مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 08:43 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-05-2008, 10:40 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين

    نشرت هذه الدراسة القيمة في صحيفة سودنايل..و نعيد نشرها للفائدة..و اتمنى أن يدار حولها نقاش مثمر..و التحية لدكتور امين حامد زين العابدين..ونستمحيه عذار في نقل الدراسة الى هذا المنبر ..



    كبر





    مشكلة أبيي ، uti possidetis juris(مبدأ قدسية الحدود الموروثة من الإستعمار)

    والطريق إلى الحل

    د. أمين حامد زين العابدين

    واشنطون دي سي
    [email protected]

    "تحتاج بعض أنواع التنظيمات القانونية إلى تغيير مستمر لمواجهة الاحتياجات الجديدة لمجتمع في طور النمو ، ولكن في مجتمع منظم تكون حدود الأراضي من أكثر المؤسسات إستقراراً".

    Jennings, the Acquisition of Territory in International Law (1963) P.70

    "ربما يؤدي فتح باب الوضع القانوني للحدود في الدولة إلى نتائج وخيمة ويهدد بالخطر حياة الدولة ذاتها "

    911LR 543,578, Bowett "The Dubai / Sharjah Boundary Arbiration of 1981 "This year Book, 65 (1994)P-103.

    "إننا نسعى جاهدين للالتقاء باخواننا الجنوبيين حول نظام يوفر السعادة والرفاهية لنا جميعاً ويوطد أواصر المحبة والسلام بين مختلف أجزاء القطر ... وسوف نقبل طواعية أي وضع يبلغ بنا هذا الهدف ولا يهم أن يسمى ذلك النظام بالفيدرالية أو الحكم الإقليمي. ونحن كافريقيين نعلم جيداً أن قرارات منظمة الوحدة الأفريقية تنادي بأن تعلن الدول المنضوية تحت لوائها في تأكيد وعزم أنها تحافظ على الحدود التي ورثتها عندما نالت الاستقلال".

    إسماعيل الأزهري، خطبة أمام مؤتمرالمائدة المستديرة 1965.



    وضعت اتفاقية السلام الشامل التي تم توقيعها في9 يناير 2005 نهاية للحرب الأهلية الثانية التي عانى منها السودان منذ عام 1983 وأحدثت تحولات أساسية في البنى الاقتصادية والإجتماعية إلى جانب استعادة الدولة المدنية الديموقراطية التي تضمن التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة . وتعالج هذه الدراسة مشكلة أبيي التي أثبتت الأحداث أنها العقبة الأساسية في مسار اتفاقية السلام وربما تؤدي إلى انهيارها إذا لم يتم التوصل إلى تسوية بشأنها قبل نهاية الفترة الانتقالية. وبما أن النتيجة الحتمية لممارسة حق تقرير المصير بعد الاستقلال للمرة الثانية في أحد البلدان بواسطة جزء من سكانها هي انفصالهم من الوطن الأم وتأسيسهم لدولة مستقلة، فإننا نعتبر مشكلة أبيي نموذجا ًللمجموعات الأثنية التي اجبرتها الظروف للهجرة من موطنها الأصلي للاستقرار في اراضي مجموعة أثنية تختلف عنها ومطالبتها في فترة لاحقة بضم الأراضي التي استوطنوا فيها إلى داخل حدود وطنهم الأصلي. ومن أمثلة ذلك الصوماليون الذين هاجروا من الصومال إلى كينيا واثيوبيا ومطالبتهم بضم الأراضي التي استقروا فيها إلى الوطن الأم، والأرمن الذين هاجروا إلى اذربيجان واستقروا في اقليم ناغورنوكاراباخ ومطالبتهم بالانضمام إلى جمهورية أرمينيا التي نالت استقلالها بعد زوال الاتحاد السوفيتي السابق والأقلية الصرب في جمهورية كرواتيا وجمهورية البوسنة – الهرزك الذيم طالبوا بضم اراضيهم في الدول المذكورة إلى موطنهم الأصلي في جمهورية صربيا بعد زوال يوغوسلافيا.

    وتناول برتوكول ابيي وتقرير لجنة خبراء مفوضية حدود ابيي مشكلة المنطقة المتنازع عليها من منظور احادي ضيق وذلك بحصرها في اطار نزاع قبلي بين المسيرية ودينكا نقوك حول ملكية اراضي المنطقة وتجاهل البعد الشامل للمسألة الذي يتمثل في حقوق حكومة السودان صاحبة السيادة على كل اراضي البلاد ومطالبة حكومة جنوب السودان بضم المنطقة الى اراضيها الاقليمية بعد ان تمكنت من تضمين حق تقرير المصير في الاتفاقية .

    وتعتبر مشكلة أييي انعكاسا للمشاكل المستعصية التي تفرزها محاولة ممارسة حق تقرير المصير في دولة مستقلة بعد حقبة تصفية الاستعمار والتي تكون نتيجتها الحتمية انفصال مجموعة سكانية من الوطن الأم وتأسيسها لدولة مستقلة وذلك مثل النزاع بين حق تقرير المصير ومبدأ أوتى بوسيتيديس الذي يحمي الحدود الموروثة من الاستعمار من التغيير والتعديل ويقود إلى تحويل الحدود الداخلية إلى حدود دولية بمجرد انفصال المجموعة السكانية من الوطن الأم. وأوضح التقسيم الذي تعرضت له الهند في عام 1948 النتائج الكارثية التي عادة ما تعقب عملية تقسيم الدولة خاصة إذا ما أراد أحد الأطراف بعد الإستقلال فرض مطالبه بالقوة في إحدى المسائل المتنازع عليها قبل التقسيم مما يؤدي إلى العنف واندلاع الحرب وتهديد الأمن والسلام. ونجادل في هذه الدراسة بأن المعيار لتحديد إذا ما كانت ملكية منطقة أبيي تؤول إلى إقليم شمال السودان أو إقليم جنوب السودان هو موقع المنطقة المتنازع عليها في لحظة استقلال السودان في 1/1/1956 لسببين رئيسيين أولهما ظهور النزاع بين تقرير المصير ومبدا أوتي بوسيتيدس والذي يحسمه القانون الدولي لصالح مبدا أوتي بوسيتيديس لكي يتم الحفاظ على الحدود الموروثة من الاستعمار بدون أي تغيير. والسبب الثاني هو احتمال انفصال جنوب السودان من الوطن الأم وتأسيسه لدولة مستقلة بعد الاستفتاء مما يؤدي إلى تحول الحدود الداخلية بين الشمال والجنوب إلى حدود دولية بمقتضى مبدأ أوتي بوسيتيديس والذي يترتب عليه دخول مبدأ صيانة وحدة أراضي الدولة إلى حيز التنفيذ وحماية القانون الدولي لمنطقة ابييي تبعاً لذلك حتى لا يتم تمزيق وحدة أراضي الإقليم الذي كانت تقع فيه في 1/1/1956.

    ونجادل في الجزء الخاص بالأصل التاريخي لمشكلة ابيي بأن تبعية وملكية منطقة ابيي قد كانت تؤول الى مديرية كردفان في عهد الحكم التركي ودولة المهدية وبحكم وقوعها في شمال بحر العرب وجنوب كردفان ولم تكن ابدا ضمن الحدود الجغرافية لجنوب السودان .

    وقررت سلطات الحكم الثنائي بعد غزو السودان والقضاء على الدولة المهدية بان يستمر وضع المنطقة كما كانت عليه في السابق باصدارها قرارا في عام 1905 ينص على ايلولة ملكية موطن سلطان اروب زعيم دينكا نقوك الذي يقع على نهر كير او بحر العرب , الى مديرية كردفان مما يعني ان منطقة ابيي لم تحول من بحر الغزال الى مديرية كردفان كما ذكر خطأ بروتوكول ابيي في تعريفه لمشيخات دينكا نقوك التسعة . ويثبت ذلك عدم وجود اي خريطة او وثيقة تشير الى اعادة ترسيم الحدود لاكمال عملية تحويل منطقة ابيي من بحر الغزال الى كردفان .

    ونبدأ هذه الدراسة بتقديم نبذة عن حق تقرير المصير الذي نعتقد أنه من اضعف جوانب الاتفاقية لتهديده بتمزيق وحدة اراضي السودان. ونناقش بعد ذلك مبدا أوتي بوسيتيديس الذي أدى تجاهله في بروتوكول أبييي وتقرير لجنة الخبراء إلى الثغرات والعيوب التي اعتورتهما والتناقض الواضح بينهما وبين بروتوكول مشاكوس الذي يعتبر الاطار الاساسي الذي بنيت عليه كل البروتوكولات اللاحقة مما يستلزم تعديل الاتفاقية لإزالة ورفع هذا التناقض. ونعالج بعدذلك الأصل التاريخي لمشكلة أبيي يعقبه تحليل ونقاش لبروتوكول أبيي وتقرير لجنة الخبراء ثم نقدم بعد ذلك تصور واقتراح لحل مشكلة أبيي.



    حق تقرير المصير:

    يمكن تعريف حق تقرير المصير بأنه حق الشعوب لتقرير أوضاعها السياسية، والاقتصادية بحرية. واكتسب المبدأ منذ ظهوره في العصر الحديث مظهرين أحدهما خارجي مثلما مارسه الشعب الأمريكي في حرب الاستقلال ضد الاستعمار البريطاني ونجاحه في تحقيق الإستقلال والآخر داخلي مثل نجاح الشعب الفرنسي في القضاء على الحكم الاستبدادي واختياره نظام الحكم الديموقراطي الذي يستمد شرعيته من رضا المحكومين ويضمن لهم التعددية والحرية وحقوق الإنسان.(1)

    وقامت دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بتطبيق حق تقرير المصير استناداً على المبدا القومي والأثني وتم بمقتضاه منح الاستقلال لبولندا، يوغوسلافيا، تشيكوسلوفاكيا، لتوانيا، استونيا، ولاتفيا التي كانت تخضع لحكم الامبراطوريات المهزومة(2). و لم تمنح المجموعات الأثنية التي تنتمي للدول المهزومة حق تقرير المصير والاستفتاء مثل الالمان في منطقة تيرول بايطاليا والألمان في الألزاس واللورين وسيليزيا العليا وسوديتلاند، بينما تم منح سكان منطقة شيليزويج التي ضمت إلى المانيا في عام 1864 حق تقرير المصير للانضمام إلى الدنمارك.(3)

    وارتبط حق تقرير المصير بعد الحرب العالمية الثانية بتصفية الاستعمار ، وأصر مندوب الاتحاد السوفيتي اثناء المداولات لصياغة ميثاق الأمم المتحدة على تضمين عبارة "تنمية العلاقات بين الدول استناداً على مبدأ الحقوق المتساوية وحق تقرير المصير" ضمن أهداف المنظمة (4) وأصدرت الأمم المتحدة في ديسمبر 1960 القرار رقم 1514 بعنوان " إعلان منح الإستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة " والذي طالب باتخاذ الخطوات اللازمة لتحرير واستقلال هذه الشعوب "ونقل كل السلطات لشعوب هذه الاراضي المستعمرة (5) واعتمد القرار على معيارالأرض الإقليمية كوحدة سياسية خاضعة لحكم أجنبي بدلاُ من المعيار الإثنى بسبب تعدد وتنوع المجموعات الأثنية في المستعمرة الواحدة والذين تم اعتبارهم كشعب واحد يحق له ممارسة حق تقرير المصير لتحقيق الاستقلال للأمة التي ينتمون إليها. ولكيلا تطالب بعض المجموعات الأثنية بالإنفصال من الوطن الأم المستقل حديثاً، أكد القرار 1514 ضرورة صيانة الوحدة الوطنية للبلدان المستقلة واعتبار أي محاولة للتمزيق الجزئي والكلي لوحدة اراضيها انتهاكاً لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.(6)

    وحرصت الدول الأفريقية على احتواء ومنع نشاط الحركات الإنفصالية بتبني نظرية الماء المالح لتحديد مجال تطبيق تقرير المصير التي تنص على تطبيقه ببعده الخارجي في حالة الاراضي التي تفصلها عن عاصمة الدول الإستعمارية بحار ومحيطات ويختلف سكانها عرقياً وثقافياً عن سكان المستعمرة التي تديرها (7) وأشار بروفسور توماس فرانك في هذا السياق إلى أن الدول الأفريقية الناشئة قد تمكنت من اقناع الأمم المتحدة بضرورة ممارسة حق تقرير المصير في إطار الحدود الإستعمارية الموجودة فقط .(8)

    وينعكس منع القانون الدولي للمجموعات الأثنية من استخدام حق تقرير المصير لتهديد وحدة اراضي الدول المستقلة حديثاً في إدانة الأمم المتحدة لانفصال إقليم كاتانقا من الكونغو في عام 1960 وقرار مجلس الأمن العام الصادر في عام 1961 لمساعدة الكونغو ضد الانفصاليين والمطالبة بايقاف نشاطهم فوراً.(9) كما أدان يوثانت السكرتير العام للأمم المتحدة إعلان قبيلة الأيبو الانفصال عن نيجيريا وتأسيس جمهورية بيافرا في مايو 1967 بقوله " عند إنضمام الدولة للأمم المتحدة يوافق كل الأعضاء ضمنياً على سيادتها ووحدة أراضيها، أما فيما يختص بسؤال انفصال جزء معين من الدولة فإن موقف الأمم المتحدة واضح لا لبس فيه باعتبارها منظمة دولية، لم توافق الأمم المتحدة ولا توافق، ولا أعتقد أنها ستوافق بالمرة على مبدأ انفصال جزء من أحد الدول الأعضاء بها." (10)



    وتجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة ما زالت تدين إلى اليوم حكومة شمال قبرص الإنفصالية وحكومة جزيرة مايوتي التي انفصلت من جمهورية كومورو في عام 1978 وتطالب الدول الأعضاء بعدم الإعتراف بهما.(11)

    وأخضع إعلان مبادئ القانون الدولي الذي أصدرته الأمم المتحدة في عام 1970 مبدأ تقرير المصير لقانون سيادة الدول حينما نص على عدم تفسير الفقرات الخاصة بتقرير المصير بأنه "تخويل أو تشجيع للقيام بفعل من شأنه التفكيك الجزئي أو الكلي لوحدة أراضي وسيادة الدول المستقلة" (12)

    وتطور مبدأ تقرير المصير بعد نهاية الحقبة الإستعمارية ليكتسب مظهره الداخلي ويصبح أحد حقوق الإنسان الدائمة مثل الحرية والمساواة. وتم ترسيخ هذا البعد الداخلي لتقرير المصير في المعاهدتين الدوليتين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الإجتماعية والإقتصادية.(13) ونصت المادة الأولى في كل من المعاهدتين على أن " لكل الشعوب الحق في تقرير المصير لتقرر بحرية اوضاعها السياسية وتتابع بحرية تطورها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي" (14) ولا يعني ذلك أن نص هذه الفقرة يتضمن حق الانفصال وإنما يسمح لجزء من سكان الدولة المتعددة الأعراق بممارسة تقرير المصير الداخلي فقط الذي يضمن لهم المزيد من السلطات والمشاركة الديمقراطية لحماية ثقافتهم . ويتضح ذلك من المادة 27 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية التي نصت "بعدم حرمان الأقليات العرقية، الدينية واللغوية من حق التمتع بثقافتهم الخاصة وإقامة شعائرهم الدينية واستخدام لغتهم مع الأعضاء الآخرين من جماعتهم.(15) وذكرت بروفسورة روساليند هيغينز أن المعاهدة الدولية للحقوق المدنية قد أشارت إلى حقين مختلفين: حق تقرير المصير للشعوب وحقوق الأقليات التي كفلتها المادة 27، إذ "لا يمكن للمرء أن يقول أن الأقليات هم شعوب ويتمتعون وفقاً لذلك بحق تقرير المصير ... لأنه لم يتم منح الأقليات حق تقرير المصير وإنما حق التمتع بثقافتهم وديانتهم ولغتهم، ويتبع ذلك أن القانون الدولي لا يمنح حق الانفصال للأقليات باسم حق تقرير المصير.(16) وطبقاً لذلك فقد رفضت لجنة حقوق الإنسان دعوى زعيم قبيلة الميلماق ضد الحكومة الكندية لحرمانها شعبه من ممارسة حق تقرير المصير ولمطالبته الاعتراف بأمة الميلماق كدولة لأن تقرير المصير لا ينطبق على الأفراد وإنما على الشعوب .(17)

