|
|
 الريموت كنترول (2)
|
بعد ذلك تركني عِتمان في الحلة، وأنا قاعد (أحاحي الطير).. فقد غادر الرجل مترقياً إلى قصور الخرطوم، والريموت كنترول في جيبو.. وما نسي أبداً أن ينعم علينا بعودة البث بعد أن اشترط على خليفته في إدارة (الشؤون) أن يركز معانا على برنامج ساحات الفداء, وبالكتير ممكن يخلينا نكتحل ويكتحل معنا بقية القوم باليمنية!
وكما تقولون.. جناً تعرفو, ولا جناً ما بتعرفو.. كان الرفاق كلما رصعوني بـ (سيك) في الوِست ألوذ إلى التلفزيون زاتو في محاولة مني لمعرفة لغة القوم.. ورغم النصائح التي مازلت أتذكرها من قراءاتي لمطبوعات نوفوستي, إلا أنني بالطبع بالطبع لن أكون في أمان من شر القوم, أما عِتمان, فأنا أمامه بالطبع (جُضماً متعوِّد الكِفّيت)!..
ولن أحدثكم عن عِتمان في الخرطوم.. أنتم أدرى بشعاب المنشية.. لكن عِتمان عاد إلى الحلة بعد شهور ومعه ليلى علوي بعجلات محننة..! بقى تريان.. بقى يراري, وقد شذب الدقن، وصار أقرب إلى الود أحمد منصور منه إلى راغب علامة.. لكن مع الأسف لابس جلابية، والشال ذي الخطوط الثلاثة (جهاد.. نصر.. شهادة)!
ودخلت عربة البهاء كله الى الحلة, ورسمت حناءها على أزقتنا.. وفتح الباب.. وشممت عطراً جعل ذكرياتي القديمة كلها تصحو ولا ترعوي.. ذهنيتي الطبقية لم تسعفنِ ولن أتماسك.. العصر ليس من أكمام الرجل فقط, بل من وسائد الفارهة كذلك.. عطراً عتقته الكندشة.. وكنت إلى وقت قريب أعتقد أن بت السودان وفلور دامور هو أبدع ما أنتجته النصارى من نيكوتين!
ثم خانتني ذهنيتي الطبقية ورفعتني إلى مزيد من الفضول لقد أسرني الرجل, أنا منذ أن جاء, وأنا أجر فيهو النور الطويل! وهو يقدل من فارهة مشتحة الأبواب وسايقا صلاح.. سايقا صلاح..
لا أظن أن عِتمان سواق اللستر يجهل سواقة العربات أو يجهل أي شيء.. لكنه أراد ـ بالطبع بالطبع ـ أن يوفر فرصة عمل لصلاح.. وسايقا صلاح.. سايقا صلاح.. وأدخل عِتمان يداً ناعمة جداً في أصابعي.. ثم سحبها بسرعة كما لو أنه كرش حيطة جالوص.. قال لي وهو يعاين إلى المستقبلين:
أووه انت لسه قاعد؟
وبما أنني أعرف عِتمان ظاهراً وباطناً, فلاشك أبداً في أنه قصد أن يقول: ( انت لسه عايش!.. انت لسه حي).. والحي يلاقي.. الحي يفرفر.. لكنه في مثل هذه الأوضاع أشبه بفأر تطارده الكدايس!
وجلس عِتمان لاستراحة من عناء مصافحة الحلة! وتغبير رجليه فيها.. وتصدر المجلس فوق كرسي المغترب الذي حدثتكم عنه قبل قليل, وأمام عِتمان كوز كبير من السوبرديب! وأمانة يا السوبرديب ماك عجيب.. بعد الحوقلة حدثنا عن التعب والجري الشديد في الخرطوم: و (نحن ما قاعدين ساكت.. نحن جينا عشان ننقذ البلد دي..) إلى آخر الكلام الذي من نوع (أمريكيا روسيا قد دنا عذابها)!
حانت من عِتمان التفاتة.. ووجدني لسه جاري فيهو النور الطويل.. فقال: الناس دي لسه في درب الضلال.. البلد محاصرة من دول الاستكبار, وهم من ضل لي ضل يلعبوا الكوتشينة؟.. ويا جماعة الكوتشينة دي حرام..
ثم أن عِتمان سألهم عن اللستر.. وأفادوه أن اللستر بخير وصحة جيدة, لكن بس الجاز.. الجاز.. ما لاقين الجاز.. قهقه عِتمان وقال: (هسه دي مشكلة؟.. انتو ما عارفين انو السودان بقى دولة بترولية).
ثم عاد مرة أخرى للحديث عن الكوتشينة والعواطلية والملحدين.. ولازم تكون الحلة حلة نموذجية.. ثم أطلق العبارات المعروفة عند القوم لنهاية الجلسة فارداً أصبع التحدي (أي مد السبابة), ووقف بكرشٍ بديع.. وخرج لاستراحة من وعثاء السفر..
أنار القوم الحلة إلى منتصف الليل ترحيباً بالزائر الكريم.. وذهبت إلى تربيزة الكوتشينة ووجدتهم قرفصوا علينا المَنَفِلة. وجالون وخرطوش مقطوع ومفتاح انجليزي.. انتهى..
دلفت إلى رمال حلتنا وفي يدي راديو روسي أو ماركة فيلبس وسمعت الإذاعة تقول: (وجدير بالذكر أن سيادته سيطير الأسبوع القادم إلى ماليزيا في مهمة رسمية ـ وذلك ـ بعد عودة سيادته من مسقط رأسه).. انتهى..
ومرة أخرى خانتني ذهنيتي الطبقية.. ولكني بدأت على كل حال في مواجهة الآثار الجانبية لهذه الزيارة المفاجئة.. صادفتني خالتي نعيمة وهي تقول لي: (قلم ما بزيل بلم) وحين ضحكت قالت: (تضحك يا أب قلباً ميت)؟
ثم عرفت فيما بعد أن عِتمان شحن من ماليزيا كونتينر كوتشينة إلى السودان العظيم!..
|
|
 
|
|
|
|
عبد الله الشيخ
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست