوم السر دوليب، ومصطفى سند. أرفض تكريم الدولة. سألته عن التكريم الذي تلقاه؟ فرد. سبق أن تم تكريمي من قبل الجالية السودانية، وجموع السودانيين في الخارج، وقد كرمت بورتسودان ابنها، لكنني أرفض تكريم الدولة، ولا أريد لها أن تدخل في حياتي الخاصة، فهي ملكي أنا، وعلى ذكر ذلك فإنني الحظ أن أوضاع الفنانين في هذا البلد، ويتلقون الفتات فعليهم الثورة على تلك الاوضاع. الاسرة؟ بالمناسبة أنا توأم لأم الحسن، ولدي ثلاث أخوات توفين الى رحمة الله، وعلى قيد الحياة الآن ثلاثة، ووالدي تزوج من امرأتين، توفت الاولى التي انجب منها بنتا، وهي من أسرة (الدروبي)، ثم تزوج من والدتي، ووالدي هدندوي بالاصل، وأخي الاكبر هو سالم، ومحمد سعيد، وبكر هو الأصغر، والاسرة كانت بسواكن، فوالدي كان يعمل مديراً للمحلج هناك، ودرست الاولية بسنكات، ثم أخي الاكبر نقلنا الى بورتسودان، وفيها درست بالاهلية، وكان أستاذي فيها أحمد سليمان المحامي، وأحمد سليمان والد بدر الدين سليمان كان (ناظر) المدرسة، وكان بدر الدين ابنه زميلي بالمدرسة. ما الذي يشغل تفكير بازرعة؟ وكيف يرى مستقبل البلاد؟ أفكر في مصير البلاد، وكتابة أشعاري، فالقصيدة عندما اكتبها أشعر بوجودي، وأتفاءل بوضع أفضل للسودان، وأوصي الاجيال بالقراءة والتعلم، ولست في موقف الناصح للأجيال الحاضرة، لكن عليهم بالأمانة والصدق. على هامش الحوار: بازرعة: أقضي يومي خلف التلفزيون، ويؤانسني فنان بورتسودان محمد أبو زيد. قصيدة (أزمة ثقة) التي دفعت بها لعثمان قبل عشر سنوات، ولم يتغن بها. لا أرى حركة فنية أو ثقافية ببورتسودان، ومحمد البدري، فنان مجتهد، وندى القلعة صوتها (تريان). أنا ولدت يوم الجمعة في شهر تسعة من سنة 1934م.