    وينعكس البعد الداخلي لتقرير المصير في فترة ما بعد الاستعمار في التقرير الدوري الثالث الذي قدمته كولومبيا إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حيث أشار مندوبها أن لكل الشعب الكولومبي فرصة المشاركة في البنى الإجتماعية والسياسية وتغيير الحكومة عن طريق الانتخابات والمساهمة في رسم سياسة الدولة ... ويقوم بكل ذلك باسم حق تقرير المصير الذي كفلته المادة الأولى من المعاهدة الدولية.(18) ومنحت العديد من الدول مجموعاتها السكانية حق تقرير المصير الداخلي لتوسيع مشاركتهم الديموقراطية لإدارة شئونهم بسلطات واسعة بهدف احتواء النزعات الجهوية وذلك مثل منح الحكومة البريطانية لإقليم سكوتلندا حق الاستفتاء لتأسيس مجلس تشريعي للإقليم في عام 1997،(19) ومنح أسبانيا سلطات لامركزية إلى سكان اقليم الباسك ومنح الحكومة الكندية سلطات لامركزية لسكان إقليم كويبك بعد ازدياد نزعاتهم الانفصالية.(20)



    مبدأ أوتي بوسيتيديس جوريس:

    يعود أصل مبدأ Uti Possidetis Juris (وهي عــــبارة لاتينية تعــــني ما تملكه (As you Possess إلى القانون الروماني الذي يقر بأيلولة الممتلكات الغير منقولة والمتنازع عليها بين شخصين إلى الشخص الذي يملكها بحكم الواقع حتى ولو لم تكن لديه وثيقة اثبات الملكية بهدف الحفاظ على الوضع الراهن.(21) وظهر المبدأ في مجال القانون الدولي في بادئ الأمر لإسباغ الشرعية على ملكية الأراضي التي تقع في حوزة الأطراف المتحاربة بحكم الواقع بعد نهاية الحرب وعقد اتفاق سلمي.(22) وتطور المبدأ في العصر الحديث ليصبح أحد المعايير الهامة في القانون الدولي عندما تبنته شعوب امريكا اللاتينية التي نالت استقلالها من الاستعمار الأسباني في أوائل القرن التاسع عشر لحفظ الوضع الراهن للحدود الموروثة من الاستعمار بين الأقطار المستقلة واعتبار كل أراضي أمريكا الجنوبية مملوكة ولا توجد أراضي خالية ليست ملكاً لأحد Terra Nullius بهدف أبعاد القوى الأوربية الاستعمارية من غزو القارة واحتلال بعض أراضيها. وتم وصف هذا الوضع في قرار التحكيم في الحدود بين كولومبيا وفنزويلا الصادر في عام 1922 الذي ذكر: " عندما أعلنت المستعمرات الأسبانية في أمريكا الجنوبية استقلالها في العقد الثاني من القرن التاسع عشر، تبنوا في عام 1810 أحد مبادئ الدستور والقانون الدولي أطلقوا عليه إسم أوتي بوسيتيديس لتأكيد أن حدود الجمهوريات التي تأسست حديثاً ستكون حدود المقاطعات الأسبانية التي آلت لهم. وتميز هذا المبدأ العام بوضع حكم مطلق يفيد أنه بحكم القانون لا توجد أي أرض في أمريكا الأسبانية السابقة بدون سيد رغم وجود العديد من المناطق التي لم يتم احتلالها بو اسطة الأسبان وعدة مناطق لم يتم اكتشافها أو مناطق يسكنها الأقوام الأصليون. وتقرر أن تؤول ملكية هذه المناطق بالأحقية إلى الجمهوريات التي تم الحاق هذه الأراضي بها بحكم قانون ملكي قديم صادر من الوطن الأم أسبانيا. ورغم أن هذه الأراضي غير محتلة، فقد تم اعتبارها بأنها محتلة قانونياً بواسطة الجمهوريات الجديدة منذ اللحظة الأولى. وتم اعتبار أي تغول ومحاولة للاستعمار من الجانب الآخر للحدود او أي احتلال بحكم الواقع عديم المعنى ولا تترتب عليه أي نتائج قانونية. وتميز هذا المبدأ باستئصال النزاعات الحدودية بين الدول الجديدة. وأخيراً استبعد هذا المبدأ محاولات الدول الاوروبية الاستعمارية لغزو أراضي جديدة في أمريكا الجنوبية".(23)

    ويتضح من ذلك أن هدف تبني مبدأ أوتي بوسيتيديس حفظ السلام والأمن بين الدول الجديدة في أمريكا الجنوبية وابعاد القوى الدولية من التغول في أراضيها والتدخل في شئونها الداخلية.

    ويختص مبدأ أوتي يوسيتيديس بانتقال ملكية الأراضي وأماكن حدودها من الدولة الإستعمارية السابقة إلى دولة جديدة ويشير "إلى خط شرعي تم تأسيسه على أساس ملكية قانونية كما كان الحكم الذي تبنته الدول التي تعاقبت على حكم المناطق التي كانت تحكمها الامبراطورية الأسبانية"(24) واختلف الأمر في البرازيل بعد استقلالها من الاستعمار البرتغالي حيث تم تفسير المبدأ باعتباره حيازة ملكية الأرض بحكم الواقع Uti Posseditis de Facto ولا يشترط اثبات قانوني لملكيتها.(25) ويترتب على انتقال ملكية الاراضي حسب مبدأ اوتي بوسيتيديس انتقال السيادة إليها من دولة ذات سيادة سابقة إلى دولة جديدة مما يجعله جزءاً من المبدأ العام الذي يكفل الحماية والاستقرار للأراضي الإقليمية للدول (26) وبمجرد استقلال الدول عبر هذه الآلية، يبدأ تطبيق مبدأ أوتي بوسيتيديس "على الدولة كما هي، أي للصورة الفوتوغرافية لوضع الاراضي الموجودة آنذاك. اذ يجمد مبدأ أوتي بوسيتيديس ملكية الاراضي territorial title، ويوقف الساعة ولكنه لا يرجع عقارب الســاعة إلى الوراء. لذلك لايقــوم القانون الدولي بإجراء أي تجـــديد للقانون الذي وضعته الدولة الاستعمارية بشان الأراضي" (27)

    وتتحول الحدود الإدارية الداخلية التي رسمتها القوى الإستعمارية بين مستعمراتها إلى حدود دولية بعد استقلال الدول الجديدة مباشرة وفرض سيادتها على الاراضي الإقليمية التي تقع تحت حكمها. فكما ذكرت محكمة العدل الدولية عند النظر في قضية بوركينافاسو ضـد مالي "يقع جوهر مبدأ اوتي بوسيتيديس في هدفه الأساسي لتأمين الإحترام لحدود الأراضي الإقليمية في لحظة انجاز الاستقلال. وقد تكون هذه الحدود مجرد ترسيم بين تقسيمات إدارية مختلفة أو مستعمرات تخضع كلها لنفس السلطة الاستعمارية صاحبة السيادة ... وفي هذه الحالة ينتج عن تطبيق مبدا اوتي بوسيتيديس تحول الحدود الإدارية إلى حدود دولية بكل ما يحمله المصطلح من معاني"(28) ومن أمثلة ذلك تحول الحدود الداخلية بين الأرجنتين وبوليفيا وشيلي في عهد الاستعمار الأسباني إلى حدود دولية بين هذه الدول بعد أن نالت استقلالها، وتحول الحدود الداخلية في البنجاب والبنقال في عهد الاستعمار البريطاني بعد تقسيمها إلى شرق البنجاب وغرب البنجاب وشرق البنقال وغرب البنقال إلى حدود دولية بين الهند وباكستان بعد استقلالهما وضم الهند لغرب البنجاب وغرب البنقال وضم باكستان لشرق البنقال وشرق البنجاب. كما تحولت الحدود الإدارية الداخلية بين التشيك والسلوفاك في جمهورية تشيكوسلوفاكيا إلى حدود دولية بين جمهورية التشيك وسلوفاكيا بعد أن زالت جمهورية تشيكوشلوفاكيا الفيدرالية من الوجود في 1/1/1993م وتحول المقاطعتين السابقتين إلى دول ذات سيادة. ويمكن أن نضيف إلى ذلك تحول الحدود الإدارية الداخلية بين أثيوبيا واريتريا في الدولة الأثيوبية إلى حدود دولية بمجرد انفصال اريتريا من أثيوبيا بعد الاستفتاء على تقرير المصير في عام 1991م.

    وأشار بروفسور مالكوم شو إلى أهمية وضع هذا العامل في الاعتبار عند تعريف مبدأ اوتي بوسيتيديس "فإذا كانت هناك معارضة لهذه العملية فإن العرف السائد في الممارسة الدولية تؤيد المبدأ الذي ينص على أن إطار الأراضي في مرحلة الانتقال إلى الاستقلال هو الذي كان للوحدة السابقة في داخل حدود إدارية مقبولة. كما يشير تأكيد المنظمات الدولية لسلامة وحدة أراضي الدول التي نقلت حدودها الداخلية السابقة إلى حدود دولية إلى قبول مبدأ أوتي بوسيتيديس خاصة وأن مبدأ سلامة وحدة الاراضي يصبح نافذ المفعول بعد الاستقلال لكي يؤمن اراضي الإستقلال (أي أوتي بوسيتيديس)" (29) ويعتقد بروفسور توماس فرانك ان مبدأي وحدة أراضي الدولة واوتي بوسيتيديس مترادفين خاصة وأن هدفهما الأساسي هوعدم تعريض اراضي الدولة ذات السيادة للتفتيت.(30)

    واتسم مبدا أوتي بوسيتيديس بصفة الشمول وصلاحية تطبيقه خارج نطاق أمريكا الجنوبية متى توفر داعي وجوده وظهوره في أي مكان في العالم. فعندما بدأت الأقطار الأفريقية في نيل استقلالها من القوى الاستعمارية الاوروبية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أدرك قادة الدول الجديدة ضرورة تبني مبدا أوتي بوسيتيديس بعد ظهور عدة نزاعات حدودية بين الدول المستقلة. ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى عدم اهتمام القوى الاستعمارية عند تقسيمها المستعمرات في افريقيا وترسيم الحدود بين ممتلكاتها الجديدة بانتشار وتداخل القبائل الأفريقية بين عدة أقطار. وكما ذكر بروفسور أودو بواهين "تتكون كل دولة أفريقية مستقلة من مجموعات عرقية ثقافية مختلفة وأمم لها تقاليد تاريخية وثقافية مختلفة وتتحدث لغات متنوعة"(31)

    ومن أمثلة تداخل القبائل والمجموعات الأثنية بين دول مختلفة انتشار قبيلة الماساي في كينيا وتنزانيا وقبيلة الأيوي Ewe في توغو وغانا والزغاوة بين تشاد والسودان والصومال في جمهورية الصومال وأثيوبيا وكينيا. وبدأت جمهورية الصومال بعد استقلالها في عام 1960 المطالبة بمنح الصومال في أثيوبيا وكينيا حق تقرير المصير لكي ينضموا إليها، ورفضت أثيوبيا وكينيا بحجة أن تقرير المصير ينطبق على الأراضي الخاضعة للاستعمار فقط وليس لأجزاء من دولة مستقلة ذات سيادة .(32) ونجم عن ذلك نشوب القتال بين القوات الأثيوبية والصومالية على الحدود في يناير 1964. وطلبت منظمة الوحدة الأفريقية من كينيا والصومال التفاوض لحسم الخلافات بينهما حول الأراضي الحدودية(33) وأصرت كينيا على صيانة وحدة أراضيها التي آلت لها بعد الاستقلال واقترحت انتقال الصوماليين الذين يسكنون في اراضيها إلى جمهورية الصومال بينما تبقى الأراضي التي يسكنونها حالياً داخل كينيا (34)

    كما تم تقسيم مستعمرة توغو الألمانية ، التي يتكون أغلبية سكانها من قبيلة الأيوى Ewe ، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى بين فرنسا التي نالت الجزء الأكبر من توغو، وبريطانيا التي ضمت شريط ضيق من المستعمرة لإدارته ضمن مستعمرة ساحل الذهب (غانا) (35) وطالبت توغو بعد استقلالها من فرنسا عام 1960 باسترجاع المنطقة التي ضمتها بريطانيا إلى غانا بحجة أن أغلبية سكانها ينتمون إلى قبيلة الأيوي مما أدى إلى نشوب أزمة بين غانا وتوغو(36). واندلع القتال بين المغرب والجزائر في اكتوبر 1963 عندما توغلت المغرب في منطقة متنازع عليها داخل الأراضي الجزائرية وطالبت الجزائر في المفاوضات التي أعقبت وقف القتال بإنسحاب المغرب من الأراضي التي احتلتها لكي يتم الاعتراف بالحدود الموروثة من الاستعمار الفرنسي كالحدود القانونية بينها وبين المغرب(37)



    ونشبت ازمة حدودية بين غانا وفولتا العليا في أوائل عام 1963 عندما بدأت غانا في تأسيس مدرسة وطريق يؤدي إليها داخل أراضي فولتا العليا بحجة أن سكان المنطقة المتنازع عليها يتبعون لغانا مما أدى إلى طلب فولتا العليا وضع المشكلة في جدول أعمال المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الأفريقية (38)

    كانت مسألة تأمين الحدود التي ورثتها الدول الأفريقية من الإستعمار موضع اهتمام قادة الدول الذين شاركوا في المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الأفريقية الذي عقد في مايو 1963 في أديس ابابا. وذكرت أثيوبيا في إحدى جلسات المؤتمر أن العديد من الدول الإفريقية ستزول من الوجود إذا ما تمت إعادة رسم الحدود على أسس دينية، عرقية ولغوية مما يجعل من مصلحة الأفارقة احترام الحدود التي رسمها الاستعمار في الخرائط سواء أن كانت جيدة أم سيئة (39) وأكدت ديباجة ميثاق المنظمة ضرورة تأمين إستقلال وسيادة ووحدة أراضي الدول الأعضاء، كما أشارت في المادة الثالثة من الميثاق إلى أن أحد أهداف المنظمة هو إحترام سيادة ووحدة أراضي كل دولة (40).

