مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 02:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2008, 07:27 PM

mohammed elsaim

تاريخ التسجيل: 08-20-2003
مجموع المشاركات: 200

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور (Re: AnwarKing)

    الرق والإبادة وتسييس الغضب: فهم الأولمبياد العرقي الجديد
    هشام عائدي – معهد الشرق الأوسط، جامعة كولومبيا
    ترجمة محمد الصائم
    Slavery, Genocide and the Politics of Outrage: Understanding the New “Racial Olympics”
    Hishaam D. Aidi. http://www.merip.org/mer/mer234/aidi.html
    Middle East Report, issue no. 234, Spring 2005.

    مقدمة المترجم
    هشام عائدي هو محاضر بجامعة كولومبيا حيث يزامل البروفسور محمود مامداني الذي زار السودان مؤخرا. وهو كذلك يعمل باحثا في معهد الشرق الأوسط بنفس الجامعة. ومؤخرا جدا قام بروفسور مامداني بزيارة السودان بدعوة من مركز طيبة برس. والمقالة تتطرق لدور (الصقر الأسود) جو ماديسون الذي يزور السودان هذه الأيام ليبيع مايسميه عدة للفقراء. والمقالة تجئ في وقتها تماما مع ملتقى العلاقات الأوروبية السودانية الذي ينظمه مركز الخدمات الاعلامية السوداني. والمقالة تكتسب أهمية أكبر مع توقيت إعلان عبد الواحد محمد نور فتح مكتب لحركته في إسرائيل. المقالة التالية كتبت عام 2005 وأعيد نشرها عام 2007. وقد ارتأينا ترجمتها لأنها تمثل قراءة متأنية للداخل الأمريكي وكيف يرتبط ذلك بالخارج السوداني/الأفريقي.



    في أكتوبر 1999بثت الخدمة الإذاعية العمومية (التلفزيون الأمريكي المدعوم من الحكومة) "عجائب العالم الأفريقي"، وهو فيلم وثائقي من ستة أجزاء قام بانتاجه المفكر الأفريقي الأمريكي المشهور هنري لويس غيتس. وفي ذاك الفيلم يسافر محاضر هارفارد من مصر للسودان ويصل حتى الساحل السواحيلي في شرق أفريقيا، ومن هناك الى مناطق في غرب أفريقيا، فاحصا المواجهة بين أفريقيا والحضارة العربية، والدور الذي لعبه كل من الأفارقة والعرب في استرقاق الأفارقة. وفي مصر يعكس غيتس "ملامح الوجوه" كما تصورها التماثيل والنصب في أسوان مسجلا "سواد" الفراعنة، ومتسائلا ان كان انشاء السد العالي الذي دمر أراضي النوبة التاريخية يمثل عنصرية عربية. وفي مدن كينيا الساحلية مثل لامو ومومباسا، وفي جزيرة زنزبار، يتحدث غيتس إلى نفر من المحليين الذين - ولخيبة أمله - يعرفون أنفسهم بأنهم من أصل "عربي" أو "فارسي". "بالنسبة لي، فإن الناس هنا يشبهون الفرس كما يشبه مايك تايسون الفرس"، هكذا يعلق غيتس. "لقد تطلب الأمر من أهلي خمسين عاما ليتحركوا من الزنوج إلى السود إلى الأفارقة الأمريكان. وإني لأتعجب كم من الزمن يحتاج السواحليون ليسموا أنفسهم أفارقة".

    لقد كان "عجائب العالم الأفريقي" موجها بأفكار أمريكية غرائبية حول العرق والسواد، ومن أبسطها قاعدة "قطرة دم واحدة تكفي" والتي تعني أن أي شخص يحكم بامتلاكه قطرة دم واحدة من أصل أسود، فإنه يعتبر كامل السواد، ويخضع لنظام قانوني في المذهبية العرقية يسمى "جيم كرو" (وهو حاكم ألباما الذي صرح عن العزل العنصري – اليوم عزل وغدا عزل وعزل إلى الأبد. المترجم). وعندما سأل واحد من النقاد غيتس عن أسباب اعتباره قدماء المصريين أكثر أصالة أفريقية من المصريين المعاصرين، كانت إجابته "لو ظهر واحد من قدماء المصريين في الميسيسبي عام 1950 لتم إرساله لمؤخرة البص. وهذا منتهى السواد بالنسبة لي" (1). بتأكيده على دور العرب والأفارقة في تجارة الرقيق فإن غيتس يورط نفسه في ممارسة أمريكية معتادة بتوزيع "الخطيئة العرقية"، وهو في هذه الحالة يؤطر ل"لوم" العرب والأفارقة في مسألة الرق. وكما علق أحد الافارقة ممن استعرض أعماله "بعض منا يتخوف من أن مجهودات (غيتس) نحو اصلاح أعطاب العلاقات بين البيض الأمريكان والسود الأمريكان قد تؤدي لبذر بذور الشقاق بين الأفارقة الأمريكان وشعوب القارة الأفريقية" (2).

    والقوميون السود ليسو هم المجموعة الوحيدة في الولايات المتحدة الذين يزعمون - ولأغراضهم الخاصة - أن ثقافات بعينها، ومساحات، وتواريخ من العالم العربي هي ملكهم. لقد أشبع قوميو المسيحيين واليهود "الشرق" بمغزى انعتاق ديني. ولكن اذا كانت ارتباطات المسيحيين واليهود مع الشرق الاوسط متعصبة للصهيونية ولصالح إسرائيل، فإن تصورات الأفارقة الأمريكان تجاه شمال أفريقيا والشرق الأوسط ظلت مترددة تجاه الصهيونية، وأكثر ارتباطا بالحركات القومية الأخرى. ويتحدث مالكولم أكس، وهو من أوائل من حاولوا المصالحة بين القوميات العربية والأفريقية، يتحدث عن لقاء مع دبلوماسي جزائري في غانا شكل نقطة تحول لديه: "كنت أتحدث مع السفير الجزائري، وهو مقاتل متطرف، وثوري بمعنى الكلمة.... عندما أخبرته أن فلسفتي السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي القومية السوداء، سألني بصراحة عن أين يكون موقعه من كل هذا؟ لقد كان أبيض.. هو جزائري، وبكل المظاهر هو رجل أبيض. وقال لي اذا كنت أنا أحدد هدفي بانتصار القومية السوداء، ماذا يبقي ذلك له؟" (3)

    إن وجود العرب في القارة الأفريقية – سواء أكانوا بيضا مثل السفير الجزائري، أو خصوصا أولئك الذين يبدون سودا لكنهم يرفضون ماركة "أفريقي" – قد أثار ردود أفعال آيديولوجية عديدة، من مالكولم صاحب الدعوة الأفريقانية المتصالحة مع العرب، الى دعوات المركزية الأفريقانية المتعصبة ضد العرب وضد الاسلام. في بداية السبعينيات ظهرت مدرسة للقومية السوداء ممعنة في عدم الثقة بالعالم العربي. ومع هجمات 11 سبتمبر 2001، تسيست هذه المدرسة بصورة صاخبة وارتبطت المدرسة أكثر فأكثر في نضال مشترك مع حركات متباينة مثل المسيحية الانجليكانية، والصهيونية والمحافظون الجدد، رغم أنها كانت تاريخيا في خلاف مع كل هؤلاء. إن بعث هذا الخيط من القومية السوداء، والتي ترى أن العرب "ليسو أهلنا"، وهم "مذنبون" في نشر دمار أفريقيا بنفس درجة الغرب الأبيض، هو نتيجة احتكاكات امتدت لقرون بين مسلمي ونصارى الأفارقة الأمريكان، ونتيجة علاقات متوترة بين الأفارقة الأمريكان والعرب الأمريكان في المناطق الحضرية، ورد فعل للتصادم بين القوميات الأفريقانية والعربية على تخوم الدول الافريقية العربية، وخصوصا في السودان. وبصورة أكبر، انه بعث يأتي استجابة للمهمة الحضارية (أو المشروع الحضاري - المترجم) للقومية العربية وجها لوجه مع الأفارقة غير العرب، شعوبا وحضارات، في شمال أفريقيا وعلى تخوم الأراضي الافريقية العربية.

    هذه القومية السوداء وجدت منفذا للتعبير في المبادرة الجديدة التي تطالب بتعويضات من جامعة الدول العربية تكفيرا عن "الاسترقاق الأفروعربي" وفي حملة تأديب السودان بسبب مأساة دارفور. كلا المجهودين تغذيه النظرة التي ترى أن الناطقين بالعربية من شماليي أفريقيا – بكل سحناتهم - ماهم الا "عرق وافد" على التراب الأفريقي. ومنذ 11 سبتمبر كسبت هذه الرؤية شعبية خارج دوائر القوميين السود، مما أدى لاعادة التقارب - حول السودان - بين الأخيرين وخصومهم في المجموعات الصهيونية شبيه بذلك التصالح بين اليهود والأنجيليين حول إسرائيل. هذه التطورات يحسن تفسيرها بملمح ثابت من اللعبة السياسية الأمريكية وهو المخارجة بكبش فداء عرقي.

    يدفع المؤرخون بأن المخارجة بكبش فداء عرقي كان سببا أساسيا في تدعيم فكرة الأمة/الدولة، اذ غالبا ما تفض النزاعات بين البيض بالتواضع على تحيز مشترك ضد السود (4). وتدفع عدة تقاريرتعنى بتقييم تأثيرات هجمات 11 سبتمبر على اللعبة السياسية الأمريكية بأن هذه الهجمات قد أعادت تنظيم التقسيمات العرقية. وعند إجراء مسح لقياس السلوكيات نحو مجموعات عرقية شتى، وجد أن المشاركين، لوهلة، قد أعطوا "تقييمات أكثر ايجابية" لكل تلك المجموعات ماعدا للعرب الأمريكان والمسلمين الأمريكان الذين حصلوا على تقديرات أقل ايجابية بسبب ربطهم بهجمات مركز التجارة الدولي (5). ولا ينبغي أن تشكل هذه الأرقام أي مفاجأة. فالقومية، بعد أي شئ، قد جاء تعريفها بأنها هي "الرغبة في كبت التقسيمات الداخلية داخل الأمة ووصف الآخرين خارج المجموعة بأنهم غير جديرين بالثقة ليكونوا حلفاء وبأنهم أشرار بلا رحمة لكونهم الأعداء" (6).

    لقد قذفت هجمات 11 سبتمبر و"الحرب على الإرهاب" باللعبة السياسية الأمريكية إلى الاضطراب، منتجة عدوا جديدا وحلفاء جددا، لترسل مجموعات مختلفة مهرولة لموقع أفضل في التراتب الإثني المزدحم. وكما في السنوات الأولى للحرب الباردة، فإن الفترة التالية ل11 سبتمبر تشكل مفترقا حرجا تتلاشى فيه الاصطفافات السياسية السابقة، وتتعبأ فيه الجماعات السياسية والإثنية لمناهضة السياسات والأفكار الحاكمة، فيما يتكتل الأخرون لحصاد المكاسب السياسية عبر دعمهم المخلص لمجهودات احتواء الخطر الاسلامي. تأسر حملة "انقذوا دارفور" المناخ العرقي من عدة طرق، إذ تم استبعاد عدة تقسيمات عرقية وسياسية مختلفة، وتم ارسال التظلمات "للخارج" – الشرق الأوسط. وكما في الحرب الباردة، فإن "العرق" يبرز بوصفه عصا سياسية في الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة والعالم العربي، كما يستخدم عدة ممثلين اتهامات العنصرية لتعرية المعايير المزدوجة المدعاة على الطرف الأخر.