    وبازدياد عدد النزاعات الحدودية بين بعض الدول الأعضاء بعد تأسيس المنظمة قرر رؤوساء الدول في مؤتمر القمة الافريقي الذي عقد في القاهرة في عام 1964 تبنى مذهب أوتي بوسيتيديس وذلك باصدار القرار 16(1) الخاص بالنزاعات الحدودية والذي اعتبر حدود الدول الأفريقية منذ اليوم الأول لاستقلالها "تشكل حقيقة ملموسة ويلتزم الأعضاء باحترام هذه الحدود" (41) وأشار بروفسور شو بأن مبدأ اوتي بوسيتيديس قد تمت تبيئته في أفريقيا وإعادة تفسيره من منظور يشتمل ويحتوي مبدأ صيانة وحدة الأراضي كما يتضح من صياغة كلمات المادة 3 فقرة 3 من الميثاق وقرار عدم المساس بالحدود.(42)

    ويبدو في الظاهر وجود تنازع بين حق تقرير المصير ومبدأ اوتي بوسيتيديس لأن ممارسة الأول في دولة ذات سيادة يؤدي إلى تقليص مساحة أراضيها وتعديل حدودها مما يتناقض مع مبدأ قدسية الحدود الموروثة من الاستعمار. وأشارت محكمة العدل الدولية إلى هذا الأمر في معرض تعليقها على تبني مبدأ اوتي بوسيتيديس في أفريقيا وموائمته مع مبدأ تقرير المصير بإعادة تفسيره في الإطار الأشمل لمبدأ صيانة وحدة أراضي الدولة وذلك بقولها: "يتنازع هذا المبدأ منذ النظرة الأولى مع مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها ولكن في حقيقة الأمر ينظر إلى حفظ الوضع الراهن للأراضي في أفريقيا بأنه المسار الحكيم للحفاظ على ما أنجزته الشعوب عبر نضالها من أجل الاستقلال ولتجنب الاضطرابات التي ستجرد القارة من المكاسب التي نالتها بالتضحيات الجسيمة. ولكي يتم تحقيق المتطلبات الاساسية للاستقرار من أجل البقاء والتنمية وترسيخ استقلالهم تدريجياً في كل المجالات، وافقت الدول الأفريقية على احترام الحـدود الإسـتعمارية ولوضـع ذلك في الاعتبار عند تفسيرهم لمبدأ حق تقرير المصير" (43) وتجدر الإشارة إلى أن حق تقرير المصيرالذي تضمنه القرار 1514 لعام 1960 قداستند على مبدأ الأرض الإقليمة كوحدة سياسية لتمارسه كل المجموعات الأثنية التي تسكنها ولا يقتصر على مجموعة أثنية متجانسة لغوياً وثقافياً كما كان الأمر في تقرير المصير الذي تم منحه للشعوب الأوروبية بعد الحرب العالمية الأولى .(44) وأقنع قادة الدول الأفريقية الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأن تتم ممارسة حق تقرير المصير في إطار الحدود الإستعمارية الموجودة فقط.(45) وانعكس ذلك بصورة غير مباشرة في الفقرة السادسة من القرار 1514 التي تنص على "لا تتفق أي محاولة للتفكيك الجزئي أو الكلي للوحدة الوطنية وتماسك أراضي أي قطر مع أهداف ومبادئ الأمم المتحدة." (46)

    ونتج عن هذا الوضع أن أصبح مبدأ اوتي بوسيتيديس بمثابة صمام الأمان لسيادة الدول الأفريقية المستقلة وذلك بعدم السماح لأي مجموعة أثنية تسكن داخل الدولة بالانفصال إذا ما طالبت بذلك لتناقض ذلك مع مبدأ قدسية الحدود الموروثة من الاستعمار ومبدأ صيانة وحدة أراض الدولة . وفسرت الدول الأفريقية حق تقرير المصير باخضاعه لمبدأي اوتي بوسيتيديس ووحدة أراضي الدول كما ينعكس في المادة 20 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب التي حصرت ممارسة تقرير المصير للشعوب المستعمرة والمضطهدة فقط والتي ترتبط بالمادة 23 من الميثاق التي تضمنت بطريقة غير مباشرة مبدا قدسية الحدود الموروثة من الاستعمار وضرورة عدم مساسها. (47) ووصف بروفسور بيلو المادة 20 من الميثاق بقوله "لايمكن استخدام المادة 20 من الميثاق الأفريقي عن حق تقرير المصير بواسطة أي قبيلة أو مجموعة أثنية في أفريقيا للمطالبة بحق تقرير المصير" (48)

    ويؤكد بروفسور توماس فرانك بأن المجتمع الدولي لم يقر بوجود توتر بين مبدأي حق تقرير المصير واوتي بوسيتيديس وذلك باعتبارهما مظاهر لنفس الاستحقاق.(49) وتم تعريف الشعوب التي تستحق تقرير المصير بأنهم سكان مستعمرة معينة يحق لهم ممارسة هذا الحق في إطار الحدود الإستعمارية التي ستبقى مقدسة ما لم يختار الشعب بأكمله الذي يعيش في إطار هذه الحدود بارادته الحرة تغيير هذه الحدود بالانضمام إلى دولة أخرى. (50)

    وينعكس حرص القانون الدولي على علو معيار اوتي بوسيتيديس وعدم التضحية به حين اصطدامه بمبدأ تقرير المصير إصدار مجلس الأمن القرار 169 في عام 1961 لمساعدة حكومة الكونغو للحفاظ على سلامة وحدة أراضيها في مواجهة محاولة سكان إقليم كاتانقا الإنفصال بدعوى حق تقرير المصير. (51)

    وسبق أن أن ذكرنا أن الأمم المتحدة قد ادانت انفصال الأتراك في شمال جزيرة قبرص من جمهورية قبرص لتأسيس دولة مستقلة (52)، وانفصال جزيرة مايوتي من جمهورية كومورو بحجة تقرير المصير وشجعت باقي الدول الأعضاء بعدم الاعتراف بهذا الكيانات الغير شرعية.(53)

    ويرى بروفسور كاستيلينو أن حقيقة وراثة الدول الجديدة للحدود التي رسمها الحكام الإستعماريين تحتم وجود نزاع بين أوتي بوسيتيديس وحق تقرير المصير. (54) وإذا كان هناك بعداً يتعلق بالأراضي في تقرير المصير، فإن تطبيق مبدأ اوتي بوسيتيديس يقوم بازالته وسحق مفهوم تقرير المصير إلى نقطة التلاشي. (55) ويعتقد بروفسور مالكولم شو أن المعيار لحسم النزاع بين تقرير المصير ومبدأ اوتي بوسيتيديس هو تحقيق الاستقرار والسلام مما يستلزم منح الأولوية لمبدأ اوتي بوسيتيديس وصيانة وحدة الأراضي. (56) كما يعتقد أن مبدأ اوتي بوسيتيديس يؤدي وظيفة ترسيم رقعة الاراضي من أجل إكمال عملية تأسيس الدولة الجديدة وتقرير استمرار خط الحدود الموجودة من قبل، ومتى ما تم تأسيس الدولة الجديدة يفسح مبدأ اوتي بوسيتيديس المجال لمبدأ صيانة وحدة الأراضي الذي يوفر الحماية الدولية للدولة الناشئة الجديدة. (57) لذلك لا يوجد صراع بين اوتي بوسيتيديس وحق تقرير المصير بعد فترة تصفية الإستعمار لأن المبدأ الأخير يختص بعد إستقلال المستعمرات بتعزيز حزمة من الحقوق الفردية والجماعية للمجموعات الأثنية داخل الدولة المستقلة وليس له أثر على سيادة ووحدة أراضي الدولة، كما لا يمكن لحق تقرير المصير التأثير في الحدود الدولية. (58) ويفترض مبدأ اوتي بوسيتيديس أن حدود الدولة الجديدة هي نفس حدود الوحدة الإدارية السابقة لها مما يستوجب التعامل مع مسائل تقرير المصير وحقوق الإنسان في داخل إطار الأراضي الإقليمية الجديدة. (59) وينجم عن تجاهل وغياب مبدأ اوتي بوسيتيديس أن يكون المبدأ الوحيد الذي يتم الاسترشاد به بحكم الواقع الفعلي هو تقرير المصير الأمر الي يجعله مضاداً لكل مفاهيم النظام، حقوق الإنسان والإستقرار مما يستلزم مارسة حق تقرير المصير وحقوق الإنسان داخل الأراضي الإقليمية للدولة. (60) ورغم أن مسائل تقرير المصير وحقوق الإنسان تتعلق بخلق دولة جديدة في القانون الدولي، إلا أنه من الواجب تمييز هذه القضايا من مسألة إطار الأراضي الإقليمية الخاصة بعملية الانتقال إلى الإستقلال خاصة وأن تناول هاتين المسألتين كمسائل متداخلة يؤدي إلى حدوث العديد من المشاكل التي يصعب إيجاد الحلول لها.(61)

    واتضحت أهمية مبدأ اوتي بوسيتيديس كمعيار عام في القانون الدولي وأولويته على حق تقرير المصير في المسائل التي تتعلق بنزاعات الحدود وصيانة وحدة أراضي الدولة عندما تعرضت جمهورية يوغوسلافيا الفدرالية الإشتراكية للانهيار ونشوء الوحدات الفدرالية المكونة لها كدول مستقلة على أنقاضها . وبدأت الأزمة السياسية بعد ظهور النزعات الشوفينية للصرب ومحاولتهم خلق دولة الصرب العظمى وتهميش دور الوحدات الفدرالية الأخرى في أواخر ثمانينات القرن الماضي مما أدى إلى إعلان جمهوريات كرواتيا وسلوفينيا استقلالهم في يونيو 1991 واعتراف الإتحاد الأوروبي بهم كدول مستقلة في يناير 1992. (62)

    وأعلنت جمهورية مقدونيا الإستقلال بعد الاستفتاء الذي عقد في سبتمبر 1991، كما صوت سكان البوسنة – الهرزك لصالح الاستقلال بعدالاستفتاء الذي عقد في مارس 1991، واعترف بها الاتحاد الأوروبي كأحد الدول الأعضاء في إبريل 1991. وقرر زعماء اقليمي صربيا والجبل الأسود تأسيس دولة جديدة في إبريل 1992 سميت جمهورية يوغوسلافيا الفدرالية.(63) وقرر الاتحاد الأوروبي في أغسطس 1991 عقد مؤتمر دولي للسلام في يوغوسلافيا وتأسيس لجنة للتحكيم في إطار المؤتمر برئاسة رئيس المحكمة الدستورية الفرنسية بادنتر.(64)

    أصدرت اللجنة في الفترة ما بين ديسمبر 1991 ويوليو 1992 عدة آراء وفتاوى قانونية في بعض المسائل الناجمة عن أزمة يوغوسلافيا مثل الإعتراف بالدول الجديدة وتسوية النزاعات الحدودية بينها. وقررت اللجنة في الرأي رقم 1 عدم حدوث انفصال من قبل الجمهوريات الجديدة لأن جمهورية يوغوسلافيا الفدرالية الاشتراكية قد كانت في طور عملية الانحلال حيث لا يوجد تمثيل في أجهزة الحكم الفدرالي للوحدات المكونة ليوغسلافيا، كما أن نتائج الاستفتاء في الجمهوريات المستقلة تؤكد أن المسار قد كان نحو الإنحلال وأبعد عن الإنفصال. (65) كما قررت اللجنة في الرأي رقم 8 الذي أصدرته في يوليو 1992 بأن عملية الإنحلال "قد اكتملت وأن جمهورية يوغسلافيا الفدرالية الاشتراكية لم تعد موجودة وليس لها اي شخصية قانونية." (66)

    وأكدت اللجنة أهمية مبدأ اوتي بوسيتيديس في مسألة تحول الحدود الإدارية الداخلية في الدولة السابقة إلى حدود دولية بمجرد استقلال الدولة وضرورة تبنيه لمعالجة النزاعات الحدودية بين الجمهوريات المستقلة الجديدة حيث ذكرت في الرأي رقم 3 "تصير الحدود السابقة محمية بواسطة القانون الدولي عدا فيما تم الاتفاق عليه. وتأتي هذه النتيجة من مبدأ احترام الوضع الراهن للأراضي وخاصة من مبدأ اوتي بوسيتيديس".(67)

    ورغم أن هذا المبدأ قد تم تطبيقه من البداية لحسم قضايا تصفية الاستعمار في أمريكا الجنوبية وافريقيا ، إلا أنه قد تم الاعتراف به في 22 ديسمبر 1986 في القضية بين بوركينافاسو ومالي. وقررت لجنة التحكيم على ضوء ذلك أن الحدود بين كرواتيا وصربيا وبين البوسنة – الهرزك وصربيا ودول مستقلة مجاورة لا يمكن تغييرها فيما عدا بواسطة اتفاقية يتم الوصول إليها بحرية. (68)

    وحاول الاقلية الصرب الذين يسكنون كرواتيا في مقاطعة كاراجينا الانضمام إلي جمهورية صربيا في بادئ الأمر ثم أعلنوا بعد ذلك الاستقلال بدعوى حق تقرير المصير. وتدخل الجيش الصربي لمساعدتهم وتغيير حدود كرواتيا بالقوة مما أدى نشوب القتال العنيف بين كرواتيا وصربيا. (69) كما قرر الأقلية الصرب الذين يسكنون في جمهورية البوسنة – الهرزك الانفصال عنها بحجة ممارسة حق تقريرالمصير وقاموا بتأسيس جمهورية سربسكا Srpska وشن حملات الإبادة والتطهير العرقي ضد المسلمين في البوسنة.(70) وعندما طرح السؤال على لجنة بادنتر إذا ما كان للأقلية الصرب في جمهوريتي كرواتيا والبوسنة- الهرزك حق تقرير المصير، قررت لجنة التحكيم في الرأي رقم 2 الذي أصدرته في 11 يناير 1992 "لقد تأسس بقوة أن لا يتضمن حق تقريرالمصير أي تغييرات للحدود الموجودة في وقت الإستقلال (اوتي بوسيتيديس جوريس) مهما كانت الظروف، ماعدا في حالة اتفاق الدولة المعنية على غير ذلك" (71) ويوضح هذا الرأي القانوني أن لجنة التحكيم قد أكدت علو مبدأ اوتي بوسيتيديس على حق تقرير المصير حين محاولة ممارسة الأخير في الدولة المستقلة حديثاً لكي يتم الحفاظ على الحدود الإدارية السابقة وصيانة وحدة أراضي الدولة المستقلة. وتجدر الإشارة إلى أن المجتمع الدولي قد أدان واستنكر محاولات صربيا تحريض الأقلية الصرب لممارسة تقريرالمصير وتغيير حدود جمهورية كرواتيا قبل صدور قرار لجنة التحكيم . فأصدر الإتحاد الأوروبي في 27/8/1991 تصريحاً حول القتال في كرواتيا أكد فيه قدسية الحدود السابقة للجمهوريات. (72) كما أصدر مجلس الأمن قراراً يشير فيه بعدم قبول أي محاولة لتغيير الأراضي بالعنف. (73)

    وقامت الجمهوريات المستقلة التي ظهرت على انقاض الإتحاد السوفيتي السابق بعد انهياره في عام 1991 بتنفيذ مبدأ اوتي بوسيتيديس لترتيب أوضاع الحدود الإدارية الداخلية بينها بعد تحولها إلى حدود دولية عملاً بأحكام المبدأ المذكور. وتجدر الإشارة إلى أن الحدود الإدارية للإتحاد السوفيتي السابق قد تمت إعادة رسمها عدة مرات ما بين عشرينيات القرن الماضي وفترة الحرب العالمية الثانية عندما قام ستالين باعادة ترتيب الحدود بين الجمهوريات وفي داخلها وتقسيم المجموعات الأثنية لتقوية نفوذه السياسي واضعاف النزعات القومية.(74)

    وتمت اضافة جمهوريات جديدة بعد غزو الاتحاد السوفيتي وضمه لاستونيا، لاتقيا ولتوانيا وبساربيا الرومانية في الأعوام 1939و 1940 وضم أجزاء من بولندا. (75) وأشارت ديباجة اتفاقية منسك التي تم بمقتضاها تأسيس كومونولث الدول المستقلة في 8/12/1991 لترسيخ العلاقة بين الجمهوريات بأن الاتحاد السوفيتي " لم يعد موجوداً كموضوع في القانون الدولي وحقيقة جيوسياسية" (76) ونصت المادة الخامسة من الاتفاقية على "اعتراف واحترام الأطراف المتعاقدة بسلامة وحدة أراضي بعضها البعض وأن الحدود الموجودة في داخل الكومونولث لا يمكن انتهاكها ومساسها" (77)

    وتم التأكيد على قدســية الحدود الذي يعتبر أهم عناصــر مبدأ أوتي بوسيديتيس في تصريح آلما اتاً الذي قامت بتوقيعه احدى عشرة جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في 21 ديسمبر 1991 والذي أشار إلى أن الدول تعترف وتحترم سلامة وحدة أراضي بعضها البعض وعدم انتهاك الحدود الموجودة (78) وأكد الأطراف تمسكهم بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقانون هلسنكي الأخير كما تعهدوا بتنفيذ الاتفاقيات الدولية الواجبة عليهم بمقتضى الاتفاقيات التي عقدها اتحاد الجهوريات السوفيتية الاشتراكية السابق.(79) وذكر بروفسور مالكولم شو أن الهدف من اشارة الاتفاقية المذكورة لمبدأ وحدة وتماسك الأراضي هو تأكيد وتعزيز مبدأ اوتي بوسيتيديس لاسباغ الشرعية الدولية والاقليمية والقومية على الحدود الجديدة .(80)

    وأدركت بعض الجمهوريات المستقلة الجديدة أهمية مبدأ اوتي بوسيتيديس وقامت بتنفيذه لمنع محاولات الأقليات الأثنية التي تسكن في داخلها تهديد وحدة أراضيها بالانفصال عنها بحجة ممارسة حق تقريرالمصير. ومن أمثلة ذلك اندلاع الحرب بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا بسبب محاولة الأقلية الأرمن في مقاطعة ناغورنوكاراباخ الانفصال من جمهورية أذربيجان والانضمام إلى جمهورية أرمينيا. (81) ومحاولة الأقلية الأبخاز وسكان جنوب أوسيتزيا الانفصال من جمهورية جورجيا، (82) ومحاولة الشيشان الانفصال عن جمهورية روسيا، ومحاولة روسيا تعديل الحدود الأوكرانية الروسية لضم الأقلية الروس في القرم إلى روسيا. (83) وضم الأقلية الروس في مولدوفا (84) والتي باءت بالفشل. وتمت إعادة تأكيد سلامة وحدة أراضي هذه الدول التي ظهرت بعد زوال الاتحاد السوفيتي وتعرضت أراضيها لخطر التمزيق في ظروف توضح أن تعريف الأراضي الأقليمية المعينة قد كانت أراضي الجمهورية السابقة. (85)

    يدخل مبدأ اوتي بوسيتيديس حيز التنفيذ العملي بمجرد ممارسة الشعب في إحدى المستعمرات حق تقرير المصير وتأسيسهم لدولة مستقلة ذات سيادة. وتصبح الحدود التي ورثتها من الاستعمار واراضيها الإقليمية غير قابلة للانتهاك ولا يمكن مساسها وتغييرها. فكما ذكرت محكمة العدل الدولية "يجمد مبدأ اوتي بوسيتيديس حق الملكية على الأرض ويوقف الساعة في لحظة الاستقلال ولكنه لايعيد عقارب الساعة إلى الوراء" (86) فكيف ينطبق مبدأ اوتي بوسيتيديس والقانون الدولي لحسم النزاع حول أيلوله ملكية منظقة أبيي إلى شمال أو جنوب السودان؟

    قامت سلطات الاستعمار الانجلومصري أثناء حكمها للسودان بترسيم الحدود الإدارية الداخلية بين الشمال والجنوب وأصبحت نتيجة لذلك هي الحدود المعترف بها رسمياً بعد أن نال السودان استقلاله في أول يناير 1956. وبعد أن تم الاتفاق في بروتوكول مشاكوس على منح جنوب السودان حق تقرير المصيرالخارجي الذي يمكن بمقتضاه تأسيس دولة مستقلة في جنوب السودان، تقرر استثناء منطقة أبيي من استفتاء تقرير المصير لسببين:

    وقوع منطقة أبيي في داخل الأراضي الجغرافية لشمال السودان والتزام الأطراف بمبدأ اوتي بوسيتيديس وأحكام القانون الدولي التي تنص على عدم مساس الحدود الموروثة من الاستعمار وصيانة وحدة اراضي الدولة.

    وجود تعارض بين حق تقرير المصير ومبدأ اوتي بوسيتيديس ومبدأ سلامة وحدة أراضي الدولة ومنح القانون الدولي ومواثيق منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي) الأولوية لمبدأ اوتي بوسيتيديس في حالة التنازع بينهما حتى لاتتعرض وحدة اراضي الدولة لخطر التمزيق.

    فكما ذكرت محكمة العدل الدولية ".. وافقت الدول الأفريقية على احترام الحدود الاستعمارية ووضع ذلك في الاعتبار عند تفسيرهم لمبدأ حق تقرير مصير الشعوب" (87) وحسب رأي بروفسور شو "لايمكن أن يعلو حق تقرير المصيرعلى تنفيذ أوتي بوسيتيديس ، اذ تم تقييد حق تقرير المصير بفضل تعريفه الحذر في القانون الدولي . ولم يتبن المجتمع الدولي حق تقرير المصير الذي يستند على المعيار الإثني لتحديد وضع أراضي الدول الجديدة لأن النتيجة الحتمية لذلك ستكون أحداث تغييرات جذرية وواسعة لحدود الأراضي المعترف بها. وتم توجيه تقرير المصير في فترة ما بعد الاستقلال إلى مبدأ لحقوق الإنسان يتم تطبيقه في داخل إطار الدولة ذات السيادة".(88) وقال أيضاً في هذا السياق "ينسجم مبدأ اوتي بوسيتيديس مع التنفيذ العملي لمفهوم وحدة الأراضي ، وبمجرد أن تنال الدولة استقلالها يتولى مبدأ حماية الأراضي أداء وظيفته لكي يحمى ويحافظ على تعريف أراضي الدولة الجديدة ذات السيادة بين أعضاء المجتمع الدولي كما يتيحه تطبيق مبدأ اوتي بوسيتيديس، فالمبدآن مترابطان حيث يكون اللجؤ إلى اوتي بوسيتيديس حتمياً لكي يتم تحديد أساس تعريف أراضي الدولة".(89)

    وتجدر الإشارة إلى أنه متى ما تمت ممارسة سكان الجنوب لحق تقريرالمصير وتأسيسهم لدولة مستقلة في جنوب السودان نتيجة لذلك فستتحول الحدود الإدارية الداخلية بين الشمال والجنوب إلى حدود دولية بمقتضى مبدأ اوتي بوسيتيديس وستكون منطقة أبيي منذ تلك اللحظة تحت حماية القانون الدولي بمقتضى المادة 2 فقرة 4 من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنع الدول الاعضاء من التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة أراضي دولة مستقلة أخرى (90) وذكرت المحكمة الدولية في قضية كورفو شانيل "احترام سيادة الأراضي بين الدول المستقلة أساس ضروري للعلاقات الدولية" (91)





    الأصل التاريخي لمشكلة أبيي:

    رغم اشارة لجنة خبراء مفوضية حدود ابيي بان الموظفين الانجليز قد اعتقدوا خطأ منذ احتلالهم السودان و الى عام 1905 بان الرقبة الزرقاء هي بحر العرب او نهر كير ( الصفحات 17, 18, 36 من التقرير ) , الا ان ذلك لا ينفي حقيقة ان المسؤولين في فترة الحكم التركي والدولة المهدية , الى جانب اعضاء المسيرية والدينكا , قد كانوا على دراية ومعرفة تامة بان بحر العرب او نهر كير (وليس الرقبة الزرقاء) هو الحدود الطبيعة الفاصلة بين مديرية كردفان و مـديرية بحر الغزال . وكان هندرسون يعنى بحر العرب او نهر كير عندما أشار الى أهميته كحاجز بين دينكا بحر الغزال والعرب وتحسينه للعلاقات بينهما مما يثبت ان المنطقة الممتدة من الرقبة الزرقاء والى بحر العرب تقع في اطار الحدود الجغرافية لمديرية كردفان وكانت المجال الحيوي ومنطقة نفوذ المسيرية . (92) وتقع منطقة أبيي المتنازع عليها شمال بحر العرب في المنطقة المعروفة بديار المسيرية ،وينتمي الأقوام الأصليون الذين سكنوا هذه المنطقة إلى قبائل النوبة والشات والداجو والبيقو وهم من المجموعات الأثنية التي استوطنت في شمال السودان منذ أقدم العصور.





    ويشكل البيقو الطبقة العليا ضمن هذه المجموعات حيث قاموا بحكم الشات في المجلد(93) وانتشرت مجموعة من الشات فيما وراء وادي شيلانقو وسيطروا على وارينا، نيوكري، تيري، تمانليك ودار الكبيرة(94) وذكر هندرسون أن رؤساء هذه القبائل يرجعون أصولهم ونسبهم إلى أحمد الداق.(95)

    وبدأت هجرة المسيرية من الغرب إلى المنطقة في أواسط القرن الثامن عشر وتمكنوا من هزيمة الداجو والشات والسيطرة على جنوب كردفان.

    وأشار الرحالة براون في كتابه عن جولاته في افريقيا ومصر وسوريا من سنة 1792 إلى 1798 الي أن نفوذ المسيرية قد امتد جنوباً إلى السهول المليئة بالأعشاب في الضفة اليسرى لبحيرة أبيض والرقبة الزرقاء وهي أحد روافد بحر العده أو بحر العرب في ميليم ووصف الأقوام في أحد أجزاء ذلك النهر بأنهم قبائل عربية "يطلق عليها المسيرية ويقومون بتمشيط شعرهم إلى الخلف ولفه وشده في شكل ذنب العقرب"(96) وترجع الروايات المحلية للمسيرية أصل منطقة أبيي بهذا الإسم إلى حادثة مفادها أن أحد الأعراب كان يستحم في طرف الرقبة الزرقاء وهرعت إليه ابنته التي خافت من شئ في الأحراش المجاورة صائحة أبوي ياي أبوي ياي.(97)

    وكان الموطن الأصلي لدينكا نقوك في الجزء الشمالي لوادي الزراف حيث اضطروا للهجرة منه بعد الهجوم الذي تعرضوا له من النوير . وقال بول هاول في هذا الصدد "يصعب تحديد التاريخ الحقيقي لهذه الحادثة، ولكن من خلال الدراسة المقارنة لأجيال ومجموعات عمرية وسط النوير وخرائط الرحالة الأوائل ، فإن غزو النوير لوادي الزراف يكون قد تم في القرن التاسع عشر" (98)

    ونزح دينكا نقوك بقيادة زعيمهم جوك الذي كان له أربعة أبناء بيار الذي أصبح زعيماً لدينكا تويج في بحر الغزال، وديون الذي تزعم دينكا الربيك، وأويل وبولايك اللذان صارا زعماء لدينكا نقوك. (99) ووصل الزعيم أويل مع قومه دينكا نقوك إلى شمال بحر العرب في حوالي عام 1830 أي بعد أكثر من نصف قرن من استقرار المسيرية في المنطقة ، وبعد وفاته ذهب بعض افراد القبيلة للبحث عن أبنه كوال ديت، الذي آثر البقاء في وطنهم الأصلي في جنوب بحر العرب لكي يتولى زعامتهم في مستقرهم الجديد (100) وقاد كوال ديت قومه بعد زعامته لهم نحو الرقبة الزرقاء على امتداد نجول واستقروا في المنطقة من تبسايا إلى حقنة أبو عرف.(101) وخلف كوال ديت في زعامة دينكا نقوك الزعماء الور ، بيونق والسلطان أروب بيونق الذي عاصر المهدي وذهب لمقابلته ومبايعته في جبل قدير (102) وفضل سلطان أروب البقاء في المكان الذي أسماه والده تيمناً به (أروب) في جنوب بحر العرب ، وقام الميجور ويلكنسون بزيارته في عام 1902 في مقر اقامته الذي يقع علي بعد 50 ميل في الضفة الجنوبية لبحر العرب التي تعرف بمنطقة ميثانق .(103)

    ودفن السلطان أروب بعد وفاته في المقر التقليدي لمدافن زعماء دينكا نقوك التي تقع في منطقة ميثانق في جنوب بحر العرب"التي ما زالت موجودة وتنال كل الرعاية والاهتمام إلى اليوم" (104)

    تم تقسيم السودان بعد الغزو الإنجليزي المصري إلى ست مديريات هي الخرطوم ، بربر، دنقلا، كسلا، سنار وكردفان وثلاثة محافظات هي سواكن، وادي حلفا وفاشودة (105) وأرسلت السلطات الاستعمارية حملة عسكرية بقيادة الكولونيل سباركز إلى بحر الغزال لكيلا يحتلها البلجيك من الكونغو التي كانوا يستعمرونها في 29/11/1900. (106) ووصل سباركز مع قواته إلى مشرع الرق في 12 ديسمبر وبدأ مباشرة في شن حملاته العسكرية وتمكن في اشهر وجيزة من احتلال واو، التويج، شامبي، رومبيك وديم الزبير(107) وتم اعتبار بحر الغزال منطقة عسكرية في بادئ الأمر إلى أن تم تحويلها إلى مديرية بصلاحيات مدنية في أول يناير 1902 واتخذت واو عاصمة لها (108) وتوضح الخريطة التي رسمها ماردون في عام 1901 وتم تعديلها في عام 1903 أن منطقة أبيي باستثناء المثلث الصغير إلى الجنوب من بحر العرب قد كانت في إطار الحدود الجغرافية لجنوب كردفان. (109)

    ولم يتم تحديد الوضع الإداري وترسيم الحدود للمنطقة جنوب بحر العرب، إذ تم اخطار الحاكم وينجت باستحالة تثبيت الحدود بالمديريات بشكل دائم قبل اجراء مسح منظم ومعرفة الحدود القبلية وعدم وجود صعوبات لترسيم الحدود على طول النهر (110) ويبدو أن السلطات الاستعمارية قد كانت تفكر في البداية باعتبار العامل الإثني وانتشار المجموعة القبلية النيلية كمعيار لترسيم الحدود بين بحر الغزال وديار المسيرية في جنوب كردفان، إلا أنهم استبعدوا ذلك وقرروا الحفاظ على الوضع الراهن باعتماد الحدود الطبيعية التي تفصل بين بحر الغزال وديار المسيرية منذ القدم لاعتبارات معينة مثل :

    (أولاً) قلة أعداد دينكا نقوك الذين استقروا في شمال بحرالعرب(يفترض أقل بكثير من عددهم في 1956 الذي كان 30 ألف نسمة) وعودتهم الموسمية إلى موطنهم الأصلي في قوقريال حتى مايو بسبب العوامل المناخية ولوجود المقر التاريخي لزعمائهم في منطقة ميثانق التي تقع علي بعد 50 ميل من الضفة الجنوبية لبحر العرب.



    (ثانياً) توقعت الإدارة البريطانية أن تكون نتيجة ترسيم الحدود على أساس قبلي والذي سيترتب عليه انتقال المنطقة التي يسكن فيها دينكا نقوك شمال بحر العرب إلى جنوب السودان، تذمروغضب المسيرية الذين يعتبرون كل المناطق التي تقع شمال بحر العرب والمتاخمة لمديرية بحر الغزال تابعة لهم مما يؤدي إلى زوال روح التعاون والإخاء التي نشأت بين المسيرية ودينكا نقوك واحتمال نشوب الاضطرابات وعدم الاستقرار الذي حرص الانجليز على تجنبه بقدر الإمكان في بداية حكمهم للسودان. كما رات الإدارة البريطانية أن روح العدالة والأنصاف تقتضي المعاملة المتساوية بين المسيرية والدينكا، فكما لا يحق للمسيرية الذين يتجولون بماشيتهم في بعض مناطق جنوب السودان في بعض المواسم، ويعتقدون ان المنطقة التي يقع فيها ضريح زعيمهم ابو نفيسة في جنوب بحر العرب هي الحدود الجنوبية للمسيرية ، المطالبة بملكية بعض المناطق في جنوب السودان ، كذلك لا يمكن لدينكا نقوك الذين اضطرتهم الظروف مؤخراً للهجرة إلى شمال بحر العرب واستقرارهم بجوار المسيرية الذين استضافوهم في ديارهم المطالبة بملكية المناطق التي استقروا فيها وضمها إلى الحدود الجغرافية لجنوب السودان.