    وقد ساهمت المخاوف أيضا - حول كيف أن الهجرة الضخمة من أمريكا اللاتينية يمكن أن تبلقن الولايات المتحدة في زمن الحرب – في صياغة المشهد العرقي لما بعد 11 سبتمبر. وتحركت ناحية اليمين جماعات قلقة من أن تفقد مقاعدها للأسفل بسبب "التوالي العرقي" الناتج من الهجرة اللاتينية، وصارت أكثر تشددا نحو السياسة الخارجية وأكثر تأييدا لضبط صارم للحدود. وبدورهم فإن اللاتينيين، وفي حماسهم لإثبات وطنيتهم، يتشبهون بسلوكيات المحافظين حول الشرق الأوسط ويرفعون أصواتهم بنغمات من أقدم القرون حول الغزاة المورسكيين والاستبداد الشرقي. هذه التيارات تشير لحدوث تحول في التراتبية العرقية الأمريكية. لو صح تاريخيا - كما تدفع توني موريسون – أن اندماج المهاجرين قد تحقق وتم الحفاظ على أمريكا موحدة فقط بعد "التعلم من الفصل العرقي للسود" (7)، فإنه يبدو كما لو أن ذلك الاندماج والوحدة قد تحققا بعد التعلم من الفصل والإقصاء الآيديولوجي للعربي/المسلم.

    تيارات متقلبة
    يرى كورنيل ويست أن معظم القادة النافذين من الأفارقة الأمريكان في القرن الماضي - مثل ماركوس غارفي، ودبليو دو بويس (دوبوا)، وبول روبيسون، ورالف بونشيه، ومارتن لوثركنج - كانوا صهاينة ملتزمين في البدء، لكن "عند منتصف الستينيات، وخصوصا بعد 1967 وبداية الاحتلال بدأ مزاج مجتمع السود منتقدا للصهيونية ببطء، لكن بصورة مؤثرة" (8). وكان التشبيه الانجيلي لخروج اليهود المضطهدين بعد تحريرهم من الفرعون وعودتهم لأرض إسرائيل قد شنف آذان الأفارقة الأمريكان طويلا. وفي بدايات القرن العشرين كان كثير من قادة الأفارقة الأمريكان يرى الصهيونية نموذجا يحتذى لافريقيي الشتات ولتحررهم الحتمي ومن ثم رجوعهم إلى أفريقيا. لكن الجزر ضد الصهيونية قد بدا باكرا قبل حرب 1967. عند منتصف الخمسينيات كانت الصيحات المضادة للاستعمار والمضادة للعنصرية في قمة باندونغ والدعوة الأفريقانية لجمال عبدالناصر وكوامي نكروما قد ملكت زمام السود الأمريكان. وقد تقرب النظام الناصري للأفارقة الأمريكان المضطهدين في "الديمقراطية البيضاء الناصعة" للولايات المتحدة ب: "تحيات للزنوج الأحرار من مصر الحرة، ومن كل الرجال الأحرار" (9). وبعد حرب السويس 1956، أصدر دو بويس قصيدة يقرع فيها إسرائيل لخيانتها الاضطهاد التاريخي لليهود ولمن يخصها من "المقتولين والمستهزأ بهم، والمنبوذين"، ومهللا ل"اليد السوداء العظيمة لقوة ناصر" (10). وكان مالكولم إكس في شبابه يرى أن اللعبة السياسية للصهيونية ويهود الشتات هي النموذج ليتبعه الأفارقة الأمريكان، ولكن وكما يلاحظ واحد من كتاب سيرته الشخصية "ومن المثير أنه بعد قيامه بزيارة لا يعلمها الكثيرون إلى وطن فلسطين في قطاع غزة عام 1964، توقف مالكولم عن اتخاذ إسرائيل نموذجا، ومستخدما تشبيها صينيا بدلا منها"(11). وقد اجتذبت القومية العربية الكثير من الأفارقة الأمريكان في بدايات الحرب الباردة. "لدينا شخصية متفردة ونادرة في شخص جمال عبدالناصر"، هكذا صرح واحد من خطباء الشارع في هارلم عام 1955." هذا الرجل من أصول أفريقية وعربية، لكنه يرفض أن يتبع الطريق التقليدي لتمجيد تفوق العرق الأبيض عبر استغلال الشعوب السوداء... لقد جعل من حرية أفريقيا أولوية قصوى مع الوحدة العربية والتعاون الاسلامي" (12).
    وسرعان ما أدرك الرئيس هاري ترومان أن العرقية في أمريكا هي "كعب أخيل" في إطار الحرب الدعائية مع الاتحاد السوفيتي وحلفائه، الذين يستخدمونها – أي العرقية – لفضح المعايير الأمريكية المزدوجة بشأن حقوق الانسان، ولزعزعة مكانة الولايات المتحدة بوصفها قائدة "العالم الحر". ولمناهضة الدعاية الشيوعية حول العنصرية الأمريكية، قامت وزارة الخارجية بإرسال الرياضيين والفنانين السود البارزين سفراء للنوايا الحسنة في جولة للشرق الأوسط. وفي عام 1956 قام كل من ديزي جيليسبي ولويس أرمسترونغ وغيرهم من "السفراء" بزيارة لبنان وسوريا وتركيا وإيارن وباكستان، ومؤدين لعدة عروض بهدف إظهار أنه يمكن للأفراد من أي عرق في أمريكا أن يحققوا النجاح.
    لكن شعبية الاسلام والثقافة العربية وسط السود الأمريكان واصلت نموها بلا انقطاع، الأمر الذي أزعج عددا من القوميين السود والمسيحيين السود الذين كانوا مرعوبين من أن مئات الألوف من الأفارقة الأمريكان قد تحولوا لديانة وافدة. كان الاسلام محاطا بنظرة الارتياب بين سود أمريكا منذ عهد الاسترقاق عندما كان الأرقاء المسلمون - وأكثرهم لا أميون يكتبون بالعربية – ينعتون بال"المغاربة" أو "العرب"، ويتقلدون مناصب ذات سلطة مثل "خدم المنازل" أو "سائقين" مشرفين على غيرهم من الأرقاء غير المسلمين (13). منذ أيام المزارع نشأت النظرة عن الأرقاء المسلمين بأنهم أناس مترفعون ويخجلون من أن يكونوا أفارقة، وربما حاولوا أن "يتظاهرو" بشكل "عربي" أو "مغربي" من أجل أن ينالوا معاملة أفضل من الرجل الأبيض. وقد عكس تلك النظرة بوكر تي واشنطون في مذكراته "عاليا من الاسترقاق"، عندما سخر من كيف أن "رجلا ذا بشرة سوداء ... من مواطني المغرب" قد سمح له بدخول "فندق محلي" بينما حرم هو "الزنجي الأمريكي" (14). انتعشت هذه المخاوف في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي عندما كسبت جماعات "المعبد العلمي المغربي" و"أمة الاسلام" أتباعا من أهل الحضر ممن لبسوا الجلابيب والعمائم ثم نعتوا أنفسهم "المورسكيين" و"العرب" و"الآفروآسيانيين".

    ومما عضد الاعتقاد بأن التحول للاسلام مثل شكلا لل"تظاهر" حقيقة أن أن كثيرا من الأفارقة الامريكان الذين اعتنقوا الاسلام لم تتم معاملتهم بطريقة "جيم كرو". وكما في إشارة ديزي جيليسبي المشهورة، فإن كثيرا من عازفي الجاز الذين تحولوا للاسلام وتسموا بأسماء اسلامية أصبح بميسورهم أن يدخلوا مطاعم "البيض فقط"، بل تمكنوا من ختم بطاقات الهوية الاتحادية بكلمة "أبيض". وكما قال جيليبسي (انهم يقولون "ياصاح، اذا انضممت للديانة الاسلامية، فأنت لست ملونا بعد، ستصبح أبيض،" احصل على اسم جديد، ولايتوجب عيك أن تظل زنجيا) (15). لقد صدم نمو التأثير الاسلامي في أمريكا السوداء في خمسينيات القرن الماضي ليبراليين كبارا مثل ثورغوود مارشال، والذي أشار في عام 1959 ل(أمة الاسلام) بكونها "تدار بحفنة من الفتوات جندوا من السجون والمعتقلات ويمولها – وأنا متأكد – ناصر أو بعض الجماعات العربية" (16).

    كانت شعبية دعوة مالكولم إكس – بأن الكونية الاسلامية هي الاجابة على العنصرية والاستعمار الغربيين - تجذب نقادا أبعد من المجتمع الأفريقي الأمريكي. في عام 1971 كتب برنارد لويس أنه بالرغم من أن "مالكولم إكس كان ملاحظا حساسا ودقيقا.... فإن المعتقدات الاسلامية التي اكتسبها حالت بينه وبين أن يدرك الايحاءات الكاملة ل(زخرفة الألوان) التي رآها " في العالم الاسلامي. خلافا لكونه "يوتوبيا من التداخل العرقي"، يحاجج لويس، فإن قراءة سريعة ل(الف ليلة وليلة) تظهر "جودة بمستوى ألباما" و"تأثيرات من الجنوب [الأمريكي]" في الحياة العربية. [ألباما خاصة والجنوب عامة هما معقل العنصرية الأمريكية – المترجم]. وشهدت نفس السنة إصدار كتاب تشانسيلور ويليامز (دمارالحضارة الأفريقية)، والذي سيبرز فيما بعد بوصفه واحدا من النصوص المؤسسة لحركة المركزية الأفريقانية. ويكتب ويليامز كيف أنه ومنذ ايام فراعنة مصر حاول العرب أن يغزوا أفريقيا، وكيف أن النوبيين والأثيوبيين تصدوا بجسارة لمجهود "العرب الآسيويين" البيض الساعين لتدمير الامبراطورية السوداء الوحيدة والتي كانت في أصلها تتمدد من سواحل البحر الأبيض المتوسط وحتى زيمبابوي (18).

    وحديثا جدا ظهر واحد من مفكري المركزية الأفريقانية المرموقين، وهو موليفي آسانتي، الذي ادعى بأن الغزوات العربية الاسلامية لمصر زعزعت استقرار كل القارة الأفريقية: "كان العرب، بجهاداتهم أو حروبهم المقدسة، حريصين على تدمير معظم الثقافة (المصرية) القديمة"، لكن القساوسة المصريين الهاربين تفرقوا عبر القارة ناشرين المعرفة المصرية (19). وبمعرفة كراهية العرب التاريخية للسود وبمعرفة خطيئتهم بتدمير حضارة وادي النيل الأصيلة، فإن المركزيين الأفريقانيين يعارضون بشدة اتجاه الأفريقيين الأمريكيين لاعتناق الاسلام ناظرين اليه بوصفه تناقضا. وكما في كلمات واحد من النقاد عن المركزيين الأفريقانيين فإن اعتناق الأفريقيين الأمريكان للاسلام هو "هرطقة ثقافية" و "كراهية للذات من المتشبهين الذين تحركوا من مؤخرة البص إلى ظهر الجمل" (20).

    يتردد هذا المفهوم عن العرب - بوصفهم غزاة دمروا الحضارة الأفريقانية وطردوا سكان شمال أفريقيا الأصليين إلى جنوب الصحراء – بصورة عبثية من علماء أفريقيين موثرين ومن علماء الشتات الأفريقي، بالرغم من وجود دليل بنقيض ما يقولون. ووفقا لهذه الرؤية فإن سكان شمال أفريقيا الحاليين من السحنات الأقل سوادا ليسو "أصليين"، وانما هم أحفاد للغزاة والمسترقين أو للأسوأ هم مجرد طبقة هجين تم استغلالهم لاضطهاد الشعوب السوداء الأصيلة. ولكن معظم العلماء يعترفون بأن شماليي أفريقيا كانوا دائما خليطا من السحنات، ولا يقوم دليل على أنه كان هناك سود استأصلهم الغزاة. وكتب واحد من الجغرافيين البارزين "لم يكن الأمر أن العرب حلوا جسديا محل المصريين. بل بدلا من ذلك تم تحويل المصريين بواسطة أعداد بسيطة من المهاجرين الذين جلبوا أفكارا جديدة والتي عندما انتشرت خلقت هوية إثنية أكثر سعة" (21). ويعتقد مؤرخ آخر أن أدلة الهياكل العظمية والصور التاريخية القديمة "تظهر النوبيين القدماء بوصفهم أفريقيين بصورة جذرية مطابقين لنظرائهم من العصر الحالي"، وهو يرى أن ظهور العرب "أنتج تأثيرات لغوية ودينية وثقافية قوية لكنه .... لم ينتج تأثيرا كبيرا على ملامح الناس"(22). وحتى الشيخ أنتا ديوب، جد مؤرخي الدعوة الأفريقانية، قد سمى فكرة أن العرب قد تسببوا في نزوحات عرقية ضخمة ناحية أفريقيا جنوب الصحراء بأنها مجرد "خيط من الخيال" (23).

    لعبة إلقاء اللوم السياسية
    ربما كان الكاتب النايجيري الحائز على جائزة نوبل وولي سويينكا هو أشهر أنصار النظرة التي ترى بأن الاسلام والعرب مذنبون ب"بربرية القارة ثقافيا وروحيا" بنفس درجة ذنب الغرب (24). وكثيرا ماردد حججه بأنه بسبب "خطيئة العرب العرقية"، يجب ألا يعتبر شمال أفريقيا جزءا من القارة: "أفريقيا ناقصا شمال الصحراء مازالت تمثل قارة ضخمة يسكنها أطياف من الأعراق والثقافات"(25). وقد نادى سوينكا بشدة لفرض تعويضات على العالم العربي – الاسلامي وعلى الغرب. هذا الفكر يكشف المعالجة الذاتية (غير الموضوعية) لمسالة الرق في كتابات القوميين السود. ويعترف معظم المؤرخين بأن افريقيا كانت ضحية لثلاث من تجارات الرقيق – الغربية والتي أخذت الرقيق عبر الأطلسي للعالم الجديد، والشرقية التي أخذت الرقيق لأسواق شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، والتجارة الأفريقية – وتسمى أيضا الداخلية أو تجارة الرقيق الأصيل – والتى نقلت الرقيق من اقليم ما في أفريقيا جنوب الصحراء لآخر، وبلغت هذه التجارة قمتها بعد عام 1859. (26). وقد تفاوت مفكرو الدعوة الأفريقانية ومن قناعات سياسية مختلفة في أي التجارات هي أقل أهمية من غيرها، وأيها أوجب للتأكيد وأكثر أهمية للهوية الأفريقية. ولذلك فإن مالكولم إكس - والذى آمن بدعوة أفريقانية "متجاوزة للأعراق"، تضم ناطقي العربية من شمال أفريقيا – كان متنبها للدور الذي لعبه العرب في تجارة الرقيق الشرقية، لكنه اعتبرها شأنا من الماضي، بينما اعتبر العنصرية والاستعمار الأمريكيين أمرا ملحا للانتباه في عصره الحاضر.

    وبصورة مشابهة يدعو المفكر الكيني على مزروعي لأفريقانية منحازة للعرب تشمل شمال أفريقيا وتطالب بتعويضات من الغرب دون العالم العربي، لأن نظام الاسترقاق الغربي (استرقاق من الدرجة الأولى) كان أسوأ من النوعين: الشرقي (استرقاق من الدرجة الثانية) واسترقاق الأفريقيين الأصليين (جريمة استرقاق من الدرجة الثالثة)، وبسبب أن النوعين الاخيرين سمحا باندماج عرقي أكثر من النظام الغربي (27). هذا التصنيف يغضب كثيرا من القوميين السود الذين يرون في المزروعي معتذرا للاسترقاق الشرقي ويعامله بتلطف، وهذه وضعية يشترك معه فيها بالفعل كثير من المفكرين العرب والمسلمين. لكن سوينكا، مثله مثل القوميين السود الآخرين، يصمت بصورة فيها لغز كبير عندما يتعلق الأمر بالاسترقاق الأفريقي، والذي تم إبطاله كليا في بدايات القرن العشرين، لكنه يوجد حتى اليوم في النيجر ومالي وبنين وموريتانيا وهاييتي. وقد انتقد الشاعر النايجيري جي بي كلارك هذا السخط الانتقائي: "اذا كان لابد للدول الأوروبية أن تدفع، فكذلك على الدول العربية، وكذلك على الدول الأفريقية التي كونها الأوروبيون ... هذا اذا أرادت هذه الشخصيات المشهورة وهي توجه عنايتها لموضوع جبر الضرر ألا تتهم بالتحيز وبتطبيق معايير مزدوجة" (28).

    ونادرا ما تثار قضية "الاسترقاق الأفريقي"، رغم حقيقة أن ذلك الاسترقاق كان ضروريا لتدعيم دول غرب أفريقيا في القرن التاسع عشر مثل سوكوتو وماسينا وفوتاجالون، ومثل تشوكوي والزولو في جنوب أفريقيا، كما أن الاسترقاق صمد في سيراليون حتى 1926 وفي أثيوبيا حتى 1923. (29). وقد مال الأنثروبولوجيون الغربيون لتفادي الموضوع أو تصوير "الاسترقاق الأصيل" بوصفه "مخفف كلية ... خوفا من المساهمة في القولبة المعادية التي يضمرها كثير من العامة حول الثقافات التي يدافع عنها أولئك العلماء بالتزام" (30). وقد تعمد قادة الدول الأفريقية المستقلة حديثا أن يكبتوا أي حوار شعبي حول "الاسترقاق الأصيل"، كما أنكروه بوصفه "مخففا" خوفا من إشعال التوترات الإثنية (31).

    ونادرا ما يناقش مفكرو القوميين السود في الشتات موضوع الاسترقاق في أفريقيا، ويعاملونه بوصفه شأنا أفريقيا خاصا ("أسود ضد أسود") أو شكل عبودية خاليا من الأذى ("بدون سلاسل")، وذلك خوفا من أن يؤثر نقاش كهذا – بتحويله اللوم للأفارقة – في كفاح السود نحو حريتهم في العالم الجديد. وبدلا من تضامن مؤسس على الأهداف السياسية كما عبر عنه مالكولم إكس ونكروما، فإن القوميين السود يناضلون من أجل أفريقانية تتأسس على التصالح بين السود في أفريقيا وفي الشتات، ويمكنها أن تتحقق ب"نسيان" الاسترقاق الأفريقي وتجاوز الأطياف الإثنية والخلافات السياسية، والتوحد معا ضد الغرب والعالم العربي ("الشرق")، الحضارتين اللتين جعلتا من "الأفريقي" وحشا كاسرا. وتبرز مسألة الرق في السودان هدفا لكفاح أفارقة الشتات فقط عندما لا تعود شكلا أفريقيا للاسترقاق بل شكلا شرقيا، يقوم فيه العرب باستعباد الأفارقة الأصليين، ويمثل الشمال السوداني جزءا من الشرق التوسعي. هذه المقاربة ترتبط بقدر كبير من الاستهبال الفكري. كيف يمكن لأحدهم أن يميز بين استرقاق شرقي وآخر أفريقي؟ لقد قامت تجارة الرقيق العابرة للمحيط الهندي – مثل نظيرتها العابرة للأطلسي – بأخذ الرقيق الأفريقي لأسواق خارج أفريقيا، لكن كيف تعتبر تجارة الرقيق عبر الصحراء- والتي أخذت الرقيق لشمال أفريقيا- خارجية بينما تلك التي أخذتهم لأقاليم مختلفة جنوب الصحراء تسمى "أصلية"؟ لماذا تعتبر ا لصحراء قاسما مشابها للمحيط الأطلسي بسبب أن كلمة ساحل عربية بكل بساطة؟ (32) يبدو أن مؤرخين ذوي قناعات مختلفة – وليس القوميون السود وحدهم – يبدأون من فرضية أن شماليي أفريقيا ليسو أفارقة، ومن ثم يجعلون مشاركتهم في استرقاق القارة الأفريقية مختلفة أخلاقية عن الاسترقاق الأفريقي.

    رفضت هذه الأسئلة في مؤتمر حول "استرقاق الأفارقة تحت العرب" تم تنظيمه عام 2003 في جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا بواسطة مركز دراسات المجتمع الافريقي المتقدمة في كيب تاون ومعهد دراميه من نيويورك، لتتم المطالبة بتعويضات واعتذار من جامعة الدول العربية عن "الاسترقاق العربي والنهب العربي في أفريقيا". مبادرة التعويضات هذه تدعمها النظرة التى ترى أن العرب أزاحوا الشعوب الأفريقية الأصيلة من شمال أفريقيا. وبعض المدافعين عن التعويضات يعتبر كل من هو غير أسود من شماليي أفريقيا – وغالبا باستخدام قاعدة "قطرة واحدة تكفي" – "مذنبين"، بينما يوجه آخرون جام غضبهم تجاه كل من يعرف نفسه بأنه عربي، بمن فيهم شماليي السودان ذوي البشرة السوداء، ولكنهم يستثنون من الإدانة البربر، فهم برغم بياضهم إلا أنهم ضحايا أيضا للغزاة العرب.

    كيف طفر العرب – بين عشية وضحاها – كما يراهم الأفارقة الأمريكان من حلفاء الكفاح ضد العنصرية الغربية الى "عرق وافد" يتاجر بالرقيق ويحتل أفريقيا؟ كيف خسرت الدعوة الأفريقانية المنحازة للعرب من مالكولم إكس مقابل القومية السوداء المناهضة للعرب كما يمثلها آسانتيه وويليامز وسوينكا؟ لقد نسب بعضهم هذا التغيير – مثل شيرمان جاكسون – للعلاقات الاستغلالية بين العرب والأفارقة الأمريكان في الحواضر الأمريكية، ولتعصب المسلمين المعادي للسود. يدفع مالكولم إكس التعصب عن مهاجري الشرق الأوسط كليا "حاليا هناك كثير من العرب يرغبون في أن تعتبرهم بيضا، لكن أينما نظرت لمكانتهم في الصورة الدولية فإنهم يصطفون مع العالم الأسود. يمكنهم أن يظهروا هنا ويدعوا أنهم بيض. لكنهم ليسو بيضا عندما يرجعون". لكن حتى دفاع كهذا يبدو فارغ النبرة عندما يشعر كثير من الأفارقة الأمريكان، وبدون أن يعدموا المبرر، أن القومية العربية كانت تدير ظهرها للدعوة الأفريقانية ول"العالم الأسود". وبنفس الدرجة من الأهمية في إشعال غضب القوميين السود تجئ تلك النعرات الاستعلائية للقومية العربية والحركية الاسلامية السائدة في دول متباينة من شمال أفريقيا، والتي تتحدث علانية عن إخضاع أو جلب الحضارة للمجموعات غير المسلمة أو الناطقة بغير العربية. ويبرز بصورة صارخة، على وجه الخصوص، نظام الخرطوم العسكري ذو القومية العربية الاسلامية، مع وجود العديدين – مثل ويليامز تشانسلور – ممن يعتقدون بأن الحرب الأهلية السودانية هي مجرد استمرار يمتد لعدة قرون للحرب العرقية بين العرب الغزاة والسكان الأصليين الأفارقة. ولكن كيف للحرب الأهلية السودانية وكيف لآخر تباديلها [وتوافيقها] – اي نزاع دارفور – أن ينظر إليها بوصفها اصطفافا "للعرب" ضد الأفارقة "الأصليين"؟

    تمثيل السودان (أو التمثيل به)

    ان التحدي الماثل في تمحيص حرب السودان الأهلية المتطاولة هو في تفهم كيف – وخلافا للحروب الأهلية الأفريقية الأخرى – تحولت الحرب من" إثنية" إلى "عنصرية". ورغم أن التصوير السائد للحرب الأهلية السودانية بأنها اصطفاف للعرب المسلمين مقابل الأفارقة المسيحيين/الوثنيين ربما يكون تبسيطا مخلا، إلا أنه بنفس القدر من عدم الدقة لا يصح الدفع – كما يفعل كثير من الإعتذاريين العرب – بأن التمييز العنصري والاضطهاد هما من منتجات المستعمرين البريطانيين. يدفع المؤرخون بأنه بحلول القرن السادس عشر كان مسلمو الشمال يدعون أنسابا عربية، أما المسميات التي مازالت مسموعة حتى اليوم - من عبد أو رقيق لتعني الجنوبيين وفلاتة لتعني ذوي الأصول غرب الأفريقية – فهي مشتقة من أواخر القرن الثامن عشر عندما كانت ممالك الفونج والفور تغزو الجنوب من أجل الرقيق، و"اخترع مسلمو شمال السودان تصنيفات إثنية وعنصرية تحقيرية للاشارة للمجوعات غير المسلمة في الجنوب". وقبل قرون من ظهور البريطانيين، كان مسلمو الشمال يدعون هوية نسب عربية مستعلية ليؤكدوا أنهم نسل من الرسول محمد أو آخرين من الأجداد العرب المميزين، وكانوا يرون الآخرين من جنوب السودان، وأعالي النيل الأزرق وجبال النوبة شعوبا غير عربية "قابلة للاسترقاق". ويشرح واحد من المؤرخين أن هذه التصنيفات "أضافت حواجز وعنصرية للشعب السوداني. لم يعد للون نفسه ارتباط بالموضوع؛ كان كثير من العرب السودانيين – ومازالوا – أكثر سوادا من بعض الجنوبيين. لكن النسب كان ومازال هو المهم؛ حتى التحول إلى الإسلام لا يمكنه أن يحل تماما محل نسب عربي مقبول" (33).

    لقد أقامت السياسة البريطانية الاستعمارية بناءها على "وجود هاتين الهويتين المخترعتين". لقد اختصرت الإدارة البريطانية السودان في "شمال عربي" و"جنوب أفريقي"، وقسمت الشعوب لثلاث تصنيفات عرقية: "العرب"، و"السودانيون" للرقيق السابق، و"الفلاتة"، وحاولت في ثلاثينيات القرن الماضي أن تطور الجنوب وفق "خطوط أصيلة وأفريقية" من خلال العودة لقانون القبيلة و"اللغات الأصيلة" (34). كانت فكرة "جنوب أصيل" مقابل شمال عربي اختراعا بريطانيا سيصبح فيما بعد ذا تداعيات سياسية بعيدة النجعة. وفي ربوع أفريقيا حيثما صنف المستعمرون مجموعة معينة بوصفها عنصرا مغايرا وليست إثنية فحسب، فإن تلك المجموعة ستصبح أيديولوجيا – وعبر إنشاء قانوني – غير أصيلة، وإذا أضفنا "الهجرة الافتراضية"، سيتم إلغاء عنصرها الأصلي، وتكون الحصيلة أن توصف بأنها وفدت من مكان آخر(35). وعندما نال السودان استقلاله، اعتنق بناة الدولة في الخرطوم قومية عربية تأسست على "نسب يمتد حتى ماضي العرب الاسلامي"، وحاولت فرض هوية عربية – والشريعة الاسلامية فيما بعد – ليس في الشمال فحسب، بل كذلك في الأقاليم الجنوبية. ومن أجل تدعيم الدولة السودانية، فإن القيادة ستستخدم لغة عنصرية ترجع بتاريخها للقرن السابع عشر، لكنهم تبنوا أيضا التصنيفات العرقية والفكرة البريطانية حول "السكان الأصليين". وحاليا ورغم أن كثيرين في الشمال أعطوا أنفسهم هوية عربية وادعوا نسبا بعرب نبلاء يفترض أنهم هاجروا لأفريقيا، فإن كل ذلك لا يجعل منهم غير أصيلين.

    إن التمييز بين "العرب" و"الأفارقة الأصليين" يرد في معظم الحوارات حول نزاع دارفور. ويصرح أليكس دي وال بأن "التمييز بين العرب والأفارقة هو – تاريخيا وأنثروبولوجيا – أمر مصطنع. لكن هذا لا يجعل منه غير حقيقي، طالما تمسك به اللاعبون المعنيون". واللاعبون – وفي هذه الحالة هم عرب دارفور الذين يحاولون إبادة سكان دارفور "الأصليين" هم "عرب بالمعنى القديم لكلمة (بدوي) والتي تعني رحل الصحراء ... إن عرب دارفور هم أيضا أصيلون، وسود، وأفارقة. وحقيقة ليس هناك أى اختلافات عرقية أو دينية محسوسة بين الإثنين، جميعهم عاشوا ويعيشون هنالك لقرون طويلة؛ وجميعهم مسلمون" (36). لفترة طويلة كانت الهويات والتصنيفات الإثنية مائعة في غرب السودان، لكنها مؤخرا تصلبت حول المسميات السياسية من عرب وأفارقة. في تسعينيات القرن الماضي، ومحاكاة لجيش تحرير السودان الجنوبي، ولكسب التأييد السياسي، تشبث قادة حركة دارفور الانفصالية بمسمى "أفريقي" بديلا لخيار "مسلم". لقد فشلت محاولة تحالف بين انفصاليي دارفور والجيش الشعبي، لكن مع تواصل معارضة الجيش الشعبي لنظام الخرطوم و"حصوله على اعتراف دولي رفيع، تعلم قادة دارفور بدورهم كيف ينعتون محنتهم بألفاظ مبسطة أثبتت فعالية جيدة في كسب التعاطف الأجنبي للجنوب: أنهم ضحايا (أفارقة) لنظام عربي" (37).

    كتابات متناقضة للتاريخ
    إن التصادم بين القوميتين العربية والأفريقية حدث بعنف أقل في عدد من دول الشمال الأفريقي. حقيقة، إن ما أغضب الرأي العام للقوميين السود في الولايات المتحدة ليس هو حرب السودان فقط، ولكنها "مؤامرة الصمت" على امتداد العالم العربي عن وجود العنصرية والاسترقاق في المنطقة، مضافا إليها استكبار القوميين العرب والأنظمة والحركات الاسلاميين تجاه غير العرب في شمال أفريقيا وفي أفريقيا جنوب الصحراء. ويلاحظ كثير من الأفارقة والأفارقة الأمريكان أن رؤساء الدول العربية يجعجعون بكثير من الخطب عن الدعوة الأفريقانية، بينما هم في قرارة أنفسهم يزدرون الأفارقة. لقد أيد ناصر حركة الحقوق المدنية وتحدث بحماس عن التضامن القاري، لكنه هو من قال: "نحن في أفريقيا ... نحن لن نتنازل تحت أي ظرف عن مسؤوليتنا، وبكل قوتنا، في أن ندعم نشر التنوير والحضارة لاقصى ركن في أعماق الأدغال" (38). ومثله رجل ليبيا القوي معمر القذافي - بطل آخر لأفريقيا مشهور بخطاباته الرنانة التي تعجب السود الأمريكان - مؤلف (الكتاب الأخضر) الذي جاء فيه أن السود لديهم أطفال أكثر لأنهم "خاملون في طقس حار دائما". وحاول القذافي أن يضم شمالي تشاد بتسليحه لمجموعات على الحدود التشادية السودانية ساعيا لبناء "حزام عربي" عبر الصحراء. هذه السلوكيات الاستعلائية سائدة في الحلقات الثقافية للعرب. ويلاحظ حلمي شعراوي بمرارة - وربما هو أشهر متخصص في الدراسات الأفريقية في العالم العربي - أن معظم الدراسات الأكاديمية حول أفريقيا بالعربية تعامل القارة ك"فضاء ثقافي" أو "قارة خالية من أي ثقافة أو حضارة"، في انتظار انتشالها بالاسلام والثقافة العربية (39).

    إن النزاع بين القوميتين العربية والأفريقية هو – أيضا – "حرب للرؤى" الآيديولوجية. وبينما تبحث كثير من أنظمة أفريقيا جنوب الصحراء بعد الاستقلال عن فرص لاحتفاء بلغاتهم وثقافاتهم الأصيلة، فإن كثيرا من أنظمة شمال أفريقيا، والتي انضمت لجامعة الدول العربية، تتشبث ب"أسطورة الهجرة"، وتتقصى بأثر رجعي أصل وموطن شعوبهم للجزيرة العربية (وهذه دعوى توفر كثيرا من الذخيرة للقوميين السود وغيرهم ممن يسعون لتصوير شماليي أفريقيا بوصفهم مستوطنين). وقد جعلت كثير من دول الشمال الأفريقي العروبة هي الهوية الرسمية، والعربية هي اللغة الرسمية، بينما تكبت – أو حتى تجرم – أي تعبير عن اللغات والهويات الأصيلة غير العربية. وحاليا يتعرض التاريخ المكتوب بواسطة بناة الدولة الساعين لخلق تجانس وطني للهجوم من قبل من ينعتون أنفسهم بالحركات الوطنية "الأصيلة" في السودان والمغرب. وقد ضغطت حركة اللغة البربرية في المغرب بنجاح على الحكومة لتغيير كتب التاريخ التي تزعم أن كل سكان القطر – الناطقين بالعربية والبربرية – يرجع أصلهم للشرق الأوسط.

    وبدون أن ينتبهوا لهذا الصراع حول الرؤى التاريخية والسياسية، يستاء كثير من الأفارقة الأمريكان من احتقار القوميين العرب والاسلاميين للثقافة غير العربية والسابقة للاسلام، وبخاصة ينتقدون أن تراث مصر الفرعوني لا يتم تجسيمه بحماس في الخط السياسي لذلك البلد. ويلاحظ الأفارقة الأمريكان أن المثقفين والمسؤولين المصريين دائما ما يرفضون الارتباط بجماعات مختلفة من الشتاب الأفريقي تجتذبهم ثقافة مصر القديمة، بل ويستنكرون ذلك واصفين لهم ب"إغبياء الأهرامات". وعلى سبيل المثال ثارت ضجة في مارس 1989 حول معرض لرمسيس الأكبر في أرض معارض ولاية تكساس بدالاس. هددت جماعة حضرية تسمى لجنة متحدثي علوم السود بمقاطعة المعرض زاعمين أن المنظمين لم يعنوا بالتأكيد الكافي لسواد رمسيس الثاني. وقد رد على ذلك عبداللطيف أبو العلا مدير المكتب الثقافي للسفارة المصرية في واشنطون، بمقالة افتتاحية في صحيفة الواشنطون بوست. وقد لخص رده سلوك المصريين تجاه المسألة العرقية وأفريقيا: "يجب ألا يورطونا في هذه المشكلة العنصرية التي أعتقد انها حلت ودفنت منذ زمن طويل. نحن لا نمت بأي صلة للأفارقة السود الأصليين في عمق الجنوب. مصر بالطبع قطر أفريقي، لكن هذا لا يعني أنها تنتمي للقارة الأكبر. هذا تراث مصري وليس تراثا أفريقيا ...نحن لا يمكننا أن نقول بأي طريقة إننا سود أو بيض" (40). ربما هناك مجموعات في أفريقيا أو من أفريقيي الشتات تعترض على مسميات "أفريقي" أو "أسود" مفضلين هويات أكثر محلية، لكن القوميين السود يرون في رفض شماليي أفريقيا أن ينضموا للدعوة الأفريقانية إساءة خاصة لأنهم يجلسون على تراث أفريقي مجيد.

    هذه الخلفية التاريخية تعتبر أساسية لفهم لماذا برز السودان كهدف للنضال بعد 11 سبتمبر.

    تسويق دارفور
    في ديسمبر 1999 صرحت وزيرة الخارجية [الأمريكية] مادلين أولبرايت بأنها، ورغما عن استيائها الشديد من المعاناة السودانية، إلا "إن أوضاع حقوق السودان ليست فكرة يسهل تسويقها للشعب الأمريكي" (41). وبعد مضي أقل من ثلاث سنوات – في السابع من أكتوبر 2002 – أجاز الكونغرس الأمريكي قانون (سلام السودان)، حين صوت 359 مقابل 8 ليدينوا سجل حقوق الانسان في السودان، مع وعد بزيادة التدخل الأمريكي في عملية السلام. تم الثناء على مشروع القانون بوصفه "تعبيرا عن الوحدة" التي جمعت مصالح وقادة متناقضين على صعيد موحد. "جهوريين وديمقرطيين، بيضا وسودا، هيسبانيين وآسيويين، رجالا ونساء"، هكذا لعلع صوت المذيع، وأحد الناشطين حول السودان، جو ماديسون (الصقر الأسود)، معلقا على تنوع مجهود جماعات الضغط. ويمزح نائب نيويورك الديمقراطي تشارلز رانغل بأنه وخلال ثلاثين عاما أمضاها في الكونغرس لم يجمعه صعيد واحد مع ديك آرمي، احد جمهوريي تكساس.
    وبينما تحاول إدارة بوش أن تتوسط لإنهاء الحرب في الجنوب، أمسكت أزمة دارفور بتلابيب الخيال الأمريكي. وفي أبريل 2004، أصدر متحف ذكرى الهولوكوست الأمريكي "إنذار الإبادة" حول دارفور، وهو الأول في تاريخ هذه المؤسسة. وعند "قمة طوارئ دارفور" التي عقدت في 14 يوليو 2004 بتنظيم من [منظمة] (الخدمة اليهودية العالمية) ومتحف الهولوكوست، صرح إيلي ويزيل الحائز على جائزة نوبل: "لقد أصبح السودان اليوم عاصمة للألم الانساني والمعاناة والعذاب". وتلى ذلك أن ساعدت منظمة (الخدمة اليهودية العالمية) الأمريكية على تأسيس (تحالف أنقذوا دارفور)، ليشمل أكثر من مائة منظمة أمريكية من أجل الضغط على حكومة الولايات المتحدة والأمم المتحدة. وفي شهر يوليو تحدث وزير الخارجية [الأمريكي] كولن باول أمام الكونغرس واصفا مأساة دارفور بأنها "إبادة". ومع بداية الفصل الدراسي [في أغسطس] انتظمت حملات إيقاد الشموع حرم الجامعات على امتداد القطر، وشرع الطلاب في الترويج لمقاطعة الاستثمار في السودان، شبيها بما أشهر ضد جنوب أفريقيا إبان عصر الأبارتايد. "هذا هو التحالف الأكثر إثارة وانتشارا نشهده حول أزمة أفريقية منذ الحركة المضادة للأبارتايد في الثمانينيات ومطلع التسعينيات"، هكذا يصرح جون برندرغاست، أحد كبار مساعدي إدارة كلينتون في البيت الأبيض، وهو حاليا مع (مجموعة الأزمات الدولية) ومقرها بروكسل (42).
    وأثناء ذلك، كان إيواء الخرطوم لأسامة بن لادن حتى عام 1996 يجعلها في قلب الحرب على الإرهاب. وكذلك فإن وجود النفط - وهو مطمع لأوروبا والصين – جعل للسودان أكثر من صلة مع الإدارة الأمريكية التي تبحث عن بدائل لنفظ الخليج. وبالنسبة لكثير من الأمريكيين، كانت الحرب الأهلية السودانية جزءا من "صراع الحضارات"، حيث يمثل الجنوب السوداني "خط تصدع حضاري" يتاخم فيه الاسلام - بصورة دموية - غريما حضاريا في مكان يصبح فيه من الضروري احتواء الخطر الاسلامي المتمدد. وقد ساعد اللوبي المسيحي المحافظ، بالتعاون مع الديمقراطيين ومجموعة النواب السود، في الدفع بإجازة (قانون سلام السودان). ومما أدهش المراقبين أن دارفور أصبحت – فجأة – شأنا سياسيا داخليا [أمريكيا] يهدد بتعويق مجهودات الإدارة نحو السلام. لقد وحدت دارفور ويزيل وجيمي كارتر، وقادة الحقوق المدنية، وناشطي حقوق الانسان، وفنانين مثل ديك غريغوري وداني غلوفر، والمحافظين الجمهوريين مع الليبراليين الديمقراطيين، والسيناتور المتقاعد جيسي هيلمز مع بن كوهين وجيري غرينفيلد أصحاب شركة بن آند جيري للآيسكريم. وفي إشارته ل"تحالف البيض والسود، واليسار واليمين" و"تحالف الضمير" حول دارفور، يصرح فرانكلين غراهام بفخر: "لديك مجموعات لا تتفق سياسيا، وعندهم رؤية مختلفة كليا لأحداث العالم. لكن عندما يتعلق الأمر بالسودان فإننا نعمل معا" (43).
    ولما كان معلوما أنه ليس هنالك ضحايا مسيحيين لتعبئة اليمين المسيحي، فقد حيرت حملة دارفور كثيرا من مراقبي أفريقيا. ولاحظت صحيفة الواشنطون بوست في أغسطس أن "دارفور هي مأساة بمقاييس لا يمكن تخيلها – ماعدا أنه في دورة سريعة حول العالم، يمكن للكوارث الأخرى أن تسيطر على خيالنا. لأنه إذا كان ثمة مؤشر (مقياس) للبؤس الدولي، فإن دارفور ستنال كثيرا من الشركاء". وتعترض المقالة بأن دارفور قد أصبحت "واحدة من كفاحات العالم الحارة" لأن معسكرات اللاجئين سهلة الوصول، ولأن هناك شبكات ذات وجود سابق من ناشطي الأفارقة الأمريكان والمسيحيين، ولأن إبادة رواندا أكملت للتو عامها العاشر. وبعد شهرين تساءلت صحيفة (لوس أنجيلوس تايمز) عن لماذا تمضي الحرب الأهلية في يوغندا – القريبة من جنوب السودان والتي تسببت في نزوح مليونين واغتصاب عشرات ألاف النساء – "بالكاد غير ملحوظة من العالم الخارجي". وتخرج الصحيفة بنظرية أن دارفور قد فازت ب"جائزة يانصيب الاهتمام العالمي" لأن فيها صدى "لعناقيد غير مألوفة من المصالح"، وخصيصا جماعات الأنجليكانيين، والأفارقة الأمريكان واليهود الأمريكان الذين "أتت بهم أتهامات الإبادة وما تثيره من صدى الهولوكوست".
    وكثير من المراقبين الأفريقيين مذهولون من انتباهة الشعب الأمريكي لدارفور. وكتبت افتتاحية في صحيفة (النيشن) الكينية اليومية أن دارفور جذبت "انتباها غير مستحق" وتحجب الضوء عن "مناطق للمشاكل" أكثر أهمية (44). وعندما أجاز الكونغرس قرارا بتسمية أزمة دارفور إبادة – مخالفا بذلك الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة - تعجبت مجلة (جيون آفريك) المحترمة كيف أن جماعة الضغط الرئيسية خلف المشروع "نواب الكونغرس السود، [كيف] تم اقناعهم بالابادة في السودان على يد البيض ضد السود" (45). وعندما سافر باول وأمين عام الأمم المتحدة كوفي عنان إلى دارفور، بالطيران فوق إقليم شمالي يوغندا المعذب، تساءل مفكر أفريقي مرموق "لماذا لم يتوقف (عنان) هنا (في يوغندا)؟ ولماذا ليس كيغالي وكينشاسا؟ ألا يتوجب علينا أن نطبق نفس المعايير لحكومات كمبالا وكيغالي وغيرها من الأماكن كما نفعل مع حكومة الخرطوم، حتى ولو كانت كمبالا وكيغالي حلفاء لأمريكا في حربها العالمية على الإرهاب؟" (46). وظلت الصحافة العربية والاسلامية – وفي ارتيابها من الاهتمام بحملة دارفور – ترى فيها إما مقدمة خداعة لتغيير النظام في السودان الغني بالنفط، أو حبكة علاقات عامة لصرف الانتباه عن فلسطين والعراق.
    ولكن حملة (أنقذوا دارفور) يمكن فهمها بصورة أفضل بالنظر إلى المشهد السياسي لما بعد 11 سبتمبر. وخلافا لكل "المواقع الحامية" على امتداد أفريقيا، تنداح مأساة دارفور عميقا داخل الولايات المتحدة لأنها صورت بوصفها نزاعا عنصريا بين "العرب" و "ألافريقيين الأصليين"، ولأن السودان هو موقع تتقاطع فيه "الجغرافيا الأخلاقية" (47) للقوميين السود والقوميين اليهود والقوميين المسيحيين، ولأن أزمة دارفور تعطي فرصة فريدة للوحدة ضد عدو مابعد الحرب الباردة الجديد.
    وقد خرق الناقد الثقافي ستانلي كراوتش صمت المجتمع الأفريقي الأمريكي تجاه "الهولوكوست الجنسي غير المسبوق" في يوغندا وسيراليون والكونجو، وتجاه "المعايير المزدوجة للسلوك العدواني" الذي لا يعترض على فقدان الحياة في أفريقيا الا عندما يكون المتسببون فيه "بيضا" (48). وربما أضاف كراوتش أنه، وخلال السنين الأخيرة، برز تيار جديد تجد فيه الاعتداءات - التي يرتكبها أفارقة يصفون أنفسهم بأنهم عرب – صدى ضخما لدى السود الأمريكان لأن "عروبة" الجناة ينظر اليها مبررا لنفي "سوادهم"، لأنهم يدعون هوية مالكي الرقيق. بمنطق مثل هذا، تم النظر للسودان بوصفه نزاعا عرقيا ويعتبر فيه الرفض الأمريكي للتدخل في دارفور محكوما بمعايير عنصرية مزدوجة. وكما أخبر الناشط في الحقوق المدنية المخضرم ديك غريغوري في قوله للمعلق الإذاعي تاييس سمايلي في الثاني والعشرين من يوليو 2004: "لوكان هؤلاء العرب يغتصبون نساء البيض ويقتلون أناسا من البيض مثل ماهو حادث، فإن [إدارة بوش] كانت لتنهي ذلك في اليوم التالي". ويحذر العلماء الأفارقة والناشطون في أفريقيا ويعيدون التحذير لنظرائهم في الغرب بأن ثنائية "العرب ضد الأفارقة" لا تحيط بالحالة المائعة في دارفور. ولكن، ولأغراض تعبوية، فإن مروجي حملة دارفور يصرون على التقسيم. وكما تحاجج سامانثا باورز فإنك كلما أمعنت في "تخفيف الفوارق" في النقاش حول دارفور كلما قلت احتمالات جعل القضية "سائدة عند العامة".

    لقد سمحت الحركة الناشطة لليمين المسيحي حول السودان لكثير من القادة المحافظين، والمعارضين للتمييز الايجابي [لأقليات السود وأمثالهم] والمقاومين للتعويضات عن الاسترقاق الأمريكي، بأن يظهروا بمظهر "الطيبين تجاه العرق"، وذلك بصرف الانتباه ناحية العالم الاسلامي. وكما قالها واحد من المحافظين "تجد الولايات المتحدة نفسها تعتذر عن الاسترقاق (على الاقل عندما يزور بيل كلينتون أفريقيا)، وعندما تسلم كميات ضخمة من العون الخارجي (جزئيا بسبب الشعور بالذنب)، وتعطي تفكيرا سريعا للتعويضات الاقتصادية لأحفاد الرقيق خاصتها. ومع ذلك عندما تجتمع الدول المسلمة في المنتديات الدولية، فنادرا مايناقشون أيا من هذه المواضيع، بل بدلا من ذلك يمضون وقتهم في كتابة القرارات التي تحرج إسرائيل والغرب. لايبدو أنهم يشعرون بأي أسف للماضي، ولا أي مسؤولية عن الحاضر" (49). وبالضبط كما أدت إسرائيل لضم الصفوف بين اليمين المسيحي والجماعات اليهودية، وجعلت الأخيرين راغبين في تجاوز معاداة السامية من الأولين، فقد جمع السودان معا قطاعات من الأفارقة الأمريكان مع اليمين المسيحي بعد أن كانوا في صراع ابله طويل.
    وممايزيد الإثارة أن حملة دارفور ومبادرة "التعويضات العربية" أنجبت تقاربا جديدا بين قطاعات من مجتمع الأفارقة الأمريكان ومجتمع اليهود الأمريكان. وكثير من المدافعين عن السودان [بمعنى جعل قضاياه جزءا من السياسة الأمريكية - المترجم] خارج دائرة الأنجليكانيين السود هم من غلاة الأنصار لإسرائيل. وكثيرون داخل حركة "تعويضات العرب" يتعاطفون مع إسرائيل التي يرونها حارسا ضد "التوسعية العربية". وكما صرح واحد من أنصار التعويضات العربية وهو بي جيه بانكي "تم انقاذ أفريقيا من الدعوة العربية العدوانية بواسطة الاستيطان اليهودي في فلسطين". وكثيرون من مدافعي التعويضات العربية يتعمدون استخدام لغة النزاع الاسرائيلي-الفلسطيني، متحدثين عن "المستوطنين العرب" و "الاحتلال العربي" للسودان لإلقاء مزيد من الضوء على النفاق العربي. وهؤلاء الذين تباكوا على نهاية الصداقة بين السود واليهود والتي تمتنت أثناء فترة الكفاح للحقوق المدنية [في ستينيات القرن الماضي]، كانوا يحافظون على القول بأن الأمر "يتطلب تهديدا مشتركا لإعادة إحياء العلاقة" (50). وبالنسبة لكثير من السود واليهود فإن ذلك التهديد العربي الاسلامي المتخيل هو ذاك التهديد المشترك.

    إعادة احياء تحالف السود واليهود
    لم تبدأ الحركة النشطة لليهود الأمريكان حول السودان بانفجار القتل الذي ترعاه الدولة في دارفور على الوعي العالمي. لقد حاجج تشارلز جيكوبز – مؤسس المجموعة الأمريكية لمعاداة الاسترقاق – بأن اليهود يجب أن يكونوا نشطين في معارضة الاسترقاق السوداني: "ماذا يمكننا نحن الرقيق السابقين أن نفعل لمساعدة أولئك الذين [يرزحون] تحت الأغلال اليوم؟" (51) ومنذ القدم اهتمت اسرائيل والحركات الصهيونية بالمسائل العرقية والإثنية في العالم العربي. ولدى اسرائيل سجل طويل في تدريب وتسليح جماعات في كردستان وجنوب السودان "محاربين من أجل حريتهم من الاستعمار [العربي]" (52). والاهتمام الصهيوني بالأقليات في العالم العربي هو استراتيجي: بالتركيز على معاملة/اساءة الدول العربية لأقلياتها، يمكن للعلماء الاسرائيليين أن يدفعوا تسليط الضوء من فلسطين، وإظهار معايير العرب المزدوجة، وعرض كيف أن حالة الدونية عند أقليات الشرق الأوسط تطلبت مشروعا صهيونيا لرفع يهود الشرق الأوسط "عاليا من مكانة أهل الذمة"، ومن أجل إظهار كيف أن اسرائيل تحمي حقوق الأقليات أفضل من أي دولة أخرى في المنطقة" (53). واذا علم صمت المجتمع اليهودي حول الكونغو ويوغندا وسيراليون، يظهر أن الغضب حول دارفور هو سياسي بقدر ماهو أخلاقي. "حاليا هناك الملايين من الأفارقة يواجهون الابادة، والأولوية العليا للأمم المتحدة هي إدانة جدار الحماية الإسرائيلي الذي ينقذ حياة كثيرين على طرفي الحاجز الأمني"، هكذا يعلن النائب الديمقراطي عن نيويورك إليوت إنجيل (54). وكذلك فإن جيكوبز هو أيضا مؤسس (مشروع داؤود) الذي يراقب تدريس دراسات الشرق الأوسط في حرم الجامعات الأمريكية، ويروج لحملة مقاطعة الاستثمار في السودان علانية من أجل التصدي لحملة مقاطعة إسرائيل. وكما يقولها جيكوبز: "لقد وضع الإسرائيليون تحت اختبار لم يطبق على أي واحد غيرهم. لن تسمع همسا حول شعب السودان لكن ... تم استهداف اسرائيل لوحدها بطريقة هي عنصرية" (55).
    وينظر لارتباط الناشطين اليهود بالحركة الناشطة عن السودان – كما ينظر لدعم القادة الأفارقة الأمريكان لاسرائيل – بوصفه علامة "احترام متبادل" لمعاناة كل من المجتمعين، في ربط للهولوكوست مع الاسترقاق يمكنه أن يجسر المسافة بين السود واليهود في أمريكا. وفي عام 2001، وفي مسعى لتحسين علاقات السود واليهود، حاول الحاخام شمولي بوتياخ أن ينظم لمايكل جاكسون والقس آل شاربتون رحلة للسودان، ربما تساعد (ملك البوب [مايكل]) في "إعادة الصلة بجمهوره"، وبعدها رحلة إلى إسرائيل للقس ليقابل ضحايا الإرهاب الإسرائيليين. وبالرغم من أن جاكسون انسحب في اللحظات الأخيرة، وأن شاربتون أغضب منظمي الرحلة عندما زار ياسر عرفات، فقد امتدح كثيرون شاربتون على زيارته للسودان وإسرائيل. "لو رجع شاربتون إلى نيويورك معلنا أن النزاع العربي-الإسرائيلي مختلط ومعقد وأن العدالة هي في مكان ما عند المنتصف، سيعني ذلك تأثيرا ايجابيا على العلاقات داخل المدينة [نيويورك]"، هكذا كتب واحد من كتاب الأعمدة. "هناك على هامش أمريكا السوداء (والبيضاء) بعض الناس، مثل الوزير [رتبة دينية-المترجم] لويس فرخان، الذين يحاولون أن يبيعوا تفسير (اللوم على اليهود) لتبرير العداء الاسلامي لأمريكا. الشهادة العينية من شاربتون بأن اسرائيل ليست هي الشيطان – أو حتى الصبي المبتدئ للساحر – سيجعل ذلك النوع من اتخاذ كبش فداء عسيرا" (56). ومؤخرا طار سيناتور نيوجيرسي الديمقراطي جون كروزين إلى دارفور ومن ثم إلى إسرائيل، وبزيارة رمزية إلى ياد فاشيم [متحف الهولوكوست الاسرائيلي – المترجم]، وقد شبه حالة دارفور بالمحرقة: "أعتقد أن هذا [المحل] ذو صلة مع اهتماماتي بدارفور. انا مؤمن بأنه يتوجب علينا أن نصارع الابادة هناك".
    أصبح كفاح السودان طريقة لتسهيل ما أسماه بعضهم بسخرية "علم الضحايا المقارن" الذي ينتشر كالطاعون بين السود واليهود الامريكان (57). بدأت العلاقات بين مجتمعات الأفارقة الأمريكان واليهود في التدهور في أواخر ستينيات القرن الماضي لاسباب تشمل معارضة اليهود المحافظين للتمييز الايجابي، ومساندة الأفارقة الأمريكان –وهم يميلون يسارا – للكفاح الفلسطيني. وكما يحكي مايكل ليرنر بغضب لكورنيل ويست "لدينا مذابح ابادة لمئات الألوف لشعب رواندا، ومع ذلك فإن الأفارقة الأمريكان لديهم ما يقولونه حول الطبيعة غير الديمقراطية لاسرائيل أكثر مما يقولونه حول إضطهاد السود بواسطة السود في أفريقيا" (58). ولكن كثيرين يحاججون بأن السبب الرئيسي للتوترات كان هو أن الهولوكوست، بوصفه مأساة، تمدد تدريجيا ليغطي على الاسترقاق في الخطاب السياسي الأمريكي. ووفقا لاستقصاء في عام 1990 قالت غالبية جلية عندما قدمت لهم قائمة بأحداث كارثية بأن الهولوكوست "كان أسوأ مأساة في التاريخ" (59). وكما قالها واحد من المؤرخين "كان المحزن [للأفارقة الأمريكان] أنه في أمريكا كانت المجموعة الأوفر حظا بهامش واسع تستغل جرائم أوروبية لتقلل من جرائم أمريكية ضد الجماعة الأدنى حظا بنفس القدر من الهامش الواسع" (60). انتقاد السود لهذا "التسلسل في خلق الضحايا" يرجع على الأقل لعام 1979 عندما زار القس جيسي جاكسون إسرائيل وأغضب الكثيرين عندما وصف الهولوكوست بأنه "مأساوي لكنه ليس بالضرورة متفردا". ومؤخرا، لاحظ راندال روبنسون - الرئيس السابق ل(ترانس آفريكا) والذي أطلق كتابه (الدين - [بفتح الدال – المترجم]) بداية السجال حول التعويضات في الولايات المتحدة – أن "الاسترقاق كان وسيظل محرقة أمريكية. لقد تواصل فترة زمنية تعادل المحرقة النازية عشرين مرة. وقتل على الأقل عشرة أضعاف ما فعلت المحرقة النازية". وبرغم ذلك، في حين نجد أن هنالك متحفا في واشنطون يخلد ضحايا الابادة النازية ومأساة مواطني أمريكا المحليين [الهنود الحمر – المترجم]، "ليس هنالك في أي مكان على المول/مركز التسوق، لا يمكن لأحدهم أن يجد أي شئ – نصبا أو تذكارا أو سجلا حجريا – ليخلد ذكرى مئات الملايين من ضحايا المحرقة الأمريكية" (61).

    وعلى نفس الدرجة، اشتعل غضب كثير من الأفارقة الأمريكان تجاه رفض حكومة الولايات المتحدة أن تشارك في السجال حول التعويضات في مؤتمر الأمم المتحدة عن العنصرية الذي أقيم في ديربان بجنوب أفريقيا عام 2001، والذي جاء بعد أعوام معدودة من انشاء مفوضية رئاسية لتطالب البنوك السويسرية بتعويض ضحايا الهولوكوست. أجابت كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس بوش آنئذ بأن "الاسترقاق شئ من الماضي قبل مائة وخمسين عاما ... علينا أن نتجه للحاضر والمستقبل"، وزادت "أعتقد أن التعويضات، واذا علمنا حقيقة أن كثيرا من اللوم سيعم الكثيرين بسبب الاسترقاق، كثير من اللوم تجاه الدول الأفريقية والعربية، وكثير من اللوم تجاه الدول الغربية، من الأفضل لنا أن ننظر للأمام، ولا نشير بأصابع اللوم للخلف" (62).