    لم تكن لهجرة دينكا نقوك من بحر الغزال واستقرارهم في منطقة ابيي , التي تعتبر من مناطق نفوذ المجموعات الاثنية الشمالية الرعوية والمستقرة في تلك الجهات منذ القرن الثامن عشر وما قبل ذلك , اي اثر في وضع ملكية المنطقة كوحدة جغرافية تتبع الى اقليم شمال السودان ومديرية كردفان . ويعني ذلك ان منطقة ابيي لم تتبع او تؤول كملكية الى مديرية بحر الغزال في اي وقت قبل الغزو الانجليزي الاستعماري للسودان لانها لا تقع في اطار الحدود الجغرافية لاقليم جنوب السودان . وبدأت سلطات الادارة البريطانية النظر في وضع دينكا نقوك في جنوب كردفان والذين ينتمون للقبائل النيلية في جنوب السودان بعد ان تمكنت من استعادة مديرية بحر الغزال الى الأراضي الاقليمية للسودان في عام 1902 . واتضح لهم ان حقيقة استقرارهم كاقلية ضئيلة وسط الاغلبية الساحقة للمجموعات الاثنية الشمالية المستوطنة في جنوب كردفان تقتضي من ناحية العدالة والانصاف ان تكون تبعيتهم الادارية وايلولة ملكية منطقة ابيي كوحدة جغرافية الى مديرية كردفان رغم ان لهم حقوق الدار للاستيطان في أرض المنطقة التى تملكها حكومة السودان بحكم حقوق السيادة عليها .

    واكدت الادارة البريطانية هذا الرأي فى القرار الذي اصدرته في عام 1905 والقاضي بان تؤول ملكية belong موطن السلطان اروب زعيم دينكا نقوك على شمال نهر كير او بحر العرب والشيخ ريحان شيخ التويج الى مديرية كردفان . وتثبت صيغة القرار ان منطقة ابيي لم تكن اصلا ضمن مديرية بحر الغزال حيث ذكر كلمة belong اي أيلولة وتبعية بالملك ولم يذكر كلمة transfer اي تحويل ونقل التى اقحمها خطأ بروتوكول ابيي في معرض تعريفه لمنطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة في المادتين الاولى والخامسة .

    ومما يؤكد ان قرار عام 1905 لايقصد به تحويل منطقة ابيي من بحر الغزال الى مديرية كردفان عدم قيام السلطات الاستعمارية بأى اجراء لتغيير أو تعديل للحدود الطبيعية التي تفصل بين مديريتي بحر الغزال وكردفان أو بمعنى آخر عدم اعادة ترسيم حدود مديرية كردفان لتشمل منطقة ابيى لانها لم تكن ابدا ضمن مديرية بحر الغزال لكى يتم تحويلها منها الى مديرية كردفان .

    وتفسر هذه الحقيقة عدم وجود أي وثيقة أو خريطة أو دليل تشير إلى إعادة ترسيم الحدود بين بحر الغزال وكردفان لضم أبيي من مديرية بحر الغزال إلى مديرية كردفان لعدم حدوث ذلك فى واقع الامر .



    ويعزى قرار الإدارة البريطانية بتبعية الشؤون الإدارية لدينكا تويج لمديرية كردفان إلى عدة عوامل مثل عدم اكتمال بنية الهيكل الإداري لمديرية بحر الغزال وقلة عدد الموظفين حيث كان هناك مأموراً واحداً فقط لكل جنوب السودان في عام 1903 ، إضافة إلى عدم استتباب الأمن والاستقرار بعد قيام دينكا عقار بقيادة ميانق ميتثانق بتمرد ضد السلطات الإستعمارية في رمبيك في عام 1902، والذي أعقبه تمرد دينكا أتوت(112) وتعكس هذه الحقيقة أن طبيعة القرار المذكور قد كانت إدارية بحتة ولا علاقة له بوضع أراضي دينكا تويج الكائنة في بحر الغزال .وتم تحديد دينكا نقوك في قرار التبعية لمديرية كردفان دون سائر المجموعات الإثنية التي استوطنت في منطقة أبيي منذ القدم بسبب انتمائهم لقبائل جنوب السودان النيلية ولتأكيد ان استقرارهم كأقلية وسط سكان كردفان يستلزم خضوعهم من ناحية الإشراف الإداري إلى صلاحيات المديرية التي يسكنون فيها وسلطات مديرها اضافة الى ايلولة ملكية المنطقة الى مديرية كردفان .

    ويجب الإشارة في هذا السياق أن السؤال الذي طرحه بروتوكول أبيي الذي صاغه المبعوث الأمريكي حول تحديد مشيخات دينكانقوك التسعة قد كان في ذهن موظفي الإدارة الاستعمارية قبل اصدارهم قرار 1905، وتم حسمه في القرار المذكور بأنهم يسكنون في المنطقة المعروفة بأبيي التي تقع في ديار المسيرية في جنوب كردفان مما يستوجب تبعيتهم الإدارية لمديرية كردفان بحكم استقرارهم كأقلية في المديرية ، بالإضافة إلى تبعية دينكا تويج في قوقريال لنفس المديرية لقلة لموظفين في مديرية بحر الغزال الني أنشئت حديثاً وعدم استتباب الأمن والاستقرار في الإقليم الجنوبي كما ذكرنا سابقا . وتم إبرام ميثاق إخاء في عام 1905 بين الناظر علي الجله زعيم المسيرية والسلطان كوال الذي تزعم دينكا نقوك بعد وفاة والده السلطان أروب، ساهم في ازدياد هجرة دينكا نقوك إلى أبيي كما ذكر مفتش المركز ديبوي في تقريره لعام 1920-1921. (113)

    وذكر د.بول هاول أن المسيرية الحمر كانوا يمزحون مع جيرانهم الدينكا بتسميتهم المسيرية الطوال، كما تبنى دينكا نقوك عادة الختان السائدة وسط المسيرية. (114)

    وأصدرت الإدارة البريطانية الحاكمة في عشرينيات القرن الماضي قانون المناطق المقفولة كخطوة أولية للحد من انتشار الثقافة العربية الإسلامية إلى شرق وجنوب أفريقيا التي اعتبرتها مناطق نفوذها.(115) واستمر هذا التوجه كما يتضح في المنشور الذي أصدره ماكمايكل في عام 1930 بخصوص سياسة الحكومة الجديدة تجاه جنوب السودان والتي تهدف إلى تأسيس سلسلة من الوحدات القبلية المكتفية ذاتياً مع بنية تنظيمية تستند على العادات والتقاليد المحلية واستبعاد المآمير واستبدالهم بكتبة وفنيين محليين والسيطرة على الجلابة وتطوير اللغات المحلية (116) وتم في ظل هذه السياسة التي كانت تهدف في المدى البعيد إلى فصل الجنوب عن شمال السودان وضمه إلى إحدى المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا، إجراء تعديل إداري في عام 1930 (117) تم بمقتضاه نقل صلاحية إدارة شئون شئون دينكا تويج من مديرية كردفان إلى مديرية بحر الغزال بعد استتباب الأمن والسلام فيها ولكي يتم ضمان بقاء أراضي دينكاتويج في إطار الحدود الجغرافية لجنوب السودان في حالة ضمه إلى المستعمرات البريطانية في شرق أفريقيا.

    وآثر السلطان كوال أروب الحفاظ على الوضع الراهن بتبعية دينكا نقوك لمديرية كردفان لتعودهم على المنطقة التي استقروا فيها في ديار المسيرية ورسوخ علاقات الود والإخاء التي نشأت بينهم وبين سكان المنطقة وإدراك زعيمهم بأنهم سيفقدون الأرض إذا ما قرروا الرجوع إلى موطنهم الأصلي لتكون تبعيتهم الإدارية لمديرية بحر الغزال. وقال د. فرانسيز دينغ في هذا الصدد: "صرح كوال أروب لاحقاً لزعماء الدينكا في اجتماع خاص بأن اختياره لم يكن تفضيلاً للعرب على أهله الدينكا، لكنه كان وسيلة لحماية أرضهم ومصالحهم ، وإذا كان نقوك قد قرروا الانضمام للجنوب فإنه كان يخشى أن يطالب العرب بالأرض على أنها ملكهم ويتحولوا إلى جيران معادين ويجبروا الدينكا على الخروج منها" (118) ويمكن أن نستننتج من مخاوف السلطان كوال بأن تكون نتيجة انضمام دينكا نقوك إلى بحر الغزال فقدانهم منطقة أبيي في جنوب كردفان أن أبيي قد كانت في فترة الحكم التركي المصري وفترة المهدية وما زالت منذ الغزو الإنجليزي الاستعماري في إطار الحدود الجغرافية لمديرية كردفان.

    وتدحض هذه الحقيقة زعم برتوكول ابيي بأنه قد تم تحويل منطقة ابيي من مديرية بحر الغزال الى مديرية كردفان بموجب القرار الصادر في عام 1905 والذي نص في واقع الامر بان تؤول ملكية موطن السلطان اروب زعيم دينكا نقوك في شمال نهر كير او بحر العرب الى مديرية كردفان كما ذكرنا سابقا . فاذا مااستقر دينكا نقوك في جنوب بحر الغزال لفترة اطول في العام من فترة استقرارهم في كردفان لآلت ملكية أرضهم و تبعيتهم الإدارية إلى مديرية بحر الغزال.

    وأدرك السلطان كوال أروب ببصيرته الثاقبة أن طبيعة حياة دينكا نقوك والمسيرية تعتمد على الانتقال الموسمي مع ماشيتهم عبر أراضي بعضهم البعض في شمال أو جنوب بحر العرب، والتي أدت إلى تمتين روح الإخاء والمصالح المشتركة بينهما، تفرض عليه الموافقة على استمرار التبعية الإدارية لمشيخات دينكا نقوك إلى مديرية كردفان. كما أدرك أن قبوله خيار الحاق الشؤون الإدارية للمشيخات إلى مديرية بحر الغزال قد يثير شكوك المسيرية بأن تلك الخطوة ستقود إلى إعادة ترسيم الحدود وضم منطقة أبيي إلى الحدود الجغرافية لمديرية بحر الغزال مما يؤدي إلى ظهور العداوة والبغضاء وتهديد المصالح المشتركة بينهما.

    وحانت فرصة أخرى لدينكا نقوك للاختيار بين البقاء في جنوب كردفان والتبعية الإدارية لمديريتها أو الالتحاق بمديرية بحر الغزال مما يترتب عليه الرجوع إلى موطنهم الأصلي في جنوب السودان، وذلك عندما قررت السلطات تأسيس مجلس دار المسيرية في عام 1949 لتشارك فيه كل المجموعات الأثنية المستقرة في المنطقة. وزار مايكل تيبس مفتش المركز منطقة أبيي وقدم لدينكا نقوك ثلاثة خيارات:

    الإنضمام إلى مجلس المسيرية

    الإنضمام إلى مجلس قوقريال

    الإنضمام إلى المجلس الجديد الذي سيتم تأسيسه في بانتيو في مديرية أعالي النيل (119)

    ويبدو أن الإداريين البريطانيين قد أدركوا أن زعماء الدينكا يفضلون استمرار وضعهم الراهن بالاستقرار في جنوب كردفان والمشاركة في مجلس دار المسيرية إذ تمت إفادتهم بأن السلطات قد تخلت عن فكرة إلحاق أبيي بمجلس في بحر الغزال "... وبدا ارتياح كبير على زعماء وأهالي الدينكاعندما تم إبلاغهم بهذا في مجلس .." (120)

    والجدير بالذكر أنه في حالة انفصال جنوب السودان وتحول الحدود الداخلية بين الشمال والجنوب إلى حدود دولية واستمرار النزاع حول ملكية منطقة أبي بعد ذلك، فإن قرار دينكا نقوك بالبقاء في إطار الحدود الجغرافية لشمال السودان في السنوات 1905 ، 1930 و 1953 سوف يدرج تحت مبدأ هام من مبادئ القانون الدولي وهو القبول الطوعي دون جدال Acquiescence بالبقاء في الأراضي الإقليمية لشمال السودان وعدم الالتحاق إدارياً بمديرية بحر الغزال. واقرب مثال لتطبيق مبدأ القبول الطوعي ما حدث في الشكوى التي قدمتها هوندوراس ضد السلفادور لمحكمة العدل الدولية وادعائها ملكية جزيرة مينقوارا Meanquara والتي كانت تخضع لسيادة سلفادور منذ القرن التاسع عشر. وأشارت المحكمة في الحكم الذي أصدرته لصالح سلفادور إلى وجود سلفادور في المنطقة المتنازع عليها لفترة طويلة بدون أي اعتراض أو احتجاج من هوندراس ولا توجد في الوثائق المقدمة إلى المحكمة أي وثيقة توضح احتجاج هوندراس سوى في مرة واحدة" جاءت بعد تاريخ طويل من أعمال سيادية لسلفادور في مينقوارا وقدم الاحتجاج في وقت متأخر جداً بحيث لا يمكنه التأثير على مبدأ الرضوخ أو القبول الطوعي من جانب هوندوراس لسيادة سلفادور على المنطقة المتنازع عليها . ويوضح سلوك وتصرف هندوراس تجاه السلطة الفعلية لسلفادور على المنطقة قبول ، اعتراف، رضوخ أو اي شكل للموافقة الضمنية على الوضع".(121)

    واختتمت المحكمة الحكم بقولها "على ضوء الوضع المبهم وغير الواضح للملكية والسلطة الفعلية على منطقة النزاع في العهد الاستعماري فإن تأكيد سلفادور لمطالبتها بالجزيرة إضافة إلى ملكيتها وسيطرتها الفعلية عبر فترة طويلة يعتبر كافياً في حد ذاته ، ويجب ملاحظة أنه إذا كان هناك أدنى شك فإن موقف سلفادور قد جعل حاسماً ونهائياً بالقبول والرضوخ الطوعي لهندوراس" (122)



    بروتوكول أبيي:

    يعتبر بروتوكول أبيي الذي تم توقيعه في 26 مايو 2004 من أبرز سلبيات اتفاقية السلام الشامل لتناقضه مع بروتوكول مشاكوس والمواثيق الدولية التي تحرص على تأمين سيادة وصيانة وحدة اراضي الدولة. وكان من الضروري تجنب حدوث هذا الخلل الأساسي الذي أثبتت الأحداث أنه يهدد بنسف اتفاقية السلام، وذلك بعدم اقحام قضية أبيي في المفاوضات بعد أن حسم بروتوكول مشاكوس أمرها وذلك بابعاد سكان منطقة أبيي , جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة من استفتاء تقرير المصير بحكم وجودهم في الحدود الجغرافية لشمال السودان والتي حددها البروتوكول لما كانت عليه في 1/1/1956 بعد أن نال السودان استقلاله. ويمكن ابداء الملاحظات التالية حول بروتوكول أبيي:

    أولاً: تمت صياغة البروتوكول بواسطة المبعوث الأمريكي جون دانفورث على عجل وبطريقة مبهمة جعلت نصوصه تعج بالعديد من الثغرات والتناقضات مما يفتح الطريق للتأويلات والتفسيرات المختلفة ، وذلك بعد تعثر المفاوضات وعدم تقدمها بسبب عدم اتفاق الأطراف حول كيفية حل النزاع حول منطقة أبيي. عرف البروتوكول منطقة أبيي في المادة الأولى فقرة 2 على أنها منطقة مشيخات دينكا نقوك الي حولت إلى كردفان في سنة 1905 ونص في المادة الخامسة على تأسيس مفوضية حدود أبيي بهدف تحديد وترسيم منطقة مشيخات دينكا انقوك التسعة التي حولت إلى كردفان في سنة 1905 (123)

    ويكمن خطأ هذا التعريف في عدم تمييزه بين دينكانقوك كأشخاص وأعضاء ينتمون إلى المشيخات التسعة، والمنطقة والأرض المتنازع عليها في جنوب كردفان التي هاجروا إليها قبل فترة قصيرة نسبياً 1830 – 1840 ، والذى جعل امر ملكيتها شأن قبلى بين المسيرية و دينكا نقوك و اغفال الحقوق السيادية لحكومة السودان و ملكيتها للمنطقة تبعا لذلك .

    وتعمد البروتوكول على جعل الأشخاص وأرض المنطقة متطابقين كأنهما شئ واحد لإيهام القارئ أن كلمة حولت أو نقلت تشير إلى الارض والمنطقة المتنازع عليها التي كانت (حسب الزعم الخاطئ) في مديرية بحرالغزال في جنوب السودان وحولت إلى كردفان وشمال السودان بعد إعادة ترسيم الحدود لأن الأرض لا يمكن أن تحول أو تنقل إلى إقليم آخر بدون إعادة ترسيم الحدود. ويعزى هذا الخطأ الذي وقع فيه المبعوث الأمريكي إلى عدم إطلاعه على الوثائق التاريخية مثل التقارير السنوية لمديريتي كردفان وبحر الغزال خلال الأعوام 1902، 1903، 1904 التي تشير إلى أن الحدود بين المديريتين هي الحدود الطبيعية المتمثلة في بحر العرب الذي يقع جنوباً بالنسبة لكردفان وشمالاً بالنسبة لبحر الغزال. وتم تأكيد هذه الحقيقة في الخريطة التي رسمها ماردون عام 1901 وتم تعديلها في عام 1903 والتي تظهر بوضوح أن المنطقة المعروفة الآن بأبيي (والذي جعل امر ملكيتها شأن قبلي بين المسيرية ودينكا انقوك واغفال الحقوق السيادية لحكومة السودان وملكيتها للمنطقة تبعا لذلك ) كانت ضمن الحدود الجغرافية لكردفان منذ فترة الحكم التركي وفترة المهدية (124)

    ويمكن أن نستنتج من هذه الحقائق تفسيرين لحقيقة ما حدث في عام 1905 اذا ما افترضنا صحة تفسير بروتوكول ابيي بان القرار الصادر بشأن ابيي في عام 1905 قد حول المنطقة من مديرية بحر الغزال الى مديرية كردفان ويؤكد كلاهما أن كلمة نقل أو تحويل تشير إلى الأشخاص وليس إلى الأرض أو منطقة أبيي التي هاجر إليها دينكانقوك من موطنهم الأصلي في ثلاثينيات القرن التاسع عشر:

    التفسير الأول : تشير كلمة نقل أو تحويل إلى أعضاء مشيخات دينكانقوك وليس إلى الأرض بمعنى تحويلهم من ناحية الشؤون الإدارية إلى مديرية كردفان أو المنطقة التي هاجروا إليها في جنوب كردفان مؤخراً وكانت تسكن فيها منذ فترة طويلة قبل قدومهم قبائل الداجو والشات والنوبة والمسيرية والفلايته والعجايرة وغيرهم من قبائل شمال السودان. ويؤكد صحة هذا التفسير أن بحر العرب هو الحدود الطبيعية بين مديريتي كردفان وبحرالغزال منذ القدم ولا يوجد أي دليل أن السلطات الاستعمارية قد قامت باعادة ترسيم الحدود وتحويل منطقة أبيي الحالية كأرض من بحر الغزال إلى كردفان في السنوات 1899،1900، 1901،1902،1903، 1904، 1905 .

    التفسير الثاني : يعتمد هذا التفسير على الوثائق التاريخية والخرط التي قدمتها حكومة السودان إلى لجنة الخبراء والتي تفيد بأن المنطقة التي حولت من بحر الغزال إلى كردفان في عام 1905 تقع إلى الجنوب من بحر العرب وبعيداً عن منطقة أبيي الحالية في جنوب كردفان. وتعني هذه الوثائق ضمنياً أن اسم الموطن الأصلي لمشيخات دينكانقوك حيث يوجد المقر التاريخي لزعمائهم في بحر الغزال هو أبيي وأنه تم تسمية أبيي الحالية في جنوب كردفان بنفس الإسم تيمناً بالمنطقة القديمة (مثل تسمية المهاجرون الانجليز إلى أمريكا الشمالية مدينة نيويورك ومقاطعة نيوانجلند بهذه الأسماء تيمناً بالأسماء الأصلية في الوطن الأم). ويترتب على هذا التفسير أن كلمة تحويل أو نقل Transfer تعني تحويل التبعية الإدارية للأشخاص الذين ينتمون إلى قبيلة دينكا نقوك إلى مديرية كردفان وليس تحويل أو نقل منطقتهم الكائنة في وطنهم الأصلي في بحر الغزال إلى كردفان خاصة وأنه لاتوجد وثائق وخرائط توضح أن سلطات الحكم الثنائي قد أعادت ترسيم الحدود بين مديريتي بحر الغزال وكردفان كإجراء عملي لإكمال عملية تحويل منطقة مشيخات دينكانقوك الأصلية في بحر الغزال إلى كردفان مما يثبت أن المعنى الحقيقي هو إلحاق كل ما يختص بالشؤون الإدارية لأعضاء وأفراد قبيلة دينكا نقوك إلى مديرية كردفان.

    ومما يؤكد صحة هذا التفسير أن لجنة الخبراء قد اعترفت بعدم وجود وثائق كافية توضح بصورة قاطعة الوضع الإداري للمنطقة في سنة 1905 أو خريطة توضح مكان إقامة دينكا نقوك في 1905، وأنها عجزت عن تحديد المنطقة التي حولت إلى كردفان من بحر الغزال في سنة 1905. ولم تعثر اللجنة على الوثائق والخرط المطلوبة مما قادها إلى الاعتراف بعجزها عن اكمال المهمة التي كلفت بأدائها لسبب بسيط وهو أنه لم يتم تحويل أرض أو منطقة مشيخات دينكا نقوك من بحر الغزال إلى كردفان. وبما ان سلطات الحكم الثنائي لم تقم بأي إجراء لإعادة ترسيم الحدود لاكمال عملية التحويل ، فانه من الطبيعي أن لاتوجد وثائق وخرائط لإجراء لم يحدث في واقع الأمر الذي يجعل المعنى الوحيد المقبول لكلمة تحويل هو تحويل التبعية الإدارية للأشخاص الذين ينتمون إلى دينكا نقوك من بحرالغزال التي ينتمون إليها بالأصل والعرق إلى مديرية كردفان بحكم استقرارهم الحديث كأقلية في منطقة دار المسيرية التي تقع في إطار الحدود الجغرافية لمديرية كردفان منذ القدم .

    ثانياُ: قاد الاعتقاد الخاطئ بأن منطقة أبيي الحالية قد كانت في إطار الحدود الجغرافية لمديرية بحر الغزال وحولت إلى كردفان في سنة 1905 حسبما ورد في تعريف منطقة أبيي إلى تضمين البروتوكول لخطأ آخر وهو منح سكان منطقة أبيي حق الاستفتاء حول استمرار وضع أبيي الحالي في الشمال او أن تكون جزءاً من بحر الغزال وجنوب السودان رغم أن بروتوكول مشاكوس قد نص على إقتصار حق الاستفتاء على تقريرالمصير على سكان جنوب السودان فقط ، ورغم أن نتيجة التقصي والبحث الذي كلفت به المفوضية لتحديد الموقع الحقيقي لمنطقة مشيخات دينكا نقوك لم تظهر بعد لكي يحدد على ضوئها إذا ما كانت هناك ضرورة للإستفتاء إذا كانت المنطقة أصلاً في جنوب كردفان وشمال السودان أو إذا كانت في جنوب بحر العرب.



    والتزم بروتوكول مشاكوس بمتطلبات القانون الدولي في هذا الشأن وذلك باسقاط سكان أبيي من المشاركة في استفتاء تقرير المصير. وحاول بروتوكول أبيي تجاوز عقبة القانون الدولي بمنح حق تقرير مصير ثانوي إلى سكان منطقة أبيي بمعزل عن تقرير المصير الأساسي الذي منحته الاتفاقية لسكان الجنوب. ونجح بفضل هذه الحيلة من أن يؤدي حق الاستفتاء الذي منحه لسكان المنطقة إلى النتيجة التي سعى بروتوكول مشاكوس إلى تجنب حدوثها وهي تغيير حدود شمال السودان الموروثة من الاستعمار بعد تفتيت وحدة أراضيه باقتطاع منطقة أبيي وضمها إلى جنوب السودان. وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية الإجراءات الأمنية قد استندت على النص الخاص بتحديد الحدود بين الشمال والجنوب وفقاً لحدود 1/1/1956 مما يقتضي انسحاب القوات المسلحة السودانية من جنوب السودان وجيش الحركة الشعبية من جنوب كردفان ومنطقة أبيي التي تقع في إطار الحدود الجغرافية لشمال السودان المعترف بها منذ خروج الاستعمار.

    ثالثاً: تجاهل بروتوكول أبيي لحقيقة أن دخول عامل تقرير المصير في بروتوكول مشاكوس قد استوجب طبقاً لأحكام القانون الدولي بأن يتم تنفيذ مبدأ اوتي بوسيتيديس الذي ينص على قدسية الحدود الموروثة من الاستعمار وعدم مساسها أو تغييرها وأن القانون الدولي ومواثيق منظمة الوحدة الافريقية قد نصت على علو وأولوية مبدأ اوتي بوسيتيديس حين اصطدامه بحق تقريرالمصير لكي تتم صيانة وحدة اراضي الدولة التي يحميها القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ولذلك فقد كان من الضرورى ان لايتم تطبيق استفتاء تقرير المصير الذى منح لسكان جنوب السودان على منطقة ابيى التى يحميها القانون الدولى بحكم وقوعها فى الاراضى الاقليمية لشمال السودان منذ 1/1/1956.



    ملحق بروتوكول أبيي:

    تم إجراء تعديل على بروتوكول أبيي في ملحق التفاهم حول مفوضية أبيي في 17/12/2004 نص على تشكيل مفوضية حدود أبيي وترشيح خمسة خبراء يقوم أحدهم برئاسة المفوضية. ونصت المادة الخامسة من الملحق على تقديم المفوضية لتقريرها النهائي قبل نهاية الفترة الانتقالية والذي سيكون نهائياً وملزماً لطرفي النزاع (125) ويبدو أن استفحال أزمة دارفور في فترة المفاوضات ورغبة الحكومة في تقدم المفاوضات واحراز السلام قد دفعتها إلى الموافقة على بروتوكول أبيي رغم تناقضه مع بروتوكول مشاكوس والقانون الدولي ومواثيق الاتحاد الأفريقي وتهديده لوحدة أراضي شمال السودان بمنحه حق الاستفتاء لسكان منطقة أبيي.



    كما يبدو أن الحكومة لم تعط أهمية للنص الوارد في الملحق الذي يجعل تقرير الخبراء نهائياً وملزماً للطرفين لثقتها بأن وضع دينكا نقوك كأقلية وسط أغلبية المجموعات الأثنية الشمالية المستقرة في محليات المجلد والميرم وأبيي التي تؤلف في مجموعها محافظة أبيي ستحسم نتيجة الاستفتاء لصالح بقاء المنطقة المتنازع عليها في جنوب كردفان من أجل صيانة وحدة اراضي السودان.



    تقرير خبراء مفوضية ترسيم حدود منطقة أبيي:

    اعترفت لجنة الخبراء بعجزها عن انجاز المهمة التي كلفت بها وهي تحديد منطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة التي حولت إلى كردفان من بحر الغزال في عام 1905. ويعزي ذلك إلى أن اللجنة لم تطرح الأسئلة المناسبة التي يمكن أن تساعدها في معرفة عما إذا كانت كلمة تحويل الواردة في تعريف البروتوكول لمنطقة أبيي قد اقحمت خطأ بدلا عن كلمة belong او تؤول ملكيتها الى مديرية كردفان التى ذكرها القرار الصادر فى عام 1905 بشأن أبيى وذلك مثل متى وصل دينكا نقوك من موطنهم الأصلي في بحر الغزال أو أعالي النيل إلى منطقة أبيي الحالية في دار المسيرية وجنوب كردفان؟ وما هي المجموعات الأثنية الشمالية التي استوطنت في المنطقة قبل وصول دينكا نقوك مؤخراً ؟وهل كان بحر العرب ، وليس الرقبة الزرقاء كما ظن خطأ بعض المسئولين الانجليز ، هو الحدود الفاصلة بين مديرية كردفان و مديرية بحر الغزال كما كان معلوما للاداريين فى فترة الحكم التركى و الدولة المهدية و اكده نعوم شقير فى كتابه الشهير عن جغرافية و تاريخ السودان الصادر فى عام 1903؟ والا تنسجم هذه الحقيقة مع التقارير السنوية لمديريتى كردفان و بحر الغزال خلال الاعوام 1902، 1903، 1904 و التى تؤكد ان بحر العرب أو نهر كير و ليس الرقبة الزرقاء هو الحدود الطبيعية الفاصلة بين كردفان و بحر الغزال مما يعنى ان منطقة أبيى الحالية قد كانت ضمن حدود مديرية كردفان لوقوعها شمال بحر العرب و سبب وراء اصدار القرار بايلولة ملكيتها الى مديرية كردفان فى عام 1905؟

    فإذا ما وضع الخبراء هذه الحقائق في الاعتبار وإضافة إلى حقيقة أن المقر التاريخـــي لدينكا نقوك ومدافن زعمائهم يقع في بحر الغزال وأن منطقة أبيي كان يملكها بحق الإقامة والرعى فيها المجموعات الاثنية الشمالية التي استوطنت في جنوب كردفان لتأكد لهم ان كلمة transfer (تحويل) قد اقحمت خطأ فى بروتوكول ابيى لان منطقة أبيى الحالية لم تكن ابدا ضمن الحدود الجغرافية لمديرية بحر الغزال و انما فى شمال بحر العرب و بالتالى فى جنوب كردفان و لاتحتاج طبقا لذلك الى تحويل و انما ايلولة ملكيتها الى مديرية كردفان كما نص قرار 1905. كما أن سبب تبعية الشؤوون الإدارية لأعضاء دينكا نقوك لمديرية كردفان هو أن أقامتهم كأقلية لا تنتمي للمجموعات الأثنية الشمالية تستوجب خضوعهم للصلاحيات الإدارية والقانونية للمديرية التي يقيمون في أراضيها الإقليمية وليس لمديريتهم في بحر الغزال التي هاجروا منها إلى شمال بحر العرب ومعاملتهم وفقاً لذلك مثل باقي المجموعات الأثنية الموجودة في الإقليم منذ القدم.



    وتجاهل التقرير الإشارة إلى حقيقة هجرة ونزوح دينكا نقوك بعد حروبهم مع النوير في أعالي النيل إلى جنوب كردفان لتجنب مناقشة الموقع الأصلي والحقيقي لمشيخات دينكا نقوك وإن كانت توجد في جنوب بحر العرب أو إن كانوا يحتفظون بموقعين أحدهما في الوطن الأصلي حيث إقامة ومدافن زعمائهم في جنوب السودان والذي يعودون إليه في بعض مواسم السنة والآخر في أبيي الحالية التي تقع في شمال بحر العرب وجنوب كردفان. ولم تطرح لجنة الخبراء هذه الأسئلة لأنها اعتبرت مقترح السفارة الأمريكية في نيروبي الذي يرى أن منطقة مشيخات دينكا نقوك هي المنطقة التي سادها صراع بين المسيرية والدينكا نقوك في عام 1965 مسلمة وحقيقة مطلقة لا تحتاج إلى مزيد من التقصي والتحقيق التاريخي الدقيق.

    وأغفل التقرير حقيقة وضع دينكا نقوك كأقلية في جنوب كردفان هاجروا إليها من وطنهم الأصلي في أعالي النيل في فترة الحكم التركي المصري ليستقروا في المنطقة المتنازع عليها وما جاورها من مناطق إلى جانب الأقوام الأصليين الذين ينتمون للمجموعات الأثنية لشمال السودان.