    ولما دفع عدد من شخصيات اليهود الأمريكان بأن تجارة الرقيق عبر الأطلسي ومأساة الأمريكان الوطنيين لا يشكلان ابادة تشبه الهولوكوست، امتعض كثيرون في المتجتمع الأفريقي الأمريكي لتسمية متحف الهولوكوست لدارفور "إبادة"، ومن الدعم الذي بذله كثير من الجماعات اليهودية المحافظة لحملة (أنقذوا دارفور). كانوا يرجون أن يمنح الدعم اليهودي شرعية يحتاجونها بشدة لمبادرة التعويضات، وللادعاء بأن تجارة الرقيق عبر الأطلسي شكلت "جريمة ضد الانسانية"، الأمر الذي يساعد الأفارقة الأمريكان أن يرتقوا ويسجلوا بوصة في "ميزان خلق الضحايا"، وبالنتيجة في التسلسل العرقي داخل بلادهم. وطويلا ما حاجج اليهود التقدميون بأن قومهم مؤهلون بتفرد لمساعدة الأفارقة الأمريكان في مبادرة تعويضاتهم لأن "تاريخهم هو ألأقل من ناحية الشعور بالذنب مقابل اضطهاد السود" (64)، وكثير من مناصري التعويضات يرون أن حملة دارفور تشكل فرصة تمكن المحافظين اليهود من صعود المركب. وعنى واحد من الصحافيين هذه النقطة بالذات وهو يتحدث مع جو ماديسون رئيس (حملة السودان): "هل ترى، اذا تخطينا مسألة دارفور والسودان هذه بطريقة ايجابية، أن المؤسسة اليهودية السياسية ستؤمن أسلحتها معكم حول موضوع التعويضات للسود في أمريكا؟" (65).

    هناك منتقدين لحملتي دارفور والسودان من داخل أمريكا السوداء. تعرض جيسي جاكسون للانتقاد العنيف بسبب رفضه المشاركة في حملة جيكوبز معاداة الاسترقاق، والتي أسماها [جاكسون] "معاداة العرب"، وتجنبت الأدبيات المنشورة بواسطة جماعة جاكسون المسماة (تحالف قوس قزح) التقسيم ل: عرب/أفارقة عندما تتحدث عن دارفور. ويعارض بيل فليتشر – من منظمة (ترانس آفريكا) وهي مجموعة مناصرة كونها السود لتقود حملة العقوبات ضد جنوب أفريقيا – بشده هذه الثنائية: "العرب في افريقيا هم أفارقة.... أنهم أفارقة. وإنه لمن المهم أن نفهم الدور الهام الذي لعبه عرب شمالي أفريقيا وبربرها في دعم استقلال القارة" (66). وينكت آخرون بأن الولايات المتحدة تستطيع أن تشم رائحة الاسترقاق عندما يكون داخل العالم الاسلامي. ومع ذلك وبرغم هذه الانتقادات والدعوات من أجل تخفيف الغلواء، تكتسب حملة دارفور مزيدا من الدفع، تغذي وقودها قوى قومية نافذة، وحالة عدم الاستقرار العرقي التي أطلقت من عقالها بواسطة 11 سبتمبر.

    تبادل المواقع
    "11/9 هي دعوة للصحوة تركل المؤخرة الزنجية. لقد كان البيض مشغولين جدا بزنوج البلد حتى نسوا زنوج الصحراء".
    - من أقوال الكوميدي باول مووني في برنامج نايتلاين، 30 سبتمبر 2002.

    "عندما سمعت أن أسامة بن لادن دمر مركز التجارة العالمي بسبب تعبه من اضطهاد الرجل الأبيض داخل بلاده لعشرة السنوات الأخيرة، قلت (لطفا، لقد اضطهدنا الرجل الأبيض أربعمائة سنة، ولن ترى مطلقا أي رجل أسود يحطم سيارة كاديلاك داخل مظلة للفراخ)"
    - ريكي سمايلي في "عرض نادي الفكاهة"، قناة بي إي تي (تلفزيون ترفيه السود)

    لقد سخر كثير من ظرفاء السود من "التبرئة العرقية" التي نالوها بعد سبتمبر 11. وبعد فترة قصيرة من الهجمات، قدم البرنامج التلفزيوني "بوندوكس" الخاص بالأفارقة الأمريكان فقرة بالغة الطرافة عندما يعلن الشرير ذو عشرة الأعوام هويي فريمان "أظهر الاستفتاء السنوي لمجلة نيوزويك حول (أكثر جماعة إثنية مكروهة) أن السود الأمريكان تدحرجوا من المركز الأول للثالث كما يراهم الأمريكان البيض هذا الشهر، في أكبر قفزة لهم في التاريخ". ولكن بينما يلاحظ الكثيرون حدوث النقلة في التراتب العرقي الأمريكي، قليلون هم من يمكنهم أن يحددوا بدقة من تحرك وإلى أين.
    مازال المحافظون يحذرون من خطر جديد يواجه أمريكا، وهو ما أسماه بعضهم "السونامي اللاتيني". ويحذر صامويل هنتينجتون – والذي اشتهر بحججه بأن أمريكا تواجه تهديدا اسلامية خارجيا – من الهرولة لمراقبة "التحدي الهسباني"(67). ويحذر آخرون من أن الهجرة اللاتينية يمكن أن تبلقن أمريكا نحو "أمة أورو – انجليزية" و"أمة لاتينية" أثناء زمن الحرب، ويحذرون من أن الطبقة الدنيا اللاتينية إذا لم تستوعب فيمكنها أن تصبح متعاطفة نحو العالم الإسلامي. ويكتب واحد من العلماء أنه "ربما يكون مبالغة أن يتنبأ أحدهم بأنه سيكون هناك خوف واسع من إرهاب لاتيني داخل الأمة الأورو – انجليزية، رغم أن الشباب اللاتينيين في الولايات المتحدة ربما يتعلمون بعض الأشياء من نظرائهم العرب في أوروبا" (68). ويحذر آخرون أنه في حين يؤيد المسيحيون الأنجليكانيون إسرائيل بشدة، هناك مستويات مزعجة من معاداة السامية وسط المهاجرين الجدد (69). وكثيرون ربما هم متعاطفون مع الفلسطينيين أكثر منهم مع إسرائيل، الأمر الذي قاد المنظمات اليهودية لمغازلة قادة اللاتينيين وناخبيهم بمثل تنظيم رحلات لهم لاسرائيل عبر برامج على شاكلة (مشروع التبادل الاسرائيلي).

    واحدة من الطرق التي حاولتها الحكومة لدمج مهاجري اللاتينيين كانت عبر بوابة الجيش. قاد البنتاجون مؤخرا حملة لتجنيد اللاتينيين "ويهدف تسويق التجنيد لرفع أرقام اللاتينيين داخل الجيش بنسبة عشرة إلى إثنين وعشرين في المائة تقريبا" (70). ويدفع بعض المحافظين بأن السياسة الخارجية التدخلية تمنح الأقليات فرصة ممتازة للحركة لأعلى. ويكتب نيال فيرجسون "إنه لمن الممكن تماما أن ينتهي الأمر بالأفارقة الأمريكان ليكونوا سيلتيك الإمبراطورية الأمريكية [السيلتيك قبائل سكوتلاندية مقاتلة شرسة حاربت مع الامبراطورية البريطانية- المترجم] ، مدفوعين عبر البحار بسبب الفرص المحدودة نسبيا داخل الوطن. وفعلا اذا كان لاحتلال العراق أن يدار بالجيش، فمن الصعب أن يفشل الأمر في خلق فرص وظيفية لعدد متنام من الضباط الأفارقة الأمريكان داخل الجيش" (71). لكن لم يرحب العالم العربي بصورة جيدة بوجود عشرات الآلاف من قوات اللاتينيين والأفارقة الأمريكان في العراق، ويبدو في بعض الأحيان أنه يثير روحا محلية غاضبة. ويقول واحد من المناهضين العراقيين قابلته (صحيفة الغارديان) إن المتمردين يتعمدون استهداف الجنود السود "إنه إذلال من نوع خاص أن نرى الزنوج يحتلوننا... أحيانا نلغي مهمة عسكرية عندما يغيب الزنوج" (72). لقد أدت حرب العراق وحملة دارفور مصحوبة بأدوار مرموقة لباول ورايس وعنان لاتهامات ب"استعمارية الأفارقة الأمريكان" وكثير من الحديث العنصري.

    رغم اعتراضاتهم على استهدافهم بالتجنيد العسكري، يظل اللاتينيون مؤيدين بشدة للحرب. إن الارتياب في أن تتعارض الهجرة اللاتينية مع المصالح القومية للولايات المتحدة ربما أدى لأن يصبح الناخبون اللاتينيون صقورا أكثر تشددا تجاه الشرق الأوسط. ووفقا لاستفتاء بواسطة [معهد] زوغبي أجري بعد فترة قصيرة من استعراض باول أمام الأمم المتحدة في الخامس من فبراير 2003، صوت اثنان وستون من البيض وستون من اللاتينيين مقابل ثلاثة وعشرين فقط من السود مؤيدين غزوا ضد العراق. وفي نوفمبر 2004 تمكن بوش من الفوز بخمس ولايات من أرض المعركة لديها كثافة لاتينية عالية وهي فلوريدا وأريزونا وكولورادو ونيفادا ونيو ميكسيكو، جزئيا لأن اللاتينيين لديهم مواقف محافظة حول الإجهاض والدين وزواج المثليين (73)، وكذلك بزيادة حول الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب. ويشرح هاوارد جوردان في مقابلة بغرض هذه المقالة "إن البورتوريكيين – بقاعدة عامة – يميلون للتعاطف مع الفلسطينيين بسبب احتلال جزيرتهم وروح الرفاق بين الشعوب المحتلة، وبسبب أنهم معزولون لفترة طويلة لروابطهم مع الارهاب". وجوردان يحاضر حول الدراسات اللاتينية في كلية المجتمع في هوستوس بمنطقة برونكس [احدى تقسمات مدينة نيويورك – المترجم]. ويضيف "تذكر أن أربعة بورتوريكيين مع نيلسون مانديلا كانوا على قائمة وزارة الخارجية [الأمريكية] للإرهاب. وللدومينكانيين موقف مشابه بسبب الغزو الأمريكي لجمهورية الدومينيكان عام 1965. لكن المكسيكيين والقادمين الجدد من أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية يميلون لتأييد الحرب، وهم أكثر جمهورية وأكثر محافظة تجاه الشرق الأوسط. هذه هي مؤهلات تقديمهم للأمريكيين ... هكذا يمكنهم إظهار روحهم الوطنية، ويتجنبون استعداء حكومة الولايات المتحدة. كان ريتشارد برايور يمزح بأن "زنجي" هي أول كلمة يتعلمها أي مهاجر ليضمن القبول. الآن تلك الكلمة هي "الإرهاب الإسلامي".

    عندما أعلن مكتب إحصاء الولايات المتحدة في الحادي وعشرين من يناير 2003 بأن اللاتينيين، وبتعداد تسعة وثلاثين مليونا، قد تجاوزوا الأفارقة الأمريكان لينالوا لقب الأقلية الأضخم في الولايات المتحدة، تعجب قادة الجماعات الأخرى من ماذا يعني ذلك التطور بالنسبة لهم. انزعج بعض القادة اليهود من تصاعد معاداة السامية بسبب الهجرة الهسبانية معززة بهجرة المسلمين. وعبر الأفارقة الأمريكان عن مخاوفهم من كيف أن الوجود اللاتيني المتنامي يمكن أن "يزعزع الاستقرار" التاريخي ل"حوار السود والبيض حول المسألة العرقية"، الأمر الذي يهدد تنازلات سياسية تم كسبها بصعوبة عندما يضغط اللاتينيون للاعتراف ب"بتاريخ طويل من معاناتهم على أيدي الأمريكان" (74). وباكرا طالب بعض علماء اللاتينيين بمعرض في المول/مركز التسوق "لتكريم عديدين عديدين من المهاجرين غير الرسميين من جنوب الحدود ومن كوبا، والذين نالوا حتفهم بكل سرية" (75).