    وأوضح إحصاء 1955 – 1956أن عدد المسيرية في المنطقة قد كان 122 ألف نســـمة ودينكا نقوك 30 ألف نسمة (126) ويمكن أن نستنتج من ذلك أن عدد سكان مشيخات دينكا نقوك في أبيي في سنة 1905 قد كان ما بين خمسة إلى سبعة آلاف نسمة فقط. كما تجاهل التقرير أن مناطق جنوب كردفان التي تقع شمال بحر العرب ومن ضمنها أبيي هي المجال الحيوي للمجموعات الأثنية الشمالية المتعددة التي استوطنت في الإقليم، وأن البيئة الطبيعية والثقافية التي وجدها دينكا نقوك بعد وصولهم إلى منطقة أبيي تنتمي إلى جغرافية المنطقة وثقافة سكان المنطقة مثل المسيرية والفلايتة والعجايرة والنوبة وغيرهم من قبائل المنطقة. وينعكس ذلك في تأثر دينكا نقوك كأقلية ببعض عادات أغلبية سكان المنطقة الذين استضافوهم مثل ارتداء السلطان كوال أورب والسلطان دينج ماجوك للجلباب الأبيض والعمامة كما توضح الصور الفوتوغرافية الموجودة لهؤلاء الزعماء منذ عشرينيات القرن العشرين (127) واكتسب بعض أعضاء دينكانقوك حرفة الزراعة التي كان يمارسها النوبة وبعض قبائل المنطقة لملائمة تربة ومناخ المنطقة لزراعة المحاصيل ، كما مارسوا عادة ختان الرجال السائدة في شمال السودان.

    وتكمن أهمية حقيقة وضع دينكا نقوك كأقلية في شمال السودان أن القانون الدولي لا يسمح للأقليات المستقرة في دول ذات سيادة بتهديد وحدة أراضي هذه الدولة بمحاولة الانفصال عنها لكي تنضم إلى مجموعتهم الأثنية في دولة مجاورة أو تأسيس دولة مستقلة خاصة ان احتمال انفصال جنوب السودان وتأسيسه لدولة مستقلة قد بدأ يتزايد بعد مضي ثلاث سنوات علي تنفيذ الاتفاقية. ومثال ذلك محاولات الأقلية الصومال في المقاطعة الشمالية الشرقية في كينيا الانضمام إلى جمهورية الصومال والأقلية الصومال في إقليم أوغادن بأثيوبيا الانضمام إلى مجموعتهم الأثنية في جمهورية الصومال.

    ولم تنجح العديد من الأقليات التي سعت للانضمام إلى مجموعتهم الأثنية في دولة مجاورة في تمزيق أراضي الدولة التي استضافتهم من تحقيق ذلك. ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر محاولة الأقلية الألمان في إقليم التيرول بايطاليا الانضمام إلى ألمانيا ومحاولات الأقلية الصومال في كينيا واثيوبيا الانضمام إلى جمهوريةالصومال، ومنع مجلس الأمن والإتحاد الأوروبي الأقلية الصرب في جمهورية كرواتيا وفي جمهورية البوسنة – الهرزك من الانضمام لجمهورية الصرب أو تأسيس دولة مستقلة ، ومنع الأرمن في إقليم ناغورنو كاراباخ في جمهورية اذربيجان من الانضمام إلى مجموعتهم الأثنية في جمهورية أرمينيا، ومحاولة الروس في أوكرانيا في منطقة القرم الإنضمام إلى مجموعتهم الأثنية في جمهورية روسيا.

    ولم ينبه ممثل كينيا و ممثل أثيوبيا زملائهم في لجنة الخبراء إلى هذه الحقيقة رغم أن بلدانهم قد عانت من محاولات الأقلية الصومال تمزيق أراضيهم مما يشير إلى افتقار التقرير إلى العديد من الجوانب الهامة في الموضوع ويثير الشكوك في حيدة وموضوعية الخبراء.

    اعترفت لجنة الخبراء في تقريرها النهائي بعدم عثورها على الوثائق والأدلة الكافية التي تساعد في إنجاز مهمة تحديد منطقة مشيخات دينكا نقوك كما كانت عليه في عام 1905الامر الذي كان يلزمها بالاقرار باستحلة اجراء ترسيم الحدود في غياب الادلة و المعلومات المطلوبة. لذلك فقد كان الخيار الوحيد الذي تستطيع لجنة الخبراء بمقتضاه اكمال مهمتها هو التركيز علي مسألة إذا ما كانت ملكية المنطقة المتنازع عليها تؤول إلى قبائل شمال السودان المستقرة في جنوب كردفان أو إلى قبيلة دينكا نقوك التي تنتمي لقبائل جنوب السودان وبالتالي إذا ما كانت المنطقة تؤول إلى شمال السودان أو إلى جنوب السودان في حالة انفصاله وتأسيس دولة مستقلة.

    وتجاهلت اللجنة في تقريرها الإشارة إلى العنصر الأساسي الذي يجب وضعه في الاعتبارحين النظر في مثل هذه القضايا وهو مبدأ أوتي بوسيتيديس. وبدأت في تنفيذ الجانب العملي من مهمتها بترسيم حدود المنطقة واعداد الخريطة اللازمة بدون أدلة كافية وفي غياب مبدأ أوتي بوسيتيديس الذي يستحيل أداء مهمة ترسيم الحدود بدونه. إذ أكدت محكمة العدل الدولية حين نظرها في قضية بوركينا فاسو ضد مالي أن المسائل التي تتعلق باثبات الملكية لمنطقة متنازع عليها لا تتضمن دليل وثائقي فقط " وإنما أي دليل يمكنه تأسيس وجود حق والمصدر الحقيقي لهذا الحق" (128) واشار بروفسور شو أنه يمكن على هذا الاساس اعتبار خلافة الحكم من قوة استعمارية سابقة مصدر حقوق للدولة التي أعقبت الحكم الاستعماري وبحكم مبدأ أوتي بوسيتيديس الذي يقوم بتعريف الأراضي كوحدة جغرافية.(129) وتعتبر الإجراءات التي تتخذها السلطات الإدارية الاستعمارية أو ما يسمى Colonial Effectivites من بين الأدلة الحاسمة التي يستند عليها لتحديد السيادة على المنطقة المتنازع عليها . ومن ضمن الوثائق التي تستخدم كدليل للاجراءت التي تتخذها السلطة الإدارية الاستعمارية والتي يحدد على ضوئها خط حدود أوتي بوسيتيديس في لحظة خروج الاستعمار، السجلات التي تختص بتعيينات القضاة في المنطقة المتنازع عليها، التعيينات والاوامر العسكرية ، القضايا المتعلقة باصدار الرخص، وثائق تتعلق بالاجراءات الانتخابية ، سجلات الضرائب، سجلات الإحصاء السكاني القومي أو وثائق تسجيل المواليد والوفيات، تسجيل عقود بيع الأراضي، المداولات المدنية أمام المحاكم، المداولات الجنائية، مداولات المجالس المحلية والتصرف في الأراضي، سجلات تتعلق بتشييد المدارس وتعيين المدرسين. (130).وكان كل هذا النوع من القضايا الذى يتعلق بأبيى من صلاحيات مديرية كردفان.

    ويعتبر الامتلاك الحقيقي للمنطقة في حد ذاته استناداً على ممارسة السيادة عليها دليلاً لتأكيد الملكية بواسطة أوتي بوسيتيدس مع ملاحظة أن لوجود أو غياب احتجاج أو اعتراض على ذلك أهمية خاصة. (131)

    وكانت النتيجة الحتمية لابعاد لجنة الخبراء لمبدأ أوتي بوسيتيديس كدليل رئيسي لمعالجة قضية الأرض المتنازع عليها هي مزيد من الانتهاك لخط أوتي بوسيتيديس الموروث من الاستعمار وذلك بإعادة ترسيم حدود منطقة أبيي وجنوب السودان إلى المنطقة التي دار فيها صراع مسلح بين الدينكا والمسيرية في عام 1965 إضافة إلى منطقة تقع شمال بحر العرب تقضي فيها المسيرية 7-8 شهور في العام بحثاً عن الماء والكلأ قبل هجرة دينكا نقوك إليها من الجنوب بفترة طويلة جداً (132) ويتسائل المرء عن السبب الذي دفع لجنة الخبراء إلى ابعاد مبدأ أوتي بوسيتيديس رغم أهميته الفائقة كدليل للوصول إلى نتيجة موضوعية ومحايدة لمشكلة أبيي. ويبدو لنا أن السبب وراء ذلك هو إدراك اللجنة أن تضمين مبدأ أوتي بوسيتيديس كدليل للبت في مسألة ترسيم حدود أبيي سيكشف بجلاء التعارض بينه وبين حق تقرير المصير الثانوي الذي منح لسكان المنطقة للاستفتاء حول مصير المنطقة المتنازع عليها مما قد يدفع الحكومة إلى المطالبة بمنح الأولوية لمبدأ أوتي بوسيتيديس حسب احكام القانون الدولي حتى لا يهدد الاستفتاء باقتطاع منطقة ابيي التي تقع في الأراضي الإقليمية لشمال السودان كوحدة جغرافية وتغيير حدوده الموروثة من الاستعمار.

    لذلك نعتقد أن الخلل الرئيسي في تقرير لجنة الخبراء هو ابعاده لمبدأ أوتي بوسيتيديس الذي يعتبر الدليل الأساسي الذي لايمكن الاستغناء عنه حين البت في المسائل التي تختص بملكية منطقة متنازع عليها وترسيم الحدود خاصة وأن هناك احتمال قوي بانفصال جنوب السودان وتأسيس دولة مستقلة بمقتضى ممارسة حق تقرير المصير. ونتيجة لذلك فد افتقر التقرير النهائي للجنة الخبراء إلى الموضوعية والحياد بين أطراف النزاع. وقال د: سليمان الدبيلو في هذا السياق "ذهبت لجنة الخبراء لايجاد المبررات لادعاءات الحركة وأكثر من ذلك فقد بذلت جهداً في لي عنق الحقيقة لدحض الثابت والموثق من طرح الحكومة والمسيرية، بل لبلوغ هذه الغاية اضطرت لتزوير جغرافيا وتاريخ السودان والمدعم بالوثائق والخرائط والمؤلفات ، ولم يكن الهم الأكبر للخبراء مصلحة دينكا نقوك لأن مصلحتهم والمسيرية واحدة على مدى التاريخ وإنما كان كيفية ضم أكبر مساحة من مربعات البترول، ولو أنهم وجدوا أي وسيلة لأدخلوا منطقة البترول حول رجل الفولة إلى حدودهم المقترحة".(133)

    وذكر حسين القوني أن ممثل الأمم المتحدة السابق إيان برونك قد انتقد تصرف لجنة الخبراء لعدم إطلاعها بقية اعضاء لجنة ترسيم حدود أبيي العشرة على التقرير النهائي إلا عندما تم استدعائهم لسماع التقرير أمام رئيس الجمهورية.(134) كما اشار القوني إلى أن لجنة الخبراء لم تلتزم بالإجراءات القانونية لرفع التقرير إلى رئاسة الجمهورية عندما قامت بتسليمه مباشرة إلى الرئاسة وتجاوزت بذلك أعضاء مفوضية حدود أبيي المكونة من خمسة عشرة عضواً وهي الجهة المناط بها رفع التقرير النهائي لرئاسة الجمهورية طبقاً لنصوص ملحق التفاهم حول مفوضية أبيي.(135)

    لم تنجح لجنة الخبراء في تقديم تقرير يساهم في جعل منطقة أبيي جسراً للتواصل والتفاهم بين قبائل جنوب كردفان وقبيلة دينكا نقوك والمحافظة على روح التعاون والتعايش القبلي التي سادت بينهم لفترة طويلة.

    وساعد التقرير في تأجيج النزاع بين سكان المنطقة وانقسامهم حيث رفض المسيرية نتائج التقرير لاعتقادهم بأن الخبراء قد قاموا بتوسيع رقعة مساحة الأراضي التي يسكن فيها دينكانقوك إلى منطقة أبعد بكثير مما كانت عليه في الأصل لتشمل مناطقهم المعروفة في الميرم وهيجليج وناما ومصايفهم التقليدية التي يقضون فيها ثمانية شهور في العام. وتمسك دينكا نقوك بنتائج التقرير وأصروا على ترسيم حدود المنطقة المتنازع عليها حسبما جاء في التقرير مباشرة.

    وساهم التقرير أيضاً في تعميق حدة الخلاف بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والذي وصل إلى تجميد شريك السلام لنشاطه في حكومة الوحدة الوطنية في 11 أكتوبر 2007 لفترة معينة. وادت حدة الاستقطاب بين سكان المنطقة التي أفرزها تقرير لجنة الخبراء إلى نشوب النزاع المسلح فى ديسمبر 2007 و الى ابريل 2008 بين المسيرية وجيش الحركة الشعبية الموجود في الحدود الجغرافية لشمال السودان رغم أن بروتوكول مشاكوس واتفاقية الإجراءات الأمنية تنص على رجوعه إلى حدود جنوب السودان كما كانت عليه في 1/1/1956م.



    نحو حل مشكلة أبيي :

    استوجب دخول عامل تقرير المصير في اتفاقية السلام تنفيذ مبدأ أوتي بوسيتيديس لحماية حدود شمال السودان الموروثة من الاستعمار في حالة انفصال جنوب السودان وتحول الحدود الداخلية بين الاقليمين إلى حدود دولية، واعتباره الدليل الأساسي لتحديد إذا ما كانت ملكية منطقة أبيي تؤول لشمال أو جنوب السودان قبل إجراء استفتاء تقرير المصير. واتضح لنا مما سبق وجود تناقض أساسي بين مبدأ أوتي بوسيتيديس وبروتوكول مشاكوس الذي أقر الحدود بين الشمال والجنوب طبقاً لحدود 1/1/1956 من جهة وبروتوكول أبيي الذي منح سكان منطقة أبيي حق تقرير مصير ثانوي يكفل لهم حق الاستفتاء لتحديد مستقبل المنطقة من جهة أخرى وتهديد الاستفتاء المزمع قيامه باقتطاع منطقة أبيي من الأراضي الإقليمية لشمال السودان وتغيير حدوده الموروثة من الاستعمار.



    وأدرك حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أن تقرير لجنة الخبراء قد أدى إلى تعقيد وتازيم مشكلة أبيي، وقرروا في الاجتماع المنعقد في 12/8/2006 اختيار الحل السياسي بدلاً عن البدائل الأخرى مثل دعوة الخبراء للدفاع عن تقريرهم أو احالة المسألة للحل بالطرق القانونية في المحاكم أو احالتها للتحكيم من قبل طرف ثالث (136) لذلك فقد أصبح السبيل الوحيد للحفاظ على الانسجام والتمازج العرقي في المنطقة المتنازع عليها وتجنب انهيار اتفاقية السلام وتجدد اندلاع الحرب الأهلية هو التوصل إلى تسوية سياسية يتراضى عليها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والمسيرية ودينكا نقوك.



    ونقدم فيما يلي تصور لحل مشكلة أبيي يتكون من اقتراحين على النحو التالي:

    على الرغم من ضمان القانون الدولي بحكم مبدأ أوتي بوسيتيديس لإبقاء منطقة أبيي ضمن الأراضي الإقليمية لشمال السودان لكيلا يتم تغيير حدوده الموروثة من الاستعمار كما تم اقرارها في بروتوكول مشاكوس، يوافق حزب المؤتمر الوطني على تقسيم منطقة أبيي بوضعها الحالي وضم 60% من مساحتها إلى الأراضي الإقليمية لجنوب السودان و40% من مساحتها إلى أراضي شمال السودان مقابل موافقة الحركة الشعبية على إلغاء حق تقرير المصير وتعديل الاتفاقية لاستمرار الصيغة السياسية الحالية للعلاقة بين شمال وجنوب السودان .

    في حالة عدم قبول الحركة الشعبية للاقتراح الأول ، يوافق المؤتمر الوطني على تقسيم منطقة أبيي بالتساوي حيث يتم ضم 50% من مساحتها إلى جنوب السودان و50% من مساحتها إلى شمال السودان مقابل موافقة الحركة الشعبية على تعديل الاتفاقية لتضمين صيغة نظام كونفدرالي فضفاض يمنح جنوب السودان وضع شبه سيادي في إطار السودان الموحد وإلغاء المواد الخاصة بتقرير المصير لتجنب انفصال الجنوب وتمزيق وحدة أراضي السودان.(137)



    ليس هناك أدنى شك في أن استمرار الوضع الراهن لمشكلة أبيي بعد صدور تقرير لجنة الخبراء بدون أي حل إلى عام 2011 سيؤدي إلى انهيار الاتفاقية وتجدد اندلاع الحرب الأهلية قبل نهاية الفترة الانتقالية. وفي حالة عدم حدوث ذلك ستكون النتيجة الحتمية لاستفتاء تقرير المصير انفصال جنوب السودان بكل ما يترتب عليه من نتائج كارثية واندلاع الحرب بين الدولتين بعد برهة قصيرة بسبب مشكلة أبيي مثلما اندلعت الحرب بين أثيوبيا واريتريا في عام 1998 بسبب النزاع حول منطقة بادمي بعد انفصال اريتريا من أثيوبيا، واندلاع الحروب من وقت لآخر بين الهند وباكستان بسبب مشكلة كشمير ونشوب الحروب بين فرنسا والمانيا منذ القرن الثامن عشر وإلى الحرب العالمية الثانية بسبب النزاع حول الألزاس واللورين.

    ولعل من أهم مزايا هذه الإقتراح هو ارتباط نجاحه في حل مشكلة أبيي بضمان وحدة السودان والتي تعتبر أعظم هدية يمكن تقديمها لروح فقيد الوطن د. جون قرنق والتمهيد لتحقيق رؤية السودان الجديد في المدى البعيد بعد انتشار النفوذ السياسي للحركة الشعبية في كل أرجاء السودان. فهل تضحي الحركة الشعبية بالجزء الأصغر الذي حققه لها بروتوكول أبيي وتقرير لجنة الخبراء من أجل بقاء الجزء الأكبر أي صيانة المكاسب العظمى الأخرى التي حققتها اتفاقية السلام مثل ترسيخ الديموقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق الأمن والإستقرار واستمرار انتاج وتصدير النفط لانجاز التطور والرفاه الاقتصادي المنشود؟

    الهوامش



    د. أمين زين العابدين ، اتفاقية السلام الشامل وخلفية الصراع الفكري (مطبعة جامعة الخرطوم ، 2007) ص.123، انظر نفس المصدر صفحة 122 الي 150 لمزيد من التفاصيل عن حق تقرير المصير.

    نفس المصدر، 123

    Thomas Franck "Postmodern Tribalism and the Right to Secession" in eds.C. Brolmann R. Lefeber, M. Zeik (M-Nijhof, The Netherland- 1993) P.6

    Ibid.

    GA.Res 1514, UNGAOR 15th. Sess. Supp. No 16 at 66,67 UN. Doc A/L 323, Add 106 (1960)

    تنص المادة السادسة من القرار على الآتي : "لاتتفق أي محاولة للتفكيك الجزئي أو الكلي للوحدة الوطنية وتماسك أراضي أي قطر مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة . GA RES- 1514

    O.Umozurike, Self – Determination in the International Law (1972) P. 29

    Op-Cit. P.29

    UN. Doc. S/Res./169, 1961.

    UN – Monthly Chronide, Vol. 7, Feb, 1970 P.40

    For Republic of N. Cyprus, UN Doc. S/Res-353,1974 S/Res.367, 1975, S/Res-541, 1983& S/Res./550 of 1984. For Commerian Island of Moyotte from Comoro Archipelago, UN Doc. A/Res.46/97.

    GA Res.2625, UN. GAOR, 25th Sess. Supp. No. 28 at 121. UN. Doc. A/8028 (1970)

    International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights, adopted Dec. 16, 1996, 933.UNT 53.,International Covenant on Civil and Poltical Rights, adopted Dec. 19, 1966. U ST 999 UNTS., 171.

    Ibid.Article 1

    Article 2

    Rosalind Higgins, " Comment on Postmodern Tribalism" in-eds. C. Brolmann, R. Lefeber; M. Zeick (Netherland, 1993) P.32, 33

    HRC, Communication No. 78/1980, UN Doc. A/39/40,P.200 Cited in T. Franck, Op.Cit. P.17

    R. Higgins, op. cit.p.32

    Encarta.msn.com

    P.Resnwick, Towards Canda – Quebec Union (1991)

    H.Roby, Roman Private Law in the time of Cicero and the Antonines, Vol. 1 (Cambridge Univesity Press, 1902)

    Malcolm Shaw, "The principle of Uti Possidetis today" British Yearbook of International Law, 67 (Oxford University Press, 1996) P.98

    Columbia/Venzuela Boundery Arbitration (1922) in Hackworth, Digest of International Law (1940) Vol.1, pp. 733-736

    M. Shaw, Op.cit. P.100

    Ibid

    M. Shaw "People, Territorialism and Boundaries" 8 European Journal of International Law(1997) P.495.

    ICJ Reports, Borkina Vaso v, Mali(1986) at 568.

    Ibid

    M. Shaw, "People , Territorialism and Boundaries, P-501 once the new State is established, The Principle of Utipossidetis will give way to the principle of territorial integrity- Ibid P.495

    Thomas Franck, Op.cit. P.

    A. Boahen, African Perspectives on Colonialism (John Hopkins University, 1987) P. 96

    Saadia Touval, "The Orgnization of the African Unity and African Border" 21 International Orgnization 1, (1967) P. 111

    Ibid. P. 115

    J. Herbst, "The Creation and Maintainance of National Boundaries in Africa" 43 International Orgnization, 4 (1989) P.686.

    D. Austin, "The Uncertain Frontier: Ghana-Togo 1 Journal of Modern African studies,2 (January,1963) p.140

    Ibid

    S. Touval, OP.cit.p106.; Patricia Wild "The OAU and Algerian – Morroco Border Conflict" 20 International Orgnization, (1966)pp-18-36

    Ibid. pp.120-21

    H.Ghebrewebet; Identifying Units of Statehood and Demarcating international Boundaries (NewYork, 2006)P.53

    T.Elias, "The Charter of OAU "59 American Journal of International Law, 2 (April, 1965) pp. 243-267.

    OAU Resolution on Border Disputes Among African States. OAU Documents, AHG/RES. 16(1). See also Brownlie, Basic Documents in African Affairs(1971) p.360

    M. Shaw, Tiltle to Territory in Africa (1986) p.183

    ICJ Reports (1986) at 567

    د. أمين زين العابدين المصدر السابق – ص 125

    T. Franck, op – cit. p.8

    GA/Res. / 1514 (1960)

    من ضمن الأشياء التي أشارت إليها المادة 23 فقرة 1 "يجب أن تحكم العلاقات بين الدول مبادئ التضامن والعلاقات الودية التي يؤكدها ضمنياً ميثاق الأمم المتحدة وتمت إعادة تأكيدها بواسطة منظمة الوحدة الأفريقية OAU Doc. CAB/LEG/67/3/Rev 5 (1981) Reprinted in 211 LM 59 (1982).

    E.G. Bello, The African Charter on Human and Peoples' Rights, A Legal Analysis, 194 Rd c1985/V.P.pp-13-268 at 170.

    T. Franck, op-cit.p.p

    Ibid

    UN Doc. /S/Res. 169 (1961)

    UN Doc./A/Res. 853, (1974), UN Doc.s/Res/367 at 1975

    UN Doc./A/Res.46/9

    J. Castellino, International Law and Self – determination (2000) p. 110.

    Ibid. p. 144

    M. Shaw, "The principle of uti possidetis," pp. 93 – 94.

    M. Shaw, "Peoples, Territorielism and Boundaries" p. 495

    Ibid. p. 501

    Ibid. p. 502

    Ibid. p. 505

    Ibid. p.507

    P. Radan, The Break up of Yugoslavia and international Law (New York, 2002) Silbert & Little, The Death of Yugoslavia (1995), Glenny, The Fall of Yugoslavia (1995)

    92 ILR (1993) 206 at 207

    P. Radan, op.cit-p.84- Bulletin of European Communities commissions; Joint Statement Published on September 1991, Bol-24-No-9 (1991) 1-4-2 at 63

    Opinion 1.311 LR (1993) 162 at 165

    Opinion 8,311 LR (1992) 1521، كما كان رأي مجلس الأمن في القرار رقم 65 777 الصادر في سبتمبر 1992 بأن جمهورية يوغسلافيا الفدرالية الإشتراكية قد توقفت عن الوجود. 1992. Security Council Resolution 777

    921 LR (1993) 170 at 171 – 72

    Ibid.

    R. Hasani."Uti possidetis juris. From Rome to Kosovo" Fletcher Forum of world Affairs (2003) p. 91

    Ibid. p-92

    Opinion No. 2,921 LR (1993) 167 at 168

    EPC Joint statement of August 27, 1991 – E.C. Bulletin 1991/ 7-8. p. 115

    SC. Resol. 1038 (1996)

    R- Kaiser, The Geography of Nationalism in Russia and the USSR – (1994) pp. 107 – 114. Ghebrwebt, op . cit. p. 88.

    Gheberwebt, op.cit-p.89.

    311 LR (1992) 143

    Ibid. p. 144.

    Ibid., p.48

    Ibid., pp. 143, 145

    M. Shaw. Peoples, Territorialism … p. 499

    S.C Resolutions 822 (1993) 853 (1993) 874 (1993)

    S.C. Resolutions 876 (1993) 896 (1994) 973 (1994) 977(1995) 993 (1995) and 1036 (1996)

    Lowe and Warbrick, " Current Developments " 411 CLQ (1991) 473 at 478

    S.C. Resolutions 822 (1993) 853 (1993) 876 (1993), 884 (1993) and 896 (1994)

    M. Shaw, Op. cit. p. 500

    ICJ Reports (1986) p.

    Ibid. p. 567

    M. Shaw, uti Possidetis Juris, p. 152

    Ibid

    Article 2 (4) of the UN Charter, Article 11 of the Montevido Convention on the rights and duties of states, 1993 Article 17 of the Charter of the organization of American States, 1984; Article 3 of the OAU Charter, 1963 and Principles 3 and 4 of the Helsinki Final act, 1975.

    ICJ Reports, 1949, p. 35.

    K.D. Henderson "The Migratiom of the Messeria into South West Kordofan" 22 Sudan Notes and Records, pt.1 (1939) p.54

    Ibid. p.54

    Ibid. p.55

    Ibid. p. 56

    Ibid. p.60

    باخت حميدان "أبيي وماأدراك ما أبيي" Sudanile.com, 25/6/2007

    P. Howell, "Notes on the Ngork Dinka of Western Kordofan" 32 Sudan Notes Records, pt.1, (June 1951) p. 241

    Ibid p. 242.

    Ibid.

    K. Henderson, op. cit. p.58

    د. سليمان الدبليو "أبيي صمام وحدة وجسر تعايش بين الشمال والجنوب. ٍsudaneseonline,com, 15 October 1007

    حسين القوني "رؤية لحل قضية أبيي" sudaneseonline.com, 11 April 2007 د.سليمان الدبيلو، المصدر السابق

    حسين القوني، المصدر السابق P. Howell, op. cit p. 242

    M. Daly, Empire on the Nile: The Anglo-Egyption Sudan (Cambridge University press, 1986) p.71.

    Ibid. p. 138

    Ibid

    Ibid. p. 72

    د. سليمان الدبيلو ، المصدر السابق

    M. Daly, op.cit. p.72.

    Sudan Intelligence Report No. 128, March,1905

    كان الهاجس الرئيسي للسلطات الإستعمارية في العقدين الأولين من القرن العشرين تحقيق الإستقرار وقمع حركات التمرد، كما لم يكن للحكام أي دراية بلغات وثقافة سكان الجنوب وعدم رغبتهم في صرف أي مبالغ مالية وتوفير الكوادر البشرية اللازمة لترسيخ الحكم والإدارة في الجنوب. M. Daley,op-cit.pp.135,140,397.

    د. سليمان الدبيلو، المصدر السابق.

    P. Howell, op- cit. p.

    R. Collins, Shadow in the Grass (Yale University press, 1983) p.170.

    M. Daly, op. cit. p.413

    منصور خالد :أبيي: من الذي قطع الخيط – الرأي العام، 19/8/2004م.

    نقلاً عن د. سليمان الدبيلو، المصدر السابق

    مديرية كردفان: سجل اليومية الشهري، يناير 1951. نقلاً عن د. سليمان الدبيلو، المصدر السابق.

    مديرية كردفان ، سجل اليومية الشهري، إبريل 1951. نقلا عن د. سليمان الدبليو، نفسه.

    ICJ Reports, Elsalvador/Honduras, (1992) p.

    Ibid. p. 579

    Protocol Abeyi, 1.1.2

    Vid. Supra, footnote 108

    Abeyi Annex "Understanding on Abeyi Boundanies Commission; 5.

    منصور خالد، المصدر السابق.

    F. Deng, The Man Called Deng Majok (Yale University press, 1986) illustrations 1,2,20.

    ICJ Reports, (1986) p. 564

    Ibid.

    ICJ Reports, Elsalvador/Honduras (1992) pp. 572-73

    Ibid, p.566,579. M. Shaw, "The Principle of uti Possideties Juris" pp. 137,138.

    Abeyi Boundaries Commission Report, 14 July 2005. p.22

    د. سليمان الدبيلو، المصدر السابق.

    حسين القوني، المصدر السابق.

    نفس المصدر.

    نفس المصدر.

    نقترح نموذج النظام الكونفدرالي الذي طرحته كرواتيا لجمهورية يوغسلافيا الفدرالية الإشتراكية قبل زوالها وإعلان كرواتيا وسلوفينيا الإستقلال في عام 1991م.




    المصدر:
    http://www.sudaneseonline.com/
                  

العنوان الكاتب Date
مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-05-08, 10:40 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين mohmed khalail06-06-08, 00:00 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين munswor almophtah06-06-08, 01:00 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين فارس موسى06-06-08, 02:21 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين فارس موسى06-06-08, 03:08 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-06-08, 12:44 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-06-08, 04:19 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Yasir Elsharif06-06-08, 04:27 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين فارس موسى06-07-08, 00:28 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-07-08, 04:36 AM
      Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-07-08, 04:55 AM
        Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين الطيب رحمه قريمان06-07-08, 05:01 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين فارس موسى06-07-08, 06:30 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-07-08, 06:55 AM
      Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين shahto06-07-08, 08:59 AM
        Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-07-08, 01:06 PM
      Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Mohamed Yassin Khalifa06-07-08, 09:22 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين فارس موسى06-07-08, 04:19 PM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Mohamed Yassin Khalifa06-08-08, 10:18 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-08-08, 07:20 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-08-08, 08:19 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Elmoiz Abunura06-08-08, 09:51 PM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين محمود الدقم06-10-08, 02:50 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين shahto06-09-08, 02:06 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين shahto06-09-08, 02:10 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Elmoiz Abunura06-09-08, 02:47 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-10-08, 12:46 PM
      Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-10-08, 02:53 PM
        Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-10-08, 03:17 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-10-08, 04:23 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-10-08, 04:39 PM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-11-08, 01:10 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-12-08, 02:56 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-12-08, 02:59 PM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين الطيب رحمه قريمان06-12-08, 03:43 PM
      Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين الطيب رحمه قريمان06-12-08, 03:50 PM
        Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين صلاح شعيب06-12-08, 05:24 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين هاشم الحسن06-13-08, 02:30 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين الطيب رحمه قريمان06-14-08, 06:29 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين هاشم الحسن06-13-08, 02:44 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين الطيب رحمه قريمان06-14-08, 08:11 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين فارس موسى06-13-08, 03:22 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Biraima M Adam06-13-08, 12:36 PM
      Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين الطيب رحمه قريمان06-14-08, 05:38 AM
        Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين عبداللطيف حسن علي06-14-08, 11:20 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين محمود الدقم06-14-08, 08:45 PM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-15-08, 02:26 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-15-08, 02:37 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-15-08, 03:00 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-15-08, 03:06 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين فارس موسى06-15-08, 05:06 AM
    Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين الطيب رحمه قريمان06-15-08, 08:33 AM
  Re: مشكلة أبيي ..والطريق إلى الحل ..د. أمين حامد زين العابدين Kabar06-16-08, 10:03 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de