    ورغما عن الاسترقاق التاريخي والتهميش المتواصل للافارقة اللاتينيين عبر أمريكا اللاتينية، نادرا ما ينظر للاتينيين بوصفهم "مذنبين" في عيون أمريكا السوداء. وحقيقة، ووفقا لواحد من ا لعلماء اللاتينيين، فإن ما يميز مهاجري اللاتينيين عن نظرائهم الأوروبيين هو أنه "لا يمكن للأفارقة الأمريكان أن يعتبروا اللاتينيين مسؤولين عن أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيما مضى من تاريخهم. إن النفسية اللاتينية خالية من الذنب.... إنهم يجلسون حول الطاولة بضمير نقي" (76). ومن معطيات المنافسة على الوظائف والموارد الاقتصادية، والمحافظة السياسية المتنامية لناخبي المكسيكيين الأمريكيين، ولتنامي ميول الهيسبانيك – بمجرد تجنيسهم – لتعريف أنفسهم بوصفهم بيضا، فربما تتدهور علاقات السود واللاتينيين، وربما يصبح اللاتينيون بجدارة "مذنبين" لجرائم الماضي ضد السود. لكن في الوقت الحالي فقد تم "الدفع خارجا" بظلامات مختلفة تجاه العالم العربي. ربما لم يكن السود مؤيدين للحرب مثل اللاتينيين، لكن الاستفتاءات بعد 11 سبتمبر أظهرت الأفارقة الأمريكان مؤيدين بصورة ساحقة لإجراءات تمييز ومتابعة العرب والمسلمين الامريكان (78). وداخل المجتمع اللاتيني، يسمع المرء سلسلة من الاتهامات عن لوس أرابيس [العرب بالاسبانية – المترجم]، خصوصا أن إصلاحات الهجرة لم تتم بسبب الارهابيين العرب الذين يحاولون "التخفي" في شكل مكسيكي ليدخلوا الولايات المتحدة عبر المكسيك. وبعد تفجيرات مدريد، والتي أرسلت موجات من الرعب على امتداد العالم الناطق بالاسبانية، يسمع المرء أيضا، وخصوصا من الأنجليكانيين الهيسبانك، تحذيرات من الغزاة المورسكيين [المغاربة – المترجم]، وكيف أن "الشرق" قد لوث الحضارة الهيسبانية في اسبانيا المسلمة [الأندلس – المترجم]، بإدخاله عقلية الجبار، وعدم التسامح العرقي، والاستبداد وهذه الأمور التي مازالت تؤذي أمريكا اللاتينية.

    وعامل آخر يقود كثيرا من اللاتينيين والأفارقة الأمريكان لإظهار تصرفات عدوانية تجاه الشرق الأوسط يتصل بما يصفه واحد من علماء الهيسبانك "عجز أمريكي مأساوي عن تمييز الهجين العرقي". وبمعطيات الخوف المنتشر من خلايا القاعدة النائمة، وبمعطيات أن العرب الأمريكان يشكلون أقل من واحد بالمائة من السكان [الأميركان]، فإن كثيرا من انزعاج العامة يتم تصويبه للمكان الخطأ ناحية الأقليات التي "تشبه العرب". يحكي الروائي اسماعيل ريد "خلال اسبوعين من تفجيرات مركز التجارة العالمي والبنتاغون، تمت مناداة بنتي تينيسي بالعربية القذرة مرتين. واختلقت عجوز بيضاء مشهدا في حافلة من سان فرانسيسكو اضطرت بنتي على إثره للنزول من الحافلة" (79). والخلط بشأن الأقليات غير العربية ومعاملتهم كعرب أدى ل"تمييز مزدوج" ناحية اللاتينيين والأفارقة الأمريكان. وتصف أكاديمية قانونية من الأفارقة الأمريكان كيف أن ابنها الطالب في جامعة نيويورك، والذي "يظهر بملامح عربي"، كيف يذهب للمطار مرتديا "بنطلونا فضفاضا ذا شعبية وسط الغيتوهات [ليثبت سواده – المترجم]" برسومات صفوف من الذرة الشامية على قميصه، ويتعمد الكلام ب"لهجة الإيبونكس [لهجة خاصة بالسود – المترجم]" ليطمئن على أنه "لن ينال تمييزا عنصريا بسبب ملامحه العربيةا. وبالطبع عندما يهبط في نيويورك، فإن فشله في إيقاف تاكسي برفع يده يؤكد أنه ينظر إليه بجلاء بوصفه أسود، أي أن الوقوف له يشكل مخاطرة كبيرة" (80). هذا التمييز المزدوج، كما أسماه بعضهم "قيادة السيارة وأنت أسود" و "الطيران بالطائرة وأنت عربي" [جمل تشابه الجنحة القانونية "قيادة السيارة وأنت مخمور" – المترجم]، أغضب كثيرا من الأفارقة الأمريكان الملتبس في كونهم عربا. إن الفكرة عن العربي بوصفه "أساسا أبيض" و "مذنب" قد أصبحت منذ 11 سبتمبر تتعايش بصعوبة مع إدارك أن كثيرا من العرب هم "سود"، وأن كثيرا من الأفارقة الأمريكان يمكن الالتباس في كونهم عربا. وفي كل مرة تتراقص فيها صور عرب سود البشرة، سواء كانوا من مليشيات الجنجويد في السودان أو مثل "المختطف العشرين" زكرياس موساوي، تهتز الصورة التقليدية للسودان و"العرب".

    ينكت الكوميدي درو كاري بأنه "يجب على العرب في أمريكا أن يقولوا بأنهم مكسيكيين فقط ويبقون في سلامة"، لكن هذا أمر لا يضحك مثقفي الهيسبانك الذي يتأملون "تشابه الملامح بين العرب واللاتينيين". ويدرس عالم الاجتماع رومان غروسفوغويل كيف أن "ملامح" وهويات مختلفة يتم النظر إليها عنصريا في الغرب، ويلاحظ أنه في فرنسا غالبا ما يتم اضطهاده ومنعه من دخول أماكن مختلفة بسبب الالتباس في أنه جزائري "المظهر البرونزي" ، لكنه حينما أخبر مضطهديه بأنه بورتريكي سمحوا له بالدخول. وفي الولايات المتحدة حينما هاجمته عصابة معادية للاتينيين من الاستعلائيين البيض قال إنه جزائري فأطلق سراحه أولئك الشباب المرتبكون (81). لكن بعد 11 سبتمبر، قليل من اللاتينيين يمكنهم أن يحاولوا نفس الخديعة. وعندما بدأ البنتاغون استهداف اللاتينيين لمزيد من التجنيد داخل الجيش، تعددت نظريات المؤامرة بأن الهيسبانك/اللاتينيين يتم إرسالهم للعراق لأنهم "يظهرون" عربا. وكما قال واحد من أصحاب المدونات "العدو بني اللون. نحتاج قوات بنية اللون. الهيسبانك/اللاتينيون يمتزجون بسهولة". وبينما يعتنق بعض اللاتينيين والأفارقة الأمريكان موقفا مؤيدا للتضامن العربي، يحاول آخرون أن يبعثوا بإشارات أنهم ليسو عربا أو مسلمين، وغالبا عبر تبني مواقف معادية للعرب بشدة.

    ظاهرة "الملامح العربية" تتعقد أكثر بحقيقة أنه بعد 11 سبتمبر أخذ كثير من العرب والمسلمين الأمريكان "يتخفون" بوصفهم سودا أو هيسبانك/لاتينيين. ويقول صاحب بقالة يمني في هارلم "بعد 11 سبتمبر، احلق رأسك، دع لحيتك تنمو، وهكذا أنت دومينكاني" (82). هذا الاهتمام المفاجئ للعرب الأمريكان - والذين أبعدوا أنفسهم لفترة طويلة من الأقليات - باللعبة السياسية العرقية وبالهويات السوداء واللاتينية قد أزعج أكثر من مجرد قلة من المراقبين. علق واحد من الكتاب الأفارقة الأمريكان "تبادل العرب والسود الأمريكان ازدراء صامتا فيما بينهم ... وكان هذا يتخمر لعقد من الزمان أو أكثر". ويضيف "لماذا يضطر البيض ليهاجموك، قبل أن تبحث عن صداقتي، وقبل أن تدرك أنك قادم من أفريقيا رغم كل شئ؟ ولماذا انتظرت حتى صرت الزنجي الأمريكي الجديد لتصبح صديقي؟" (83). يبدو أن التعميد العنصري لتمييز ما بعد 11 سبتمبر يدفع بكثير من العرب والمسلمين ناحية أمريكا السوداء.
                  

العنوان الكاتب Date
مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-24-08, 06:26 PM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-24-08, 06:30 PM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-24-08, 06:35 PM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-24-08, 06:45 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 11:27 AM
      رزقاً تكوسلو، ورزقاً يكوس ليك ! AnwarKing04-24-08, 09:04 PM
        Re: رزقاً تكوسلو، ورزقاً يكوس ليك ! Frankly04-25-08, 07:57 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-24-08, 06:56 PM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-24-08, 07:13 PM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-24-08, 07:41 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور محمدين محمد اسحق04-24-08, 08:46 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 11:43 AM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-30-08, 11:39 AM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 11:44 AM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-25-08, 08:51 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-24-08, 08:20 PM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور محمدين محمد اسحق04-24-08, 08:58 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Elgadi04-24-08, 11:43 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-27-08, 08:42 AM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly05-07-08, 03:23 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-28-08, 11:28 AM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-25-08, 08:26 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-25-08, 08:23 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-25-08, 08:26 AM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 11:28 AM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 11:29 AM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 01:59 PM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 04:09 PM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور تاج الدين عبدالله آدم04-25-08, 00:05 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور القلب النابض04-25-08, 09:00 AM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-25-08, 03:16 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور مؤيد شريف04-25-08, 03:34 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-28-08, 07:45 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-25-08, 04:45 PM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-25-08, 04:48 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-25-08, 06:06 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-25-08, 06:49 PM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-25-08, 07:23 PM
              Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-25-08, 07:44 PM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور mohammed elsaim04-25-08, 07:27 PM
              Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور mohammed elsaim04-25-08, 09:31 PM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 10:06 AM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-26-08, 06:51 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-26-08, 07:00 PM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-28-08, 06:23 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-26-08, 08:34 PM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-26-08, 09:48 PM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-26-08, 09:55 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-26-08, 10:12 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Ahmed Mohamedain04-26-08, 11:11 PM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور القلب النابض04-27-08, 02:07 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور ناصر جامع04-27-08, 05:56 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-27-08, 08:11 AM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-27-08, 08:42 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-27-08, 09:02 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-27-08, 09:22 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-27-08, 12:32 PM
      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-27-08, 05:07 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-27-08, 05:15 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-27-08, 05:25 PM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-27-08, 05:34 PM
              Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-27-08, 05:49 PM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-27-08, 05:48 PM
              Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور amir jabir04-27-08, 05:57 PM
                Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور amir jabir04-27-08, 06:39 PM
                  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-27-08, 08:02 PM
                    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-27-08, 08:16 PM
        Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-27-08, 08:25 PM
          Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-28-08, 01:12 PM
            Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-28-08, 03:42 PM
              Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-28-08, 04:18 PM
                Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-28-08, 05:59 PM
                  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Mohamed Suleiman04-28-08, 06:11 PM
                    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-28-08, 06:40 PM
                      Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور amir jabir04-28-08, 06:46 PM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-28-08, 06:50 PM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور ناصر جامع04-29-08, 05:46 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly04-29-08, 05:21 PM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور abdu abdalla04-30-08, 00:06 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing04-30-08, 01:23 PM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly05-01-08, 11:12 AM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly05-01-08, 11:56 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly05-01-08, 03:32 PM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور ناصر جامع05-02-08, 04:32 PM
  Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور AnwarKing05-03-08, 06:25 AM
    Re: مفكر أفريقي يدرّس بجامعة كولومبيا الأمريكية ينتقد التصور الأمريكي لدارفور Frankly05-07-08, 10:12 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de